logo
المنتدى السعودي للإعلام.. رؤية استراتيجية في عالم يتشكل

المنتدى السعودي للإعلام.. رؤية استراتيجية في عالم يتشكل

سعورس١٦-٠٢-٢٠٢٥

مع تسارع وتيرة التحولات الرقمية والتكنولوجية التي تعيد صياغة معالم المشهد الإعلامي على مستوى العالم، يبرز المنتدى السعودي للإعلام 2025 كمنارة رائدة تجمع بين صانعي القرار، والرواد في مجال الخبرة، والمؤسسات الإعلامية الكبرى لتبادل الرؤى ومناقشة التحديات والفرص التي تعترض طريق هذا القطاع الحيوي.
سيبدأ المنتدى في قلب العاصمة الرياض بعد يومين، تحت شعار "الإعلام في عالم يتشكل"، ويُعد تجسيدًا جليًا للتحولات العميقة التي تطرأ على المشهد الإعلامي، بدءًا من الأثر الكبير للذكاء الاصطناعي، مرورًا بتحديات التضليل الإعلامي، وصولًا إلى إعادة صياغة أنظمة القوة الناعمة للدول.
في خضم هذه التغيرات الديناميكية، يظهر سؤال أساسي يتطلب التأمل: كيف يمكن للإعلام السعودي أن يواكب التحولات العالمية ويعزز من مكانته كمصدر فاعل للقوة الناعمة للمملكة؟، ويستعرض هذا المقال الأبعاد الاستراتيجية للمنتدى، وينظر في آفاق الإعلام السعودي في ظل التطورات الرقمية، والتحديات التي تواجهه، والفرص السانحة التي يمكن استغلالها لتعزيز التأثير الإعلامي السعودي على الساحة الدولية.
يأتي انعقاد المنتدى هذا العام كخطوة تعزز من مكانة المملكة كقوة إعلامية صاعدة، مستفيدة من تطور دورها الجيوسياسي ورؤيتها الطموحة 2030، بالإضافة إلى دورها الريادي في قيادة التحولات الرقمية والإعلامية.
تشهد النسخة الرابعة من المنتدى حضور شخصيات بارزة، من بينهم (بوريس جونسون) رئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق، الذي يمتلك خبرة غنية في التعامل مع الإعلام السياسي وتأثيره العميق على الرأي العام، ولا تكتمل الصورة دون وجود خبراء مهنيين عالميين، حيث يحل الصحفي المهتم بأخبار الشرق الأوسط "جون جامبريل"، مدير أخبار الخليج في "The Associated Press"، ضيفًا في المنتدى؛ لمناقشة مستقبل الصحافة في خضم التحولات الرقمية، وأهمية الصحافة الاستقصائية في مواجهة التحديات العالمية.
على الساحة السعودية، يبرز عدد من الشخصيات البارزة في مجالات حيوية مختلفة، كالأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، الذي يجسد تأثير الإعلام في تعزيز السياسات الخاصة بالطاقة على الصعيد العالمي. كما يستعرض معالي المستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، خبراته الواسعة في عالم الترفيه السعودي، بالإضافة إلى آخرين يساهمون في دفع عجلة التقدم في بلادهم.
من المسارات المهمة التي سيناقشها المنتدى "الذكاء الاصطناعي وتشكيل صناعة الإعلام الرقمي"، فالتقنيات الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، تعد من العوامل التي تعيد صياغة المشهد الإعلامي عالميًا، إذ شهدنا في السنوات الأخيرة دخول أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى عالم الصحافة والإعلام، مما خلق تحديات جديدة تتعلق بالموثوقية، والأخلاقيات، والتأثير على وظائف الإعلاميين.
