logo
الدعم الأمريكي

الدعم الأمريكي

جفرا نيوزمنذ يوم واحد
جفرا نيوز -
إسماعيل الشريف
«أنا رجل واحد يقف لوحده ضد ألف لوبي» – جورج بوش الأب.
في تقريرٍ أصدره المعهد اليهودي للأمن القومي للولايات المتحدة (JINSA)، وهو مركز أبحاث أمريكي غير ربحي يُعنى بقضايا الأمن القومي المتصلة بالعلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، يتضح مدى اعتماد هذا الكيان على الدعم الأمريكي خلال حربه التي استمرت اثني عشر يومًا مع إيران.
يشير التقرير إلى أنّ أنظمة الدفاع الجوي بعيدة المدى المعروفة باسم «ثاد» (THAAD)، التي تصنّعها شركة لوكهيد مارتن الأمريكية ــ وهي الشركة ذاتها التي تنتج سلسلة طائرات «إف» (F) ــ وتديرها الولايات المتحدة، قد تولّت بمفردها اعتراض نصف الصواريخ الإيرانية. وقد نشرت الولايات المتحدة سبعة أنظمة «ثاد» في الكيان الصهيوني، وهو أقوى نظام في العالم لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيّرة، ويحتاج كل نظام إلى 95 جنديًا أمريكيًا لتشغيله، ويضم ست منصات إطلاق محمولة على شاحنات، و48 صاروخًا اعتراضيًا، ورادارًا متنقّلًا، مع قدرة على اعتراض المقذوفات من مسافة تصل إلى مئتي كيلومتر.
لم يمتلك الكيان الصهيوني أنظمة دفاع جوي فعّالة قادرة على اعتراض الصواريخ الفرط صوتية الإيرانية، ما جعله يعتمد اعتمادًا شبه كامل خلال حربه مع إيران على منظومات «ثاد»، وطائرات «إف-35»، والقنابل، والدعم اللوجستي الأمريكي. وحين أخفقت كل هذه الوسائل، تدخّلت الولايات المتحدة بكامل عتادها، فقصفت مواقع التخصيب الإيرانية مباشرة.
ووفقًا للتقرير، فقد أسقطت هذه الأنظمة 201 صاروخ إيراني من أصل 574 أطلقتها إيران، فيما سقط 316 صاروخًا في مناطق غير مأهولة، وأصاب 57 صاروخًا أهدافًا حيوية داخل فلسطين المحتلة. وبطبيعة الحال، تبقى هذه الأرقام محلّ شك، إذ يحرص الكيان على إخفاء حجم الأضرار الحقيقية التي تسببت بها الصواريخ الإيرانية. كما خلص التقرير إلى أنّ الخسائر الاقتصادية التي تكبّدتها إيران كانت أعلى بكثير من خسائر الكيان، غير أنّ خسائر الولايات المتحدة تجاوزت خسائر الطرفين، وهي خسائر تحمّلها الشعب الأمريكي. وأشار التقرير إلى أنّ نظام «ثاد» أنقذ الكيان من أضرار تقدّر بنحو 13.4 مليار دولار لو أنّ تلك الصواريخ أصابت أهدافها.
