
محمد خروب : هل «نعى» ترامب «وساطته».. لإنهاء الحرب في «أوكرانيا»؟
أخبارنا :
بعد 90 يوماً على دخوله البيت الأبيض، «هدّد» الرئيس الأميركي/ترامب بـ"التخلي» عن مساعيه، وهو الذي واظبَ خلال حملته الانتخابية وقبلها بالطبع الزعم بأنه قادر على «حلّ» هذه الأزمة في يوم واحد، ناهيك عن تبجّحه بان حربا كهذه لم تكن لتحدث لو انه كان رئيساً عند اندلاعها.
كل ما سبقَ بات من الماضي، رغم أنه لم يكن يعني ـ من بين أمور أخرى ـ سوى أن ترامب ليس على دراية عميقة بالأسباب التي أدت لنشوب حرب كهذه، دخلت عامها «الرابع» منذ شهرين، وسط إصرار غربي/ناتوي على مواصلتها وسكب المزيد من الزيت على نارها، التي لم تنطفئ حتى في هدنة الأيام الثلاثة بمناسبة عيد الفصح، وبخاصة ما يسعى إليه ثلاثي حزب الحرب الفرنسي، البريطاني وخصوصاً الألماني، إضافة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية وحلف الناتو، لعرقلة أي اتفاق محتمل عبر ضخ المزيد من الأسلحة والصواريخ بعيدة المدى، فضلاً عن إرسال قوات مراقبة أو?«حفظ سلام» على ما يصفونها تمويها، في حال تم التوصل إلى اتفاق لوقف النار، في وقت تقول فيه موسكو انها ترى في «قوات» كهذه هدفاً مشروعاً لجيشها، ليس فقط في أنها قوات لدول مُعادية، بل خصوصاً أن ثلاثتهم أعضاء في حلف شمال الأطلسي/ناتو.
تهديد ترامب بقرب «نعي» وساطته جاء أول أمس/السبت، في أعقاب إعلان كييف عن توقيع «مذكرة تفاهم» مع واشنطن بشأن صفقة معادن مثيرة للجدل. قائلاً/ترامب:"إذا جعلَ أحد الطرفين، ولأي سبب، العملية صعبة للغاية، فسنقول ببساطة: «أنتم حمقى، أنتم أغبياء، أنتم أناس فظيعون» – وسنتخذ قراراً بالتراجع»، مُضيفاً: «لكنني آمل ألا نضطر لفعل ذلك». وكان لافتاً أن ترامب رفضَ في الآن عينه تحديد عدد الأيام التي ستنتظرها بلاده،» قبل التخلي عن جهود الوساطة لوقف النار في أوكرانيا»، رغمَ تشديده مُستطرداً: «نحن نريد أن يحدث هذا بسرعة». وعندم? سُئل إن كان الرئيس الروسي/بوتين «يلعب به»، رد باستعلاء: «لا أحدَ يلعب بي. أنا أحاولُ المُساعدة».
تصريحات ترامبية كهذه جاءت بعد ساعات من اعلان وزير خارجيته/ ماركو روبيو، أن الولايات المتحدة مستعدة للتخلي عن جهود الوساطة «خلال أيام». وكان لافتاً أن روبيو قال ما قاله بعد اجتماعات مع قادة أوروبيين وأوكرانيين، مُردفاً: إن ترامب لا يزال مهتماً بالتوصل إلى اتفاق، لكنه أشار إلى أن للرئيس الأميركي «أولويات عديدة أخرى» حول العالم، وأنه مُستعد «للمضي قدماً» في حال «لم يرَ مؤشرات على تحقيق تقدم». ولم يتردد في الزعم أن: «هذه ليست حربنا. نحن لم نبدأها»، مُتابِعاً في تهديد واضح: على أنه إذا «كان الاتفاق غير ممكن، في?ظل استمرار الفجوة الواسعة بين روسيا وأوكرانيا»، فإن «الرئيس الأميركي سيكون «على الأرجح» قد بلغَ النقطة التي يقول فيها: «حسناً، لقد انتهينا».
