logo
تبرئة بلاتيني وبلاتر بعد 10 أعوام من التحقيقات

تبرئة بلاتيني وبلاتر بعد 10 أعوام من التحقيقات

الجزيرة٢٥-٠٣-٢٠٢٥

برأت محكمة استئناف سويسرية الثلاثاء رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) السابق ميشال بلاتيني ورئيس الاتحاد الدولي (فيفا) السابق السويسري جوزيف بلاتر، مرة أخرى في قضية فساد حطمت طموحات الفرنسي في أن يتبوأ رئاسة أعلى هيئة كروية في عام 2015.
كما في الحالة الأولى، في عام 2022، لم تستجب محكمة الاستئناف الاستثنائية التابعة للمحكمة الجزائية الفدرالية المنعقدة في موتينز (شمال غرب) لطلبات الادعاء، الذي طلب في بداية شهر مارس/آذار بسجن كل من المتهمين 20 شهرا مع وقف التنفيذ.
قال بلاتيني (69 عاما) الفائز بالكرة الذهبية لأفضل لاعب أوروبي 3 مرات تواليا (1983 و1984 و1985)، للصحافيين أثناء مغادرته "لقد استعدت شرفي" و"انتهى الآن الاضطهاد الذي استمر 10 سنوات من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) وعدد قليل من المدعين الفدراليين السويسريين".
وأردف "أرادوا منعي من رئاسة الاتحاد الدولي.. أعلم أن الوقت كان عاملا مهما بالنسبة لأعدائي. لا يكترثون للمليونيْ دولار: هو عامل الوقت. لقد أبعدوني لمدة 10 سنوات".
وفي إشارة إلى غياب فيفا عن جلسة استماع موتينز وذلك على الرغم من نشاط محاميته الكبير في المحكمة الابتدائية، ختم قائلا "لم يحضروا حتى جلسة الاستئناف. يعلمون جيدا أنهم فازوا. ونحن نعلم ذلك".
بدوره، قال بلاتر "أنا سعيد للتحرر من هذا الضغط الذي أرهقني على مدى عشر سنوات. كانت فترة صعبة علي، والآن تحقق العدل في نهاية المطاف. هذه لحظة هامة لي، لعائلتي وأصدقائي".
10 أعوام من التحقيقات
وبعد مرور قرابة 10 أعوام من التحقيقات وصدور حكم براءة في المحكمة الابتدائية، ما زال الباب مشرعا أمام تقديم استئناف نهائي بالنقض أمام المحكمة الفدرالية السويسرية، ولكن فقط على أسس قانونية محدودة.
ولمدة 4 أيام، مثل بلاتيني وبلاتر (89 عاما) مرة أخرى بتهمة "الحصول بشكل غير قانوني، على حساب فيفا، على مبلغ مليوني فرنك سويسري (1.8 مليون يورو)" وذلك "لصالح ميشال بلاتيني".
واتفق الادعاء والدفاع على نقطة واحدة، وهي أن بلاتيني عمل مستشارا لبلاتر بين عامي 1998 و2002، خلال فترة ولايته الأولى كرئيس لـ "فيفا"، ووقّع الرجلان عقدا في عام 1999 يتفقان فيه على راتب سنوي قدره 300 ألف فرنك سويسري، يدفعه "فيفا" بالكامل.
لكن في يناير/كانون الثاني 2011، طالب نجم المنتخب الفرنسي ويوفنتوس الإيطالي السابق الذي أصبح آنذاك رئيسا للاتحاد الأوروبي لكرة القدم (2007-2015) بـ"مبلغ مليونيْ فرنك سويسري (1.8 مليون يورو)"، وهو ما وصفه الادعاء بأنه "فاتورة مزورة".
اتفاق السّادة
ويصر الرجلان على أنهما اتفقا منذ البداية على راتب سنوي قدره مليون فرنك سويسري، من خلال "اتفاق شفوي بين السّادة" من دون وجود شهود، وأن مالية "فيفا" لم تسمح بدفعه على الفور إلى بلاتيني.
قال دومينيك نيلين محامي بلاتيني للمحكمة "السبب وراء الإجراءات الحالية (التي بدأت في عام 2015 بعد استقالة بلاتر) كان فقط لمنع ميشال بلاتيني من أن يصبح رئيسا للاتحاد الدولي لكرة القدم".
وطالب أيضا بـ"تعويض أخلاقي" لموكله الذي "دُمّرت" مسيرته وسمعته في وقت بدا فيه، بصفته رئيسا لـ"ويفا" وما زال في قمة مجده الرياضي، في وضع مثالي لتولي قيادة كرة القدم العالمية.
ولكن من الناحية القانونية، فإن سياق القضية ليس له أهمية كبيرة، فالشيء الوحيد الذي كان يهم محكمة الاستئناف هو "الخداع" الذي يتهم به المتهمان، أي دفع "فيفا" مبلغ مليونيْ فرنك سويسري إلى بلاتيني بدعم من بلاتر.
في المقابل، أكّد بلاتر خلال المحاكمة أن الفرنسي "كان يستحق المبلغ"، قبل أن يروي بلاتيني تفاصيل المفاوضات "أردت أن أمزح قليلا، فقلت: مليون من أي عملة تريدها: روبل، بيسيتاس، ليرة". فقال السيد بلاتر "مليون فرنك سويسري".
ظل الفساد
وفي مرافعاته، سلّط المدعي العام توماس هيلدبراند الضوء على "التناقض" مع عقد عام 1999، والتباين مع الممارسات المعتادة للهيئة، وبشكل عام تلك التي تتعلق بعالم العمل، وكشف عن تقارير التدقيق التي تظهر أن فيفا لا يزال يتمتع باحتياطيات نقدية وفيرة.
هل المسألة تتعلق بتحديد أي نسخة هي الأكثر مصداقية؟ لا، ذكّر دومينيك نيلين، لأن عبء الإثبات في الإجراءات الجنائية يقع على عاتق الادعاء "ليس من مسؤولية الدفاع إثبات وجود مثل هذا الاتفاق الشفهي"، ولكن من مسؤولية الادعاء إثبات أن المتهم احتال على فيفا.
ومع ذلك، برأت المحكمة الجزائية الفدرالية في بيلينزونا في عام 2022، الرجلين في الدرجة الأولى، معتبرة أن الاحتيال "لم يثبت باحتمالية تقترب من اليقين"، حتى لو كان اتخاذ قرار من دون سجل مكتوب بمثل هذا الراتب المرتفع يبدو "غير عادي إلى حد ما".
وزعم الدفاع أيضا أن بلاتر لم يكن لديه "دافع" للاحتيال على فيفا، فإنه لم يكسب سنتا واحدا من هذه القضية، في حين كان بلاتيني "سيجد طرقا مختلفة أبسط كثيرا" للثراء مثل التفاوض على مكافأة أو توقيع عقد جديد.
وبحذر، استذكر هيلدبراند دعم بلاتيني لإعادة انتخاب بلاتر لولاية رابعة في مايو/أيار 2011، ما أثار الشكوك حيال الفساد في قاعة المحكمة.
لكن "بلاتر اعتبر هذه الفرضية غير مثبتة"، حسب محاميه مواطنه لورينز إيرني.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"يوروستاك".. خطة أوروبا لتحصين نفسها ضد المفاجأة الأميركية المرتقبة
"يوروستاك".. خطة أوروبا لتحصين نفسها ضد المفاجأة الأميركية المرتقبة

