logo
خبيران للجزيرة نت: إسرائيل تجاوزت واشنطن وورطتها في التصعيد مع إيران

خبيران للجزيرة نت: إسرائيل تجاوزت واشنطن وورطتها في التصعيد مع إيران

الجزيرةمنذ 19 ساعات

واشنطن- تواجه واشنطن موقفا معقدا بعد الضربات الجوية الإسرائيلية على منشآت في إيران ، والتي نُفّذت دون تأكيد رسمي بوجود تنسيق مسبق مع الولايات المتحدة، رغم تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي توحي بعلم مسبق أو موافقة ضمنية.
وشنت إيران هجوما صاروخيا واسعا ردا على الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت منشآت داخل أراضيها، وهددت باستهداف قواعد عسكرية أميركية في الخليج والعراق وسوريا.
واكتفى ترامب في تصريحاته بالإشارة إلى أنه "أعطى مهلة 60 يوما لإيران" قبل تنفيذ الهجوم، دون أن يؤكد أو ينفي مشاركة بلاده. وهو ما يثير تساؤلات بشأن حقيقة دور الولايات المتحدة وحجم التنسيق، وحدود تأثير أميركا الفعلي في حليفتها الأبرز في المنطقة.
كما يرى محللون أن هذه التصريحات المتحفظة والغامضة تعكس حالة ارتباك داخل الإدارة الأميركية، التي تجد نفسها الآن بين شُبهة التواطؤ من جهة، والعجز عن ضبط شركائها من جهة أخرى.
علم دون تنسيق
في قراءة تحليلية لتصريحات ترامب، ترى باربارا سليفان، الخبيرة في السياسات الأميركية تجاه إيران ومديرة "مبادرة مستقبل إيران" السابقة في المجلس الأطلسي، أن ترامب تقدّم فعلا لإيران بمقترح دبلوماسي خلال الأسابيع الماضية، "لكنه تضمّن شرطا طالما رفضته طهران، وهو التخلي الكامل عن تخصيب اليورانيوم على الأراضي الإيرانية، مما يجعله مقترحا غير مقبول".
وتشير سليفان -في حديثها للجزيرة نت- إلى أن "ترامب ربما لم يمنح الضوء الأخضر رسميا، لكنه أيضا لم يمنع العملية، معتقدا أن الضربة ستدفع إيران للعودة إلى طاولات المفاوضات، لكن التطورات أظهرت العكس تماما". كما أكدت أن الولايات المتحدة كانت على علم بالعملية استنادا إلى قرار إجلاء الموظفين غير الأساسيين من بعض مواقعها في المنطقة قبل الضربة.
وجاء الهجوم الإسرائيلي قبل أيام من موعد كان من المرتقب فيه انطلاق جولة جديدة من المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران في سلطنة عُمان. حيث كان يسعى الجانب الأميركي إلى التوصل إلى اتفاق تفاوضي مع طهران بشأن برنامجها النووي ، وهو ما تعارضه إسرائيل بشدة.
ويستبعد حافظ الغويل، كبير الباحثين في معهد الدراسات الدولية بجامعة جونز هوبكنز في واشنطن، أن تكون إسرائيل قد نسّقت مع واشنطن قصف إيران. ويقول "واشنطن اليوم في موقف لا تُحسد عليه، لقد تم إبلاغ أميركا مسبقا، لكن دون تنسيق فعلي، وأعتقد أن ترامب حاول إيقاف الضربة، لكنه لم ينجح".
