
بين الإنجازات والانتهاكات.. أداء جهاز الأمن السوري تحت المجهر
وقد شكل الزج بهذا الجهاز في المحافظات السورية المختلفة، بعدما كان يعمل في إدلب فقط في ظل حكومة الإنقاذ، خطوة ضرورية لتنظيم المشهد الأمني في مرحلة انتقالية شديدة الحساسية، وجاء في لحظة فراغ كان من شأنه أن يهدد بتفكك الدولة والمجتمع معا.
ومنذ اللحظة الأولى، وجد الجهاز نفسه أمام اختبارات صعبة، تتعلق بكيفية تحقيق الأمن من جهة، وبناء علاقة جديدة مع الشارع السوري من جهة أخرى، في ظل إرث ثقيل من انعدام الثقة بين المواطن والأجهزة الأمنية.
وتتعدد وجهات النظر حول أداء الأمن الداخلي بين مؤيدين يرون فيه صمام أمان ضروري، وناقدين يرون أن الانتهاكات ما زالت حاضرة رغم تبدل الوجوه.
يحاول هذا التقرير تسليط الضوء على أداء هذا الجهاز، كاشفا حدود قوته ونقاط ضعفه، ومجيبا عن سؤال: هل يمكن لهذا الجهاز أن يرسخ الأمن بعيدا عن الانتهاكات والتجاوزات؟
تحديات المرحلة وأعباء الأمن الداخلي
منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في أواخر عام 2024، تواجه سوريا الجديدة واقعا أمنيا معقدا يتطلب استجابة فورية ومستمرة. فقد وجدت الحكومة الانتقالية نفسها أمام سلسلة من التحديات الثقيلة، أبرزها داخليا التعامل مع فلول النظام السابق الذين ما زالوا يهددون الاستقرار عبر هجمات مسلحة أو محاولات تخريبية، فضلا عن خلايا تنظيم الدولة.
ويضاف إلى ذلك التوترات التي تخلقها المليشيات المحلية الخارجة عن السيطرة، كما تجلى في أحداث الساحل والسويداء، أما على الصعيد الخارجي فتبرز التحديات الإقليمية، وفي مقدمتها التهديد الإسرائيلي المتكرر.
وفي محاولة لتدارك الفراغ الأمني بعد سقوط النظام، فتحت وزارة الداخلية باب الانتساب إلى جهاز الأمن العام خلال أقل من أسبوعين، مما أدى إلى انضمام آلاف العناصر الجدد بسرعة ومن دون إجراءات فرز دقيقة.
ويصف الباحث في الشؤون الأمنية، عمار فرهود، هذه الخطوة بأنها تحول جذري في بنية الجهاز الأمني، الذي بات يضم أطيافا بشرية متعددة، بعضها يحمل ولاءات أو أجندات لا تنسجم مع أهداف المؤسسة.
ويؤكد فرهود، في حديثه للجزيرة نت، أن هذا التنوع رغم ضرورته في المرحلة الانتقالية، خلق فجوات في الانسجام والانضباط، وأدى إلى تسلل عناصر سعت لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب الاستقرار العام، في مقابل وجود عناصر منضبطة ومؤمنة بالقيم المؤسسية التزمت بأداء مهني في مختلف المناطق، وأسهمت في فرض النظام والتصدي لمحاولات التخريب.
نجاحات ميدانية
رغم التحديات البنيوية وواقع التأسيس في بيئة هشّة أمنيا، استطاع جهاز الأمن الداخلي في سوريا الجديدة أن يثبت حضوره كقوة ضابطة للمشهد الداخلي، وحقق خلال أشهر قليلة إنجازات ميدانية لافتة في مواجهة التهديدات المتنوعة التي واجهت البلاد.
على رأس هذه الإنجازات برز الدور المحوري للجهاز في ملاحقة فلول النظام السابق الذين انخرطوا في أنشطة مسلحة تهدف إلى زعزعة الاستقرار، خصوصا في مدن الساحل السوري.
فقد خاضت وحدات الأمن مواجهات عنيفة خلال حملة مارس/آذار 2025 في محافظات ومدن اللاذقية وطرطوس وجبلة، أسفرت عن تفكيك عشرات الخلايا المسلحة المرتبطة بأجهزة النظام المنهار، ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر كانت مخزّنة في الجبال والمناطق الريفية.
