
مبعوثة أممية لمجلس الأمن: لن نشارك بآلية مساعدات لغزة تنتهك المبادئ الإنسانية
قالت المنسقة الخاصة لعملية السلام في الشرق الأوسط بالإنابة سيغريد كاغ إنه يجب على إسرائيل وقف هجماتها المدمرة على الحياة المدنية والبنية التحتية في قطاع غزة ، وأكدت خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي أن المنظمة الدولية لن تشارك في آلية إيصال مساعدات تنتهك المبادئ الإنسانية.
وأضافت كاغ أن فلسطينيي غزة -الذين يواجهون عدوانا إسرائيليا مستمرا منذ أكثر من عام ونصف- يستحقون "أكثر من مجرد البقاء على قيد الحياة".
وأشارت إلى أن "مدنيي غزة فقدوا أي أمل، فبدل أن يقولوا: إلى اللقاء، إلى الغد، يقول فلسطينيو غزة اليوم: نلقاكم في الجنة.. فالموت هو رفيقهم. لا الحياة ولا الأمل. سكان غزة يستحقون أكثر من مجرد البقاء على قيد الحياة. إنهم يستحقون مستقبلا نابضا بالحياة".
وأضافت "منذ استئناف الأعمال العدائية في غزة، فإن حياة المدنيين المرعبة أصلا غرقت في الهاوية أكثر وأكثر" داعية إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
ودعت بشدة إلى تجاوز البيانات الداعية إلى وقف إطلاق النار في غزة إلى مرحلةِ اتخاذ قرارِ وقف الحرب وإقامة حل الدولتين.
وتابعت "عندما نتحدث إلى بشر مثلنا في غزة، فإن كلمات مثل التعاطف والتضامن والدعم فقدت معناها".
وأضافت "يجب ألا نعتاد على عدد القتلى والجرحى؛ نتحدث عن فتيات وأمهات وأطفال صغار تحطمت حياتهم، لديهم أسماء وكان لديهم مستقبل وأحلام وطموحات".
وخلال جلسة لمجلس الأمن، أوضحت المسؤولة الأممية أن المدنيين في القطاع يتعرضون للاستهداف المباشر ويواجهون شبح المجاعة.
وبينما تزعم إسرائيل أنها فتحت الباب أمام إدخال المساعدات الإنسانية جزئيا إلى القطاع (عبر مؤسسة غزة المدعومة أميركيا وإسرائيليا)، أعربت المسؤولة الأممية أيضا عن أسفها لعدم كفاية المساعدات الإنسانية لتلبية حاجات أكثر من مليوني شخص مهددين بالمجاعة، مؤكدة أن "الوضع يقارن بقارب نجاة بعد غرق السفينة".
وأعربت كاغ أيضا عن قلقها من "المسار الخطير" في الضفة الغربية المحتلة، لافتة الى "تسارع الضم بحكم الأمر الواقع عبر توسيع المستوطنات والاستيلاء على الأراضي وعنف المستوطنين" بحق الفلسطينيين.
وحذرت من أنه إذا لم يتغير هذا الوضع فإن حل الدولتين إسرائيل وفلسطين جنبا إلى جنب "سيكون مستحيلا فعليا".
وكانت فصائل المقاومة الفلسطينية قد أكدت أن توزيع المساعدات عبر الشركة الأمنية الأميركية المدعومة إسرائيليا يمثل إهانة للإنسانية.
وقالت في بيان إن الهدف من توزيع المساعدات عبر الشركة الأميركية هو "إذلال أبناء شعبنا وتحويل قطاع غزة لمعسكرات اعتقال، وكانتونات معزولة، وتفريغ شمال ووسط قطاع غزة من أبناء شعبنا، تمهيدا لتنفيذ مشروع التهجير الصهيوني".
شهادة طبيب أميركي
وخلال الجلسة، كشف الطبيب الأميركي فيروز سِيدْوا -الذي تطوع في قطاع غزة- أن أغلب المرضى الذين عالجهم كانوا أطفالا مصابين بشظايا ونساء حوامل بُترت أحواضهن.
وأضاف في كلمته أمام مجلس الأمن: لم أر، أو أعالج أي مقاتل خلال الأسابيع الخمسة التي قضيتها في غزة.