وفي سياق النقطة السابقة، يشارك في المنتدى محرك البحث "جوجل"، الذي يقدم رؤيته حول كيفية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تعزيز المحتوى الإخباري، وتحليل البيانات، ومكافحة الأخبار المضللة، كما يتيح المنتدى مساحة لنقاش تأثير هذه التقنيات على مصداقية الصحافة التقليدية مقابل الإعلام الجديد، وكيف يمكن تحقيق التكامل بين الصحافة الإنسانية والصحافة الذكية.
يشهد الاقتصاد الإعلامي تغيرات عميقة وجذرية، حيث تتصارع المنصات الرقمية العالمية مثل Netflix وSony Pictures وStarz وApple Music وShondaland في سباق محموم نحو إنتاج المحتوى وجذب الجماهير، ويناقش المنتدى سبل إعادة تشكيل وسائل الإعلام التقليدية في المملكة لتتناسب مع هذا التحول الكبير، ويبحث في إمكانية تطوير نماذج اقتصادية مستدامة تعزز من قدرة المؤسسات الإعلامية السعودية على المنافسة والازدهار في هذا المشهد المتغير.
تتجلى العديد من القضايا الملحة التي تستحق الطرح، منها: كيف يمكن للإعلام السعودي أن يفتح آفاقاً جديدة لتنويع مصادر دخله، ويتبنى نماذج اقتصادية مبتكرة؟ وما هو الدور الفاعل للشراكات الاستراتيجية مع المنصات العالمية في تعزيز الإنتاج الإعلامي المحلي ورفع مستواه؟ وإلى أي مدى يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث ثورة جذرية في عالم صناعة الإعلانات الإعلامية؟
يعتبر الإعلام من أبرز وسائل القوة الناعمة في العالم، وتدرك المملكة عميقًا أهمية استغلاله لإبراز هويتها الوطنية وما تحقق من إنجازات ورؤى طموحة، ومن خلال المنتدى، تُطرح تساؤلات محورية: كيف يمكن للإعلام السعودي أن يرتقي بمكانة المملكة في الساحة الإعلامية العالمية؟ وما هو دور الإعلام في تصحيح الصورة النمطية عن العالم العربي والإسلامي؟ وإلى أي مدى يمكن أن يسهم المحتوى الإعلامي في تعزيز استراتيجيات الدبلوماسية الثقافية للمملكة؟
يمكن القول إن المنتدى السعودي للإعلام 2025 ينعقد في لحظة حاسمة من تاريخ الإعلام العالمي، حيث تشتد التحولات الرقمية وتزداد أهمية الإعلام كوسيلة تأثير في المجتمعات، ومن خلال الحضور الرفيع المستوى من الشخصيات السياسية والإعلامية، ومشاركة الشركات الكبرى، ومناقشة قضايا حيوية مثل الذكاء الاصطناعي، والاستدامة الإعلامية، والدبلوماسية الإعلامية، يعزز المنتدى موقعه كمنصة استراتيجية في صياغة مستقبل الإعلام في المملكة والعالم العربي. لذا، فإن نتائج المنتدى لن تكون مجرد مناقشات نظرية، بل ستمثل نقطة تحول في تشكيل مستقبل الإعلام السعودي وزيادة تأثيره على المستوى العالمي.. دمتم بخير.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الإبتكار الهدام والإطاحة بالشركات العملاقة
الإبتكار الهدام والإطاحة بالشركات العملاقة