لكن هذه المواجهات جاءت بتكلفة بشرية باهظة؛ إذ دفع الأمن العام ثمنا كبيرا في معركة تثبيت الأمن، حيث بلغ عدد قتلى الجهاز في معارك الساحل وحدها 238 عنصرا بحسب تقرير اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق.
وفي الجنوب، خلال أحداث السويداء التي اندلعت في يوليو/تموز، إثر مواجهات طائفية بين مجموعات مسلحة محلية، خسر الجهاز مئات من عناصره خلال محاولات فرض الاستقرار ومنع تفكك الوضع الأمني.
إلى جانب هذا، واصل الأمن العام جهوده في محاربة خلايا تنظيم الدولة. وقد نُفذت عمليات نوعية، أبرزها مداهمة في مدينة حلب منتصف مايو/أيار 2025، أسفرت عن مقتل واعتقال عدد من عناصر التنظيم، وضبط عبوات ناسفة وأحزمة متفجرة، كانت معدّة لاستهداف المدنيين في مناطق مزدحمة.
وفي السابع من أغسطس/آب أعلنت قيادة الأمن الداخلي في إدلب أن وحدة المهام الخاصة التابعة لها تمكنت من إلقاء القبض على خلية تابعة لتنظيم الدولة، متورطة في اغتيال 5 أشخاص من الجنسية العراقية.
وأحبط الجهاز بالتعاون مع المخابرات العامة محاولة تفجير في مزار السيدة زينب جنوب دمشق، ما عزز من ثقة الشارع بقدرة المؤسسة على درء التهديدات عالية الخطورة.
مكافحة المخدرات وتفكيك شبكاتها
وفي ملف مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة، برز الجهاز كأحد الأذرع النشطة في تفكيك شبكة الكبتاغون التي راكمها النظام السابق طوال سنوات، وقد أعلن مدير إدارة مكافحة المخدرات عن ضبط 13 مستودعا لإنتاج المواد المخدرة، ومصادرة نحو 320 مليون حبة كبتاغون كانت معدّة للتهريب.
وفي أواخر يوليو/تموز نفذت القوى الأمنية عملية أمنية نوعية أسفرت عن ضبط مليون و350 ألف حبّة مخدّرة من نوع "كبتاغون"، كانت معدّة للتهريب خارج البلاد، وذلك بالتعاون والتنسيق مع وزارة الداخلية العراقية.
وفي هذا السياق، يشير الباحث في الشأن الأمني عمار فرهود إلى أن هذه النجاحات تحققت بفضل العناصر المنضبطة داخل الجهاز، التي تنتمي في معظمها إلى خلفيات ثورية أو أمنية محترفة، وانتقلت من مناطق شمال سوريا للعمل تحت مظلة الدولة الجديدة.
ويؤكد فرهود أن هذه الكوادر لعبت دورا أساسيا في ترسيخ صورة مهنية لجهاز الأمن العام، واستعادت جزءا من ثقة المجتمع التي كانت قد تآكلت خلال سنوات القمع الأمني في عهد الأسد.
تجاوزات وانتهاكات تحت المجهر
رغم ما تحقق من نجاحات ميدانية لجهاز الأمن، فإن سلوك بعض العناصر الأمنية أثار موجة من القلق الشعبي والحقوقي، خاصة بعد توثيق انتهاكات طالت المدنيين في مناطق حساسة مثل الساحل والسويداء.
وقد طرحت هذه التجاوزات تساؤلات جدّية حول الانضباط المؤسسي داخل الجهاز، ومدى فاعلية القيادة في ضبط عناصره في لحظات التوتر والانفلات. ففي الساحل السوري مثلا، حيث اندلعت في مارس/آذار 2025 مواجهات عنيفة ضد فلول النظام السابق، لم تخلُ العمليات الأمنية من تجاوزات مؤلمة.
وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر بعد الحملة مقتل ما لا يقل عن 420 شخصا من المدنيين والمسلحين منزوعي السلاح، من بينهم 39 طفلا، و49 سيدة، و27 من الكوادر الطبية. ووجهت الشبكة الاتهام إلى من وصفتهم بـ"الفصائل والتنظيمات غير المنضبطة"، والتي تتبع شكليا لوزارة الدفاع.