وأكد أن ما شاهده من استهدافات وتدمير في مجمع ناصر الطبي لم يشاهده في حياته، مضيفا نحن "نخسر جيلا بأكمله أمام أعيننا".
وتأتي جلسة مجلس الأمن اليوم مع مرور 600 يوم على حرب إسرائيل المتواصلة على قطاع غزة.
وقد أعلنت وزارة الصحة في غزة ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع، منذ السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023 إلى 54 ألفا و84 شهيدا، في حين تجاوز عدد المصابين 123 ألفا و308 مصابا.
وقالت وزارة الصحة في غزة إن عددا من الضحايا لا يزالون تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 19 دقائق
- الجزيرة
إسرائيل "تتهم القمر بمعاداة السامية" ومسؤول مصري "يثمّن جهود غش العسل"
الشبكة أثارت الكثير من الأخبار التي شهدتها الساحة العربية والعالمية اهتماما واسعا بسبب غرابتها وأحيانا لفظاعتها، كما هي الأخبار الواردة عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. اقرأ المزيد


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
مشاهد مفجعة غير مسبوقة من مركز المساعدات الأميركي في غزة
في مشهد صادم، تدافع آلاف الفلسطينيين الجوعى يوم السادس والعشرين من مايو/ أيار 2025، أمام أحد مراكز توزيع المساعدات في رفح، مما أدّى إلى فوضى عارمة اضطرّت معها القوات الإسرائيلية لإطلاق النار في الهواء. لم يكن هذا مجرد خلل تنظيمي، بل صورة مكثفة لمعاناة شعبٍ حُوصر حتى العظم، وترك ليتقاتل على فتات الغذاء تحت بنادق الجنود. وفي محاولة سابقة، كان مشروع "الميناء العائم" الذي روّجت له إسرائيل والولايات المتحدة كحلٍّ مبتكر لإدخال المساعدات، قد انهار قبل أن يبدأ فعليًا، وسط انتقادات لوجيستية وأمنية حادة، ما زاد من الشكوك حول جدية هذه المبادرات. وسط هذه الكارثة، برزت مبادرة إسرائيلية- أميركية جديدة تحت عنوان "المساعدات الإنسانية"، أثارت أسئلة جوهرية: هل يمكن لخطة تُدار بمنطق الاحتلال وتُوزّع تحت إشراف عسكري أن تُوصف بأنها إنسانية؟ وأين الحياد والاستقلال حين تُهمَّش الوكالات الأممية لصالح كيانات أمنية جديدة؟ هذا التقييم يحاول تفكيك تلك الخطط من خلال محاور قانونية وإنسانية لرصد مدى التزامها – أو انحرافها – عن المبادئ الدولية للعمل الإغاثي. أولًا: الوضع القانوني لغزة ومسؤوليات الاحتلال رغم انسحاب إسرائيل من داخل غزة عام 2005، لا تزال تُعدّ قانونيًا قوة احتلال، نظرًا لاستمرار سيطرتها على الحدود والمعابر، وفقًا لمحكمة العدل الدولية والأمم المتحدة. إعلان وهذا يُحملها مسؤولية تأمين احتياجات السكان، بما يشمل إدخال المساعدات بشكل تلقائي وانسيابي. ورغم عملية (7 أكتوبر/ تشرين الأول)، لا يبرر القانون الدولي سلوك إسرائيل العقابي بحق المدنيين، إذ يحظر العقوبات الجماعية، ويُوجب استمرار حماية السكان. لذا، فإن أية خطة مساعدات لا تنبع من هذه المسؤولية- بل تُوظّف للتهرّب منها- تُعدّ مخالفة واضحة للقانون الدولي الإنساني. خرق المبادئ الإنسانية في خطط الإغاثة تستند عمليات الإغاثة الدولية إلى أربعة مبادئ إنسانية أساسية توجه عمل المنظمات، وهي (الإنسانية): تخفيف المعاناة وحماية الحياة والصحة (الحياد): عدم