
اتساع المعارضة النقابية يهدد بتفكك اتحاد الشغل التونسي
دخلت أزمة الاتحاد العام التونسي للشغل، النقابة الرئيسة في البلاد، منعرجاً خطراً بعدما اتسعت دائرة المعارضة للقيادة الحالية للاتحاد، إذ باتت تواجه اعتصامين يستهدفان الضغط عليها للتنحي، مما أثار تكهنات في شأن مآلات هذه الأزمة وسط تحذيرات من انقسام وتفكك النقابة التونسية.
ودخل خمسة من أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد في اعتصام داخل مقره وهم: أنور بن قدور وعثمان الجلولي ومنعم عميرة والطاهر المزي وصلاح الدين السالمي، ويطالب هؤلاء بتقديم المؤتمر العام المقرر تنظيمه في عام 2027 لهذا الصيف.
وفي ساحة الاتحاد دخل معارضون نقابيون أكثر تشدداً من هذه المجموعة في اعتصام ثانٍ، يطالبون فيه برحيل المكتب التنفيذي الحالي للاتحاد العام التونسي للشغل الذي يتألف من 15 عضواً.
يواجه الطبوبي دعوات إلى الرحيل برفقة المكتب التنفيذي الحالي للاتحاد (أ ف ب)
الأزمة في تونس ليست وليدة اللحظة
أزمة اتحاد الشغل في تونس ليست وليدة اللحظة، إذ بدأت في أغسطس (آب) من عام 2020، فبينما كانت البلاد تشهد حجراً صحياً وقيوداً فرضتها آنذاك جائحة "كوفيد-19"، أقر المجلس الوطني للاتحاد تعديلاً لنظامه الداخلي، وتحديداً الفصل 20.
وكان هذا الفصل يتيح لأعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد الترشح لولايتين فحسب، لكن التعديل بات يسمح لهم بالترشح لأكثر من ذلك، مما أثار معارضة نقابية شرسة.
وقال المنسق النقابي المعارض الطيب بوعايشة إن "أزمة اتحاد الشغل بدأت منذ سنوات، أي منذ بدء قيادة الاتحاد الحالية في عملية الانقلاب على قوانين المنظمة، والاتحاد يعاني حال وهن واضحة الآن تتمثل في العجز عن التحشيد وتخلي كثيرين من أنصاره عنه والعجز عن تحريك الساحة وغير ذلك". وتابع بوعايشة، "القيادة الحالية في الاتحاد العام التونسي للشغل استهدفت كل نفس معارض لها واستبعدته، بالتالي أفقدت الاتحاد القوة الأساس التي تتمثل في نقابيين تتميزان بصلابة مواقفهما وانتصارهما للمسألة الديمقراطية والطابع النضالي للعمل النقابي، وتم تجميد كثر من النقابيين واستبعادهم". وشدد على أن "اتحاد الشغل دخل في أزمة كبيرة ولم يعد قادراً على حل أي ملف لديه، وأصبح في حال عطالة تامة وسعت الفجوة بين قواعده وهياكله، وخصوصاً وهو الأخطر، خلقُ حالٍ من عدم الثقة تجاه القيادة النقابية والعمل النقابي ككل. وهناك حال من الانسداد التام يعيشه اتحاد الشغل حالياً، وهو أمر غير مقبول".
اعتبر الباحث السياسي التونسي هشام الحاجي أنه "لا يمكن التغاضي على أزمة مزدوجة يعيشها حالياً الاتحاد العام التونسي للشغل" (رويترز)
لا تعليق رسمياً
وكان الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي اعتذر في سبتمبر (أيلول) 2024 بسبب تعديل الفصل 20 من القانون الداخلي للنقابة مع استفحال أزمة الاتحاد وتصاعد الأصوات المنادية برحيله. وحاول الطبوبي، في ذلك الوقت، تهدئة مخاوف المعارضة النقابية بالتعهد تقديم مؤتمر الاتحاد الذي كان مقرراً في عام 2027 إلى عام 2026، لكن ذلك لم يضع حداً للتصعيد بين الطرفين.
وامتنع المتحدث الرسمي باسم الاتحاد سامي الطاهري عن التعليق على ما ورد على لسان بوعايشة، وأيضاً على الوضع داخل الاتحاد. وقال الطاهري "آسف، نلتزم واجب التحفظ تجاه هذه القضية ولن نصرح بأي شيء في شأن داخلي يهم الاتحاد العام التونسي للشغل".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قطيعة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والسلطة
وتأتي هذه التطورات في وقت تسود فيه القطيعة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والسلطة، على رغم أن النقابة المذكورة كثيراً ما لعبت دوراً بارزاً في تسوية الأزمات السياسية والاجتماعية التي عرفتها البلاد على مر العقود الماضية.
وفي عام 2015 حاز الاتحاد العام التونسي للشغل إلى جانب منظمات تونسية جائزة "نوبل" للسلام بعد نجاحهم في نزع فتيل أزمة شهدتها البلاد آنذاك.
واعتبر الباحث السياسي التونسي هشام الحاجي أنه "لا يمكن التغاضي على أزمة مزدوجة يعيشها حالياً الاتحاد العام التونسي للشغل، هناك أزمة في العلاقة مع السلطة السياسية، وهي أزمة واضحة تتجلى في انعدام التواصل بين قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل ورئيس الجمهورية قيس سعيد في ظل وجود رسائل متبادلة من بعد تؤكد هذه الأزمة". وتابع الحاجي في تصريح خاص "يبدو واضحاً أن قيادة الاتحاد لم تجد الطريقة الصحيحة للتعامل مع هذه الأزمة وأنها في وضع ضعف مقارنة برئيس الجمهورية، وهناك أزمة داخل الاتحاد العام التونسي للشغل لوجود رفض بعض أساليب التسيير وأيضاً طريقة إدارة العلاقة مع السلطة السياسية". وبيَّن أن "قيادة الاتحاد تراهن على الوقت لتغيير معادلة العلاقتين، وأعتقد أن الأوضاع تتجه نحو عقد مؤتمر استثنائي في أسرع وقت ممكن، وأعتقد أيضاً أن الاتحاد العام التونسي للشغل مدعو إلى إعادة النظر في الخطأ في تقييم الدور والحجم . فقد طغى منذ عام 2008 الجانب السياسي في دوره وارتبط ذلك بشعور لدى النقابيين بأنهم يمثلون الطرف الأقوى في المعادلة".
أزمة شديدة الخطورة
واستبعد الحاجي أن "يشهد الاتحاد انقساماً أو تفككاً في المدى القريب لأن المعركة هي من أجل السيطرة على جهاز الاتحاد العام التونسي للشغل، بخاصة في مستواه المركزي، ولأن أهم درس استخلصه النقابيون بعد تجارب عقود هو أن كل تنظيم يولد من خلال عملية انشقاق لا يعمر طويلاً، أو يبقى في أفضل الحالات رقماً باهتاً ويكاد تأثيره لا يذكر". واستدرك قائلاً "لكن النقابيين لم يفككوا جيداً شيفرات المرحلة الحالية وطنياً ودولياً، والتي قد تُفقد الاتحاد العام التونسي للشغل حجمه ودوره كرقم صعب في المعادلات السياسية والاجتماعية في تونس". وشدد على أن "مغالاة الاتحاد في تقدير قوته أفقدته كثيراً من سلطته ونفوذه، وأن لجوءه بسبب أو من دونه للأدوات النضالية القصوى كالإضراب العام جعل أسلحته لا تخيف. الأزمة التي يعيشها الاتحاد العام التونسي للشغل شديدة الخطورة لأنها قد تؤدي في النهاية إلى جعله مجرد هيكل صوري فاقد الحيوية".
