
بعد انسحاب القوات السورية.. كيف يبدو الوضع في السويداء؟
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لفرانس برس إن " السلطات السورية سحبت قواتها العسكرية من مدينة السويداء وكافة أنحاء المحافظة، مقابل انتشار للمقاتلين المحليين الدروز".
ونقل مراسل فرانس برس عن مقاتلين على أطراف المحافظة أن القوات الحكومية تلقت أوامر بالانسحاب قبيل منتصف الليل وأنهت انسحابها فجرا.
وأفاد رئيس تحرير شبكة "السويداء 24" ريان معروف لوكالة فرانس برس، بعيد جولة في مدينة السويداء، بأنها "بدت خالية من القوات الحكومية، لكن الوضع كارثي مع وجود جثث في الشوارع".
وأعلنت وزارة الداخلية والشيخ يوسف جربوع ، أحد أبرز ثلاث مرجعيات روحية في السويداء، مساء الأربعاء التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار، نص على إيقاف كل العمليات العسكرية بشكل فوري وتشكيل لجنة مراقبة من الدولة السورية وشيوخ دروز للإشراف على عملية التنفيذ.
لكن بحسب عبد الرحمن، فإن انسحاب القوات الحكومية "جاء بناء على اتفاق أمني اسرائيلي سوري بوساطة أميركية، بعيد التصعيد الإسرائيلي ضد السلطات ومطالبتها بسحب قواتها من السويداء".
وفي كلمة متلفزة بثّها الإعلام الرسمي فجرا، أعلن الرئيس السوري"تكليف بعض الفصائل المحلية ومشايخ العقل بمسؤولية حفظ الأمن في السويداء"، في خطوة قال إن هدفها "تجنب انزلاق البلاد إلى حرب واسعة جديدة".
وأشاد الشرع بـ"التدخّل الفعّال للوساطة الأميركية والعربية والتركية التي أنقذت المنطقة من مصير مجهول"، متهما "الكيان الإسرائيلي" بأنه "يسعى مجددا إلى تحويل أرضنا الطاهرة إلى ساحة فوضى غير منتهية، يسعى من خلالها إلى تفكيك وحدة شعبنا وإضعاف قدراتنا على المضي قدما في مسيرة إعادة البناء والنهوض".
وأضاف: "كنا بين خيارين، الحرب المفتوحة مع الكيان الإسرائيلي على حساب أهلنا الدروز وأمنهم، وزعزعة استقرار سوريا والمنطقة بأسرها، وبين فسح المجال لوجهاء ومشايخ الدروز للعودة إلى رشدهم، وتغليب المصلحة الوطنية".
وكانت وزارة الخارجية الأميركية حضّت القوات الحكومية السورية على مغادرة منطقة النزاع في جنوب سوريا لخفض التوترات، بعدما شنت إسرائيل سلسلة ضربات على مقر رئاسة الأركان في دمشق ومحيط القصر الرئاسي وأهداف عسكرية أخرى في جنوب سوريا، محذرة دمشق من مغبة التعرض للدروز.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ 19 دقائق
- البوابة
سامح قاسم يكتب: الطائفة الغامضة وسؤال التاريخ
قصة الدروز بدأت من قلب القاهرة الفاطمية حين اختلط اللاهوت بالسياسة وانتهت فى الجبال لا يصوغون برامج أيديولوجية ولا يسعون إلى السيطرة لكنهم يتقنون البقاء فى القلب دون أن يُظهروا الدروز لم يكونوا على هامش السياسة بل كانوا فى قلبها ولكن بطريقتهم الخاصة في تاريخ الشرق الأدنى، لا توجد طائفة أثارت من الأسئلة ما أثارته طائفة الدروز، ولا كُتبت عنها المرويات والأساطير والتأويلات بقدر ما كُتب، غالبًا من خارجها، وفي الغالب ضدها. هم «المواربة في الضوء»، الذين اختاروا العتمة دربًا والرمز لغتهم، كما كتب عنهم ذات مرة أحد المثقفين اللبنانيين. ولكن حين يقترب قلم المؤرخ اللبناني