logo
ربراب الذي لاحقته السوسيولوجيا بعد السياسية

ربراب الذي لاحقته السوسيولوجيا بعد السياسية

القدس العربي منذ 5 أيام
يعيش رجل الأعمال الجزائري يسعد ربراب كإنسان ورب عائلة وصاحب أكبر مشروع اقتصادي في الجزائر، أحلك فترات حياته هذه الأيام، هو الذي يملك أكبر ثروة مالية في الجزائر قدرت بخمسة مليارات دولار، احتل بموجبها موقع ثالث أغنى رجل في افريقيا والأول في الجزائر. ثروة نجح في بنائها كممثل لأول جيل ناجح لعائلة ريفية متواضعة، من داخل تجربة اشتراكية، قيل لنا إنها حاربت بشتى الطرق بروز رجال أعمال أقوياء في القطاع الخاص، الذي خرج من رحم هذه التجربة الاقتصادية، التي بنيت اعتمادا على القطاع العمومي المملوك للدولة في اقتصاد ريعي. كما حصل في تجارب مشابهة في العالم، على غرار الاتحاد السوفييتي. تميزت العلاقات داخلها بالتوتر وعدم الشفافية في أغلب الأحيان، بين السياسي والمالي.
يسعد ربراب ابن تقموت أعزوز بولاية تيزي وزو -81 سنة – الذي زادت مصاعبه بعد تحوله إلى رجال أعمال معروف وحاضر في أكثر من قطاع نشاط اقتصادي، تراوح بين الزراعة والصناعة والخدمات، توّجها ببناء مؤسسته العملاقة المعروفة (سيفيتال) التي توظف 18000 مستخدم، بين أبناء مجتمع جزائري لا يقبل بسهولة أشكال التميز والنجاح الفردي. الشركة التي لم تكتف بالسوق الجزائرية، بل توجهت إلى التصدير، كما كان الأمر مع مادة السكر والزيت، التي تحولت المؤسسة إلى منتج كبير لها احتكر السوق الجزائرية بهذه المواد ذات الاستهلاك الواسع.
يسعد ربراب الذي تخبرنا الوقائع أن مساره السياسي لم يكن سهلا، ومن دون مطبات، منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، حين اتهمه رئيس الحكومة الأسبق عبد السلام بلعيد (1992) بشكل علني بالتسبب في إسقاط حكومته بالتواطؤ مع حلفائه من ضباط الجيش النافذين، من أبناء جهته – وهو يلمح إلى الجنرال محمد تواتي. القرب من مراكز القرار، لم يشفع له، رغم ذلك، بتوسيع مجالات حضوره نحو نشاطات جديدة أخافت الكثير منه، كان ينوي الاستثمار فيها كالإعلام السمعي البصري، بالاستحواذ على مؤسسة الخبر الصادرة بالعربية – بما فيها تلفزيون kbc بعد تجربة يومية مع ليبيرتي بالفرنسية، التي عرفت كمنبر قريب من المعارضة الديمقراطية، حسب التصنيف الجزائري المشهور للساحة السياسية – الإعلامية. أغلقها الرجل لاحقا (2022) كمؤشر حسن سيرة وسلوك بعد ضغوط كبيرة عليه. مشروع لو نجح كان سيؤهله للتحول إلى أحد وجوه الأوليغارشية الجديدة، التي عبرت عن نوايا للهيمنة السياسية على الساحة الجزائرية. برز بقوة خلال سنوات حكم بوتفليقة الأخيرة، التي تميزت بضعف الدولة كمركز قرار واضطراب كبير في أداء مؤسساتها الكبرى. مشروع تم فيه الجمع بين المال، السياسة والإعلام من قبل مجموعة من رجال الأعمال الجدد، عبروا عن ملامح نزعة هيمنة أوليغارشية بدأت في التشكل بسرعة في الحالة الجزائرية، كانت قريبة من النموذج الذي ظهر في الاتحاد السوفييتي. لتستمر صعوبات الرجل مع بعض مراكز القرار السياسي والعسكري، وهي تعيش حالة اضطراب، أدى في نهاية الأمر إلى سجنه خلال محطة الحراك لمدة سنة تقريبا 2019. بتهم ذات علاقة بالتسيير، يكون قد اقترفها كمسير لهذا المجمع الصناعي الكبير. حالة عداء مع بعض مراكز القرار، استمرت تطارده مع ابنائه لغاية اليوم. عبّرت عن نفسها بالترويج لتلك الشائعات، التي تكلمت عن أدوار سياسية لرجل الأعمال، سواء تعلق الأمر بالانتخابات الرئاسية، أو بمحطات سياسية أخرى مهمة تمت الإشارة فيها، إلى أدوار مفصلية لرجل الأعمال يسعد ربراب ومؤسساته العملاقة، تكون قد أخافت مراكز القرار الرسمي، التي لم تتعود على المنافسة التي تأتيها من خارج النظام، خاصة عندما يتعلق الأمر بعالم الأعمال. الذي وجد صعوبات في ترويضه ومنحه مكانة رسمية معترفا بها، في وقت كانت فيه جهته تعيش غليانا سياسيا.
المصير نفسه عرفه الابن البكر عمار، الذي منع بقرار من العدالة بحر هذا الشهر من القيام بأي نشاط اقتصادي ومالي كمسير لمشاريع العائلة التي ورثها عن الأب كبكر للعائلة المكونة من أربعة اخوة واخت واحدة متزوجة من ابن الوزير الأول الأسبق رضا ملك. مثلما حصل مع الأب قبله حين فرضت العدالة نفسها على الأب الانسحاب من على رأس تسيير مؤسسته، التي بناها كجيل مؤسس. انطلق بالعمل في القطاع العمومي كالكثير من رجال الأعمال الجزائريين، الذين لم يعرف عنهم عمق تاريخي كأرباب عمل خواص.
مؤسسة لم تتمكن من الابتعاد عن منطق التسيير العائلي بكل نقاط قوته وضعفه. رغم حجمها الكبير وطابعها العصري، لم يسمح لها بالإفلات من هذه الآفة التي يعيشها القطاع الاقتصادي الخاص بما عرف عنه من سيطرة للعائلة على مقاليد الأمور. فرضتها على شكل علاقات وقيم في مجال التسيير. كما أظهرته الازمة الخانقة التي تعيشها هذه المؤسسة العملاقة إثر انقسام جيل الأبناء بعد ابتعاد الأب -المؤسس بقرار من العدالة الجزائرية، زاده تعقيدا زواج الرجل للمرة الثانية، كما أكد ذلك الكثير من المصادر الإعلامية وهي تربط بشكل واضح بين هذا الزواج وأزمة التسيير التي تعانيها المؤسسة العائلية، التي أوكلت قيادتها الأب يسعد إلى بكره عُمار كما جرت العادة داخل العائلة الجزائرية التقليدية، التي تمنح تفضيلا لبكر العائلة، دون أن تبعد البنت التي استمرت في أخذ مكانتها في هذا المشروع العائلي، ساعد عليه التحسن الكبير في المستوى التعليمي المتخصص لهذا الجيل لعائلة ربراب، بمن فيها البنت، الذي انطلق فيه الأب يسعد في دراسته للمحاسبة التي درسّها في بداية حياته المهنية، قبل التوجه إلى عالم الأعمال.
لنكون أمام هشاشة سوسيولوجية تكون قد ألقت ظلالها على المجال الاقتصادي والمالي داخل هذا الوسط العائلي القبائلي، الذي لم يكن معروفا عنه تعدد الزوجات كما هو حاصل في مناطق أخرى من الجزائر. يكون فيها الزواج الثاني والثالث وربما أكثر هو المشروع الذي لا مفر منه أمام الأب ميسور الحال. يعبر من خلاله على ثرائه كصاحب نعمة جديد. ظاهرة ليست منتشرة في منطقة القبائل تحديدا، التي تميز أبناؤها بضعف ظاهرة تعدد الزوجات، كانت لها نتائج مدمرة على آل ربراب ومشرعهم الاقتصادي، أكدته الأرقام التي أعلنت عنها الصحافة وهي تتكلم عن تدهور الوضع المالي للمؤسسة ـ مصادر صحافية ذكرت ما نسبته أربعين في المئة انخفاضا في رقم أعمال المجموعة – ومغادرة الكثير من الأطر للمؤسسة التي بدأت تعرف الكثير من علامات الهشاشة على مستوى التسيير واتخاذ القرار. نتيجة تصدع مركز القرار الأول بطابعه العائلي والصعوبات التي يجدها مع محيطه الرسمي، ليس من المستبعد أن تكون له تداعيات سلبية على مسألة تدفق الاستثمارات الأجنبية نحو السوق الجزائرية، إذا تأكد هذا المسار السلبي لمؤسسة (سيفيتال). من باب أن البلد الذي لا ينجح فيه أبناؤه من المستبعد أن ينجح فيه الغريب.
كاتب جزائري
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

توقعات بإعلان اتفاق تجاري بين واشنطن وبروكسل خلال عطلة نهاية الأسبوع
توقعات بإعلان اتفاق تجاري بين واشنطن وبروكسل خلال عطلة نهاية الأسبوع

العربي الجديد

timeمنذ 2 ساعات

  • العربي الجديد

توقعات بإعلان اتفاق تجاري بين واشنطن وبروكسل خلال عطلة نهاية الأسبوع

نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين ودبلوماسيين أوروبيين قولهم يوم الجمعة إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد يتوصلان إلى اتفاق تجاري خلال عطلة نهاية الأسبوع وهو تطور من شأنه أن يضع حداً لشهور من عدم اليقين للصناعة الأوروبية، في أعقاب تلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم تصل إلى 30% على الصادرات من دول الاتحاد. وبحسب المصادر التي تحدثت إليها الوكالة فمن المتوقع أن يشمل الاتفاق رسوماً رئيسية بنسبة 15% على كل الصادرات الأوروبية باستثناء صادرات الألمنيوم والحديد التي من المحتمل ان تخضع لرسوم جمركية تبلغ 50%. وكان الرئيس الأميركي قد قال الجمعة قبل توجهه إلى اسكتلندا في زيارة خاصة لعدة أيام، إن احتمال التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي قائم بنسبة 50 % أو أقل، مضيفاً أن دول الاتحاد " في حاجة ماسة إلى إبرام اتفاق". لكن "رويترز" نقلت عن مصدر أوروبي قوله إن "الاتفاق المقترح في أيدي ترامب حالياً"، فيما أشار مصدر آخر مطلع على سير المفاوضات الى احتمال أن تلتقي رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الرئيسَ الأميركي أثناء وجوده في اسكتلندا خلال عطلة نهاية الأسبوع. وسيمضي ترامب عدة أيام في اسكتلندا ضمن زيارته الخاصة التي يتفقد خلالها ملاعب الغولف التي يمتلكها، كما سيلتقي رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، حيث أشار إلى أنه سيبحث معه مزيداً من التفاصيل المتعلقة بالاتفاق التجاري الذي أُبرم سابقاً بين واشنطن ولندن. اقتصاد دولي التحديثات الحية الاتحاد الأوروبي يخطط لمواجهة رسوم ترامب مع الدول المتضررة وتعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كلٌّ منهما للآخر أكبرَ شريكين تجاريين بالنظر إلى إجمالي تبادل السلع والخدمات والاستثمارات. وقد حذرت غرفة التجارية الأميركية مع الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار الماضي من أن استمرار النزاع يهدد علاقات تجارية قيمتها 9.5 تريليونات دولار، وهي الأهم من نوعها في العالم. وكان ترامب قد لوح بفرض رسوم جمركية تبلغ 30% على الصادرات الأوروبية إلى الأسواق الأميركية اعتباراً من أول اغسطس/ آب المقبل، إضافة إلى الرسوم الأعلى على صادرات الصلب والألمنيوم، وهي رسوم حذر مسؤولون أوروبيون من أنها ستقضي على التجارة بين جانبي المحيط الأطلسي. (رويترز، العربي الجديد)

زيلينسكي يعلن بدء البحث بلقاء مع بوتين والكرملين يستبعد عقده قريبا
زيلينسكي يعلن بدء البحث بلقاء مع بوتين والكرملين يستبعد عقده قريبا

القدس العربي

timeمنذ 7 ساعات

  • القدس العربي

زيلينسكي يعلن بدء البحث بلقاء مع بوتين والكرملين يستبعد عقده قريبا

كييف- أوكرانيا: قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تصريحات نُشرت الجمعة إن مفاوضين من كييف وموسكو بحثوا في إمكان عقد لقاء بينه ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال محادثاتهم في إسطنبول هذا الأسبوع. لكن الكرملين استبعد الجمعة عقد مثل هذا اللقاء في وقت قريب. تسعى أوكرانيا جاهدة لعقد لقاء بين الرئيسين، وأعربت عن أملها بأن يشارك فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يمارس ضغوطا للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب بين الجانبين. أما فلاديمير بوتين، فقد أشار إلى أنه لن يكون مستعدا لهذه القمة إلا في 'المرحلة الأخيرة' من المفاوضات. وقال زيلينسكي لصحافيين ومن بينهم مراسلو وكالة فرانس برس: 'نحتاج إلى إنهاء الحرب الذي يبدأ على الأرجح بلقاء بين القادة' مضيفا 'خلال مباحثات معنا بدأوا بمناقشة الأمر. هذا بحد ذاته تقدم باتجاه صيغة ما للقاء' محتمل. وخلال الجولة الثالثة من المفاوضات في إسطنبول الأربعاء، اقترح رئيس الوفد الأوكراني رستم أومروف عقد الاجتماع بحلول نهاية آب/أغسطس، وهذا يتوافق إلى حد ما مع مهلة من 50 يوما حددها ترامب لبوتين لحل النزاع أو مواجهة عقوبات صارمة. ولكن، لم يبد الجانب الروسي تفاؤلا بإمكانية عقد اجتماع وشيك، متحدثا عن تباين كبير في المواقف وعن الحاجة إلى الإعداد له 'بعناية'. وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف لصحافيين 'يمكن، بل يجب، أن ينهي اجتماع رفيع المستوى عملية التسوية بشكل حاسم… لكن هل من الممكن إنجاز عملية على هذه الدرجة من التعقيد خلال 30 يوما؟ من الواضح أن ذلك غير مرجح'. صفقات صواريخ باتريوت ومسيَّرات واتهمت أوكرانيا روسيا بإرسال مسؤولين من الصف الثاني لا يملكون سلطة اتخاذ القرار. دعت روسيا أوكرانيا إلى الانسحاب من المناطق الأوكرانية الأربع التي أعلنت موسكو ضمها في أيلول/سبتمبر 2022 ولا تسيطر عليها بالكامل، وهو مطلب وصفته كييف بأنه غير مقبول. واستبعدت أوكرانيا أي مساومة بشأن الأراضي حتى بعد وقف إطلاق النار، وقالت إنها لن تعترف مطلقا بضم روسيا لأراض تحتلها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014. وقال زيلينسكي إن روسيا ما زالت تحاول التقدم على الجبهة من دون تحقيق أي اختراقات كبيرة. وتطالب أوكرانيا داعميها الغربيين بإرسال أسلحة لجيشها ولتمكينها من الدفاع عن المدن الأوكرانية في وجه الهجمات الروسية. وفي إطار صفقة تسمح للدول الأوروبية بشراء أسلحة أميركية وتسليمها لكييف، قال زيلينسكي إنه يعمل على تأمين التمويل اللازم لشراء عشرة أنظمة دفاع جوي من طراز باتريوت. وقال زيلينسكي 'سيحول رئيس الولايات المتحدة هذه الأنظمة إلينا، ويبيعها لنا. مهمتنا هي إيجاد تمويل لها'. وأضاف أن أوكرانيا حصلت على المبلغ اللازم لشراء ثلاثة منها، من ألمانيا والنرويج. وقال زيلينسكي أيضا إن واشنطن وكييف اتفقتا على صفقة بقيمة تراوح بين 10 و30 مليار دولار تقوم بموجبها أوكرانيا بتزويد الولايات المتحدة مسيَّرات. ويعد ذلك تراجعا عن موقف أوكرانيا غير الرسمي المعارض لتصدير الأسلحة. وقال زيلينسكي 'اتفقنا مع أمريكا والرئيس ترامب على أن يشتروا منا مُسيَّرات، هذه الاتفاقية سارية المفعول'. الإصغاء للمحتجين قال زيلينسكي إن تركيزه 'منصب على قضية الحرب، فالقضية الأولى في أوكرانيا حاليا هي الحرب'. ويواجه زيلينسكي احتجاجات هي الأكبر منذ الغزو الروسي على قانون ألغى استقلالية هيئتين لمكافحة الفساد. كذلك، انتقد حلفاء كييف الأوروبيون اعتماد القانون معربين عن خشيتهم من أن يقوّض الإصلاحات التي أدخلت لمكافحة الفساد في إطار مساعي أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وقال زيلينسكي 'نريد أن نكون جزءا من أوروبا. لا أحد مستعد للمخاطرة'. وعن الاحتجاجات، قال زيلينسكي 'من الطبيعي تماما أن يتحرك الناس عندما لا يريدون شيئا أو عندما لا يعجبهم شيئا… كان من المهم جدا بالنسبة لي أن نصغي إليهم ونستجيب بشكل مناسب'. طرحت الحكومة بعد الاحتجاجات مشروع قانون يهدف إلى استعادة هيئتي مكافحة الفساد استقلاليتهما. والهيئتان هما المكتب الوطني لمكافحة الفساد (المعروف اختصارا باسم نابو) ومكتب المدعي العام المتخصص في مكافحة الفساد (سابو). ويتعين أن يقره البرلمان المؤيد لزيلينسكي عموما. (أ ف ب)

سائقو توصيل الطلبات في بريطانيا تحت ضغط ملاحقة السلطات وتوجس العامة
سائقو توصيل الطلبات في بريطانيا تحت ضغط ملاحقة السلطات وتوجس العامة

العربي الجديد

timeمنذ 8 ساعات

  • العربي الجديد

سائقو توصيل الطلبات في بريطانيا تحت ضغط ملاحقة السلطات وتوجس العامة

تزدحم مفارق شارع "بورتوبلو روود" السياحي في غرب لندن، بعشرات الدراجات الكهربائية والبخارية، التي تذهب وتجيء في سباق لا يتوقف أمام أبواب المطاعم التي يزخر بها الشارع. على كل واحدة منها صندوق لحفظ الوجبة التي من المفترض أن تصل ساخنة وطازجة إلى عنوان ينتظرها خلال دقائق. تحمل الصناديق أيضا علامة حرف "L" للإشارة إلى أن السائق لم يحصل على رخصة القيادة النهائية بعد، إضافة إلى اسم أحد التطبيقات التي يعمل سائقو الدراجات معها مثل "أوبر إيتس" أو "ديليفرو" أو "جست إيت"، وهي تطبيقات تقدر قيمتها السوقية بمليارات الدولارات في حين تصنف معاناة العاملين لديها ضمن ضحايا "العبودية الحديثة"، حسب تقارير حقوقية ومنظمات خيرية بريطانية. ومثلت ظاهرة التوصيل الفوري للطعام إلى منازل الزبائن استجابة عملية لتحديات الإغلاق والقيود الصحية التي فرضتها جائحة كوفيد على بريطانيا في الفترة من 2020- 2022، فضمنت بقاء قطاع المطاعم والمتاجر مفتوحاً في فترات الإغلاق. لكن ما تخيل كثيرون أنها ظاهرة مؤقتة، قد تزول مع زوال أسبابها، نمت وتزايدت بفعل تعود البريطانيين، خاصة في المدن الكبرى، على نمط مريح للحصول على وجباتهم بتكلفة ضئيلة، إذ تشير التقديرات إلى أن 13 مليون بريطاني يستخدمون منصات توصيل الطعام والمشتريات في الوقت الراهن. تقدر قيمة هذا القطاع حالياً بحوالي 13 مليار جنيه إسترليني (حوالي 17.5 مليار دولار)، بينما يقدر عدد المنتسبين للعمل فيه بحوالي 300 ألف شخص يصنفون في إطار "العمالة الرخيصة" أو عمالة الهامش، التي يراها الكثيرون على الطرقات وأمام المطاعم والمتاجر، لكنهم لا يعرفون الكثير عن ظروف عملها. رغم أن هذا القطاع يمنح العاملين فيه حرية اختيار العمل وقتما يريدون، فإنه يحرمهم من حقوق أساسية تضمنها عقود العمل التقليدية وتزايد التوجس تجاه العاملين في هذا القطاع أخيراً بعدما ربط سياسيون محافظون ويمينيون بينه وبين المهاجرين بصورة غير نظامية إلى بريطانيا، وهو ما دفع الحكومة إلى ممارسة ضغوط على منصات التوصيل الكبرى لتشديد التدقيق على العاملين لديها. معظم من تحدثوا لـ"العربي الجديد"، رفضوا نشر مشاركاتهم حتى تحت أسماء مستعارة. بعضهم يشعرون بالخجل من ممارسة هذا العمل ويعتبرونه مؤقتاً أو لأسباب قهرية، وآخرون يمارسونه- بشكل غير قانوني - لأنه النافذة الوحيدة المتاحة للحصول على دخل بينما ينتظرون تقنين أوضاع إقاماتهم، وهو أمر تنبهت إليه الحكومة في الأسابيع الأخيرة وبدأت التضييق عليه بشدة. اقتصاد دولي التحديثات الحية تأميم ثاني شركة خاصة لتشغيل القطارات في بريطانيا مسار اضطراري يُمضي "علي" (اسم مستعار)، القادم من كردستان العراق، 14 ساعة في اليوم ولستة أيام في الأسبوع على ظهر دراجته إما سائقاً لتوصيل وجبة طعام أو منتظراً أمام مطعم لاستلام "أوردر" جديد. كان يتصفح هاتفه وهو لا يزال مرتدياً خوذته عندما طلبت الحديث معه فرفض بداية مبرراً ذلك بأن إنكليزيته ضعيفة، ولا يستطيع التواصل مع الإعلام، لكنه قبل الحديث معي بالعربية لدقائق حتى يصبح "الأوردر" جاهزاً، مشترطاً عدم ذكر اسمه الحقيقي. يقول علي إنه يعمل في هذا المجال منذ سبع سنوات لأنه "لم يجد عملاً آخر، ومعظم الأعمال المتاحة ستكون أكثر مشقة أو خارج لندن حيث أقيم مع زوجتي". ويضيف: "رغم ذلك فلا ضمانة لدخل ثابت أو استمرار في العمل يتراوح دخلي بين 100 جنيه إسترليني في اليوم (14 ساعة عمل) و140 جنيها حداً أقصى، وطبعاً لا دخل في حالة المرض أو الأسباب القاهرة". وبحسبة بسيطة فإن أجر الساعة لعلي عند حده الأدنى هو 7 جنيهات وفي حده الأقصى 11 جنيهاً، قبل خصم الضرائب وتكاليف الوقود وصيانة الدراجة التي يستخدمها، وفي الحالتين- الأدنى والأقصى- يقل دخله كثيراً عن الحد الأدنى للأجر الذي يمكن العيش به في لندن وتقدره الحكومة بحوالي 13.8 جنيهاً للساعة. حين تلاحظ عن كثب العاملين في توصيل الطعام في شوارع لندن ومناطقها المختلفة، ستدرك على الفور أنهم ينتمون إلى فئات محددة دون سواها، طلاب الجامعات الذين يبحثون عن مصدر دخل إضافي لمواصلة دراستهم، أو أبناء أقليات في أدنى السلم الطبقي، أو المهاجرون الجدد. وهو ما يفسره "أمين" -وهو اسم مستعار أيضاً- بأنه نتيجة لسياسات التوظيف "العنصرية" في بريطانيا. توقف أمين، القادم من سورية، أخيراً عن العمل لدى تطبيقات توصيل الطعام، بعد فترة كان خلالها مصدر دخله الرئيسي. يقول لـ"العربي الجديد"، إنه يحمل مؤهلاً أكاديمياً طبياً، وكان يُدرّس بإحدى الجامعات في لندن بينما ينتظر البتّ في طلبه للحصول على اللجوء. يضيف: "فقدت وظيفتي بالجامعة ولم يكن بوسعي تغيير عنواني حتى أتلقى رداً من وزارة الداخلية، فكان هذا العمل واحداً من الأعمال القليلة المتاحة دون تدقيق كبير، وهو أيضاً ما يجعل العاملين فيه عرضة للاستغلال". ويتابع: "أحيانا كنت أقود الدراجة لنصف ساعة لتوصيل طلب واحد، ولا يكترث أحد لذلك، لا يوجد إحساس بالانتماء لفريق أو العمل مع مجموعة، فهو عمل طبيعته العزلة، الكل يلهث بحثاً عن كسب سريع مع نهاية يوم عمل شاق، والتطبيقات تعرف ذلك فتستغل الجميع". قرر أمين التوقف عن العمل بعد مواجهة ما يصفه بممارسات "عنصرية ومجحفة" فالتطبيقات لا تتوقف عن استغلال السائقين وهم في أغلبهم "من المجموعات الهامشية ممن يضطرون بسبب عائق اللغة أو سياسات التوظيف العنصرية للعمل بهذا القطاع لعدم وجود خيار آخر"، بحسب قوله. اقتصاد دولي التحديثات الحية بريطانيا: تراجع حاد لنشاط البناء بأسرع وتيرة منذ كورونا لكن إبراهيم (اسم مستعار) القادم من دارفور في رحلة لجوء استمرت لأكثر من عامين قبل أن يصل إلى بريطانيا، يقول إنه اختار هذا العمل لأنه لا يوجد أمامه بديل حيث لا يحمل أوراقاً رسمية، "أعيش في لندن وأستخدم تطبيق صديق يعيش في مانشستر، وعندما يبدأ العمل بتدقيق بصمة الوجه سيكون وضعي صعبا للغاية وسأفقد هذا العمل". يقول إبراهيم، الذي اشترط أيضاً عدم ذكر اسمه الحقيقي، إنه لا يدفع مقابلاً لصديقه، لكن إيجار التطبيق يتراوح بين 50 و70 جنيهاً إسترلينياً في الأسبوع أي ما يصل إلى مائة دولار. تزايد التوجس تجاه العاملين في هذا القطاع أخيراً بعدما ربط سياسيون محافظون ويمينيون بينه وبين المهاجرين بصورة غير نظامية إلى بريطانيا وحده أحمد، وهو شاب عشريني يدرس إدارة الأعمال في لندن تحدث بإيجابية عن تجربة عمله مع تطبيقات توصيل الطعام. التقيته أمام محطة مترو الأنفاق في "نوتنغ هيل" كان ينتظر تجهيز طلب لتوصيله. وقال لي إنه قدم إلى بريطانيا من تشاد بتأشيرة شرعية قبل سنتين لدراسة الماجستير وإنه يعمل في توصيل الطعام خلال عطلة نهاية الأسبوع فقط، حيث لا تسمح القوانين للطلاب بالعمل أكثر من 20 ساعة أسبوعياً. وأضاف أن "التطبيقات تمنحني حرية العمل في الوقت الذي يناسب دراستي، وتوفر لي دخلاً معقولاً يساعدني في مصاريف الدراسة". يتراوح دخل أحمد بين 50 و60 جنيهاً في وردية تستمر 8 ساعات، يدفع منه إيجار الدراجة الهوائية. يتابع: "يمكن أن يكون الدخل أكبر لو كان معي دراجة كهربائية، لكني أقبل "المشاوير" القصيرة داخل حدود المنطقة، وهذا يكفيني في الوقت الراهن". بذور الاستغلال ضمن سلسلة تقارير عن أوضاع العمال المهمشين في ظروف خطرة، تصف منظمة "Unseen" الخيرية، التي تنشط في مكافحة استغلال العمالة والعبودية الحديثة، آليات العمل في قطاع توصيل الطعام بأنها تعزز استمرار استغلال العاملين وتجاهل حقوق العمل الأساسية الخاصة بهم. وتقول جاستين كارتر نائب رئيس المنظمة في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن غياب الحماية القانونية للعاملين في توصيل الطعام يتفاقم بفعل المنافسة الحادة في عروض الأسعار بين التطبيقات والمتاجر الكبرى، فلكي تحافظ على أرباحها تطرح التطبيقات على زبائنها أسعاراً مخفضة وتوصيلاً أسرع، وهو تنافس يدفع ثمنه العاملون في هذا القطاع، الذين يُجبرون على قبول أجور أقل وساعات عمل أطول للحفاظ على مستوى دخولهم". قضايا وناس التحديثات الحية الاتجار بالبشر... "العبودية الحديثة" تتوسّع عالمياً وتشير كارتر في تصريحاتها لـ"العربي الجديد"، إلى أن هذه الضغوط "تنعكس بشكل مباشر على ظروف العمل السيئة للعمال. فبدلاً من الأجر بالساعة، يحصلون على أجر مقابل كل توصيلة، مما يجعل من الصعب عليهم ضمان الحد الأدنى للأجور، خاصة مع التخفيضات الأخيرة في رسوم التوصيل. وتترك هذه التخفيضات العمال بعائد أقل، خصوصًا بعد تغطية نفقات مثل الوقود وصيانة الدراجات". وقد تنبهت الحكومة البريطانية الشهر الماضي إلى أن قطاع توصيل الطعام هو الباب الخلفي للعمل بشكل غير شرعي في المدن البريطانية خاصة لندن. وحسب منظمة "Unseen" فإن المنصات لم تؤسس لعلاقة عمل مباشرة بينها وبين من يعملون في التوصيل، فلا عقود ولا اتفاقات، لكنها تشترط على من يعمل لديها ترشيح بدلاء يقومون بالتوصيل في حال عجزه عن القيام بذلك. وقد فتح هذا الوضع بابا لاستغلال المهاجرين غير النظاميين والطلاب تحديداً، إذ يعمل كثيرون منهم تحت حسابات لا يملكونها مقابل التنازل عن جزء من عائدهم اليومي لصاحب الحساب الأصلي الذي يجني دخلا دون مقابل، وعادة ما يتواصل الراغبون في العمل مع أصحاب الحسابات الأصلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليتم الاتفاق خلال دقائق. أخيراً، تعالت الضجة ضد منصات توصيل الطعام، حين قام وزير داخلية الظل كريس فيليب في الشهر الماضي، بما قال إنه زيارة مفاجئة لأحد الفنادق التي تؤوي طالبي لجوء ليجد الفندق فارغاً خلال ساعات النهار ويتوصل إلى أدلة بأن نزلاءه يعملون لدى تطبيقات توصيل الطعام بشكل غير شرعي. عقب ذلك، استدعت وزارة الداخلية المسؤولين في الشركات الثلاث الكبرى(ديليفرو، أوبر ايتس وجاست ايت) واتفقت معهم على تعزيز إجراءات التحقق من العاملين معها، والتصدي لظاهرة العمل غير القانوني، واستخدام التطبيقات من أشخاص بدلاء. كما التزمت الشركات الثلاث بزيادة استخدام تقنيات التحقق من الوجه والكشف عن الاحتيال، لضمان أن المستخدمين المسجلين فقط هم من يمكنهم العمل عبر منصاتها، لكن المناقشات بين وزارة الداخلية ومسؤولي المنصات الكبرى لم تتطرق إلى تحسين ظروف العمل في القطاع للعاملين المؤقتين، فلماذا تصمت الحكومة على الوضع الراهن رغم الاحتجاجات المستمرة؟ تشير الباحثة القانونية ديلفين ديفسوز، أستاذة القانون المساعد في جامعة نورثومبريا البريطانية في بحث عن الوضعية القانونية للعاملين في منصات توصيل الطعام، إلى أن القوانين البريطانية الراهنة لم تعد قادرة على استيعاب المتغيرات السريعة في نظام العمل، خاصة في ما يتعلق بالمنصات الرقمية والعمالة المؤقتة. مثلت ظاهرة التوصيل الفوري للطعام إلى منازل الزبائن استجابة عملية لتحديات الإغلاق والقيود الصحية التي فرضتها جائحة كوفيد على بريطانيا وترى أن "سائقي توصيل الطعام يعملون في ظروف غير منظمة، بينما يُطلب منهم الالتزام بشروط الاستخدام التي تفرضها هذه التطبيقات، بالإضافة إلى التنافس المتزايد الذي تخلقه هذه الشركات. وتؤدي هذه المعاناة إلى أوضاع هشّة بالنسبة للعاملين مع هذه المنصات الذين لا يمكن وصفهم بـ"موظفين"، رغم اعتمادهم الكامل على هذه التطبيقات كمصدر لدخلهم. هذا الاعتماد يمنح المنصات سلطة مطلقة عليهم، حسب ما تقوله الدراسة. اقتصاد دولي التحديثات الحية اقتصاد بريطانيا سيواجه دورات من الركود وتمثلت هذه التحديات القانونية في عدد من أحكام القضاء البريطاني التي رفضت إضفاء صفة "موظفين" على سائقي تطبيقات توصيل الطعام، خاصة أكبرها ديليفرو. آخر هذه الأحكام أصدرته المحكمة العليا في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، رداً على دعوى قضائية طالبت بحق العاملين لدى "ديليفرو" في تنظيم نقابة عمل خاصة بهم تتفاوض على عقد عمل جماعي. ونص الحكم على أن صفة "موظفين" لا تنطبق على من يعملون لدى هذه التطبيقات، لأنه ليست لديهم ساعات عمل محددة، ويمكنهم العمل مع تطبيقات مختلفة، والأهم أن بوسعهم تفويض شخص آخر للقيام بمهمة التوصيل وهو ما يتعارض مع جوهر التعاقد الشخصي مع الموظف. لكن حكماً قضائياً سابقاً منح سائقي أوبر في قضية مماثلة عام 2021 صفة الموظف بما تنطوي عليه من حقوق مثل الحد الأدنى للأجور والإجازة السنوية والإجازة المرضية، بناء على تحرك جماعي من السائقين وقتها. ويجمع الخبراء على أن معاناة العاملين لدى قطاع توصيل الطعام، أصبحت جزءا مما يسمى باقتصاد العمل المؤقت "gig economy" الذي تعزز بفضل التكنولوجيا الرقمية، وتغير علاقات وأساليب العمل بعد جائحة كورونا. ورغم أن هذا القطاع يمنح العاملين فيه حرية اختيار العمل وقتما يريدون، فإنه يحرمهم من حقوق أساسية تضمنها عقود العمل التقليدية مثل مساهمات الضمان الاجتماعي ومعاشات التقاعد والإجازات المرضية والسنوية. وفي ظل أزمة النمو الاقتصادي في بريطانيا ونقص المطروح من فرص العمل، يبدو هذا الاقتصاد مرشحاً لاستقطاب المزيد إلى صفوف العاملين فيه ليصبح نمطاً سائداً لا فرعياً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store