ويضيف -في حديثه للجزيرة نت- أن "إسرائيل ورّطت واشنطن في التصعيد العسكري ووضعتها أمام خيارين أحلاهما مر: إما الاعتراف أنها كانت على علم وموافقة، مما يعني أنها كانت تتفاوض بسوء نية، أو القول إنها لم تكن موافقة وتظهر بموقف الدولة العاجزة عن التأثير في أقرب حلفائها".
"لم تعد ممكنة"
وهددت إيران باستهداف قواعد أميركية ردّا على ما تعتبره "تورطا أميركيا في العدوان". وقال المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني إن "القواعد الأميركية لن تكون في مأمن".
وفي السياق ذاته، رفعت وزارة الدفاع الأميركية مستوى التأهب في قواتها بالمنطقة تحسبا لأي رد إيراني موسّع، ودفعت بتعزيزات بحرية إلى مناطق إستراتيجية بالخليج وعززت أنظمة الدفاع الجوي في قواعدها العسكرية بالعراق وسوريا.
وبشأن آفاق الحوار الأميركي الإيراني، ترى الخبيرة سليفان أن فرص استئناف أي مسار تفاوضي صارت "شبه معدومة" في ظل استمرار التصعيد العسكري بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني من جانب، والتمسك الأميركي بمطالب وقف تخصيب اليورانيوم بالكامل، من جانب آخر.
وتضيف "نتنياهو تصرّف وكأنها الفرصة الوحيدة لضرب إيران على نطاق واسع، والآن علينا جميعا أن نتحمّل العواقب".
وعن تأثير الهجوم على علاقات أميركا بحلفائها الإقليميين خاصة دول الخليج، تقول "لا شك أن دول الخليج قلقة للغاية من هذا التصعيد، لأنه يقوّض كل خططها التنموية ويهدد جاذبيتها الاقتصادية"، وتضيف "من سيغامر اليوم بإطلاق استثمارات جديدة في المنطقة؟".
من جهته، يحذّر الغويل من أن "إسرائيل بهذه الخطوة تجر الولايات المتحدة جرّا نحو الحرب، وسحبت البساط من تحت جهودها الدبلوماسية، وتضع واشنطن في مأزق إستراتيجي يتزامن مع اقتراب استحقاقات انتخابية داخلية. وقال إن واشنطن تواجه الآن تبعات مباشرة لتحرك لم تكن مستعدة لتحمّل كلفته.
وفي ظل تصاعد التوتر بين طهران وتل أبيب، تجد الإدارة الأميركية نفسها مطالبة باتخاذ موقف واضح من التصعيد، وسط انقسام داخلي بين تيارات تدعو إلى التهدئة، وأخرى تضغط من أجل دعم غير مشروط لإسرائيل.
ورغم أن ترامب لم يعلن موقفا حاسما بعد الضربة، فإن محللين يرون أنه يفضّل إبقاء واشنطن في موقع المناورة من دون الانخراط المباشر في مواجهة مفتوحة مع إيران.
ويرى الغويل أن أي خطوة أميركية مقبلة ستكون محكومة باعتبارات انتخابية داخلية، حيث "يسعى ترامب إلى تجنب الغرق في نزاع جديد قد يورّطه أمام قاعدته الانتخابية التي دعمته على أساس وعود بإنهاء الحروب في المنطقة وليس الانخراط في نزاعات جديدة".
وبحسب التقديرات الأمنية، فإن أي رد إيراني مباشر أو موسّع قد يدفع واشنطن إلى إعادة تقييم تموضعها العسكري في المنطقة، وربما نشر مزيد من التعزيزات لحماية المصالح الأميركية وقواعدها المنتشرة في الخليج والعراق وسوريا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

