
حرب على الولد المزعج فى الحارة
فجأة ظهر الحوثيون بقوة، وأصبحوا مثل الولد المُتعب فى الحارة الذى يزعج الجميع فى كل الاتجاهات ثم يختبئ تحت السلم. منذ أسابيع قررت واشنطن أن تتولى مهمة التخلص منهم، وربما هناك «تقسيمة» ما مع تل أبيب.. حيث تتولى إسرائيل مهمة التخلص من حماس وحزب الله والأسد، وتتولى واشنطن مهمة ميليشيات العراق والحوثيين، والاثنتان تشتركان معًا فى التخلص من إيران لاحقًا.
أما التصريحات العلنية من واشنطن فقالت إن الولايات المتحدة تعتقد أن لديها قدرة أكبر على تنفيذ هجمات مستمرة على الحوثيين باستخدام الطائرات المتمركزة على حاملات الطائرات التابعة لها.
أما ترامب فوضع تصورًا للصراع، قائلًا على مواقع التواصل الاجتماعى: «لقد أُلحقت أضرار جسيمة بالهمجيين الحوثيين، وانظروا كيف سيزداد الأمر سوءًا تدريجيًا، إنها ليست حتى معركة عادلة، ولن تكون كذلك أبدًا، ستتم إبادتهم تمامًا»!
هناك شىء جديد قديم فى المعركة مع الحوثيين، شىء قاله ترامب ولم يفكر فيه جيدًا، لكن المسئولين الحكوميين فى البيت الأبيض فكروا واعترفوا سرًا فى لقاءات خاصة بأن الهجمات كانت أقل فاعلية مما كان متوقعًا، حسبما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز».
الحقيقة التى يعرفها الخبراء الأمريكيون، والتى لا يعترف بها ترامب، أن مسألة القضاء التام على الحوثيين تذكرنا بفكرة القضاء التام على حماس.
مسئولون فى البنتاجون اعترفوا بأن الولايات المتحدة تواجه صعوبة فى ضرب ترسانة الحوثيين تحت الأرض، ما ذكرنا بشكل ما بصعوبة المعارك التى تديرها إسرائيل فى غزة بسبب الأنفاق، لكن بينما يعتقد الأمريكيون أن الهجمات أصبحت أقوى مما ترغب وزارة الدفاع الأمريكية فى الاعتراف به، فإن الإسرائيليين يفخرون بالقوة التى يضربون بها.
فى إطار جهود القضاء على تهديد الحوثيين أفادت التقارير بأن الولايات المتحدة استخدمت ذخائر بقيمة ٢٠٠ مليون دولار، وهى فاتورة لا تشمل تكاليف الأفراد ونشر حاملتى طائرات ومجموعة متنوعة من الموارد الأخرى المخصصة لتأمين المنطقة من الولد المزعج فى الشارع.
كما خصصت الولايات المتحدة موارد للدفاع عن إسرائيل من هجمات الحوثيين الجوية المتكررة. وتتراوح تكلفة استخدام نظام «ثاد» للدفاع عن إسرائيل بين ١٢ و١٥ مليون دولار لكل اعتراض، وفقًا لتقرير حديث صادر عن موقع «والا».
رغم كل ما سبق، إلا أن الحوثيين لا تزال لديهم القدرة على إطلاق صواريخ على إسرائيل، ورغم عدم وقوع إصابات أو أضرار جسيمة، إلا أن إسرائيل لا يمكن أن تتجاهلها طويلًا، لكنها لم تضع الحوثيين على قائمتها حتى الآن، فحتى محاولات إطلاق صواريخ على تل أبيب قال دانى سيترينوفيتش، الباحث فى برنامج إيران بمعهد دراسات الأمن القومى فى تل أبيب: «لا أهمية عسكرية أو استراتيجية لهذه الصواريخ. تستطيع إسرائيل اعتراضها بسهولة»، وأضاف: «من حيث الأثر العسكرى، تُعتبر هذه الهجمات غير ذات أهمية. لكن فى نظر الحوثيين تُعزز هذه الأفعال موقفهم وتُظهر أنهم يواصلون القتال».
وهذا ما يذهب بنا إلى رأيين فى إسرائيل الآن: الرأى الأول يقول إن على إسرائيل توسيع استراتيجيتها لتتجاوز استهداف مواقع الحوثيين فى اليمن، وإن الرد على الحوثيين فى اليمن يجب أن يستهدف إيران أيضًا.
