
محادثات نووية في إسطنبول… اختبار حاسم لصدقية أوروبا ومرونة إيران
ويأتي هذا اللقاء بعد توقف استمر شهراً كاملاً عقب الهجمات الجوية التي شنّتها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ضد منشآت نووية وعسكرية إيرانية، والتي مثّلت أخطر تصعيد عسكري مباشر ضد إيران منذ عقود.
هذه الجولة الجديدة ليست مجرد مناسبة تفاوضية معتادة، بل اختبار لمجموعة من التوازنات المعقدة: قدرة أوروبا على لعب دور الوسيط بعد مشاركتها الصامتة في الهجوم، ومهارة إيران في استثمار أوراقها التفاوضية دون تقديم تنازلات تمس ما تسميه 'حقها السيادي في التكنولوجيا النووية'، فضلًا عن تساؤلات عن مستقبل خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) التي باتت أقرب إلى 'جثة سياسية' منها إلى اتفاق حيّ.
أول محادثات بعد الهجوم الثلاثي
شنّت إسرائيل في يونيو الماضي سلسلة من الضربات الجوية الدقيقة، استهدفت منشآت عسكرية ونووية في عمق الأراضي الإيرانية، بما في ذلك نطنز وأصفهان، بدعوى وقف 'الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار' في المنطقة.
ولأول مرة منذ عقود، انضمت الولايات المتحدة رسميًا لهذا النوع من التصعيد، إذ وجّهت قواتها ضربات استهدفت منشأة فوردو الحساسة، وهو ما أخرج المفاوضات الأمريكية-الإيرانية عبر الوسطاء العمانيين عن مسارها.
الاتفاق على استئناف المحادثات في إسطنبول جاء، بحسب تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، 'استجابة لطلب أوروبي'، وهي صيغة دبلوماسية تكشف حجم الضغوط الغربية لإعادة طهران إلى الطاولة، لا سيما بعد أن لوّحت الدول الأوروبية الثلاث بتفعيل آلية 'العودة السريعة' لإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران.
روسيا تدخل على الخط
قبل ساعات من الإعلان عن محادثات إسطنبول، فاجأ مستشار المرشد الأعلى الإيراني، علي لاريجاني، العواصم الغربية بزيارة غير معلنة للكرملين، حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأكد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن لاريجاني نقل 'تقييمات إيرانية حساسة حول الوضع المتدهور في الشرق الأوسط والملف النووي'، بينما شدد بوتين على موقف روسيا الداعي إلى 'حل سياسي شامل'.
الرسالة واضحة: إيران لن تدخل المحادثات الأوروبية وهي معزولة. فروسيا والصين لا تزالان تشكلان غطاءً استراتيجيًا واقتصاديًا لطهران، في مواجهة العقوبات الغربية، وتدفعان في اتجاه تفاوض مشروط لا تنازل فيه عن ما تُسميه إيران بـ'الكرامة السيادية'.
هل هناك اختراق ممكن؟
رغم أن أجواء ما قبل المحادثات لا توحي بانفراج وشيك، فإن مجرد انعقادها يشير إلى أن جميع الأطراف لا تزال ترى بصيص أمل في تجنب الانهيار الشامل للاتفاق النووي. هناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة:
استمرار الجمود مع تأجيل العقوبات: وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا، حيث ستطرح الأطراف مواقفها المتشددة دون التوصل إلى تفاهمات، لكن دون اتخاذ خطوات تصعيدية فورية مثل تفعيل آلية 'سناب باك'.
بداية تفاوض فعلي مشروط: قد توافق إيران على إجراءات شفافة محدودة مثل السماح لمفتشي الوكالة الدولية بزيارة منشآت معينة، مقابل وقف العقوبات الجديدة.
الانهيار الكامل مع عودة العقوبات الأممية: وهو السيناريو الأخطر، والذي سيكون بمثابة إعلان وفاة رسمية للاتفاق النووي، ودفع إيران نحو تطوير برنامجها بشكل علني وأكثر جرأة.
الموقف الإيراني: مرونة تكتيكية أم مراوغة؟
إيران، بحسب تصريحات عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، لا تزال ترى أن الدول الأوروبية فقدت أهليتها التفاوضية بدعمها العلني للهجوم الثلاثي الأخير. لكن طهران تدرك أيضًا أن إحياء الاتفاق النووي، أو على الأقل التفاوض بشأن تخفيف العقوبات، هو طريق النجاة الوحيد لتجاوز أزماتها الاقتصادية المتفاقمة، بعد انهيار الريال وارتفاع معدلات التضخم والبطالة.