في هروبه إلى الأمام.. نتنياهو يشعل حربًا جديدة
في هروبه إلى الأمام.. نتنياهو يشعل حربًا جديدة

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

في هروبه إلى الأمام.. نتنياهو يشعل حربًا جديدة

فجأة، تلاشى الحديث عن إخفاقات نتنياهو العسكرية والسياسية في حرب غزة التي طالت! غابت الانتقادات، وانتهى الكلام عن الاتهامات الموجهة إليه بارتكابه جرائم حرب، وطُويت التقارير التي تتحدث عن استطلاعات للرأي، تؤكد انخفاض نسب التأييد له في أوساط الإسرائيليين ووصولها إلى الحضيض؛ فالحدث قد وضع حدًا لذلك كله، وصوت المعركة أسكت كل صوت سواها. بعدما وصل التحالف الحكومي إلى حالة ضعف قصوى، جاءت الضربة التي أطلقها بنيامين نتنياهو لتكون بمثابة "تنفيس" يستعيد فيه صورة القائد القوي، ويُحوّل الصراع الداخلي إلى مواجهة خارجية. وهذا ما أكدته صحيفة "ميدل إيست آي" في إشارتها إلى أن الإغارة جاءت في لحظة ضعف مزدوج؛ أصاب الداخل الإيراني من جهة، وترك أثره -من جهة أخرى- في الموقف السياسي لنتنياهو، الذي اختار التعزيز بدلًا من الحوار. في عالم السياسة، تطالعنا أمثلة تاريخية لقادة، يبدو مسلك نتنياهو نوعًا من السير على خطاهم، قادة اتُّهموا بأنهم أشعلوا أو وسّعوا حروبًا خارجية لصرف الأنظار عن أزمات أو استحقاقات سياسية داخلية هروب إلى الأمام هكذا يسمونه، وهكذا هو الحال عندما يواجه القائد واقعًا صعبًا وأزمات متلاحقة، تضطره لصرف الأنظار عن حقيقة المشهد الذي يحمل دلائل إدانة تحاصره، واستحقاقات تدفع لوضعه في قفص الاتهام، فيتهرب من ذلك كله بإحداث واقع جديد، وتفجير حدث طارئ قد يفتقر إلى المنطقية والجدوى على الصعيد العام، لكنه يقدم له على المستوى الشخصي خدمة إسعافية، ويمد له حبل إنقاذ من خلال إلهاء الآخرين، وصرفهم عن ملاحقته. صورة حاضرة تحاكي ماضيًا في عالم السياسة، تطالعنا أمثلة تاريخية لقادة، يبدو مسلك نتنياهو نوعًا من السير على خطاهم، قادة اتُّهموا بأنهم أشعلوا أو وسّعوا حروبًا خارجية لصرف الأنظار عن أزمات أو استحقاقات سياسية داخلية. واحد من تلك الأمثلة نجده في مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء المملكة المتحدة بين عامي 1979 و1990، وذلك من خلال إطلاقها حرب الفوكلاند (1982). كانت تاتشر تواجه أزمات اقتصادية شديدة، ونِسب تأييد متدنية في استطلاعات الرأي، وكانت المعارضة تطالب بانتخابات مبكرة بعد موجة بطالة ضخمة واضطرابات داخلية، ثم كان أن غزت الأرجنتين جزر فوكلاند (التابعة لبريطانيا)، وكان يمكن لبريطانيا أن تسعى لتسوية دبلوماسية، لكن تاتشر قررت الردّ عسكريًا، وأطلقت حربًا لاستعادتها، ونجحت في ذلك. وبالنتيجة، قفزت شعبيتها إلى أعلى مستوياتها، وفازت في الانتخابات عام 1983 بأغلبية ساحقة. أما بيل كلينتون (رئيس أميركي سابق) فقد وجد في قصف السودان وأفغانستان (1998) سبيلًا للهروب من ملاحقة فضيحة "مونيكا لوينسكي" له، فكان أن أمر كلينتون بضرب مصنع في السودان ومعسكرات في أفغانستان؛ بحجة ضرب "القاعدة" بعد تفجير سفارتي أميركا في كينيا وتنزانيا. وبالوصول إلى تاريخ أقرب، نجد من يضع فلاديمير بوتين في هذه الخانة من خلال غزوه لأوكرانيا (2022)؛ فقد كانت روسيا تعاني من ركود اقتصادي، واحتجاجات متزايدة، وتراجع في شعبية بوتين، وحدث تململ سياسي في الداخل بسبب الفساد، والسجناء السياسيين كـ"نافالني"؛ فجاء غزو بوتين أوكرانيا بالكامل، معلنًا أن الهدف هو "نزع السلاح النازي"، رغم أن التهديد الأوكراني لم يكن مباشرًا. وكانت النتيجة أن ارتفعت شعبيته مؤقتًا في الداخل الروسي، وفرض سيطرة أكبر على الإعلام والمعارضة.. لكنه واجه لاحقًا عقوبات غير مسبوقة وانهيارًا اقتصاديًا. تشابه واختلاف رغم حقيقة وجود سلوكيات سابقة، مشابهة لما سار عليه نتنياهو، فالشبه بين السابق واللاحق -كما يبدو لي- محدود؛ ففي الحالات التي أشرنا إليها كان تأثير القائد محكومًا بدرجة من الانضباط من جهة، والمراقبة من الدولة العميقة من جهة أخرى، كما أن واقع قوة الدولة أعطاها درجة من الحصانة والثبات في التعامل مع تبعات الحدث. لكن القراءة المتعمقة لواقع دولة الكيان الصهيوني اليوم توحي بأن التصرف الأرعن لنتنياهو قد جاء في وقتٍ، تعاني فيه الدولة والمجتمع درجة فظيعة من الهشاشة، وقراره الأخير بشن الهجوم على إيران قد تبع شهورًا من حربه على غزة، في رده على عملية "طوفان الأقصى" التي استنزفت الكيان الغاصب وأظهرت حقيقة خلله وعواره. ويُضاف إلى ذلك كله أن نتنياهو قد تقدم على أسلافه بأشواط في استهتاره بمعايير الدولة التي لا تنسجم مع اعتباره لشخصه. لقد بدأ نتنياهو الحرب، والحرب شرارة أشعلها، لكنه لن يضمن أمر إخمادها وفق هواه.. فأي مسار ستقود إليه مغامرات نتنياهو؟ وإلى أين ستنتهي؟ نحن لا نملك علم الغيب، ولكننا نقرأ التاريخ، والتاريخ ينبئنا أن الدولة المتغطرسة قد تدمر دولًا أخرى ثم تنتهي.. أما الزعيم المتغطرس، فقد تقوده سياسته إلى أن يدمر دولته ثم ينتهي.

