
حرب الوعي السيادي.. حرب كل المغاربة الحلقة 1: صناعة السُّخط والتّضبيع.. تطرّف متحوّر يهدد المجتمع
إستمع للمقال
لم تعد التهديدات التي تواجه الدول اليوم مقتصرة على الجريمة المنظمة أو الإرهاب المسلح، بل برزت خلال العقود الأخيرة أنماط أكثر خبثا وهدوءا، تستهدف البنى العميقة للمجتمعات عبر توجيه العقول وتضليل الوعي.
ومن أخطر هذه الأنماط ما يُعرف بـ'صناعة السُّخط'، التي تعمل على تحويل فكرة الإحباط الشعبي إلى قناعة عدائية تجاه الدولة، مقابل ظاهرة موازية تُعرف بـ'التضبيع'، أي تسطيح الوعي وتفريغ الفرد من أي قدرة نقدية تجعله يقاوم الخطابات المتطرفة. هاتان الظاهرتان، حين تشتغلان معا، تنتجان حالة مُرَكّبة من التهييج والانقياد، تمهد الطريق لاختراق المجتمع وإضعاف الدولة من الداخل دون رصاصة واحدة.
منذ أواخر القرن التاسع عشر، توالت حركات متباينة في توجهاتها، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، على صناعة خطاب السُّخط ضد الدولة ومؤسساتها كأداة لتغيير الأنظمة أو تقويضها. اختلفت الأفكار، لكن ظل الهدف واحدا: تشكيك الناس في مؤسسات الدولة ونزع الشرعية عنها.
في أوروبا، استعملت الحركة الأناركية سلاح 'اغتيال الطغاة'، وفي ألمانيا وإيطاليا، برزت حركات اليسار المسلح مثل جماعةRAF (الجيش الأحمر)، التي آمنت بالعنف الثوري لهدم الدولة الرأسمالية. وفي أمريكا، اختارت ميليشيات اليمين المتطرف مثل 'المواطنين ذوي السيادة' تفجير أوكلاهوما عام 1995، متهمة الحكومة الفيدرالية بأنها قوة احتلال واستبداد.
وفي العالم العربي، أخذ السُّخط بُعدا لاهوتيا مع كتابات سيد قطب، أحد منظري جماعة الإخوان الإرهابية ودعاة الإرهاب البارزين في القرن العشرين، الذي اعتبر الدولة الحديثة 'جاهلية'، وأنّ الحل الوحيد هو القطيعة معها وتأسيس طلائع إيمانية لإسقاطها بالقوة. هذا التصور لم يمت بوفاته، بل تطور وتحوّر في سياقات مختلفة، ليأخذ اليوم شكلا مدنيا وشعبويا يلبس لبوس الحقوق والحريات، ويتقاطع مع سرديات الدولة العميقة والشرعية المزيفة.
لكن صناعة السُّخط لم تعد مجرد نظرية فكرية، بل أصبحت خطرا أمنيا فعليا… تقارير استخباراتية في دول مثل ألمانيا، كندا، والولايات المتحدة تؤكد اليوم أن بعض الحركات المعادية للحكومة باتت تشكل تهديدا داخليا يتجاوز خطر التنظيمات الجهادية، لأنها تعيد إنتاج التطرف في صورة مموهة، تبدأ بالكلمة وتنتهي بالفعل العنيف.
في الولايات المتحدة، تصنف وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) التطرف المعادي للحكومة ضمن فئة خاصة هي 'التطرف العنيف المعادي للسلطة'. خلال السنوات الأخيرة، تزايدت هجمات اليمين المتطرف والمجموعات الفوضوية بشكل ملحوظ. على سبيل المثال، برزت حادثة مقتل عنصر أمن فيدرالي في كاليفورنيا عام 2020 على يد أحد المنتمين لحركة 'البوغاللو' اليمينية المتطرفة التي تدعو إلى شن حرب أهلية ضد الحكومة الفيدرالية، كما أحبطت السلطات الأمريكية في العام ذاته مؤامرة اختطاف حاكمة ولاية ميشيغان من قبل ميليشيات يمينية احتجاجا على إجراءات كوفيد-19، وهي مؤامرة عكست بوضوح استعداد المتطرفين لتنفيذ عمليات عنيفة ضد رموز الدولة بدوافع سياسية وأيديولوجية.