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

"يوروستاك".. خطة أوروبا لتحصين نفسها ضد المفاجأة الأميركية المرتقبة

"أوروبا تحت الحصار؛ لا تحاصرها الجيوش، بل سلاسل التوريد والخوارزميات". تلك العبارة كانت افتتاحية تقرير نُشر في نهاية شهر مارس/آذار الماضي في مجلة فورين بوليسي. تلخص هذه العبارة الوضع الإستراتيجي لواقع اقتصادي وتقني وأمني قائم في أوروبا. حيث اعتادت القارة العجوز أن تلقي بكل ثقلها على العقل التقني الأميركي، وكذلك الكثير من الواردات التكنولوجية الأجنبية، ولطالما أسندت أوروبا بنيتها التحتية الرقمية إلى سلاسل توريد عبر المحيطات وخوادم بيانات في قارات أخرى. وكانت ترى في نفسها أنها تمتلك القدرة على إدارة هذه التحديات والتعامل معها بسلاسة، ولا سيما أنها تمتلك بيئة علمية ممتازة، تمكنها من تطوير وتوطين تلك التقنيات المستوردة. لكن مؤخرا بدأت دول كثير أوروبية تنظر إلى هذا الاعتماد بكثير من الريبة، ولا سيما بعد الزلازل الجيوسياسية الأخيرة، كتحول الحليف الأميركي -بقيادة الرئيس دونالد ترامب – أو الصعود التكنولوجي الصيني، والتهديد العسكري الروسي، حيث قلبت هذه التحولات، التصورات الأوروبية، رأسًا على عقب، لتغدو التبعية الرقمية أزمة أمن قومي قد تُهدد جوهر السيادة الأوروبية، ومصدر قلق وجودي، وبات كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي يعتبرون التبعية الرقمية خطرًا أمنيًّا إستراتيجيًّا لا يمكن تجاهله، ويتحدثون عن هذه الأزمة بنفس نبرة القلق التي يتحدثون بها عن أمن الطاقة والدفاع. لذا طرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مفهوم "السيادة التكنولوجية" محورًا رئيسيًّا في إستراتيجية أوروبا المستقبلية. فهل يشكّل اعتماد أوروبا على التكنولوجيا الأميركية مجرد معضلة تنافسية، أم أنه ثغرة خطيرة تمسّ أمنها القومي؟ من المتحكم الحقيقي في البنية التحتية الرقمية التي تُدير كافة المجالات الأوروبية، من إنتاج الصواريخ إلى إدارة المستشفيات؟ وماذا لو كانت مفاصل تلك الشبكة بأيدي حليف سياسي متقلب مثل حكومة ترامب؟ وماذا لو تحوّلت المنصات التي تدير المستشفيات والمصارف وشبكات الطاقة إلى كيانٍ معادٍ؟ ماذا لو انقلبت إلى سلاح يضغط على أوروبا؟ سلاح ضغط محوري الأسئلة السابقة لم تكن افتراضية، بل تحقق بعضها فعلًا. سنبدأ بأوضح وأحدث مثال، أكد لأوروبا ضرورة أن تشرع في استقلالها الرقمي الحقيقي عن الولايات المتحدة، لاسيما بعد الدور المحوري لشركة خدمات الإنترنت الفضائي "ستارلينك" المملوكة ل إيلون ماسك في حرب أوكرانيا. كان هذا الحدث تأكيدًا على تحول التقنية الأميركية إلى سلاح ضغط محوري في أيدي حكومة واشنطن، حتى ضد أقدم وأهم حلفائها. خدمة ستارلينك هي منظومة متقدمة من الأقمار الاصطناعية التجارية، تمتلكها شركة "سبيس إكس"، وتوفر خدمة إنترنت عالية السرعة. وتعتمد الشبكة على أقمار اصطناعية تدور في المدار المنخفض للأرض، مما يمنحها إمكانية توفير اتصال مستقر وسريع حتى في أكثر المناطق الجغرافية عُزلة. ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، برزت منظومة ستارلينك الفضائية أحدَ الأعمدة الرئيسية لصمود البنية التحتية للاتصالات في أوكرانيا، لأن البنية التقليدية، بما فيها أبراج شبكات الهاتف وشبكات الألياف الضوئية، سرعان ما انهارت تحت ضربات موسكو العسكرية والهجمات السيبرانية، مما أدى إلى انقطاع واسع في الاتصالات. أما الدور المحوري الأهم لأقمار ستارلينك ، فقد ظهر في ساحة المعركة؛ إذ اعتمدت الوحدات العسكرية الأوكرانية على الاتصالات الفضائية لتأمين التواصل القيادي والتنسيق الفوري للعمليات. وعادةً ما تُجهز معظم وحدات الجيش الأوكراني بمحطة ستارلينك، لتأمين الاتصال الثابت لمهام القيادة والتحكم. ويستخدم الجنود في الخطوط الأمامية أقمار ستارلينك للتواصل بينهم وبين قياداتهم، بهدف تنظيم العمليات القتالية في أرض المعركة. كذلك أسهمت خدمة الإنترنت الفائق السرعة، التي توفرها أقمار ستارلينك، في رفع كفاءة الطائرات المسيّرة الأوكرانية التي تنفذ مهام الاستطلاع الفوري، وتحديد الأهداف بدقة، بجانب تنفيذ عمليات هجومية ضد القوات الروسية. في فبراير/شباط 2023، أعلنت شركة "سبيس إكس" أنها اتخذت خطوات لمنع الجيش الأوكراني من استغلال خدمات ستارلينك للتحكم في الطائرات المسيّرة أثناء حربه مع روسيا، إذ قرر إيلون ماسك إيقاف الخدمة فوق شبه جزيرة القرم، كي لا يستخدمها الجيش الأوكراني في التحكم في الطائرات المسيّرة الانتحارية "الكاميكازي" لمهاجمة الأسطول الروسي. من جانبها، اعتبرت أوكرانيا هذه القيود الأحادية تدخلا مستفزا في شؤونها، واتهم مسؤولون أوكرانيون ماسك بتجاوز صلاحياته وعرقلة العمليات العسكرية الأوكرانية في لحظة حاسمة من المعركة. وحين رغبت الولايات المتحدة في الضغط على أوكرانيا لدفعها نحو مفاوضات محتملة لإنهاء الحرب مع روسيا، لوّح البيت الأبيض بحرمان أوكرانيا من خدمات منظومة "ستارلينك". هنا انتبهت دول أوروبية أخرى لهذا التلويح بقلق، إذ بدأت تخشى بدورها أن تُضحّي بها الولايات المتحدة لتحقيق مكاسب مؤقتة، فهي أيضًا تعتمد على "ستارلينك" وغيرها من البرمجيات والمعدات والتقنيات الأميركية في تسيير شؤونها اليومية. مستعمرة رقمية يرسم الحاضر تشبيهًا تاريخيًّا مؤلمًا، ومفارقة واضحة؛ في الحقبة الاستعمارية، كانت قارة أوروبا تقود توسّع الإمبراطوريات، فارضة سيطرتها على مناطق شاسعة من العالم لامتلاكها الموارد الإستراتيجية، محوّلة إياها إلى مستعمرات أو شبه مستعمرات خاضعة لنفوذها. أما اليوم، فقد انقلب المشهد، إذ أصبحت