الانحياز في النزاعات (الاستقلال): عن أي اعتبارات سياسية أو عسكرية وعدم التمييز (الحيادية): أي إيصال المساعدة للمحتاجين دون تفرقة. هذه المبادئ تهدف لضمان أن تكون المساعدات خالصة للأغراض الإنسانية، لا تُستغل لتحقيق أجندات سياسية أو عسكرية. غير أن الخطط الإسرائيلية- الأميركية في غزة – وعلى رأسها مبادرة "مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)" – تثير تساؤلات جدية حول مدى احترامها هذه المبادئ. تأسست (GHF) في الولايات المتحدة (ولاية ديلاوير) في (فبراير/ شباط 2025) بدعم من إدارة ترامب والحكومة الإسرائيلية؛ بهدف توزيع الغذاء في غزة بصورة "آمنة وشفافة". ولكن منذ انطلاقتها واجهت المؤسسة انتقادات حادة من منظمات إنسانية تتهمها بتسييس توزيع المساعدات. فالخطة التشغيلية المعلنة لـ (GHF) شذت عن الأعراف المعمول بها: حيث اعتمدت إقامة 4 مراكز توزيع كبيرة (غالبيتها في جنوب القطاع)، تحت حراسة مشددة من الجيش الإسرائيلي، وشركات أمنية أميركية خاصة، مع نشر جنود إسرائيليين في محيطها لـ"ضمان الحماية". وقد تفاخر القائمون على الخطة بأنها النموذج الوحيد الذي نال موافقة إسرائيل لتوزيع الإغاثة، ما يعني ارتهان العملية بالكامل لإرادة القوة المحتلة. وفي هذا تعارض صارخ مع مبدأ الاستقلالية. فبدلًا من أن تكون المساعدات بقيادة جهات أممية أو محايدة، باتت مشروطة بتنسيق أمني إسرائيلي يشرف على كل تفصيل. كذلك مبدأ الحياد تعرض للخرق عبر اشتراط "تدقيق أمني" للمستفيدين؛ إذ أعلن مسؤولو (GHF) أنهم سيُخضعون السكان للفحص بشأن أي صلة محتملة بحماس عبر تقنيات كالتعرف على الوجوه والبيومترية. هذا الشرط يعني تمييزًا سياسيًا في إغاثة المدنيين، وهو انتهاك لمبدأَي: الحياد وعدم التمييز. أما مبدأ الإنسانية نفسه فموضع شك، إذ حجّمت الخطة نطاق المساعدات بصورة كبيرة لا تفي بالاحتياجات الهائلة. فقد اقترحت (GHF) توزيع وجبات معلبة ومواد نظافة ودواء مرّة أو مرتين شهريًا فقط عبر مراكزها، مع تحديد تكلفة الوجبة بنحو 1.3 دولار فقط (بما يشمل الشراء والتوزيع)، ما يُظهر محدودية المحتوى الإغاثي. انتقدت الأمم المتحدة وجمعيات دولية هذا البرنامج بوصفه غير شفاف وغير كافٍ، مؤكدة أنه لن يلبّي الاحتياجات واسعة النطاق في غزة. وتساءل مسؤولون أمميون إن كانت هذه "المساعدات" سوى ورقة توت لتغطية أهداف عسكرية وسياسية. وقد صرّح توماس فليتشر – كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة – بأن خطة (GHF) ليست إلا "واجهة زائفة لمزيد من العنف والتهجير"، محذرًا من أنها تجعل إيصال الغذاء مشروطًا بالأهداف السياسية والأمنية الإسرائيلية، بحيث يتحول "التجويع إلى ورقة مساومة"، ووصفها مسؤول أممي آخر صراحة بأنها "تسليح للمساعدات" (Weaponizing Aid). هذه الانتقادات تبلورت بشكل عملي عندما استقال المدير التنفيذي لـ (GHF) جيك وود في (25 مايو/ أيار 2025)، معلنًا أنه وجد استحالة في تحقيق أهداف المؤسسة مع "الالتزام الصارم بالمبادئ الإنسانية من إنسانية وحياد وعدم انحياز واستقلال". وأقرّ وود أنه لن يشارك في أي خطة تنطوي على تهجير قسري للفلسطينيين، داعيًا إسرائيل إلى فتح