كمال الصليبي، منهم في كتابه «الدروز في التاريخ»، لا يكتفي الصليبي بتقديم قراءة تاريخية لتشكل العقيدة وتطور المجتمع الدرزي، لكنه يغوص في نسيج التحولات الكبرى التي عصفت بالمنطقة، والتي كانت الطائفة جزءًا حيًّا منها لا شبحًا يمرّ خلسة. بين الفاطميين والعباسيين، بين الدعوة الباطنية وولادة النص الديني المقفل، بين السرّ والعزلة، بين الولاء والتمرد، يرسم الصليبي لوحة تتجاوز السرد التاريخي إلى استبطان حيوات جماعة شكلت ـ وما تزال ـ جزءًا من التكوين العميق للمشرق العربي. تبدأ قصة الدروز لا من الجبال التي التجأوا إليها، وإنما من قلب القاهرة الفاطمية، حين بلغ التأويل مداه، وحين اختلط اللاهوت بالسياسة، والتصوف بالفلسفة، والغيب بسلطة الخليفة. ولعلّ هذا هو المفارقة الكبرى في سيرة الطائفة: أنهم انطلقوا من المركز، من ساحة الحكم، لا من الهامش، لكنهم ما لبثوا أن صاروا الهامش الأكثر ثباتًا في جغرافيا الطوائف. في مطلع القرن الحادي عشر الميلادي، كانت الدولة الفاطمية قد بلغت ذروتها، وساد فيها ما يمكن أن نطلق عليه عصر التوتر الديني-السياسي، حيث بات الحاكم بأمر الله، الخليفة السادس للدولة، مركزًا لفوضى التأويل ومبعثًا للانقسامات المذهبية. لقد شهدت فترته تحولات كبرى في البنية العقائدية، وظهرت دعوات باطنية متطرفة، كان من أشدها غلوًّا تلك التي رأت في الحاكم تجليًّا إلهيًّا على الأرض. هنا، وفي هذا المناخ المتقلب، وُلدت دعوة التوحيد الدرزية، لا كنتيجة عرضية بل كمشروع عقائدي - سياسي. ينقل كمال الصليبي هذا الحدث من كونه تفصيلًا تاريخيًّا إلى كونه تحولًا أنطولوجيًّا في الفكر الديني الإسلامي، حيث للمرة الأولى منذ صدر الإسلام، تُطرح فكرة تأليه الحاكم ضمن نسق متماسك من التأويلات الباطنية، لا في أفواه الغلاة، بل في كتب ورسائل تُكتب وتُنشر، وتدعو أتباعها إلى الانفكاك عن ظاهر الشريعة والانتماء إلى الباطن المحض. وإذا كان حمزة بن علي بن أحمد هو المفكر الأبرز ومؤسس الدعوة، فإن شخصية أبو عبدالله محمد الدرزي، التي أعطت الطائفة اسمها، كانت بمثابة الشرارة العنيفة التي أشعلت فتنة التلقي. لقد كان الدرزي حادًّا، صداميًّا، يخطب في المساجد داعيًا إلى تأليه الحاكم، مما أثار غضب العلماء والجماهير، وانتهى بقتله. غير أن حمزة بن علي، وعلى العكس، سلك درب التأسيس المتأني، ووضع معالم المذهب، وكتب الرسائل، ورتب تسلسل المراتب، وقسّم العالم بين ظاهر مموّه وباطن مكشوف للعارفين. ثم جاء عام ١٠٢١م، ليشكّل صدمة روحية كبرى لأتباع الدعوة: اختفاء الحاكم بأمر الله، في ظروف غامضة، دون أن يُعثر له على جثمان، ودون أن يُعلن موته رسميًّا. وهنا، اتخذت الدعوة منعطفًا آخر: فبدل أن تنهار، انتقلت إلى طور الغيبة، وبُنيت فكرة عودة الحاكم الغائب، المخلّص، الذي سيأتي في الزمن الآتي، ليكشف سرّ الوجود. ومنذ تلك اللحظة، أصبح التاريخ عند الدروز شيئًا مؤجلًا، مُعلّقًا. لقد أعلنوا في عام ١٠٤٣م على لسان حمزة بن علي أن باب الدعوة قد أُقفل، وأن لا دعوة بعد اليوم. بهذا الإعلان، تحولت الطائفة من جماعة دعوة إلى جماعة انكفاء، من فكر يطمح للانتشار، إلى فكر يحتمي في النخبة، في الخفاء، في الحصن المغلق للنص والولاء. وهنا، يطرح «الصليبي» تساؤلًا عميقًا: هل كان هذا الانغلاق نتيجة الهزيمة السياسية؟ أم أنه ناتج عن إيمان صادق بتمام العقيدة؟ هل كان فعلًا لحماية السرّ؟ أم لحماية الذات من عالم لا يحتمل الغرابة؟ ليس ثمة جواب قاطع، غير أن المؤكد أن تلك اللحظة ـ لحظة غياب الحاكم وإقفال باب الدعوة ـ هي لحظة الولادة الحقيقية للطائفة كما نعرفها اليوم. ومن هنا تبدأ مسيرتها في الجغرافيا والدم والعزلة، كما تتبعها فصول الكتاب التالية. لقد كانت الدعوة التوحيدية، في أصلها، لحظة حرية دينية مفرطة، بلغت حد القطيعة مع كل ما سبقها. وفي حريتها تلك، استدعت الردع والقمع، فعاد أهلها إلى الجبال، حاملين معهم رسائل الحكمة، وسرّ الدعوة، ووعيًا حادًّا بأن الوجود في العلن، في عالم كهذا، هو ترف لا تملكه الطوائف الصغيرة. ومن هنا، يبدأ تاريخ الدروز كـ«نفيٍ دائمٍ في حضن الذاكرة»، وكما كتب «الصليبي»، فإنهم لم ينسحبوا من التاريخ، بل كتبوه بمدادٍ خفيّ، لا يُقرأ إلا إذا أُصغي إليه جيدًا. رسائل الحكمة.. مرآة سر الجماعة لكل طائفة سرّها. لكن حين يتجلى السرّ في هيئة كتاب، فإن العلاقة بين الجماعة ونصّها تتحوّل من الإيمان إلى الانتماء، ومن الحفظ إلى الحراسة. وهذا ما صنعه الدروز مع رسائل الحكمة، التي لم تكن مجرد نصوص عقائدية، بل وُلدت بوصفها المسكن الروحي لجماعة اختارت أن تُقيم داخل الكلمة، وأن تبني وجودها على التأويل، لا على العلن. في هذا الفصل، يُسلّط كمال الصليبي الضوء على هذا النصّ. كتب الدروز هذه الرسائل في القرن الحادي عشر الميلادي، على يد حمزة بن علي ورفاقه، ووزّعوها داخل دائرة المؤمنين بعد أن أُغلق باب الدعوة، فغدت بمثابة النص المؤسس الذي تُستقى منه العقيدة، وتُصاغ من خلاله الرؤية الكونية. ويصف «الصليبي» هذه الرسائل بأنها أكثر من مجرد تعاليم دينية، فهي تتّسع لتُشكّل منظومة فلسفية كاملة، تمتزج فيها التأويلات الباطنية بالتصوّف، وتتلاقى فيها الحكمة اليونانية بالأفلاطونية المحدثة، وتنبثق من خلالها صورة مغايرة للوجود، قائمة على وحدة الكينونة وتجليات التوحيد، لا على انفصال الإله عن الإنسان. يبدأ النص ـ في جوهره ـ من مبدأ التوحيد الخالص، لا بمعناه الكلامي، بل كحقيقة ميتافيزيقية: لا إله إلا الله، والله هو الكل في الكل، لا يُدرَك بالحواس، وإنما بالبصيرة، لا يُفهم بالظاهر، وإنما بالباطن. وهذا التوحيد لا يُكتفى بالإيمان به، بل يُمارَس عبر تنقية الذات، والسمو بالعقل، والانفصال التدريجي عن المظاهر الخارجية للشريعة، حتى يتحول الإنسان إلى مرآة للحق، كما يصفه «الصليبي». ومن هنا جاءت العقلانية العالية التي ميّزت الرسائل: فقد أسقطت الشعائر، وقللت من شأن الطقوس، وأعلت من مرتبة العقل الكلّي، واعتبرت الأنبياء والأديان محطات في مسيرة الوعي الكوني، لا نهايات للمعرفة. فكان موسى، وعيسى، ومحمد، ليسوا أنبياء منفصلين، بل تجليات لحقيقة واحدة، تتكرّر عبر الأزمنة في صورة إنسانية، لتقود البشرية إلى التوحيد. وهذه الرؤية، وإن بدت على درجة من التصوف، إلا أنها كانت في صلبها مشروعًا لتحرير الدين من السلطة، ولفك الارتباط بين الإيمان والدولة. ولذلك، كما يوضح الصليبي، لم