سعورس

timeمنذ 3 أيام

  • سعورس

الإبتكار الهدام والإطاحة بالشركات العملاقة

هذا المفهوم يلتقي بوضوح مع ما تناولته في عدد من مقالاتي المنشورة في صحيفة الرياض ، مثل "المنظمات المتعلمة: من الجودة إلى الريادة العالمية" و"نحو عصر جديد من التميز". حيث شددتُ فيها على أن الريادة المؤسسية لا تنبع فقط من الالتزام بمعايير الجودة، بل من الجرأة على التجديد والتجريب، حتى وإن كان ذلك على حساب النجاحات التقليدية. إن النجاح المؤسسي قد يكون خطرًا، هذا ما يرى كريستنسن أن المؤسسات الناجحة تسقط أحيانًا لأنها تركز على تحسين منتجاتها القائمة لخدمة عملائها الحاليين، بينما تنشغل شركات ناشئة بابتكار منتجات أبسط، أقل تكلفة، وتستهدف فئات لم تكن السوق تهتم بها من قبل. هذه الابتكارات تبدأ صغيرة، لكنها سرعان ما تتطور و تُنهي الكبار. هكذا حدث مع Netflix التي قضت على Blockbuster، ومع Uber التي غيّرت وجه النقل، ومع Tesla التي قلبت موازين سوق السيارات. وسبق أن تكلمنا في مقال " آليات التقييم المؤسسي: التأثير و تقرير المصير " عن شركة نوكيا ومصيرها كشركة هواتف تقليدية أمام صعود الهواتف الذكية، وشركة كوداك التي كانت رائدة في صناعة التصوير الفوتوغرافي، فشلت في التكيف مع ثورة التصوير الرقمي. ليست المشكلة في ضعف هذه الشركات الكبرى، بل في أنها – وفق كريستنسن – تتبع منطقًا عقلانيًا يقودها إلى التركيز على الابتكار المستدام، الذي يحسّن المنتجات الحالية، بينما تتجاهل الابتكار الهدّام الذي يخلق أسواقًا جديدة ويعيد تعريف القواعد. يصنف كريستنسن الابتكار إلى ثلاثة أنواع رئيسية. الأول، "الابتكار المستدام" ويمثل تحسين تدريجي للمنتجات الحالية، يرضي العملاء الحاليين، لكنه لا يوسع السوق ولا يخلق وظائف جديدة. لذا فهو يحسّن من المنتجات القائمة دون أن يخلق نموًا حقيقيًا. والثاني، "الابتكار الهدّام" والذي يبدأ من فئات غير مخدومة، بمنتجات بسيطة، ثم يتحول إلى منافس قوي يغير قواعد اللعبة. مما يجعله يخلق أسواقًا جديدة ويوسّع القاعدة الاقتصادية ويوفر وظائف، والامثله على ذلك كثيره منها ماذكرنا التصوير الرقمي، الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية. أما الثالث فهو "ابتكار الكفاءة" والذي يخفض التكاليف ويزيد الإنتاجية، لكنه غالبًا ما يؤدي إلى تقليص الوظائف. وبحسب كريستنسن، فإن المشكلة تكمن في أن العقلية المالية التي ترسخت في الكليات الإدارية خلال العقود الماضية دفعت الشركات للتركيز على "التحسين وابتكار الكفاءة" والتي تركز على كفاءة العمليات والربحية قصيرة الأجل، على حساب الاستثمار في الابتكار الهدّام الذي قد يبدو مكلفًا وغير مضمون في بداياته، لكنه يحمل في طياته النمو المستقبلي الحقيقي. ويحذر كريستنسن من تكرار تجربة التسعينيات، حين ركّزت الشركات على تحسين الكفاءة وتقليص النفقات، مما أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وفقدان