في كندا، تُصنِّف أجهزة الأمن 'معاداة السلطة' ضمن فئات التطرف العنيف مدفوع الأيديولوجيا
(IMVE : Ideologically Motivated Violent Extremism)، وتشير إلى تحول نظريات المؤامرة إلى دافع للعنف السياسي…تقارير جهاز الاستخبارات الكندية CSIS أكدت تصاعد خطاب 'معاداة السلطة' خصوصا خلال جائحة كوفيد-19، حيث أصبحت نظريات المؤامرة المتعلقة بالجائحة مدخلا إلى تبرير أعمال عنف ضد الحكومة، كما في حادثة اقتحام بوابة مقر إقامة رئيس الوزراء (آنذاك) جاستن ترودو من قبل مسلح متأثر بنظريات المؤامرة. كما كشفت تقارير رسمية عن تنامي حركات 'المواطن السيادي' التي تدّعي عدم خضوعها للقوانين الكندية، وتلجأ أحيانا إلى العنف في مواجهاتها مع الشرطة.
في ألمانيا، دفعت أحداث خطيرة مثل محاولة الانقلاب الفاشلة التي خططت لها حركة 'مواطني الرايخ' عام 2022، السلطات الألمانية إلى تصنيف 'تقويض شرعية الدولة' كتهديد أمني خطير. هؤلاء المتطرفون يرفضون الاعتراف بشرعية الجمهورية الحالية، ويشكّلون اليوم إحدى أولويات المخابرات الداخلية(BfV)، لا سيما بعد كشف مؤامرتهم التي شملت شخصيات عسكرية سابقة وخططا لتنفيذ اغتيالات وعمليات عنيفة ضد الدولة.
فرنسا أيضا لم تكن بمعزل عن هذه الظاهرة. إذ أحبطت أجهزة الأمن عام 2021 مخطط 'عملية أزور'، وهي مؤامرة انقلابية من تدبير تنظيم يميني متطرف خطط لاقتحام قصر الإليزيه ومؤسسات حكومية لإسقاط النظام الجمهوري. استندت المؤامرة إلى خليط من نظريات المؤامرة والعداء المطلق للحكومة باعتبارها 'نخبة شيطانية'.
من هذه الأمثلة يتضح أن ظاهرة صناعة السُّخط لم تعد قضية هامشية، بل تحولت إلى تهديد عابر للحدود. ما يجمع هؤلاء المتطرفين من تيارات مختلفة هو الإيمان التام بأن الدولة ليست فقط عاجزة أو مُقصّرة، بل هي فاسدة من الأساس ومتآمرة ضد الشعب. هذه القناعة هي التي تبرر لهم التصعيد من الخطاب العدائي إلى الفعل المادي.
في المغرب، ورغم خصوصية السياق واستقراره المؤسساتي، لا يمكن التغاضي عن مفاعيل هذه الصناعة التي بدأت تجد موطئ قدم في الفضاء الرقمي والإعلامي، مستغلة هوامش التعبير لتمرير سرديات تنزع الشرعية عن المؤسسات، وتُشيطن الفاعلين العموميين، وتُقدّم الدولة ككيان فاسد لا سبيل لإصلاحه.
تقوم صناعة السُّخط في المغرب على ترويج سرديات تشكك في شرعية النظام السياسي برمته، عبر مفاهيم مثل 'البنية السرية'، 'الدولة الموازية' و'الصراع بين الأجنحة'، والتي يتم تسويقها كحقائق نهائية غير قابلة للنقاش. ويُلاحظ أن هذا الخطاب، الذي كان بالأمس محصورا في كتابات بعض الراديكاليين، أصبح اليوم شائعا على وسائل التواصل الاجتماعي، وغذّاه تضخيم منصات معادية بالخارج وتوظيف إعلامي ممنهج لأدوات الإثارة والتضليل.
هنا يلتقي مفهوم 'صناعة السُّخط' بمفهوم 'التضبيع'. فالأول يخلق شعورا دائما بالظلم والعداء، بينما الثاني يعطّل العقل النقدي ويحوّل الجمهور إلى متلقٍّ سلبي للخطاب التحريضي. إنها عملية مزدوجة تُحاول إنتاج جمهور غاضب، فاقد للثقة، غير قادر على التمييز بين المعلومة والدعاية، وبين الحق المشروع في الانتقاد ومحاولة هدم النظام.
نماذج هذه الصناعة كثيرة في المشهد المغربي. من أبرزها المدعو المعطي منجب الذي روج لأطروحة 'البنية السرّيّة' التي تُدير كل السلطات من وراء الستار. أطروحة تُجرّد المؤسسات المنتخَبة (وحتى المعينة) والقضاء ووسائل الرقابة من أيّ دور أو معنى… تلقّفها بعد ذلك كل من علي المرابط وسليمان الريسوني و محمد زيان وآخرين ممن عملوا على الترويج بأنه في المغرب لا وجود لمؤسسات ولا لقضاء ولا لقانون… وإنما هناك 'بنية سرية' أو 'قوى خفية' هي التي تقرر في كل شيء.
