
قرار مصرف لبنان بشأن القرض الحسن: خطوة جريئة أم رسالة فارغة؟
وكان الموفد الأميركي إلى سوريا ولبنان توم باراك تطرق إلى هذا القرار عبر تغريدة نشرها عبر منصة "إكس" قبل ساعات، وقال فيها "خطوة إيجابية من الحكومة اللبنانية في ضبط تدفقات تمويل ميليشيات 'حزب الله' التي كانت تمر عبر 'القرض الحسن'... الشفافية وتوحيد جميع الوسطاء الماليين في لبنان تحت إشراف مصرف لبنان المركزي تعد إنجازاً مهماً".
A step in the right direction by the Lebanese government in harnessing the flow of Hizballah militia finances that had been directed thru Al-Qard Al-Hassan. Transparency and alignment of all financial intermediaries in Lebanon under the supervision of the Central Bank is a valued…
— Ambassador Tom Barrack (@USAMBTurkiye) July 15, 2025
وردت عليه النائبة عن كتلة "القوات اللبنانية" في البرلمان اللبناني غادة أيوب بالقول "على رغم أن قرار حاكم مصرف لبنان حظر التعامل مع جمعية 'القرض الحسن' يعد خطوة مهمة وضرورية، فإنه يبقى غير كاف. فالجمعية تمارس عملها بموجب ترخيص من وزارة الداخلية، وليس كمؤسسة مالية يشرف عليها مصرف لبنان. ومن هنا، تقع المسؤولية القانونية والمؤسسية على عاتق وزير الداخلية والأمن العام لتعليق أنشطتها، بالتالي على الحكومة اللبنانية اتخاذ قرار حكومي رسمي بحل الجمعية بموجب قانون الجمعيات".
التعميم 170 والموجه بصورة مباشرة إلى المصارف والمؤسسات المالية والمؤسسات الخاضعة لرقابة مصرف لبنان وشركات الوساطة المالية وصناديق الاستثمار، يؤكد عدم قانونية تعامل هذه المؤسسات مع كيانات غير مرخصة وعليها عقوبات بتهم تمويل الإرهاب أو تبييض الأموال، لكنه خلال الوقت عينه لا يتطرق إلى تعامل الأفراد والمواطنين العاديين مع هذه المؤسسات، بالتالي سيبقى عملها قائماً إلى حد ما.
وفيما عدَّ كثرٌ أن هذه الخطوة مطلوبة وضرورية للمساهمة في انتشال لبنان من اللائحة الرمادية والتصنيفات السلبية عالمياً، واعتبروا أنها تؤكد تراجع نفوذ "حزب الله" في دوائر صنع القرار اللبناني سياسياً ومالياً، قلل آخرون من تأثيرها وبخاصة على مؤسسات مثل جمعية "القرض الحسن"، باعتبار أن العقوبات المفروضة عليها غير جديدة وتعود لأعوام سابقة، والمؤسسات المالية اللبنانية لا تتعامل معها بالفعل.
تمارس جمعية "القرض الحسن" عملها بموجب ترخيص من وزارة الداخلية (ا ف ب)
تعميم للداخل أم للخارج؟
يطرح اللبنانيون بعد صدور هذا التعميم سؤالاً جدياً حول تأثير هذا التعميم فعلياً على الجمعية ومستقبلها؟ وماذا عن مصير كميات كبيرة من الذهب التي رُهنت بالفعل وأخذت قروض مقابلها؟
بصورة عامة لا تتعامل جمعية "القرض الحسن" مع أية مؤسسات مالية أو القطاع المصرفي داخل لبنان ولا خارجه، فهي بالأساس ليست مؤسسة مالية وهي غير مرخصة من قبل المصرف المركزي، بل رخصت من منطلق كونها جمعية خيرية بموجب "علم وخبر" صادر عن وزارة الداخلية قبل عقود، ناهيك بأنها مدرجة على لوائح العقوبات الأميركية والدولية، فيما تتعامل بصورة مباشرة مع الأفراد وبعض المؤسسات المحلية المحسوبة على بيئتها الاجتماعية، والتي تنتمي بصورة مباشرة إلى "حزب الله"، أي إن عمل هذه الجمعية لا يمر بأية صورة عبر النظام المصرفي اللبناني ولا يخضع لرقابته.