وأكدت مصادر محلية في مدينة السويداء للجزيرة نت أن القوات التي دخلت مدينة السويداء في الأيام الأولى للاشتباكات كانت خليط من الفصائل العسكرية التابعة لوزارة الدفاع ومن عناصر الأمن الداخلي، وبحسب هذه المصادر فإن التمييز بين العناصر كان صعبا بسبب عدم وجود لباس خاصة بكل فئة.
من جهتها أفاد تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها يوم 22 يوليو/تموز أن سكان بعض المناطق في السويداء أفادوا بوجود أعمال نهب وحرق للمنازل واعتداءات طائفية وإعدامات تعسفية ارتكبتها قوات تابعة لوزارة الداخلية ووزارة الدفاع السورية، أثناء دخول لفرض الأمن على حد قول المنظمة الحقوقية.
ويعود جزء كبير من هذه الانتهاكات إلى الشحن الطائفي والإثني المكثف على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي غذّى مشاعر الكراهية وساهم في تفلّت بعض العناصر من ضبط النفس، وذلك بحسب الخبير العسكري العقيد فايز الأسمر.
ويربط الأسمر في حديثه للجزيرة نت هذه السلوكيات بضعف في التأهيل والتدريب والانضباط القيادي، مشيرا إلى أن بعض العناصر التي تم قبولها بعد سقوط النظام دخلت إلى صفوف الأمن من دون تدقيق حقيقي في خلفياتها أو جاهزيتها المهنية، ما أوجد ثغرات أمنية وسلوكية واضحة.
أداة نفوذ
من جانبه، يفسّر الباحث الأمني عمار فرهود هذه التجاوزات بأن بعض العناصر الأمنية المنضمة حديثاً لجهاز الأمن الداخلي تعامل مع الجهاز كأداة نفوذ، لا كمسؤولية وطنية، ما انعكس في سلوكيات قائمة على الابتزاز وتصفية الحسابات مع المدنيين أو الخصوم المحليين.
ويدعم هذه المخاوف ما وثقته الشبكة السورية لحقوق الإنسان من انتهاكات أوسع نطاقا، شملت مقتل 50 مدنيا -بينهم أطفال ونساء- على يد عناصر الأجهزة الأمنية، ووقوع 192 حالة اعتقال تعسفي خلال النصف الأول من عام 2025.
ورغم تأكيد الحكومة على أنها أفرجت عن أعداد كبيرة من الموقوفين، إلا أن تقارير المنظمات الحقوقية ما زالت تشير إلى وجود حالات تعذيب واحتجاز خارج القانون، ما يعيد إلى الذاكرة ممارسات القبضة الأمنية التي كانت سائدة في عهد النظام السابق.
إعلان
حادثة اقتحام منزل الشاب عبد القادر ثلجي في حي المزة بدمشق أواخر يوليو/تموز الماضي، كانت من أبرز الأمثلة على هذا التوتر في العلاقة بين المواطن وجهاز الأمن.
فقد أظهرت تسجيلات مصوّرة -انتشرت على نطاق واسع- عملية المداهمة العنيفة التي رافقها إطلاق نار وترهيب لأفراد العائلة، من دون وجود مبرر قانوني واضح، مما فجّر موجة من الغضب الشعبي ودفع وزارة الداخلية إلى إصدار بيان اعتذار وفتح تحقيق فوري في الحادثة.
ويرى محللون أن استمرار هذه الذهنية، حتى لو كانت محدودة، يهدد الثقة المجتمعية التي بدأت تتشكل حيال الجهاز، ويضعف فرص بناء عقد اجتماعي جديد يقوم على العدالة وسيادة القانون.
جهود الإصلاح وتطمينات رسمية
أطلقت وزارة الداخلية سلسلة من الإجراءات التنظيمية تمثلت في إعادة هيكلة الجهاز الأمني، ودمج قوى الأمن العام والشرطة في كيان موحد تحت اسم "قيادة الأمن الداخلي"، بهدف توحيد الصلاحيات، وتعزيز القدرة على الضبط والمساءلة.
