
واشنطن.. الانقلاب على العولمة الأميركية
يمثل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض تعرفات جديدة على الواردات من مختلف دول العالم تحولًا جذريًا في السياسة التجارية الأميركية، بعيدًا عن مبادئ العولمة وحرية التجارة التي ظلت مهيمنة لعقود طويلة، والمفارقة أن الولايات المتحدة نفسها كانت الداعم الأكبر لهذه المبادئ منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. منذ ذلك الوقت، سعت واشنطن إلى تعزيز النظام الرأسمالي لمواجهة المَد الشيوعي خلال الحرب الباردة، وبناء نظام اقتصادي دولي يخدم مصالحها الاستراتيجية بشكل مباشر، وخلال الثمانينيات والتسعينيات، تم الترويج أميركيا لهذه الأفكار تحت شعارات دفع عجلة الاقتصاد العالمي نحو الازدهار.
وجنت الولايات المتحدة ثمار هذا النظام على مدى عقود، حيث أصبحت مركزًا للشركات متعددة الجنسيات، وجذبت استثمارات أجنبية هائلة. لكن مع مرور الوقت، بدأت عيوب العولمة تظهر بوضوح مع تزايد العجز التجاري الأميركي، الذي بلغ ذروته التاريخية مع الصين في عام 2018، عندما بلغ 418 مليار دولار، وأصبح الوضع هاجسا ودليلًا على انتقال الصناعة والاستثمارات إلى خارج الولايات المتحدة، ولا سيما الصين، التي استفادت من كل شيء.
وكان الرئيس ترمب، الذي تولى الرئاسة لأول مرة في 20 يناير 2017، من أوائل رجال الأعمال والسياسيين الذين رفعوا صوتهم ضد هذا الواقع. ومن وقتها بدأ بتبني نهج حمائي يهدف إلى حماية المنتجات الأميركية وتعزيز قدرتها التنافسية، لكن هذا النهج أصبح أكثر وضوحًا وشمولية في ولايته الثانية، التي بدأت في 20 يناير 2025، حيث أعلن في 2 أبريل 2025 عن تعرفات جديدة واسعة النطاق على الواردات من جميع الدول تقريبًا.
في الحقيقة، لم يكن ترمب وحيدًا في هذا الموقف فهو يمثل تيارًا أميركيًا قديمًا مناهضًا للعولمة، كان يحذر منذ التسعينيات من "مخاطرها"، بل وصل الأمر ببعضهم إلى تصوير العولمة كمؤامرة عالمية تهدف إلى إضعاف الولايات المتحدة. ولعل هذا يفسر لماذا قلب ترمب ظهر المجن لمبادئ حرية التجارة، حيث رفض الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية (WTO)، التي انتقدها بشدة وشل عمل هيئة تسوية المنازعات فيها بحلول ديسمبر 2019، وكذلك اتفاقية NAFTA، التي أعاد التفاوض عليها لتصبح USMCA في 1 يوليو 2020، مفعلًا سياسات أحادية تضع "أميركا أولًا".
ويأمل ترمب أن يجني بعض الفوائد من هذه السياسات، على سبيل المثال، تعزيز الصناعات الأميركية مثل صناعة الصُلْب والسيارات، وخلق فرص عمل في المناطق الريفية والصناعية التي يستهدفها ترمب قاعدة انتخابية، كما يأمل أن تساعد التعرفات في تقليص عجز الموازنة الفيدرالية، الذي بلغ حوالي 1.833 تريليون دولار في السنة المالية 2024.