ومن الأسماء البارزة الأخرى في هذا الصدد، نجد فؤاد عبد المومني الذي يظهر بصفته المزعومة كـ 'خبير اقتصادي' يَعرض أرقاما عن 'كلفة الملكية'، ثم يَخلُص إلى أنّ إمارة المؤمنين سلطة مطلقة لا سبيل لإصلاحها من داخل الدستور. خطابه يتقاطع مع سردية جماعة العدل والإحسان المتطرفة التي تبني، منذ الثمانينيات، مشروعيّةً دينيّة لرفض الشرعيّة القائمة. اليوم تربط الجماعة خطابها الاجتماعي بشعار 'القومة'؛ تصف النظام 'بالفاسد الذي يحتكر الخيرات'، وتؤطر الاحتجاج الرقمي والشارعي لتؤكّد للجمهور أنّ الإصلاح التدريجي مجرّد 'مسكّنٍ يُطيل عمر الظلم' مع رفض مطلق لكل المؤسسات وأن لا سبيل لإقامة العدل إلى بإسقاط النظام القائم.
وما إن استوت السردية حتى احتاجت إلى صوت يحمّلها شحنة شعبوية وتحريضية. حميد المهداوي، مثلا، يتبنّى خطابا عاطفيا دائم التذمر، يلبس شكله دفاعا عن الملكية، لكنه في المضمون يقدّم صورة سوداوية تطعن في الدولة ومؤسساتها وتُعيد إنتاج خطاب 'الاستبداد المطلق'.
هشام جيراندو، بدوره، يمثّل الشكل الأقصى من هذا الانزلاق، إذ انتقل من عمليات الابتزاز الرقمي إلى حملات تحريضية ممنهجة على العنف، مستخدما منصته الرقمية في كندا لتصفية حسابات ونشر معطيات تمس الأمن القومي، مبررا ذلك بخطاب 'محاربة الفساد' و'كشف المستور'، محاولا تقويض شرعية كل المؤسسات.
هذه الممارسات، وإنْ بدت للبعض مجرد آراء متطرفة، فهي في جوهرها آليات تفكيك سيكولوجي لثقة المواطن في دولته. وقد سبق لتجارب دولية أن أثبتت خطورة هذه المنزلقات. فكل أعمال العنف السياسي تبدأ بإنتاج بيئة ذهنية تحتقر المؤسسات وتُعادي رموز السيادة. إنها المعادلة التي رأينا نتائجها في ألمانيا مع تنظيم 'مواطني الرايخ'، وفي فرنسا مع عملية 'أزور'، وفي أمريكا مع جماعة 'بوغالو' وفي كندا مؤخرا، في بداية يوليوز 2025، مع ميليشيا مسلحة، من ضمنها عناصر في الجيش الكندي، خططت للاستيلاء على قطعة أرض في مقاطعة كيبيك لتأسيس دولة داخل الدولة.
لا يُستبعد أن تتحول صناعة السُّخط في السياق المغربي، إذا تُركت دون مواجهة، إلى تهديد حقيقي، خصوصا إذا ارتبطت بتمويلات خارجية أو احتضنتها منابر إعلامية أجنبية لها أهداف عدائية. ويكفي أن نُذكّر أن بعض المحسوبين على هذا التيار لا يترددون في الترويج لخطابات تشكك في ثوابت الأمة، أو تُقحم الملكية في مزاعم الصراعات، في محاكاة واضحة لنمط 'تفكيك الدولة'.
من هنا، تصبح الحاجة ملحة إلى نهج مزدوج: حماية حرية التعبير، من جهة، لكن دون السماح بتحولها إلى غطاءٍ لخطاب يُقوّض الأمن القومي للمغاربة. فحرية التعبير لا تعني حرية التحريض أو التزييف، ولا يمكن أن تُختزل في حق سبّ الدولة ورموزها.
إن مواجهة صناعة السُّخط تقتضي أيضا إعادة الاعتبار للعقل الجماعي، عبر دعم الإعلام الوطني الاستقصائي، وتعزيز ثقافة التحقق من الأخبار، والتربية على المواطنة الرقمية. كما تقتضي تحيين الإطار القانوني لتجريم التضليل الإعلامي حين يتحوّل إلى مشروع ممنهج للهدم والفوضى. ومن دون هذا الوعي المؤسسي، ستظل المساحات الرمادية قائمة، وستظل بعض المنصات تمارس التضبيع تحت غطاء حرية الرأي، تمهيدا لأعمال عنف ممنهجة.