كما استُحدثت إدارات جديدة لتلقي شكاوى المواطنين ومتابعة التجاوزات، من بينها دوائر مركزية مختصة بالشكاوى، بالإضافة إلى منصة إلكترونية تهدف لتسهيل الإبلاغ عن أي مخالفات يرتكبها عناصر الأمن أو الشرطة، وفق ما أعلن المتحدث باسم الوزارة نور الدين البابا في يونيو/حزيران الماضي.
من جهته، شدد وزير الداخلية أنس خطاب في أكثر من مناسبة على أن وزارته عازمة على تغيير الصورة الذهنية السلبية المرتبطة بالمؤسسة الأمنية منذ عهد النظام السابق، وهي صورة ارتبطت بالخوف والسلطة المطلقة.
وأشار خطاب إلى أن الوزارة تعمل على تحسين معايير الانتقاء والتدريب والانضباط، وتستعين بكفاءات وطنية من الضباط المنشقين وذوي الخلفيات القانونية والأكاديمية، في محاولة لإعادة بناء الهرم القيادي للجهاز الأمني على أسس مهنية حديثة.
ومن أبرز الخطوات الرمزية التي اتخذتها الوزارة، توقيف رئيس دورية أمنية وعناصرها على خلفية اقتحامهم منزل الشاب عبد القادر ثلجي في دمشق بطريقة غير قانونية، إضافة إلى توقيف عدد من عناصر الأمن في مدينة حماة في السادس من أغسطس/آب بسبب مخالفات مسلكية بحسب ما أعلن قائد شرطة حماة العميد ملهم محمود الشنتوت.
ولم تقتصر مواقف الحكومة على وزارة الداخلية، بل شملت رأس الدولة، ففي خطاب متلفز أعقب أحداث الساحل، تعهد الرئيس أحمد الشرع بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات وشكل لجنة للتحقيق فيها.
كما أدانت الرئاسة السورية رسميا في بيان أعقب أحداث السويداء الانتهاكات التي وقعت هناك، مؤكدة أن "أي جهة مسؤولة عن هذه الأعمال، سواء كانت فردية أو منظمات خارجة عن القانون، ستتعرض للمحاسبة القانونية الرادعة، ولن نسمح بمرورها من دون عقاب".
شروط نجاح محاولات التقويم
ورغم أن هذه الخطوات لا تزال في طور التأسيس، إلا أن مراقبين يرون فيها محاولة جادة لتقويم أداء الجهاز الأمني وإعادة بنائه على قواعد قانونية ومجتمعية أكثر متانة.
وهذا ما يؤكد عليه الباحث عمار فرهود بالقول إن بعض الإصلاحات بدأت تعكس نفسها على الأرض، خصوصا من خلال إتاحة قنوات للتواصل بين المواطن والمؤسسة الأمنية، وظهور خطاب رسمي يعترف بوجود تجاوزات ويعد بمحاسبة مرتكبيها.
غير أن التحدي الأكبر -بحسب محللين- لا يكمن فقط في سنّ التعليمات، بل في القدرة الفعلية على تنفيذها بصرامة، وفصل العناصر المنفلتة، وإعادة تشكيل الثقافة الأمنية من داخل الجهاز، بحيث تكون قائمة على الشراكة مع المجتمع لا التسلط عليه.
فالوصول إلى الأداء المنشود يتم عن طريق الإعداد الفكري والمهني لعناصر الأمن الداخلي ومن خلال صياغة عقيدة أمنية للمؤسسات الأمنية السورية، بحسب الباحث في الشؤون الأمنية لورانس الشمالي.