وفي ظل غياب أي قنوات للتواصل والحوار بين المعارضة النقابية وقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل يبقى الغموض يلف مستقبل الاتحاد الذي ظل عقوداً رقماً صعباً في المعادلة السياسية في البلاد.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 3 أيام
- Independent عربية
فرنسا لا تحتاج إلى مواجهة المهاجرين بـ "سياسة أوروبية"
مع التغيرات الديموغرافية السريعة في فرنسا لم تعد الهجرة مجرد قضية سياسية أو اجتماعية، بل أصبحت ركيزة أساسية لضمان استدامة الاقتصاد ونظام الحماية الاجتماعية، ويسلط تقرير حديث صادر عن مركز الأبحاث "تيرا نوفا" الضوء على الحاجة الملحة إلى استقبال أعداد كبيرة من العمال المهاجرين سنوياً كحل ضروري لمواجهة تحديات شيخوخة السكان وتراجع معدلات الولادة التي تهدد التوازن بين القوى العاملة وغير النشيطة في البلاد. وقدَّر معدو التقرير أن فرنسا تحتاج إلى استقبال نحو 310 آلاف مهاجر جديد سنوياً للحفاظ على توازن القوى العاملة، وتعد الهجرة ليست خياراً مفتوحاً بلا ضوابط، بل ضرورة مدروسة تهدف إلى دعم القطاعات الاقتصادية الحيوية وضمان استمرار النمو الاقتصادي والاجتماعي في فرنسا. ويؤكد التقرير أن الهدف ليس فتح الحدود بصورة كاملة، بل المحافظة على مستوى الانفتاح الحالي مع توجيه أكبر لواردات المهاجرين نحو القطاعات الأكثر حاجة. العمال المهاجرون عماد الاقتصاد الفرنسي تشير دراسة أجرتها دائرة الدراسات والإحصاءات "داراس"، الجهة الإحصائية التابعة لوزارة العمل الفرنسية، إلى أن العمال المهاجرين يشكلون نسبة كبيرة في قطاعات عدة، منها 39 في المئة في الخدمة المنزلية، و28 في المئة في الأمن، و39 في المئة في الخدمة المنزلية، والعمال ذوو المهارات المحدودة في البناء الثقيل والاستخراج بنسبة 27 في المئة، إضافة إلى العمال المهرة في البناء بنسبة 25 في المئة، وهذه القطاعات تعاني نقصاً في العمالة المحلية بسبب الطلب المرتفع. ولا يقتصر دور المهاجرين على الوظائف ذات المهارات المحدودة، بل يتعداه ليشمل وظائف عالية التأهيل تعاني أيضاً نقصاً في الأيدي العاملة، مثل الأطباء الجراحين الحاصلين على شهاداتهم من الخارج، الذين يمثلون 21 في المئة من المتخصصين في هذا المجال. وتبرز جائحة "كوفيد-19" بوضوح أهمية العمالة المهاجرة، فقد أظهرت دراسة لمجلس التحليل الاقتصادي، أشار إليها تقرير مركز "تيرا نوفا"، أن القطاعات التي تعتمد بصورة كبيرة على العمالة الأجنبية، مثل الصناعة وتكنولوجيا المعلومات والعمل المنزلي، وكذلك الفنادق والمطاعم، شهدت خلال عامي 2019 و2020 تراجعاً حاداً في تصاريح الإقامة بنسبة 20.5 في المئة، وفي التأشيرات بنسبة تقارب 80 في المئة، بسبب تداعيات الجائحة، وأدى ذلك خلال عام واحد من بداية الجائحة إلى اختلالات عدة، مما يؤكد أهمية المهاجرين في دعم الاقتصاد الفرنسي. فيما يتعلق باستعداد الفرنسيين لاستقبال موجة جديدة من المهاجرين كشفت نتائج استطلاع أجرته مؤسسة "كرادوك" بالتعاون مع مركز "تيرا نوفا" عن أن 55 في المئة منهم يعارضون زيادة أعداد المهاجرين في فرنسا، بينما أبدى 43 في المئة منهم قبولهم لاستقبال مهاجرين بشرط أن تكون الهجرة منظمة ومحددة وفقاً لحاجات سوق العمل، مما يشير إلى تفضيل أكبر للهجرة العمالية مقارنة بالهجرة العائلية. مع ذلك يبقى الرأي العام منقسماً بوضوح حول ملف الهجرة، حيث كشف استطلاع آخر عن أن نحو نصف الفرنسيين يدعمون تبني سياسة هجرة صفرية، وفي هذا السياق، تعترف مؤسسة "تيرا نوفا" بوجود هذا الانقسام، لكنها تؤكد ضرورة إدارة الحوار بشفافية ووضوح، معتبرة أن الهجرة ليست حلاً موقتاً، بل ضرورة حتمية لمواجهة التحديات الاجتماعية والديموغرافية التي تنتظر فرنسا في المستقبل. ومن جهتها أظهرت دراسة صادرة عن الهيئة الفرنسية "فرانس استراتيجي"، المتخصصة في التحليل الاستشرافي عام 2022، أن الفرنسيين يميلون بصورة متزايدة إلى دعم الهجرة الموجهة، لا سيما مع توقع ازدياد نقص اليد العاملة في قطاعات تعاني ضغوطاً متنامية خلال السنوات المقبلة. وأشار مركز الأبحاث "تيرا نوفا" في استطلاع رأي له حول تصورات الفرنسيين للهجرة إلى أن معالجة هذه القضية تتطلب تعزيز قبول المجتمع للهجرة. وفي السياق نفسه كشفت دراسة أجراها مركز "كريدوك" لدراسة ورصد ظروف المعيشة أن 73 في المئة من المشاركين يبالغون في تقدير نسبة المهاجرين ضمن السكان، حيث يعتقد أكثر من ثلثهم أن النسبة تتجاوز 25 في المئة، بينما تقدر الهيئة الوطنية للإحصاء "إينسي" هذه النسبة بـ10.7 في المئة. قراءة وتحليل في تقرير "تيرا نوفا" يرى المحلل السياسي المتخصص في الشأن الفرنسي نبيل شوفان أن قضية العمال المهاجرين تعد من أكثر القضايا تعقيداً وإثارة للجدل في فرنسا، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي، ففي بلد عرف تاريخياً بانفتاحه الثقافي واستقباله للمهاجرين منذ الحقبة الاستعمارية، تشهد النقاشات حول الهجرة اليوم تصاعداً في التوتر، بخاصة مع تنامي نفوذ الأحزاب اليمينية المتطرفة، ويأتي هذا الجدل بين من يعدون الهجرة عاملاً اقتصادياً ضرورياً، ومن يرون فيها تهديداً للنموذج الاجتماعي والثقافي الفرنسي. في هذا السياق أوضح شوفان أنه من المستحيل الاستغناء عن العمال المهاجرين في القطاعات الحيوية، كما أشار تقرير صادر عن مركز الأبحاث والمؤسسة "تيرا نوفا"، وذلك لأسباب ديموغرافية تتعلق بشيخوخة السكان ونقص اليد العاملة. ومع قوة التحليل في التقرير، إلا أنه لا يخلو من بعض نقاط الضعف التي سلطت عليها بعض الصحف الفرنسية الضوء، مثل تحديات الاندماج، والضغط على الخدمات العامة، إضافة إلى الجدل الدائر حول الهوية والانتماء. وأشار المتحدث إلى أن تقرير "تيرا نوفا" يثني على قدرة العمال المهاجرين في سد الثغرات بسوق العمل، لكنه لا يتناول بالتفصيل الانتقادات التي توجهها النقابات والتيارات اليسارية الراديكالية، فهذه الجهات ترى أن المهاجرين يستخدمون أداة ضغط لخفض كلفة اليد العاملة، ويستغل أصحاب العمل هشاشة أوضاعهم لتقديم أجور منخفضة دون احترام الحقوق الاجتماعية، مما يضعف الطبقة العاملة بصورة عامة، ويزيد من الفوارق الطبقية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويطرح شوفان سؤالاً أعمق وأكثر إلحاحاً هل تستخدم الهجرة كبديل عن إصلاحات هيكلية ضرورية في النظام الاقتصادي، على حساب العدالة الاجتماعية؟ وهذا لا يؤثر فقط في العلاقة بين المهاجرين والفرنسيين، بل يمتد ليشمل التفاوتات داخل المجتمع الفرنسي نفسه. ويعرض التقرير إحصاءات تؤكد اعتماد قطاعات حيوية في الاقتصاد الفرنسي على العمالة الأجنبية بصورة كبيرة، مثل البناء والأشغال العامة، والرعاية الصحية والعناية بالمسنين، والسياحة والمطاعم، إضافة إلى خدمات النظافة واللوجيستيات. هذه القطاعات تعاني نقصاً حاداً في اليد العاملة المحلية بسبب صعوبة طبيعة العمل، انخفاض الأجور، وقلة الحوافز الاجتماعية، مما يجعل العمال المهاجرين الخيار الوحيد القادر على سد هذا النقص وتلبية حاجات السوق. ويضيف شوفان أن التقرير لا يغفل إثارة النقاش حول مدى قدرة النموذج الفرنسي على دمج المهاجرين اجتماعياً وثقافياً، ويعترف بالتحديات التي تواجه استقبالهم، بخاصة مع ارتفاع معدلات البطالة بين المهاجرين من الجيلين الأول والثاني، وتركيزهم في الضواحي الحضرية المهمشة التي تعاني ضعف التمثيل السياسي والنقابي، كما يشير التقرير إلى الهوة الكبيرة التي خلقتها المواقف المتطرفة لأحزاب اليمين المتطرف، فضلاً عن الخطابات السائدة في بعض وسائل الإعلام التي تربط الهجرة بمخاوف متعلقة بالأمن أو التطرف الديني. في الإطار يقترح التقرير تكاملاً بين السياسة والواقع وتبني سياسة هجرة واضحة ومعلنة تعتمد على حاجات السوق مرفقة بسياسات اندماج كتعلم اللغة الفرنسية، وتسهيل الوصول إلى العمل الشرعي، ومحاربة التمييز في السكن والتعليم، إلى جانب الاستفادة من تجارب دول مثل ألمانيا، التي تعتمد سياسة هجرة منظمة مع معايير مهنية لضبط الهجرة وتحديد حاجات السوق وجودة المترشحين. غير أن التقرير يعترف بأن تطبيق هذا النموذج في فرنسا يواجه عدة عقبات، أبرزها غياب التوافق السياسي بين اليمين واليسار حول أي نموذج معتمد، إضافة إلى تعقيد القوانين والبيروقراطية التي تعوق التغيير السريع. ولفت شوفان إلى أن المشكلة الأهم أن النموذج الألماني أو الأسترالي أو الكندي "نظام النقاط" أثار جدلاً كبيراً في فرنسا منذ طرحه رسمياً في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي بسبب الحساسية التاريخية تجاه مفهوم "الهجرة المختارة"، المرتبط بميراث فرنسا الاستعماري والنقاشات الأخلاقية والسياسية التي رافقت هذا التاريخ، فالهجرة المختارة تعني انتقاء المهاجرين بناءً على مؤهلاتهم، ولكن فرنسا كقوة استعمارية سابقة تحمل عبئاً أخلاقياً وسياسياً تجاه شعوب مستعمراتها السابقة. تصنيف المهاجرين وتعد فكرة تصنيف المهاجرين حسب الفائدة الاقتصادية إهانة لروابط تاريخية يفترض أنها تتجاوز البراغماتية الاقتصادية إلى مبادئ المساواة والمواطنة المجردة من الانتماءات الإثنية أو الدينية أو الجغرافية. بالتالي يقول شوفان إن انتقاء المهاجرين على أساس العرق أو الأصل أو الدين أو حتى المؤهلات الاقتصادية ينظر إليه على أنه تمييز وانحراف عن قيم الجمهورية، كما أن اليسار نفسه ومنظمات حقوق الإنسان ينظرون إلى سياسة الهجرة الانتقائية باعتبارها باباً مقنعاً للعنصرية الهيكلية، لأنها تفضل مهاجرين على مهاجرين كما حدث في الاتهامات التي رافقت النزوح الأوكراني. وأردف شوفان أن ما يميز تقرير "تيرا نوفا" هو محاولته الخروج من ثنائية "الترحيب" و"الرفض" ليطرح سؤالاً أكثر أهمية، وهو كيف يمكن بناء سياسة هجرة واقعية وإنسانية وفعالة؟ ويقترح التقرير خطوات عدة، منها دمج سياسة الهجرة ضمن السياسات الاقتصادية الكبرى مثل التوظيف والتكوين المهني، واعتماد خطاب سياسي جديد يبتعد بالهجرة عن السجالات الشعبوية، إضافة إلى تعزيز أدوات الدولة في التخطيط والاستقبال ومتابعة الاندماج، غير أن الوصول إلى هذا النموذج يتطلب إرادة سياسية قوية وتوافقاً مجتمعياً واسعاً، وهو أمر صعب التحقيق في ظل الاستقطاب الحاد الذي يشهده المشهد السياسي والاجتماعي في فرنسا. أما فيما يتعلق بالحلول المقترحة في التقرير، فيؤكد شوفان أنه لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تعزيز قبول الهجرة في المجتمع، وهو ما يعترف به التقرير نفسه، فقد أورد التقرير نتائج استطلاع رأي أجراه مركز البحث لدراسة ومراقبة الظروف المعيشية "كريدوك"، حيث تبين أن 73 في المئة من المستطلعين يبالغون في تقدير نسبة المهاجرين ضمن السكان، والتي تقدر بـ10.7 في المئة وفقاً لمعهد الإحصاء الوطني. في حين يعتقد أكثر من ثلث المستطلعين أن النسبة تتجاوز 25 في المئة، وهو فهم خاطئ يغذي قلقاً غير متناسب، وفقاً لـ "تيرا نوفا"، وعلى رغم ذلك، لا تزال الغالبية العظمى من الفرنسيين تؤيد الهجرة "الانتقائية" وفقاً للحاجات. يقترح التقرير كذلك أن نبدل أسئلة الاستطلاع من هل تريدون استمرار الهجرة في فرنسا؟ إلى هل ترغبون في طرد 17 في المئة من الأطباء المتخصصين العاملين في فرنسا و21 في المئة من الجراحين؟ أو هل تريدون أن تصبح فرنسا كلها صحراء طبية شاسعة؟ أو مثلاً هل تريدون أن تدفعوا أكثر بكثير مقابل شريحة لحم مع بطاطا مقلية وتخاطروا بعدم الحصول عليها؟ 22 في المئة من الطهاة في فرنسا هم من المهاجرين، وترتفع هذه النسبة إلى 55 في المئة في منطقة إيل دو فرانس، وهناك سؤال آخر، وهو هل ترغبون في عدم الوصول إلى خدمات تكنولوجيا المعلومات في شركتكم وتوقف رقمنة الاقتصاد الفرنسي؟ 14 في المئة من مهندسي الكمبيوتر هم من المهاجرين، وهل تريدون توقف قطاع البناء؟ هل تريد أن تترك جدتك وحدها دون رعاية؟ وبالنسبة إلى الكاثوليك، ما رأيك في قداس من دون كاهن؟ (24 في المئة من القساوسة هم من المهاجرين وأكثر من 50 في المئة منهم دون سن 50 سنة). ويختم نبيل شوفان قائلاً "الهجرة ليست مجرد أرقام أو قوة عاملة، بل هي رؤية المجتمع لذاته وعدالته وتعدديته ومستقبله، بالتالي تحتاج إلى مقاربة تعترف بالحقائق ولا تتجاهل المخاوف، لكي تستطيع الوصول إلى صيغة تحقق التوازن بين الحاجة والمبادئ، والهجرة موجودة في فرنسا وستستمر لأن المجتمع الفرنسي في حاجة إلى يد عاملة من الخارج ولأنه بعد الحرب العالمية الثانية. ويتابع القول "لقد وضعت أوروبا وفرنسا قواعد وقيماً تهدف إلى عدم إغلاق الباب أمام المضطهدين، الهجرة تسبب المشكلات بالطبع، ولكن لنخرج من الزوايا الميتة كشيطنتها أو محاربتها ولنبحث عن حلول تجعل الهجرة كما كانت دائماً في التاريخ الفرنسي عامل حيوية وعمل وترابط إنساني حضاري وتنوع وثقافة وتقدم وازدهار". واقع معقد وحاجة استراتيجية ومع تعقيدات الواقع السياسي والاجتماعي تبقى الحقيقة واضحة، وهي أن فرنسا لا تستطيع أن تزدهر من دون عمالها المهاجرين الذين يسدون الفجوات ويضخون الحيوية في شرايين اقتصادها، فبدلاً من النظر إلى الهجرة كخطر أو عبء، يجب أن تعد فرصة للتجديد، لبناء مجتمع أكثر تماسكاً وإنسانية، وللحفاظ على مستقبل يليق بتاريخ هذه الأمة العريقة. إن قبول الهجرة وتدبيرها بحكمة ومسؤولية هو الطريق الوحيد نحو استدامة النمو والتقدم، وليس مجرد خيار، بل ضرورة حتمية تفرضها حقائق العصر. يؤكد تقرير "تيرا نوفا" أن تنظيم الهجرة وإدارتها بصورة دقيقة ليس ترفاً، بل ضرورة ملحة لضمان استمرارية القطاعات الحيوية، وعلى رغم ذلك، يظل الجدل الاجتماعي والسياسي حول الهجرة محتدماً، مع وجود انقسامات واضحة في شأن قبول المهاجرين.


Independent عربية
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- Independent عربية
صعود القوميات... أو التاريخ يرجع إلى الخلف
هل تعرض العالم لحركة انتكاسة، وتراجع تيار العولمة الذي ساد خلال العقود الثلاثة الأخيرة بنوع خاص، وخيل للعالم أن الحواجز الجغرافية تعرضت لانزياح غير مسبوق، وأن الكون برمته تحول من حال القرية الكونية التي تحدث عنها عالم الاجتماع الكندي مارشال ماكلوهان، إلى أوان صندوق الدنيا المتمثل في الهاتف النقال الذكي، الذي أضحى عالماً قائماً بذاته يطوي آلاف الكيلومترات؟ إن ما جرى خلال جائحة "كوفيد 19" قبل خمسة أعوام أظهر كيف أن هناك اتجاهاً معاكساً، وبخاصة بعد أن أغلقت كل أمة أبوابها على ذاتها ومواردها طلباً للنجاة، وساعتها بدأ الحديث يدور حول الأسباب التي دفعت لصحوة القوميات، وارتفاع رايات الشعبويات التي تتجلى اليوم في بقاع وأصقاع الأرض كافة، من الولايات المتحدة الأميركية غرباً إذ إدارة ترمب تبدو ضاربة بقوة في طريق "أميركا أولاً" الشعار القومي بامتياز، إلى فوز الأحزاب اليمينية كما الحال داخل عدد من الدول الأوروبية، وآخرها الفوز الكبير لحزب "البديل من أجل ألمانيا" في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. بالتقدم نحو آسيا، نجد الصين وكأنها تعيد سيرتها الأولى وتغلق أبوابها على ذاتها، فيما اليابان تسعى سعياً حثيثاً منذ عهد رئيس وزرائها المغدور شينزو آبي لوضع نهاية لزمن التبعية للولايات المتحدة والعودة إلى بناء قوة مسلحة تليق بتاريخها الإمبراطوري القديم، أما عن روسيا فحدث ولا حرج عن العنقاء الروسية المنبعثة من الرماد. وفي ما وراء كل هذا يبدو اتجاه قومي جديد يتصاعد في الآفاق، يطلق عليه القومية التكنولوجية، تلك التي تتصارع على قيادة عالم مغاير عبر أدوات تكنولوجية وسيبرانية قادرة على تغيير عالمنا المعاصر جذرياً. هل هي بدايات حقبة جديدة تتناحر فيها الأمم وتتصادم خلالها الشعوب، مما يقود في نهاية المطاف إلى حرب عالمية قد لا تبقي ولا تذر؟ القوميات كمفهوم تاريخي في مؤلفه المثير للإعجاب "القومية: تاريخ العالم"، يوضح غريك ستروم أستاذ التاريخ داخل جامعة "ليدن" الهولندية، كيف أن القومية أسهمت على نحو فريد في تشكيل عالمنا الحديث. دفعت القوميات إلى انتشار الدول القومية في مختلف أنحاء العالم، وهو التحول السياسي الأكثر أهمية خلال القرون الأخيرة. ومكنت للديمقراطية، وحطمت التسلسلات الهرمية والتمايزات الاجتماعية، وحولت الرعايا إلى مواطنين. وبالنسبة إلى عدد من الناس خلال الوقت الحاضر تشكل القومية العدسة التي يكتسب الماضي من خلالها معناه، فهي تشكل الثقافة واللغة، ويمكن أن تعمل كمنافس قوي للدين، أو كنوع من العقيدة العلمانية التي تستدعي التضحية وتكرس الموت. وهي تحول المساحات المادية والآثار إلى أرض مقدسة. وقد يفكر الناس أحياناً خارج الدولة القومية، ولكن من الصعب عليهم أن يعيشوا خارجها فهي تنظم وجودهم اليومي. يعن لنا أن نتساءل بداية "هل القوميات تتشابه؟". بحسب ستورم، فإن القوميين المتفائلين يقطعون بأن كل أمة فريدة، من ثم تستحق دولة خاصة بها، فأولئك الذين ناضلوا من أجل