وفي هذا السياق يوضح المحامي المتخصص في قضايا المصارف التجارية والمركزية مهدي الحسيني أن التعميم الأساس وغير الوسيط رقم 170 استند في ديباجته، التي تفصل أساس القرار القانوني عطفاً مطولاً وشاملاً، إلى قوانين نافذة وتعاميم سابقة تتعلق بموضوع التعميم نفسه، ويقول "هناك عدد من التعاميم السابقة النافذة التي تحظر التعامل مع شركات تخضع لنفس التوصيف المذكور في التعميم الأساس رقم 170".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عن الفائدة العملية والفعلية من التعميم الجديد، يؤكد الحسيني أنه لم يؤسس لانتظام جديد، بقدر ما هو إعلان وتأكيد على تعاميم سابقة، كون المؤسسات المذكورة في التعميم هي قيد العقوبات الأميركية، بعضها منذ عام 2006، أي إنها حكماً بموجب التعاميم السابقة محظورة، ويتابع أنه فعلياً يمكن تصنيف التعميم الأساس رقم 170 كخطوة جيدة تؤسس لمرحلة يقتضى فيها على المؤسسات المالية أن تتوخى مزيداً من الحذر والدقة في تعاملها مع مؤسسات الصرافة وشركات تحويل الأموال والجمعيات والهيئات غير المرخصة، كـ"جمعية القرض الحسن" و"شركة تسهيلات ش.م.م." و"شركة اليسر للتمويل والاستثمار" و"بيت المال للمسلمين"، وغيرها من المؤسسات والهيئات والشركات والكيانات والجمعيات المدرجة على لوائح العقوبات الدولية.
يعد المحامي مهدي الحسيني أن التعميم الأساس رقم 170 موجه إلى الخارج، كرسالة لتأكيد دور مصرف لبنان في تنفيذ أهدافه عبر اتخاذ تدابير احترازية لحماية القطاع المالي والاقتصادي ومنع التعامل مع جهات غير مرخصة وخاضعة لعقوبات صادرة عن سلطات خارجية. وعن كيفية التعامل مع جمعية "القرض الحسن" مستقبلاً، يوضح انطلاقاً من دراسة كان عمل عليها قبل أشهر، أن من بين الخيارات وضعه ضمن حاضنة تنظيمية والعمل على إدخاله تدريجاً إلى النظام المصرفي، بدل إبقائه في الظل وبعيداً من أية رقابة، أو إلغائه بالكامل وربما استبدال شبيه له به، إنما منظم وتحت إشراف المصرف المركزي.
سحب ترخيصه من وزارة الداخلية
في السياق، يعد كثر أنه لو كان هناك قرار سياسي ونية حقيقية لدى السلطات لمقاربة هذا الملف بجدية، لكانت شطبت وزارة الداخلية والبلديات "العلم والخبر" الخاص بالجمعية من سجل الجمعيات، لا الاكتفاء بتعميم موجه إلى المصارف لا تأثير له على الجهة المعنية فعلياً، وهي "القرض الحسن"، وبخاصة أن الإصلاحات المطلوبة من الغرب لدعم لبنان في هذه المرحلة تتضمن خطوات عملية لا بد من اتخاذها. وبغياب هذه الخطوات العملية ستبقى "القرض الحسن" تعمل ككيان خارج الرقابة، وداخل شبكة نفوذ لم تجرؤ الدولة على الاقتراب منها، وبخاصة أنها تعد مؤسسة مغلقة ولا تمتد معاملاتها لتشمل مصارف أو مؤسسات مالية أخرى.