يكن غريبًا أن تثير هذه الرسائل غضب الفقهاء، وتوجّس الخلفاء، الذين رأوا فيها خروجًا على الإسلام التاريخي، ومحاولة لتأسيس لاهوت مغاير تحت غطاء التوحيد. لكن الأهم ليس ما تحويه الرسائل، بل ما تمثله على صعيد الجماعة: لقد أصبحت رسائل الحكمة، نصًا يُمنع قراءته على الدروز غير العُقّال، أي من لم يكتمل نضجهم الروحي، في حين يُمنع تمامًا على غير الدروز مجرد الاطلاع عليها. وهكذا، يتحول النص إلى طقس انتماء. هذه الخصوصية الشديدة جعلت من الدروز طائفة مغلقة نصّيًّا، كما يسميها «الصليبي»، لا لأنهم أرادوا احتكار الحقيقة، بل لأنهم، بعد تجارب الاضطهاد والافتراء، آمنوا أن السرّ لا يعيش إلا في الكتمان. وهكذا، فإن كل درزي ـ حتى وإن لم يقرأ الرسائل ـ يعرف أنه جزء من سلالة النص. يتوقف «الصليبي» مطوّلًا عند هذا البُعد النفسي والمعرفي: كيف يُمكن لجماعة أن تتكوّن حول كتاب لا يُتلى؟ كيف يتحوّل النص من خطاب إلى هوية؟ وكيف تُبنى الذاكرة من صمت الحروف لا من أصواتها؟ إن هذه الأسئلة تقودنا، كما يرى، إلى فهم أعمق لمفهوم الطائفة: لا كجماعة متديّنة فحسب، بل كمجتمع سيميائي، يعيش عبر رموزه، ويتماهى مع رموزه، ويرى في الانتماء إلى النص شرطًا للوجود. ومن خلال هذه العدسة، تبدو العقيدة الدرزية مثالًا بالغ الفرادة على الهوية المستندة إلى السرّ. فالإيمان ليس ما يُقال، بل ما لا يُقال. والمعرفة ليست ما يُكتب، بل ما يُكتم. وليس هناك من ركن أكثر قُدسية في هذا البناء كله من رسائل الحكمة، التي صارت على مرّ القرون بمثابة قلب الجماعة النابض، والحجاب الذي يحفظها من ذوبان الذات في العلن. ومن هنا، يمكن فهم الانغلاق العقائدي لا بوصفه تعصبًا، بل كنوع من الحذر الوجودي، كردّ فعل طبيعي على قرون من الاستباحة والشيطنة. فالذي يُضطهَد لا يفتح أبوابه، والذي يُكفَّر لا يسرد عقيدته على المارة. وهكذا، تصبح رسائل الحكمة بمثابة ذاكرة محفوظة في الظلّ، وتغدو قراءة هذه الرسائل كما يُلمّح «الصليبي» ليست مجرد فعل معرفي، بل فعل عبور من عالم الظاهر إلى الباطن، من العام إلى الخاص، من الإنسان العادي إلى الدرزي العاقل، الذي لا يكفيه الانتساب بالنسب أو الاسم، بل لا بد له من الانتماء عبر السّر. الصمود في وجه المحو لا تُبنى الطوائف على العقيدة وحدها، بل على المكان أيضًا، على المساحة التي تحتضن الخوف، وتحفظ التمايز، وتوفر للجماعة إمكانية الصمود في وجه المحو أو الذوبان. وإذا كان النص هو ما يؤسس للهوية، فإن الجغرافيا هي ما يحفظها، يلفّها بغلالة من الصمت والتعالي، ويمنحها ذريعة التماسك. وفي حالة الدروز، لم تكن الجغرافيا مجرد خلفية للأحداث، بل كانت الفاعل الأعمق، البطل الصامت الذي ساعد الجماعة على أن تبقى، وأن تظل. إن الجبل، في هذه المعادلة، ليس مكانًا فحسب، بل اختيار فلسفي. لقد آثر الدروز العيش في العزلة، لا خوفًا فقط، بل لكون الانكفاء جزءًا من بنية المعتقد نفسه. فالجبل المرتفع، الذي يصعب الوصول إليه، يشكّل استعارة لرحلة الصعود الباطني، حيث لا مكان للعابرين، بل للراسخين. وكما أن المعرفة لديهم لا تُعطى إلا لمن بلغ مقام العقل، كذلك الأرض لا تُعطى إلا لمن ارتقى إليها مشيًا على