وإذ ترافقت تهديدات كهذه مع تسريبات (أميركية) مُبرمَجة في ما يبدو، بان إدارة ترامب «مُنفتحة» على الاعتراف بالسيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم»، كجزء من اتفاق سلام أوسع نطاقًا بين موسكو وكييف». ما رأى فيه مراقبون «تنازلاً أميركياً مُحتملاً» وإشارة إلى حرص ترامب على ترسيخ اتفاق وقف إطلاق النار، فإن قراءة مُغرضة كهذه تتصادم تماماً مع تصريحات أميركية ادلى بها مسؤولون في إدارة ترامب قالت من بين أمور أخرى إن على كييف الاعتراف بسيادة روسيا على القرم وجمهوريتيّ دونيتسك ولوغانسك إضافة إلى مُقاطعتيّ خيرسون وزابوريجي? روسيّتا القومية. دون إهمال حقيقة أن الرئيس الروسي/ بوتين أكد مراراً أن موقف موسكو هذا غير قابل للتفاوض أو النقاش.
صحيح أن كييف رفضت ـ حتى الآن ــ موقف روسيا، وصحيح أيضاً أن إدارة ترامب رأت ـ حتى الآن أيضاً ـ أن طوحات كييف الانضمام الى حلف شمال الأطلسي/ناتو «غير مُمكنة، ناهيك عن تشدد حلفاء أوكرانيا من الأوروبيين ورفضهم الاعتراف باي أراضٍ «مُحتلة» على أنها روسية، إضافة إلى ما قالته متحدثة الخارجية الأميركية/ تامي بروس، إنه من المهم «أن يُدرك الشركاء الأوروبيون أن واشنطن لن تشارك في الاجتماعات على مدى سنوات من أجل أوكرانيا. مُضيفة: «أعتقد أنه من المهم أن يسمع ذلك أيضاً الشركاء في أوروبا. نحن «لن نفعل ذلك خلال هذا العام ك?ه». لن نعقد لقاءات حول الاجتماعات. كما تعلمون «نحن لن نقوم بالانتظار» ونأمل ونبذل الجهود الكبيرة من أجل الجهود. هناك «مرحلة نهائية للحرب، وهي وقف إطلاق النار وهذا الأمر يمكن أن يحدث على الفور».
أمام ذلك كله يبرز موقف كيث كيلوغ، المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص إلى أوكرانيا، الذي قال أول أمس/السبت: إن «هدنة قريبة تلوح في الأفق»، مشيراً إلى أن فريقه سيعود إلى لندن «من أجل حل قضية وقف النار في أوكرانيا وحسمها». في ألغاز هذه وأحاجي؟ ــ الراي

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبرني
منذ ساعة واحدة
- خبرني
ما صحة الاتهامات التي وجهها ترمب لرئيس جنوب أفريقيا ؟
خبرني - في مشهد مشحون بالتوتر داخل البيت الأبيض، يوم الأربعاء، وجه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لرئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، اتهامات مثيرة للجدل بشأن ما قيل عن استهداف المزارعين بيض البشرة في بلاده. بدأ اللقاء بين الرئيسين بأجواء اتسمت بالود والمرح، لكن سرعان ما اتخذ اللقاء منحىً مختلفاً عندما طلب ترامب من فريقه عرض مقطع فيديو يُظهر في معظمه أحد المعارضين البارزين في جنوب أفريقيا، يوليوس ماليما، وهو يردد أغنية يحثّ فيها على العنف ضد المزارعين بيض البشرة. كما اشتمل الفيديو على مشاهد أظهرت صفوفاً من الصلبان، ادعى ترامب أنها تشير إلى موقع دُفن فيه مزارعون بيض البشرة بعد قتلهم، كما سلّم ترامب للرئيس رامافوزا نسخاً من مقالات ادعى أنها توثّق حالات عنف مستشرية تستهدف الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا. ولطالما لجأ داعمو إدارة ترامب إلى المبالغة في طرح الادعاءات الرامية إلى ممارسة العنف ضد الأقلية البيضاء، ومن أبرز هؤلاء الداعمين، إيلون ماسك، والمذيع السابق في قناة فوكس نيوز، تاكر كارلسون، الذي قدّم تقارير بشأن ما وصفه بإبادة جماعية مزعومة خلال الولاية الأولى للرئيس، وقد ثبت أن بعض هذه الادعاءات غير صحيح على نحو جليّ. تضمّن المقطع الذي عرضه ترامب في المكتب البيضاوي مشاهد لصفوف من الصلبان البيضاء تمتد على جانب طريق ريفي، وقال ترامب: "هذه مواقع دفن هنا، إنها مدافن، أكثر من ألف مزارع أبيض". بيد أن تلك الصلبان لا تدل على قبور حقيقية، فالفيديو يعود لاحتجاجات نُظّمت تنديداً بمقتل زوجين من المزارعين بيض البشرة هما، غلين وفيدا رافيرتي، كانا قد قُتلا رمياً بالرصاص في مزرعتهما، بعد تعرّضهما لكمين عام 2020. وتداول مستخدمون المقطع عبر منصة يوتيوب بتاريخ السادس من سبتمبر/أيلول، أي في اليوم التالي للاحتجاجات. وقال روب هوتسون، أحد منظّمي الفعالية، لبي بي سي: "لم يكن الموقع مقبرة، بل كان نُصباً تذكارياً"، مضيفاً أن الصلبان وُضعت كـ "نصب تذكاري مؤقت" تكريماً للزوجين. ولفت هوتسون إلى أن الصلبان جرى تفكيكها لاحقاً. واستطاع فريق بي بي سي لتقصي الحقائق تحديد الموقع الجغرافي للفيديو، وتبيّن أنه في منطقة ضمن مقاطعة كوازولو-ناتال، بالقرب من مدينة نيوكاسل، وتُبيّن صور خدمة "غوغل ستريت فيو" الملتقطة في مايو/أيار 2023، أي بعد قرابة ثلاث سنوات من نشر الفيديو، أن الصلبان لم تعد قائمة في المكان. قال ترامب خلال الاجتماع: "كثيرون يساورهم القلق بشأن ما يحدث في جنوب أفريقيا. لدينا العديد من الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يتعرضون للاضطهاد، ويهاجرون إلى الولايات المتحدة، ولذلك نقبل طلبات من عدة أماكن إذا شعرنا بوجود اضطهاد أو إبادة جماعية". كان ترامب قد أدلى سابقاً، في عدة مناسبات، بتصريحات بشأن موضوع "إبادة بيض البشرة"، ويبدو أنه كان يشير إلى هذا الأمر. فخلال مؤتمر صحفي عُقد في وقت سابق الشهر الجاري، قال: "هذه إبادة جماعية تحدث الآن"، في إشارة إلى مقتل مزارعين بيض البشرة في جنوب أفريقيا. وتُعدّ جنوب أفريقيا من بين الدول الأعلى عالمياً من حيث معدلات القتل. ووفقاً لإحصائيات خدمة شرطة جنوب أفريقيا، شهد العام الماضي ما يزيد على 26 ألف حالة قتل. من بين هذه الحالات، بلغ عدد القتلى داخل مجتمع المزارعين 44 شخصاً، من بينهم ثمانية مزارعين. ولا تتضمن الإحصائيات العامة المتاحة لدينا تصنيفاً لهذه الأرقام بحسب العِرق. وعلى الرغم من ذلك، فهي لا تقدم دليلاً يدعم الادعاءات المتكررة التي أدلى بها ترامب بشأن "إبادة بيض البشرة". وفي شهر فبراير/شباط، رفض قاضٍ من جنوب أفريقيا فكرة حدوث إبادة جماعية، ووصفها بأنها "وهمية على نحو واضح" و"غير واقعية". ويجمع اتحاد الزراعة في ترانسفال، الذي يمثل المزارعين، بيانات تقدم نظرة بشأن الهوية العرقية للضحايا، ويعتمد