الانتقام قصة بوينج
العين بالعين، وسينتهي العالم بأسره أعمى- غاندييذكر كتاب كليلة ودمنة أن رجلًا فقيرًا كان يملك جرة عسل، فوضعها في مكان مرتفع داخل بيته، ثم جلس يتأملها وقال في نفسه:«سأبيع هذا العسل، وأشتري بثمنه دجاجًا، فتبيض الدجاجات، فأبيع البيض وأشتري بثمنه عنزًا، ثم بقرة، ثم أشتري دارًا، وأتزوج، فأنجب ولدًا، فإذا عصاني ضربته بالعصا هكذا!»ثم رفع يده وضرب في الهواء وهو غارق في أحلام يقظته، فاصطدمت يده بالجرة فسقطت، وانكسرت، وسال العسل، وضاع الحلم.أول ضحايا التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس ترامب، وحربه التجارية على الصين، كانت شركة «بوينغ» الأميركية، عملاق صناعة الطائرات.وقد نرى اليوم ومدير الشركة يسلّم مفاتيح المصانع إلى الرئيس ترامب، قائلاً : «سيدي الرئيس، تركت لكم الجمل بما حمل... تفضّل، دِير المصنع!»حتى الآن، تبدو خطوة الرئيس ترامب في رفع التعريفات الجمركية وإعلان الحرب التجارية على الصين غير مدروسة.فرغم أن الأهداف المُعلَنة لهذه التعريفات هي تقليص العجز التجاري، وإعادة دوران عجلة الصناعة داخل الولايات المتحدة، وملء المصانع بالعمال، إلا أن النتائج حتى اللحظة تبدو عكسية.بعد أن فرض الرئيس ترامب 125 تعرفة جمركية جديدة على الصناعات الصينية، ردّت الصين بالمثل، فأعلنت على الفور فرض رسوم على عدة قطاعات، على رأسها قطاع الطيران الأميركي، وهو ما أصابه في مقتل.تأثرت مصانع شركة «بوينغ» في الصين بشكل مباشر، ما أدى إلى ارتفاع أسعار طائراتها بشكل كبير مقارنةً بمنافسيها. وكانت النتيجة أن شركات الطيران الصينية علّقت جميع طلباتها، والتي تُقدّر بـ179 طائرة، تصل قيمتها إلى عشرين مليار دولار، وذلك في ضربة واحدة خلال أسبوع واحد. والقادم أعظم. وهذه الخسائر لا تقتصر على «بوينغ» وحدها، بل تمتد لتشمل شبكة واسعة من الشركات المورّدة لقطع الغيار، وشركات اللوجستيات.وفي نهاية المطاف، ستصل التداعيات إلى مهندس البرمجيات الجالس في سياتل، حيث تتشابك حلقات الصناعة والتكنولوجيا في منظومة مترابطة لا تحتمل العشوائية. لن تتمكن «بوينغ» من تجاوز أزمتها ، فالصين تمثّل 20% من سوق الطائرات العالمي، وهي ثاني أكبر مشترٍ للطائرات بعد الولايات المتحدة، والأسرع نموًا على الإطلاق. ومع تصاعد الأزمة، ستتجه الصين إلى منافسي «بوينغ»، وعلى رأسهم «إيرباص» الفرنسية، كما ستعزز استثماراتها في شركتها الوطنية الناشئة «كوماك» لصناعة الطائرات.وفي نهاية المطاف، ستتحول «كوماك» إلى أحد أبرز صانعي الطائرات في العالم، وستنافس الشركات الأميركية والأوروبية بكل جدارة.ولنا في تجربة الصين في صناعة السيارات عبرة لمن يعتبر. وقد تراجع سهم شركة «بوينغ» بنسبة 5%. ويُقدّر المحللون أن إيرادات الشركة ستنخفض بأكثر من مليار دولار خلال هذا العام وحده.كان من المفترض أن يؤدي قرار ترامب بفرض التعرفات الجمركية إلى جعل صناعة الطيران الأميركية أكثر قدرة على المنافسة، لكن ما حدث كان العكس تمامًا.فبدلًا من أن يقاتل من أجل العمال، يبدو أنه دون قصد وجّه ضربته إليهم، إذ قد يؤدي هذا القرار إلى تدمير الشركة بالكامل، بل وربما إغلاقها إذا استمرت الحرب التجارية بين البلدين.