
عن دولارهم ومشكلتنا!
ليست الحرب التجارية وحدها السبب فيما يعانيه العالم اليوم. فالتجارة ما هي إلا أحد المحاور الاقتصادية المتعددة للصراع الدولي الراهن بين القوى التقليدية والقوى البازغة. فلا يمكن تجاهل القيود المتزايدة المفروضة على حركة الاستثمار، ويصعب غض الطرف عن موانع تقام في سبيل حركة البشر من العاملين أو طالبي العلم، أو عوائق تترصد التعاون التكنولوجي في مجالات طالت قوائمها ضد جنسيات بعينها.
وفي هذه الأثناء تتجدد دعوات قديمة بأن الامتياز السخي الفياض للدولار، على حد وصف جيسكار ديستان، عندما كان وزيراً في الحكومة الفرنسية في الستينات، آنَ له أن يشهد بدايات طال انتظارها لنهايته. وقد تكررت هذه الدعوات مع إعلان الرئيس الأميركي نيكسون عدم تحويل الدولار إلى ذهب في عام 1971، مما تسبب في نهاية العمل بنظام «بريتون وودز» لعام 1944، الذي دشَّن الدولار عملةَ احتياطيٍّ، فارتبطت به العملات المحلية بأسعار صرف ثابتة، وكان يتم تحويله تلقائياً إلى ذهب بمقدار 35 دولاراً لكل أونصة من الذهب. واستمر الجدل حول نظم سعر الصرف ومدى عدالتها وكفاءتها ومحاولة البحث عن بديل للعملة المتوَّجة.
وحتى يومنا هذا تُقوَّم العملات نسبةً إلى الدولار، وترتبط به بدرجات متفاوتة أسعار صرف العملات، فإن اتبعت الدول نظام صرف ثابتاً، كان ذلك بالنسبة إلى الدولار، وإن تبنَّت أسعار صرف مرنة، كان ذلك بالنسبة إليه أيضاً. ربما أُضيفت عملات أخرى في سلة العملات، ولكنه يظل أهمها نسبياً في الأوزان. حتى لو لم يكن الدولار طرفاً مباشراً في المعاملات، مع ازدياد استخدام عملات أخرى محلية ودولية عبر الحدود، فما زال يُستنَد إليه على أنه عملة «معبرية» تقاس بالنسبة إليها قيم العملات الأخرى وأسعار صرفها.
وعلى مدار سبعة عقود مضطربة للتمويل الدولي، على حد وصف الاقتصادي المرموق بجامعة هارفارد وكبير الاقتصاديين الأسبق لصندوق النقد الدولي، كينيث روغوف، في كتابه الجديد عن الدولار، يتبيَّن بالتحليل العلمي أن الخلود ليس من صفات العملات الدولية. فمقومات تمتعها بالتميز الذي تستحق به أن تكون عملةَ احتياطيٍّ، ناهيك بانفرادها بالقمة، محل فحص وتمحيص لا يعرف المجاملة أو يستجيب للتهديد أو الوعيد إذا ما بدأت موجات للتخلي عنها. فالعالم في حالة رصد دائمة لحركة الدولار وقيمته ومدى استقراره وصموده أمام موجات التضخم في بلاده وديونها المتراكمة، والتزامها بقواعد القانون، واستمرارها بمصداقيةٍ في الوفاء بالتزاماتها، واستدامة تمتعها بعمق أسواقها وسيولتها وتنوع أوعيتها المالية واعتبارها ملاذاً آمناً.
وفي حالتنا الراهنة فإنه مع انفلات الديون مع زيادة في أسعار الفائدة ومعها تكلفة الاقتراض، وتحجيم دور البنك الفيدرالي في كبح التضخم في ظل أجواء الصراع الجيوسياسي والحروب الاقتصادية... يكون العالم بصدد مشكلة تمس كل أطرافه. وقد رأينا في سجل الأزمات العالمية السابقة أن تبعاتها لا تصيب بالأذى مَن تسببوا فيها وحدهم، ولهذا جاء التحذير المتكرر في المقالات السابقة من شرور تمكُّن «حمقى السياسة وسفهاء الاقتصاد».