إلا أنّ التقرير يضلّل حين يروّج لفكرتين؛ أولاهما أنّ هذا النظام خدم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة أكثر مما خدم الكيان، وثانيهما أنّ هذا الدعم عزّز قوة الردع الأمريكية في مواجهة روسيا والصين. والهدف من ذلك، بطبيعة الحال، هو إقناع الشعب الأمريكي وأصحاب القرار بمبررات الكلفة الباهظة التي تكبّدتها واشنطن في هذه المواجهة. وما أغفله التقرير أنّه كشف بوضوح مدى اعتماد الكيان على الولايات المتحدة، رغم وحشيته وصناعاته العسكرية المتطورة، ورغم سعيه الدائم لتصوير نفسه كالقوة الوحيدة في المنطقة التي تهابها أعداؤها.
ويكذب السفير الأمريكي في لبنان، توم باراك، حين يقول للرئيس اللبناني جوزيف عون إنّ الولايات المتحدة لا تستطيع فعل شيء لإجبار الصهاينة على أي خطوة. أما السفير الأمريكي الصهيوني مايك هاكابي فقد ذهب أبعد من ذلك، إذ ندّد ببيان صادر عن 25 دولة ــ من بينها أقرب حلفاء واشنطن ــ يدعو إلى وقف المجزرة في غزة، واصفًا إياه بـ»المثير للاشمئزاز»، مضيفًا أنّ غزة تعاني لسبب واحد هو أنّ حماس ترفض كل المقترحات، وأنّ إلقاء اللوم على الكيان أمر غير منطقي.
إنّ قرار إيقاف الإبادة بيد الولايات المتحدة، فهي من يدفع الأموال، ويزوّد بالسلاح، ويمنح الغطاء السياسي، ومن يملك هذه الأوراق يملك القرار. والتاريخ مليء بالأمثلة التي تُظهر أنّ الكلمة الفصل كانت دائمًا لسيد البيت الأبيض، فيرضخ رئيس الوزراء الصهيوني. ففي عام 1956 أمر الرئيس الأمريكي أيزنهاور بانسحاب جيش الكيان من سيناء، وكان له ما أراد. وفي عام 1975 فرض كيسنجر فكّ الاشتباك على الصهاينة في الجبهتين السورية والمصرية عقب حرب 1973. وضغط كارتر على الكيان للانسحاب الكامل من صحراء سيناء في اتفاقية كامب ديفيد ــ وهو ما يندم عليه الصهاينة حتى اليوم ــ كما أجبر بوش الأب الكيان على الانخراط في مفاوضات مدريد، مستخدمَين المساعدات الأمريكية لفرض إرادتهما. ولا ننسى الرئيس ريغان، الذي أنهى في مكالمة هاتفية واحدة وجود الجيش الصهيوني في لبنان عام 1982. وهناك عشرات الأمثلة الأخرى.
ومن ثمّ، فإنّ التقرير يلمّح ضمناً إلى أنّ الرئيس الأمريكي ترامب لم يضغط مطلقًا على الكيان لوقف الإبادة، ولو أراد لفعل، وهو الذي طلب أن يدخل البيت الأبيض والإبادة متوقفة، فتوقفت بالفعل، كما أمر بعودة طيران جيش الاحتلال وهو في طريقه لقصف طهران، فعاد أدراجه.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترمب وبوتين يلتقيان في ألاسكا التي اشترتها أمريكا من روسيا.. فما قصتها؟
ترمب وبوتين يلتقيان في ألاسكا التي اشترتها أمريكا من روسيا.. فما قصتها؟