الريادة. وهو ما بدأنا نلاحظه اليوم في الأسواق، التي تتردد في تبني التقنيات الجديدة خشية المخاطرة، في مقابل صعود شركات ناشئة تتبنى الفشل كجزء من عملية التعلم. هذا النموذج يتناغم مع ما تناولته في مقالي "المنظمات المتعلمة". فالتعلم المؤسسي الحقيقي لا يقتصر على اكتساب المهارات أو تبادل المعلومات، بل يشمل القدرة على تغيير التفكير، والتجريب، وتقبّل المخاطرة، بل أحيانًا كسر المسلّمات. إن الدرس للمنظمات السعودية هو "لا تكتفِ بالجودة ولا حتى التميز، ابحث عن الإبتكار في الفرصة الصغيرة" حين ننظر إلى ما تحقق في جامعات المملكة من تقدم ملموس، كما ناقشت في مقالي "جامعات سعودية حققت مراكز متقدمة علميًا... فماذا بعد ذلك؟"، ندرك أن المرحلة المقبلة تتطلب التوجه نحو ما أسميه "التميز الذكي". وهذا لا يتحقق فقط عبر رفع التصنيفات، بل عبر التفاعل مع البيئة الرقمية، وتبنّي نماذج عمل جديدة، واستكشاف الأسواق غير المستغلة، وهو ما يشكل جوهر الابتكار الهدّام. كما أن الدعوة التي طرحتها سابقًا لتأسيس مركز وطني للتميز المؤسسي، كما ورد في مقال "نحو عصر جديد من التميز"، يمكن أن تُثري بما اقترحه كريستنسن، من خلال جعل الابتكار جزءًا من تقييم الأداء المؤسسي، وتشجيع الشركات على تخصيص حاضنات داخلية لتجريب أفكار غير تقليدية، حتى وإن كانت تخالف النموذج الربحي السائد. هذه الأفكار تتقاطع بوضوح مع ما طرحته سابقًا في مقالاتي المنشورة، حول ضرورة الانتقال من ثقافة الجودة التقليدية إلى ثقافة التميز المؤسسي والتعلم المستمر. فليس المطلوب من المنظمات السعودية فقط أن ترفع تصنيفاتها أو تحسن من منتجاتها الخدمية وغير الخدمية أو تحقيق مؤشرات الأداء، بل أن تتبنى نموذجًا ذكيًا للابتكار، يقوم على استكشاف الفرص الصغيرة، وتبني نماذج عمل جديدة، والتفاعل بذكاء مع التحولات الرقمية، بل وخلق مساحات آمنة لتجريب الأفكار الخارجة عن المألوف. خاتمًا، لا تَخَف من فشل صغير... بل من نجاح كبير يمنعك من التغيير. ما يجعل كتاب "معضلة المبتكر" مهمًا ليس فقط فيما يطرحه من مفاهيم، بل توقيته. فنحن اليوم، في المملكة، في خضم تحول وطني كبير يقوده الطموح ويُحفزه الابتكار. ونجاحاتنا في تحقيق رؤية 2030 لن يكون فقط بتحقيق الأهداف الكمية، بل بتبني فكر جديد، يرى في التغيير فرصة لا تهديدًا، وفي الأفكار الصغيرة بذورًا لتحولات كبرى. إن المنظمات التي تنجح في القرن الحادي والعشرين ليست تلك التي تعرف كيف تحسّن ما لديها، بل تلك التي تجرؤ على أن تخلق شيئًا جديدًا حتى لو بدا في البداية غير ناضج. وكما يقول كريستنسن: "المنتجات الضعيفة اليوم قد تصبح أعمدة السوق غدًا". ويبقى السؤال الحقيقي لكل قائد وكل منظمة: هل نحن مستعدون حقًا لنكون صُنّاعًا للمستقبل، أم سنظل نعيش على أمجاد الماضي ونكتفي بما حققناه في الحاضر؟ *قسم الإحصاء وبحوث العمليات – كلية العلوم – جامعة الملك سعود البريد الإلكتروني:

الإبتكار الهدام والإطاحة بالشركات العملاقة
الإبتكار الهدام والإطاحة بالشركات العملاقة

الرياض

timeمنذ 3 أيام

  • الرياض

الإبتكار الهدام والإطاحة بالشركات العملاقة

نُشرت في صحيفة الرياض سابقًا مقالات تناولت جودة التعليم العالي، وسبل تعزيز التميز المؤسسي، واستراتيجيات الريادة. واليوم، سنتكلم عن معضلة المبتكر (The Innovator's Dilemma) وجوهر هذه المعضلة يتمثل في تساؤل، كيف تفشل المؤسسات الناجحة؟ نعم إذا لم يصاحبها وعي عميق بتغيرات السوق والتكنولوجيا واحتياجات المستهلكين. حيث لم يعد النجاح المؤسسي ضمانًا للبقاء، بل قد يتحول في لحظة إلى عائق أمام التجديد والمنافسة. وهذا بالضبط ما يحذر منه المفكر الأميركي الراحل كلايتون كريستنسن في كتابه الأشهر "معضلة المبتكر"، والذي يعد اليوم من أبرز المراجع في فهم التحديات التي تواجهها المؤسسات الكبيرة حين تغفل عن الابتكار الحقيقي. في هذا المقال نستعرض تفسير هذا الكتاب الذي يُعد حجر الزاوية في فهم الابتكار المؤسسي وسنحاول إعادة قراءته من منظور سعودي معاصر يرتكز على تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030. هذا المفهوم يلتقي بوضوح مع ما تناولته في عدد من مقالاتي المنشورة في صحيفة الرياض، مثل "المنظمات المتعلمة: من الجودة إلى الريادة العالمية" و"نحو عصر جديد من التميز". حيث شددتُ فيها على أن الريادة المؤسسية لا تنبع فقط من الالتزام بمعايير الجودة، بل من الجرأة على التجديد والتجريب، حتى وإن كان ذلك على حساب النجاحات التقليدية. إن النجاح المؤسسي قد يكون خطرًا، هذا ما يرى كريستنسن أن المؤسسات الناجحة تسقط أحيانًا لأنها تركز على تحسين منتجاتها القائمة لخدمة عملائها الحاليين، بينما تنشغل شركات ناشئة بابتكار منتجات أبسط، أقل تكلفة، وتستهدف فئات لم تكن السوق تهتم بها من قبل. هذه الابتكارات تبدأ صغيرة، لكنها سرعان ما تتطور و تُنهي الكبار. هكذا حدث مع Netflix التي قضت على Blockbuster، ومع Uber التي غيّرت وجه النقل، ومع Tesla التي قلبت موازين سوق السيارات. وسبق أن تكلمنا في مقال " آليات التقييم المؤسسي: التأثير و تقرير المصير " عن شركة نوكيا ومصيرها كشركة هواتف تقليدية أمام صعود الهواتف الذكية، وشركة كوداك التي كانت رائدة في صناعة التصوير الفوتوغرافي، فشلت في التكيف مع ثورة التصوير الرقمي. ليست المشكلة في ضعف هذه الشركات الكبرى، بل في أنها – وفق كريستنسن – تتبع منطقًا عقلانيًا يقودها إلى التركيز على الابتكار المستدام، الذي يحسّن المنتجات الحالية، بينما تتجاهل الابتكار الهدّام الذي يخلق أسواقًا جديدة ويعيد تعريف القواعد. يصنف كريستنسن الابتكار إلى ثلاثة أنواع رئيسية. الأول، "الابتكار المستدام" ويمثل تحسين تدريجي للمنتجات الحالية، يرضي العملاء الحاليين، لكنه لا يوسع السوق ولا يخلق وظائف جديدة. لذا فهو يحسّن من المنتجات القائمة دون أن يخلق نموًا حقيقيًا. والثاني، "الابتكار الهدّام" والذي يبدأ من فئات غير مخدومة، بمنتجات بسيطة، ثم يتحول إلى منافس قوي يغير قواعد اللعبة. مما يجعله يخلق أسواقًا جديدة ويوسّع القاعدة الاقتصادية ويوفر وظائف، والامثله على ذلك كثيره منها ماذكرنا التصوير الرقمي، الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية. أما الثالث فهو "ابتكار الكفاءة" والذي يخفض التكاليف ويزيد الإنتاجية، لكنه غالبًا ما يؤدي إلى تقليص الوظائف. وبحسب كريستنسن، فإن المشكلة تكمن في أن العقلية