أوروبا نفسها مهدّدة بأن تقع في فخ التبعية التكنولوجية، وربما تتحول إلى مستعمرة رقمية بدورها. بعض الأرقام قد تكشف جزءا من ملامح الأزمة؛ بدايةً، يقع ما يقارب 80% من البنية التحتية الرقمية في أوروبا تحت سيطرة شركات أجنبية، من العتاد الداخلي إلى البرمجيات، ومن الحوسبة السحابية إلى شبكات البيانات، كلها تُدار خارج حدود السيطرة الأوروبية. في قطاع الخدمات السحابية، تهيمن ثلاث شركات أميركية -أمازون ومايكروسوفت وغوغل- على السوق الأوروبي، مستحوذة على نحو 72% من هذا السوق حتى الربع الثاني من عام 2022، في حين لم تتجاوز حصة الشركات الأوروبية 13% خلال نفس الفترة. قد يعني هذا التفاوت أن معلومات بالغة الحساسية، من بيانات حكومية وسجلات صحية إلى أسرار شركات، تُخزن على خوادم بيانات تخضع للقانون الأميركي. أما في قطاع أشباه الموصلات، فتعتمد الصناعات الأوروبية على رقائق تُصنّع في آسيا باستخدام تصاميم وبراءات اختراع أميركية. كما تضاءلت حصة أوروبا من الإنتاج العالمي لأشباه الموصلات إلى نحو 9% فقط، ومعظمها تقليدي، في حين تُصنّع الرقائق المتطورة في مصانع آسيوية مثل "تي إس إم سي"، أو تأتي من شركات أميركية عملاقة كشركة "نفيديا". حتى إن شركة "إيه إس إم إل" الهولندية، درّة الصناعة الأوروبية في مجال إنتاج آلات الرقائق، تستورد مكوناتها من أميركا وموادها الخام من الصين، فتغدو عالقة بين مطرقة واشنطن وسندان بكين. وفي مجال الذكاء الاصطناعي، يتبين أن نحو 70% من النماذج والمنصات مصدرها الولايات المتحدة. كذلك أنظمة تشغيل الهواتف والحواسيب، ومحركات البحث، وشبكات التواصل الاجتماعي تظل حكرًا على عمالقة التكنولوجيا الأميركية، في ظل غياب بدائل أوروبية حقيقية. أما على صعيد البيانات والاتصالات، فالوضع لا يقل خطورة، وهو ما ظهر في اعتماد الجيوش الأوروبية على معدات اتصالات أميركية مؤمَّنة، كما شهدنا في لجوء الجيش الأوكراني إلى خدمات "ستارلينك" في حربه الجارية ضد روسيا. لذا، فمن دون تحرك حاسم، قد تواجه أوروبا فعلًا خطر التحول إلى مستعمرة رقمية تابعة للولايات المتحدة. الملاحظ أن الأوروبيين يعيدون النظر فعلًا في اعتمادهم على مزوّدي الخدمات السحابية والمنصات الرقمية والأقمار الاصطناعية من شركات أميركية. فمثلًا، كان الاعتماد المكثف على "ستارلينك" دافعًا لأوكرانيا وحلفائها إلى البحث عن بدائل أوروبية تزوّدهم بالاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، وتُعد منظومة "يوتلسات ون ويب" (Eutelsat OneWeb) الأوروبية خيارًا محتملًا، حتى وإن لم توفر نفس خدمات وجودة منظومة "ستارلينك". لكن، هل يكفي أوروبا أن تجد بدائل محلية للشركات الأميركية، أم إن الأمر أعقد من مجرد استبدال شركة بشركة؟ محاولة أوروبية للاستقلال لتجاوز هذا الانكشاف التقني، تحاول أوروبا رسم معالم مشروع طموح يُعرف باسم "يوروستاك". لا يدّعي هذا المشروع الانعزال أو الاكتفاء الذاتي الكامل، بل يسعى إلى إعادة هندسة البنية التحتية الرقمية للقارة، طبقة تلو أخرى، بما يضمن وجود خيارات آمنة ومستقلة وغير خاضعة لنفوذ خارجي، كما يشير إليه تقرير فورين بوليسي. يرتكز مشروع "يوروستاك" على تقسيم البنية التحتية الرقمية إلى سبع طبقات مترابطة، لا يمكن لأي منها أن تعمل بمعزل عن الأخرى. إذ لا يمكن الحديث عن سيادة تقنية في البرمجيات إذا كانت رقائق الأجهزة مستوردة، ولا عن أمان البيانات إذا كانت الشبكات تعتمد على خوادم أو أقمار صناعية أجنبية. تبدأ أولى الطبقات بالمواد الخام، الأساس الذي تُبنى عليه مختلف تقنيات العصر، إذ تفتقر أوروبا اليوم إلى السيطرة على الموارد الإستراتيجية مثل الليثيوم والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة، التي تهيمن الصين وحدها على إنتاج ما بين 60٪ إلى 80٪ منها. هذا الواقع يجعل القارة العجوز في مهب أي أزمة في سلاسل التوريد. لذا، تتجه الخطط الأوروبية نحو تنويع مصادر التوريد، وإبرام شراكات مع دول غنية بالموارد مثل نامبيا وتشيلي، إلى جانب الاستثمار في إعادة التدوير وتخزين المعادن الحيوية. أما الرقائق الإلكترونية فتمثّل الطبقة الثانية، وهي عصب الصناعات التقنية الحديثة. كما ذكرنا، لا تنتج أوروبا سوى 9٪ من هذه الرقائق، بينما تتربع شركات أميركية كشركة نفيديا وآسيوية كشركة تي إس إم سي على عرش التصميم والتصنيع. ومن هنا تأتي أهمية تعزيز الصناعة المحلية لهذه الرقائق، خاصة في القطاعات التي تملك فيها أوروبا ميزة نسبية، مثل صناعة السيارات والآلات الصناعية. الطبقة الثالثة تتمثل في شبكات الاتصال، فمع اعتماد أوروبا الحالي على أقمار اصطناعية ومعدات أجنبية، يصبح المشروع الأوروبي مُلزمًا بتعزيز استقلالية هذه الشبكات، وتوسيع نطاق تغطية شبكات الجيل الخامس والسادس باستخدام بنى تحتية أوروبية. الطبقة الرابعة تركز على إنترنت الأشياء، وهي الأجهزة المتصلة التي تخترق حياة المستخدم اليومية والمرافق الحساسة. وتكمن خطورتها في أن كثيرًا منها يُصنّع في بيئات قد لا تضمن الأمان السيبراني، مما يجعلها عرضة للاختراق. لذا، تدعم أوروبا التحوّل إلى إنتاج محلي آمن، خاصة في مجالات الروبوتات والسيارات الذكية، مع وضع معايير صارمة لحماية شبكات الكهرباء والنقل والمصانع. وفي الطبقة الخامسة تأتي البنية التحتية السحابية، تلك المخازن الرقمية التي تسيطر عليها شركات أميركية عملاقة تستحوذ على نحو 70% من هذا السوق العالمي. هذا الواقع يجعل الشركات والحكومات الأوروبية مضطرة إلى استئجار خوادم سحابية خارج نطاق سيادتها، ولذا تبرز الحاجة إلى خدمات سحابية أوروبية مستقلة. أما الطبقة السادسة، فهي البرمجيات