لم يضر الرئيس ترامب بشركة «بوينغ» وحدها، بل طالت أضراره العديد من القطاعات الأخرى، وعلى رأسها المزارعون الأميركيون وشركات التكنولوجيا.لكن الأخطر من كل ذلك، هو بداية تآكل الثقة في الاقتصاد الأميركي نفسه.قصة «بوينغ» تمثّل مثالًا صارخًا على نتائج القرارات الشعبوية غير المدروسة، وعلى خطورة إحاطة الرئيس بفريق من المساعدين الذين لا يملكون الجرأة لقول «لا».وقد بدا هذا جليًا خلال الولاية الأولى لترامب، حين استقال عدد من مستشاريه احتجاجًا على قراراته المثيرة للجدل. أما في ولايته الثانية، فاختار أن يحيط نفسه بمساعدين مطيعين بالكامل، لا يعارضونه مهما كانت العواقب. نحن نشهد بداية تغيّر جذري في العالم الذي نعرفه. ولن يقتصر هذا التغيّر على التجارة والأسواق والدولار، بل سيمتد ليطال الأيديولوجيات، والتحالفات، ومفاهيم الحريات. فالعالم الذي تشكّل بعد عام 1945، عقب اتفاقية «بريتون وودز»، والتي مكّنت الولايات المتحدة من بسط هيمنتها على النظام المالي العالمي، ودفعت الدول للاحتفاظ بالدولار وشراء سندات الخزانة الأميركية، يبدو اليوم على وشك التفكك.يُجمع خبراء السياسة والاجتماع على أن الإمبراطوريات تسقط غالبًا لثلاثة أسباب رئيسية: التوسع المفرط في الاقتراض، والانقسام الداخلي، ثم فقدان الثقة.وقد حققت الولايات المتحدة بالفعل الشرطين الأول والثاني، وها هي تمضي بخطى واثقة نحو تحقيق الثالث.هذه الحرب الاقتصادية المشتعلة بين الولايات المتحدة والصين لن تكون حتمًا في صالح واشنطن، فالصين دأبت منذ أشهر طويلة على تخزين الذهب، وتمتلك ما يزيد عن 800 مليار دولار من سندات الخزانة الأميركية، وإذا قررت، في لحظة تصعيد، التخلص من هذه السندات، فإن الأضرار التي ستلحق بالاقتصاد الأميركي ستكون هائلة وقد يُعد ذلك بمثابة إشعال فتيل حرب عالمية ثالثة.نحن اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يتراجع الرئيس ترامب ويبرم صفقة تُنهي هذه الحرب التجارية مع الصين، أو نودّع العالم الذي عرفناه.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صراحة نيوز
منذ 38 دقائق
- صراحة نيوز
ترامب يهدد آبل بفرض رسوم جمركية إذا لم تُصنّع آيفون في أمريكا
صراحة نيوز ـ وجّه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الجمعة، تهديداً مباشراً لشركة آبل بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25%، في حال لم تُعد الشركة تصنيع هواتف 'آيفون' إلى داخل الولايات المتحدة. وقال ترامب في منشور على منصته 'تروث سوشال': 'لقد أبلغت تيم كوك منذ فترة طويلة أنني أتوقع أن يتم تصنيع هواتف آيفون في الولايات المتحدة، وليس في الهند أو في أي مكان آخر. إذا لم يحصل ذلك، سيتوجب على آبل دفع رسم جمركي قدره 25% على الأقل للولايات المتحدة'. وتعكس تصريحات ترامب استمرار نهجه المتشدد في ما يخص السياسات الاقتصادية والصناعية، حيث يشدد على ضرورة إعادة الشركات الأميركية الكبرى لتصنيع منتجاتها داخل البلاد، بهدف دعم الاقتصاد المحلي وتقليل الاعتماد على الخارج. ولم تصدر شركة آبل حتى الآن أي تعليق رسمي على تصريحات ترامب الأخيرة.