في الحلقة المقبلة، سننتقل إلى تفكيك ظاهرة 'المعارضة الوهمية' التي ترتدي لبوس الدفاع عن الحرية والديمقراطية، بينما تخفي مشاريع ابتزاز وإفساد سياسي وإعلامي عابر للحدود.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


برلمان
منذ يوم واحد
- برلمان
حرب الوعي السيادي.. حرب كل المغاربة الحلقة 1: صناعة السُّخط والتّضبيع.. تطرّف متحوّر يهدد المجتمع
الخط : A- A+ إستمع للمقال لم تعد التهديدات التي تواجه الدول اليوم مقتصرة على الجريمة المنظمة أو الإرهاب المسلح، بل برزت خلال العقود الأخيرة أنماط أكثر خبثا وهدوءا، تستهدف البنى العميقة للمجتمعات عبر توجيه العقول وتضليل الوعي. ومن أخطر هذه الأنماط ما يُعرف بـ'صناعة السُّخط'، التي تعمل على تحويل فكرة الإحباط الشعبي إلى قناعة عدائية تجاه الدولة، مقابل ظاهرة موازية تُعرف بـ'التضبيع'، أي تسطيح الوعي وتفريغ الفرد من أي قدرة نقدية تجعله يقاوم الخطابات المتطرفة. هاتان الظاهرتان، حين تشتغلان معا، تنتجان حالة مُرَكّبة من التهييج والانقياد، تمهد الطريق لاختراق المجتمع وإضعاف الدولة من الداخل دون رصاصة واحدة. منذ أواخر القرن التاسع عشر، توالت حركات متباينة في توجهاتها، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، على صناعة خطاب السُّخط ضد الدولة ومؤسساتها كأداة لتغيير الأنظمة أو تقويضها. اختلفت الأفكار، لكن ظل الهدف واحدا: تشكيك الناس في مؤسسات الدولة ونزع الشرعية عنها. في أوروبا، استعملت الحركة الأناركية سلاح 'اغتيال الطغاة'، وفي ألمانيا وإيطاليا، برزت حركات اليسار المسلح مثل جماعةRAF (الجيش الأحمر)، التي آمنت بالعنف الثوري لهدم الدولة الرأسمالية. وفي أمريكا، اختارت ميليشيات اليمين المتطرف مثل 'المواطنين ذوي السيادة' تفجير أوكلاهوما عام 1995، متهمة الحكومة الفيدرالية بأنها قوة احتلال واستبداد. وفي العالم العربي، أخذ السُّخط بُعدا لاهوتيا مع كتابات سيد قطب، أحد منظري جماعة الإخوان الإرهابية ودعاة الإرهاب البارزين في القرن العشرين، الذي اعتبر الدولة الحديثة 'جاهلية'، وأنّ الحل الوحيد هو القطيعة معها وتأسيس طلائع إيمانية لإسقاطها بالقوة. هذا التصور لم يمت بوفاته، بل تطور وتحوّر في سياقات مختلفة، ليأخذ اليوم شكلا مدنيا وشعبويا يلبس لبوس الحقوق والحريات، ويتقاطع مع سرديات الدولة العميقة والشرعية المزيفة. لكن صناعة السُّخط لم تعد مجرد نظرية فكرية، بل أصبحت خطرا أمنيا فعليا… تقارير استخباراتية في دول مثل ألمانيا، كندا، والولايات المتحدة تؤكد اليوم أن بعض الحركات المعادية للحكومة باتت تشكل تهديدا داخليا يتجاوز خطر التنظيمات الجهادية، لأنها تعيد إنتاج التطرف في صورة مموهة، تبدأ بالكلمة وتنتهي بالفعل العنيف. في الولايات المتحدة، تصنف وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) التطرف المعادي للحكومة ضمن فئة خاصة هي 'التطرف العنيف المعادي للسلطة'. خلال السنوات الأخيرة، تزايدت هجمات اليمين المتطرف والمجموعات الفوضوية بشكل ملحوظ. على سبيل المثال، برزت حادثة مقتل عنصر أمن فيدرالي في كاليفورنيا عام 2020 على يد أحد المنتمين لحركة 'البوغاللو' اليمينية المتطرفة التي تدعو إلى شن حرب أهلية ضد الحكومة الفيدرالية، كما أحبطت السلطات الأمريكية في العام ذاته مؤامرة اختطاف حاكمة ولاية ميشيغان من قبل ميليشيات يمينية احتجاجا على إجراءات كوفيد-19، وهي مؤامرة عكست بوضوح استعداد المتطرفين لتنفيذ عمليات عنيفة ضد رموز الدولة بدوافع سياسية