المعابر أمام إدخال كميات أكبر من المساعدات دون إعاقة أو تمييز. ورغم ذلك أعلنت (GHF) المضي قدمًا بدونه، وادّعت أنها ستباشر إطعام مليون فلسطيني خلال أسبوع. لكن أولى عمليات التوزيع كشفت هشاشة الخطة؛ فمع افتتاح مركز في رفح في (26 مايو/ أيار 2025) تدافع آلاف الجوعى بشكل خرج عن السيطرة، واضطر الموظفون للانسحاب بعد إطلاق الجيش الإسرائيلي نيرانًا تحذيرية لتفريق الحشود اليائسة. مشاهد الفوضى هذه أكدت مخاوف المراقبين من أن الخطة تفتقر لمقومات الحياد والسلامة، وتضع المدنيين في خطر، في ظل تهميش متعمّد للوكالات الدولية التقليدية: (كالأونروا واللجنة الدولية للصليب الأحمر) ذات الخبرة في التعامل المباشر مع السكان. واللافت أن إسرائيل استبعدت فعليًا الأونروا والمؤسسات الأممية من آلية الإغاثة الجديدة؛ بذريعة انهيار قنواتها، ما اعتبره الفلسطينيون محاولة لاستبدال المؤسسات الشرعية بكيانات مُسيطر عليها إسرائيليًا. وقبل ظهور مؤسسة (GHF)، طُرحت مبادرة إنشاء "ميناء بحري عائم" قبالة شواطئ غزة بإشراف الجيش الأميركي كممر لدخول المساعدات. رُوّج لهذه الخطة باعتبارها حلًا مبتكرًا لتجاوز العقبات اللوجيستية، لكنها افتقرت منذ بدايتها إلى أساس قانوني وإنساني واضح. فالميناء لم يكن مستقلًا، بل خاضعًا للتفتيش والسيطرة الإسرائيلية، ومحدود القدرة، دون إشراك فعّال للوكالات الأممية. وما لبث أن انهار فعليًا في (أبريل/ نيسان 2025)، حين جرفت العواصف منشآته الأولية، تزامنًا مع فضائح تتعلق بتضارب الصلاحيات وغياب التنسيق. وقد وصفته منظمات دولية بأنه "ميناء دعائي" أكثر من كونه مسارًا إغاثيًا حقيقيًا. هذا الفشل الميداني يكمّل إخفاق تجربة (GHF)، ويعكس هشاشة كل مشروع إغاثي يُبنى على اعتبارات أمنية لا على أسس إنسانية وقانونية. تُظهر تحليلات إضافية أن الخطط الإسرائيلية- الأميركية المقترحة لغزة، وعلى رأسها مبادرة (GHF)، لا تعاني فقط من اختلالات في المبادئ الإنسانية، بل تنطوي على أهداف أعمق تتجاوز الإغاثة الظاهرية. إذ يرى مراقبون أن هذه الخطط تسعى إلى "إعادة تغليف الحصار وتقنين التجويع"، في صورة مشروع إنساني، حيث يُستخدم الغذاء كأداة إخضاع لدفع السكان نحو النزوح عبر إنهاكهم الجسدي والنفسي. كما أن عسكرة التوزيع لا تقتصر على الحماية العسكرية، بل تشمل أبعادًا استخباراتية، من خلال إشراك شركة أمنية أميركية (Safe Reach Solutions) أسسها ضابط سابق في (CIA)، تتولى جمع وتحليل بيانات المستفيدين، وربما استخدام تقنيات بيومترية، ما يجعل الفلسطيني يخشى أن يتحول إلى هدف أمني لمجرد طلبه المساعدة. وفي السياق ذاته، حذرت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية (PNGO) في بيان بتاريخ (22 ديسمبر/ كانون الأول 2024) من أن إسرائيل تسعى إلى التحكم الكامل في توزيع المساعدات، وإسكات الأصوات التي توثق الانتهاكات، معتبرة أن هذه السياسات تتزامن مع تصاعد الجرائم إلى حد الإبادة، كما وثّقته تقارير أمنستي وهيومن رايتس ووتش. ويُعد استبعاد الأمم المتحدة ووكالاتها من آلية الإغاثة الجديدة خطوة خطيرة، إذ يُفقد العملية الإنسانية شفافيتها، ويحرم السكان من آليات الشكوى