رؤيا

timeمنذ 2 ساعات

  • رؤيا

ترمب وبوتين يلتقيان في ألاسكا التي اشترتها أمريكا من روسيا.. فما قصتها؟

ولاية ألاسكا كانت أرضاً روسية قبل أن تشتريها الولايات المتحدة في صفقة تاريخية يعتزم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد لقاء في ولاية ألاسكا يوم الجمعة 15 أغسطس/آب، وذلك لبحث مستقبل الحرب في أوكرانيا. وبينما أعلن ترمب عن الاجتماع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكد الكرملين الموعد، مشيراً إلى أن اختيار ألاسكا "منطقي" نظراً لقربها النسبي من روسيا. لكن علاقة ألاسكا بروسيا أعمق من مجرد الجغرافيا، فقد كانت هذه الولاية الشاسعة أرضاً روسية قبل أن تشتريها الولايات المتحدة في صفقة تاريخية غيرت وجه المنطقة. من أرض روسية إلى ولاية أمريكية تعود السيطرة الروسية على ألاسكا إلى القرن الثامن عشر، بعد أن اكتشفت بعثة استكشافية بقيادة الملاح الدنماركي فيتوس بيرنغ، بتكليف من قيصر روسيا بطرس الأكبر، أن هذه الأرض الجديدة غير مرتبطة بروسيا. وقد أدى اكتشاف فراء ثعالب البحر الثمين إلى فتح أبواب تجارة الفراء الغنية، وتأسست أول مستوطنة أوروبية روسية في المنطقة عام 1784. لكن بعد عقود، وبسبب الانقراض الوشيك لثعالب البحر والتداعيات السياسية لحرب القرم، أصبحت روسيا مستعدة لبيع ألاسكا. وفي عام 1867، قاد وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، ويليام سيوارد، مفاوضات لشراء الإقليم مقابل 7.2 مليون دولار. وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، تم رفع العلم الأمريكي في عاصمة ألاسكا حينها "سيتكا"، في يوم يُحتفل به الآن سنوياً باسم "يوم ألاسكا". ورغم أن الصفقة وُصفت في البداية بسخرية بأنها "حماقة سيوارد"، إلا أن اكتشاف الذهب لاحقاً أثبت أهميتها الاستراتيجية. وبعد مسيرة طويلة، أصبحت ألاسكا رسمياً الولاية الأمريكية رقم 49 في عام 1959. أرض الذهب الأسود: كيف غير النفط وجه ألاسكا؟ شهد اقتصاد ألاسكا تحولاً جذرياً في عام 1968 مع اكتشاف حقل نفط هائل في خليج برودو، تُقدر احتياطياته بنحو 13 مليار برميل. وسرعان ما أصبح النفط والغاز الصناعة الأولى في الولاية. وفي عام 1969 وحده، جنت الولاية 900 مليون دولار من تأجير الأراضي لشركات النفط، وتم إنشاء خط أنابيب ضخم لنقل النفط عبر الولاية، مما غير وضعها الاقتصادي إلى الأبد. صندوق الأجيال القادمة: نموذج ألاسكا الفريد إدراكاً من حاكم الولاية آنذاك، جاي هاموند، بأن إيرادات النفط لن تدوم إلى الأبد، تم إنشاء "صندوق ألاسكا الدائم" في عام 1976. ويهدف هذا الصندوق إلى ادخار ربع ريع النفط في الولاية للأجيال القادمة، وقد فاقت قيمته الآن 65 مليار دولار. والأمر الأكثر تميزاً هو "برنامج حصص أرباح الصندوق الدائم"، الذي بدأ عام 1982، والذي يوزع بموجبه جزء من أرباح الصندوق سنوياً على كل مواطن مقيم في ألاسكا لمدة لا تقل عن عام. وقد ساهم هذا البرنامج بشكل مباشر في تخفيف حدة الفقر، حيث ينتشل ما بين 15 إلى 25 ألف مواطن من الفقر المدقع سنوياً، كما يضخ أموالاً في الاقتصاد المحلي بشكل دوري. حقائق وأرقام عن "الأرض العظيمة" المساحة: ألاسكا هي أكبر ولاية أمريكية، وتشكل خُمس مساحة الولايات المتحدة بأكملها. العاصمة: مدينة جونو هي العاصمة الوحيدة في الولايات المتحدة التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالقارب أو بالطائرة. الطبيعة: يوجد في ألاسكا نحو 100 ألف نهر جليدي، وأكثر من 3 آلاف نهر، وعدد هائل من البحيرات، بالإضافة إلى أكثر من 100 بركان.

الامن الأوروبي بين مطرقة أوكرانيا وسندان الشرق الأوسط
الامن الأوروبي بين مطرقة أوكرانيا وسندان الشرق الأوسط