نتنياهو يتوعد إيران ويؤكد مواصلة الحرب حتى "إزالة التهديد النووي"
نتنياهو يتوعد إيران ويؤكد مواصلة الحرب حتى "إزالة التهديد النووي"

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

نتنياهو يتوعد إيران ويؤكد مواصلة الحرب حتى "إزالة التهديد النووي"

توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إيران وأكد مواصلة الحرب ضدها حتى إزالة "التهديد النووي"، على حد وصفه. وقال نتنياهو سنحقق أهداف الحرب ونزيل التهديد النووي الذي تمثله إيران، مضيفا أن إسرائيل تخوض معركة وجودية، و"أعتقد أن كل مواطن في إسرائيل يفهم ذلك الآن"، متوعدا إيران بـ"دفع ثمن باهظ جدا على قتل المدنيين النساء والأطفال"، على حد تعبيره. وقد أسفرت الهجمات الإيرانية على بلدة بات يام عن مقتل 6 إسرائيليين وإصابة 200 آخرين، إضافة إلى تضرر عشرات المنازل والمباني، علما بأن وسائل إعلام إسرائيلية تحدثت عن أعداد أكبر. من جانبه قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن مصير طهران كمصير بيروت. لا مفر منها بدوره قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إننا "نخوض حربا لا مفر منها في مواجهة تهديد وجودي من إيران ضمان أمننا ووجودنا ومستقبلنا". وأشار سموتريتش إلى أن إيران تندفع نحو القنبلة النووية وتضاعف إنتاج الصواريخ وتعمل على تحسين قدراتها بشكل كبير، وقال "لو لم نتحرك الآن ضد إيران لكنا نواجه تهديدا ثلاثيا بل رباعيا". كما قال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إنه كان لا بد لإسرائيل أن تهاجم البرنامج النووي الإيراني، مؤكدا مواصلة الهجوم. إعلان وبدأت إسرائيل فجر الجمعة، بدعم ضمني من الولايات المتحدة، هجوما واسعا على إيران بعشرات المقاتلات، أسمته "الأسد الصاعد"، وقصفت خلاله منشآت نووية وقواعد صواريخ بمناطق مختلفة واغتالت قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين.