وأيديولوجية. في كندا، تُصنِّف أجهزة الأمن 'معاداة السلطة' ضمن فئات التطرف العنيف مدفوع الأيديولوجيا (IMVE : Ideologically Motivated Violent Extremism)، وتشير إلى تحول نظريات المؤامرة إلى دافع للعنف السياسي…تقارير جهاز الاستخبارات الكندية CSIS أكدت تصاعد خطاب 'معاداة السلطة' خصوصا خلال جائحة كوفيد-19، حيث أصبحت نظريات المؤامرة المتعلقة بالجائحة مدخلا إلى تبرير أعمال عنف ضد الحكومة، كما في حادثة اقتحام بوابة مقر إقامة رئيس الوزراء (آنذاك) جاستن ترودو من قبل مسلح متأثر بنظريات المؤامرة. كما كشفت تقارير رسمية عن تنامي حركات 'المواطن السيادي' التي تدّعي عدم خضوعها للقوانين الكندية، وتلجأ أحيانا إلى العنف في مواجهاتها مع الشرطة. في ألمانيا، دفعت أحداث خطيرة مثل محاولة الانقلاب الفاشلة التي خططت لها حركة 'مواطني الرايخ' عام 2022، السلطات الألمانية إلى تصنيف 'تقويض شرعية الدولة' كتهديد أمني خطير. هؤلاء المتطرفون يرفضون الاعتراف بشرعية الجمهورية الحالية، ويشكّلون اليوم إحدى أولويات المخابرات الداخلية(BfV)، لا سيما بعد كشف مؤامرتهم التي شملت شخصيات عسكرية سابقة وخططا لتنفيذ اغتيالات وعمليات عنيفة ضد الدولة. فرنسا أيضا لم تكن بمعزل عن هذه الظاهرة. إذ أحبطت أجهزة الأمن عام 2021 مخطط 'عملية أزور'، وهي مؤامرة انقلابية من تدبير تنظيم يميني متطرف خطط لاقتحام قصر الإليزيه ومؤسسات حكومية لإسقاط النظام الجمهوري. استندت المؤامرة إلى خليط من نظريات المؤامرة والعداء المطلق للحكومة باعتبارها 'نخبة شيطانية'. من هذه الأمثلة يتضح أن ظاهرة صناعة السُّخط لم تعد قضية هامشية، بل تحولت إلى تهديد عابر للحدود. ما يجمع هؤلاء المتطرفين من تيارات مختلفة هو الإيمان التام بأن الدولة ليست فقط عاجزة أو مُقصّرة، بل هي فاسدة من الأساس ومتآمرة ضد الشعب. هذه القناعة هي التي تبرر لهم التصعيد من الخطاب العدائي إلى الفعل المادي. في المغرب، ورغم خصوصية السياق واستقراره المؤسساتي، لا يمكن التغاضي عن مفاعيل هذه الصناعة التي بدأت تجد موطئ قدم في الفضاء الرقمي والإعلامي، مستغلة هوامش التعبير لتمرير سرديات تنزع الشرعية عن المؤسسات، وتُشيطن الفاعلين العموميين، وتُقدّم الدولة ككيان فاسد لا سبيل لإصلاحه. تقوم صناعة السُّخط في المغرب على ترويج سرديات تشكك في شرعية النظام السياسي برمته، عبر مفاهيم مثل 'البنية السرية'، 'الدولة الموازية' و'الصراع بين الأجنحة'، والتي يتم تسويقها كحقائق نهائية غير قابلة للنقاش. ويُلاحظ أن هذا الخطاب، الذي كان بالأمس محصورا في كتابات بعض الراديكاليين، أصبح اليوم شائعا على وسائل التواصل الاجتماعي، وغذّاه تضخيم منصات معادية بالخارج وتوظيف إعلامي ممنهج لأدوات الإثارة والتضليل. هنا يلتقي مفهوم 'صناعة السُّخط' بمفهوم 'التضبيع'. فالأول يخلق شعورا دائما بالظلم والعداء، بينما الثاني يعطّل العقل النقدي ويحوّل الجمهور إلى متلقٍّ سلبي للخطاب التحريضي. إنها عملية مزدوجة تُحاول إنتاج جمهور غاضب، فاقد للثقة، غير قادر على التمييز بين المعلومة والدعاية، وبين الحق المشروع في الانتقاد ومحاولة هدم النظام. نماذج هذه الصناعة كثيرة في المشهد المغربي. من أبرزها المدعو المعطي منجب الذي روج لأطروحة 'البنية السرّيّة' التي تُدير كل السلطات من وراء الستار. أطروحة تُجرّد المؤسسات المنتخَبة (وحتى المعينة) والقضاء ووسائل الرقابة من أيّ دور أو معنى… تلقّفها بعد ذلك كل من علي المرابط وسليمان الريسوني و محمد زيان وآخرين ممن عملوا على