وطنا نيوز

timeمنذ 4 ساعات

  • وطنا نيوز

الامن الأوروبي بين مطرقة أوكرانيا وسندان الشرق الأوسط

البرفسور عبد الله سرور الزعبي مركز عبر المتوسط للدراسات الاستراتيجية العلاقة الأوروبية مع الشرق الأوسط، سلسلة متواصلة من الصراع والتعاون المتبادل، بدأت مع الإسكندر المقدوني، وهو من حدد قلب العالم، ومؤسس الجسر الحضاري مع المشرق. تبع ذلك العهد الروماني، وكان الشرق الاوسط جزءًا منه، يرابط طرق التجارة بين أوروبا وآسيا وأفريقيا. ومع القرون الوسطى، برزت الحملات الصليبية، تلتها مرحلة التبادل التجاري والثقافي مع القوى الإسلامية، خاصة عبر الموانئ المتوسطية، ومن ثم الحقبة الاستعمارية. في العصر الحديث، بعد الحرب العالمية الثانية، عادت العلاقات الاستراتيجية مع منطقة الشرق الأوسط (اهم مصدر للطاقة)، وتحوّل المنطقة إلى ساحة صراع نفوذ بين القوى الأوروبية والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ولغاية اليوم تنظر أوروبا الى المنطقة بوصفها مصدرًا للطاقة، وطريقاً للتجارة، ومسرحًا للتحديات الأمنية، وشريكًا في قضايا التنمية والاستقرار الإقليمي والعالمي. روسيا التي دخلت المعادلة الأوروبية، في عهد بطرس الأكبر، ناقلاً إياها من دولة شبه معزولة جغرافيًا وثقافيًا، إلى قوة عظمى تفرض نفسها لاعبًا أساسيًا في ميزان القوى الأوروبي، وبرزت في القرن التاسع عشر كحامية للشعوب السلافية، ودخلت في صراعات كبرى، لتصبح طرفًا حاسمًا في التوازن الأوروبي. مع قيام الاتحاد السوفيتي، تحولت روسيا إلى قطب أيديولوجي عالمي ينافس الغرب رأسيًا في السياسة والاقتصاد والعسكرة، إلى أن انهار هذا البناء عام 1991، لتجد موسكو نفسها في موقع دفاعي أمام تمدد النفوذ الأوروبي والناتو شرقًا. حديثاً، بوتين، استخدام أدوات القوة الصلبة والناعمة معاً، لاستعادة النفوذ التاريخي، فكانت حرب جورجيا 2008 وضم القرم 2014، وصولًا إلى الحرب الراهنة في أوكرانيا، التي أعادت أوروبا وروسيا إلى أجواء المواجهة الجيوسياسية، وتفرض روسيا نفسها مجددًا لاعبًا يصعب تجاوزه في صياغة الأمن الأوروبي والحدود السياسية. اما أوكرانيا، فهويتها الوطنية لها جذور تاريخية، لكن ظهورها كدولة بالمعنى السياسي، مر بعدة مراحل، استمرت حتى عام 1991، حيث أعلنت استقلالها لتبدأ مسارها كدولة قومية ذات سيادة. خلال هذا الصيف، شهدت الساحة الدولية تغيرات متسارعة على أكثر من جبهة، أبرزها الاتفاق الاقتصادي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث التزامات أوروبا بشراء كميات ضخمة من الغاز المسال والنفط الامريكي، بقيمة تصل إلى 650 مليار، واستثمار حوالي 600 مليار دولار في أمريكا خلال ثلاث سنوات. هذا الاتفاق جاء في ظل انقطاع الغاز الروسي، نتيجة تدمير خطوط أنابيب الغاز Nord Stream منذ 2022. هذه الصفقة عكست تبعية أوروبية تجاه الولايات المتحدة، مما يقلّص من قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة في المجالات