الاتحاد على تقارير وسائل الإعلام، ومنشورات منصات التواصل الاجتماعي، وتقارير أعضائه. وتشير أرقام الاتحاد للسنة الماضية إلى حدوث 23 حالة قتل لأفراد بيض البشرة خلال هجمات على المزارع، فضلاً عن مقتل 9 من أصحاب البشرة السوداء. وحتى الآن خلال هذا العام، سجّل اتحاد ترانسفال الزراعي مقتل ثلاثة من ذوي البشرة البيضاء، وأربعة من ذوي البشرة السوداء في مزارع جنوب أفريقيا. عرض ترامب، خلال اللقاء المتوتر، مقاطع من تجمعات سياسية شارك فيها الحضور بأداء أغنية "اقتل البور"، وهو مصطلح في جنوب أفريقيا يشير إلى المزارعين من أصل أوروبي، وهي أغنية مناهضة للفصل العنصري يصفها النقاد بأنها تحث على العنف ضد المزارعين بيض البشرة. وكانت محاكم جنوب أفريقيا قد وصفت هذه الأغنية بأنها دعوة تحض على الكراهية، إلا أن أحكاماً قضائية حديثة قضت بجواز غنائها قانونياً في التجمعات، واعتبر القضاة أنها تعبر عن وجهة نظر سياسية ولا تحرض مباشرة على العنف. وادعى ترامب أن الذين كانوا يقودون الغناء "مسؤولون" و"أفراد يشغلون مناصب حكومية". وكان من بين الذين قادوا التجمع يوليوس ماليما، الذي سبق له قيادة جناح الشباب في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم، وكان قد غادر الحزب في عام 2012 ولم يشغل أي منصب رسمي في الحكومة، ويتزعم حالياً حزب "مقاتلو الحرية الاقتصادية"، الذي حصل على نسبة 9.5 في المئة في انتخابات العام الماضي، ودخل صفوف المعارضة ضد التحالف الحزبي الجديد متعدد الأحزاب. وردّاً على اتهامات ترامب، أكد رامافوزا أن حزب "مقاتلو الحرية الاقتصادية" يُعد "حزباً صغيراً لأقلية"، مشيراً إلى أن "سياسة حكومتنا تتعارض تماماً مع التصريحات التي أدلى بها". في الفيديو، سُمع شخص آخر يغني عبارة "أطلق النار على البور" في تجمع آخر. إنه الرئيس السابق جاكوب زوما، الذي انتهت ولايته في 2018، ويعود الفيديو إلى عام 2012 عندما كان يشغل منصب الرئاسة، وكان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي قد تعهد بالتوقف عن أداء هذه الأغنية في وقت لاحق. وقد غادر زوما حزب المؤتمر الوطني الأفريقي لاحقاً، ويتزعم حالياً حزب "رمح الأمة" المعارض، الذي حصل على ما يزيد على 14 في المئة من الأصوات في انتخابات العام الماضي. عرض ترامب، خلال اللقاء، عدداً من المقالات التي ادعى أنها تقدم دليلاً على قتل مزارعين بيض البشرة في جنوب أفريقيا. وظهرت صورة واضحة أثناء حديث ترامب الذي قال: "انظروا! هنا مواقع دفن منتشرة في كل مكان. هؤلاء جميعهم مزارعون بيض البشرة دُفنوا". وتبين أن الصورة ليست من جنوب أفريقيا، بل هي فعلياً من تقرير عن قتل النساء في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد تحققت خدمة بي بي سي لتقصي الحقائق من الصور، مؤكدة أنها مقتطفة من فيديو لوكالة رويترز للأنباء جرى تصويره في مدينة غوما بجمهورية الكونغو الديمقراطية في فبراير/شباط.

عمون
منذ 2 ساعات
- عمون
الاستراتيجية الأردنية بعيد الاستقلال تحول لا ثبات!