الدولية. وقد رحّبت منظمات حقوقية دولية، مثل (AIDA)، بمواقف دول كأيرلندا، وإسبانيا، والنرويج التي شدّدت على ضرورة دعم الأونروا وعدم الالتفاف عليها. من اللافت أن النسخة السويسرية من (GHF) أُغلقت قبل أن توزع أي طعام، تحت وطأة تحقيقات جنائية، ما اضطر القائمين عليها إلى نقل العمليات إلى كيان أميركي يحمل الاسم نفسه. وقد كشفت تحقيقات صحفية في New York Times وWashington Post أن هذه الخطة وُلدت من داخل الحكومة الإسرائيلية، التي حاولت إخفاء دورها عبر واجهات خيرية أجنبية، فيما وصف زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد كلًا من (GHF) وشركة (SRS) الأمنية بأنهما "شركات وهمية" هدفها التغطية على تورط الحكومة. ثالثًا: تجويع غزة بين الجريمة المقصودة والخطط المُعلّبة ومع بدء الهجوم الإسرائيلي الواسع على غزة في (أكتوبر/ تشرين الأول 2023)، لم تقتصر الانتهاكات على القصف والتدمير العسكري، بل اتّخذت شكلًا مركبًا من سياسات التجويع والتهجير القسري، والتدمير الجماعي للبنى التحتيّة والمدنيين، ما دفع منظّمات دولية مرموقة، كالعفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، إلى اعتبار ما يجري جريمة إبادة جماعية محتملة. وقد استندت هذه التوصيفات إلى حجم الخسائر البشرية الهائل، ونمط الحرمان الممنهج من مقوّمات الحياة، ووضوح نيّة الإبادة في الخطاب الرسمي لبعض القادة الإسرائيليين. وفي الوقت ذاته، فُرض حصار شامل على القطاع طال الغذاء والماء والكهرباء والدواء، واعتُبر استخدام "التجويع كسلاح حرب" جريمة إضافية تؤسس للمساءلة الجنائية الدولية، خصوصًا بعد أن طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع، لضلوعهما في استخدام الحصار والتجويع كوسيلة لمعاقبة جماعية. وفي هذا السياق، فإن المتّهم بارتكاب أفعال ترقى إلى الإبادة الجماعية والعقاب الجماعي، يَبرز معه سؤال جوهري: كيف يمكن لمن يرتكب جرائم إبادةٍ وحصارٍ أن يطرح خططًا إنسانية؟ كيف يمكن للجاني أن يتقمّص دور المُنقذ؟ إن ما يُعرض على أنه "مساعدات" ليس إلا تغليفًا ناعمًا لسياسة الخنق، بل محاولة لشرعنة الجريمة من خلال إنشاء مؤسسات ذات طابع أمني- سياسي مثل مؤسسة (GHF)، تهمّش الوكالات الإنسانية المحايدة، وتقيّد التوزيع بشروط أمنية تمسّ جوهر الحياد والاستقلال. آفاق المستقبل: نحو تحصين العمل الإنساني من العبث والتسييس تُعد تجربة (GHF) نموذجًا تحذيريًا لما قد يحدث حين تُختطف المبادئ الإنسانية وتُدار الإغاثة كأداة في يد المحتل. لكن هذا الفشل بحد ذاته يفتح نوافذ مستقبلية يمكن البناء عليها، أبرزها: عودة الاعتبار للمبادئ الإنسانية الأربعة: أثبت الواقع أن أي خطة إغاثية لا تقوم على الحياد والاستقلالية والإنسانية وعدم التمييز، مصيرها الفشل. سيُدفع المجتمع الدولي إلى مراجعة سياساته بخصوص إشراك الدول المحتلة في إدارة المساعدات، تجنبًا لتكرار ما حصل في غزة. تعزيز دور الوكالات الأممية والجهات المحايدة: الفشل الصارخ لمحاولة تهميش الأونروا والصليب الأحمر سيُعيد التأكيد على ضرورة التمسك بالفاعلين التقليديين ذوي الخبرة والثقة المجتمعية. هذا يعزز مكانة العمل الإنساني