الاستقلال لم يطمحوا إلا للأفضل لمواطنيهم، لذلك يجب اعتبارهم أبطالاً وطنيين. وبالتحليل العميق لظهور الدولة القومية الجديدة يظهر أن الخطاب القومي في مختلف أنحاء العالم كان متشابهاً بصورة ملحوظة، وأن الادعاءات القومية غالباً ما كان مبالغاً فيها، وأن معظم الدول المحتملة لم تحصل على دولتها الخاصة، لذا فبدلاً من دراسة القادة القوميين وخطابهم من الأجدى بكثير النظر إلى ما حدث فعلياً على أرض الواقع. والثابت أنه من خلال هذا المنظور يتضح أن معظم الدول القومية الجديدة نشأت نتيجة أزمة جيوسياسية كبرى مثل عصر الثورة أو الحرب العالمية الأولى، في حين أن عدداً قليلاً جداً منها كان متجانساً عرقياً. ويتساءل المراقبون السياسيون حول العالم، تُرى هل كان نعي القوميات الذي تزامن مع اشتداد عود العولمة أمراً متسرعاً، وبدا كأنه لا بد من أحداث بعينها تعيد الجميع إلى دائرة الصراع بين الليبراليات والقوميات؟ القومية أيديولوجية عصرنا يمكن القطع بأن الأزمة المالية العالمية التي جرت بين عامي 2008 و2009 داخل الولايات المتحدة الأميركية جراء إفلاس عدد من بنوك أميركا المهمة، أدت إلى قرع جرس إنذار قومي حول العالم دعا لليقظة من أخطاء الغير وتبعاتها على الأبرياء، لا سيما بعد أن طاولت الأزمة المالية كثراً شرقاً وغرباً. أعقب الأزمة المالية عدد من الصدمات، منها صعود عدد من الأنظمة الفردية المعادية للديمقراطية والتي رآها الغرب استبدادية، ثم جاء انتخاب الرئيس ترمب في الولايات المتحدة عطفاً على المكاسب الهائلة التي حققها اليمين المتطرف في أوروبا، وكل هذا كان بمثابة التذكير بالقوة الراسخة للقومية. وفي أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، كتب رئيس وزراء بريطانيا السابق غوردن براون عبر الـ"غارديان" يقول "إن القومية حلت محل الليبرالية الجديدة كأيديولوجية مهيمنة في هذا العصر، وإذا كان الاقتصاد على مدى الـ30 عاماً الماضية هو الذي قاد عملية صنع القرار السياسي، فإن السياسة الآن هي التي تحدد القرارات الاقتصادية، إذ تقوم دولة تلو الأخرى بتسليح سياساتها التجارية والتكنولوجية والصناعية، والمنافسة". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وفي حاضرات أيامنا تُستبدل منافسات محصلتها صفر "أنا رابح... أنت خاسر" باقتصادات الربح المتبادل للتجارة ذات المنفعة المتبادلة، إذ تهدد حركات مثل "أميركا أولاً"، و"الصين أولاً"، و"الهند أولاً"، و"روسيا أولاً"، وصولاً إلى مفهوم "قبيلتي أولاً"، بالانحدار إلى جيوسياسية "نحن ضدهم"، و"بلدي أولاً وفقط". ومع قيام مؤسسات الأمن القومي الآن بتجميد احتياطات البنوك المركزية للأنظمة المعادية والحد من الوصول إلى أنظمة الدفع العالمية، من المقرر أن تشتد حروب التجارة والتكنولوجيا ورأس المال. ولعل السمة المميزة اليوم للقوميات أن قوتها لم تعد تكمن في جاذبيتها الأيديولوجية فحسب، بل في وجودها داخل كل مكان، فلا يوجد نشاط ثقافي تقريباً لا يُنظم في الأقل إلى حد ما على أسس وطنية. دعونا ننظر إلى الفن والأدب والموسيقى، وحتى المطبخ والملابس وتوحيد اللغات وجميع الآثار وتنظيم المتاحف. بل إنه كثيراً ما تغذي الروايات والأفلام الشعبية تيار القوميات المختلفة. وربما يتعين علينا أن نتذكر المسابقات الرياضية مثل كأس العالم لكرة القدم والألعاب الأولمبية، فضمنها جميعاً تكاد تبدو ملامح القومية جزءاً مبهراً من المشجعين عبر الأعلام والهتافات، وقد يصل الأمر إلى المشاحنات، وكثيراً ما وقع القتلى بالفعل ضحايا للتزاحم والتضاد القومي، مما يجعل من القومية مسألة واقعية أكثر منها تنظيراً سياسياً. هل اكتسبت القومية واقعاً اجتماعياً شاملاً خلال العقود الأخيرة؟ غالب الظن أن هذا حدث بالفعل، مما جعل قوة القوميات الدائمة لا تكمن فقط داخل صورها المؤسسية، بل وأيضاً في جاذبيتها النفسية. فهي تقدم نوعاً من التبرير الإلهي وتفسيراً للشر والبؤس. وكثيراً ما تستنتج المجتمعات أن نضالاتها الجماعية تنشأ من حقيقة مفادها أنها ليست قومية بالقدر الكافي، أو أن بعض الناس في صفوفها خذلوا الأمة. ذات يوم حذر فيلسوف ورئيس الهند في نهاية المطاف سارفيبالي رادها كريشان من أخطار القومية، وقال في محاضرة ألقاها داخل جامعة "أكسفورد" عام 1936 "أصبحت الأمم رموزاً غامضة تلجأ إلى القوميات لحمايتها مثل المتوحشين الذين يعبدون الأوثان". هل يمكن تفكيك هذه الرؤية النظرية الفلسفية عبر وقائع محددة من أميركا غرباً، مروراً بأوروبا في المنتصف ووصولاً إلى آسيا في أقصى الشرق؟ ترمب والعودة الأميركية لتكن البداية من الولايات المتحدة الأميركية، وبخاصة في ظل رفع شعار "أميركا أولاً" الذي رفعه الرئيس ترمب في ولايته الأولى (2017-2021)، وصولاً إلى التجليات الكبرى في ولايته التي بدأت أخيراً. ويعد مايكل كيماج، مدير معهد "كينان" التابع لمركز "ويلسون" ومؤلف كتاب "التخلي عن الغرب... تاريخ فكرة في السياسة الخارجية الأميركية"، أن اللحظة التي انبلجت فيها القومية الأميركية بقوة جرت عام 2016 حين فاز ترمب برئاسته الأولى، ورفع شعارات تجسد روح الشعبوية والقومية المناهضة للعولمة التي كانت تتسرب داخل الغرب وخارجه، حتى مع ترسيخ النظام الدولي الليبرالي بقيادة أميركا ونموه. وفي مقاله المطول المنشور في مجلة "فورين آفيرز" الأميركية ذائعة الصيت، عدد فبراير (شباط) الماضي، يقطع كيماج بأن ترمب لم يكن يركب موجة عالمية فحسب، فلقد استمد رؤيته لدور الولايات المتحدة في العالم من مصادر أميركية على وجه التحديد، وإن كان أقل في توجهاته من حركة "أميركا أولاً" الأصلية التي بلغت ذروتها خلال ثلاثينيات القرن الـ20، وأكثر من معاداة الشيوعية اليمينية في الخمسينيات. لفترة من الوقت، بدا أن خسارة ترمب أمام جو بايدن في السباق الرئاسي عام 2020 تشير إلى استعادة الوضع السابق. وكانت الولايات المتحدة تعيد اكتشاف موقفها بعد الحرب الباردة، وهي على استعداد لدعم النظام الليبرالي ووقف المد الشعبوي. لكن في أعقاب عودة ترمب غير العادية يبدو الآن أن بايدن وليس ترمب، كان يمثل تحويله. الآن يضع ترمب ومنصات العظمة الوطنية المماثلة الأجندة العالمية. إنهم رجال أقوياء من الطراز الأول لا يضعون كثيراً من الثقة في الأنظمة القائمة على القواعد أو التحالفات أو المنتديات المتعددة الجنسيات. إنهم يحتضنون المجد الماضي والمستقبلي للدول التي يحكمونها، ويؤكدون تفويضاً شبه صوفي لحكمهم. وعلى رغم أن برامجهم يمكن أن تنطوي على تغيير جذري، فإن استراتيجياتهم السياسية تعتمد على سلالات من المحافظة، وتجذب النخب الليبرالية والحضرية والعالمية إلى الدوائر الانتخابية التي تحركها الرغبة في التقاليد والرغبة في الانتماء، أي باختصار غير مخل، العودة إلى أحضان القومية الأميركية مرة جديدة. هل ترمب وعصر القومية الجديدة مزيج خطر على أميركا والعالم؟ يبدو أن هذا ما خلص إليه كل من المحاضر الأول في العلاقات الدولية بجامعة "فيكتوريا" في ويلينغتون فان جاكسون، والمدير المشارك في برنامج "برادي جونسون" في الاستراتيجية والمحاضر في التاريخ بجامعة "ييل" مايكل برينس، وهما مؤلفا كتاب "خطر التنافس... كيف يهدد التنافس بين القوى العظمى السلام ويضعف الديمقراطية". يرى جاكسون وبرينس أن عصر القومية هو عصر عقابي بالنسبة إلى الدول ذات الدخل المنخفض، لأنه يحد من الفرص المتاحة للولايات المتحدة لإقامة علاقات حسن النية والولاء مع الدول الأفريقية والآسيوية، وحتى قبل توليه منصبه استهدف ترمب في محاولة لتعزيز تفوق الدولار دول مجموعة "بريكس" (التي تشكل 40 في المئة من سكان العالم) برسوم جمركية على العملات. وتتعهد مثل هذه الإجراءات بقطع الولايات المتحدة عن سلاسل التوريد العالمية مع زيادة كلفة الاستهلاك بالنسبة إلى المستهلك الأميركي. وعوضاً عن مد جذور التحالفات، ها هي واشنطن تقوض كثيراً من تحالفاتها مع المؤسسات الدولية. هل يعني ذلك أن القومية الأميركية هي المكافئ الموضوعي للانعزالية؟ وهل أوروبا منبتة الصلة عن التيارات القومية السياسية؟ القومية الأوروبية وصعود اليمين المؤكد بالمطلق أن مثل تلك التيارات السياسية وُلدت في رحم الحواضن الأوروبية منذ القرون الوسطى، وكانت الأفكار القومية فيها دافعاً لحروب وثورات استمرت مئات الأعوام وصولاً إلى الحرب العالمية الثانية، والتي كان دافعَها الرئيس تيار فكري قومي متطرف تمثل في النازية. ولعل الذين لديهم علم من كتب التاريخ الأوروبي يدركون تمام الإدراك الارتباط العميق بين صعود التيارات الوطنية ذات المسحة القومية وأوقات الأزمات، سواء كانت أزمات اقتصادية أم سياسية، وغالباً عسكرية. واليوم تتكالب جميع هذه العناصر على أوروبا، وعليه يضحى من الطبيعي أن تستيقظ التيارات القومية وبصورة غير مسبوقة في تاريخ أوروبا منذ نهاية الحرب الكونية الثانية. هل من ظاهرة بعينها تعكس مدى قوة تيارات القومية الآتية من قلب أوروبا في مواجهة مؤسساتها وحكوماتها؟ بالقطع تبقى ظاهرة الرفض لفكرة الاتحاد الأوروبي والتحلل من هذا الرباط غير المقدس أخطر إشارة تمثل رغبة كل شعب أوروبي في العودة إلى داخل حدوده، ومن غير وحدة عضوية مع غيره. إن معارضي الاتحاد الأوروبي موجودون في السلطة داخل بودابست وبراتيسلافا وقريباً أيضاً في فيينا، ومن قبل انسحبت بريطانيا مما يؤدي إلى تقسيم أوروبا، الذي من شأنه في نهاية المطاف أن يعود بالنفع على دولة واحدة بعينها يراها الليبراليون الأوروبيون المستفيد الوحيد، أي روسيا. وخلال الأسبوع الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي، كلف هربرت كيكل الفائز في الانتخابات النمسوية الخريف الماضي، بشعارات مناهضة للاتحاد الأوروبي، بتشكيل حكومة جديدة، وباءت محاولات منع حزب الحرية النمسوي القومي اليميني المتطرف من تولي السلطة بالفشل، ولم يتمكن الخاسران في الانتخابات، حزب الشعب النمسوي المحافظ والحزب الاشتراكي النمسوي، من الاتفاق على ائتلاف مع حزب ليبرالي. وتالياً سيفوز حزب البديل من أجل ألمانيا بنحو 20 في المئة من مقاعد الـ"بوندستاغ"، وربما في أقرب انتخابات برلمانية سيحصد الأكثرية، مما يعني أن قيادة ألمانيا الدولة ذات الوزن الاستراتيجي ستؤول إليه. وبالنظر إلى دولة مثل المجر ورئيس وزرائها فيكتور أوروبان الصديق الأقرب والحليف الأكبر للولايات المتحدة وللرئيس ترمب شخصياً، يمكن القطع بأن عالماً آخر موازياً للقومية الأميركية الترمبية يولد وبجدارة في الداخل الأوروبي اليوم. ولعل من المثير أن القومية الأوروبية تجد اليوم دعماً ظاهراً من تيار الأوليغارشية التقنية الأميركي بقيادة الفتى المعجز إيلون ماسك، وبدعم سياسي واضح وربما فاضح من نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، الذي دعم بلقائه على هامش مؤتمر "ميونيخ" الأخير زعيم حزب البديل من أجل ألمانيا، مما وجد رفضاً مؤكداً من المستشار الألماني وقتئذ أولاف شولتز. هل ستؤدي القوميات إلى تآكل أوروبا؟ قد يتشكل تكتل من الدول التي ترغب في الدفاع عن سيادتها بنشاط في شمال شرقي أوروبا. ستقود هذا التحالف بولندا، وربما المملكة المتحدة، مع انضمام دول البلطيق والدول الاسكندنافية أيضاً، وفي الوقت نفسه قد تطرح علاقات ألمانيا بالغرب للنقاش خلال الأعوام المقبلة، مما يعني أن القوميات قد تكون بالفعل "كعب أخيل" داخل الاتحاد الأوروبي. إمبراطورية الهان والقومية الصينية بعد نحو خمسة عقود من محاولات جديدة وجريئة من جانب الصين للانفتاح على العالم، ها هي المخاوف تتزايد من انغلاق الصين على نفسها وسط حملات القمع والنزعة القومية المتزايدة، من القوانين الجديدة المتعلقة بالتجسس والأمن العام، إلى انخفاض عدد الأفلام الأجنبية والنقاشات حول الملابس، فهل بدأت الصين رحلة الابتعاد ومن ثمَّ الانفصال عن العالم؟ الجواب يستدعي قراءة مفصلة كبرى بحجم الصين وتاريخها، لكن لا بأس من نظرة معمقة في سطور معدودات. هنا يبدو جلياً وفي ظل المشهد الاجتماعي والسياسي المعقد داخل الصين، نمو وتزايد حضور فصيل "هان الإمبراطوري" بنهضته الملحوظة. وهذه المشاعر القومية العرقية المتطرفة لدى الهان التي كانت خلال السابق هامشية تؤثر الآن في اعتبارات السياسة الداخلية والخارجية. من هم شعب الهان؟ إنهم أكبر جماعة عرقية في الصين، ويمثلون أكثر من 90 في المئة من سكان البلاد. وينبع شعور الهان الإمبراطوري من وعي تاريخي سادت فيه عرقية الهان، ويرمز إلى الدور المحوري للسلالات ذات الغالبية (الهان) مثل تانغ ومينغ في توسيع وتشكيل الحضارة الصينية، إلا أن السلالات غير الهان وبخاصة يوان بقيادة المغول وتشينغ بقيادة الماتشو، تعقد الهوية العرقية الوطنية للصين. ويعد عصر تشينغ (1644-1911) الذي غالباً ما يعده قوميو الهان حكماً استعمارياً مثيراً للجدل، خصوصاً داخل فصيل الهان الإمبراطوري الذي يرفض إسهاماته في إرثه. ومع بزوغ شمس القرن الـ21 بدأت عملية إحياء لقومية الهان، مدفوعة بصعود الصين العالمي. ويستمد هذا التجدد الحديث من عظمة الصين التاريخية، جامعاً بين فخرها الحديث ومجدها العريق. وبعد عام 2008 ومع ترسيخ الصين مكانتها كقوة عالمية اكتسب فصيل الهان الإمبراطوري زخماً، ساعياً إلى إعادة تفسير الإنجازات الحديثة في سياقها التاريخي. لقد أعادت حقبة النمو الاقتصادي والنفوذ العالمي الحالية في الصين إحياء الاهتمام بماضيها العريق، وفي طليعتها سلالة الهان الإمبراطورية. وهذه الحركة تتجاوز مجرد الحنين إلى الماضي بل تمثل مزيجاً معقداً من الفخر والهوية والطموح إلى الاعتراف العالمي، وهكذا ترمز سلالة الهان الإمبراطورية إلى رغبة غالب الصينيين الهان في استعادة أهميتهم التاريخية والمعاصرة. واليوم تؤثر هذه الحركة بصورة كبيرة على خطاب بكين وسياساتها. هل تذكرنا هذه الحقائق بالتحذيرات التي صدرت قبل عقود من عالم الصينيات والمؤرخ البريطاني الكبير جوزيف نيدهام، عن خطورة تصاعد القومية الصينية ونظرتها لبقية العالم؟ تبدو قراءة الصراع القومي الصيني في الداخل عاملاً دافعاً في طريق الحكم على رؤى الصينيين بالنسبة إلى الخارج حال اعتلاء بكين للقطبية العالمية، وهل سيستدعي ذلك صراعات وجودية بالفعل؟ قد يكون هذا ما يدركه القوميون الأميركيون الذين يضعون الصين على قمة الدول التي تمثل أخطاراً وجودية على الحضور الأميركي العالمي، كما جاء في التقرير الاستخباري الأخير. على أنه وإن كان على الأميركيين أن يقلقوا من تصاعد القومية الصينية، على رغم البعد الجغرافي من أميركا، فكيف تكون الحال بالنسبة إلى الدول الآسيوية القريبة من الصين، لا سيما اليابان التي لها جذور خلافات عقدية وأيديولوجية ممتدة لعقود وربما لقرون طويلة مع الصين؟ الأمر نفسه ينسحب على روسيا التي تبدو اليوم في تحالف ظاهري مع الصين، لكن القاصي والداني وكل من له علاقة بالسياسة الدولية يدرك تمام الإدراك أن الطبقات الحضارية للبلدين لا تمتزج أبداً. قومية في زمن شينزو آبي يبدو التاريخ الياباني الضارب بجذوره في التاريخ مثله مثل التاريخ الصيني مليئاً بالمحطات القومية، وطالما عُرف إمبراطور اليابان بكونه إلهاً بأكثر من كونه إنساناً وابناً للشمس وليس نسلاً آدمياً فحسب. بلغت اليابان شأناً عالياً في زمن الحرب العالمية الثانية، وربما لو لم تكن الترسانة العسكرية الأميركية عرفت طريقها إلى القنبلة النووية لما كانت اليابان استسلمت في نهاية الحرب. كرست اليابان هزيمتها العسكرية لتحولها إلى نصر اقتصادي مبين، مما جعل منها بالفعل الضلع الثالث من أضلاع الرأسمالية العالمية. غير أن الهواجس القومية لم تغادر العقلية اليابانية، ومع اعتلاء إمبراطور جديد العرش داخل البلاد عمل رئيس الوزراء الياباني العنيد شينزو آبي، قبل أن يلقى مصرعه، جاهداً من أجل تكريس مشروعه القومي المتشدد إلى حد التطرف، والعهدة على الدوائر الآسيوية القريبة جغرافياً، ذلك المعروف باسم "اليابان الجميلة". حين استسلمت اليابان للولايات المتحدة بعد هزيمة دول المحور، تخلت عن مساحة شاسعة من البلاد للجيش الأميركي، وكان أكبر استسلام في محافظة أوكيناوا، حيث تغطي اليوم القواعد العسكرية الأميركية أكثر من 15 في المئة من مساحة الجزيرة الرئيسة. واليوم تعلو الأصوات بضرورة انسحاب القوات الأميركية، وقاوم السكان المحليون الوجود الأجنبي بشدة، سواء عبر صناديق الاقتراع أو خلال التظاهرات الحاشدة. تبدو المسيرة القومية اليابانية طويلة وممتدة، لا سيما أن هناك في أنحاء اليابان نحو 24 قاعدة عسكرية أميركية ونحو 50 ألف جندي أميركي، إلى جانب الأسطول السابع للبحرية الأميركية وهو الأكبر لها في الخارج. وتتحمل اليابان أيضاً كلفة هذا، إذ تدفع ثلاثة أرباع كلفة توسيع الولايات المتحدة لوجودها العسكري في عمق آسيا. عمل شينزو آبي طويلاً على تعديل المادة التاسعة من الدستور الياباني، تلك التي رسخها الأميركيون وتقضي بعدم تشكيل جيش ياباني كأمر محظور على البلاد بعد هزيمتها. وعلى رغم أن "قوات الدفاع الذاتي" اليابانية تشكل ثامن أكبر جيش في العالم، فإن الفارق بين الجيش بحكم الواقع والجيش بحكم القانون يثير قلق مستعمرات اليابان السابقة، لا سيما في الصين وكوريا. وفي المقابل يؤيد الأميركيون التغيير تأييداً كاملاً، لا سيما أنهم عملوا لأعوام لضمان "توافق" القوات اليابانية مع نظيراتها الأميركية، وبالنسبة إلى واشنطن تعد اليابان المسلحة جيداً أقل كلفة وأكثر ملاءمة، لا سيما مع توسع بكين في المحيط الهادئ. هل أحلام وطموحات اليابان القومية تتوقف عند حدود العسكرة التقليدية فحسب؟ المعروف بداية أن المصانع المدنية اليابانية، يمكن وخلال أقل من ستة أشهر أن تتحول إلى مصانع عسكرية، وهو الأمر عينه الذي ينسحب على ألمانيا. غير أنه وفي حال اليابان، هناك اليوم إرهاصات تدور حول نشر أسلحة نووية على الأراضي اليابانية، والسؤال المثير هو هل ستكون أسلحة نووية أميركية كما هي الحال في عدد من الدول الأوروبية؟ أم أن اليابانيين تعلموا الدرس، وفي سعيهم إلى الاستقلال التام والقومية الكاملة سيجتهدون في تعظيم جهودهم لحيازة سلاح نووي ياباني، يكون المكافئ الموضوعي الذي يردع طموحات الصين وروسيا في مزيد من الأراضي أو الجزر اليابانية؟ تبدو الأعوام الأربع المقبلة مثيرة على صعيد ترسيخ الفكر القومي، وقد تقود حروب إقليمية أو أممية إلى مزيد من الردة عن العولمة والليبرالية... فانتبه، عجلة التاريخ ترجع إلى الخلف.


Independent عربية
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- Independent عربية
صناعة السينما في بريطانيا تئن تحت وطأة رسوم ترمب الجمركية
في خطوة مفاجئة أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المئة على الأفلام التي تنتج خارج الولايات المتحدة، مما قد يشكل ضربة موجعة لصناعة السينما البريطانية، وذلك لأن مساحات أستوديوهات الأفلام في المملكة المتحدة تضاعفت تقريباً خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إذ تجذب البلاد منتجي هوليوود لتصوير أفلام ناجحة مثل "المهمة المستحيلة". رد فعل النقابات وأكدت نقابة عمالية أن خطة دونالد ترمب لفرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المئة على الأفلام المنتجة خارج الولايات المتحدة "قد توجه ضربة قاضية" لقطاع السينما في المملكة المتحدة، وأوضحت رئيسة اتحاد البث والترفيه والاتصالات والمسرح (Bectu) فيليبا تشايلدز، أن صناعة السينما في المملكة المتحدة "تتعافى بالكاد" من آثار جائحة "كوفيد-19"، التي أدت إلى تأجيل أو إلغاء عديد من الإنتاج. توظيف الآلاف وأضافت، "تعد المملكة المتحدة رائدة عالمياً في إنتاج الأفلام والتلفزيون، إذ توظف آلاف العمال الموهوبين، كما يشكل هذا القطاع رافداً رئيساً في الاستراتيجية الصناعية للحكومة"، مشيرة إلى أن هذه الرسوم قد توجه ضربة قاضية لعشرات الآلاف من العاملين المهرة الذين يصنعون الأفلام في المملكة المتحدة، مشددة على ضرورة تحرك الحكومة البريطانية بسرعة للدفاع عن هذا القطاع الحيوي، ودعم العاملين المستقلين الذين يحركونه، باعتباره مصلحة اقتصادية وطنية أساسية. وقالت رئيسة لجنة الثقافة والإعلام والرياضة كارولين دينيج، إن الأعضاء حذروا من "التهاون في مكانة بريطانيا كهوليوود أوروبا" خلال تقريرها عن السينما البريطانية والتلفزيون عالي الجودة، الصادر الشهر الماضي. صعوبة الإنتاج وبحسب "ياهو فاينانس" فإن زيادة صعوبة إنتاج الأفلام في المملكة المتحدة لا يصب في مصلحة الشركات الأميركية، إذ إن استثمارها في المرافق والمواهب في المملكة المتحدة، استناداً إلى الملكية الفكرية الأميركية، يحقق عوائد ضخمة على جانبي المحيط الأطلسي، لذلك يجب على الوزراء إعطاء هذه المسألة أولوية عاجلة كجزء من المفاوضات التجارية الجارية حالياً. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأشار تقرير اللجنة إلى أن صناعة الأفلام والتلفزيون عالي الجودة في المملكة المتحدة "تهيمن عليها" الاستثمارات الداخلية من الأستوديوهات الأميركية، وأن هذا "يجلب فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة للمملكة المتحدة". تأثير سلبي وصرح وزير الثقافة في حكومة الظل، ستيوارت أندرو، بأن الرسوم الجمركية "قد يكون لها تأثير كبير في صناعة السينما البريطانية الشهر ذاته العالمية"، ودعا إلى تأمين اتفاقية تجارية مع الولايات المتحدة واتخاذ إجراءات حاسمة لتعزيز وحماية صناعة السينما البريطانية، وإلا فإن هناك أخطاراً وضرراً طويل الأمد يلحق بقطاع ناجح عالمياً. إنتاج الأفلام وشهد إنتاج الأفلام والتلفزيون في الولايات المتحدة عوائق في الأعوام الأخيرة، مع انتكاسات ناجمة عن جائحة "كوفيد"، وإضرابات نقابات هوليوود عام 2023، وحرائق الغابات الأخيرة في منطقة لوس أنجليس، وواجهت صناعة السينما في المملكة المتحدة انتكاسات ناجمة عن الجائحة والإضرابات الأميركية. وفي العام الماضي، قدمت الحكومة البريطانية إعفاء ضريبياً للأفلام المستقلة، يسمح لعمليات الإنتاج التي تصل كلفتها إلى 15 مليون جنيه استرليني (20 مليون دولار) بالاستفادة من إعفاء ضريبي متزايد بنسبة 53 في المئة. يعد إعلان ترمب الأخير جزءاً من حرب تجارية مستمرة بعد فرضه رسوماً جمركية تصل إلى 145 في المئة على السلع الصينية، والرسوم الجمركية هي ضرائب تفرض على السلع المستوردة من دول أخرى. وليس من الواضح كيف يمكن تطبيق رسوم جمركية على عملية إنتاج الأفلام الدولية، إذ يصور كثير من الأفلام في دول كثيرة، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.