وإلى جانب هذه العقيدة الأمنية يشير الباحث الشمالي في حديثه للجزيرة نت أنه لا بد من وجود قيادة مؤهلة، وعناصر مدربة ومنضبطة، لكي تؤدي كلمة "الأمن" المعنى المطلوب منها لدى المجتمع، وليس المدلول القمعي الذي رافق المؤسسة الأمنية طيلة فترة حكم الأسدين.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
تحولات الهوية الثقافية الكردية في سوريا.. من القمع إلى التأصيل
في إحدى قرى القامشلي (شمال شرقي سوريا)، أوضح الكاتب والجامعي هيمن صالح، الذي ينشر كتاباته بالكردية (باللهجة الكرمانجية والحرف العربي)، أنه كان يخفي كتب اللغة الكردية خلف خزانة المونة، بعيدا عن أعين رجال الأمن. يقول في حديثه مع الجزيرة نت: "لم يكن الكتاب مدرسيا، بل كان كيانا مقاوما، رمزا لهوية مهددة بالنسيان". في "سوريا الأسد"، لم يكن الكرد ممنوعين فقط من التعليم بلغتهم بل -وفقا لتعبير هيمن- "حتى من الحلم بها أيضا، لهذا لم أخف كتابا، كنت أختبئ فيه كي لا أمحى". هذه القصة الفردية ليست حالة استثنائية، بل تعكس ذاكرة جماعية ومسيرة طويلة من الطمس الثقافي، تخللتها لحظات شجاعة وتحدّ، وصولا إلى محاولات تأسيس نهضة ثقافية ما زالت تتلمس طريقها وسط العواصف السياسية والعسكرية. فكيف انتقل الكرد من الإنكار إلى التأصيل؟ وما رهاناتهم في الحفاظ على ثقافتهم كجسر نحو المواطنة لا كجدار عزل؟ عقود من الطمس أضاف هيمن "منذ صغري وأنا أتساءل: لماذا لا أستطيع الكتابة بلغتي الأم؟ ولماذا كل هذا العداء والحقد من حزب البعث على اللغة الكردية في المدارس والمنازل؟". وكرد فعل على تلك الممارسات، انضم هيمن إلى حزب كردي قومي محظور، "كان شرط الانتساب تعلم اللغة الكردية قراءة وكتابة، واقتنيت دواوين شعر كردية، ثم تحولت إلى تدريس اللغة الكردية لمن حولي سرا". يختتم هيمن حديثه قائلا: "كنا ننسخ ألف باء تعلم اللغة الكردية باليد، فالنظام حرم طباعة أي شيء باللغة الكردية، ثم نقوم بتوزيعها على الطلبة وراغبي تعلم لغتهم الأم". من جهته، قدم المؤرخ والروائي الكردي كوني رش، للجزيرة نت، مقتطفات من كتابه "الحياة الثقافية باللغة الكردية في الجزيرة ومسيرتي الأدبية"، تضمنت عرضا لسياسات الإنكار والتهميش الثقافي الذي مارسه نظام الأسد ضد الأكراد، قائلا: "تم حظر اللغة الكردية، ومنع تسجيل أسماء المحال التجارية والولادات الجديدة بأسماء كردية، وإلزامها بأسماء عربية، في سياق سياسات تهدف إلى إبادة الأكراد ثقافيا". إعلان وأضاف "حظر كل ما يمتّ للأكراد بصلة في المناهج المدرسية والثقافية، ومنع نشر الكتب والأغاني والشعر باللغة الكردية وكذلك طباعتها، لحظر الهوية الكردية، واستبدلت الأسماء بأخرى عربية". الثقافة الكردية تتحرر من العزلة وقال الرئيس السابق لاتحاد كتاب الأكراد في سوريا، قادر عكيد، للجزيرة نت، إن الثورة السورية كسرت طوق العزلة والمحق عن الثقافة الكردية، حيث تم "إعداد مؤسسات لتعليم اللغة، وطباعة وتأسيس عدد كبير من المؤسسات الثقافية والأكاديميات التعليمية المتخصصة باللغة والأدب الكردي". وأضاف عكيد أنه "بدأ التعليم بالكردية تدريجيا منذ 2012، واعتمد منهجيا في المدارس منذ 2014، مع تطوير مناهج خاصة وتدريب آلاف المعلمين عبر مؤسسات الإدارة الذاتية". وأشار أيضا إلى "تراجع الحظر على الكتابة بالكردية، فظهرت العديد من دور النشر والمجلات التي نشرت باللغة الكردية، وافتتحت