كمجال مستقل، لا كذراع سياسية لأي جهة. مأسسة الحماية القانونية للعمل الإنساني: ستكون هناك حاجة ملحة لوضع خطوط حمراء قانونية تمنع عسكرة المساعدات. منظمات الإغاثة الدولية ستطالب بوثائق مرجعية جديدة، تُلزم الدول باحترام المعايير، وقد يُدفع نحو إصدار بروتوكول إضافي ملزم ضمن اتفاقيات جنيف. تفعيل المساءلة القضائية: ما جرى في غزة قد يخلق سوابق قانونية تُدين استخدام التجويع كسلاح، وتمهّد لإدراج تسييس المساعدات ضمن أشكال الجرائم ضد الإنسانية. وستُستخدم تجربة (GHF) كشاهد في المحاكم الدولية لإثبات سوء النية وانتهاك المبادئ. غزّة من قضية محلية إلى اختبار أخلاقي عالمي: لم تعد غزة مجرّد شأن فلسطيني داخلي أو صراع إقليمي معزول، بل تحوّلت إلى مرآة تعكس مدى التزام العالم بروح العمل الإنساني. إنها ليست فقط ساحة للمأساة، بل لحظة كاشفة لاختبار الضمير العالمي: هل لا يزال التضامن الإنساني قادرًا على تجاوز الجغرافيا والاصطفافات السياسية؟ لقد أظهرت الفضيحة المرتبطة بتسييس المساعدات أن الإنسانية ذاتها أصبحت موضع مساومة. ومن هنا، فإن غزة ليست محطة عابرة، بل نقطة تحوّل يمكن أن تعيد تعريف مفاهيم الحياد والاستجابة الطارئة، وتدفع باتجاه بناء منظومة إغاثية عادلة لا تُسلّح ولا تُشترط، بل تصون الكرامة وتُبقي الحياة ممكنة في وجه الحصار والإبادة.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
هل تفضي التهدئة المرتقبة بغزة لمواجهة إسرائيلية إيرانية أوسع؟
مع اقتراب التوصل إلى اتفاق تهدئة في قطاع غزة ، تتجه الأنظار إلى ما وراء هذا الاتفاق، حيث بدأت تبرز تقديرات إسرائيلية تربط بين وقف إطلاق النار وفتح جبهة مواجهة محتملة مع إيران ، وسط ملامح لتحول في الأولويات العسكرية والسياسية لدى صناع القرار في تل أبيب. فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن إعلانا رسميا بشأن التهدئة سيتم خلال يوم أو يومين، بينما تواصل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مشاوراتها مع الفصائل الفلسطينية بخصوص مقترح المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف ، في وقت يربط فيه قادة عسكريون إسرائيليون هذه التهدئة بمقتضيات التعامل مع "التهديد الإيراني". وترى الباحثة في الشأن الإيراني بمركز الجزيرة للدراسات، الدكتورة فاطمة الصمادي، أن الحديث الإسرائيلي المتصاعد عن إيران في هذا التوقيت ليس وليد اللحظة، بل يعكس ترتيبا إستراتيجيا يعتمد على تصفية الساحات "الثانوية" قبل التفرغ للمواجهة الكبرى. وأوضحت الصمادي في حديثها لبرنامج "مسار الأحداث" أن غزة تُعامل في العقل الأمني الإسرائيلي كجبهة قابلة للاحتواء عبر الحصار أو الضربات الموضعية، لكن إيران تمثل الخطر البنيوي الأعمق، ولهذا فإن التهدئة الحالية تعكس –برأيها– تفكيرا إسرائيليا في إعادة التموضع استعدادا لجبهة أكثر تعقيدا وامتدادا. وتوضح أن طهران تدرك حجم هذا التوجه الإسرائيلي، ولهذا تعمد إلى تصعيد منضبط عبر أطراف حليفة ك حزب الله و الحوثيين ، بما يضمن بقاء المعركة ضمن حدود لا تستفز الأميركيين نحو مواجهة شاملة، لكنها في الوقت ذاته تستعد لكل السيناريوهات، خاصة في ظل التوتر المتصاعد بشأن ملفها النووي. أزمة إستراتيجية في حين يرى الدكتور مهند مصطفى، الأكاديمي المختص بالشأن الإسرائيلي، أن التحول في التصريحات الإسرائيلية يعكس أزمة إستراتيجية، إذ تجد تل أبيب نفسها ممزقة بين رغبتها في الحسم العسكري في غزة وخشيتها من استنزاف يمنعها من خوض مواجهة مع إيران. وأضاف أن تصريحات رئيس الأركان إيال زامير التي ربط فيها بين صفقة التبادل وضرورة التفرغ للجبهة الإيرانية، تعكس تغيرا في التقدير العسكري، وتؤشر إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تنظر للتهدئة كجزء من معركة أوسع نطاقا. وأشار مصطفى إلى أن بعض التقييمات في إسرائيل بدأت تتعامل مع إيران كمصدر الخطر الرئيسي، وليس فقط كداعم لحماس أو حزب الله، مؤكدا أن الجدل الداخلي لم يعد مقتصرا على غزة بل امتد إلى شكل الحرب القادمة وحدودها الزمنية والجغرافية. وحذر من أن الاستعدادات الإسرائيلية لا تقتصر على الجانب العسكري، بل تشمل أيضا الجبهة الداخلية، في ظل توقعات بأن أي رد إيراني سيشمل صواريخ ثقيلة قد تربك الاقتصاد الإسرائيلي وتكشف هشاشة البنية التحتية. تهديد مركزي وفي قراءة لمستقبل هذه المواجهة، قال المفكر والكاتب الصحفي فهمي هويدي إن إسرائيل تحاول تهيئة الرأي العام الداخلي والدولي للانتقال إلى مرحلة أكثر خطورة، عبر تصوير إيران كتهديد مركزي يستدعي تحركا استباقيا. ولفت هويدي إلى أن المبالغة في تسويق هذا التهديد الإيراني يخدم أيضا مصالح داخلية إسرائيلية، على رأسها تعزيز التماسك السياسي وخلق مظلة دعم أميركية لأي خطوة مقبلة، سواء عبر ضربات جوية أو تصعيد دبلوماسي. واعتبر أن ما يُقدّم للرأي العام في إسرائيل حول التهدئة بغزة هو خطاب موارب، إذ لا يعكس رغبة حقيقية في إنهاء الحرب، بل يهدف إلى إعادة تموضع يمكن تل أبيب من خوض معركة جديدة على جبهة أخرى. وفي هذا السياق، أظهرت تقارير إسرائيلية أن المؤسسة العسكرية تعتبر الضربة الوقائية ضد المواقع النووية الإيرانية "ضرورية"، رغم معارضة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يرى أن توقيت مثل هذه الضربة قد يضر بالمفاوضات النووية الجارية مع طهران. خيار التصعيد وتتخوف تل أبيب –وفق الصمادي– من أن تؤدي المفاوضات النووية إلى تهدئة قد تُكبّل يدها لاحقا، لذا تُبقي خيار التصعيد مطروحا، مع مراعاة الموقف الأميركي الذي لا يزال غير محسوم تجاه أي عمل عسكري أحادي الجانب. وأشارت الصمادي إلى أن إسرائيل تحاول خلق حالة إلحاح أمنية تضغط بها على البيت الأبيض لتغيير موقفه، مستغلة السياق الإقليمي الملتهب والارتباك الأميركي في التعامل مع ملف إيران النووي. ويعتقد مصطفى أن فشل إسرائيل في الحسم العسكري بغزة جعلها أكثر حرصا على كسب الوقت عبر التهدئة، لكنها في الوقت نفسه بدأت الإعداد لمسرح عمليات جديد يتجاوز القطاع، مرجّحا أن تكون الضفة الغربية وجنوب لبنان جزءا من سيناريو المواجهة القادمة. ويؤكد هويدي أن تهدئة غزة قد لا تكون أكثر من "هدنة اضطرارية" تمليها اعتبارات داخلية وخارجية، لكنها لا تعني أن الحرب وضعت أوزارها، بل إن إسرائيل تتعامل معها كمرحلة مؤقتة تسبق تصعيدا أخطر، قد لا يقتصر على حدود فلسطين.