في أقل من أسبوعين، كان مسؤولان بريطانيان عسكريان في عمّان؛ الأول مستشار مجلس الأمن القومي البريطاني، والثاني كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية. وقد يكون رئيس وزراء مالطا في عمّان ومباحثاته الموسعة مع أعلى مراتب المسؤولية السياسية الأردنية في الدولة ما يتفق ضمنيًا مع عنوان المقالة. في الفصل التمهيدي، يمكن أن زوّار عمّان، في أعلى مستوياتهم، يرون أن هذه العاصمة في استراتيجيتها تحمل سؤالًا وجوابًا: كيف أن النظام العربي يُعاد تشكيله بعد 7 أكتوبر، حرب الإبادة وتطوّرها إلى حرب التجويع على غزة، وعودة ترامب للبيت الأبيض بعنفوان بارز، مُلخصة بإعادة هيبة أمريكا في العالم.! وبعد سقوط نظام الأسد التابع لطهران، ونزع أنياب حزب الله، وتصفيات متتالية لقيادات سياسية وعسكرية من طراز رفيع لحركة حماس، وببزوغ مشروع عقاري للحل في غزة من بين رُكامها الحجري والبشري، تطوّر إلى "ريفييرا غزة"، ثم مشروع عربي تمويلي، ليكون سؤال وجواب زوّار عمّان قد صاغته جولات متواصلة مرهقة للملك في أوروبا، ودول اجتماع العقبة، وداخل المؤسسات الأمريكية التمثيلية: الاقتصادية، المالية، الاستخبارية، العسكرية، الدفاعية، وصنّاع الرأي العام، للوقوف على أبعاد المرحلة الجديدة لأمريكا، وقراءة دقيقة للقوى والتيارات التي تصنع التغيير وتدير دفة إدارة البيت الأبيض، خصوصًا المجمع الصناعي العسكري المالي الأمريكي ودوره في عسكرة السياسة. ولا ننسى استفزازات متتالية للكيان ضد الأردن ونهجه الإنساني، الذي أراد أردنًا يصبغ ويطبع البعد الإنساني على تنازع البقاء وصراع الأمم والشعوب والمصالح. قد تكون عمّان واستراتيجيتها، منذ تحول الثقل والوزن نحو موسكو (الاتحاد السوفيتي السابق) ونحو الاتحاد الأوروبي، قد قادها الراحل الكبير الحسين بن طلال الباني منذ عام 1964، واستمرت في عهد الملك عبد الله الثاني، وخصوصًا حين تم تدويل ربيع سوريا بفوضاها وكثافة فصائل التطرف التي عشّشت في سوريا، وهي من كل حدب وصوب. وبالضرورة، كان واجبًا أن تقفز أمن حدودنا الشمالية وضمان عدم اختراق السيادة الأردنية إلى المقدمة، أما من الميليشيات أو من تجّار ومروّجي المخدرات، فكان لا مناص من التنسيق السياسي والأمني، وبالضرورة البحث الجدي عن صناعة أفق للتسوية في سوريا وعودة السلم الأهلي لربوعها، دون أن يكون ذلك على حساب القضية الأم وأحداث لبنان المتتالية. هذا كان في زمن وفترة التحولات الجيوسياسية والحرب الباردة، بحيث امتلك رؤى تعزيز مواقف الأردن على الساحة الدولية، وسعى لضمان دعم روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقًا) للأردن. وفي ظل توترات العالم العربي، مرّت في الثمانينات تغييرات كبيرة بفعل الأحداث في فلسطين والضفة ولبنان والعراق والسودان ومصر وليبيا وتونس، ومن زاوية توزيع وتنويع خيارات الأردن الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية وتحقيق التوازن في السياسة الخارجية، ودور الأردن كطرف مؤثر في القضايا الإقليمية والدولية، مما أثْرى علاقات الأردن مع القوى الكبرى في العالم. وخارج إطار السيطرة السياسية، إما بالولاء أو التبعية أو كليهما، وبالاتفاق الضمني أو التقاسم المصلحي، لكل من الدولتين العظميين: بريطانيا وأمريكا. ولأجل ذلك كانت نشأته (أي الأردن) وازدهاره، بخلاف استمراره تحت رحمة الإنعاش الاقتصادي الخارجي، إما من أمريكا أو بريطانيا، وكلاهما تملكان استراتيجية التحول لا الثبات، وفق متغيرات العصر ومصالحهما العليا.! أن ندرك، والعام