السياسية والاقتصادية، ويظهر مدى خطورة إعادة ترتيب جيوسياسي لأوروبا من خلال تفاهمات أميركية روسية دون مشاركة أوروبية كافية. ان تصاعد الأزمات السياسية والعسكرية في شرق اوروبا، يقابله تصاعد المواجهة في الشرق الأوسط (غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان وغيرها). هذه الاحداث المترابطة، تشكّل عامل ضغط مباشر على قدرة اوروبا في إدارة ملفات الشرق الأوسط، التي تعكس أبعادًا أعمق في التنافس الجيوسياسي الدولي. ان التحولات الأخيرة على الساحة الأوروبية، أدى الى تراجع دورها كوسيط محايد بين إسرائيل والفلسطينيين (تميل تلقائيًا نحو الموقف الأميركي)، وترابط قرارات واشنطن بين أوكرانيا والشرق الأوسط، وتسعى واشنطن للحفاظ على تفوقها عبر دعم إسرائيل (حيث السياسة الأميركية تستخدم ملفات عدة كورقة واحدة في المفاوضات الدولية (من خنادق الدونباس الى أزقة غزة، مرورًا بمضائق البحر الأحمر)، مما قد يفتح المجال لتدخلات روسية وصينية، ويسمح لهما بتوسيع نفوذهما (عبر دعم أطراف إقليمية فاعلة)، لكسر سياسة الاحتكار الأمريكي، ولتعقيد الصراع، وليبقى الحل النهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي مرهونًا بتحولات وتحالفات وتوازنات القوى العالمية. في أوكرانيا، وبعد انطلاق الاحتجاجات الداخلية، زادت الضغوط بهدف تغيير القيادة السياسية، واستبدالها بأخرى مريحة أكثر، وبهدف الاستمرار بالحرب أو التفاوض بواقعية. في الوقت نفسه، تتقدم القوات الروسية نحو نهر دنيبرو، في مشهد ميداني لتثبيت مكاسب إقليمية قبل لقاء ترامب وبوتين في الاسكا يوم 15/8/2015، وقد يفضي إلى حلول تُحسم فيها مسائل حدودية أو نفوذ إقليمي، ويعيد هندسة الأمن الأوروبي من خارج البيت. قادة أوروبا، في حراك مستمر (ثلاثة قمم يوم 13/8/2025)، للمحافظة على موقف موحد، ورسم مستقبل الاتحاد، فهل سينجحون في تعزيز استقلالية أوروبا السياسية والاقتصادية لتتمكن من لعب دور فعّال في الشرق الأوسط؟ وهل سينجحون في تطوير استراتيجية جيوسياسية توازن بين علاقاتهم ومصالحهم في الشرق الأوسط؟ وهل سينجحون في العمل مع شركاء إقليميين (الأردن حليف إقليمي مستمر) لتعزيز الحلول السياسية المستدامة بعيدًا عن تبعيات القوى الكبرى (لكيلا تقع أوروبا بين مطرقة الانكفاء الأمريكي وسندان التوسع الروسي)؟ يشير الربط بين المشهد الأوروبي والأميركي والحرب في أوكرانيا وغزة إلى تحوّل في مراكز الجاذبية الجيوسياسية. إذ إن الاتفاق التجاري والتزامات الطاقة، تمنح الولايات المتحدة مساحة أوسع لاستخدام السياسة الخارجية كأداة واحدة شاملة لإدارة ملفات أوكرانيا والشرق الأوسط في وقت واحد، مع تآكل القوة الأوروبية الناعمة. والسؤال هنا، هل الاهتمام الاوروبي بالحفاظ على 'الرعاية الأميركية يُقوّي من علاقاتها، أم يُقوِّضها؟ وهل الرغبة في ضمان الأمان الأميركي تُترجَم إلى ضعف في تأثير القرار الأوروبي في أوكرانيا والشرق الاوسط؟ وهل هذا الترابط يعني أن أي ليونة أو تشدد أميركي في ملف غزة سيتأثر بمدى حاجتها لتماسك المعسكر الأوروبي في مواجهة روسيا، وهل أوروبا جاهزة للتحدي المطروح اماها في صيف 2025، وهو متعدد الابعاد (قرار سياسي، واقتصادي، وضغط جيوسياسي، وهشاشة أوكرانية، وابعاد قانونية واجتماعية، مثل امن الوظائف والتنافسية)؟ وهل هي قادرة على اعلان حالة الطوارئ الصناعية، والمحافظة على سلاسل التوريد والقطاعات الأكثر تضررًا لامتصاص الصدمة الاقتصادية. الأردن، بصفته حليف تقليدي لكل من أمريكا واوروبا، وهو في قلب العاصفة الجيوسياسية المتشابكة، ليس بعيداً عن هذه التطورات والتقاطعات، التي لها تداعيات عميقة على استقراره وأمنه الاقتصادي والسياسي. إن احتمالات إعادة رسم موازين القوى في أوكرانيا والشرق الأوسط تُرجّح أن يصبح الأردن في موقع جيوسياسي حساس بين الأقطاب المتنافسة لتوسيع نفوذها في ظل تصاعد الحرب في غزة وتداعياتها الإنسانية والأمنية، مع تأثيرات قد تمتد لتصل التوازنات الاجتماعية الداخلية. مع كل هذه الضغوط المركبة، هل سيتمكن الأردن من المحافظة على الدور الحيوي كـجسر دبلوماسي إقليمي لدعم الحلول السياسية المستدامة (في ظل تراجع الدور الأوروبي المتفهم والداعم للأردن)؟ إن جلالة الملك يعلم ما يجري من أحداث على الساحة الدولية، وأنها ستلقي بظلالها على الأردن، وهو المبادر في سرعة تبني سياسات مرنة وحكيمة تحمي المصالح الوطنية، وتحقق التوازن في بيئة دولية معقدة، ويعمل على تنويع الشراكات الدولية، وتطوير القدرات العسكرية والأمنية، وإدارة ملف العلاقة مع إسرائيل بحذر متوازن، والاستمرار في الضغط الدبلوماسي في ملف القدس وحقوق الفلسطينيين لتعزيز امن واستقرار الأردن. ان جهود الملك، يجب ان يرافقها جهود من الادارة التنفيذية، للعمل على تنويع مصادر الطاقة، والمياه (فعلاً لا قولاً)، وبمرونة في السياسات الداخلية، من تبني سياسات اجتماعية واقتصادية تحافظ على التماسك الوطني في وجه الضغوط الخارجية، وتحسين الخدمات، وخلق فرص عمل، ودعم القطاعات الاقتصادية الحيوية، وتقديم الكفاءة (حيث الفاقدين للكفاءة يخلقون المشكلات، والمتعلمون يسعون لحلها، الا ان الكفاءة تمنع وقوعها) على الولاءات الشخصية (حيث في كثير من الأحيان تلعب الآراء الشخصية دوراً اكبر، وتصبح اقوى من الآراء المؤسسية، فان اعظم خطيئة هي تصديق الأشياء دون دليل)، وتعزيز الحوار الوطني والشراكة مع مختلف القوى السياسية والمجتمعية لتفادي استغلال الأزمات الخارجية في خلق انقسامات داخلية، وتعزيز دور التعليم وتطويره بالشكل الصحيح (حتى ولوكان مكلف، لان تكلفة تراجعه ستكون كارثية)، ولكيلا نجد انفسنا خارج اللعبة. ان هذه الإجراءات يجب ان تكون من الضرورات وليس خيارات، لتمكين الأردن من تجاوز هذه المرحلة الدقيقة بأقل خسائر ممكنة. اننا نثق بكل ما يقوم به الملك، والاردنيون موحدون خلفه لحماية الوطن من اية تهديدات خارجية، وللمحافظة على مكانته كركيزة أمن واستقرار في منطقة سريعة التقلب.