الصخور. ووفقًا للصليبي، فإن تمركز الطائفة في المناطق الجبلية لم يكن عشوائيًّا، بل استراتيجيًّا. فقد وفّر الجبل نوعًا من السيادة الصامتة، مكّن الدروز من إدارة شؤونهم ضمن نمط خاص، قائم على المشيخة المحلية، وعلى نظام اجتماعي متين تحكمه الثقة، ويفصله عن السلطة المركزية وادٍ من الريبة المتبادلة. الجبل ليس مجرد حماية من جيوش الغزاة، بل من أفكارهم، من محاولاتهم لاختراق السرّ، وفرض العمومية على الخصوصية. لقد عرف الدروز، كما يبيّن «الصليبي»، أن بقاءهم كطائفة لا يمكن أن يتم في السهل، في المدينة، حيث تتكاثر العيون، ويتعذر الاختباء. فالسهل يعني الاندماج القسري، أما الجبل، فيعني الخيار. في الجبل، يمكن للمرء أن يقول لا. في الجبل، يُصبح التاريخ دربًا فرديًّا، لا نتيجة عامة. ومن هنا، لم يكن جبل لبنان موطنًا عارضًا، بل رديفًا للعقيدة، وملاذًا للجماعة، ومسرحًا للذاكرة. ومن المفارقات التي يرصدها «الصليبي» أن الجغرافيا نفسها ساهمت في تكوين الشخصية الدرزية، فبين وعورة التضاريس، ونُدرة الموارد، وعزلة القرى، تشكّلت نفسية صلبة، قادرة على التحمّل، على المراوغة، على البقاء. كما نشأ نمط من التديّن الباطني، لا يلهث خلف المظاهر، بل يركن إلى الداخل، ويُعلّي من شأن الحذر والسرّية. هذه النفسية، وإن بدت منغلقة، إلا أنها كانت بحسب المؤرخ سلاحًا ضد التبديد. يكتب «الصليبي»: «لقد جعل الدروز من الجغرافيا عقيدة ثانية، ومن الجبل معبدًا صامتًا يحرس أسرارهم. فلم يكونوا سكانًا عاديين للمكان، بل كانوا كهنة الجغرافيا، الذين يمشون على الصخور كمن يسير في طقس ديني». وقد ساعدت هذه الجغرافيا المحصّنة في جعل العلاقة بين الدروز والدولة علاقة هشّة ومتوترة على الدوام. فسواء في عهد المماليك أو العثمانيين أو الانتداب الفرنسي، ظلّ الدروز على هامش السلطة، وأحيانًا في مواجهتها، لا يسعون للثورة العلنية، لكنهم لا يخضعون بسهولة. الجبل لا يُحتلّ، بل يُفاوض. ومن هنا، ظهرت الشخصيات الدرزية التي لعبت دور الوسيط، لا الثائر، دور المقاتل الذي لا يسعى للغزو، بل للذود. إن الجبل الدرزي ليس مجرد معبر جغرافي، بل ذاكرة مصنوعة من حجارة ومجازات. كل قرية، كل وادٍ، كل ممر ضيق بين الصخور، يختزن حكاية، ويُخبئ دمًا أُريق دفاعًا عن البقاء. ومن رحم هذه الذاكرة، ظهرت لدى الطائفة حساسية مفرطة تجاه الغريب، ليس بوصفه آخرَ دينيًّا فحسب، بل ككائن خارجي قد يُفسد الانسجام الداخلي للنظام المغلق. وفي هذا السياق، تُفهم العزلة لا كعارٍ، بل كفضيلة. فكما أن الزهد عند المتصوفين ليس فقرًا بل رفعة، كذلك الانكفاء الجغرافي عند الدروز ليس هروبًا، بل اختيار، بلاغة وجودية تقول: «نحن هنا، لكن بطريقتنا». وبهذا، يصبح الجبل ليس فقط حصنًا ماديًّا، بل بنية روحية تحكم تصورات الدروز عن أنفسهم، وعن العالم. إنه الحارس الأقدم للعقيدة، والأرض التي تحفظ الأسرار كما تُخبّئ الينابيع. وكما أن الماء لا يظهر إلا لمن يعرف موضعه، كذلك العقيدة لا تظهر إلا لمن تسلّق، وانتظر، وأخلص. السياسة من الأمير فخر الدين إلى كمال جنبلاط إذا كانت العقيدة الدرزية قد اختارت الكتمان، والجغرافيا قد آثرت العزلة، فإن السياسة كانت هي الامتحان