بينما الرأى الثانى يرى أنه من غير الواضح مدى سيطرة إيران المباشرة على الحوثيين، الذين تم اعتبارهم أنهم وكلاء غير تقليديين لإيران، فلديهم أجندتهم المستقلة، ونفوذ إيران على قراراتهم الاستراتيجية محدود، وأصحاب هذا الرأى يرون أنه حتى لو تعرضت إيران لضغوط، سيواصل الحوثيون نشاطهم لأنه يخدم مصالحهم، وأنه من الأفضل التركيز مع الولايات المتحدة على ضرب الحوثيين أنفسهم.
فى كل الأحوال تظهر الحرب على الحوثيين غير حاسمة تمامًا مثل الحرب على حماس، ولكن هناك فرصة لإسرائيل، فإذا استمر الحوثيون فى مهاجمة الأهداف المرتبطة بإسرائيل، فقد تجد السعودية حافزًا أكبر لتعزيز علاقاتها الأمنية مع إسرائيل خوفًا من تمدد النفوذ الإيرانى عبر الحوثيين.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أموال الغد
منذ 19 دقائق
- أموال الغد
مجلس النواب الأمريكي يقر مشروع قانون ترامب الضخم لخفض الضرائب ويحيله لـ«الشيوخ»
أقر مجلس النواب الأمريكي صباح اليوم الخميس، مشروع قانون الضرائب الذي اقترحه دونالد ترامب الرئيس الأمريكي، بفارق ضئيل في التصويت، لتتقدم حزمة ضخمة بتريليونات الدولارات تهدف إلى تجنب زيادة ضريبية مع نهاية العام، وذلك على حساب زيادة عبء الديون الأمريكية، وفقًا لوكالة بلومبرج. وأحال مجلس النواب مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ، حيث تُطالب مجموعات من الجمهوريين بإجراء تغييرات واسعة النطاق. ويعتزم المشرعون التصويت على الموافقة بحلول أغسطس. ويشمل المشروع زيادة في سقف الدين الأمريكي قدرها 4 تريليونات دولار، والتي تتوقع وزارة الخزانة الأمريكية أن تجنّب الولايات المتحدة التخلف عن السداد في أغسطس أو سبتمبر، مما يضيف مزيداً من الإلحاح إلى الجدول الزمني. ضغوط ترامب لتمرير مشروع الضرائب قوبل تصويت مجلس النواب بأغلبية 215 صوتاً مقابل 214 صوتاً، مع امتناع عضو واحد عن التصويت، بترحيب من قبل الجمهوريين في المجلس. وجاء ذلك عقب هجوم شرس من ترمب، الذي زار مبنى الكابيتول لحشد الجمهوريين، وتواصل هاتفياً مع المشرّعين حتى وقت متأخر من الليل، واستدعى الممتنعين عن التصويت إلى المكتب البيضاوي. وأصدر مكتب الميزانية التابع له بياناً وصف فيه رفض أي مشرّع جمهوري لدعم الحزمة بأنه «خيانة عظمى». أجرى رئيس مجلس النواب مايك جونسون ومساعدوه جولات من المفاوضات في قاعة المجلس لموازنة مطالب المشرعين من الولايات ذات الضرائب المرتفعة، والذين يطالبون بزيادة الإعفاءات الضريبية على مستوى الولاية والمحليات. فيما أصر المحافظون المتشددون على تخفيضات أكبر في الإنفاق، بينما أبدى الجمهوريون من الدوائر المتأرجحة قلقهم من خفض ميزانية برنامج «ميديكيد». ومن شأن هذا الإجراء أن يجنب تضرر النمو في الولايات المتحدة في وقتٍ يعاني الاقتصاد من تأثير أقوى زيادات في الرسوم الجمركية منذ ما يقرب من قرن، رغم أنه من المتوقع أن يضيف مئات المليارات سنوياً إلى العجز. تمديد تخفيضات ولاية ترمب الأولى مشروع القانون سيمدد التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب خلال ولايته الأولى -والتي كان من المقرر أن تنتهي في 31 ديسمبر- إلى جانب إعفاءات ضريبية جديدة بما في ذلك رفع الحد الأقصى للخصم من الضرائب المحلية والولايات إلى 40 ألف دولار، وإعفاء الإكراميات وأجور العمل الإضافي مؤقتاً من الضرائب. التخفيضات في برامج شبكة الأمان الاجتماعي -مثل كوبونات الطعام والتغطية الصحية لبرنامج «ميديكيد» للفقراء والمعاقين- قد تزيد من الفوارق الاقتصادية بين المواطنين مع حصول الأميركيين الأثرياء على أكبر حصة من التخفيضات الضريبية. تعهد الديمقراطيون بإرغام الجمهوريين في مجلس النواب على دفع الثمن في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل، ووصفوا هذا الإجراء بأنه يعاكس نهج روبن هود، إذ يأخذون المال من الفقراء ويعطونه للأغنياء. قال زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز من نيويورك: «إن عملية الاحتيال الضريبية التي ينفذها الحزب الجمهوري ستضر بالأسر العاملة أكثر من غيرها، في حين ستقدم تخفيضات ضريبية ضخمة للمليارديرات من أمثال إيلون ماسك». ردّ الجمهوريون بأن ناخبيهم سيستفيدون من إقرار الأولوية التشريعية القصوى لترمب لهذا العام (أي قانون الضرائب) وسوف تتم مكافأتهم سياسياً. تخفيضات الإنفاق تمكن أعضاء كتلة الحرية المحافظة للغاية من إدراج صياغة جديدة في مشروع القانون من شأنها تسريع وقف الاعتمادات الضريبية للطاقة النظيفة التي تم تمريرها في عهد إدارة بايدن، والتي كان يتعين دخولها حيز التنفيذ قبل 2029 وأن تُنفذ خلال 60 يوماً من إقرار مشروع القانون. وتمكن المتشددون أيضاً من تقديم تاريخ بدء متطلبات العمل الجديدة لبرنامج 'ميديكيد' إلى ديسمبر 2026 بدلاً من 2029 في النسخة الأولية من الحزمة. وقد يشكل تسريع متطلبات العمل الجديدة لبرنامج «ميديكيد» أزمةً في انتخابات التجديد النصفي، التي ستجري بعد شهر واحد فقط، مع حرص الديمقراطيين على انتقاد الجمهوريين لتقييد الفوائد الصحية للأسر ذات الدخل المنخفض. تمكن جونسون أيضاً من عقد صفقة مراوغة مع المشرعين من الولايات ذات الضرائب المرتفعة بشأن خصم الضرائب على مستوى الولاية والمحليات. سترفع هذه الصفقة الحد الأقصى من 10,000 دولار إلى 40,000 دولار للأفراد والمُقدمين المشتركين للإقرارات الضريبية بدءاً من هذا العام، مع إلغاء تدريجي لمن يزيد دخلهم السنوي عن 500,000 دولار. سيزداد الحد الأقصى بنسبة 1% سنوياً لمدة عشر سنوات. وتمت إضافة مزايا أخرى لولايات مثل تكساس، والتي ستكون المستفيد الرئيسي من 12 مليار دولار من المبالغ المستردة لنفقات أمن حدود الولاية التي تكبدتها في السنوات الأخيرة. كما ألغى زعماء الحزب الجمهوري نصاً كان من شأنه أن يخفض معاشات التقاعد الفيدرالية من خلال تحديد المزايا على أساس أعلى خمس سنوات من الراتب بدلاً من أعلى ثلاث سنوات، في خطوة أشاد بها النائب الجمهوري مايك تيرنر من ولاية أوهايو، الذي وصف خفض معاشات التقاعد بأنه 'غير عادل'. تفرض الحزمة أيضاً زيادات ضريبية على جهاتٍ أبدى ترمب استيائه منها، مثل جامعة هارفارد، والمهاجرين. ستدفع الجامعات الخاصة ذات الأوقاف الكبيرة ضريبةً بنسبة 21% على صافي دخل الاستثمار لكل طالب، بزيادة عن المعدل الحالي البالغ 1.4%. وسيدفع المهاجرون ضريبةً جديدةً على تحويلاتهم المالية إلى الدول الأجنبية. مشروع القانون سيزيد الإنفاق العسكري بمقدار 150 مليار دولار، ويضيف 175 مليار دولار أخرى لقوانين الهجرة، وكلاهما من أهم أولويات ترامب. كما يتضمن العديد من الأحكام الأخرى التي تؤثر على الرعاية الصحية، وإنتاج الطاقة، والتصنيع، مما يُعيد توجيه الحكومة بعيدًا عن مخاوف تغير المناخ لصالح الوقود الأحفوري. ويتضمن ذلك إلغاء معظم الاعتمادات الضريبية للسيارات الكهربائية بما في ذلك لشركة 'تسلا' الرائدة في السوق بحلول نهاية 2025، واستبدالها بتخفيض ضريبي على فائدة قروض السيارات للمركبات المصنعة في الولايات المتحدة، وهي الخطوة التي دعمها ترامب والسيناتور بيرني مورينو من ولاية أوهايو. التعديلات الأخيرة على مشروع القانون شملت تغيير اسم حسابات التوفير الجديدة المخصصة للأطفال المولودين خلال السنوات القليلة المقبلة، بحيث سيتم تمويلها بمبلغ ألف دولار من الحكومة. وباتت تسمى بحسابات 'ترامب' بدلاً من حسابات 'ماغا'. وقال أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون إنهم سيضغطون لإجراء تغييرات جوهرية قبل الموافقة على الحزمة. يرغب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في إجراء تخفيضات ضريبية دائمة، وهي الآن مؤقتة بموجب الحزمة، وخاصةً التخفيضات التي تُفيد الشركات. وحذّر بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين من أي تخفيضات في برنامج «ميديكيد»، بينما طالب آخرون بتخفيضات أكبر بكثير في الإنفاق العام.