في المقابل ينظر بعض إلى التطور الأخير بإيجابية أكبر، ويعدون أن التعميم الصادر عن المصرف المركزي ما هو إلا بداية تحرك جدي نحو المؤسسات غير العسكرية التابعة للحزب، والتي تحوم حولها شبهات وعليها عقوبات غربية، ويؤكدون أنه لو لم يرفع الغطاء السياسي ويعطى الضوء الأخضر من قبل المعنيين لما صدر هذا التعميم، وفيه تمت تسمية جمعية "القرض الحسن" بصورة مباشرة، وأنه لو عدنا أعواماً قليلة إلى الوراء لكان صدور هذا التعميم بصورته الحالية أشبه بالمستحيل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
توم براك... سوط ترمب في الشرق الأوسط
يبتسم بشكل متحفظ فتشعر أنه لا يريد الابتسام. يتكلم بنبرة هادئة رصينة واثقة. ملامح وجهه قاسية وكأنه خاض حروب الدنيا كلها، فهو لا يصرف وقتاً على تسريحة شعره ويستعمل يديه بكثرة حينما يتحدث. معروف بالبراغماتية والليونة في المواقف العامة، مع وضوح تام في الدفاع عن مواقفه. طويل القامة نسبياً، نحيف وصلب على رغم أنه سبعيني، يريد أن يضم لبنان إلى سوريا، ومتفائل بأن دمشق ستوقع سلاماً مع إسرائيل. فجأة أطل علينا توم براك صاحب المغامرات الكثيرة في منطقتنا، وبات اسماً يصعب التغاضي عنه في سياسة الشرق الأوسط. يعرف الرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ ثمانينات القرن الماضي وكان له دور فعال في تأمين تعيين عضو جماعات الضغط بول مانافورت رئيساً لحملته الرئاسية عام 2016. معروف في عالم المال والأعمال، لكن مع مهماته الجديدة بات معروفاً لمتعاطي الشأن السياسي، خاصة بعد تصريحات جدلية له. وصفت صحيفة "واشنطن بوست" رجل الأعمال الأميركي من أصول لبنانية بأنه واحد من كبار الأغنياء وأقرب أصدقاء ترمب، وهو الذي عمل أسابيع لتمهيد السبيل أمام لقاء دونالد القادة الخليجيين في الرياض في مايو (أيار) 2017. ولكل هذا الوفاء عيّنه الرئيس الأميركي أواخر عام 2024 سفيراً لبلاده في تركيا، وفي مايو 2025 المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، ولم يكتف بهذين المنصبين بل حل موقتاً مكان نائبة المبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، مورغان أورتاغوس، المتخصصة في لبنان، والتي استبعدت من منصبها بعد تعيينها بشهر. أسس المستثمر العقاري المتناقض، شركة "كولوني كابيتال" عام 1991 لشراء قروض عقارية رديئة من شركات S&Ls المفلسة التي تدير الآن أصولاً بقيمة 34 مليار دولار، بما في ذلك 18 مليار دولار في 16 صندوقاً عقارياً تجارياً وصناديق تركز على الديون المتعثرة، وبنى حفيد مهاجرين لبنانيين إلى لوس أنجليس ثروته من خلال شراء أصول غير مفضلة، بما في ذلك 200 مليون دولار في عقارات الشرق الأوسط، و534 مليون دولار في قروض عقارية ألمانية متعثرة، وتشمل استثماراته الأكثر غرابة مزرعة نيفرلاند الخاصة بمايكل جاكسون وقرض بقيمة 24 مليون دولار للمصورة آني ليبوفيتز. في بيان له بعد التعيين قال "لقد حدد الرئيس ترمب رؤيته الواضحة لشرق أوسط مزدهر وسوريا مستقرة تعيش في سلام مع نفسها وجيرانها، وبصفتي ممثل الرئيس في تركيا أشعر بالفخر لتولي دور المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا ودعم وزير الخارجية روبيو في تحقيق رؤية الرئيس". ويضعه تعيينه المزدوج، وهو مستثمر عقاري ملياردير له علاقات تجارية في الخليج، في دور إستراتيجي من لحظة حاسمة في ما يتعلق بإعادة مشاركة الولايات المتحدة المحتملة في بلاد الشام، وقد يمنح هذا التعيين ترمب فهماً مباشراً لمسار السياسة تجاه سوريا التي عانت صراعات داخلية خلال إدارته الأولى وفهماً أوضح للعقلية اللبنانية، وإيجاد الطريقة الأفضل لتسليم "حزب الله" سلاحه. سوريا ولبنان بعد تسلمه مهماته حذر براك من سيطرة قوى إقليمية على لبنان في حال لم تنجح حكومته في التغلب على إشكال سلاح "حزب الله"، وقال في تصريح لصحيفة "ذا ناشيونال" إن لبنان بحاجة إلى حل هذه المشكلة وإلا فقد يواجه تهديداً وجودياً، موضحاً أن "إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، والآن سوريا تتجلى بسرعة كبيرة، وإذا لم يتحرك لبنان فسيعود لبلاد الشام من جديد". بنى حفيد مهاجرين لبنانيين إلى لوس أنجليس ثروته من خلال شراء أصول غير مفضلة، بما في ذلك 200 مليون دولار في عقارات الشرق الأوسط، و534 مليون دولار في قروض عقارية ألمانية متعثرة وكان براك قدم اقتراحاً لنزع سلاح "حزب الله" وتطبيق إصلاحات اقتصادية للمساعدة في انتشال هذا البلد من أزمته المالية المستمرة منذ ستة أعوام، وتصر أميركا على نزع سلاح الحزب قبل تقديم المساعدة في إعمار لبنان، كما تربط وقف الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية على هذا البلد بنزع السلاح. من جانبها قدمت السلطات اللبنانية وثيقة تدعو إلى انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي المتنازع عليها بما في ذلك مزارع شبعا، وإعادة تأكيد سيطرة الدولة على جميع الأسلحة مع التعهد بتفكيك سلاح "حزب الله" في جنوب لبنان، مضيفاً "لاحظتُ أن سوريا تتحرك بسرعة البرق لاغتنام الفرصة التاريخية التي أتاحها رفع العقوبات من قبل الرئيس الأميركي، استثمارات من تركيا والخليج، وتواصل دبلوماسي مع الدول المجاورة، ورؤية واضحة للمستقبل"، مؤكداً أن القيادة السورية الجديدة لا تسعى إلا إلى "التعايش والازدهار المتبادل مع لبنان"، ومشدداً على أن "الولايات المتحدة ملتزمة بدعم هذه العلاقة بين جارين متساويين وذوي سيادة ينعمان بالسلام والازدهار". وكان الرئيس اللبناني جوزاف عون قد علّق على العلاقات مع سوريا بالقول إن بلاده متمسكة بأمرين أساسيين وهما الحرص على إقامة علاقات جيدة مع النظام السوري الجديد ورئيسه أحمد الشرع، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل من البلدين. وفي المقابل لفت براك إلى أن أداء الرئيس السوري أحمد الشرع يمثل تجربة لافتة، وشبهها بتجربة الرئيس الأميركي الأسبق جورج واشنطن، مشيراً إلى أن سوريا تمر بمرحلة "تاريخية من إعادة التشكل والاندماج الإقليمي"، وفي تصريح لـ "وكالة أنباء الأناضول التركية"، قال براك إن الحرب بين إيران وإسرائيل تمهد لطريق جديد في الشرق الأوسط، مؤكداً أن "ما حصل للتو بين إسرائيل وإيران فرصة لنا جميعاً للقول توقفوا، فلنشق طريقاً جديداً"، لافتاً أن تركيا "هي عنصر رئيس في هذا الطريق الجديد"، واعتبر أن "الشرق الأوسط مستعد لحوار جديد، فقد سئمت الشعوب من النغمة نفسها، وأعتقد أنكم سترون الجميع يعودون لاتفاقات أبراهام وخاصة مع تحسن الأوضاع في غزة، وهذا الرهان الرئيس". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويرى براك أنه بعد الحرب بين إيران وإسرائيل بات من الضروري إبرام اتفاقات سلام بين كل من إسرائيل وسوريا ولبنان، وفي الشأن السوري اعتبر أن بلاده تقف مع تركيا ودول الخليج وأوروبا، إضافة إلى الشعب السوري، وفي منشور على منصة "إكس" أضاف "نقف مع تركيا ودول الخليج وأوروبا، هذه المرة ليس بالجنود أو الخطابات أو الحدود الوهمية، بل جنباً إلى جنب مع الشعب السوري نفسه"، متابعاً أن "الغرب فرض قبل قرن خرائط وإدارات انتدابية وحدوداً مرسومة وحكماً أجنبياً، واتفاق سايكس -بيكو قسم سوريا والمنطقة، ليس من أجل السلام بل لتحقيق مكاسب إمبريالية، وقد كلف هذا الخطأ أجيالاً ولن نكرره مرة أخرى". وأوضح المبعوث الأميركي أن عصر التدخل الغربي قد انتهى وأن المستقبل يكمن في الحلول الإقليمية والدبلوماسية المبنية على الشراكات والاحترام، مشيراً إلى أن المأساة السورية نابعة من الانقسام، وأن ولادة سوريا من جديد لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الكرامة والوحدة والاستثمار، وبالنسبة إلى الموضوع اللبناني قال "لا نملي على لبنان ما يجب عمله بخصوص 'حزب الله' وعليه أن يتعامل مع الحزب وليس الولايات المتحدة"، مؤكداً أن "إسرائيل تريد السلام مع لبنان وكيفية تحقيق ذلك هو التحدي". يضعه تعيينه المزدوج، وهو مستثمر عقاري ملياردير له علاقات تجارية في الخليج، في دور إستراتيجي من لحظة حاسمة في ما يتعلق بإعادة مشاركة الولايات المتحدة المحتملة في بلاد الشام، وقد يمنح هذا التعيين ترمب فهماً مباشراً لمسار السياسة تجاه سوريا التي عانت صراعات داخلية خلال إدارته الأولى وفهماً أوضح للعقلية اللبنانية، وإيجاد الطريقة الأفضل لتسليم "حزب الله" سلاحه. ولفت أنه "ليس على لبنان الالتزام بأي جدول زمني وخاصة أنه يريد صيغة حول ما يريد تحقيقه ونحن هنا للمساعدة، والمشكلة في لبنان ليست إيران بل عجز اللبنانيين عن الاتفاق في ما بينهم، والآلية المعتمدة بين إسرائيل و'حزب الله' والجيش اللبناني لم تنجح، والرد اللبناني على الورقة الأميركية كان مسؤولاً جداً". ورداً على سؤال قال المبعوث الأميركي إن الحوار بدأ بين سوريا وإسرائيل وهناك حاجة إلى تحول جذري من جانب بيروت، ويرى براك أن "لبنان لا يزال مفتاح المنطقة، ويمكن أن يكون لؤلؤة المتوسط، ويمكنكم أن تكونوا القادة خاصة أنكم كنتم سويسرا الشرق، ولن يأتي أحد إلى لبنان إن كنتم في حرب، وحان الوقت اليوم ولديكم رئيس أميركي يقف إلى جانبكم لديه شجاعة كبيرة ولكن الصبر ليس طويلاً". قضيته مع الإمارات في عام 2022 بُرئ الممول المخضرم توم براك من تهم ممارسة الضغط غير القانوني الناجمة عن جهوده المزعومة للتأثير في السياسة الخارجية الأميركية خلال إدارة صديقه القديم دونالد ترمب الأولى، ويمثل الحكم الذي أصدرته