والمنصات، إذ تتجلى أوجه العجز الأوروبي في أوضح صورها. من وسائل التواصل الاجتماعي إلى أنظمة التشغيل المختلفة، تهيمن الشركات الأميركية على هذا المجال، وتبقى أوروبا في موقع التبعية، باستثناءات نادرة كمنصة ساب (SAP) الألمانية، التي أصبحت تعتمد بدورها بشكل كبير على الولايات المتحدة. تسعى المبادرة الأوروبية إلى كسر هذه المعادلة عبر تشجيع تطوير البرمجيات المحلية والمفتوحة المصدر، واعتمادها في قطاعات التعليم والحكومة. الطبقة السابعة، العليا في هذا البناء، هي طبقة البيانات والذكاء الاصطناعي. هنا يحتدم الصراع العالمي، فالدول التي تملك البيانات والقدرة الحوسبية تسيطر على قوانين السباق. وفي حين احتلت الولايات المتحدة والصين صدارة مبكرة عبر تقنيات أوبن إيه آي وأنثروبيك وديبسيك، فإن الساحة تظل مفتوحة. ورغم امتلاك أوروبا لقاعدة بحثية قوية وحواسيب فائقة الأداء، فإنها لم تُترجم هذه الإمكانات بعد إلى منصات تنافسية. لذا، يقترح مشروع "يوروستاك" إنشاء "مصانع ذكاء اصطناعي" تُزوّد الشركات والباحثين بالبيانات والطاقة الحوسبية اللازمة لتطوير تطبيقات ذكاء اصطناعي تراعي المتطلبات والقيم الأوروبية. قد لا يعكس مشروع "يوروستاك" مجرد محاولة للاستقلال الرقمي، بل يمكن اعتباره محاولة لبناء هوية تقنية أوروبية مستقلة. فالدولة التي لا تؤسس بنيتها التحتية الرقمية بنفسها -من مراكز بيانات محلية إلى دفاعات إلكترونية وشركات تقنية وطنية- ستستخدم بنية تكنولوجية أجنبية. وببساطة، فمن يملك هذه البنية التحتية، هو من يضع قواعد السيطرة. وقد لخّص تقرير فورين بوليسي الوضع الأوروبي بعبارة ختامية لافتة: "مشروع يوروستاك هو آخر وأفضل فرصة لأوروبا كي تحدد مصيرها: إمّا أن تبنيه، أو تتحوّل إلى مستعمرة رقمية". إذا نجحت تلك المبادرات، فربما تمثل بداية نهاية الإمبراطورية التكنولوجية الأميركية التي فُرضت على القارة العجوز خلال السنوات الماضية. مأزق عالمي سنحاول أن نبتعد قليلًا وننظر إلى الصورة الكبرى. يشهد العالم انقسامًا تقنيًّا متسارعًا بين الولايات المتحدة والصين، وسط تصاعد هيمنة شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة على معظم الخدمات الرقمية. في تسعينيات القرن الماضي، انطلقت موجة الإنترنت والخدمات المرتبطة بها، لتتضخم أحجام تلك الشركات إلى مستويات غير مسبوقة، والمثال الأوضح هو شركات مثل مايكروسوفت، وغوغل، وأمازون، وميتا. وعلى الجهة المقابلة من العالم، شرعت الصين منذ عقود في تشييد فضاء رقمي مغلق على طريقتها الخاصة عبر ما يُعرف بـ"جدار الحماية العظيم"، الذي شكّل حاجزًا منيعًا أمام المنصات الغربية، مفسحًا المجال أمام تطبيقات ومنصات محلية مثل وي تشات، وعلي بابا، وبايدو، لتفرض سيطرتها على سوق داخلي ضخم، منعزل فعليًّا عن المنافسة العالمية. وفي السنوات الأخيرة، شددت بكين رقابتها على التقنيات الناشئة، واضعة إياها ضمن أطر تنظيمية صارمة. على سبيل المثال، لوائح الذكاء الاصطناعي الجديدة منعت دخول روبوتات المحادثة الغربية القائمة على النماذج اللغوية الضخمة، مما عجّل بظهور بدائل صينية معتمدة رسميًّا من الدولة. لكن هذا الانغلاق الداخلي لم يمنع الصين من التطلع إلى الخارج، فعبر مبادرة "طريق الحرير الرقمي"، بدأت بكين تصدير بنيتها التحتية الرقمية إلى الدول الشريكة، من الألياف الضوئية إلى شبكات الجيل الخامس والخدمات السحابية. وبهذه الخطوة، لا تكتفي بكين بمد شبكاتها التقنية حول العالم، بل تسعى أيضًا إلى ترسيخ معاييرها الرقمية ونموذجها السيبراني على الساحة الدولية. هذا الانقسام لا يقتصر تأثيره على أوروبا فحسب، بل يصل إلى دول عديدة في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، إذ اعتادت تلك الدول الاعتماد على عدد محدود من مزوّدي الخدمات الرقمية. فوسائل التواصل الاجتماعي الأميركية أصبحت القناة الرئيسية للتواصل، والمعدات الصينية تُستخدم على نطاق واسع في البنية التحتية للاتصالات، وشركات الحوسبة السحابية العالمية تخزن كميات هائلة من البيانات الحيوية لتلك الدول. قد يكشف هذا الاعتماد المفرط على التقنيات الأميركية والصينية عن نقاط ضعف عميقة، إذ إن سحب هذه الخدمات أو تقييدها أو حتى توظيفها سياسيًّا في نزاعات جيوسياسية، قد يؤدي إلى اضطرابات تتجاوز حدود أوروبا، لتصيب بنية الاتصالات والمعرفة في مناطق متعددة من العالم. أصبحت الدول الآن تنظر إلى التقنيات الرقمية كأصول استراتيجية، تمامًا كما تنظر إلى الطائرات المقاتلة أو احتياطيات النفط؛ وذلك لأنها تمنح من يمتلكها ميزة تفاضلية في ميزان القوى، وبالتالي لا بد من السيطرة عليها أو تأمينها أو حتى حرمان الخصوم منها. وربما أدرك حلفاء الولايات المتحدة أخيرًا أن تغيّر موازين القوى قد يهدّد شرايينهم الرقمية الحيوية، إذ يمكن استخدامها كورقة ضغط أو تُقطع فجأة. وهكذا، لم تعد تشققات الإمبراطورية تقتصر على الامتداد الأفقي بين القوى العظمى المتنافسة، بل باتت تمتد عموديًّا أيضًا، بين الدول ذات السيادة وشركات التقنية الضخمة العابرة للحدود. ما تواجهه أوروبا مع الشركات الأميركية يعبّر عن أزمة عالمية، خصوصًا في مناطق التبعية التقنية مثل العالم العربي والشرق الأوسط، لا سيما بعد اتضاح دور تلك الشركات في الحروب الجارية. وربما جاء اكتشاف أوروبا متأخرًا، لأن الحليف الأميركي هذه المرة انقلب على أقرب حلفائه. أما نحن -في العالم العربي- فقد تأكدنا من أن تلك الشركات العملاقة تحولت إلى أدوات في يد الإمبراطورية الأميركية، كما شهدنا خلال حرب الإبادة الجارية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.