الجديد على الأبواب، أن التغيير الحقيقي الصحيح لا يكون إلا بتطبيق حرفي لمنظومة التحديث السياسي، والرؤية الاقتصادية، والتحديث الإداري، التي بين طيّاتها الحرص على السيادة الوطنية، والقرار المستقل، والتحالفات والاتفاقيات الاستراتيجية. هي ما نذهب إليه إلا لخدمة مصالح الأردن، وبتزامن مع تمتين لحمة النسيج الاجتماعي ووحدة الأردنيين، مقدمةً لمشروع وحدة الأمة، بمزيد من الحكم الرشيد، وبالاستمرار في تنقيح الدستور الأنقى وتعديله، وتجهيز برامج للحكم الإداري والاقتصادي والتعليم والسياسة الخارجية المتوازنة، بالطبع لا تخرج إلا عن استراتيجية وطنية لا تراعي أحدًا ولا تتزلف لأحد، ولا هي "في جيب أحد"، اللهم مع ما يجري من مستجدات في الإقليم من حولنا بوعي، فنتجنّب أن نضل أو نُستغل.! واضح أنه من الغباء الاعتقاد أن استراتيجية الأردن خاضعة أو منجذبة تارةً لأمريكا، وحين تدير ظهرها له أو تختلف الرؤى السياسية، فيُحتل "مسك الأردن من الكتف الذي يؤلمه"، فيلوذ نحو لندن أو بروكسل. وربما تذهب ببعض خبثاء السياسة والمتآمرين عليه تاريخيًا، إلى أنه يمارس دورًا وظيفيًا صنعه دهاقنة تل أبيب وجنرالات التلمود – لا سمح الله. وكأننا دولة وكيان كرتوني تتقاذفه الرياح، بينما مئة وخمس سنوات من عمره، وتسع وسبعون سنة مضت على استقلاله، وربع قرن من حكم الملكية الرابعة، لا ندرك أننا نصنع من تلاشي مفهوم الدولة – بفعل كثافة التدخلات الآتية من النظام الدولي وسرعة الأحداث التي تنذر بالانهيار – إلى دولة كأمر منطقي بالنظر إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي والمصالح الاقتصادية والسياسية، إلى دولة "فاتحة طريق" على خيارات تعزيز السيادة، وتعظيم وتفعيل القرار المستقل، وتحولات للثبات في كل شيء، إلا خلع ثوابتنا بالمقامرة بمصالح الأردن شعبًا ودولة، وأنه ارتسم على خارطة الشعوب الحية المؤمنة بالمستقبل.!


أخبارنا
منذ 2 ساعات
- أخبارنا
جمال القيسي : حين تصمت الدولة يعلو صوت الفراغ
أخبارنا : في المشهد الإعلامي الأردني اليوم، تتعاظم الحاجة إلى مراجعة جذرية لطريقة تعاطي الدولة مع الفضاء الرقمي ومنصات التعبير. فالعالم يتغير بسرعة، والصراع لم يعد على الجغرافيا فقط؛ بل على المعنى، وعلى من يملك القدرة على رواية القصة أولًا وبذكاء. في هذا السياق، لا يكفي أن تكون الدولة محقة في سياساتها، بل يجب أن تكون حاضرة في خطابها، واثقة في رسالتها، وقادرة على الوصول إلى مواطنيها وإقناع الرأي العام الإقليمي والدولي بلغة هادئة ومؤثرة. لكن، ماذا لو غابت الدولة عن هذا الميدان؟ من يملأ الفراغ؟ ومن يصوغ روايتها؟. إن التراخي والارتجال في إدارة إعلام الدولة قد يتحول إلى مأزق سياسي، فإننا نستذكر هنا حادثة مفصلية: ففي عام 2004، ألقى المهندس علي حتر محاضرة في مجمع النقابات المهنية بعنوان "لماذا نقاطع أمريكا". ما لبث أن تم توقيفه على خلفية تصريحاته، وسُجّلت بحقه دعوى جزائية، وفي يناير 2005، سأل الرئيس الأمريكي جورج بوش جلالة الملك عبد الله الثاني خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض عن قضية توقيف حتر، في إشارة واضحة إلى أن إجراءات التضييق على الإعلام لا تبقى محلية، بل هي قابلة دائما للتحول إلى عبء دبلوماسي. في قرار حجب عدد من المواقع الإلكترونية الأردنية مؤخرًا، لم نخسر فقط معركة إعلامية، بل كشفنا عن ارتباك في علاقتنا مع الحريات، وخلل أعمق في قدرتنا على إدارة الصورة الإعلامية العامة للأردن. والمشكلة لا تقف عند هذا القرار، بل تمتد إلى غياب