الأكبر. الطائفة التي انسحبت من الظهور لم تستطع أن تنسحب من التاريخ، فمهما بلغ احتجابها، ظلت الأحداث تُداهمها، وظلت السلطة تتذكّرها. ولذلك، فإن الصراع بين السرّ والسلطة، بين الاعتزال والمشاركة، شكّل واحدة من أعقد المفارقات في تاريخ الدروز. لا تبدأ السياسة الدرزية مع نشوء الطائفة، بل تتبلور بوضوح في القرن السابع عشر مع صعود نجم الأمير فخر الدين المعني الثاني، الشخصية التي يعتبرها كمال الصليبي مفصلًا وجوديًّا في تطور الطائفة، لا باعتباره أميرًا محليًّا فحسب، بل بوصفه نموذجًا أوليًّا للمثقف-السياسي في البيئة الدرزية. لقد استطاع فخر الدين أن يمدّ جسور تحالف ذكي مع الأوروبيين، وخصوصًا مع آل مديتشي في توسكانا، وأن يقيم نوعًا من الحكم شبه المستقل في جبل لبنان، وأن يؤسس جيشًا، ويضرب النقود، ويبني عمرانيًّا، ويوحّد تحت رايته الطوائف. ومع ذلك، فإن مشروعه انتهى بالخذلان والنفي والموت. لقد رأى فيه العثمانيون خطرًا لأنه خرج عن حدودهم، ورآه بعض أتباعه مفرطًا في التغريب. وكان سقوطه مأساويًّا، لكنه رسّخ في الوعي الدرزي أن الانفتاح مكلف، وأن السياسة ليست ساحة آمنة لطائفة السرّ. يُعلّق «الصليبي» على هذه التجربة بأن الدرزي حين يحكم، فإن عليه أن يخون طبيعته الانعزالية، وهذا ما يُنتج تمزقًا عميقًا بين الهوية والوظيفة، بين الانتماء إلى نصّ مغلق، والانخراط في واقع مفتوح. وقد دفع فخر الدين الثمن، لا لأنه أخطأ سياسيًّا، بل لأنه خالف ما يمكن أن يُسمى بـ«الحدود الطبيعية للعقيدة». بعد فخر الدين، يدخل الدروز في طور مختلف من السياسة: سياسة الدفاع، لا المبادرة. حيث يتوزعون بين الزعامة المحلية، وبين اللعب على التوازنات الإقليمية، ولا سيما مع تعاظم النفوذ الماروني في جبل لبنان، ومع التغييرات العثمانية المتعاقبة. في هذه المرحلة، يصبح الزعيم الدرزي أشبه بالحارس، لا بالمُغيّر، يلعب دورًا في النزاع الأهلي، لكنه نادرًا ما يبادر إلى تغيير البنية العامة. ثم يأتي القرن العشرون، ومعه تتغير قواعد اللعبة، وتظهر شخصية كمال جنبلاط، التي أعادت تشكيل الدور الدرزي في السياسة اللبنانية. كمال جنبلاط لم يكن زعيمًا طائفيًّا بالمعنى التقليدي، بل كان مفكرًا، وشاعرًا، ومتصوفًا، وماركسيًّا، ومؤسسًا لحزب علماني هو الحزب التقدمي الاشتراكي. وقد حمل على كتفيه مشروعًا مزدوجًا: تحديث الطائفة، وتجاوز الطائفية. يرى «الصليبي» في كمال جنبلاط «المفارقة الكبرى». لقد خرج من رحم طائفة تعتنق السرّ، ليصبح ناطقًا باسم الحداثة. آمن بالعقل، ونادى بالعدالة الاجتماعية، وكتب نصوصًا روحية مدهشة، تنبض بتأملات درزية خفية، لكن بلغة عصرية. إلا أن مشروعه لم يكن سهلًا. فالطائفة، من داخلها، قاومته، والسلطة من خارجها خافت منه، وانتهى به المطاف مغتالًا في مارس ١٩٧٧، في لحظة بدا فيها أنه اقترب من كسر الحدود القديمة بين الطائفة والدولة. اغتيال كمال جنبلاط، كما يراه «الصليبي»، ليس حدثًا سياسيًّا فقط، بل عودة موجعة إلى قانون التاريخ الدرزي: كل خروج إلى السياسة الكونية ينتهي بمأساة. ولعلها لعنة المكان والزمان معًا، إذ أن الطائفة التي اعتادت أن تحيا في ظلال التاريخ، كلما رفعت صوتها في