وطنا نيوز
منذ ساعة واحدة
- وطنا نيوز
إدارة ترامب تلغي حق جامعة هارفرد في تسجيل الطلاب الأجانب
وطنا اليوم:ألغت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حقّ جامعة هارفرد في تسجيل الطلاب الأجانب، ما يعرض مستقبل آلاف الطلاب للخطر، فيما انتقدت الصين الجمعة 'تسييس' التبادلات العلميّة. ويهدد القرار الذي أعلنته الإدارة الأميركية الخميس بتكبيد الجامعة المرموقة خسائر مالية ضخمة. وسارعت الجامعة ومقرها مدينة كامبريدج في ولاية ماساتشوستس إلى انتقاد القرار ووصفته بأنه 'غير قانوني'، وقالت إنه سيضر بها وبالولايات المتحدة، في حين قالت طالبة إنها وزملاءها 'يشعرون بالذعر'. لا يخفي ترامب غضبه إزاء جامعة هارفرد التي تخرج منها 162 من حائزي جائزة نوبل، وذلك لرفضها طلبه الخضوع للرقابة على القبول والتوظيف بعدما اتهمها بأنها معقل لمعاداة السامية و'أيديولوجيا اليقظة' (ووك). ستكون خسارة الطلاب الأجانب الذي يشكلون أكثر من ربع طلابها مكلفة لجامعة هارفرد التي تتقاضى من كل منهم عشرات الآلاف من الدولارات سنويا في شكل رسوم دراسية. وجاء في رسالة وجّهتها وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم إلى رابطة 'آيفي ليغ' التي تضم ثماني من أشهر جامعات البلاد 'بمفعول فوري، تم إبطال الترخيص الممنوح لبرنامج الطلاب وتبادل الزوار الأجانب في جامعة هارفرد'، في إشارة إلى النظام الرئيسي الذي يُسمح بموجبه للطلاب الأجانب بالدراسة في الولايات المتحدة. وقالت نويم في بيان منفصل إن 'هذه الإدارة تحمّل هارفرد مسؤولية تعزيز العنف ومعاداة السامية والتنسيق مع الحزب الشيوعي الصيني في حرمها الجامعي'. ويشكل الطلاب الصينيون أكثر من خمس إجمالي عدد الطلاب الدوليين المسجلين في هارفرد، وفقا لأرقام الجامعة، وقالت بكين إن القرار 'لن يؤدي إلا إلى الإضرار بصورة الولايات المتحدة ومكانتها الدولية'. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماو نينغ 'لطالما عارض الجانب الصيني تسييس التعاون التعليمي'. بدورها، انتقدت وزيرة البحث العلمي الألمانية دوروثي بير الجمعة قرار الحكومة الأميركية، وقالت خلال اجتماع مع نظرائها الأوروبيين في بروكسل 'إنه قرار سيّئ للغاية. آمل بأن يتم إلغاؤه'. وأضافت الوزيرة أنها 'تشعر بقلق بالغ إزاء ما يحدث في الولايات المتحدة في الوقت الراهن… قرار الحكومة الأميركية (…) يحزنني كثيرا. إنه لا يشكل إشارة إيجابية، لا بالنسبة إلى الجيل الشاب ولا للعالم الحر'. ردت جامعة هارفرد التي رفعت دعوى قضائية بشأن مجموعة منفصلة من الإجراءات العقابية الحكومية، على خطوة إدارة ترامب ووصفتها بأنها 'غير قانونية'. وقالت الجامعة في بيان 'نحن ملتزمون تماما الحفاظ على قدرة هارفرد على استضافة طلابنا وعلمائنا الدوليين'، مضيفة أنها تعمل على تقديم التوجيه والدعم للطلاب. وأضافت 'هذا الإجراء الانتقامي يهدد بإلحاق أضرار جسيمة بمجتمع هارفرد وبلدنا، ويقوض المهمة الأكاديمية والبحثية لجامعة هارفرد'. وقال كارل مولدن، وهو طالب دولي من النمسا، إنه