
ربراب الذي لاحقته السوسيولوجيا بعد السياسية
يسعد ربراب ابن تقموت أعزوز بولاية تيزي وزو -81 سنة – الذي زادت مصاعبه بعد تحوله إلى رجال أعمال معروف وحاضر في أكثر من قطاع نشاط اقتصادي، تراوح بين الزراعة والصناعة والخدمات، توّجها ببناء مؤسسته العملاقة المعروفة (سيفيتال) التي توظف 18000 مستخدم، بين أبناء مجتمع جزائري لا يقبل بسهولة أشكال التميز والنجاح الفردي. الشركة التي لم تكتف بالسوق الجزائرية، بل توجهت إلى التصدير، كما كان الأمر مع مادة السكر والزيت، التي تحولت المؤسسة إلى منتج كبير لها احتكر السوق الجزائرية بهذه المواد ذات الاستهلاك الواسع.
يسعد ربراب الذي تخبرنا الوقائع أن مساره السياسي لم يكن سهلا، ومن دون مطبات، منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، حين اتهمه رئيس الحكومة الأسبق عبد السلام بلعيد (1992) بشكل علني بالتسبب في إسقاط حكومته بالتواطؤ مع حلفائه من ضباط الجيش النافذين، من أبناء جهته – وهو يلمح إلى الجنرال محمد تواتي. القرب من مراكز القرار، لم يشفع له، رغم ذلك، بتوسيع مجالات حضوره نحو نشاطات جديدة أخافت الكثير منه، كان ينوي الاستثمار فيها كالإعلام السمعي البصري، بالاستحواذ على مؤسسة الخبر الصادرة بالعربية – بما فيها تلفزيون kbc بعد تجربة يومية مع ليبيرتي بالفرنسية، التي عرفت كمنبر قريب من المعارضة الديمقراطية، حسب التصنيف الجزائري المشهور للساحة السياسية – الإعلامية. أغلقها الرجل لاحقا (2022) كمؤشر حسن سيرة وسلوك بعد ضغوط كبيرة عليه. مشروع لو نجح كان سيؤهله للتحول إلى أحد وجوه الأوليغارشية الجديدة، التي عبرت عن نوايا للهيمنة السياسية على الساحة الجزائرية. برز بقوة خلال سنوات حكم بوتفليقة الأخيرة، التي تميزت بضعف الدولة كمركز قرار واضطراب كبير في أداء مؤسساتها الكبرى. مشروع تم فيه الجمع بين المال، السياسة والإعلام من قبل مجموعة من رجال الأعمال الجدد، عبروا عن ملامح نزعة هيمنة أوليغارشية بدأت في التشكل بسرعة في الحالة الجزائرية، كانت قريبة من النموذج الذي ظهر في الاتحاد السوفييتي. لتستمر صعوبات الرجل مع بعض مراكز القرار السياسي والعسكري، وهي تعيش حالة اضطراب، أدى في نهاية الأمر إلى سجنه خلال محطة الحراك لمدة سنة تقريبا 2019. بتهم ذات علاقة بالتسيير، يكون قد اقترفها كمسير لهذا المجمع الصناعي الكبير. حالة عداء مع بعض مراكز القرار، استمرت تطارده مع ابنائه لغاية اليوم. عبّرت عن نفسها بالترويج لتلك الشائعات، التي تكلمت عن أدوار سياسية لرجل الأعمال، سواء تعلق الأمر بالانتخابات الرئاسية، أو بمحطات سياسية أخرى مهمة تمت الإشارة فيها، إلى أدوار مفصلية لرجل الأعمال يسعد ربراب ومؤسساته العملاقة، تكون قد أخافت مراكز القرار الرسمي، التي لم تتعود على المنافسة التي تأتيها من خارج النظام، خاصة عندما يتعلق الأمر بعالم الأعمال. الذي وجد صعوبات في ترويضه ومنحه مكانة رسمية معترفا بها، في وقت كانت فيه جهته تعيش غليانا سياسيا.
المصير نفسه عرفه الابن البكر عمار، الذي منع بقرار من العدالة بحر هذا الشهر من القيام بأي نشاط اقتصادي ومالي كمسير لمشاريع العائلة التي ورثها عن الأب كبكر للعائلة المكونة من أربعة اخوة واخت واحدة متزوجة من ابن الوزير الأول الأسبق رضا ملك. مثلما حصل مع الأب قبله حين فرضت العدالة نفسها على الأب الانسحاب من على رأس تسيير مؤسسته، التي بناها كجيل مؤسس. انطلق بالعمل في القطاع العمومي كالكثير من رجال الأعمال الجزائريين، الذين لم يعرف عنهم عمق تاريخي كأرباب عمل خواص.
مؤسسة لم تتمكن من الابتعاد عن منطق التسيير العائلي بكل نقاط قوته وضعفه. رغم حجمها الكبير وطابعها العصري، لم يسمح لها بالإفلات من هذه الآفة التي يعيشها القطاع الاقتصادي الخاص بما عرف عنه من سيطرة للعائلة على مقاليد الأمور. فرضتها على شكل علاقات وقيم في مجال التسيير. كما أظهرته الازمة الخانقة التي تعيشها هذه المؤسسة العملاقة إثر انقسام جيل الأبناء بعد ابتعاد الأب -المؤسس بقرار من العدالة الجزائرية، زاده تعقيدا زواج الرجل للمرة الثانية، كما أكد ذلك الكثير من المصادر الإعلامية وهي تربط بشكل واضح بين هذا الزواج وأزمة التسيير التي تعانيها المؤسسة العائلية، التي أوكلت قيادتها الأب يسعد إلى بكره عُمار كما جرت العادة داخل العائلة الجزائرية التقليدية، التي تمنح تفضيلا لبكر العائلة، دون أن تبعد البنت التي استمرت في أخذ مكانتها في هذا المشروع العائلي، ساعد عليه التحسن الكبير في المستوى التعليمي المتخصص لهذا الجيل لعائلة ربراب، بمن فيها البنت، الذي انطلق فيه الأب يسعد في دراسته للمحاسبة التي درسّها في بداية حياته المهنية، قبل التوجه إلى عالم الأعمال.
لنكون أمام هشاشة سوسيولوجية تكون قد ألقت ظلالها على المجال الاقتصادي والمالي داخل هذا الوسط العائلي القبائلي، الذي لم يكن معروفا عنه تعدد الزوجات كما هو حاصل في مناطق أخرى من الجزائر. يكون فيها الزواج الثاني والثالث وربما أكثر هو المشروع الذي لا مفر منه أمام الأب ميسور الحال. يعبر من خلاله على ثرائه كصاحب نعمة جديد. ظاهرة ليست منتشرة في منطقة القبائل تحديدا، التي تميز أبناؤها بضعف ظاهرة تعدد الزوجات، كانت لها نتائج مدمرة على آل ربراب ومشرعهم الاقتصادي، أكدته الأرقام التي أعلنت عنها الصحافة وهي تتكلم عن تدهور الوضع المالي للمؤسسة ـ مصادر صحافية ذكرت ما نسبته أربعين في المئة انخفاضا في رقم أعمال المجموعة – ومغادرة الكثير من الأطر للمؤسسة التي بدأت تعرف الكثير من علامات الهشاشة على مستوى التسيير واتخاذ القرار. نتيجة تصدع مركز القرار الأول بطابعه العائلي والصعوبات التي يجدها مع محيطه الرسمي، ليس من المستبعد أن تكون له تداعيات سلبية على مسألة تدفق الاستثمارات الأجنبية نحو السوق الجزائرية، إذا تأكد هذا المسار السلبي لمؤسسة (سيفيتال). من باب أن البلد الذي لا ينجح فيه أبناؤه من المستبعد أن ينجح فيه الغريب.
كاتب جزائري

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 33 دقائق
- العربي الجديد
أرباح المصانع في الصين تتآكل وسط حرب أسعار
سجل القطاع الصناعي في الصين تراجعاً جديداً في مؤشراته المالية، فقد انخفضت أرباح الشركات الصناعية الكبرى بنسبة 4.3% خلال يونيو/حزيران 2025 مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، بحسب بيانات صادرة عن المكتب الوطني للإحصاء الصيني أمس الأحد. ويأتي الانخفاض بعد تراجع أكثر حدة بلغ 9.1% في مايو/أيار الماضي، ما أدى إلى تسجيل انكماش تراكمي في الأرباح بنسبة 1.8% خلال النصف الأول من العام، بحسب وكالة رويترز. وتشمل البيانات الصينية الرسمية الشركات التي تتجاوز إيراداتها السنوية 20 مليون يوان صيني (2.8 مليون دولار). ويمثل هذا التراجع ثاني انخفاض شهري على التوالي في أرباح المصانع، في وقت تشهد فيه البلاد ضغوطاً متزايدة على هوامش الربحية بسبب حرب الأسعار الشرسة داخل قطاعات مثل السيارات والألواح الشمسية، إلى جانب استمرار الطلب المحلي الضعيف وعدم اليقين في الأسواق الخارجية، لا سيما عقب تطبيق رسوم جمركية أميركية جديدة على السلع الصينية. وقال كبير الإحصائيين في مكتب الإحصاء الصيني يو وينينغ، في تصريحات رسمية عقب صدور البيانات، وفقاً لوكالة الأنباء الصينية "شينخوا"، إن "الصين تواجه بيئة خارجية معقدة ومتغيرة"، مشدداً على ضرورة تعزيز تشكيل سوق وطنية موحدة، وتوسيع الدورة المحلية، وتحقيق تنمية صناعية عالية الجودة. وأضاف يو وينينغ، أن الحكومة الصينية ستواصل دعم القطاعات المتضررة، مع التركيز على ضبط فوضى التخفيضات السعرية المعروفة محلياً بـ"الانطواء التنافسي". وأوضحت البيانات الرسمية أن شركات الدولة سجلت انخفاضاً في الأرباح بنسبة 7.6% خلال النصف الأول من العام، بينما حققت الشركات الخاصة نمواً طفيفاً في الأرباح بلغ 1.7%، وارتفعت أرباح الشركات الأجنبية بنسبة 2.5% خلال الفترة نفسها. وتشير هذه الفجوة إلى قدرة الشركات الخاصة والأجنبية على التعامل نسبياً مع التحديات الهيكلية مقارنة بالشركات الحكومية، بحسب "بلومبيرغ". اقتصاد دولي التحديثات الحية تراجع حاد لطلبات مصانع الصين بسبب الرسوم الجمركية الأميركية ورغم التراجع العام، شهدت بعض الصناعات تحسناً ملحوظاً في الأرباح بدعم مباشر من برامج حكومية لتحديث المعدات وتحفيز الاستهلاك. وبحسب "شينخوا"، فقد ارتفعت أرباح صناعة السيارات بنسبة 96.8% في يونيو الماضي، مدفوعة بعروض ترويجية وزيادة عوائد الاستثمار. كما شهدت أرباح قطاع بطاريات الليثيوم نمواً كبيراً بلغ 72.8%، بينما سجلت صناعة الأجهزة الطبية ارتفاعاً بنسبة 12.1%، وحققت قطاعات مرتبطة بالتحول الصناعي، مثل تصنيع الطائرات والطاقة الحيوية، نمواً بأكثر من 19% و24% على التوالي. ويرجع هذا التحسن، بحسب الوكالة الصينية، إلى توسيع الحكومة برامج الاستبدال مقابل الشراء لتشمل الأجهزة الإلكترونية والمعدات الصناعية، ما عزز الطلب في بعض سلاسل التوريد وأعاد التوازن لبعض الصناعات ذات القيمة المضافة. ورغم الإجراءات التحفيزية، يحذر محللون اقتصاديون من أن الصين قد تواجه دورة ركود صناعي أطول من تلك التي عرفتها قبل عقد، نتيجة ضعف الاستهلاك وتباطؤ الصادرات وزيادة الطاقة الإنتاجية الفائضة. ووفق "بلومبيرغ"، فإن بعض الشركات الحكومية الكبرى، مثل مجموعة غوانغتشو للسيارات وشركة جاك، تستعد لتسجيل أكبر خسائر فصلية لها في الربع الثاني من العام، في وقت تتراجع فيه صادرات الصين إلى الولايات المتحدة بفعل الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وأشارت البيانات الرسمية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للصين سجل نمواً سنوياً قدره 5.3% في النصف الأول من 2025، مع نمو في الإنتاج الصناعي بنسبة 6.4% مدعوماً من قطاعات الصناعات عالية التقنية، لكن المحللين يؤكدون أن هذا النمو لا يخفي الهشاشة البنيوية للاقتصاد، إذ إنه لا يزال يعتمد على استثمارات البنية التحتية والائتمان، بينما يظل الطلب الاستهلاكي محاصراً بتراجع الثقة وارتفاع معدلات الادخار.


العربي الجديد
منذ 33 دقائق
- العربي الجديد
محاولات لتطهير مصارف المغرب من الديون المتعثرة
تترقب المصارف وعملاؤها في المغرب الكشف عن تفاصيل مشروع قانون يراد من ورائه مساعدة المصارف على تطهير حساباتها من الديون المتعثرة الناجمة عن صعوبات السداد التي تواجهها أسر وشركات، حيث إن حجم تلك الديون يؤدي إلى التخوف من تشديد شروط الإقراض للفئات الهشة. يلاحظ الاقتصادي المغربي إدريس الفينا، أن الديون المتعثرة تضاعفت في العشرة أعوام الأخيرة، حيث انتقلت من 5.25 مليارات دولار في 2014 إلى حوالى 10 مليارات دولار في النصف الأول من العام الجاري بحسب تقرير الإشراف البنكي السنوي الصادر عن بنك المغرب في نهاية الأسبوع المنصرم. ويتجلى من توزيع تلك الديون أن المعدومة منها زادت بنسبة 3.1 في المائة، لتصل إلى 8.22 مليارات دولار، فيما بلغت الديون المشكوك في استردادها 870 مليون دولار والديون قيد المراقبة 650 مليون دولار. ويؤكد البنك المركزي أن المخصصات التي رصدتها المصارف لتغطية الديون المتعثرة وصلت إلى 69 في المائة في العام الماضي، بزيادة نقطتين مقارنة بعام 2023. ورغم حجم المخصصات التي تحرص المصارف على تكوينها لمواجهة المخاطر التي قد تنجم عن الديون المتعثرة، إلا أن البنك المركزي درج في الأعوام الأخيرة على التعبير عن قلقه من المستوى الذي بلغته الديون متعثرة السداد، التي يقصد بها الديون التي قد يتعذر على المصارف تحصيلها كلياً أو جزئياً بالنظر إلى تدهور القدرة على السداد الآنية أو المستقبلية من قبل المقترضين. سيارات التحديثات الحية المغرب يبدأ تصنيع أول سيارة كهربائية ثلاثية العجلات ويراقب بنك المغرب (البنك المركزي) المصارف التي يتوجب عليها الامتثال للقواعد الاحترازية، خصوصاً في ما يتصل بتكوين مخصصات تحسباً للديون المتعثرة، حيث إن التحسب لها لم يمنع من المطالبة بمعالجة مشكلة تلك الديون بسبب المخاطر التي تمثلها. ويصف الاقتصادي إدريس الفينا مستوى القروض المتعثرة بـ"الإنذار الصامت"، ويرى أن تطور تلك القروض يؤشر على هشاشة الوضعية المالية للشركات والأسر، في سياق متسم بارتفاع نسب الفوائد وتباطؤ وتيرة نمو قطاعات إنتاجية. ويرى الفينا في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن مستوى القروض المتعثرة قد يدفع المصارف إلى تشديد شروط الولوج للقروض، خصوصاً بالنسبة إلى الفئات الهشة والشركات الصغرى، والزيادة في كلفة التمويلات من خلال الفوائد. وكان البنك المركزي قد شدد على تخفيف شروط التمويل المحفز للنمو الاقتصادي، وهو الأمر الذي يراه ممكناً عبر اللجوء إلى تبني سياسة نقدية تيسيرية في سياق متسم بتراجع حاد للتضخم. ويؤكد الفينا ضرورة دعم آليات التنبيه المبكر لدى المصارف وتعزيز خطط إعادة جدولة القروض، مع تكييف السياسات التحفيزية مع ضرورات الاستقرار المالي. وتترقب المصارف وعملاؤها الكشف عن تفاصيل مشروع قانون يراد منه خلق سوق ثانوية للديون المتعثرة، بما يساعد على رفع القيود التي تحول دون المصارف وتفويت الديون التي لا يتمكن أصحابها عن سدادها. وينتظر أن تتيح السوق الجديدة للديون المتعثرة للمصارف بتطهير حساباتها والتوفر على سيولة جديدة تتيح لها توجيهها لتمويل أنشطة جديدة.


العربي الجديد
منذ 33 دقائق
- العربي الجديد
النفط الجديد.. سباق عالمي على مراكز البيانات العالمية
تشهد الساحة الاقتصادية العالمية حرباً صامتة بين القوى الكبرى والشركات العملاقة للاستحواذ على مراكز البيانات، أو ما يعرف في الأوساط الاستثمارية باسم "النفط الجديد". فمع تنامي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ، والحوسبة السحابية، وخدمات الإنترنت الفائقة، تحولت مراكز البيانات من بنية تحتية تقنية إلى أصل استراتيجي تتحرك نحوه صناديق الاستثمار السيادية، وشركات التكنولوجيا، والمؤسسات الأمنية، في سباق متسارع. ووفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة "ماركت ريسيرتش فيوتشر"، من المتوقع أن يقفز حجم سوق خدمات مراكز البيانات العالمية من 55.6 مليار دولار عام 2023 إلى أكثر من 150 مليار دولار بحلول عام 2035، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 8.61%، ما يضع هذه المراكز في قلب خريطة النفوذ الاقتصادي العالمي، خاصة مع سيطرة شركات أميركا الشمالية على السوق العالمية بحصة 38.83% في عام 2024. مَن يقود المعركة؟ تتوزع أطراف هذه الحرب الصامتة على ثلاث جبهات رئيسية: الأولى تقودها شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، مثل أمازون، ومايكروسوفت، وغوغل، وذلك عبر توسعات مباشرة أو تحالفات مع مشغلي مراكز بيانات إقليميين. أما الجبهة الثانية، فتمثلها شركات الاستثمار الخاصة، وعلى رأسها شركة كيه كيه آر (KKR)، وهي واحدة من أضخم شركات الاستثمار العالمي، وتدير أصولاً تتجاوز 500 مليار دولار، وصعدت مؤخراً بوصفها لاعباً محورياً في هذا السوق عبر سلسلة استحواذات استراتيجية كبرى. والجبهة الثالثة تتمثل في الصناديق السيادية التابعة لدول مثل الإمارات، والصين، وسنغافورة، والتي دخلت مجال البنية الرقمية أداة لتعزيز نفوذها الاقتصادي. ويشير محللون، بحسب "بلومبيرغ" إلى أن هذه المعركة تجري "بصمت"، بعيداً عن أضواء الأسواق التقليدية، عبر صفقات مغلقة، وعمليات تمويل عابرة للحدود، وشراء حصص في مشغلين حيويين. وكشفت "بلومبيرغ"، أمس الأحد، عن مفاوضات تجريها شركة الاستثمار الأميركية KKR للاستحواذ الكامل على شركة (STT GDC) السنغافورية، التي تعد من أكبر مشغلي مراكز البيانات في آسيا، وتدير أكثر من 100 مركز في 20 سوقاً، منها الهند واليابان وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة. ووفق "بلومبيرغ"، فإن هذه الصفقة التي قد تتجاوز قيمتها خمسة مليارات، تعد من أضخم استحواذات KKR في قطاع البنية الرقمية هذا العام، وتبرز التحول في أولويات الشركات الاستثمارية نحو أصول البيانات لا النفط أو العقار. في المقابل، لا تخلو هذه المعارك من توتر تنظيمي؛ إذ أعلنت المفوضية الأوروبية، في 24 يوليو/تموز الجاري، فتح تحقيق ضد KKR بسبب صفقة استحواذها على شبكة الألياف الضوئية، التابعة لشركة شركة تيليكوم إيطاليا، في صفقة بلغت 22 مليار يورو، وهي الأكبر في قطاع الاتصالات الأوروبي خلال 2024. وتحقق بروكسل فيما إذا قدمت KKR معلومات مضللة حول التأثير التنافسي للصفقة، خصوصاً ما يتعلق بخدمات النطاق العريض بالجملة في إيطاليا، بحسب "فاينانشال تايمز". اقتصاد دولي التحديثات الحية معارك الشركات على مواهب الذكاء الاصطناعي: استقالات مفاجئة وصفقات دول الخليج تدخل على الخط في السنوات الأخيرة دخلت دول الخليج بقوة على خط سباق مراكز البيانات العالمية، في خطوة تعكس تحولاً استراتيجياً في أولويات السياسات الاقتصادية، من الاعتماد على النفط إلى توطين الاقتصاد الرقمي، وبناء بنية تحتية سيادية لمعالجة وتخزين البيانات. ففي العامين الأخيرين، أعلنت الإمارات والسعودية وقطر عن مشاريع بمليارات الدولارات لتشييد مراكز بيانات فائقة السعة، بالتعاون مع عمالقة التكنولوجيا حول العالم. وتشير بيانات منصة "داتا سنتر دايناميكس" المتخصصة في تحليل تطورات سوق مراكز البيانات عالمياً، إلى أن دول الخليج بصدد ترسيخ نفسها ممراً رقمياً بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، مستفيدة من وفرة الطاقة والأنظمة الجاذبة للاستثمار. وتعد الإمارات، بحسب المنصة، من بين أكثر عشر دول نمواً في سعة مراكز البيانات عالمياً، وقد أنشأت منشآت ضخمة بالشراكة مع شركات مثل أوراكل، وأمازون ويب سيرفيسز، ومايكروسوفت. وتخطط السعودية لتحويل "نيوم" إلى عقدة إقليمية للبيانات (مركزي إقليمي) ضمن استراتيجية رؤية 2030. وتعد قطر لاعباً متنامياً، اعتماداً على شركات مثل أوريدو وميزة، حيث خططت شركة "أوريدو" لاستثمار نحو 550 مليون دولار في توسيع شبكتها لمراكز البيانات، بهدف دعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع إنفيديا الأميركية، كما أعلنت تشغيل مراكز بقدرة 40 ميغاوات، وتحقيق نمو بنسبة كبيرة في السعة التخزينية لمراكزها الحالية. وتظهر تقارير أن سوق الكلوكيشن في قطر سوف ينمو من 115 مليون دولار في 2023 إلى 316 مليون بحلول 2029، بمعدل نمو سنوي متوسط يبلغ 18.35%. كما يشهد سوق مراكز البيانات في البحرين وعُمان والكويت نشاطاً متزايداً، مدعوماً بتحسين القوانين وتدشين مناطق خدمات البيانات الخاصة. ووفق المركز الإحصائي الخليجي، فإن السوق الخليجي الإجمالي قد نما من 3.48 مليارات دولار في 2024 إلى توقعات ببلوغه 9.49 مليارات بحلول 2030. اقتصاد عربي التحديثات الحية "قمة الويب قطر"... إطلاق خدمة جديدة لتعزيز الذكاء الاصطناعي لماذا مراكز البيانات؟ ويعود السبب في هذا التحول نحو مراكز البيانات إلى أنها باتت "عصب الاقتصاد الرقمي"، حيث تخزن فيها بيانات الملايين من المستخدمين، وتشغل منها خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وتدار فيها المعاملات المالية والمؤسساتية حول العالم. وتزامن ذلك مع الطفرة غير المسبوقة في استخدام الأدوات الرقمية بعد جائحة كوفيد، وصعود تطبيقات مثل "شات جي بي تي"، وخدمات بث الفيديو، ومنصات الألعاب الرقمية. ووفق تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات في يناير/كانون الثاني 2025، تحتاج البنية التحتية الرقمية إلى استثمارات إضافية تتجاوز 1.6 تريليون دولار حتى عام 2030 لسد الفجوة العالمية، الأمر الذي يجعل مراكز البيانات هدفاً لكل من يطمح إلى النفوذ في العقد المقبل. وهذا يعني أن الحرب الصامتة على مراكز البيانات لم تعد تقنية، بل أصبحت سياسية وسيادية بامتياز. فكما كانت خطوط أنابيب النفط في القرن العشرين سبباً في معادلات الجغرافيا والسيادة، فإن خريطة مراكز البيانات في القرن الحادي والعشرين تعيد تشكيل مراكز النفوذ العالمي. ومن يملك أكبر قدرة على التخزين والمعالجة والربط هو من يمتلك الهيمنة المعلوماتية، وبالتالي الاقتصادية والسياسية. لذلك يتحرك أطراف هذه الحرب بكل أدوات القوة الناعمة والخشنة، لتأمين حصصهم من نفط العصر الرقمي.