المالية التي ترسخت في الكليات الإدارية خلال العقود الماضية دفعت الشركات للتركيز على "التحسين وابتكار الكفاءة" والتي تركز على كفاءة العمليات والربحية قصيرة الأجل، على حساب الاستثمار في الابتكار الهدّام الذي قد يبدو مكلفًا وغير مضمون في بداياته، لكنه يحمل في طياته النمو المستقبلي الحقيقي. ويحذر كريستنسن من تكرار تجربة التسعينيات، حين ركّزت الشركات على تحسين الكفاءة وتقليص النفقات، مما أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وفقدان الريادة. وهو ما بدأنا نلاحظه اليوم في الأسواق، التي تتردد في تبني التقنيات الجديدة خشية المخاطرة، في مقابل صعود شركات ناشئة تتبنى الفشل كجزء من عملية التعلم. هذا النموذج يتناغم مع ما تناولته في مقالي "المنظمات المتعلمة". فالتعلم المؤسسي الحقيقي لا يقتصر على اكتساب المهارات أو تبادل المعلومات، بل يشمل القدرة على تغيير التفكير، والتجريب، وتقبّل المخاطرة، بل أحيانًا كسر المسلّمات. إن الدرس للمنظمات السعودية هو "لا تكتفِ بالجودة ولا حتى التميز، ابحث عن الإبتكار في الفرصة الصغيرة" حين ننظر إلى ما تحقق في جامعات المملكة من تقدم ملموس، كما ناقشت في مقالي "جامعات سعودية حققت مراكز متقدمة علميًا... فماذا بعد ذلك؟"، ندرك أن المرحلة المقبلة تتطلب التوجه نحو ما أسميه "التميز الذكي". وهذا لا يتحقق فقط عبر رفع التصنيفات، بل عبر التفاعل مع البيئة الرقمية، وتبنّي نماذج عمل جديدة، واستكشاف الأسواق غير المستغلة، وهو ما يشكل جوهر الابتكار الهدّام. كما أن الدعوة التي طرحتها سابقًا لتأسيس مركز وطني للتميز المؤسسي، كما ورد في مقال "نحو عصر جديد من التميز"، يمكن أن تُثري بما اقترحه كريستنسن، من خلال جعل الابتكار جزءًا من تقييم الأداء المؤسسي، وتشجيع الشركات على تخصيص حاضنات داخلية لتجريب أفكار غير تقليدية، حتى وإن كانت تخالف النموذج الربحي السائد. هذه الأفكار تتقاطع بوضوح مع ما طرحته سابقًا في مقالاتي المنشورة، حول ضرورة الانتقال من ثقافة الجودة التقليدية إلى ثقافة التميز المؤسسي والتعلم المستمر. فليس المطلوب من المنظمات السعودية فقط أن ترفع تصنيفاتها أو تحسن من منتجاتها الخدمية وغير الخدمية أو تحقيق مؤشرات الأداء، بل أن تتبنى نموذجًا ذكيًا للابتكار، يقوم على استكشاف الفرص الصغيرة، وتبني نماذج عمل جديدة، والتفاعل بذكاء مع التحولات الرقمية، بل وخلق مساحات آمنة لتجريب الأفكار الخارجة عن المألوف. خاتمًا، لا تَخَف من فشل صغير... بل من نجاح كبير يمنعك من التغيير. ما يجعل كتاب "معضلة المبتكر" مهمًا ليس فقط فيما يطرحه من مفاهيم، بل توقيته. فنحن اليوم، في المملكة، في خضم تحول وطني كبير يقوده الطموح ويُحفزه الابتكار. ونجاحاتنا في تحقيق رؤية 2030 لن يكون فقط بتحقيق الأهداف الكمية، بل بتبني فكر جديد، يرى في التغيير فرصة لا تهديدًا، وفي الأفكار الصغيرة بذورًا لتحولات كبرى. إن المنظمات التي تنجح في القرن الحادي والعشرين ليست تلك التي تعرف كيف تحسّن ما لديها، بل تلك التي تجرؤ على أن تخلق شيئًا جديدًا حتى لو بدا في البداية غير ناضج. وكما يقول كريستنسن: "المنتجات الضعيفة اليوم قد تصبح أعمدة السوق غدًا". ويبقى السؤال الحقيقي لكل قائد وكل منظمة: هل نحن مستعدون حقًا لنكون صُنّاعًا للمستقبل، أم سنظل نعيش على أمجاد الماضي ونكتفي بما حققناه في الحاضر؟ *قسم الإحصاء وبحوث العمليات – كلية العلوم – جامعة الملك سعود البريد الإلكتروني: hakim@