هيئة المحلفين في نيويورك هزيمة للمدعين العامين الذين جادلوا بأن براك نقل معلومات حساسة إلى حكومة الإمارات العربية المتحدة وحاول دفع السياسة الخارجية في اتجاهات يفضلها داعموه الماليون في أبوظبي، وقد وجهت إليه تهمة العمل كعميل غير مسجل لحكومة أجنبية، وعرقلة سير العدالة والكذب على المحققين الفيدراليين، وقال براك في بيان صدر بعد صدور الحكم "بارك الله في أميركا، النظام يعمل". وخلال المحاكمة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 والتي استمرت ستة أسابيع داخل المحكمة الفيدرالية في بروكلين، استعرض المحلفون مئات الرسائل الإلكترونية والرسائل النصية التي توضح تفاصيل اتصالات براك مع المسؤولين الإماراتيين على مدى ثلاثة أعوام بدأت عام 2016، بما في ذلك رسالة قال فيها لأحد معارفه الإماراتيين "لقد ظفرت بها للفريق الوطني". واتهم المدعون العامون براك بمحاولة تقويض الجهود الدبلوماسية لحل المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها حكومات في الشرق الأوسط على قطر، وقد تلقت شركته "كولوني كابيتال" 374 مليون دولار من الإمارات خلال عامي 2017 و2018، وهو تدفق في أموال الاستثمار التي وصفها المدعون العامون بأنها مكافأة على جهود الضغط غير المعلنة التي قام بها براك، وكان من بين الشهود في القضية أول وزير خارجية لترمب، ريكس تيلرسون، ووزير خزانته ستيفن منوشين، اللذان قدما روايات متناقضة عن تفاعلات براك مع مسؤولي إدارة ترمب. وأشار تيلرسون، وهو رئيس تنفيذي سابق في شركة "إكسون موبيل" النفطية الكبرى، إلى أن ترامب اقترح أن يجتمع ممثلو قطر وخصومها في كامب ديفيد لحل خلافهم، وقال المدعون العامون إن براك عمل على وقف الاجتماع الذي كان من شأنه أن يقوض سياسة الإمارات الدبلوماسية، لكن منوشين شهد بأن براك دعم قطر بدلاً من ذلك. وقد شكك محامو براك في فكرة أن رجل الأعمال الناجح الذي يملك ثروة طائلة ومصالح واسعة النطاق في الشرق الأوسط كان سيتحالف مع أبوظبي في مقابل المال، وقال محامي الدفاع مايكل شاختر في المحكمة "لقد كان رجله الخاص، لقد قال أشياء [في موضوع السياسة الشرق أوسطية] لأنه أراد ذلك". وكانت وزارة العدل في حكومة الرئيس جو بايدن رفعت سلسلة من الملاحقات القضائية رفيعة المستوى ضد معاوني ترمب في وقت كثفت التحقيق في انتهاكات محتملة لحفظ السجلات وعرقلة سير العدالة من قبل الرئيس السابق، وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" فإن سفير دولة الإمارات العربية لدى واشنطن يوسف العتيبة كتب إلى صديقه توم براك قائلاً "هناك غموض شديد يحيط بصديقك دونالد ترمب"، مضيفاً "إنه يثير قلقاً عميقا لدى كثيرين"، فأجابه توم براك في محاولة منه لتبديد مخاوف صديقه القديم بأن ترمب يتفهم موقف الدول الخليجية "وله استثمارات مشتركة في دولة الإمارات العربية". وفي مايو عام 2016 كتب توم براك ليوسف العتيبة مزكياً صهر ترمب، غاريد كوشنر، بقوله "ستحبه وهو يوافق على أجندتنا"، بحسب "نيويورك تايمز". في عام 2022 بُرئ الممول المخضرم توم براك من تهم ممارسة الضغط غير القانوني الناجمة عن جهوده