كيف نبني الأردن بعد قرن من إنشائه: التحديات الاقتصادية والاجتماعية ومعادلة الإصلاح الشامل (الحلقة الثانية)
كيف نبني الأردن بعد قرن من إنشائه: التحديات الاقتصادية والاجتماعية ومعادلة الإصلاح الشامل (الحلقة الثانية)

وطنا نيوز

timeمنذ 4 ساعات

  • وطنا نيوز

كيف نبني الأردن بعد قرن من إنشائه: التحديات الاقتصادية والاجتماعية ومعادلة الإصلاح الشامل (الحلقة الثانية)

م. سعيد بهاء المصري يمر الأردن اليوم بمرحلة دقيقة من تاريخه، حيث تتشابك التحديات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية لتشكل اختبارًا حقيقيًا لقدرته على تحقيق التنمية المستدامة في مئويته الثانية. فرغم ما يتمتع به من استقرار نسبي في منطقة مضطربة، إلا أن الضغوط الداخلية والخارجية تتزايد، مما يستوجب مقاربة إصلاحية شاملة تعترف بالواقع كما هو، وتبني على عناصر القوة المتاحة. الواقع الاقتصادي الراهن تشير المؤشرات الاقتصادية الرسمية إلى صورة مركبة ودقيقة. فمعدل البطالة العام يقترب من 21%، بينما تتجاوز نسبتها بين الشباب 40%، ما يعكس فجوة واضحة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل. كما أن الدين العام بلغ مستويات تتجاوز 110% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يحدّ من قدرة الدولة على التوسع في الإنفاق التنموي. أما معدل النمو الاقتصادي، فقد تراوح في السنوات الأخيرة بين 2.5% و3% سنويًا، وهي نسبة أقل بكثير من المستوى المطلوب لاستيعاب أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل. يظل العجز التجاري تحديًا كبيرًا، حيث يتجاوز 9 مليارات دولار سنويًا نتيجة اعتماد الاقتصاد على استيراد الطاقة والسلع الأساسية، وضعف قاعدة الصادرات ذات القيمة المضافة العالية. وفي الوقت نفسه، سجل معدل التضخم نحو 3–4% سنويًا، مما أثر على القوة الشرائية للمواطنين، بينما تشير تقديرات نسب الفقر إلى أنها تتراوح بين 24% و27% من السكان. التحديات الاجتماعية والمعيشية على الصعيد الاجتماعي، يتأثر جزء كبير من المواطنين بارتفاع تكاليف المعيشة وتآكل القدرة الشرائية، خاصة مع زيادة أسعار الطاقة والغذاء. وتعمّق الفجوة التنموية بين العاصمة والمحافظات حالة عدم التوازن في توزيع الفرص، مما يثير إحساسًا بعدم العدالة الاجتماعية لدى العديد من الفئات. ورغم أهمية برامج الحماية الاجتماعية القائمة، إلا أنها بحاجة إلى إعادة هيكلة شاملة تربط الدعم المادي والعيني ببرامج إعادة التأهيل والتدريب، بحيث تتحول من مجرد مساندة مؤقتة إلى أدوات لتمكين اقتصادي فعلي. من جانب آخر، تؤثر التغيرات الاجتماعية والثقافية بفعل العولمة والتكنولوجيا على منظومة القيم والسلوكيات، مما يستدعي تعزيز الهوية الوطنية الجامعة وترسيخ قيم المواطنة، باعتبارها الضمانة الأولى للسلم المجتمعي في ظل الأوضاع الاقتصادية الضاغطة. التحديات الجيوسياسية وتأثيرها الاقتصادي لا يمكن فصل الواقع الاقتصادي الأردني عن محيطه الجيوسياسي المعقد. فالاضطرابات الإقليمية، واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وغزة، وأزمات اللجوء الممتدة، كلها عوامل تضيف أعباءً مباشرة على البنية التحتية والخدمات، وتزيد من التكاليف الأمنية والاجتماعية، ما يقلص من قدرة الدولة على توجيه موارد أكبر للتنمية والإصلاح. نحو المئوية الثانية الأردن أمام فرصة لإعادة صياغة مساره الاقتصادي والاجتماعي، بشرط أن تتكامل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية في آن واحد. فنجاح الإصلاح الاقتصادي مرهون بتمكين المواطن وضمان عدالة توزيع الفرص، وتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمع. إن بلورة عقد اجتماعي جديد، يوازن بين متطلبات النمو الاقتصادي والحماية الاجتماعية، هي الضمانة الحقيقية لعبور الأردن إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار في مئويته الثانية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store