ولمّحت وسائل إعلام إيرانية إلى أن طهران ستدخل محادثات إسطنبول برؤية جديدة تعتمد على 'خطوات مقابل خطوات'، تشمل قيودًا مؤقتة على نسبة التخصيب مقابل الإفراج التدريجي عن أصولها المجمدة.
إسطنبول: اختيار رمزي؟
اختيار مدينة إسطنبول لعقد الجولة الجديدة ليس تفصيلًا ثانويًا. فتركيا، رغم علاقتها المتوترة أحيانًا مع إيران، تُعد موقعًا محايدًا نسبيًا يسمح بإجراء مفاوضات غير رسمية تحت رعاية إقليمية.
كما أن تركيا تحتفظ بعلاقات جيدة مع روسيا وإيران والدول الأوروبية، وتطمح للعب دور الوسيط في قضايا أمن المنطقة.
وفي حال نجاح هذه الجولة أو استمرارها، قد تتحول إسطنبول إلى مقر دائم لجولات غير رسمية تسبق أي استئناف رسمي لمفاوضات شاملة بإشراف الأمم المتحدة.
لكن تبقى المشكلة الجوهرية في أن الاتفاق النووي، الذي كان يُفترض أن يكون آلية لخفض التوتر، بات اليوم مرآة لتصعيده. ما لم تتوفر إرادة سياسية حقيقية — لا مجرد بيانات مكررة — من جميع الأطراف، فإن إسطنبول ستكون مجرد محطة عبور أخرى على طريق طويل من المراوغات والمآزق.
إيران تدخل هذه الجولة بجراح عسكرية حديثة وثقة مفقودة بالغرب، وأوروبا تدخلها تحت ضغط الزمن والتهديد الإيراني بتخصيب أعلى. وبين الطرفين، تبقى شعوب المنطقة، خاصة في سوريا ولبنان والعراق، رهينة لملف نووي يبدو أنه فقد صلته بالأمن، وبات أقرب إلى أداة للمقايضة الجيوسياسية في زمن الانفجار.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجريدة
منذ 3 أيام
- الجريدة
إيران: زيارة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية في غضون أسبوعين
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي اليوم الاثنين إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة ستجري زيارة لإيران في غضون أسبوعين. ويأتي ذلك بعد أيام قليلة من تصريح المدير العام للوكالة بأن طهران مستعدة لاستئناف المحادثات الفنية. وأضاف بقائي أنه سيتم تقديم دليل إرشادي بشأن مستقبل تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بناء على مشروع قانون أقره البرلمان في الآونة الأخيرة يفرض قيودا على هذا التعاون. ونص مشروع القانون، الذي صار قانونا، على أن أي تفتيش مستقبلي للمواقع النووية الإيرانية من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتطلب موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي في طهران. وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضرورة السماح لها باستئناف عمليات التفتيش بعد الغارات الجوية الإسرائيلية والأمريكية الشهر الماضي التي استهدفت تدمير البرنامج النووي لإيران وحرمانها من القدرة على صنع سلاح نووي. ولطالما نفت طهران سعيها لامتلاك أسلحة نووية، مؤكدة أن برنامجها سلمي بحت. وتشعر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بقلق بالغ إزاء مصير مخزونات إيرانية تبلغ نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم عالي التخصيب. وأكد بقائي مجددا موقف إيران المتمثل في استئناف المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة إذا اقتضت المصلحة الوطنية ذلك، لكنه قال إنه لا توجد حاليا أي خطط لعقد جولة سادسة من المفاوضات النووية مع واشنطن. وعقدت إيران والولايات المتحدة خمس جولات من المحادثات بوساطة سلطنة عُمان، ولكن المحادثات تم تعليقها نتيجة حرب الشهر الماضي التي استمرت 12 يوما بين إيران وإسرائيل. وواجهت المحادثات نقاط خلاف رئيسية، مثل طلب واشنطن من طهران وقف تخصيب اليورانيوم محليا. وقال بقائي اليوم الاثنين إنه ينبغي السماح لإيران بتخصيب اليورانيوم، نظرا لأنها عضو في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.