أوروبا قلقة من الحصار الأميركي.. و"يوروستاك" محاولتها للاستقلال
أوروبا قلقة من الحصار الأميركي.. و"يوروستاك" محاولتها للاستقلال

الجزيرة

timeمنذ 11 ساعات

  • الجزيرة

أوروبا قلقة من الحصار الأميركي.. و"يوروستاك" محاولتها للاستقلال

"أوروبا تحت الحصار؛ لا تحاصرها الجيوش، بل سلاسل التوريد والخوارزميات". تلك العبارة كانت افتتاحية تقرير نُشر في نهاية شهر مارس/آذار الماضي في مجلة فورين بوليسي. تلخص هذه العبارة الوضع الإستراتيجي لواقع اقتصادي وتقني وأمني قائم في أوروبا. حيث اعتادت القارة العجوز أن تلقي بكل ثقلها على العقل التقني الأميركي، وكذلك الكثير من الواردات التكنولوجية الأجنبية، ولطالما أسندت أوروبا بنيتها التحتية الرقمية إلى سلاسل توريد عبر المحيطات وخوادم بيانات في قارات أخرى. وكانت ترى في نفسها أنها تمتلك القدرة على إدارة هذه التحديات والتعامل معها بسلاسة، لاسيما أنها تمتلك بيئة علمية ممتازة، تمكنها من تطوير وتوطين تلك التقنيات المستوردة. لكن مؤخرا بدأت دول كثير أوروبية تنظر الى هذا الاعتماد بكثير من الريبة، لاسيما بعد الزلازل الجيوسياسية الأخيرة، كتحول الحليف الأميركي -بقيادة الرئيس دونالد ترامب – أو الصعود التكنولوجي الصيني، والتهديد العسكري الروسي، حيث قلبت هذه التحولات، التصورات الأوربية، رأسًا على عقب، لتغدو التبعية الرقمية أزمة أمن قومي قد تُهدد جوهر السيادة الأوروبية، ومصدر قلق وجودي، وبات كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي يعتبرون التبعية الرقمية خطرًا أمنيًّا إستراتيجيًّا لا يمكن تجاهله، ويتحدثون عن هذه الأزمة بنفس نبرة القلق التي يتحدثون بها عن أمن الطاقة والدفاع. لذا طرحت أورسولا فون دير لاين ، رئيسة المفوضية الأوروبية، مفهوم "السيادة التكنولوجية" محورًا رئيسيًّا في إستراتيجية أوروبا المستقبلية. فهل يشكّل اعتماد أوروبا على التكنولوجيا الأميركية مجرد معضلة تنافسية، أم أنه ثغرة خطيرة تمسّ أمنها القومي؟ من هو المتحكم الحقيقي في البنية التحتية الرقمية التي تُدير كافة المجالات الأوروبية، من إنتاج الصواريخ إلى إدارة المستشفيات؟ وماذا لو كانت مفاصل تلك الشبكة بأيدي حليف سياسي متقلب مثل حكومة ترامب؟ وماذا لو تحوّلت المنصات التي تدير المستشفيات والمصارف وشبكات الطاقة إلى كيانٍ معادٍ؟ ماذا لو انقلبت إلى سلاح يضغط على أوروبا؟ سلاح ضغط محوري الأسئلة السابقة لم تكن افتراضية، بل تحقق بعضها فعلًا. سنبدأ بأوضح وأحدث مثال، أكد لأوروبا ضرورة أن تشرع في استقلالها الرقمي الحقيقي عن الولايات المتحدة، لاسيما بعد الدور المحوري لشركة خدمات الإنترنت الفضائي "ستارلينك" المملوكة ل إيلون ماسك في حرب أوكرانيا. كان هذا الحدث تأكيدًا على تحول التقنية الأميركية إلى سلاح ضغط محوري في أيدي حكومة واشنطن، حتى ضد أقدم وأهم حلفائها. خدمة ستارلينك هي منظومة متقدمة من الأقمار الاصطناعية التجارية، تمتلكها شركة "سبيس إكس"، وتوفر خدمة إنترنت عالية السرعة. وتعتمد الشبكة على أقمار اصطناعية تدور في المدار المنخفض للأرض، مما يمنحها إمكانية توفير اتصال مستقر وسريع حتى في أكثر المناطق الجغرافية عُزلة. ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، برزت منظومة ستارلينك الفضائية أحدَ الأعمدة الرئيسية لصمود البنية التحتية للاتصالات في أوكرانيا، لأن البنية التقليدية، بما فيها أبراج شبكات الهاتف وشبكات الألياف الضوئية، سرعان ما انهارت تحت ضربات موسكو العسكرية والهجمات السيبرانية، مما أدى إلى انقطاع واسع في الاتصالات. أما الدور المحوري الأهم لأقمار ستارلينك ، فقد ظهر في ساحة المعركة؛ إذ اعتمدت الوحدات العسكرية الأوكرانية على الاتصالات الفضائية لتأمين التواصل القيادي والتنسيق الفوري للعمليات. وعادةً ما تُجهز معظم وحدات الجيش الأوكراني بمحطة ستارلينك، لتأمين الاتصال الثابت لمهام القيادة والتحكم. ويستخدم الجنود في الخطوط الأمامية أقمار ستارلينك للتواصل بينهم وبين قياداتهم، بهدف تنظيم العمليات القتالية في أرض المعركة. كذلك أسهمت خدمة الإنترنت الفائق السرعة، التي توفرها أقمار ستارلينك، في رفع كفاءة الطائرات المسيّرة الأوكرانية التي تنفذ مهام الاستطلاع الفوري، وتحديد الأهداف بدقة، بجانب تنفيذ عمليات هجومية ضد القوات الروسية. في فبراير/شباط 2023، أعلنت شركة "سبيس إكس" أنها اتخذت خطوات لمنع الجيش الأوكراني من استغلال خدمات ستارلينك للتحكم في الطائرات المسيّرة أثناء حربه مع روسيا، إذ قرر إيلون ماسك إيقاف الخدمة فوق شبه جزيرة القرم، كي لا يستخدمها الجيش الأوكراني في التحكم في الطائرات المسيّرة الانتحارية "الكاميكازي" لمهاجمة الأسطول الروسي. من جانبها، اعتبرت أوكرانيا هذه القيود الأحادية تدخلا مستفزا في شؤونها، واتهم مسؤولون أوكرانيون ماسك بتجاوز صلاحياته وعرقلة العمليات العسكرية الأوكرانية في لحظة حاسمة من المعركة. وحين رغبت الولايات المتحدة في الضغط على أوكرانيا لدفعها نحو مفاوضات محتملة لإنهاء الحرب مع روسيا، لوّح البيت الأبيض بحرمان أوكرانيا من خدمات منظومة "ستارلينك". هنا انتبهت دول أوروبية أخرى لهذا التلويح بقلق، إذ بدأت تخشى بدورها أن تُضحّي بها الولايات المتحدة لتحقيق مكاسب مؤقتة، فهي أيضًا تعتمد على "ستارلينك" وغيرها من البرمجيات والمعدات والتقنيات الأميركية في تسيير شؤونها اليومية. مستعمرة رقمية يرسم الحاضر تشبيهًا تاريخيًّا مؤلمًا، ومفارقة واضحة؛ في الحقبة الاستعمارية، كانت قارة أوروبا تقود توسّع الإمبراطوريات، فارضة سيطرتها على مناطق شاسعة من العالم لامتلاكها الموارد الإستراتيجية، محوّلة إياها إلى مستعمرات