تقدم بطلب للدراسة في أكسفورد في بريطانيا لأنه كان يخشى مثل هذه الإجراءات. وأضاف الطالب البالغ 21 عاما لوكالة فرانس برس 'إنه أمر مخيف ومحزن'، واصفا قبوله في هارفرد بأنه 'أعظم امتياز' في حياته. وتابع مولدن 'من المؤكد أن هذا سيغير تصور الطلاب الذين قد يفكرون في الدراسة هناك، فالولايات المتحدة أصبحت أقل جاذبية للتعليم العالي'. ووصف قادة فرع هارفرد في الجمعية الأميركية لأساتذة الجامعات القرار بأنه 'الأحدث في سلسلة من التحركات السلطوية والانتقامية ضد أقدم مؤسسة للتعليم العالي في أميركا'. وأضافوا في بيان 'تسعى إدارة ترامب بشكل غير قانوني إلى تدمير التعليم العالي في الولايات المتحدة. وهي تطالبنا الآن في خضم ذلك بالتضحية بطلابنا الدوليين. لا يمكن للجامعات أن تستسلم لمثل هذا الابتزاز'. في الشهر الماضي، هدد ترامب بمنع هارفرد من قبول الطلاب الأجانب إذا لم توافق على مطالب حكومية من شأنها وضع المؤسسة المستقلة تحت إشراف سياسي خارجي. وكتبت وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم في بيانها 'كما شرحت لكم في رسالتي في نيسان/أبريل، فإن تسجيل الطلاب الأجانب هو امتياز'. وشدّدت الوزيرة على 'وجوب أن تمتثل كل الجامعات لمتطلبات وزارة الأمن الداخلي، بما فيها متطلبات الإبلاغ بموجب أنظمة برنامج الطلاب والزائرين، للاحتفاظ بهذا الامتياز'. شكّل الطلاب الأجانب أكثر من 27 في المئة من المسجّلين في هارفرد في العام الدراسي 2024-2025، وفق بيانات الجامعة. وقالت الطالبة الأميركية أليس غوير لوكالة فرانس برس 'لا أحد يعرف' ما يعنيه هذا الإجراء بالنسبة إلى الطلاب الدوليين المسجلين. وأضافت 'لقد بلغنا الخبر للتو، لذلك كنت أتلقى رسائل نصية من الكثير من الأصدقاء الدوليين، وأعتقد أن لا أحد يعرف' مدى تأثيره. وتابعت 'الجميع في حالة ذعر'. في الأثناء، أمر قاض فدرالي الخميس بوقف كل عمليات إنهاء الوضع القانوني للطلاب الدوليين على مستوى البلاد، رغم أنه لم يتضح على الفور كيف سيؤثر القرار على الطلاب المسجلين في جامعة هارفرد. وقال القاضي جيفري وايت إن المسؤولين الأميركيين 'أحدثوا فوضى' في حياة الناس، وإن الأمر القضائي من شأنه أن يوفر 'الاستقرار' لهم لمواصلة دراستهم. ويأتي ذلك عقب خطوات عدوانية اتخذتها إدارة ترامب ضد جامعات احتج فيها طلاب على إسرائيل بسبب الحرب في غزة. وقال وزير الخارجية ماركو روبيو الثلاثاء إن الإدارة ألغت 'آلاف' التأشيرات، بموجب قانون فضفاض يسمح بإبعاد أشخاص على خلفية نشاطات تعتبر مخالفة لمصالح السياسة الخارجية الأميركية.

الدستور
منذ ساعة واحدة
- الدستور
ارتفاع الإسترليني مقتربا من حاجز 1.35 دولار
لندن - بترا سجّل الجنيه الإسترليني، اليوم الجمعة، ارتفاعًا ملحوظاً بنسبة 0.74 بالمئة أمام الدولار الأميركي، ليقترب من حاجز 1.35 دولار، حيث بلغ مستوى 1.3496 دولار، وفقاً للتقارير المالية البريطانية. وفي المقابل، تراجع الإسترليني بشكل طفيف أمام العملة الأوروبية الموحدة "اليورو"، بنسبة 0.07 بالمئة، ليسجل 1.1886 يورو.