صوت الأمة
منذ 22 دقائق
- صوت الأمة
وهم "كوهين".. قصة سقوط أسطورة تل أبيب الوهمية في التجسس
إسرائيل استعادت وثائق الجاسوس من سوريا بعملية "مشبوهة" وتحاول استعادة الرفات لتعيد صناعة بطل من رماد "إيلى" رصدته مصر في فضيحة "لافون" وأسقطته بالضربة القاضية في دمشق.. ونتانياهو يراهن على أرشيفه لمواجهة الأزمات الداخلية رغم محاولات إسرائيل المتكررة لصناعة أبطال من رماد، لا تزال قصة الجاسوس إيلي كوهين مثالًا صارخًا على الوهم الإسرائيلي والانتصار الزائف. فعلى مدار عقود، قدّمت تل أبيب كوهين كـ"أسطورة استخباراتية" اخترق قلب النظام السوري، وحوّلته إلى رمز للمكر والدهاء، لكنها تغافلت عن نهايته المهينة، التي كشفت عجزه وفشل مشروعه بالكامل. سقط كوهين، ولم يُسعفه تنكره ولا تغلغله في مفاصل الدولة السورية، ولم تشفع له تدريبات الموساد ولا غطاءه السياسي، فقد وقعت نهايته بفعل رصد استخباراتي دقيق شاركت فيه مصر، ليكتب الفصل الأخير من خديعة لم تكتمل. وحتى بعد مرور ستين عامًا على إعدامه، لم تُغلق هذه الصفحة، إذ تواصل إسرائيل حملتها لاستعادة رفاته، لا بدافع الوفاء لشخصه بقدر ما هو إلحاح ديني يهدف لإتمام طقس دفنه في "الأرض المقدسة"، وإعادة ربطه روحيًا بعقيدة البعث والقيامة. وبين سعي تل أبيب الديني، ومحاولاتها لإحياء صورة كوهين كبطل خُرافي، تظل الحقيقة راسخة: أن الجاسوس الذي خدع البعض، لم يستطع خداع مصر. لا يمكن النظر إلى إعلان إسرائيل عن استعادة أرشيف إيلي كوهين، الجاسوس الذي أُعدم في سوريا سنة 1965، باعتباره مجرد إجراء يتعلق بتوثيق أو إعادة ترتيب مواد تاريخية، وتتجاوز المسألة ذلك بكثير، إذ تكشف عن عملية استخباراتية دقيقة تستهدف عمق الدولة السورية، في توقيت بالغ الحساسية على المستويين الإقليمي والدولي. وتشمل الوثائق والمقتنيات التي جرى الإعلان عن استعادتها – والتي تجاوز عددها ألفين وخمسمائة مادة –تسجيلات وصورًا ورسائل ووثائق أمنية تعود إلى فترة اعتقال كوهين والتحقيق معه، ما يُفهم من الإعلان الإسرائيلي أن العملية لم تكن وليدة اللحظة، بل ثمرة متابعة طويلة لمسار الأرشيف المحفوظ في دمشق، في أحد مرافق الأجهزة الأمنية، وتعني الإشارة إلى أن المواد كانت محفوظة في أرشيف رسمي سوري، أن الوصول إليها لم يكن متاحًا لأي طرف خارجي بسهولة، ما يرجح فرضية تنفيذ عملية دقيقة، قد تكون اعتمدت على اختراق بشري أو تعاون غير مُعلن من داخل الأراضي السورية. بينما قالت مصادر لم تسمها وكالة رويترز، إن القيادة السورية وافقت على تسليم وثائق ومتعلقات الجاسوس إيلي كوهين لإسرائيل، جاءت المبادرة لتخفيف حدّة التوتر وإظهار حسن النوايا للرئيس الأمريكي. وقال مصدر أمني سوري ومستشار للرئيس السوري أحمد الشرع وشخص مطلع على المحادثات السرية بين البلدين إن أرشيف المواد عُرض على إسرائيل. ولم يرد مكتب نتنياهو أو المسؤولون السوريون أو البيت الأبيض على طلبات التعليق، كان ذلك بشأن دور سوريا في حصول إسرائيل على متعلقات كوهين. من هو إيلي كوهين؟ كوهين، الذي دخل سوريا باسم مزوّر، استطاع أن ينسج علاقات مباشرة مع شخصيات بارزة في مستويات مختلفة من النظام في بداية الستينيات، ركزت الروايات المتداولة في الأوساط الإسرائيلية حول هذه المرحلة على مدى اقترابه من مواقع القرار، إلا أن كثيرًا من التفاصيل حول ما قام به فعليًا بقيت خاضعة للتضخيم الإعلامي والسياسي، خصوصًا في ظل غياب رواية سورية مفصلة ومعلنة للوقائع. ومنذ إعدامه شنقًا في ساحة المرجة بدمشق، تحوّل كوهين إلى محور مطالبات إسرائيلية متعددة لاستعادة رفاته، دون نتيجة واضحة، ومع أن الإعلان الأخير لا يتحدث عن الرفات، إلا أن تقديمه بهذا الشكل الإعلامي، وسط حالة توتر إقليمي وتصعيد مستمر في غزة، يوحي بمحاولة توظيفه كرسالة سياسية وأمنية موجهة لعدة أطراف، أرادت إسرائيل أن تُظهر من خلالها أن متابعتها للملفات القديمة لا تتوقف، وأن قدرتها على النفاذ إلى المراكز المغلقة ما زالت قائمة. واحدة من أبرز الوثائق التي تم استعادتها تحمل اسم "نادية كوهين"، زوجة الجاسوس، والتي كانت قد نظّمت حملات في الخارج تطالب بالإفراج عنها، ووجود ملف باسمها ضمن الأرشيف السوري يعني أن السلطات حينها كانت تتابع تحركات العائلة، وتتعامل مع القضية بامتدادها الخارجي، وليس فقط من داخل الحدود السورية. كوهين نفسه وُلد في مدينة الإسكندرية عام 1924، ونشأ وسط بيئة اجتماعية وثقافية متعددة الانتماءات، قبل أن يبدأ نشاطه في إطار تنظيمات صهيونية شبابية نشطت في مصر خلال أربعينيات القرن العشرين، علاقته الأولى بالمؤسسة الإسرائيلية بدأت مبكرًا، من خلال المساهمة في دعم شبكة سرية داخل مصر متورطة في تنفيذ أعمال تخريبية هدفت إلى الإضرار بعلاقة القاهرة بواشنطن، فيما عُرف لاحقًا بـ "فضيحة لافون". بعد مغادرته مصر في أعقاب تصاعد الملاحقات الأمنية، انتقل إلى إسرائيل حيث عمل في مجال الترجمة والتحليل داخل الاستخبارات العسكرية، قبل أن يمر بمرحلة انقطاع عن العمل الأمني إثر رفض قبوله في جهاز "الموساد"، ومع ذلك، عاد لاحقًا إلى واجهة العمل الاستخباراتي، عندما تقرر تجنيده لتنفيذ مهمة خاصة داخل سوريا، وتم بناء هوية جديدة له كرجل أعمال سوري مقيم في الأرجنتين يُدعى كامل أمين ثابت، ثم نُقل إلى دمشق حيث بدأ في بناء شبكة علاقات مكّنته من الوصول إلى دوائر القرار. واعتمد أسلوب كوهين في التقرّب من المسؤولين على التموضع الاجتماعي وتقديم الدعم المالي وخلق صورة عن رجل مغترب ناجح يريد الاستثمار والمشاركة في الحياة العامة، وإن كان هذا النمط لا يُعد استثنائيًا في عالم الاستخبارات، إلا أنه استفاد من هشاشة المنظومة الأمنية السورية آنذاك، وسهولة النفاذ إلى مواقع السلطة من خلال الواجهة الاجتماعية والتجارية. إلى جانب ذلك، تتضمن الوثائق روايات متضاربة عن مكان دفن كوهين، أو مصير جثمانه، وتشير بعض المصادر إلى نقل الجثمان أكثر من مرة، وربما دفنه في مواقع غير تقليدية كمعسكرات عسكرية، أو حتى التخلص منه بطريقة تمنع أي جهة من العثور عليه، ويبدو الغموض المحيط بهذه النقطة مقصودًا، سواء لأسباب أمنية، أو ضمن إطار التفاوض غير المباشر الذي ظل معلقًا حول هذا الملف لسنوات طويلة. في المحصلة، عملية استعادة أرشيف كوهين لا يمكن فصلها عن سياق سياسي أوسع، يعيد التذكير بملفات الماضي التي لم تُغلق بعد، ويؤكد أن الصراعات في هذه المنطقة لا تقتصر على الحاضر والميدان، بل تمتد إلى الأرشيف، والرمز، والسردية، ما جرى ليس استعادة لمجرد أوراق، بل تدخل ضمن صراع طويل على الذاكرة والسيادة والمشهد العام للصراع العربي الإسرائيلي. ما وراء استعادة الوثائق؟ عملية استعادة إسرائيل للأرشيف السوري الخاص بالجاسوس إيلي كوهين لا تقتصر على جمع وثائق قديمة، بل تمتد إلى أبعاد سياسية وأمنية واجتماعية متعددة ترتبط بطبيعة الصراع التاريخي مع سوريا وبالواقع السياسي الداخلي الإسرائيلي. إيلي كوهين يمثل في السرد الإسرائيلي ملفًا استخباراتيًا مهمًا يعود إلى مرحلة تاريخية حساسة من الصراع العربي–الإسرائيلي. استعادة الوثائق والمقتنيات الخاصة به تأتي في سياق سياسي وأمني معقد، حيث يُنظر إلى هذه المواد كأدلة على عمليات استخباراتية جرت في بيئة تعدّ من أكثر البيئات الأمنية تعقيدًا وحذرًا. في السياق الأمني، تؤكد عملية الاستعادة قدرة جهاز الموساد على الوصول إلى معلومات محفوظة ضمن أرشيف رسمي سوري، وهو أمر لم يكن متاحًا في فترات سابقة. هذه القدرة تشير إلى تغييرات في البيئة الأمنية السورية أو في طبيعة الوصول إلى الملفات الحساسة، سواء عبر تقنيات استخباراتية أو عبر تحركات ضمنية داخل المؤسسة الأمنية السورية، وهو ما يبرز واقع الهشاشة الأمنية والنفوذ المتغير في المنطقة. إلى جانب الجانب الأمني، تشكل هذه العملية جزءً من توجه سياسي داخلي في إسرائيل، فإعلان استعادة الأرشيف في توقيت يتزامن مع أزمات أمنية وسياسية يعكس محاولة لتوجيه رسالة داخلية، مفادها استمرار متابعة الملفات الأمنية القديمة والاحتفاظ بذاكرة استخباراتية متماسكة، وهذا الإجراء يقدم للعامة مثالًا على الإجراءات التي تتخذها الدولة في سبيل ضبط أمنها، ويُستخدم كأداة في إطار الخطاب السياسي الحكومي. كذلك ترتبط العملية أيضًا بالسياق الإقليمي الراهن، حيث تشهد سوريا حالة من الانقسامات وضعف مؤسساتها الأمنية، ظهور وثائق كانت في السابق محمية داخل الأرشيف الرسمي، يدل على فقدان السيطرة الكاملة على هذا الملف، وربما إعادة ترتيب الأولويات الأمنية للنظام السوري، وهذا يشير إلى فرص جديدة لإسرائيل في التعامل مع ملفات قديمة عبر قنوات غير رسمية، وقد يشير إلى تفاهمات غير معلنة بين أجهزة استخبارات إقليمية. ومن الناحية الاجتماعية، يرتبط ملف كوهين بجوانب نفسية ترتبط بذاكرة الجمهور الإسرائيلي تجاه ماضي الصراع، فإعادة تقديم الأرشيف وإظهاره في الإعلام، مع إشراك عائلة كوهين، يعيد هذا الملف إلى دائرة الاهتمام، ويُعطي بعدًا إنسانيًا لقضية كانت حتى الآن تتم مناقشتها بشكل استراتيجي فقط، لكن من جهة أخرى، تثير هذه الخطوة تساؤلات حول جدوى إبقاء التركيز على ملفات قديمة في ظل متغيرات أمنية وسياسية معاصرة، كون أن تكثيف الحديث عن مثل هذه الملفات قد يُبعد الانتباه عن قضايا أخرى ذات أولوية أو يُستخدم لأغراض سياسية داخلية أكثر من كونه مبادرة أمنية أو تاريخية بحتة، خاصة فشل إدارة نتنياهو في ملف الحرب على قطاع غزة. فيما يخص المكاسب التي تحققها حكومة نتنياهو، فتتعدد الأهداف. داخليًا، تعزز هذه العملية صورتها بأنها قادرة على إدارة ملفات أمنية معقدة، في ظل ظروف سياسية متوترة داخل إسرائيل، تبرز العملية قدرة المؤسسات الأمنية على تنفيذ عمليات سرية