الطوفان والشرق الأوسط الجديد
الطوفان والشرق الأوسط الجديد

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

الطوفان والشرق الأوسط الجديد

استيقظنا صباح يوم الجمعة الفائت على أخبار، تؤكّد أن الشرق الأوسط قد تغيّر تمامًا عما عهدناه لعقود! هذا التغيّر لم يكن لحظة طارئة أو مفاجئة، بل جاء نتيجة موجات متلاحقة انطلقت من الزلزال الذي أحدثه "طوفان الأقصى". ولا أعرف من أطلق هذا الاسم على عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، لكن من المؤكد أن ذلك لم يكن مجرد توصيف إعلامي، بل هو تعبير نابع من بصيرة إستراتيجية؛ فالطوفان لم يكن حدثًا محصورًا بقطاع غزة أو فلسطين، بل كان لحظة مفصلية ستترك آثارًا عميقة في البنية السياسية والجيوسياسية للمنطقة. من أطلق هذا الاسم أدرك -على الأرجح- أن تداعيات العملية لن تتوقف عند حدود جغرافية، بل ستطول خريطة "سايكس- بيكو" التي باتت على وشك الانهيار، كما ستُحدِث اهتزازًا في البنية الذهنية للعقل الصهيوني، وربما في أسس المشروع الصهيوني ذاته. ولعل من ينظر بتمعّن في المشهد الراهن، ويقارن ما يجري اليوم بما جرى في نكسة 1967، سيدرك أن لحظات الانكسار أو التحول الكبرى هي التي تعيد تشكيل مسار التاريخ؛ فتلك الهزيمة لم تكن مجرد خسارة ميدانية، بل كانت زلزالًا ثقافيًّا ونفسيًّا للعرب والإسرائيليين على حد سواء، وقد دخلت المنطقة إثرها في مسار لا نزال نعيش ارتداداته حتى اليوم. طوفان الأقصى يشبه في طبيعته حالة "تسونامي جيوستراتيجي".. يبدأ بموجة صادمة، لكنها ليست سوى بداية لسلسلة ارتدادات أشد وقعًا؛ فالزلزال لا يحدث على السطح، بل في أعماق المحيط حيث تتحرك الصفائح التكتونية، تمامًا كما تتحرك الآن التوازنات الدولية، والتحالفات الإقليمية، وخطابات القوة. عند النظر إلى حرب يونيو/ حزيران عام 1967، نجد أنها لم تدم سوى ستة أيام، لكنها غيّرت وجه المنطقة لعقود؛ فالعبرة لم تكن في مدة الحرب، بل في آثارها العميقة سياسيًّا وإستراتيجيًّا. واليوم، يُمكن القول إن "طوفان الأقصى" كان بمثابة لحظة زلزالية مشابهة نحن أمام تحوّل بنيوي لا حدث طارئ، وما نراه اليوم ليس سوى بداية لتغيرات قد تُعيد رسم الجغرافيا السياسية، وخرائط النفوذ، والأهم في كل ما جرى ليس سقوط الأبراج ولا تبدّل موازين القوى، بل التحوّل الذي بدأ يصيب الوعي الجمعي في المنطقة! فكيف نفهم ما حصل؟ وما هي تداعياته على شكل الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة؟ عند النظر إلى حرب يونيو/ حزيران عام 1967، نجد أنها لم تدم سوى ستة أيام، لكنها غيّرت وجه المنطقة لعقود؛ فالعبرة لم تكن في مدة الحرب، بل في آثارها العميقة سياسيًّا وإستراتيجيًّا. واليوم، يُمكن القول إن "طوفان الأقصى" كان بمثابة لحظة زلزالية مشابهة، لكن من نوع مختلف. العملية لم تُصِب إسرائيل عسكريًّا فحسب، بل ضربت العقل الإسرائيلي في عمقه! ويجب أن نُدرك هنا أن الجيل الجديد من الإسرائيليين