الضوء، لحقها القمع أو الغدر. غير أن المفارقة الأعمق، التي يتأملها «الصليبي» بذكاء، هي أن الطائفة لا تموت بموت رموزها. بل على العكس، فإن كل خسارة من هذا النوع، تُعيد إنتاج الذات بشكل أكثر صلابة. فقد أنتج «فخر الدين» نهوضًا، كما أنتج كمال جنبلاط وعيًا جديدًا بالهوية، لا كجماعة متوجسة، بل كفاعل سياسي، له رؤية، وله تاريخ. في هذا الفصل، يبدو أن الدروز لم يكونوا على هامش السياسة، بل كانوا في قلبها، ولكن بطريقتهم الخاصة. فهم لا يصوغون برامج أيديولوجية، ولا يسعون إلى السيطرة، لكنهم يتقنون البقاء في القلب دون أن يُظهروا القلب. وحين يغامرون بالخروج، فإنهم يخرجون بحذر الصوفي، لا باندفاع الثائر. السياسة، إذًا، ليست نقيضًا للعقيدة الدرزية، لكنها امتحانٌ صعبٌ لحدودها. وبين من قرر خوضها على أمل الإصلاح، ككمال جنبلاط، وبين من سعى إلى الاحتواء والحفاظ، كزعامات محلية عديدة، يبقى الخطّ الدقيق بين السرّ والحضور هو ما يميّز التجربة الدرزية. ولعل أهم ما خلص إليه كمال الصليبي في هذا السياق هو أن الطوائف لا يمكن أن تظل إلى الأبد خارجة عن السياسة، لكنها كلما دخلتها دون أن تحصّن ذاتها، دفعت الثمن مضاعفًا. والدروز، وهم يدخلون السياسة من باب الحكمة لا من باب القوة، يفهمون تمامًا أن ما يُنجَز بالظلّ، غالبًا ما يكون أكثر ديمومة مما يُنجز في الساحات.

سكاي نيوز عربية
منذ ساعة واحدة
- سكاي نيوز عربية
الكشف عن تفاصيل الجولة الثالثة من المفاوضات بين موسكو وكييف
كما أكد مصدر لوكالة "تاس" أنه من المتوقع أن تعقد الجولة المقبلة من المفاوضات بين موسكو وكييف في إسطنبول يومي 24 و25 يوليو. وفي وقت سابق، أفاد مصدر لوكالة "تاس" أن إسطنبول ستظل مكانا للمفاوضات الروسية الأوكرانية. وأكد مصدر آخر مقرب من فريق التفاوض الروسي أن أوكرانيا اقترحت على روسيا عقد جولة جديدة من المحادثات هذا الأسبوع. وقال زيلينسكي في رسالة فيديو على قناته على "تيليغرام" إن الاقتراح المقدم للجانب الروسي بعقد جولة جديدة من المفاوضات هذا الأسبوع تم تقديمه من قبل رئيس وفد كييف في المفاوضات في إسطنبول، أمين مجلس الأمن القومي والدفاع في أوكرانيا رستم عمروف. وكشفت روسيا، الخميس، أنها ستناقش مع أوكرانيا مذكرة وقف إطلاق النار، وذلك خلال الجولة الثالثة من المفاوضات بين البلدين. وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، للصحفيين إن الجولة الثالثة من المفاوضات مع أوكرانيا، ستتضمن مناقشة مشاريع مذكرات وقف إطلاق النار تبادلها الطرفان خلال الجولة السابقة. وأوضح المتحدث باسم الكرملين، أن رئيس الوفد الروسي، فلاديمير ميدينسكي ، يجري اتصالات مباشرة مع رئيس الوفد الأوكراني رستم عمروف. وقال بيسكوف للصحفيين: "لا يزال يتعين إتمام عملية التبادل، ويجري حاليا تنسيق التفاصيل النهائية. هذا تنفيذ للاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال الجولة الثانية، وبعدها ينبغي اتخاذ قرارات"، مضيفا: "نحن ننتظر مقترحات الجانب الأوكراني، كما قلنا مرارا". وكانت روسيا وأوكرانيا، اللتان تتقاتلان منذ فبراير 2022، قد أجريتا جولتين من المفاوضات المباشرة في إسطنبول يوم 16 مايو و2 يونيو.


البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
توم برّاك: «أمريكا ليس لديها موقف» و لا توجد «خطة بديلة» لسوريا
شدد المبعوث الأميركي على دعم واشنطن للحكومة السورية الجديدة، قائلاً، الاثنين، إنه لا توجد «خطة بديلة» للعمل معها لتوحيد البلاد التي لا تزال تعاني من سنوات من الحرب الأهلية وتعاني من عنف طائفي جديد. وفي مقابلة مع وكالة «أسوشييتد برس»، انتقد توم برّاك أيضاً التدخل الإسرائيلي الأخير في سوريا، واصفاً إياه بأنه سيئ التوقيت، وقال إنه عقّد جهود تحقيق الاستقرار في المنطقة. برّاك هو سفير لدى تركيا ومبعوث خاص إلى سوريا، وله ولاية قصيرة الأجل في لبنان. تحدث في بيروت عقب أكثر من أسبوع من الاشتباكات في محافظة السويداء جنوب سوريا بين ميليشيات من الأقلية الدينية الدرزية وعشائر بدوية سنية. وقال برّاك إن الولايات المتحدة «ليس لديها موقف» بشأن احتمال إبرام اتفاقية دفاع بين سوريا وتركيا. وأضاف: وقال: «ليس من شأن الولايات المتحدة أو مصلحتها أن تملي على أي من الدول المحيطة ما يجب فعله». خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي ، أعلن برّاك وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل. أعادت قوات الحكومة السورية انتشارها في السويداء لوقف تجدد الاشتباكات بين الدروز والبدو، ومن المقرر إجلاء المدنيين من كلا الجانبين. أشار مبعوث أميركي إلى أن «إسرائيل تريد رؤية سوريا منقسمة». صرّح برّاك لوكالة «أسوشييتد برس» أن «القتل والانتقام والمجازر من كلا الجانبين لا تُطاق»، لكن «الحكومة السورية الحالية، في رأيي، تصرفت بأفضل ما بوسعها كحكومة ناشئة ذات موارد محدودة للغاية لمعالجة القضايا المتعددة التي تنشأ، في محاولة لمّ شمل مجتمع متنوع». وفي مؤتمر صحافي لاحق، قال إن السلطات السورية «بحاجة إلى محاسبة» على الانتهاكات. فيما يتعلق بالضربات الإسرائيلية على سوريا، قال برّاك: «لم يُطلب من الولايات المتحدة، ولم تشارك في هذا القرار، ولم تكن مسؤولية الولايات المتحدة في مسائل تعتقد إسرائيل أنها دفاع عن نفسها». ومع ذلك، قال إن تدخل إسرائيل «يخلق فصلاً آخر مُربكاً للغاية»، و«جاء في وقت سيئ للغاية». قبل أعمال العنف في السويداء، كانت إسرائيل وسوريا تجريان محادثات حول المسائل الأمنية، بينما كانت إدارة ترمب تدفعهما نحو التطبيع الكامل لعلاقات دبلوماسية. وعندما اندلع القتال الأخير، قال برّاك: «كانت وجهة نظر إسرائيل أن جنوب دمشق منطقة مشكوك فيها، ومن ثم فإن أي شيء يحدث عسكرياً في تلك المنطقة يحتاج إلى اتفاق ومناقشته معهم. الحكومة الجديدة (في سوريا) لم تكن على هذا الاعتقاد تماماً». وقال إن وقف إطلاق النار الذي أُعلن عنه، يوم السبت، بين سوريا وإسرائيل، هو اتفاق محدود يتناول فقط الصراع في السويداء. ولا يتناول قضايا أوسع نطاقاً، بما في ذلك زعم إسرائيل بأن المنطقة الواقعة جنوب دمشق يجب أن تكون منطقة منزوعة السلاح. وقال برّاك، ال إنه لا يعتقد أن العنف في السويداء سيعرقل هذه المحادثات، وأنه قد يكون هناك تقدم «في الأسابيع المقبلة». وعرضت تركيا المجاورة، التي تريد الحد من نفوذ الجماعات الكردية على طول حدودها، والتي تربطها علاقات متوترة مع إسرائيل، تقديم مساعدة دفاعية لسوريا. وواصلت إسرائيل شن غارات جوية شبه يومية على لبنان، تقول إنها تهدف إلى منع «حزب الله» من إعادة بناء قدراته. وأكد «حزب الله» أنه لن يناقش نزع سلاحه حتى توقف إسرائيل ضرباتها، وتسحب قواتها من كامل جنوب لبنان.