أو شبه مستعمرات خاضعة لنفوذها. أما اليوم، فقد انقلب المشهد، إذ أصبحت أوروبا نفسها مهدّدة بأن تقع في فخ التبعية التكنولوجية، وربما تتحول إلى مستعمرة رقمية بدورها. بعض الأرقام قد تكشف جزءا من ملامح الأزمة؛ بدايةً، يقع ما يقارب 80% من البنية التحتية الرقمية في أوروبا تحت سيطرة شركات أجنبية، من العتاد الداخلي إلى البرمجيات، ومن الحوسبة السحابية إلى شبكات البيانات، كلها تُدار خارج حدود السيطرة الأوروبية. في قطاع الخدمات السحابية، تهيمن ثلاث شركات أميركية -أمازون ومايكروسوفت وغوغل- على السوق الأوروبي، مستحوذة على نحو 72% من هذا السوق حتى الربع الثاني من عام 2022، في حين لم تتجاوز حصة الشركات الأوروبية 13% خلال نفس الفترة. قد يعني هذا التفاوت أن معلومات بالغة الحساسية، من بيانات حكومية وسجلات صحية إلى أسرار شركات، تُخزن على خوادم بيانات تخضع للقانون الأميركي. أما في قطاع أشباه الموصلات، فتعتمد الصناعات الأوروبية على رقائق تُصنّع في آسيا باستخدام تصاميم وبراءات اختراع أميركية. كما تضاءلت حصة أوروبا من الإنتاج العالمي لأشباه الموصلات إلى نحو 9% فقط، ومعظمها تقليدي، في حين تُصنّع الرقائق المتطورة في مصانع آسيوية مثل "تي إس إم سي"، أو تأتي من شركات أميركية عملاقة كشركة "نفيديا". حتى إن شركة "إيه إس إم إل" الهولندية، درّة الصناعة الأوروبية في مجال إنتاج آلات الرقائق، تستورد مكوناتها من أميركا وموادها الخام من الصين، فتغدو عالقة بين مطرقة واشنطن وسندان بكين. وفي مجال الذكاء الاصطناعي، يتبين أن نحو 70% من النماذج والمنصات مصدرها الولايات المتحدة. كذلك أنظمة تشغيل الهواتف والحواسيب، ومحركات البحث، وشبكات التواصل الاجتماعي تظل حكرًا على عمالقة التكنولوجيا الأميركية، في ظل غياب بدائل أوروبية حقيقية. أما على صعيد البيانات والاتصالات، فالوضع لا يقل خطورة، وهو ما ظهر في اعتماد الجيوش الأوروبية على معدات اتصالات أميركية مؤمَّنة، كما شهدنا في لجوء الجيش الأوكراني إلى خدمات "ستارلينك" في حربه الجارية ضد روسيا. لذا، فمن دون تحرك حاسم، قد تواجه أوروبا فعلًا خطر التحول إلى مستعمرة رقمية تابعة للولايات المتحدة. الملاحظ أن الأوروبيين يعيدون النظر فعلًا في اعتمادهم على مزوّدي الخدمات السحابية والمنصات الرقمية والأقمار الاصطناعية من شركات أميركية. فمثلًا، كان الاعتماد المكثف على "ستارلينك" دافعًا لأوكرانيا وحلفائها إلى البحث عن بدائل أوروبية تزوّدهم بالاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، وتُعد منظومة "يوتلسات ون ويب" (Eutelsat OneWeb) الأوروبية خيارًا محتملًا، حتى وإن لم توفر نفس خدمات وجودة منظومة "ستارلينك". لكن، هل يكفي أوروبا أن تجد بدائل محلية للشركات الأميركية، أم إن الأمر أعقد من مجرد استبدال شركة بشركة؟ محاولة أوروبية للاستقلال لتجاوز هذا الانكشاف التقني، تحاول أوروبا رسم معالم مشروع طموح يُعرف باسم "يوروستاك". لا يدّعي هذا المشروع الانعزال أو الاكتفاء الذاتي الكامل، بل يسعى إلى إعادة هندسة البنية التحتية الرقمية للقارة، طبقة تلو أخرى، بما يضمن وجود خيارات آمنة ومستقلة وغير خاضعة لنفوذ خارجي، كما يشير إليه تقرير فورين بوليسي. يرتكز مشروع "يوروستاك" على تقسيم البنية التحتية الرقمية إلى سبع طبقات مترابطة، لا يمكن لأي منها أن تعمل بمعزل عن الأخرى. إذ لا يمكن الحديث عن سيادة تقنية في البرمجيات إذا كانت رقائق الأجهزة مستوردة، ولا عن أمان البيانات إذا كانت الشبكات تعتمد على خوادم أو أقمار صناعية أجنبية. تبدأ أولى الطبقات بالمواد الخام، الأساس الذي تُبنى عليه مختلف تقنيات العصر، إذ تفتقر أوروبا اليوم إلى السيطرة على الموارد الإستراتيجية مثل الليثيوم والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة، التي تهيمن الصين وحدها على إنتاج ما بين 60٪ إلى 80٪ منها. هذا الواقع يجعل القارة العجوز في مهب أي أزمة في سلاسل التوريد. لذا، تتجه الخطط الأوروبية نحو تنويع مصادر التوريد، وإبرام شراكات مع دول غنية بالموارد مثل نامبيا وتشيلي، إلى جانب الاستثمار في إعادة التدوير وتخزين المعادن الحيوية. أما الرقائق الإلكترونية فتمثّل الطبقة الثانية، وهي عصب الصناعات التقنية الحديثة. كما ذكرنا، لا تنتج أوروبا سوى 9٪ من هذه الرقائق، بينما تتربع شركات أميركية كشركة نفيديا وآسيوية كشركة تي إس إم سي على عرش التصميم والتصنيع. ومن هنا تأتي أهمية تعزيز الصناعة المحلية لهذه الرقائق، خاصة في القطاعات التي تملك فيها أوروبا ميزة نسبية، مثل صناعة السيارات والآلات الصناعية. الطبقة الثالثة تتمثل في شبكات الاتصال، فمع اعتماد أوروبا الحالي على أقمار اصطناعية ومعدات أجنبية، يصبح المشروع الأوروبي مُلزمًا بتعزيز استقلالية هذه الشبكات، وتوسيع نطاق تغطية شبكات الجيل الخامس والسادس باستخدام بنى تحتية أوروبية. الطبقة الرابعة تركز على إنترنت الأشياء، وهي الأجهزة المتصلة التي تخترق حياة المستخدم اليومية والمرافق الحساسة. وتكمن خطورتها في أن كثيرًا منها يُصنّع في بيئات قد لا تضمن الأمان السيبراني، مما يجعلها عرضة للاختراق. لذا، تدعم أوروبا التحوّل إلى إنتاج محلي آمن، خاصة في مجالات الروبوتات والسيارات الذكية، مع وضع معايير صارمة لحماية شبكات الكهرباء والنقل والمصانع. وفي الطبقة الخامسة تأتي البنية التحتية السحابية، تلك المخازن الرقمية التي تسيطر عليها شركات أميركية عملاقة تستحوذ على نحو 70% من هذا السوق العالمي. هذا الواقع يجعل الشركات والحكومات الأوروبية مضطرة إلى استئجار خوادم سحابية خارج نطاق سيادتها، ولذا تبرز الحاجة إلى خدمات سحابية أوروبية