لم يأتِ مهاجرًا، بل وُلِد ونشأ في هذه الأرض، ما يجعل بنية وعيه أكثر حساسية للأمن وأقل تحمّلًا للهزّات. وهذا ما جعل الصدمة المعنوية التي تلقّاها ذلك العقل تفوق الأثر العسكري الملموس. أما على الصعيد السياسي، فقد أعادت العملية رسم خطوط الاشتباك في المنطقة، ودفعت بالصراع إلى بُعدٍ أوضح: لم يعد النزاع على فلسطين وحدها، بل بات صراعًا بين مشروعين يسعيان لتسيّد المنطقة، الأول تقوده إيران عبر أذرعها، والثاني تقوده إسرائيل بدعم غربي مباشر. الرد الإسرائيلي لم يتأخر، فجاءت ضرباته شاملة لأغلب أذرع إيران في المنطقة، وعلى رأسها "حزب الله"، الذي وصفه نتنياهو مرارًا بأنه "محور المحور".. لقد تلقى الحزب ضربات مؤلمة وغير مسبوقة، ولم تتدخل إيران كما كان يُتوقع. هذا التراجع في التفاعل الفوري، لا سيما بعد اغتيال رموز مهمة، كشف خللًا في وحدة الساحات، وأدى إلى تراجع الحضور الإيراني في سوريا، وصولًا إلى تقويض النظام نفسه هناك ثم سقوطه. وبذلك، بدأت أوصال "الهلال الشيعي" بالتفكك، وتحوّلت الجغرافيا التي كانت تُصوَّر كممر موحد إلى جزرٍ منفصلة متباعدة. بعد ذلك، جاءت الضربة الإسرائيلية المباشرة لإيران، والتي غيّرت ميزان الردع في المنطقة.. وهنا تُطرح الأسئلة الكبرى: أهذا التغيير دائم أم لحظة عابرة؟ أفقدت إيران قدرتها على الرد، أم إنها متمسكة بخطاب "الصبر الإستراتيجي" الذي استنزف مصداقيتها؟.. الحقيقة أن هذا الصمت المربك، وهذا التريّث الطويل، هو ما فتح شهية إسرائيل لمزيد من التجرؤ. رغم أن إيران فقدت السيطرة على العديد من أوراقها الإقليمية في السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال تحتفظ بعدد من الأوراق القوية التي قد تمكّنها من إعادة التوازن -ولو جزئيًّا- في معادلة الصراع لقد بات واضحًا أن إسرائيل أدركت أن الضرب في عمق النفوذ الإيراني لم يعد يُقابَل برد مباشر، لا من طهران ولا من حلفائها؛ فـ"حزب الله" -الذي لطالما اعتُبر الخط الأول في منظومة الأمن القومي الإيراني، بل "دُرّة التاج" كما يُقال- تلقّى ضربات موجعة دون أن يتغير موقف إيران.. هذا التراخي في الدفاع عن الحلفاء، وغياب الردع، جعل إسرائيل تتصرف وكأن لا أحد يردعها، وهو ما يضع مستقبل الإقليم أمام منعطف خطير. هذه الضربات التي تعرّض لها حلفاء إيران وأذرعها، جعلت بنيتها الأمنية مكشوفة، وأسقطت ما يُسمى بالجدار الأمني الإستراتيجي. ونتيجة لعدم الرد أو التحرك، انتقلت إسرائيل من مجرد التفكير في ضرب المشروع النووي الإيراني إلى مرحلة التفكير بإسقاط النظام الإيراني نفسه! وهنا يُطرح السؤال: هل تمتلك إيران القدرة على الدفاع عن نفسها في مواجهةٍ لم تعد مقتصرة على إسرائيل فقط، بل قد تشمل تحالفًا غربيًّا واسعًا، وربما بموافقة عربية ضمنية أو مباشرة؟ إن سقوط الهيبة الإيرانية، وانهيار ما يُعرف بـ"الصمت الإستراتيجي" الذي أُسقِط بفعل "الوجع الإستراتيجي" الذي ألحقته إسرائيل، يجعل من غير الممكن لإيران أن تبقى ساكنة، بل قد تجد نفسها مضطرة للتحرك بقوة، وربما الإقدام على إطلاق صواريخها الإستراتيجية باتجاه العمق الإسرائيلي، في محاولة لاستعادة توازن الردع المفقود. رغم أن إيران فقدت السيطرة على العديد من أوراقها الإقليمية في السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال تحتفظ بعدد من الأوراق القوية التي قد تمكّنها من إعادة التوازن -ولو جزئيًّا- في معادلة الصراع. أبرز هذه الأوراق هي قدرتها المستمرة -حتى الآن- على إنتاج القنبلة النووية، رغم الضربات الأمنية المؤلمة التي تعرض لها برنامجها النووي. أما الورقة الثانية فتتمثل في موقعها الجغرافي الإستراتيجي، وتحديدًا في إشرافها على مضيق هرمز، أحد أهم شرايين الطاقة العالمية، والذي يمنحها قدرة على التأثير المباشر في أسواق النفط والغاز. أما الورقة الثالثة، فهي ترسانتها الصاروخية المتقدمة، التي لا تزال تشكّل مصدر تهديد فعلي، خاصة لإسرائيل، حيث تمتلك إيران القدرة على توجيه ضربات موجعة في حال اندلاع مواجهة شاملة. ضرب مراكز القيادة السياسية ليس مجرد ردع مؤقت، بل يُعدّ خطوة تمهيدية أولى في مسار يستهدف إسقاط النظام كليًّا. لذلك، جاء الرد الإيراني عنيفًا، في محاولة لاستعادة هيبة الردع وإيصال رسالة قوية للخصوم لكن يبقى أن الورقة الأهم -وربما الحاسمة- هي التخلي النهائي عن سياسة "الصبر الإستراتيجي" التي تبنّتها طويلاً، وأن تستبدل بها منطق المواجهة المباشرة. فهذه ليست معركة دبلوماسية، ولا مجال لمساومات السجاد، بل هي حرب وجودية تتطلب حسمًا وردعًا لا انتظارًا ومراوغة. لعلّ ما جرى فجر الجمعة، وما تزال ارتداداته مستمرة حتى الآن في قصف متبادل، يشير بوضوح إلى أن إيران بدأت تُدرك خطورة ما يجري، وأن الأمر لم يعد يقتصر على استهداف مشروعها النووي، بل بات يستهدف النظام السياسي نفسه، وبنيته القيادية؛ فضرب مراكز القيادة السياسية ليس مجرد ردع مؤقت، بل يُعدّ خطوة تمهيدية أولى في مسار يستهدف إسقاط النظام كليًّا. لذلك، جاء الرد الإيراني عنيفًا، في محاولة لاستعادة هيبة الردع وإيصال رسالة قوية للخصوم. لكن، وعلى الرغم من عنف الرد، فإنه لم يكن بمستوى الخسائر التي تكبّدتها إيران، لا من حيث الحجم ولا من حيث التأثير. وهو ما يطرح تساؤلاً ملحًّا: هل يكفي هذا الرد؟ الواقع يُشير إلى أن الرد المطلوب يجب أن يكون أقوى وأشد وقعًا بكثير، إذا ما أرادت إيران فعلاً أن تُعيد رسم قواعد الاشتباك، وتمنع خصومها من الاستمرار في سياسة الاستنزاف والإضعاف التدريجي. ما نتائج هذه المواجهة بين "شرطيي المنطقة"؟ وما الأثر الحقيقي الذي سيترتّب على هذا الصراع؟.. كمواطن عربي، أقف أمام هذا المشهد بمشاعر متضاربة. في جانب من هذه المشاعر، ينتابني حزن عميق حين أُدرك أن نتيجة هذا الصراع قد تصبّ في مصلحة إسرائيل، وتعزز من سطوتها ونفوذها، وتقرّبها خطوة من تحقيق حلم "إسرائيل الكبرى"، لا بالمعنى الجغرافي فقط، بل من حيث السلطة والهيمنة والتحكم بمصير المنطقة. ويزداد هذا الحزن عندما أرى أن الخاسر الأكبر في هذا الصراع هم العرب أنفسهم؛ فهم ليسوا طرفًا فاعلًا فيه، ولا يمتلكون أدوات التأثير الحقيقي، بل يتحوّلون إلى ساحات للنفوذ ومواقع للصراع، دون أن يكون لهم دور في تحديد اتجاهاته أو نتائجه. من خلال التوحّش العسكري والسياسي الذي مارسته إسرائيل خلال الأشهر الماضية، بات واضحًا أن تفوّقًا إستراتيجيًّا جديدًا قد فُرض على المنطقة.. هذا التفوق لم يكن مجرد تفوق ميداني، بل هو إعلان عن تحوّل في بنية النظام الإقليمي، خصوصًا في ظل تراجع الدور العربي، وانعزال النظام الرسمي العربي عن الملفات الكبرى في الإقليم. لقد ساهم ضعف كل من سوريا والعراق، وغياب مصر عن دورها التاريخي كقوة إقليمية كبرى، في فتح الطريق أمام هذا التحوّل. وبهذا، نشهد ولادة نظام إقليمي جديد، تُمسك فيه إسرائيل بزمام المبادرة، ويتراجع فيه الدور الإيراني، لكن الأخطر أنه يطول أيضًا الأنظمة العربية التي باتت خارج معادلة القرار، رغم أنها أول من سيتأثر بنتائج هذا الصراع. ومع ذلك، من السابق لأوانه الجزم بنتائج هذه التطورات، إذ لا تزال الأحداث في بداياتها، ولا يمكن بعدُ التكهّن بمآلاتها بدقة. للمقارنة، أدركت أوروبا منذ اللحظة الأولى أن سقوط أوكرانيا يعني فتح البوابة الشرقية أمام التمدد الروسي، فهبّت لمساندتها بكل الوسائل الممكنة، لأن الخسارة هناك تُعدّ هزيمة إستراتيجية تهدد أمن القارة بأكملها. أما في الحالة الفلسطينية، وتحديدًا في ملف غزة، فلم يُنظر إليه من قبل الأنظمة العربية على أنه ملف أمن قومي وإستراتيجي، بل تم اختزاله في اعتباره قضية فلسطينية داخلية. وهذه النظرة الضيقة، هي التي سمحت لإسرائيل بالتمادي، وللنظام الإقليمي الجديد بالتشكل دون مقاومة تُذكر من جانبه العربي. إن التصادم القائم اليوم بين "شرطيي" المنطقة (إسرائيل وإيران) يعيد إلى الذاكرة مشهدًا مشابهًا في التاريخ، حين احتدم الصراع بين الفرس والروم على أرض هذه المنطقة نفسها. في خضم ذلك النزاع، لم يقف النبي ﷺ موقف المتفرج، بل فكّر بطريقة إستراتيجية تتجاوز اللحظة، فاستثمر ذلك الفراغ والنزاع لبناء دولة مستقلة، متحررة من نفوذ الإمبراطوريتين، تمتلك القدرة على الصمود، وتتهيأ لاستعادة الحق حين تحين اللحظة. وهذا بالضبط ما تحتاج إليه المنطقة اليوم! على النخب السياسية والفكرية أن تعي أنها ليست بمأمن من الحريق الذي يلتهم الإقليم، وأن التفرّج أو الارتهان للقوى الخارجية لن يحمي أحدًا.. لا بد من وعي إستراتيجي جديد يعيد بناء الإرادة السياسية، ويستعيد زمام المبادرة، ويُخرج القرار العربي من تحت العباءة الأميركية التي لا ترى في الشرق الأوسط إلا مصالح إسرائيل. إن الخلاص يبدأ من الإدراك بأن المنطقة لن تعود كما كانت، وأن من لا يُبادر اليوم سيُداس غدًا تحت أقدام من يُعيدون رسم خرائط النفوذ، بلا اعتبار لحق ولا لتاريخ.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store