مكاتب لتشجيع الجيل الجديد على القراءة، وإقامة مهرجانات ثقافية منوعة". الثقافة الكردية تتجاوز السياسة عبر حديثه مع الجزيرة نت، أكد الروائي والصحافي هوشنك أوسي ضرورة تأصيل الثقافة خارج الأطر السياسية والعسكرية، قائلا إن "أدلجة الثقافة وتسييسها يؤدي بها إلى التخندق، فتختفي بالمحصلة". ويربط أوسي بين الشعوذة السياسية ونظيرتها الثقافية فيقول إنهما "يحتاجان إلى بعضهما بعضا. المشعوذون محسوبون على الفعل والحراك الثقافي"، ويقارنها مع رهان الوعي النقدي الإصلاحي "الذي ينتج قيم الخير والحرية والكرامة والعدالة، ويتطلب إبقاء الثقافة خارج أطر السياسة الموبوءة بالمصالح الشخصية والفئوية". في حين ذهب الكاتب والباحث فارس عثمان، في حديثه مع الجزيرة نت، إلى وصف سوريا بأنها "متشظية"، وحدد الثقافة وأدوارها على أنها الوحيدة "القادرة على تجاوز السياسة والسلاح، والأمل في إعادة بناء الإنسان والمجتمع". وقدم شرحا مختصرا للتجربة الكردية السورية، فقال إنها "حملت مظلومية تاريخية عانت من السياسات الشوفينية والعنصرية، لكنها مع ذلك يمكن أن تتحول من حالة كردية إلى منصة للمشاركة الوطنية، ومن حكايات الأطراف المنسية والمهمشة إلى جوهر الثقافة الوطنية، بدلا من شيطنة الأكراد عند المتلقي العربي"، مؤكدا أهمية "بناء سردية ثقافية كردية لتتحول إلى جسر نحو المواطنة، عبر إنشاء منصات ثقافية وفلكلورية تعنى بالأدب والثقافة الكردية، وضرورة إبراز التنوع داخل المجتمع الكردي، عبر الانفتاح على فضاء ثقافي أوسع". التواصل الثقافي الكردي والعربي وكثيرا ما تساءلت القواعد الاجتماعية عن الأدوار الواجب فعلها من المثقفين والأدباء السوريين العرب تجاه الأكراد وتمازج الثقافات في ما بينهم. يقول الصحافي والكاتب يعرب العيسى في حديثه مع الجزيرة نت: "بعكس التوترات بين الكرد والعرب الشعبويين، كان الوسط الثقافي أنضج، والمثقفون الأكراد المستقرون في دمشق وحلب كانوا حاضرين في الوسط المجتمعي والثقافي بعمق، ومشاركين وبالتفاعل الأدبي والفني المتبادل، وانعدم الفوارق". إعلان ووفقا لعيسى، فإنهم "تعمقوا في الحياة والثقافة الكردية عبر نتاجات المثقفين الكرد، والأدباء العرب نجحوا في مدّ جسور مع نظرائهم الكرد، بقدر ما مدّ المثقفون الأكراد يدهم إلى الثقافة العربية". أما الكاتب محمد أمين من أهالي الطبقة (مدينة الثورة) فيعزو، خلال حديثه مع الجزيرة نت، أسباب القصور إلى الكرد والعرب معا، "لا سيما في المجال الثقافي باعتباره الأكثر أهمية واستدامة". بالمقابل، استشهد بأدوار دور النشر في التقارب، إذ إن "كثيرا منها يشارك في معرض أربيل الدولي للكتاب، ويشهد دوما تفاعلا فكريا وثقافيا واسعا". وعرّج على الأنشطة التي يشهدها المعرض وتمثل دورا في التفاعل الكردي العربي الثقافي، "كاستضافة عدد من الكتاب والمفكرين العرب"، وقال إن ذلك "يشكل دفعا باتجاه مد المزيد من الجسور بين الثقافتين والكثير من التأثير والتجانس المتبادل"، مستمرا بدفاعه عن التواصل الثقافي الكردي والعربي، إذ قال: "بيننا تشابه نشأ منذ نحو 1400 عام من التاريخ والدين الواحد، لذا تبادلنا التأثير العميق، مما شكل روابط فكرية بين الشعبين تحتاج اليوم إلى تعزيز". كما يقدم محمد أمين العوائق أمام الكتّاب العرب للوصول إلى القارئ الكردي أكثر، "فاللغة تشكل عائقا كبيرا، خاصة ضعف الترجمات من العربية إلى