يُذكِّرنا روغوف بمقولة وزير الخزانة الأميركية جون كونولي، في عهد نيكسون، عندما واجه نظراءه الممتعضين من آثار السياسة الأميركية المنفردة على اقتصاداتهم بقولته الشهيرة: «هو دولارنا، وتلك مشكلاتكم». فما زالت السياسات الأميركية الساعية لمصلحتها المنفردة غير المكترثة بنتائج غير مقصودة على الشركاء، أو مقصودة على الغرماء، تُلقي بأعبائها على عموم الناس حول العالم. والولايات المتحدة في تاريخها المعاصر، بغضِّ النظر عن أسلوب الإدارة الحاكمة، سواء تحلَّت بمظهر المتعاون الودود أو تلبَّست دور الكاوبوي الأرعن، تترك سائر العالم ليحتوي تداعيات إجراءاتها بين صمودٍ وانهيارٍ، حسبَ أحوال متانة الاقتصادات الأخرى ومرونتها في تلقي الصدمات والتعامل معها.
ألم يكن تضخم السبعينات في الولايات المتحدة وبالاً على الاقتصاد العالمي في بلدان شتى عانت من ارتفاع أسعار الفائدة وتكلفة التمويل، وتسببت في موجة من موجات أزمات المديونية، ثم سرعان ما تعافت الولايات المتحدة من تضخم أسعارها تاركةً بلداناً نامية في اضطراب محتدم في أزمة سبَّبَتها بارتفاع تكلفة مديونياتها الدولارية؟ ألم تكن أزمة الرهون العقارية الأميركية هي التي أشعلت الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وكانت الولايات المتحدة أول المتعافين منها تاركةً أوروبا في اضطراب مالي ثم اقتصادي بتداعيات اجتماعية وسياسية مستمرة إلى يومنا هذا، مع تأثيرات متفاوتة على بلدان نامية وذات أسواق ناشئة تراجعت تجارتها واستثماراتها ومعدلات نموها وفرص العمل فيها؟
هذا ما صار، لكن في عالم شديد التغير هناك ما يقض مضجع مَن يتصور دوام الهيمنة، رغم تآكل مقوماتها. فما يهدد تفوق الدولار حقاً من مخاطر يأتي من الداخل، وليس من الخارج. ومن أشد هذه المخاطر أثراً زيادة عجز الموازنة الفيدرالية، والتصاعد المستشري في المديونية بما يدفع التضخم إلى الزيادة ومعه ترتفع أسعار الفائدة. ويزيد معها تعرض الاقتصاد الأميركي لتقلبات مالية حادة بتداعيات على الاقتصاد العالمي، وزيادة احتمالات أزمات مالية عنيفة مدفوعةً بالمديونية الدولية. وتستشري المخاطر إذا ما تعرض البنك الفيدرالي لمهددات تنال من استقلاله وتعوقه عن أداء وظيفته الرئيسية في الحفاظ على الاستقرار النقدي والسلامة المالية.
ويذكِّر روغوف من يرى في نتائج تحليله مبالغة في آثار عدم الانضباط المالي بقوله: «لو لم نتعلم إلا شيئاً واحداً من تحليل تطور النظام النقدي العالمي خلال السنوات السبعين الماضية، فهو أن التغيرات المفاجئة ليست قابلة للحدوث فحسب، بل هي تحدث بالفعل».