المزعومة للتأثير في السياسة الخارجية الأميركية خلال إدارة صديقه القديم دونالد ترمب الأولى لكن الدور الذي لعبه توم أكبر من ذلك بكثير بسبب خبرته الطويلة التي تمتد على لعقود عدة من العمل في الشرق الأوسط والولايات المتحدة وفي أكثر من دور ومجال، ومنها الإشراف على حفل تنصيب الرئيس ترمب أوائل عام 2017، إذ استطاع أن يجمع أكثر من 100 مليون دولار على شكل تبرعات لهذا الغرض بجهد شخصي منه. بداياته في الخليج سافر توم إلى السعودية عام 1972 ضمن وفد لشركة أميركية لإبرام عقد لإقامة مصنع لإنتاج الغاز السائل مع الحكومة السعودية، وأثناء وجوده هناك سأله أحد مديري شركة "أرامكو" إن كان يعرف أحداً في الوفد الأميركي يمارس رياضة الـ "سكواش"، لأن سعودياً يريد شريكاً له في هذه اللعبة، وفق ما نشرته "بي بي سي"، فبدأ توم يلعب الـ "سكواش" مع السعودي "من دون أن يخطر ببالي أن أسأله عن اسمه، وسألني إن كان بمقدوري أن ألعب معه مدة ساعتين في اليوم التالي، وتبين لاحقاً أن هذا الشخص هو أحد أبناء الملك"، بحسب ما نقلت عنه "نيويورك تايمز"، وكانت تلك بداية العلاقة الوطيدة التي تربط توم بالأسرة الحاكمة في السعودية. كما تعرف خلال وجوده في السعودية إلى رجل تبين في ما بعد أنه أحد مديري شركة "أرامكو"، وقد دعاه توم إلى قضاء فترة نقاهته في مزرعته في كاليفورنيا، فكلفه المسؤول في "أرامكو" التوسط لشراء 375 حافلة مدرسية لمصلحة "أرامكو"، ويذكر أن الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود كان الحاكم آنذاك، وسرعان ما وظفه أبناء الملك بعد أن توطدت علاقته بهم، وبات ممثلهم في الولايات المتحدة. وفي عام 1974 توسط توم في اتفاق بين أميرين سعوديين ورجل أعمال أميركي اشترى قطعة أرض في هاييتي لإقامة مصفاة لتكرير النفط، وحاكمها آنذاك شوفالييه، وبيع النفط في هاييتي بسعر مخفض، وفي عام 1976 دشن توم أول مشروع عقاري كبير له بمساحة إجمالية تجاوزت 7 ملايين قدم مربعة من شقق ومكاتب ومناطق صناعية، واستطاع أن يشتري مزرعة في ولاية كاليفورنيا عام 1979 قرب مزرعة الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، وكان الخيالة من حماية الرئيس يتجولون في مزرعته، ومن حين إلى آخر كان يرافق ريغان في رحلات ركوب الخيل ويجلسان سوية حول النار في الهواء الطلق، كما اشترى براك بالاشتراك مع الصندوق القطري السيادي شركة "ميراماكس" للإنتاج السينمائي من "والت ديزني" بملبغ 660 مليون دولار. علاقته بالرئيس ترمب تعود علاقة توم بترمب لثمانينيات القرن الماضي حين التقيا للمرة الأولى عام 1987 عندما اشترى الرئيس 20 في المئة من أسهم شركة تمتلك سلسلة متاجر أميركية، ولعب توم دور الوسيط في الصفقة، وبعدها بعام اتصل به ترمب وقال له "أنت صاحب فندق بلازا الذي أشاهده من مكتبي، أريد هذا الفندق"، فرد عليه توم بأنه ليس صاحب الفندق لكن يمكنه امتلاك الفندق إذا دفع 410 ملايين دولار، فوافق ترمب على ذلك من دون تردد وسط ذهول توم، لكن ترمب اشترط أن يكون الدفع نقداً. وتحدث توم عن تلك الفترة قائلاً "نشأت علاقة صداقة بيننا منذ ذلك الوقت وتشابهت حياتنا