الكردية أو العكس، مع ذلك فالثقافة العربية حاضرة بقوة في المشهد الكردي، والكثير من الإخوة الأكراد في سوريا والعراق يتقنون اللغة العربية، فالشعبان تربطهما مشتركات راسخة كالجغرافية والتاريخ والمصالح والمصير". إن التحديات أمام الثقافة الكردية اليوم ليست كما في سابق عهدها من طباعة الكتب إلى إحياء اللغة، بل في كيفية تحرير الثقافة من سطوة الأدلجة الحزبية والسياسية، وتحويلها إلى فضاء نقدي جامع. ويشترك الأكراد والعرب معا في أدوار مد جسور الإبداع المشترك، فإما أن تكون دولة لكل ثقافاتها، أو تبقى حبيسة المركزية القامعة، تتكرر فيها حوادث الظلم والإنكار.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
مباحثات أردنية سورية أميركية في عمّان
بدأ في العاصمة عمّان اليوم الثلاثاء اجتماع ضم نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي ، ووزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد الشيباني ، وسفير الولايات المتحدة الأميركية لدى الجمهورية التركية والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس براك ، ومُمثّلين عن المؤسسات المعنية في الدول الثلاث. وكان الصفدي قد عقد مباحثات ثنائية مع نظيره السوري اليوم الثلاثاء، تمهيدا لاجتماع ثلاثي مع المبعوث الأميركي الخاص براك. ويهدف الاجتماع الثلاثي المشترك لبحث الأوضاع في سوريا، وسبل دعم إعادة بناء سوريا على الأسس التي تضمن أمنها واستقرارها وسيادتها وتلبي طموحات شعبها وتحفظ حقوق كل السوريين. ويأتي هذا الاجتماع في سياق جولة ثانية من اللقاءات بين الصفدي والشيباني وبراك، بعد اللقاء الأول الذي استضافته عمّان في 19 يوليو/تموز الماضي، وذلك لبحث تثبيت وقف إطلاق النار في محافظة السويداء في جنوب سوريا وحل الأزمة هناك. ومنذ 19 يوليو/تموز الماضي، تشهد محافظة السويداء وقفا لإطلاق النار عقب اشتباكات مسلحة دامت أسبوعا بين مجموعات درزية وعشائر بدوية، خلفت مئات القتلى. وضمن مساعيها لاحتواء الأزمة، أعلنت الحكومة السورية 4 اتفاقات لوقف إطلاق النار بالسويداء، آخرها في 19 يوليو/تموز الماضي. ونشرت وزارة الخارجية الأردنية عبر حسابها الرسمي على منصة "إكس" صورة توثق اجتماع الوزيرين في عمّان، مؤكدة أهمية التنسيق المشترك في هذا الإطار.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
فيديو.. صحفيو سوريا يقفون بصمت احتجاجا على استهداف زملائهم بغزة
سوريا- شارك عشرات الصحفيين بمدن مختلفة في وقفات احتجاجية وتضامنية مع إعلاميي غزة وصحفييها الذين يستهدفهم القصف الإسرائيلي بشكل شبه يومي، وآخرهم طاقم قناة الجزيرة بمراسليه ومصوريه في مدينة غزة وشمال القطاع. وانضم صحفيون سوريون إلى وقفات صامتة، مساء الاثنين، في مدن إدلب وطرطوس ودمشق وحمص حلب تضامنا مع صحفيي غزة، واستنكارا لاغتيال طاقم قناة الجزيرة وعلى رأسه المراسلان أنس الشريف ومحمد قريقع. وقال المشاركون إن الاحتلال الإسرائيلي لم يغتل الصحفيين بعينهم، إنما استهدف الحقيقة بذاتها، والأعين التي ترصد إجرامه منذ بدء الحرب على القطاع قبل نحو عامين. ووثّق منتدى الإعلاميين الفلسطينيين استشهاد 237 صحفيا منذ بداية الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، آخرهم طاقم قناة الجزيرة، في تجاوز تام لكل القوانين والأعراف الدولية وشرائع حماية المدنيين ومنهم الصحفيون. وخلال وقفة