الترويج بأنه في المغرب لا وجود لمؤسسات ولا لقضاء ولا لقانون… وإنما هناك 'بنية سرية' أو 'قوى خفية' هي التي تقرر في كل شيء. ومن الأسماء البارزة الأخرى في هذا الصدد، نجد فؤاد عبد المومني الذي يظهر بصفته المزعومة كـ 'خبير اقتصادي' يَعرض أرقاما عن 'كلفة الملكية'، ثم يَخلُص إلى أنّ إمارة المؤمنين سلطة مطلقة لا سبيل لإصلاحها من داخل الدستور. خطابه يتقاطع مع سردية جماعة العدل والإحسان المتطرفة التي تبني، منذ الثمانينيات، مشروعيّةً دينيّة لرفض الشرعيّة القائمة. اليوم تربط الجماعة خطابها الاجتماعي بشعار 'القومة'؛ تصف النظام 'بالفاسد الذي يحتكر الخيرات'، وتؤطر الاحتجاج الرقمي والشارعي لتؤكّد للجمهور أنّ الإصلاح التدريجي مجرّد 'مسكّنٍ يُطيل عمر الظلم' مع رفض مطلق لكل المؤسسات وأن لا سبيل لإقامة العدل إلى بإسقاط النظام القائم. وما إن استوت السردية حتى احتاجت إلى صوت يحمّلها شحنة شعبوية وتحريضية. حميد المهداوي، مثلا، يتبنّى خطابا عاطفيا دائم التذمر، يلبس شكله دفاعا عن الملكية، لكنه في المضمون يقدّم صورة سوداوية تطعن في الدولة ومؤسساتها وتُعيد إنتاج خطاب 'الاستبداد المطلق'. هشام جيراندو، بدوره، يمثّل الشكل الأقصى من هذا الانزلاق، إذ انتقل من عمليات الابتزاز الرقمي إلى حملات تحريضية ممنهجة على العنف، مستخدما منصته الرقمية في كندا لتصفية حسابات ونشر معطيات تمس الأمن القومي، مبررا ذلك بخطاب 'محاربة الفساد' و'كشف المستور'، محاولا تقويض شرعية كل المؤسسات. هذه الممارسات، وإنْ بدت للبعض مجرد آراء متطرفة، فهي في جوهرها آليات تفكيك سيكولوجي لثقة المواطن في دولته. وقد سبق لتجارب دولية أن أثبتت خطورة هذه المنزلقات. فكل أعمال العنف السياسي تبدأ بإنتاج بيئة ذهنية تحتقر المؤسسات وتُعادي رموز السيادة. إنها المعادلة التي رأينا نتائجها في ألمانيا مع تنظيم 'مواطني الرايخ'، وفي فرنسا مع عملية 'أزور'، وفي أمريكا مع جماعة 'بوغالو' وفي كندا مؤخرا، في بداية يوليوز 2025، مع ميليشيا مسلحة، من ضمنها عناصر في الجيش الكندي، خططت للاستيلاء على قطعة أرض في مقاطعة كيبيك لتأسيس دولة داخل الدولة. لا يُستبعد أن تتحول صناعة السُّخط في السياق المغربي، إذا تُركت دون مواجهة، إلى تهديد حقيقي، خصوصا إذا ارتبطت بتمويلات خارجية أو احتضنتها منابر إعلامية أجنبية لها أهداف عدائية. ويكفي أن نُذكّر أن بعض المحسوبين على هذا التيار لا يترددون في الترويج لخطابات تشكك في ثوابت الأمة، أو تُقحم الملكية في مزاعم الصراعات، في محاكاة واضحة لنمط 'تفكيك الدولة'. من هنا، تصبح الحاجة ملحة إلى نهج مزدوج: حماية حرية التعبير، من جهة، لكن دون السماح بتحولها إلى غطاءٍ لخطاب يُقوّض الأمن القومي للمغاربة. فحرية التعبير لا تعني حرية التحريض أو التزييف، ولا يمكن أن تُختزل في حق سبّ الدولة ورموزها. إن مواجهة صناعة السُّخط تقتضي أيضا إعادة الاعتبار للعقل الجماعي، عبر دعم الإعلام الوطني الاستقصائي، وتعزيز ثقافة التحقق من الأخبار، والتربية على المواطنة الرقمية. كما تقتضي تحيين الإطار القانوني لتجريم التضليل الإعلامي حين يتحوّل إلى مشروع ممنهج للهدم والفوضى. ومن دون هذا الوعي المؤسسي، ستظل المساحات الرمادية قائمة، وستظل بعض المنصات تمارس التضبيع تحت غطاء حرية الرأي، تمهيدا لأعمال عنف ممنهجة. في الحلقة المقبلة، سننتقل إلى تفكيك ظاهرة 'المعارضة الوهمية' التي ترتدي لبوس الدفاع عن الحرية والديمقراطية، بينما تخفي مشاريع ابتزاز وإفساد سياسي وإعلامي عابر للحدود.