بنجاح، ما يخدم تعزيز ثقة الجمهور بتلك المؤسسات، خصوصًا في فترة تشهد انتقادات على المستوى السياسي والأمني. على المستوى السياسي، تساعد العملية في تحسين صورة رئيس الحكومة نتنياهو، عبر تقديم إنجاز ملموس يُسوق في الإعلام كجزء من حرص الدولة على الحفاظ على تاريخها الأمني، وهو ما يُعد من عوامل استقطاب الدعم الشعبي من قواعد معينة داخل المجتمع الإسرائيلي، في وقت تتراجع فيه شعبيته، وتتزايد حالة الغضب في تل أبيب المطالبة برحيل نتنياهو ومحاكمته، في ظل استمرار فشله في حل ملف الأسرى الإسرائيليين لدى حماس. أما على الصعيد الاستراتيجي، فإن إعلان استعادة الأرشيف يمثل رسالة ضمنية إلى النظام السوري والجهات الفاعلة في المنطقة، توضح استمرار متابعة إسرائيل للملفات الأمنية الحساسة، رغم تعقيدات الواقع الإقليمي، كما أنه يعكس قدرة إسرائيل على النفاذ إلى مناطق تعتبر من أكثر المناطق حساسية في مجال جمع المعلومات الاستخبارية، غير أن توقيت الإعلان عن هذه العملية يثير فرضيات حول وجود تفاهمات أمنية ضمنية أو اتصالات غير معلنة بين أجهزة استخبارات إسرائيليّة وسورية، وهو ما تؤكده التصريحات التي نقلتها "رويترز"، كونها قد فتحت باباً حول موائمات سياسية مع نظام أحمد الشرع، خاصة في ظل تغيرات مستمرة في المشهد السوري والإقليمي. لم يستطع خداع مصر ظل إيلي كوهين (1924–1965) لأربع سنوات كاملة داخل دمشق يتجسس لحساب إسرائيل، واستطاع خلال تلك الفترة جمع معلومات حساسة عن البنية الأمنية والعسكرية السورية، ورغم أن هذه المرحلة شكلت ذروة نشاطه، فإن نهايتها كانت حاسمة، حيث سقط في قبضة المخابرات السورية وأُعدم في ساحة المرجة عام 1965، لكنّ اللافت أن قصة كوهين لا تزال متداولة بعد أكثر من ستة عقود على موته، وتستمر الأسئلة في مطاردة تفاصيلها، وعلى رأسها: ما علاقته بمصر؟ ولماذا لم تنطلِ حيلته على المخابرات المصرية؟ وبدأت صلته بمصر منذ أن بقي في الإسكندرية بعد هجرة والديه وثلاثة من أشقائه إلى إسرائيل عام 1949، وهناك عمل تحت إشراف الجاسوس الشهير "إبراهام دار" الذي تسلل إلى مصر متخفيًا باسم "جون دارلينج"، وتولى مهمة تجنيد العملاء وتنظيم شبكة تجسس إسرائيلية، نفذت عمليات تخريبية استهدفت منشآت أمريكية بالقاهرة والإسكندرية، في محاولة لتأليب العلاقات بين مصر والولايات المتحدة، وهي العملية التي ستُعرف لاحقًا بفضيحة "لافون" عام 1954. ورغم أن السلطات المصرية حينها ألقت القبض على عدد من أفراد الشبكة، فإن كوهين نجح في خداع المحققين، وتمكن من إقناعهم ببراءته، ليخرج من مصر عام 1955، ولاحقًا، انضم إلى الوحدة 131 بجهاز "الموساد"، ثم أعيد إلى مصر في مهمة جديدة، لكن المخابرات المصرية كانت قد احتفظت بملف خاص به، وتابعت تحركاته عن كثب، خصوصًا مع اندلاع العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر 1956، حيث جرى اعتقاله مجددًا، وفي 1957، أفرج عنه ليهاجر بعد ذلك إلى إسرائيل، حيث بدأ رحلته التي ستنتهي به جاسوسًا في قلب العاصمة السورية. وتشير تقارير متعددة إلى أن مصر لعبت دورًا حاسمًا في إسقاط كوهين في دمشق، بعد أن نجح في التغلغل داخل النخبة العسكرية والسياسية السورية، بل ووصل إلى مواقع حساسة، فخلال