لكن الخبراء يرون أن السلبيات قد تكون أكثر وضوحًا، ففي الداخل الأميركي من المتوقع أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع للمستهلكين الأميركيين، واحتمال ارتفاع التضخم. وفي البعد الخارجي بدأت دول مثل الصين والاتحاد الأوروبي في الرد بتعرفات مضادة، مما سيهدد صادرات أميركية مهمة لبعض الصناعات والمنتجات الزراعية، كما يُتوقع أن تتسبب هذه السياسات في تعطيل سلاسل التوريد العالمية المعتمدة على السوق الأميركي بوصفه أكبر سوق استهلاكي في العالم بقيمة تقترب من 20 تريليون دولار في 2024 وهذا قد يدفع الدول الأخرى لتشكيل تحالفات تجارية بديلة بعيدًا عن واشنطن.
بالنسبة لدول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية، فقد يكون التأثير المباشر محدودًا خاصة مع استثناء الطاقة من التعرفات، لكن المنتجات البتروكيماوية، قد تواجه بعض التحديات. كما قد يؤثر تباطؤ الاقتصاد الأميركي، على مستوى الطلب العالمي على النفط مما قد يضغط على الأسعار، ويؤثر على إيرادات دول الخليج المنتجة له. الأهم خليجيا هو الاستعداد لما يُشاع من أن فريق ترمب يدرس خطة لإعادة تشكيل النظام المالي العالمي، عبر تخفيض قيمة الدولار.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

سعورس
منذ ساعة واحدة
- سعورس
انطلاق الانتخابات يفتح الجدل حول سلاح حزب الله.. لبنان يصوت فوق أنقاض الدمار
المشهد الانتخابي في الجنوب بدا فريداً هذا العام، فبينما توافد المواطنون إلى صناديق الاقتراع في بلدات مدمّرة ومناطق تفتقر إلى البنية التحتية، انتشرت لافتات دعائية لحزب الله تدعو إلى التصويت له، في محاولة واضحة لإظهار استمرار نفوذه الشعبي والسياسي رغم الضربات التي تلقاها في المواجهة العسكرية الأخيرة مع إسرائيل، والتي اندلعت في أكتوبر 2023 وتصاعدت حتى بلغت ذروتها في سبتمبر 2024. الحزب ادعى أن هذه الحرب بأنها جاءت دفاعاً عن غزة ومؤازرة لحماس، لكن نتائجها كانت قاسية، إذ أسفرت عن مقتل عدد كبير من مقاتليه، بينهم قياديون بارزون، إلى جانب تدمير مناطق شاسعة من البنية التحتية في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت. فيما تستمر الانتخابات، برز موقف حاسم من الحكومة اللبنانية الجديدة التي أكدت سعيها إلى حصر السلاح بيد الدولة، وهو بند رئيسي في اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، الذي تم التوصل إليه بوساطة أمريكية. وأوضح وزير الخارجية اللبناني ، يوسف راجي، أن "المجتمع الدولي، وخصوصاً الجهات المانحة، أبلغت الدولة اللبنانية بأن أي دعم مالي لإعادة الإعمار سيكون مشروطاً بنزع سلاح حزب الله". وفي هذا السياق، أكد دبلوماسي فرنسي أن "استمرار الغارات الإسرائيلية وعدم تحرك الحكومة بسرعة لنزع السلاح سيحولان دون أي تمويل دولي حقيقي". وأضاف أن الدول المانحة تطالب أيضاً بإصلاحات اقتصادية وهيكلية كشرط مسبق للمساعدات. رد حزب الله لم يتأخر، إذ اتهم الحكومة اللبنانية بالتقصير في ملف إعادة الإعمار. وقال النائب في البرلمان عن الحزب، حسن فضل الله، إن "تمويل إعادة الإعمار يقع على عاتق الدولة، التي لم تتخذ أي خطوات فعالة حتى الآن". وحذر من