ناظور سيتي
منذ 4 أيام
- ناظور سيتي
القضاء الإسباني يمكن العاملات المغربيات في سبتة من التسوية..فهل يحظى عمال مليلية بالمثل؟
المزيد من الأخبار القضاء الإسباني يمكن العاملات المغربيات في سبتة من التسوية..فهل يحظى عمال مليلية بالمثل؟ ناظور سيتي: متابعة نقلت تقارير إعلامية إسبانية، أن الجمعية الأندلسية لحقوق الإنسان،ر رحبت بالحكم الصادر عن المحكمة العليا للأندلس، الذي يعترف بحق العاملات المغربيات في وضعية عابرات الحدود والعالقات في مدينة سبتة في تسوية أوضاعهن القانونية من خلال مسطرة "الارتباط المهني" (Arraigo Laboral).. وأوردت التقارير، أن هذا الحكم جاء بعد أن ظلت أكثر من 3500 عاملة، معظمهن من المغربيات، عالقات داخل سبتة منذ إغلاق الحدود في عام 2020 بسبب جائحة كوفيد-19، دون إمكانية العودة إلى بيوتهن أو تسوية أوضاعهن القانونية. وكانت الجمعية قد أطلقت خلال سنة 2021، حملة بعنوان "عاملات عابرات للحدود لهن حقوق"، بدعم من أكثر من مئة منظمة من مختلف أنحاء الدولة، إذ شملت الحملة وقفات احتجاجية واجتماعات مع المسؤولين، وأنشطة توعوية لتسليط الضوء على ما وصفته الجمعية بـ"التخلي المؤسسي" الذي عانته هؤلاء النساء على مدى أكثر من عامين، وصرّحت الجمعية: "كما أكدنا سابقًا، لا يمكن حرمانهن من الإقامة إذا كنّ يستوفين الشروط القانونية، وهو ما أقرّته المحكمة الآن". وأقر الحكم أن البقاء القسري في سبتة المحتلة، إلى جانب عقود العمل السابقة، يتيح لهؤلاء العاملات طلب الإقامة القانونية وفق نظام الارتباط المهني. كما أوضحت الجمعية، أن الكثير من هؤلاء العاملات كنّ مرتبطات فعليًا بالمجتمع الإسباني من خلال عملهن اليومي، لكن لم يكن بمقدورهن الحصول على الإقامة بسبب عدم استيفائهن شرط الإقامة المستمرة في المدينة لمدة عامين، حيث كنّ يعبرن المعبر الحدودي يوميًا دون الإقامة الدائمة في إسبانيا، وبسبب هذا الفراغ القانوني، اضطرت الكثير منهن للعيش والعمل في وضع غير قانوني حتى يتمكن من طلب التسوية لاحقًا. وشددت الجمعية، على أن العديد من هؤلاء النساء تعرضن لأضرار نفسية خطيرة، بسبب سنوات من الانفصال عن أسرهن، وعدم تمكنهن من وداع أقاربهن المتوفين، أو احتضان أطفالهن، مضيفة أن الكثير منهن بقين على قيد الحياة فقط بفضل الأدوية، في حالة من التخلي التام من قبل السلطات. ووصفت الجمعية الحكم بأنه "انتصار للكرامة والعدالة"، وهو ثمرة مباشرة لصمود العاملات أنفسهن اللواتي واصلن الاحتجاج لأشهر أمام مقر الحكومة في سبتة، مطالبات بالاعتراف بحقوقهن.