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة عاجل
منذ 24 دقائق
- صحيفة عاجل
سعر الريال مقابل الدولار والعملات الأجنبية اليوم الخميس 16-12-1446
فريق التحرير تباينت أسعار العملات الأجنبية مقابل الريال اليوم الخميس 16-12-1446؛ في البنك المركزي اليوم، فاستقر سعر الريال مقابل الدولار الأمريكي، وتباينت أسعار بعض العملات الأخرى. سعر الدولار مقابل الريال وسجل سعر الدولار الأمريكي مقابل الريال في البنك المركزي، اليوم الخميس 16-12-1446، بقيمة 3.75 ريال. فيما سجل سعر الجنيه الإسترليني مقابل الريال، 5.077 ريال. كما سجل سعر الفرنك السويسري مقابل الريال، 4.57 ريال. سعر اليورو مقابل الريال وسجل اليورو مقابل الريال في البنك المركزي، اليوم الخميس 16-12-1446، نحو 4.3 ريال. فيما سجل سعر الريال مقابل الين الياباني، 0.026 ريال. كما سعر الريال مقابل الريال البرازيلي، 0.676 ريال. أما سعر الريال مقابل الدولار الكندي، 2.7 ريال. أسعار العملات الأجنبية مقابل الريال وسجل سعر الريال مقابل اليوان الصيني، 0.52 ريال. أما سعر الريال مقابل الجنيه القبرصي، فسجل 7.36 ريال. وسجل سعر الريال مقابل الكرون الدنماركي، 0.577 ريال. بينما سجل سعر الريال مقابل البيزو الأرجنتيني، 0.003 ريال. وسجل سعر الريال مقابل الدولار الأسترالي، 2.44 ريال. وسجل سعر الريال مقابل الروبية الهندية، 0.044 ريال. سعر الريال مقابل الروبية السريلانكية، 0.0126 ريال. وسجل سعر الريال مقابل الروبية الإندونيسية، 0.0022 ريال. وسجل سعر الريال مقابل الروبية الباكستانية، 0.0134 ريال. وسجل سعر الريال مقابل الدولار النيوزيلندي، 2.265 ريال. وسجل سعر الريال مقابل الروبل الروسي، 0.047 ريال. وسجل سعر الريال مقابل الليرة التركية، 0.096 ريال. قد يعجبك أيضاً No stories found.


العربية
منذ 39 دقائق
- العربية
مسؤول غربي للعربية: التصعيد الأميركي محاولة لتحسين التفاوض مع إيران
علّق مسؤول أمني غربي على التصعيد الأخير في منطقة الشرق الأوسط، معتبرا في حديث للعربية والحدث بأن الأمر محاولة من الولايات المتحدة لتحسين موقفها التفاوضي قبل الجولة السادسة من المفاوضات مع إيران يوم الاحد المقبل. فيما أشار مسؤول إيرانيٍ رفيع المستوى إلى أن الإخلاءات الأميركية لعائلات عسكريين ودبلوماسيين من المنطقة ليست تهديداً. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد علق أيضاً على هذه التقارير التي تفيد بنقل عائلات دبلوماسيين وعسكريين أميركيين من منطقة الشرق الأوسط بالقول إن "هذه الإجراءات تأتي لأنّ المكان قد يكون خطراً في ظلّ التوتّرات الراهنة مع إيران". كما جدد ترامب القول إن إيران لا يمكنها امتلاك سلاح نووي. وقال خلال كلمة له في مركز جون كيندي بواشنطن، إن أميركا أصدرت إشعارا بنقل مواطنيها الأميركيين من مناطق في الشرق الأوسط لأن المكان هناك قد يكون خطيرا جدا. وأفادت صحيفة "ووشنطن بوست" أن السفارات الأميركية والقواعد العسكرية في الشرق الأوسط في حالةِ طوارئ مع تصاعد القلق من ضربة إسرائيلية على إيران. وكانت مصادر العربية والحدث، اشارت سابقا إلى أن واشنطن، بدأت بنقل عائلات دبلوماسيين وعسكريين أميركيين، بينهم منتسبون لقيادة الأسطول الأميركي. القرار، بحسب المصادر، لا يرتبط بتهديدات مباشرة بل يأتي كإجراء وقائي في ظل توتر المحادثات النووية والتصريحات الإسرائيلية المتشددة وأكدت مصادر للعربية والحدث في ذات الشأن أن الولايات المتحدة لم تُرسل أي تعزيزات عسكرية إضافية إلى المنطقة. وبالتزامن نشر حساب البيت الأبيض، عبر "إكس" فيديو جديد للرئيس ترامب تضمن مشاهد من تدريبات للجيش الأميركي وتعليقا صوتيا له اعتبر تصعيديا وقرعا لطبول الحرب، وقال ترامب للجنود في المقطع ستدافعون عن أميركا حتى أقاصي الأرض.. ونقلت شبكة "إن بي سي نيوز"، عن مصادر قولها، إن إسرائيل تدرس القيام بعمل عسكري أحادي ضد إيران من دون دعم الولايات المتحدة. وتابعت المصادر أن واشنطن في حالة ترقب في ظل احتمالية قيام إسرائيل بتوجيه ضربة ضد إيران، وأن البيت الأبيض لم يطلع كبار المشرعين على هذه القضية، فيما تتركز المخاوف الاميركية في أن تقوم إيران بالرد على أي عمل عسكري اسرائيلي ضد أفراد أو أصول أميركية في المنطقة. وبالرغم من تصاعد حدة التوترات أكد وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي أن الجولة السادسة من المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، ستُعقد يوم الأحد القادم في العاصمة العُمانية مسقط.