الجريدة
٢٣-٠٧-٢٠٢٥
- الجريدة
إسرائيل تستأنف حرب الظل مع إيران وتتحالف مع أوكرانيا ضدها
عشية انقضاء شهر على إعلان وقف حرب الـ 12 يوماً، بدأت إيران تحقيقات في حملة منسقة من الحوادث، بعد توالي البلاغات عن حرائق وانفجارات بشكل شبه يومي في بلدهم الذي تبادل، على مدار الأعوام الماضية، ضربات غير معلنة مع إسرائيل ضمن ما عُرف بـ «حرب الظل». ونقلت «نيويورك تايمز» عن 3 مسؤولين إيرانيين، بينهم عضو في الحرس الثوري، اليوم، قولهم إنهم يعتقدون أن العديد من هذه الحوادث كانت أعمال تخريب وضربات يقف «الموساد» وراءها، نظراً لسجله في تنفيذ عمليات سرية داخل إيران، بما في ذلك التفجيرات والاغتيالات. وفي حين لم تقدم السلطات الإيرانية تفسيراً مقنعاً حول سبب وقوع انفجارات غازية بمعدل واحد إلى اثنين يومياً في مختلف أنحاء البلاد منذ انتهاء الحرب، ذكّر البعض بتهديد مسؤول كبير في «الاستخبارات الإسرائيلية» بمواصلة العمل داخل إيران، بعد حملة القصف المكثفة التي انتهت في 24 يونيو الماضي. ووقعت بعض الحوادث في مواقع بنية تحتية استراتيجية، مثل الحريق في مصفاة نفط رئيسية بمدينة عبادان جنوب البلاد يوم السبت، الذي أسفر عن مقتل شخص وإصابة عدد من الأشخاص وتوقّف خط إنتاج. بينما ساهمت حوادث أخرى، مثل الانفجارات في المباني السكنية والمصانع، في خلق شعور بالفوضى وعدم الاستقرار. هدوء حذر ورغم تماسك حالة الهدوء الحذر بين طهران وإسرائيل، في أعقاب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف إطلاق النار، تحدثت السلطات الإيرانية عن قيام مروحية عسكرية بتحذير مدمرة أميركية ومنعها من الاقتراب من المياه الإقليمية، بعد محاولتها الاقتراب قرب الخليج. وذكرت أن المروحية حلّقت فوق المدمرة «فيتزجيرالد»، التي هددت بدورها بإسقاطها قبل أن تتدخل قوات الدفاع الجوي الإيرانية وتجبر القطعة البحرية الأميركية على الابتعاد. في غضون ذلك، أكد الرئيس مسعود بزشكيان أن بلاده مستعدة لأي عمل عسكري إسرائيلي، مشددا على أن «القوات جاهزة لضرب عمق الأراضي المحتلة من جديد». ورأى بزشكيان، في تصريحات حادة بمواجهة ضغوط أوروبية مع الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الأنشطة الذرية، أن «الحديث عن إنهاء البرنامج النووي الإيراني وفق شروط أحادية محض وهم». وقبل يوم من اجتماع إيران و«الترويكا» الأوروبية، هدد النائب المحافظ منوشهر متكي، بأن البرلمان سيصوّت على الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، في حال أقدمت بريطانيا وفرنسا وألمانيا على تفعيل آلية «سناب باك» للعودة التلقائية إلى العقوبات الأممية. آلية جديدة للعلاقات وفي المقابل، قال نائب وزير الخارجية، كاظم غريب آبادي، إن إيران وافقت على السماح لفريق فني من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارتها خلال الأسابيع المقبلة لمناقشة «آلية جديدة» للعلاقات. وفي وقت تستعد إيران لإطلاق قمر صناعي محلي الصنع غداً باستخدام صاروخ «سويوز» الروسي، أعلن وزير الخارجية الأوكراني، أندريه سيبيغا، ونظيره الإسرائيلي، جدعون ساعر، الذي يزور أوكرانيا، بدء «حوار» بين بلديهما لمواجهة «التهديد الإيراني» بشكل مشترك. وقال سيبيغا: «تُشكل إيران وروسيا تهديداً وجودياً ليس فقط لبلدينا، بل للأمن العالمي». ووصف الوزير الأوكراني موسكو وطهران ومعهما كوريا الشمالية، التي أرسلت فرقة لمحاربة الجيش الأوكراني إلى جانب القوات الروسية، بأنها تُشكل «تحالفا من الأنظمة الخبيثة التي تدعم بعضها البعض وتُهدد العالم الحر». وأشار إلى «إمكانات كبيرة» للتعاون في «تقنيات الدفاع» بين إسرائيل وأوكرانيا. من جانبه، أكد ساعر أن إسرائيل «تدعم» أوكرانيا في حربها ضد روسيا، وشكر الحكومة الأوكرانية لفرضها عقوبات على مسؤولين إيرانيين كبار ودعمها لحملة الضربات الإسرائيلية على إيران و«إدانتها لحماس».


المدى
٢٢-٠٧-٢٠٢٥
- المدى
خاص 'المدى' طهران تسبق الترويكا: اجتماع ثلاثي مع موسكو وبكين لكبح 'آلية الزناد'
في ظل التوترات المتصاعدة حول الملف النووي الإيراني، تعقد طهران اليوم اجتماعاً تنسيقياً مهماً مع كل من موسكو وبكين، حليفتيها الاستراتيجيتين في المحافل الدولية. ويأتي هذا اللقاء قبيل انطلاق جولة المفاوضات الجديدة مع الترويكا الأوروبية (بريطانيا، ألمانيا، وفرنسا) في إسطنبول، بهدف توحيد المواقف وتعزيز التنسيق لمواجهة الضغوط الغربية. وتعكس هذه التحركات طموح طهران في استغلال دعم حليفتيها لتخفيف حدة العقوبات والتهديدات، وتأجيل تفعيل آلية 'سناب باك' التي تهدد بإعادة فرض عقوبات اوروبية صارمة بحلول تشرين الأول المقبل. وقد استبقت إيران هذا الاجتماع بتصريحات على لسان المتحدث باسم الخارجية، إسماعيل بقائي، الذي أكد أن اللقاء مع موسكو وبكين سيبحث برنامج طهران النووي وآلية العقوبات الدولية، في خطوة تعزز موقع إيران التفاوضي قبل جلوسها مع الأوروبيين على طاولة الحوار. في هذا السياق، تحدثت 'المدى' الى المحلل السياسي الايراني محمد غروي، في محاولة لفهم أبعاد الخطوات الإيرانية وأهدافها وتداعيات تفعيل آلية 'سناب باك' على مستقبل الملف النووي. أشار غروي في بداية حديثه إلى أن إيران تعتبر التنسيق مع روسيا والصين ركيزة استراتيجية في سياستها الخارجية، خصوصاً في ما يتعلق بالملف النووي. فهي ترى في موسكو وبكين داعمتين أساسيتين في المحافل الدولية، وخاصة في مجلس الأمن، حيث تملكان حق النقض (الفيتو) القادر على تعطيل أي تحرك غربي ضدها. لذلك، تسبق عادةً أي تطورات في المفاوضات مع واشنطن أو الترويكا الأوروبية جولات دبلوماسية يقوم بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو وبكين، لتنسيق المواقف وتوحيد الرسائل الموجهة إلى الطرف الغربي. وتعزز هذه العلاقة الاستراتيجية من خلال اتفاقيات طويلة الأمد، تستخدمها طهران كورقة ضغط تفاوضية، ووسيلة لتخفيف تأثير العقوبات أو التهديدات الغربية. وبالتالي، فإن إيران لا تدخل المفاوضات النووية كطرف معزول، بل كجزء من محور دولي يحمي مصالحها ويوفر لها هامش مناورة أوسع في مواجهة أوروبا والولايات المتحدة. واعتبر غروي أن الجولة المقررة في تركيا تمثل بداية لمسار تفاوضي طويل الأمد، لا نهايته. وأكد أن الهدف الأساسي لإيران في هذه المرحلة هو منع الأوروبيين من تفعيل آلية الزناد (Snapback) وإعادة فرض العقوبات الأممية تحت الفصل السابع. ولتحقيق ذلك، من المتوقع أن تتبع طهران سياسة المماطلة والتأخير، سواء في تحديد مواعيد المفاوضات أو في إحراز تقدم ملموس، بهدف استنزاف الوقت المتبقي حتى تشرين الأول، وهو الموعد الحاسم المرتبط بتفعيل الآلية. ويرى غروي أن هذه الاستراتيجية تصب في مصلحة إيران، إذ من شأنها أن تُفشل مساعي الأوروبيين لاستخدام آلية الزناد ضمن الإطار الزمني المحدد، وتمنح طهران ورقة ضغط إضافية في الجولات المقبلة من التفاوض. وأوضح غروي أن إيران، في الجولة الجديدة من المفاوضات، لا تسعى حالياً إلى التوصل لاتفاق نهائي، بل تهدف بشكل رئيسي إلى كسب الوقت. فهي تدرك أن الأوروبيين يلوّحون بتفعيل آلية الزناد (Snapback) لإعادة فرض العقوبات الدولية، ولذلك تتركز استراتيجيتها على تأجيل أي خطوة أوروبية في هذا الاتجاه خلال المرحلة الحالية. وقال إن طهران تعتمد بوضوح على ما يمكن وصفه بـ'اللعب على عامل الوقت'، من خلال تأخير جدول المفاوضات إلى ما بعد الموعد الحاسم في أكتوبر، حيث تنتهي صلاحية آلية الزناد دولياً. وبهذا التأخير، تسعى إيران إلى حرمان الأوروبيين من فرصة استخدام هذه الآلية، وإفشال أي مسعى لإعادة العقوبات تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وبناءً على ذلك، فإن التكتيك الإيراني لا يقوم على تقديم تنازلات أو طرح حلول وسط، بل يركّز على تأجيل أي تقدم فعلي حتى تفقد الأطراف الأخرى أدواتها القانونية، وعلى رأسها آلية الزناد. لذلك، تُعد اللقاءات المقبلة مجرد محطة في مسار طويل من المساومات والمناورات السياسية، وليست خطوة حاسمة نحو اتفاق شامل أو نهائي. واعتبر غروي أن آلية الزناد (Snapback) تشكل ورقة ضغط متبادلة بين إيران والترويكا الأوروبية. فقد استخدمتها إيران بشكل غير مباشر منذ بدء رفع نسب تخصيب اليورانيوم وتقليص تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك تقليص عدد المفتشين الدوليين داخل البلاد. ومع ذلك، لا ترغب طهران في أن تصل الأمور إلى تفعيل هذه الآلية رسميًا من قبل الأوروبيين والولايات المتحدة، لما لذلك من تداعيات قد تؤثر على مصالحها في المدى القريب. وأشار إلى أن حساسية آلية الزناد تزداد بشكل كبير مع اقتراب نهاية تشرين الأول، فلو نجحت طهران في إقناع الأوروبيين بعدم تفعيلها، ستكون هي الرابح الأكبر في هذه الجولة. أما إذا قررت أوروبا المضي قدمًا في تفعيلها، فإن ذلك سيؤدي إلى تصعيد وتعقيد أكبر في الملف النووي. وأوضح غروي أن إيران قد تلجأ في هذا السيناريو إلى خيارين محتملين: إما التهديد برفع تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 90%، وهو ما يمثل تحولًا جوهريًا في سياستها النووية، أو الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وهو ما سيزيد من قلق واشنطن وأوروبا. وفي حال قررت الترويكا الأوروبية تفعيل آلية الزناد دون العودة إلى المفاوضات، فإنها بذلك تختار مسار التصعيد، وربما تفتح الباب أمام احتمالات مواجهة عسكرية. إلا أن إيران ترى أن تفعيل هذه الآلية لن يكون كارثيًا، خاصةً أن معظم العقوبات التي قد تُعاد فرضها هي في الأصل عقوبات أميركية مطبقة حاليًا. وقال غروي: 'لا تبدو إيران قلقة بشكل كبير من تفعيل آلية الزناد، رغم أثرها المعنوي داخل البلاد، إذ تُستخدم أكثر كورقة تهويل إعلامي وليس كأداة ضغط حقيقية. ووفقًا لتحليلات داخلية، فإن هذه الآلية ليست نهاية المطاف، ولن تكون مدمرة لطهران كما يُروّج لها. بل يرى بعض المراقبين أن تفعيلها قد يضر أكثر بالأوروبيين والولايات المتحدة، لأنهم سيكونون قد استنفدوا كل أدواتهم الدبلوماسية والاقتصادية، وحتى التهديدات العسكرية'. وختم بالقول: 'من هذا المنطلق، يرى الإيرانيون ضرورة أن تتعامل أوروبا بعقلانية ومنطق، وألا تسيّس الملف النووي بشكل مفرط أو تعطيه طابعًا عسكريًا وعدائيًا تجاه إيران. ومع اقتراب أكتوبر، تتجه الأجواء نحو تصعيد محتمل، والجميع يترقب ما إذا كانت الأزمة ستُدار عبر الحوار أم ستنتقل إلى مرحلة أكثر خطورة يصعب احتواؤها.'