برلمان المملكة المتحدة يسمح بتأميم شركة "بريطانيا للصلب"
برلمان المملكة المتحدة يسمح بتأميم شركة "بريطانيا للصلب"

Independent عربية

time١٢-٠٤-٢٠٢٥

  • Independent عربية

برلمان المملكة المتحدة يسمح بتأميم شركة "بريطانيا للصلب"

هي المرة الخامسة منذ الحرب العالمية الثانية التي يلتئم فيها البرلمان البريطاني يوم السبت، وموضوع الجلسة المؤرخة في 12 أبريل (نيسان) 2025، هو تخويل الحكومة بتأميم شركة "بريطانيا للصلب" بعدما تراكمت خسارتها حتى قدرت بأكثر من 900 ألف دولار يومياً، فقررت المجموعة الصينية المالكة "جينغي" إغلاق المصنع البالغ من العمر 160 عاماً والتخلي عن نحو 3 آلاف موظف فيه. كان النواب يقضون عطلة الربيع في أماكن متفرقة داخل البلاد وخارجها عندما وصل إليهم نداء الحكومة العاجل، حتى إن بعضهم وصله الاستدعاء عبر وسائل الإعلام، فتداعوا جميعهم إلى العاصمة لندن براً أو جواً أو بحراً، واجتمعوا تحت قبة البرلمان من أجل تمرير قانون طارئ يسمح للحكومة بإنقاذ أبرز منشآت صناعة يمتد تاريخها في المملكة المتحدة إلى أكثر من 300 عام، وقد وارتبط اسمها بالثورة الصناعية. آخر مرة عقد فيها البرلمان يوم السبت كانت في 10 سبتمبر (أيلول) 2022 عندما اجتمع مجلس اللوردات لتأبين الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، كما انعقد مجلس العموم بـ19 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 لمناقشة اتفاق "بريكست" الذي اقترحه رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، وقبل ذلك عقدت جلسة للبرلمان بغرفتيه في الثالث من أبريل (نيسان) 1982 بعد يوم من إنزال القوات الأرجنتينية على جزر فوكلاند البريطانية، وقبلها بنحو 30 عاماً بسبب أزمة قناة السويس في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1956. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) قبل الجلسة أعلن رئيس الحكومة كير ستارمر تفاصيل قانون الطوارئ الذي مرره البرلمان، ويتكون من 10 صفحات تتيح للحكومة المحافظة على أصول "بريطانيا للصلب" قيد التشغيل والسيطرة عليها في حال مخالفة المشغلين للتعليمات الرسمية، إضافة إلى تعويض خسارة كل من تضرر جراء عملية تأميم الشركة، وفرض عقوبات جنائية على المديرين التنفيذيين الذين يتجاهلون التوجيهات المرتبطة بمراحل هذه العملية. استطلاع للرأي نشر قبل جلسة البرلمان بساعة واحدة، قال إن غالبية البريطانيين يؤيدون تأميم مصنع الصلب، ووفق النتائج التي أعلنتها مؤسسة "يوغوف"، وافق 57 في المئة على العملية بينما رفضها تسعة في المئة وتجنب 33 في المئة حسم أمرهم، كذلك أشار الاستطلاع إلى أن الدعم الأقوى للتأميم جاء أولاً من الذين صوتوا لحزب العمال في الانتخابات الأخيرة، تلاهم المؤيدون لـ"ريفورم" الذي يتزعمه نايجل فاراج. ستارمر قال في خطاب، إنه تحرك لحماية مستقبل منطقة "سكانتورب" التي يقوم عليها مصنع الصلب وإنقاذ وظائف العاملين فيه، ذلك لأن هذه الصناعة ترفد الاقتصاد بسلعة استراتيجية بالغة الأهمية، كما أنها تنطوي على فرص كبيرة لأبناء المنطقة والمملكة المتحدة ككل، منوهاً بأن الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على المصدرين لهذه السلعة ليست مشكلة المصنع أو غيره من المنشآت البريطانية المشابهة. زعيمة المعارضة المحافظة كيمي بادينوغ غردت عبر موقع "إكس" أن حكومة حزب العمال هي من أفسدت المحاولات السابقة لإنقاذ "بريطانيا للصلب" بعدما تركت المفاوضات المعنية بيد النقابات، وعندما أصبح الأمر على المحك استدعت البرلمان من عطلته على نحو طارئ ووضعت أمامه خياراً يكلف دافعي الضرائب مبالغ كبيرة. ثمة مخاوف طرحت خلال المناقشة البرلمانية في شأن مصير مشابه لمنشآت في ذات المجال أو قطاعات أخرى لا بد للحكومة أن تفكر بحلول لها، كما أعرب بعض النواب عن قلقهم إزاء باب التأميم الذي فتحته الحكومة العمالية منذ وصولها إلى السلطة في يوليو (تموز) 2024، حيث قامت بتأميم شركة تشغيل السكك الحديد، كذلك قررت إنشاء شركة لإنتاج الكهرباء النظيفة لتصبح هي المنتج الرئيس لهذه الطاقة. ويعمل في صناعة الصلب 1160 منشأة تدعم بشكل مباشر 40 ألف شركة أخرى في أنحاء المملكة المتحدة، وفقاً لأرقام حكومية. كانت شركة "تاتا ستيل" في ويلز أكبر منتج لخام هذه السلعة لكنها أوقفت تشغيل فرن الصهر في سبتمبر 2024، معلنة عن خسائر يومية بقيمة 2.2 مليون دولار، قبل أن تتعهد الحكومة تقديم 650 مليون دولار كمساعدة للشركة من أجل الانتقال إلى أساليب إنتاج تراعي البيئة. قائمة مصانع الصلب في المملكة المتحدة تضم أيضاً "ليبرتي ستيل" و"سيلسا" و"مارسيغاليا" و"أوتوكومبو"، وفي عام 2023 أسهمت هذه الصناعة بأكثر من 3 مليارات دولار في الاقتصاد البريطاني، أي ما يعادل 0.1 في المئة من الناتج الإجمالي واحد في المئة من الناتج الصناعي، حيث أنتجت المملكة المتحدة في ذلك العام 5.6 مليون طن من الفولاذ الخام تعادل 0.3 في المئة من إجمالي الإنتاج العالمي، فيما أنتجت الصين أكثر من مليار طن تعادل 54 في المئة من الإنتاج العالمي خلال الفترة ذاتها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store