لصحفيين سوريين بمدينة إدلب شمال غربي سوريا، قال مراسل الجزيرة صهيب الخلف إن اغتيال طاقم الجزيرة في غزة أنس ومحمد وباقي الزملاء شكّل صدمة كبيرة، لأن صوتهم كان يبعث الأمل والثقة بأن ما يحدث في غزة يسمعه العالم ويشاهده وسيكون سببا في تغيير الحال إلى الأفضل في غزة. ورغم اغتيالهم، قال الخلف إن "هذه الرسالة سيتابعها من تبقى ولن يوقف القتل صوت الحقيقة وعينها". وتقدم الخلف بالتعزية لأهل أنس وذويه وفريقه وجميع الإعلاميين والصحفيين في غزة وقناة الجزيرة التي واصلت نقل الحقيقة بأصوات أبناء غزة، التي لن تسكت رغم استمرار الاغتيالات. أما الإعلامي أحمد حموش من إدلب فقال -للجزيرة نت- إن اغتيال الصحافة بشكل مباشر في غزة يأتي فقط لأنهم عين الحقيقة والمصدر الوحيد الذي يشاهد العالم من خلاله كمية الإجرام والقتل الذي ينفذ بحق أهل غزة وأطفالها ونسائها وحتى الصحفيين فيها. هذا ما عشناه أما الصحفية ريم المصطفى، فاستهلّت تعليقها قائلة إن "الصحافة ليست جريمة"، مشددة على الأثر المهم الذي تتركه الكلمة الحرة في "مقارعة الطغيان والاحتلال الذي يعمل على طمس الجرائم بحق الإنسانية"، والتي لا يمكن إسكات صوتها وصورتها إلا باغتيال صوت الصحافة، وهذا ما تسعى إليه آلة الحرب الإسرائيلية باغتيال فريق الجزيرة وقبله العشرات من الصحفيين. واستذكرت المصطفى ما كان يواجهه الصحفيون السوريون في عهد النظام السابق، وقالت "هذا ما كنا نعيشه في إدلب من قتل متعمد من قبل النظام البائد لإسكات صوتنا ولم يسكت حتى نال حريته، وهذا الذي سيحدث في غزة، وسينتصر صوت الحقيقة". في مدينة طرطوس الساحلية، غربي سوريا، وقف صحفيون وناشطون إعلاميون دقيقة صمت على أرواح شهداء الإعلام والصحافة في غزة، وعلى رأسهم أنس الشريف ومحمد قريقع وزملاؤهم الذين قضوا بعد استهدافهم بصاروخ موجّه من طائرة مسيرة أول أمس الأحد. وقالت الصحفية مها اليوسف للجزيرة نت إن "العدوان الإسرائيلي استهدف بشكل مباشر نور الحقيقة لإطفائه، ولذلك لم يتوقف القتل من قبل الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحفيين والمدنيين جوا وأرضا". في دمشق وفي ساحة الأمويين وسط العاصمة دمشق، ساد الصمت وسط عشرات الصحفيين تضامنا مع زملائهم في غزة الذين يُقتلون فقط لأنهم صحفيون ولأنهم يرسلون صورة الموت والتجويع التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة في كل لحظة. وقال الصحفي عبد الباسط دعيمس من دمشق، للجزيرة نت، إن "الصحافة ليست جريمة" و"السترة الزرقاء التي تحمل شعار الصحافة (PRESS) هي لتميز من يرتديها وتوقف عنه الرصاص والاستهداف لا لتكون علامة لقتله بشكل مباشر بصواريخ موجّهة لإسكات صوته وإغلاق عدسته التي لا يمكن أن تموت لأن الإجرام لا يمكن أن ينتصر". أما الصحفي أمير عبد الباقي، فقال إن "الكلمة أقوى من الرصاص حتى لو قتلت الرصاصة الكلمة". وكانت هذه إحدى الرسائل التي رفعها الصحفيون السوريون بساحة الساعة في مدينة حمص وسط البلاد، تضامنا مع فريق الجزيرة الذي اغتالته يد العدوان الإسرائيلي. وقال عبد الباقي إن القضية الفلسطينية ستبقى "قضية العرب الأولى"، وإن القتل واستهداف أي مدني أو صحفي هو جريمة حرب لا يمكن السكوت عنها أو طمس معالمها، ولا سيما أن الصحفي لا يحمل السلاح بل يحمل العدسة التي تنقل مشاهد من الواقع فقط للعالم ليرى ما يحدث في أي بقعة جغرافية.