
المخاوف وهمية أم جدية؟
تنطلق المقاربة المصرّة على قدرة الدولة بان تحتكر السلاح وتستعيد قرار الحرب من النقاط التالية:
أولًا، اختلفت المعطيات العسكرية والميدانية، لـ "حزب الله"، والجغرافية، مع سوريا الجديدة، والإقليمية، مع تقطُّع أوصال محور الممانعة وخروجه من الخدمة العسكرية، عن الوضع الذي كان سائدًا وقائمًا قبل 7 تشرين الأول 2023، وبالتالي إذا لم تُقدم الدولة اليوم على إنهاء ازدواجية السلاح متى يمكن أن تُقدم؟ وهل من وضع أفضل من هذا الوضع؟
ثانيًا، أن تحتكر الدولة السلاح ليس مشروع غلبة ضد فئة من اللبنانيين، إنما خطوة ضرورية من أجل وقف الانقلاب المتمادي على الدولة والمستمر منذ العام 1991، حيث أثبتت التجربة بالوقائع التي لا تعدّ ولا تحصى بأنه لن تقوم قيامة للبنان في ظل سلاح خارج الدولة يستجر الحروب ويُبقي البلد في الفوضى وعدم الاستقرار.
ثالثًا، أن تحتكر الدولة السلاح يشكل إنقاذا لجميع اللبنانيين والطائفة الشيعية تحديدًا من مستنقع الحروب والموت، خصوصًا أن "حرب الإسناد" التي أعلنها "حزب الله" أثبتت بأنه المسؤول عن دخول إسرائيل إلى الأراضي اللبنانية، وعجزه عن إخراجها، كما عجزه عن الدفاع عن كوادره وعن بيئته، وبالتالي تمسكه بالسلاح هو تمسُّك ببقاء إسرائيل واستمرار الحرب.
رابعًا، لم تنشأ السلطة الجديدة سوى بسبب تراجع دور "حزب الله" وتأثيره، وهو كان ضد الخيار الثالث ومصرّ على الرئيس الذي "يحمي ظهر المقاومة"، وجاء خطاب القسم والبيان الوزاري تجسيدًا للمرحلة الجديدة، فهذا البيان الأول منذ العام 1991 الذي لا يتحدّث عما يسمى مقاومة، ويؤكد في نصوصه وروحيته على مرجعية الدولة وحدها من دون شريك في قرار الحرب وفي احتكار السلاح، ويفترض أن يُترجم الكلام المكرّر للرئيسين جوزاف عون ونواف سلام وليس أن يبقى ضمن حدود الموقف السياسي.
خامسًا، لا تشكيك بنوايا عون وسلام ولا بهدفهما الوصول إلى دولة تبسط سيطرتها على البلد كله، خصوصًا أن مصلحتهما الشخصية والمباشرة بالتوازي مع المصلحة الوطنية تتطلّب قيام هذه الدولة من أجل أن يقال إنه في عهد الرئيس جوزاف عون وفي حكومة الرئيس نواف سلام خرج لبنان من إدارة الأزمة المستمرة منذ خمسة عقود إلى الحل اللبناني النهائي لسيادته.
سادسًا، يفترض بالرئيسين مصارحة "حزب الله" بأن الدولة لا يمكن أن تبقى شاهد زور على موت لبنان واللبنانيين، وأنهما سيتصرفا انطلاقًا من مسؤوليتهما الوطنية لحماية اللبنانيين وإنقاذ لبنان، والمخاوف من حرب وفوضى في غير محلها ويروِّج لها "الحزب" عمدًا لتجميد أي خطوة من هذا القبيل، لأن من يخسر الحرب وظهره الأسدي وظهر ظهره الإيراني يُستبعد أن يلجأ إلى الانتحار في ظل بيئة لبنانية تريد الدولة، وبيئة إقليمية ودولية غير مؤاتية له، وحتى لو كان هناك مجازفة معينة فإنها تبقى أفضل بكثير من استمرار الوضع الحالي، لأنه في المجازفة يمكن العبور إلى الدولة الحقيقية والاستقرار المنشود.
الدولة غير القادرة
تنطلق هذه المقاربة من ثلاث نقاط أساسية:
الأولى، أن الحلّ لسلاح "حزب الله" يأتي من الخارج إلى الداخل، ومن انتظر كثيرًا عليه أن ينتظر قليلًا، لأن الإدارة الأميركية لن تقبل باستمرار المشروع الممانع، وهذه المسألة ستحسم في المفاوضات المرتقبة بين واشنطن وطهران، و"الحزب" لن يتخلى عن مشروعه المسلّح قبل أن تطلب منه إيران ذلك، وستطلب حتمًا بعد حصولها على الضمانات التي تسعى إليها لاستمرار نظامها.
الثانية، أن لبنان في غنى عن استقالات وتظاهرات وإقفال طرقات وفوضى تُدخله في حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني ومفتوحة على شتى الاحتمالات في ظل بيئة معبأة وانقسام عمودي.