مباشر
منذ ساعة واحدة
- مباشر
تراجع أسعار النفط مع تقييم السوق لتبعات التوتر بالشرق الأوسط
مباشر- تراجعت أسعار النفط اليوم الخميس وخسرت المكاسب التي سجلتها في وقت سابق من جلسة التداول الآسيوية في وقت تقيم فيه السوق أثر قرار الولايات المتحدة نقل أمريكيين من الشرق الأوسط قبل محادثات مرتقبة مع إيران بشأن برنامجها النووي. وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 30 سنتا أو 0.4% إلى 69.47 دولار للبرميل بحلول الساعة 0433 بتوقيت جرينتش.كماتراجع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 23 سنتا أو 0.3% إلى 67.92 دولار. وقفز الخامان أمس الأربعاء بأكثر من أربعة% إلى أعلى مستوياتهما منذ أوائل أبريل نيسان. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الأربعاء إن الولايات المتحدة ستنقل جنودا من الشرق الأوسط لأنه "قد يكون مكانا خطيرا". وأضاف أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي. وتصر إيران على أن برنامجها النووي سلمي. وأدى تصاعد التوتر مع إيران إلى زيادة احتمالات تعطل إمدادات النفط. ومن المقرر أن يجتمع الطرفان يوم الأحد. وقال فيفيك دهار مدير أبحاث التعدين وسلع الطاقة في بنك الكومنولث الأسترالي "بعض ارتفاع أسعار النفط الذي دفع خام برنت لتجاوز 70 دولارا للبرميل كان مبالغا فيه. لم تحدد الولايات المتحدة تهديدا مباشرا من إيران". وأضاف أن رد إيران مشروط فقط بأي تصعيد من جانب الولايات المتحدة. وتابع قائلا "التراجع في (السعر) منطقي، لكن من المرجح أن تستمر علاوة المخاطر الجيوسياسية التي تبقي سعر برنت فوق 65 دولارا للبرميل حتى تتضح نتائج محادثات واشنطن وطهران بشأن الملف النووي". وذكرت رويترز أمس الأربعاء نقلا عن مصادر أمريكية وعراقية أن الولايات المتحدة تستعد لإخلاء جزئي لسفارتها في العراق وستسمح لأسر العسكريين الأمريكيين بمغادرة مناطق في أنحاء الشرق الأوسط بسبب المخاطر الأمنية المتزايدة في المنطقة. والعراق هو ثاني أكبر منتج للخام في منظمة أوبك بعد السعودية. وقال مسؤول أمريكي إن أسر العسكريين قد يغادرون البحرين أيضا. وقال كلفن وونج كبير محللي السوق لدى أواندا أن الأسعار انخفضت بعد أن بلغت مستويات مقاومة فنية خلال ارتفاعات أمس الأربعاء كما يراهن بعض المتعاملين في السوق على أن يسهم اجتماع الأحد بين الولايات المتحدة وإيران في تهدئة التوتر. وكرر ترامب مرارا تهديده بقصف إيران إذا فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق يتعلق بأنشطة إيران النووية بما في ذلك تخصيب اليورانيوم. وحذر وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده أمس الأربعاء من أن بلاده ستستهدف القواعد الأمريكية في المنطقة إذا فشلت المحادثات النووية وبدأت الولايات المتحدة تصعيدا عسكريا. ويعتزم المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف لقاء وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في سلطنة عمان يوم الأحد لمناقشة رد طهران على المقترح الأمريكي بشأن التوصل لاتفاق نووي. وقالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة انخفضت بمقدار 3.6 مليون برميل إلى 432.4 مليون برميل الأسبوع الماضي. وتوقع محللون استطلعت رويترز آراءهم تراجعا بمقدار مليوني برميل. للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا