
تحديات الصراع على سوريا وفيها
فلا الوحدة مع مصر كانت خطوة عادية في منطقة التمسك بالكيانات، إذ لم تعش أكثر من ثلاثة أعوام. ولا نظام آل الأسد كان عادياً، وهو فرض الأحادية والتوريث في جمهورية مشهورة بالانقلابات العسكرية حكمها على مدى 54 عاماً. ولا مواكبة إمارة إدلب إلى حكم دمشق كانت قراراً عادياً. ومن هنا قوة الدعم الأميركي والسعودي والتركي والقطري للرئيس أحمد الشرع سياسياً واقتصادياً، على رغم ما حدث في الساحل والسويداء وما يحدث في أماكن أخرى من مجازر في حق الأقليات، وإن مع دعوات إلى الانفتاح وتفعيل التحقيق.
نظام الأسد في أيام الأب حافظ عرف كيف يقوم بدور اللاعب بين القوى الإقليمية والدولية في الصراع على المنطقة، وكيف يقمع الصراعات الداخلية بكل الأسلحة من دون حساب مجزرة حماة مثلاً، لأنه كان يقدم خدمات إقليمية دولية لمن يستطيع أن يعاقب وأن يكافئ. أما في أيام الابن بشار الذي كان يفاخر بأنه يجيد سياسة "إدارة الرياح"، فإنه صار لعبة في الصراع على سوريا مع مزيد من العنف ضد المعارضين في الداخل.
والنظام الذي يبنيه الرئيس أحمد الشرع يواجه تحديات الصراع على سوريا، والصراع في سوريا. الصراع على سوريا يتركز بين الدور التركي والدور العربي والدور الإسرائيلي برعاية أميركا في مواجهة دور إيراني منحسر ودور روسي متراجع. وليس أفضل خيار أمام الشرع هو الأسهل، أي أن يبدأ من حيث بدأ أو من حيث انتهى نظام الأسد، ولو من الموقع المعاكس. فالرعاية الأميركية والعربية والإقليمية له تسهل اجتياز الأخطار. أما التحدي الأكبر أمامه، فإنه إيجاد حل للصراع في سوريا. ومن دون هذا الحل، فإن المواكبة الخارجية لا تكفي والأدوار الخارجية لا تنفع.
ذلك أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تكرر القول إنه لا بديل من إدارة الشرع، وتطالبه خلال الوقت نفسه بتوسيع دائرة المشاركة في السلطة. وتلك هي المسألة والمشكلة في آن. نظام الأسد رفض أن يشاركه أحد، بحيث لجأ إلى قمع الانتفاضة الشعبية التي بدأت من درعا، واختار الحرب على المشاركة، فانتهى في موقع من هزم نفسه في نهاية نظام انهار على مراحل.
ونظام الشرع أمامه فرصة تحتاج إلى قرار كبير هو إعادة بناء سوريا من القاعدة إلى القمة، إعادة بناء المواطنة ومعالجة التخريب الذي لحق بالنسيج الاجتماعي في النظام الساقط وازداد حدة في هذه المرحلة من الإدارة الجديدة. بناء جيش وطني، لا جيش فصائل سلفية على طريقة "الجيش العقائدي" أيام "البعث". وبناء دولة لا مجرد سلطة تحكم بقوى أمنية حاملة أفكارها السلفية وإعلان دستوري ناقص وتعيين مجلس نيابي مطاوع والاستمرار في حل الأحزاب. وبالطبع، إعطاء أولوية للنهوض الاقتصادي وإعادة الاعتبار إلى القضاء.
والاختبار الأول هو بدء المشاركة مع القوى الشعبية التي نزلت إلى الشوارع وتحملت القمع والسجن والقتل والمنفى من أجل الثورة.
فهؤلاء هم الذين صنعوا الثورة، وإن كانت "هيئة تحرير الشام" هي التي وجهت الضربة القاضية للنظام الهارب. ففي رأي لينين، إن "ما يحتاج إليه المرء لإسقاط نظام ليس منظمة ثورية بل منظمة ثوريين". وما أسقط الأسد ليس منظمة ثوريين ولا منظمة ثورية بل شعب بكل تنوعه، وهذا التنوع في المجتمع هو ما يجب أن ينعكس على صورة السلطة التي تبني دولة لشعب ضد إغراء التمسك بالسلطة لفريق واحد.
والتحدي الملح والضروري حالياً هو مواجهة التغول الإسرائيلي، سواء على الأرض امتداداً من جبل الشيخ والجولان إلى أجزاء مهمة من محافظتي درعا والقنيطرة، وصولاً إلى ادعاء حماية الدروز في السويداء. وإذا كان في واشنطن من يعترف بأن إسرائيل تريد تقسيم سوريا التي تقف أميركا مع وحدتها، فإن سوريا في الواقع مقسمة والمطلوب إعادة توحيدها.
هذا ما حدث عام 1925 عندما قسم الانتداب الفرنسي سوريا إلى أربع دول هي دولة العلويين ودولة الدروز ودولة حلب ودولة دمشق، فرفض السوريون التقسيم وأعادوا توحيد البلاد بقيادة سلطان باشا الأطرش والشيخ صالح العلي وإخوانهما. وهذا ما يمكن ويجب أن يحدث اليوم عبر الانفتاح الكامل على كل الأطياف في المجتمع السوري. فلا القوة العسكرية تنجح في فرض الدولة المركزية التي بدأت الثورة في ظل الاعتراض على إدارتها، ولا شيء يقوي الموقف السوري في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وسط العجز العسكري، بعدما دمرت إسرائيل الأسلحة التي تركها الجيش السوري وكان حله غلطة، سوى الوحدة الوطنية. وليس من المعقول أن تصبح سوريا مجرد طوائف وعشائر وقبائل وإثنيات تتبادل الخوف والكره، بدلاً من أن تكون كما هي في جوهرها أرض الغنى في التنوع والتسابق على الإبداع الوطني.
والفارق كبير بين الدعم الأميركي والإقليمي والعربي للإدارة السورية خوفاً من الانهيار في ظل اللابديل، وبين الدعم مع العمل للصعود إلى الدولة. وسوريا تستحق الدعم الذي تعددت مصادره، ولا سيما في المنتدى الاستثماري السعودي الذي عقد في دمشق بتوجيه من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وحصد 4 مليارات دولار، وتستحق دولة على مستوى مجتمعها المتنوع، بدل الانتقال من حكم أقلية إلى حكم أقلية ضمن أكثرية منفتحة وغير سلفية.
ولا مبرر لأن يجد السوريون أنفسهم أمام المثل الإسباني القائل "لا تطلب الإجاص من شجر الدردار".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 22 دقائق
- الرياض
وفد من "الثقافة" يزور "مركز الملك فيصل" لتعزيز التعاون البحثي
استقبلت صاحبة السمو الملكي الأميرة مها بنت محمد الفيصل، الأمينُ العام لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وفدًا من وزارة الثقافة برئاسة الأستاذ براء العوهلي، وكيل الاستراتيجيات والسياسات الثقافية، وذلك في مقر المركز بالرياض. وجرى الاستقبال بحضور الدكتور عبدالله حميد الدين، مساعد الأمين العام للشؤون العلمية، والأستاذ ياسر الزهراني، مستشار الأمين العام. وتأتي هذه الزيارة في إطار تعزيز التعاون المشترك بين وزارة الثقافة والمركز؛ لبحث آفاق الشراكة في مشاريع بحثية إستراتيجية تتقاطع مع توجهات رؤية السعودية 2030، وتركز على تمكين المعرفة التاريخية والمعاصرة، وتوظيف البحث العلمي في خدمة السياسات الثقافية الوطنية. وتعكس الزيارة حرص الجانبين على تطوير قنوات التواصل، وتكامل الأدوار بين المؤسسات الفكرية والثقافية في المملكة، على نحو يُسهِم في إثراء المحتوى المحلي، وتعزيز حضور السعودية على الساحة المعرفية الدولية. وشملت الزيارة جولة تعريفية في معرض "أسفار" التابع للمركز، ومتحف الفيصل للكتاب والصنائع العربية والإسلامية، حيث اطّلع الوفد على أبرز المخطوطات والمقتنيات التراثية التي تعكس البعد الحضاري العميق للمملكة والعالم الإسلامي.


الشرق الأوسط
منذ 39 دقائق
- الشرق الأوسط
وزير الخارجية السعودي يصل إلى نيويورك لترؤس الاجتماع الوزاري لـ«حل الدولتين»
وصل الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، الاثنين، إلى مدينة نيويورك، للمشاركة في ترؤس المؤتمر الدولي الرفيع المستوى حول التسوية السلمية لقضية فلسطين، وتنفيذ «حل الدولتين» على المستوى الوزاري، الذي ترأسه المملكة بالشراكة مع فرنسا، والمنعقد في مقر الأمم المتحدة. ويهدف المؤتمر إلى طرح مسار زمني يؤسس لدولة فلسطينية ذات سيادة، وينهي الاحتلال على أرضها على أساس حل عادل ودائم وفقاً لمبادرة السلام العربية والقرارات الأممية ذات الصلة، كما يركز المؤتمر خلال أيام انعقاده على الإجراءات العملية لدعم التسوية السلمية بشكل عاجل، ووضع أسس حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية يوقف دائرة العنف المستمرة في المنطقة، ويسهم في استقرار أمنها الإقليمي، وينهي معاناة الشعب الفلسطيني الشقيق، ويعيد له حقوقه المشروعة في تجسيد دولته الفلسطينية المستقلة.


الشرق الأوسط
منذ 12 ساعات
- الشرق الأوسط
تفكيك خلايا ماهر الأسد في الساحل السوري
تمكنت قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية السورية من تفكيك خلايا مرتبطة بماهر الأسد؛ قائد «الفرقة الرابعة» في النظام البائد. وقال بيان إن الأجهزة الأمنية تمكنت من ضبط وتفكيك خلية إرهابية يقودها ماهر حسين علي، المتورط في تنفيذ هجمات سابقة استهدفت مواقع تابعة للأمن الداخلي، وإنه كان بصدد الإعداد لهجمات جديدة في المحافظة. وأظهرت التحقيقات وجود تنسيق مباشر بين هذه الخلية وكل من ماهر الأسد والوضاح سهيل إسماعيل؛ قائد ما يُعرف بـ«فوج المكزون»، إلى جانب تلقي دعم لوجيستي مباشر من «حزب الله» اللبناني وميليشيات أخرى. وأسفرت العمليات الأمنية أيضاً عن اعتقال العقيد السابق في «الحرس الجمهوري» مالك علي أبو صالح، رئيس ما تُعرف بـ«غرفة عمليات الساحل».