المنهجية الاتصالية الوطنية الواضحة التي تعرف متى تتحدث، ومتى تصمت، ومتى تشرح. وهذا ما يجعلنا عرضة للاجتهادات غير المتخصصة والارتجال العاطفي المشحون. ما يجعل المشهد أكثر تعقيدًا أن الرواية السياسية الأردنية ليست هشّة، بل تتمتع بالتماسك والرصانة في المضمون، ولها ما تسنده من مشروعية دستورية وسياسية وتاريخية. لكنّ هذا العمق لا يجد طريقه إلى المنصات الإعلامية الرسمية، التي غالبًا ما تكتفي بردود فعل متشنجة، أو تغيب تمامًا حين تشتد الحاجة إلى صوتها. في هذه المساحة الفارغة، تتسلل روايات بديلة، مغرضة وعدائية ومجتزأة، لكنها تجد من يصغي إليها، لأنها فراغ حل مكان صمت الدولة. الحزب الديمقراطي الاجتماعي الأردني قالها بوضوح في بيانه الأخير، المنشور على موقع عمون الأربعاء: إن قرار الحجب لا يدحض الأخبار الكاذبة، بل يزيد من مساحات الغموض ويعمق أزمة الثقة بين الدولة والمواطن. هذا النوع من القرارات يعطي إشارات سلبية إلى الداخل والخارج معًا، ويغذّي الانطباع أن الدولة تخشى النقد أو لا حجة لديها للرد. المؤشرات العالمية في هذا السياق تتحدث بوضوح: تقرير "مراسلون بلا حدود" لعام 2024 وضع الأردن في المرتبة 122 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة. أما Freedom House فصنّف الإنترنت لدينا بأنه "جزئي الحرية". هذه المؤشرات لا تُقرأ في معزل عن السياق الاقتصادي والسياسي؛ المستثمر الدولي اليوم لا ينظر فقط إلى معدل النمو أو الضرائب، بل إلى البيئة السياسية: هل تسمح بحرية التعبير؟ هل تُدار الأزمات بالمكاشفة أم بالحجب؟. لقد باتت حرية الإعلام جزءًا من سمعة الدولة (Country Brand)، وعنصرًا مؤثرًا في ثقة الأسواق، وفي تصنيف مؤسسات التصنيف الائتماني. وإذا كان الأردن حريصًا على جذب الاستثمارات، فإن عليه أن يدرك أن الحريات العامة لم تعد ترفًا، بل ضمانة للاستقرار. اليوم يتجاوز الإعلام وظيفته التقليدية، فلم يعد مجرد مرآة تعكس المواقف، بل منصة لتسويق الرؤية الوطنية للدولة. وليس من وظائف الإعلام أن يعكس ما تقوله الدولة فقط، بل أن يُحسن صياغته وتسويقه في "سوق الأفكار" العالمية. الإعلام المحترف لا يكتفي بالبث الرسمي، بل يبني محتوىً ذكيًا، ومتفاعلًا، وقادرًا على تحويل الثوابت الوطنية إلى خطاب مقنع ومؤثر ودائم. ومن هنا، فإن الإعلام ركيزة أساسية وليس ترفا أو ملحقا بسياسة الدولة، بل صار في قلبها، يروّج لهويتها، ويصوغ صورتها في الخارج، ويعيد تشكيل الثقة الداخلية. وإن غياب هذا الدور، أو اختزاله، هو ما يفتح الباب للفراغ السردي، الذي تملؤه الجهات المضادة أو الأصوات المتربصة. وإذا كان هناك من يخشى الانفتاح الإعلامي، بحجة الحفاظ على الأمن أو الاستقرار، فإن التجارب الدولية تثبت العكس. في العام 1975، بعد نهاية عهد الجنرال فرانكو، لم تلجأ إسبانيا إلى قمع الإعلام لضبط المرحلة الانتقالية، بل على العكس: تأسست صحيفة El País كمنبر للحرية والتعددية، وساهمت في ترسيخ الديمقراطية، وأصبحت اليوم من كبريات الصحف الأوروبية التي تُمثّل صوتًا وطنيًا وحقوقيًا في آن. وفي أوروبا الشرقية، بعد سقوط جدار برلين، كانت الحريات الإعلامية أحد أعمدة إعادة بناء الثقة بالدولة. حين تغيب الدولة عن الفضاء الإعلامي، لا يبقى الحيز فارغًا، بل تمتلئ ساحاته بأصوات أخرى، تحمل أجندات أخرى، وقدرة على التأثير. لذلك، فإن التحدي ليس في إسكات هذه الأصوات، بل في أن تكون روايتنا كدولة محكمة وعميقة، وأقدر على الإقناع، وهذا لا يتحقق بالحجب، بل بالحضور وتفكيك الخطاب المضاد.