مستقلة. أما الطبقة السادسة، فهي البرمجيات والمنصات، إذ تتجلى أوجه العجز الأوروبي في أوضح صورها. من وسائل التواصل الاجتماعي إلى أنظمة التشغيل المختلفة، تهيمن الشركات الأميركية على هذا المجال، وتبقى أوروبا في موقع التبعية، باستثناءات نادرة كمنصة ساب (SAP) الألمانية، التي أصبحت تعتمد بدورها بشكل كبير على الولايات المتحدة. تسعى المبادرة الأوروبية إلى كسر هذه المعادلة عبر تشجيع تطوير البرمجيات المحلية والمفتوحة المصدر، واعتمادها في قطاعات التعليم والحكومة. الطبقة السابعة، العليا في هذا البناء، هي طبقة البيانات والذكاء الاصطناعي. هنا يحتدم الصراع العالمي، فالدول التي تملك البيانات والقدرة الحوسبية تسيطر على قوانين السباق. وفي حين احتلت الولايات المتحدة والصين صدارة مبكرة عبر تقنيات أوبن إيه آي وأنثروبيك وديبسيك، فإن الساحة تظل مفتوحة. ورغم امتلاك أوروبا لقاعدة بحثية قوية وحواسيب فائقة الأداء، فإنها لم تُترجم هذه الإمكانات بعد إلى منصات تنافسية. لذا، يقترح مشروع "يوروستاك" إنشاء "مصانع ذكاء اصطناعي" تُزوّد الشركات والباحثين بالبيانات والطاقة الحوسبية اللازمة لتطوير تطبيقات ذكاء اصطناعي تراعي المتطلبات والقيم الأوروبية. قد لا يعكس مشروع "يوروستاك" مجرد محاولة للاستقلال الرقمي، بل يمكن اعتباره محاولة لبناء هوية تقنية أوروبية مستقلة. فالدولة التي لا تؤسس بنيتها التحتية الرقمية بنفسها -من مراكز بيانات محلية إلى دفاعات إلكترونية وشركات تقنية وطنية- ستستخدم بنية تكنولوجية أجنبية. وببساطة، فمن يملك هذه البنية التحتية، هو من يضع قواعد السيطرة. وقد لخّص تقرير فورين بوليسي الوضع الأوروبي بعبارة ختامية لافتة: "مشروع يوروستاك هو آخر وأفضل فرصة لأوروبا كي تحدد مصيرها: إمّا أن تبنيه، أو تتحوّل إلى مستعمرة رقمية". إذا نجحت تلك المبادرات، فربما تمثل بداية نهاية الإمبراطورية التكنولوجية الأميركية التي فُرضت على القارة العجوز خلال السنوات الماضية. مأزق عالمي سنحاول أن نبتعد قليلًا وننظر إلى الصورة الكبرى. يشهد العالم انقسامًا تقنيًّا متسارعًا بين الولايات المتحدة والصين، وسط تصاعد هيمنة شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة على معظم الخدمات الرقمية. في تسعينيات القرن الماضي، انطلقت موجة الإنترنت والخدمات المرتبطة بها، لتتضخم أحجام تلك الشركات إلى مستويات غير مسبوقة، والمثال الأوضح هو شركات مثل مايكروسوفت، وغوغل، وأمازون، وميتا. وعلى الجهة المقابلة من العالم، شرعت الصين منذ عقود في تشييد فضاء رقمي مغلق على طريقتها الخاصة عبر ما يُعرف بـ"جدار الحماية العظيم"، الذي شكّل حاجزًا منيعًا أمام المنصات الغربية، مفسحًا المجال أمام تطبيقات ومنصات محلية مثل وي تشات، وعلي بابا، وبايدو، لتفرض سيطرتها على سوق داخلي ضخم، منعزل فعليًّا عن المنافسة العالمية. وفي السنوات الأخيرة، شددت بكين رقابتها على التقنيات الناشئة، واضعة إياها ضمن أطر تنظيمية صارمة. على سبيل المثال، لوائح الذكاء الاصطناعي الجديدة منعت دخول روبوتات المحادثة الغربية القائمة على النماذج اللغوية الضخمة، مما عجّل بظهور بدائل صينية معتمدة رسميًّا من الدولة. لكن هذا الانغلاق الداخلي لم يمنع الصين من التطلع إلى الخارج، فعبر مبادرة "طريق الحرير الرقمي"، بدأت بكين تصدير بنيتها التحتية الرقمية إلى الدول الشريكة، من الألياف الضوئية إلى شبكات الجيل الخامس والخدمات السحابية. وبهذه الخطوة، لا تكتفي بكين بمد شبكاتها التقنية حول العالم، بل تسعى أيضًا إلى ترسيخ معاييرها الرقمية ونموذجها السيبراني على الساحة الدولية. هذا الانقسام لا يقتصر تأثيره على أوروبا فحسب، بل يصل إلى دول عديدة في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، إذ اعتادت تلك الدول الاعتماد على عدد محدود من مزوّدي الخدمات الرقمية. فوسائل التواصل الاجتماعي الأميركية أصبحت القناة الرئيسية للتواصل، والمعدات الصينية تُستخدم على نطاق واسع في البنية التحتية للاتصالات، وشركات الحوسبة السحابية العالمية تخزن كميات هائلة من البيانات الحيوية لتلك الدول. قد يكشف هذا الاعتماد المفرط على التقنيات الأميركية والصينية عن نقاط ضعف عميقة، إذ إن سحب هذه الخدمات أو تقييدها أو حتى توظيفها سياسيًّا في نزاعات جيوسياسية، قد يؤدي إلى اضطرابات تتجاوز حدود أوروبا، لتصيب بنية الاتصالات والمعرفة في مناطق متعددة من العالم. أصبحت الدول الآن تنظر إلى التقنيات الرقمية كأصول استراتيجية، تمامًا كما تنظر إلى الطائرات المقاتلة أو احتياطيات النفط؛ وذلك لأنها تمنح من يمتلكها ميزة تفاضلية في ميزان القوى، وبالتالي لا بد من السيطرة عليها أو تأمينها أو حتى حرمان الخصوم منها. وربما أدرك حلفاء الولايات المتحدة أخيرًا أن تغيّر موازين القوى قد يهدّد شرايينهم الرقمية الحيوية، إذ يمكن استخدامها كورقة ضغط أو تُقطع فجأة. وهكذا، لم تعد تشققات الإمبراطورية تقتصر على الامتداد الأفقي بين القوى العظمى المتنافسة، بل باتت تمتد عموديًّا أيضًا، بين الدول ذات السيادة وشركات التقنية الضخمة العابرة للحدود. ما تواجهه أوروبا مع الشركات الأميركية يعبّر عن أزمة عالمية، خصوصًا في مناطق التبعية التقنية مثل العالم العربي والشرق الأوسط، لا سيما بعد اتضاح دور تلك الشركات في الحروب الجارية. وربما جاء اكتشاف أوروبا متأخرًا، لأن الحليف الأميركي هذه المرة انقلب على أقرب حلفائه. أما نحن -في العالم العربي- فقد تأكدنا من أن تلك الشركات العملاقة تحولت إلى أدوات في يد الإمبراطورية الأميركية، كما شهدنا خلال حرب الإبادة الجارية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.