بلبريس
منذ 7 أيام
- بلبريس
دوريات مشتركة بين الحرس الإسباني والدرك المغربي
قام عناصر إسبان ومغاربة بدوريات مشتركة برًا وبحرًا وجوًا لمكافحة الهجرة وتهريب المخدرات. وقد تواجد وفد من الدرك الملكي المغربي في إسبانيا في الفترة ما بين 14 و 18 يوليو للقيام بدوريات مختلطة مع عناصر من الحرس المدني، وتحديدًا في مقاطعة غرناطة على الساحل الاستوائي. وتهدف هذه الدوريات المشتركة لتكون بمثابة عنصر ردع في مكافحة الهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات من شمال إفريقيا، حيث أوضح الحرس المدني الإسباني في بيان صحفي، فإن الهدف هو 'تعزيز التعاون والمعرفة المتبادلة بين أفراد الجهازين الشرطيين'. ويعود إنشاء هذه الدوريات المختلطة للتعاون بين الحرس المدني والدرك الملكي المغربي إلى أوائل عام 2004، وهو تعاون لم ينقطع إلا خلال جائحة كوفيد-19. دوريات برية وبحرية وجوية منذ 2008 منذ عام 2008، نفذ حرس مدنيون من سبتة أكثر من مئة دورية مشتركة في المغرب، وتحديدا في مدينتي الحسيمة والناظور. وفي هذه المناسبة، وعلى مدى ثلاثة أيام، قام عناصر الحرس المدني والدرك الملكي بدوريات برية باستخدام سيارة دورية تابعة للحرس المدني، وبحرية على متن زورق الدورية 'ريو خينيل' التابع للخدمة البحرية الإقليمية، وجوية بواسطة مروحية الوحدة الجوية في غرناطة. جابت الدوريات المشتركة أكثر المناطق المعتادة لرسو القوارب على ساحل غرناطة في محاولة لردع المنظمات المتخصصة في الاتجار بالبشر أو تهريب المواد المخدرة. تفتيش المركبات القادمة من المغرب في اليوم الأول، شارك أفراد الدرك الملكي إلى جانب عناصر من قسم المالية والحدود التابع للحرس المدني في ميناء موتريل في تفتيش المركبات التي نزلت من العبّارة القادمة من ميناء الحسيمة . حيث تركز التفتيش على البحث عن أماكن إخفاء المخدرات أو الأشخاص، خاصة في الشاحنات. وفي نفس اليوم، انطلقت الدورية المختلطة على متن سفينة 'ريو خينيل' التابعة للخدمة البحرية الإقليمية بغرناطة وقامت بمسح الشريط الساحلي لغرناطة حتى الحدود مع مقاطعة ألميريا. في اليوم التالي، 15 يوليوز، شارك عناصر الحرس المدني والدرك الملكي في نقطة تفتيش مالية ضمن 'عملية عبور المضيق' (OPE) في ميناء موتريل عند وصول سفينة قادمة من طنجة المتوسط. خلال نقطة التفتيش هذه، تم العثور على أكثر من 2800 كيلوغرام من الحشيش مخبأة في نصف مقطورة. بالإضافة إلى ذلك، قاموا بخدمة استطلاع ومراقبة للحركة البحرية باستخدام الوحدة المتنقلة للنظام المتكامل للمراقبة الخارجية. 'النقاط الساخنة' لمنظمات تهريب المهاجرين والمخدرات بعد ذلك، قامت الدورية المشتركة بجولة على طول الطريق السريع N-340 على امتداد الساحل الشرقي حتى حدود المقاطعة مع ألميريا. قام العناصر بتفتيش جميع النقاط الساخنة التي يُحتمل أن تستخدمها المنظمات المتورطة في الاتجار بالبشر أو تهريب المواد المخدرة لوصول المهاجرين أو المخدرات. في اليوم الأخير من الدوريات المشتركة، قام عناصر من الوحدة الجوية للحرس المدني في غرناطة بنقل أفراد الدرك الملكي من مهبط المروحيات في موتريل للقيام برحلة استطلاع جوي لكامل ساحل غرناطة، مما أتاح للعناصر المغاربة مشاهدة النقاط التي سبق أن تفقدوها في الأيام السابقة من البحر والبر. وكشفت مصادر إعلامية إسبانية أنه في شهر دجنبر المقبل، سيقوم عناصر من الحرس المدني من قيادة غرناطة بزيارة مدينة الحسيمة للقيام بدوريات مشتركة جديدة مع نظرائهم من الدرك الملكي المغربي.