الثالثة، أن "حزب الله" أصبح في موقع الساقط عسكريًا بعد الحصار المُطبق عليه من إسرائيل ومن سوريا ومن الجو، ولم يعد باستطاعته لا العودة إلى الوراء ولا أن يتسلّح ولا أن يتموّل، والمتبقي له من سلاح سيتحوّل إلى خردة، كما لم يعد باستطاعته لا القتال ولا الحرب، وبالتالي، انتهى مشروعه المسلّح عمليا بمعزل عن حاجته للحفاظ عليه نظريًا حيال بيئته والبيئات الأخرى.
وتأسيسًا على ما تقدّم، فإن المخاوف من احتكار الدولة للسلاح وهمية لا جدية، وما زالت تقارب "حزب الله" وكأن الطوفان لم يطُف عليه وعلى المحور برمته، وفي مطلق الحالات هناك دومًا حد أدنى وحد أقصى، فإذا كان هناك من محاذير للحد الأخير، فلا محاذير إطلاقًا من ترسيم علاقة الدولة مع الحزب بإعلان واضح وصريح بأن لا وجود لما يسمى مقاومة في لبنان، وأن أي كلام من هذا القبيل هو تحريض على العنف، وأن الدولة ستواجه كل من يستخدم السلاح، ومن يريد أن يتحدّث بهذا الأسلوب عليه الاستقالة من الحكومة ومن مجلس النواب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 27 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
باسيل: لبنان لا يزول
أشار رئيس 'التيار الوطني الحر' النائب جبران باسيل، في تصريح مقتضب، إلى أنّ 'لبنان لا يزول'. ويأتي تصريح باسيل بعد تصريح للموفد الأميركي توم باراك حذّر فيه من أن لبنان يُواجه خطر الوقوع في قبضة القوى الإقليمية، ما لم تتحرك بيروت لحل مسألة أسلحة 'حزب الله'. وأشار باراك إلى أنّ 'لبنان بحاجة إلى حلّ هذه القضية وإلا فقد يواجه تهديدًا وجوديًا'، مضيفًا: 'إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، والآن سوريا تتجلّى بسرعة كبيرة، وإذا لم يتحرك لبنان، فسيعود إلى بلاد الشام'. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

القناة الثالثة والعشرون
منذ ساعة واحدة
- القناة الثالثة والعشرون
أدرعي: استهدفنا عنصراً في حزب الله في منطقة الخيام
أعلن المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أن الجيش الإسرائيلي إستهدف عنصرا في حزب الله في منطقة الخيام. وقال عبر حسابه على منصة "إكس": "هاجم الجيش الإسرائيلي في وقت سابق اليوم في منطقة الخيام في جنوب لبنان وقضى على عنصر في حزب الله من منظومة الصواريخ المضادة للدروع". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


ليبانون ديبايت
منذ ساعة واحدة
- ليبانون ديبايت
بعد "الجريمة النكراء"... حزب الله يحذّر من مخطّط لضرب وحدة سوريا
أصدر "حزب الله" بيانًا استنكر فيه بأشد العبارات جريمة اغتيال العلامة الشيخ رسول شحود، في ريف حمص، واصفًا إياها بـ"الجريمة النكراء" التي تستهدف وحدة سوريا وتسعى لإشعال الفتن الطائفية والمذهبية. وقال الحزب في بيانه إن "الأيادي المجرمة والغادرة التي ارتكبت هذه الجريمة تسعى إلى زعزعة وحدة وسلامة سوريا، وتفجير الفتن بين أبناء الشعب السوري الشقيق"، معتبرًا أن استهداف هذه الشخصية العلمائية "ليس مجرد حادث فردي، بل عمل مدبّر يحمل في طياته أبعادًا خطيرة على المستوى الوطني والديني والاجتماعي". وأضاف البيان: "إن هذه الجريمة الخطيرة طالت شخصية علمائية أفنت عمرها في خدمة الدين والمجتمع، وكان الشيخ رسول شحود راعيًا لبيوت تعليم القرآن الكريم، وداعمًا لمسيرة الشباب في التكوين التربوي والإيماني، وناصحًا ومبلّغًا، وصوتًا للحق ومدافعًا عن المستضعفين". وشدّد حزب الله على أن "هذا الاغتيال يستوجب أوسع موجة استنكار وإدانة من مختلف الهيئات العلمائية، والصروح العلمية والروحية، لما يشكّله من استهداف مباشر لرمز ديني معتدل ودور العلماء في بناء السلم الأهلي". وأكد الحزب في ختام بيانه "ضرورة ملاحقة هؤلاء المجرمين ومحاسبتهم مع كل من يثبت تورطه أو انخراطه في هذه الجريمة الخبيثة"، معربًا عن "ثقته التامة بأن الشعب السوري سيبقى حصنًا منيعًا في وجه الفكر المتطرف، وسيرفض محاولات بث الفتنة وتقويض وحدة المجتمع واستقراره".