أن التباطؤ في معالجة هذا الملف قد يؤدي إلى تعميق الانقسام الطائفي والمناطقي، متسائلاً: "هل يمكن أن يستقر جزء من الوطن وجزء آخر يئن تحت وطأة الدمار؟". ويزعم الحزب أن تحميله وحده مسؤولية الأزمة فيه تجاهل للتركيبة السياسية اللبنانية ولتقصير الدولة التاريخي في التنمية، خاصة في المناطق الجنوبية. من جهته، أشار الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، مهند الحاج علي، إلى أن ربط المساعدات الدولية بنزع سلاح حزب الله يأتي بهدف الضغط على الحزب، لكن "من غير المرجح أن يقبل الحزب بذلك بسهولة، خاصة في ظل اعتقاده أن سلاحه لا يزال يمثل وسيلة ضغط إقليمية". أما رئيس مجلس الجنوب ، هاشم حيدر، فقد أقر بأن الدولة لا تملك حالياً الموارد المالية الكافية لعملية إعادة الإعمار، لكنه لفت إلى أن هناك "تقدماً في عمليات رفع الأنقاض في بعض المناطق المتضررة". وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن لبنان يحتاج إلى نحو 11 مليار دولار لإعادة الإعمار والتعافي، وهي أرقام ضخمة تتطلب استقراراً سياسياً وأمنياً غير متوفرين حالياً. الانتخابات البلدية، التي تُفترض أن تكون محطة ديمقراطية محلية، تحوّلت إلى مؤشر على حجم الأزمة الوطنية في لبنان. فالمسألة لم تعد محصورة بإدارة الخدمات المحلية، بل باتت جزءاً من معركة كبرى حول هوية الدولة وسلطتها، ودور حزب الله في الداخل والخارج. وفيما يتابع اللبنانيون عمليات الاقتراع بكثير من القلق، تبدو الطريق نحو إعادة الإعمار طويلة وشائكة، وتعتمد على قرارات سياسية كبرى لم تُحسم بعد، وفي مقدمتها ملف السلاح.

سعورس
منذ ساعة واحدة
- سعورس
ولي العهد.. ومسيرة بناء الوطن
واليوم، وفي ظل قيادة ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان –حفظه الله– تتواصل الانتصارات على خطى الآباء والأجداد. فمنذ النشأة الأولى، وملوك السعودية يسعون لتعزيز أمن المملكة واستقرارها، وقد غرسوا ذلك في أبنائهم، لنرى اليوم الجهود العظيمة التي يبذلها الأحفاد، وعلى رأسهم الأمير محمد بن سلمان، لتنصت لآرائه كبرى دول العالم. ولم يكن ذلك جديدًا علينا؛ فبالعودة قليلًا إلى التاريخ، نجد أن الملك عبدالعزيز كان أول من أسس تحالفًا متينًا مع الرئيس الأميركي فرانكلن روزفلت، بهدف تزويد المملكة بالخبرات العسكرية وتطوير الجيش، ومنع استغلال نفطها، لتصبح منذ ذلك الوقت من أكثر الدول تأثيرًا في العالم الإسلامي والأقوى في الوطن العربي. كما سار أبناء عبدالعزيز على خطاه، يقدّم الأمير محمد بن سلمان منذ توليه ولاية العهد كل ما يملك في خدمة البلاد. فعلى مدار نحو 10 أعوام، نرى الخير ينهمر من يديه وأثر توفيق الله عليه، حيث كانت رؤية 2030 التي أطلقها بتوجيه الملك سلمان انطلاقة قوية نحو مستقبل واعد للمملكة، وها نحن نعيش آثارها بفخر وعز قبل موعدها المحدد. كان لولي العهد دور فعّال ومبتكر في مختلف قطاعات الدولة، فلم يقتصر أثره على الاقتصاد فحسب، بل شمل المجتمع بأسره، من خلال تعزيز دور الشباب. فالأمير محمد بن سلمان، وهو لا يزال في مقتبل العمر، لم يغفل عن الشباب السعودي، وقدم لهم أهدافًا طموحة نصّت عليها الرؤية، لتمكينهم من