إحدى زياراته برفقة قادة عسكريين إلى هضبة الجولان، التقطت له صور عُرضت لاحقًا على مسؤولين في المخابرات المصرية، الذين تعرفوا عليه فورًا، إذ كان معروفًا لديهم منذ أن أُدرج اسمه في ملفات التفجيرات والشبكات التجسسية التي نشطت في الخمسينات. وتعززت تلك الرواية بما جاء في كتاب "دماء على أبواب الموساد" للدكتور يوسف حسن يوسف، الذي استعرض جانبًا آخر من القصة يتعلق بالعميل المصري رفعت الجمال، المعروف باسم رأفت الهجان، ففي أحد اللقاءات الاجتماعية داخل إسرائيل، قدم الموساد كوهين للهجان باعتباره رجل أعمال أمريكي يهودي يموّل إسرائيل بسخاء، وعندما صادف الهجان لاحقًا صورة عائلية له في منزل طبيبة مغربية صديقة له تُدعى "ليلى"، تعرّف عليه باسم إيلي كوهين، زوج شقيقتها "ناديا"، والذي يعمل باحثًا في وزارة الدفاع الإسرائيلية. وظل الشك يراود الهجان، حتى جاءت لحظة التأكد حين كان في رحلة إلى روما لترتيب شؤون سياحية بغطاء من المخابرات المصرية، وهناك عثر على صورة في إحدى الصحف اللبنانية يظهر فيها كوهين بجوار قادة سوريين، وتحتها تعليق يشير إلى اسم "كامل أمين ثابت"، وهو الاسم المستعار لكوهين داخل سوريا، وأدرك الهجان حينها أن الرجل الذي قُدِّم له سابقًا في إسرائيل هو ذاته الموجود في الصورة، فسارع إلى إبلاغ المخابرات المصرية. وفي تلك الليلة، التقى الهجان بمحمد نسيم، أحد أبرز ضباط المخابرات في ذلك الوقت، وأبلغه بكل التفاصيل. بدوره، رفع نسيم الأمر إلى القيادة، ليُعرض لاحقًا على الرئيس جمال عبد الناصر، إثر ذلك، أُوفد ضابط المخابرات حسين تمراز إلى دمشق، حيث سلّم المعلومات إلى الفريق أمين الحافظ، رئيس الدولة آنذاك، لتبدأ عملية الإيقاع بـ "كوهين" التي انتهت باعتقاله ومحاكمته. ولم تكن هذه هي الرواية الوحيدة حول إسقاط إيلي كوهين، لكن ما تتقاطع حوله أغلب المصادر أن المخابرات المصرية لعبت دورًا أساسيًا في كشفه، إما عبر الرصد المباشر أو من خلال عملائها داخل إسرائيل، فالمهم في الأمر أن كوهين، الذي خدع دوائر عليا في سوريا ونجح في التسلل إلى أعماقها، لم يستطع خداع مصر، وظلت ملفاته القديمة كفيلة بكشف هويته، مهما بدت محاولاته مقنعة.


يمني برس
منذ ساعة واحدة
- يمني برس
مسيرة حاشدة في نواكشوط تندد بإبادة غزة وتدعو لعزل إسرائيل
شارك عشرات الآلاف من الموريتانيين، السبت، في مسيرة ضخمة بالعاصمة نواكشوط للتنديد باستمرار حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023. وانطلقت المسيرة من محيط القصر الرئاسي مروراً بشوارع رئيسية، وصولاً إلى مقر ممثلية الأمم المتحدة، ورفعت خلالها لافتات تطالب بوقف العدوان ودعت شعوب العالم إلى مسيرات مليونية لعزل إسرائيل ومحاصرتها اقتصادياً. ودعت إلى المسيرة مختلف الأحزاب السياسية، منها حزب 'الإنصاف' الحاكم، و'تواصل' المعارض، إلى جانب منظمات مدنية تحت شعار: 'مليونية نساء موريتانيا لوقف قتل نساء وأطفال غزة'. وأكد المشاركون أن ما يجري في غزة يمثل إرادة إسرائيلية متعمدة لقتل المدنيين، في ظل دعم أمريكي مطلق. ومنذ بدء العدوان، تشهد موريتانيا حملات تضامن واسعة، حيث جمعت القبائل تبرعات تجاوزت 16 مليون دولار لدعم الفلسطينيين المحاصرين.