‫ مهزلة انتخابية تهز الاتحاد الدولي للطاولة
‫ مهزلة انتخابية تهز الاتحاد الدولي للطاولة

العرب القطرية

timeمنذ يوم واحد

  • العرب القطرية

‫ مهزلة انتخابية تهز الاتحاد الدولي للطاولة

إسماعيل مرزوق في مشهد غير مسبوق بتاريخ الاتحاد الدولي لكرة الطاولة، انفجرت فضيحة مدوّية على الملأ خلال اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد، الذي عُقد صباح الثلاثاء 27 مايو 2025 في فندق الشيراتون بالدوحة، بعدما ظهرت شبهة تلاعب صريحة في التصويت الإلكتروني لانتخابات رئاسة الاتحاد، مما أدى إلى تعليق الجلسة رسمياً وعدم اعتماد النتائج وسط ذهول واحتجاجات مندوبي الدول الأعضاء. البداية كانت طبيعية.. لكن النهاية مهزلة مع انطلاق الجلسة، أعلن السكرتير العام الإسباني «راؤول كالين» عن الحضور الرسمي، مشيرًا إلى أن عدد من يحق لهم التصويت بلغ 201 عضو: 185 مندوبًا حاضرًا داخل القاعة 16 مندوبًا عبر التصويت الإلكتروني «أونلاين» ووفقًا للوائح الاتحاد الدولي، لا يجوز زيادة هذا العدد بعد إعلان الحضور الرسمي. فوز المهندي بالتصويت الورقي .. ثم المفاجأة الصادمة عند إجراء التصويت الورقي الخاضع للرقابة المباشرة، تفوق المرشح القطري خليل بن أحمد المهندي بـ98 صوتًا، مقابل 87 صوتًا للمرشحة السويدية بيترا سورلينغ، ما اعتُبر فوزًا واضحًا ونزيهًا. لكن الصدمة الكبرى كانت عند إعلان نتائج التصويت الإلكتروني، حيث ارتفع عدد المشاركين فيه فجأة إلى 21 صوتًا بدلاً من 16 — أي بزيادة 5 أصوات غير مسجلة في قائمة الحضور. والأدهى من ذلك، أن المرشحة السويدية حصلت على 17 من هذه الأصوات، ما قلب المعادلة وأثار الشكوك فورًا حول تزوير محتمل. ارتباك.. انسحاب.. وتستر على الأدلة مع تصاعد التوتر، طالبت الوفود بتفسير فوري، لكن السكرتير العام كالين والرئيس التنفيذي للاتحاد الأسترالي ستيف داينتون عجزا عن تقديم إجابة مقنعة حول مصدر الأصوات الخمسة الزائدة. رفضت لجنة الانتخابات عرض تسجيل فيديو الجلسة الذي يثبت العدد الحقيقي للمصوّتين أونلاين، بل وتم حذف البث المباشر من قناة الاتحاد على يوتيوب، في خطوة اعتبرها كثيرون تستراً متعمداً. وفي مشهد عبثي، انسحبت بيترا سورلينغ من القاعة غاضبة، وأعلنت فوزها من طرف واحد عبر الموقع الرسمي للاتحاد، دون أي إعلان قانوني، ودون انتظار مصادقة الجمعية العمومية. موقف رسمي: تعليق أعمال الجلسة أمام فداحة الموقف، أعلن نائب رئيس الاتحاد الأسترالي جراهام سيموندز، تعليق أعمال الجلسة بالكامل، مؤكدًا أن «النتيجة لا يمكن اعتمادها» في ظل وجود خلل جسيم وانعدام الشفافية. المحكمة الرياضية الدولية قد تتدخل المشهد مرشّح الآن للانتقال إلى محكمة التحكيم الرياضي الدولية (CAS)، حيث بات اللجوء إليها خيارًا مطروحًا لحسم هذا النزاع الذي وصفته الوفود بـالمهزلة التاريخية التي تهدد مصداقية الاتحاد بالكامل. خليل المهندي: أشعر بخيبة أمل ودهشة لا توصف قال خليل المهندي: أشعر بخيبة أمل عميقة ودهشة لا توصف لما شهدته العملية الانتخابية. إن حبي العميق لكرة الطاولة وحرصي على مصلحتها، يجعلاني أرفض ما آلت إليه الأمور من انقسام لا يخدم رياضتنا، ولا يليق بتاريخها ومكانتها. لقد كشفت هذه الانتخابات عن غياب مؤسف لمبادئ الشفافية والمهنية التي ينبغي أن تكون ركيزة لأي عمل في إطار الاتحاد الدولي لتنس الطاولة. وإن ما حدث يهدد بتشويه صورة الاتحاد، ويقوض ثقة المجتمع الرياضي في نزاهة مؤسساته. ووفق ما أُعلن، فهناك تحقيق مرتقب بشأن ما جرى، وأؤكد على ضرورة أن يكون هذا التحقيق محايداً، نزيهاً، وشفافاً، وأن تُعلَن نتائجه بوضوح أمام الجميع، صوناً للحق واحتراماً للعدالة. أرجو أن ينتصر العقل والعدل في نهاية المطاف، وفي انتظار نتائج التحقيق، لن أُدلي بأي تصريح إضافي. بسبب مخالفات إجرائية.. الشيخة حياة آل خليفة: نطالب بإعادة الانتخابات طالبت الشيخة حياة بنت عبد العزيز آل خليفة، رئيسة الاتحاد البحريني لكرة الطاولة، بإعادة عقد اجتماع الجمعية العمومية للاتحاد الدولي للعبة، وإعادة انتخابات رئاسة الاتحاد، وذلك عقب ما وصفته بـ «الأخطاء الجسيمة» التي شابت سير الاجتماع الذي عُقد يوم أمس في فندق الشيراتون. وأوضحت الشيخة حياة في تصريح صحفي أن ما حدث خلال الجمعية العمومية «يتعارض بشكل واضح مع لوائح الاتحاد الدولي»، مشيرة إلى أن من أبرز المخالفات «إضافة دول جديدة إلى قائمة التصويت الإلكتروني (أونلاين) بعد انتهاء النداء الرسمي»، وهو أمر غير مسبوق ويتنافى مع الأعراف والإجراءات المعتمدة. وأضافت: «في بداية الاجتماع، سارت الأمور بصورة طبيعية، وتمت مناقشة جدول الأعمال كما هو مقرر. وبعد إعلان انسحاب المرشح الموريتاني محمد ولد الحسن، انحصر التنافس على منصب الرئيس بين السيد خليل المهندي والسيدة بيترا سورلينج». وتابعت: «تم تحديد أسماء الدول التي يحق لها التصويت، والتي شملت الحاضرين في قاعة الاجتماع إضافة إلى 16 عضواً يحق لهم التصويت عبر الإنترنت. لكننا فوجئنا لاحقاً بارتفاع عدد المصوتين عبر الأونلاين إلى 21 دولة، وهو ما يتنافى مع العدد المعلن سابقاً». نائب رئيس الاتحاد الأفريقي: التصويت الإلكتروني معيب ويجب إعادة الانتخابات وصف معتز عاشور، نائب رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة الطاولة، نظام التصويت الإلكتروني (الأونلاين) في انتخابات الاتحاد الدولي للعبة بـ»المعيب»، مؤكداً أن هذا النوع من التصويت يفتح الباب أمام الأخطاء ويؤثر على شفافية العملية الانتخابية. وقال عاشور، في تصريحاته عقب انتهاء أعمال الجمعية العمومية التي عقدت أمس، إن «الأصل في أي انتخابات أن يقتصر التصويت على الأعضاء الحاضرين فعلياً في قاعة الاجتماع، سواء في اتحادات كرة الطاولة أو غيرها، وذلك لضمان النزاهة وتفادي مثل هذه الإشكالات». وأضاف: «ما حدث في هذه الانتخابات يدعو إلى إعادة النظر في النتيجة وعدم اعتمادها، لأن الأخطاء التي وقعت كانت واضحة أمام الجميع، وهناك تشكيك في سلامة العملية برمتها». وشدد عاشور على أن المطالب باتت واضحة، وهي عدم اعتماد النتيجة الحالية، وتشكيل لجنة محايدة للإشراف على انتخابات جديدة، بعيدًا عن أي أطراف قد تكون تسببت في هذه الأخطاء الفادحة. د. هرده رؤوف: مهزلة بكل المقاييس أعرب الدكتور هرده رؤوف، رئيس الاتحاد العراقي لكرة الطاولة، عن استيائه الشديد مما جرى خلال انتخابات رئاسة الاتحاد الدولي، واصفًا ما حدث بأنه 'مهزلة بكل المقاييس'. وأوضح د. هرده أن هناك خللًا واضحًا في آلية التصويت، خصوصًا في الجلسة التي أُجريت عبر الإنترنت (أون لاين)، حيث بلغ عدد المشاركين 16 فقط في الفقرات الأخيرة، لكنه ارتفع بشكل مفاجئ إلى 21 عند التصويت على منصب الرئيس، مما يثير العديد من التساؤلات حول قانونية الإجراءات المتبعة. وأكد على ضرورة إعادة الانتخابات، مشيرًا إلى وجود 'موضوعات غير قانونية' شابت العملية، ما يستوجب التوقف عندها واتخاذ خطوات موحدة لضمان الشفافية والنزاهة في المستقبل. وفي ختام تصريحه، شدد رئيس الاتحاد العراقي على أن العراق منح صوته ودعمه للمرشح خليل المهندي، انطلاقًا من ثقة الاتحاد العراقي به ودعمه للمبادئ التي يمثلها في السعي نحو انتخابات عادلة ونزيهة. رئيس الاتحاد الفلسطيني: ما حدث جريمة مكتملة الأركان أكد السيد رضوان الشريف رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة الطاولة أن ما حدث خلال الجمعية العمومية يعد جريمة مكتملة الأركان سواء عن قصد أو غيره. وقال الشريف في تصريحات صحفية أمس: إذا كانت هناك نية قصدية في ما حصل فهذا أمر مخالف للقوانين الانتخابية للاتحاد الدولي لكرة الطاولة، وإذا كان عن غير قصد فهذا غير مقبول بالنسبة لهذا الاتحاد الذي يعد الأكبر في العالم من حيث عدد الأعضاء. وأضاف رئيس الاتحاد الفلسطيني: واضح أن العمومية شابتها إخلالات قانونية من طرف بعض المسؤولين الذين يديرون الجلسة من جانب الاتحاد الدولي.. حيث تم في البداية اعتماد 16 اتحادا سيصوتون عن بعد، لكننا تفاجأنا عند نهاية عملية الفرز وإعلان النتائج أن هناك 21 شخصا قد قاموا بالتصويت عن بعد، وهو ما يعد خرقا جسيما للقوانين الانتخابية للاتحادات الرياضية الدولية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store