سوق العمل وتطويرهم بالتعليم والتدريب لمواكبة متطلبات السوق الحديثة. لم يقتصر دور ولي العهد على المجتمع السعودي فقط، بل كان له أثر كبير ورأي سديد على الصعيدين العربي والغربي، حيث سعى لتعزيز التعاون الإقليمي في الجوانب الاقتصادية والأمنية، وقد تجلّى ذلك في القمة العربية الثانية والثلاثين التي استضافتها المملكة. كما أن له جهدًا فعّالًا في حل النزاعات ودعم الجهود الدولية، ويتضح ذلك من منتدى الاستثمار السعودي الأميركي الذي اعتززنا به، خاصةً عند تصريح ترامب برفع العقوبات عن سوريا ، وهو ما أبرز مكانة المملكة الرفيعة عالميًا. وليس هذا فحسب؛ فقد كان لمنتدى الاستثمار تأثير إيجابي على أبناء الوطن، ويمثّل محركًا مهمًا للنمو الاقتصادي وتنويعه لتحقيق رؤية 2030، ومن أبرز آثاره جذب الاستثمارات الأجنبية، حيث تعمّقت العلاقات مع أمريكا ب600 مليار دولار لتعزيز الابتكار وتطوير القدرات المحلية. وعلى صعيد المواطنين، أوصى المنتدى بخلق فرص عمل جديدة، وتحسين المعيشة من خلال زيادة الرواتب، وتطوير البنية التحتية والخدمات العامة، إلى جانب دعم ريادة الأعمال. كما ترك المنتدى أثرًا بالغًا في نفوس المرأة السعودية، إذ يسعى لتمكينها وتوسيع فرص عملها في قطاعات متعددة مثل: السياحة، الترفيه، والتجزئة. كما يسعى المنتدى لتطوير مهارات المرأة السعودية عبر برامج تدريبية وتأهيلية مصاحبة للاستثمارات الجديدة، لزيادة قدرتها التنافسية في سوق العمل، ومن أبرز هذه البرامج مؤسسة الأمير محمد بن سلمان «مسك» التي قدّمت العديد من البرامج لتطوير مهارات الشباب، خصوصًا الإناث. والكثير من الجهود التي قدّمها ولا يزال يقدّمها الأمير محمد بن سلمان لبلاده وشعبه. وسنظل نفخر به وبالإنجازات التي حققها في وقت وجيز بعقل حكيم ورأي سديد، لينظر العالم اليوم إلى حكومتنا وشعبنا وجيشنا المتين، بقيادة رجل سيخلده التاريخ بإذن الله.

سعورس
منذ ساعة واحدة
- سعورس
أكد شمولية العلاقات مع إسبانيا..الإبراهيم: 54.8 % إسهام «غير النفطية» في الاقتصاد السعودي
أكد وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل بن فاضل الإبراهيم ، أن المملكة تشهد تحولًا اقتصاديًا تاريخيًا تقوده رؤية 2030، مشيرًا إلى أن الأنشطة غير النفطية سجلت مستويات قياسية بلغت 54.8 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024. وأوضح خلال ملتقى الأعمال السعودي- الإسباني ، أن الاستثمارات الإسبانية في المملكة تجاوزت 3 مليارات دولار خلال العقد الماضي، مع تواجد أكثر من 200 شركة إسبانية تنشط في مجالات البنية التحتية، والرعاية الصحية، والزراعة، والعقارات، والتقنية, منوهًا بالدور المحوري الذي يؤديه مجلس الأعمال السعودي- الإسباني في تعزيز التجارة الثنائية، في ظل التزام البلدين بإرساء بيئة استثمارية مستقرة وشفافة وغنية بالفرص. وأشار إلى أن العلاقات الثنائية بين المملكة وإسبانيا تتجاوز الجانب الاقتصادي لتشمل التعاون الثقافي والرياضي ، داعيًا الشركات والمبتكرين وروّاد الأعمال الإسبان إلى المشاركة في صياغة مستقبل مشترك ومزدهر بين البلدين. انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.