الخاصة، فكل منا كان قد طلق زوجته، وكانت أعمار أبنائنا متقاربة، وتزوجنا مرة ثانية وأبرمنا صفقات تجارية عدة". ويقول شريكه ويليام روجرز إن بمقدور توم أن يقول لترمب إنك على خطأ، وهو أمر لا يجرؤعليه سوى القلائل، مضيفاً "يمكن لتوم أن يقول لترمب ما لا يرضى أن يسمعه من الآخرين، ويرد ترمب على توم بقوله: شكراً أنت صديقي ويمكنك أن تقول ذلك لي وليس في ذلك إساءة لي"، بحسب ما "نيويورك تايمز". وفي عام 1994 كان ترمب يمر بأزمة مالية خانقة فاتصل به أحد الموظفين في بنك "تشيز مانهاتن" وقال له إن "مشاريع ترمب العقارية تواجه أزمة مالية كبيرة ومن بينها مشروع عقاري في مانهاتن مدين لمصرفنا بمبلغ 100 مليون دولار، وأنت الوحيد الذي تعرف كيف تتعامل مع ترمب، فهل يمكنك أن تساعدنا في حل هذه الأزمة؟"، فقام توم بجولة في الشرق الأوسط وحصل على تعهدات مالية للاستثمار في المشاريع المتعثرة لترمب ومن بينها تعهدات من أصدقائه القدامى في الأسرة الحاكمة السعودية، لكن ترمب توصل في النهاية إلى اتفاق مع مستثمرين من هونغ كونغ لإنقاذ مشاريعه العقارية، وتوسط توم لدى البنك لتمديد المهلة الممنوحة لترمب لترتيب أوضاعه المالية، كما استثمر في بعض المشاريع العقارية المتعثرة لصهر ترمب غاريد كوشنير. من هو؟ سياسي ورجل أعمال أميركي من أصل لبناني، ومؤسس ورئيس مجلس إدارة ومدير تنفيذي متقاعد لشركة "كولوني كابيتال إل إل سي" ومقرها لوس أنجليس، وهي واحدة من أكبر شركات الاستثمار العقاري الخاصة في العالم والمعروفة الآن باسم "ديجيتال بريدج"، ولها عمليات في 19 دولة، وفق موقع الخارجية الأميركية على الإنترنت، وقد هاجر أجداده إلى الولايات المتحدة عام 1900، وكان والده صاحب متجر صغير في ولاية كاليفورنيا، بينما عملت والدته سكرتيرة ونشأ توم في هذه البيئة ولا يزال يفتخر بذلك ويقول إنه لا يزال "ابن حانوتي". شغل مناصب رفيعة في عهد الرئيسين الأميركيين رونالد ريغان ودونالد ترمب، وقد ولد في الـ 28 من أبريل (نيسان) عام 1947 في مدينة لوس أنجليس بولاية كاليفورنيا من عائلة لبنانية كاثوليكية مهاجرة، أصلها من منطقة زحلة بمحافظة البقاع، وتزوج عام 2014 من راشيل روكسبره، ولهما طفلان. حصل على البكالوريوس في التاريخ من جامعة جنوب كاليفورنيا عام 1969، ثم واصل دراسته العليا فالتحق بكلية الحقوق في الجامعة نفسها وحصل على الدكتوراه في القانون عام 1972 من جامعة سان دييغو، وإضافة إلى الإنجليزية يجيد براك الإسبانية والفرنسية والعربية. التجربة العملية بدأ براك حياته العملية محامياً في مكتب المحاماة التابع للمحامي الشخصي للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، لهربرت كالمباخ، ثم أوفدته شركة محاماة دولية إلى السعودية مطلع سبعينيات القرن الـ 20، وبنى علاقات مع مستثمرين في الشرق الأوسط، ثم عاد للولايات المتحدة عام 1976 وبدأ العمل في مجال الاستثمار العقاري رئيساً لشركة "دان إنترناشونال كوربوريشن"، وهي شركة متخصصة في بناء المجمعات الصناعية والمكتبية، وفي عام 1982 شغل منصب نائب وكيل وزارة الداخلية الأميركية في عهد الرئيس رونالد ريغان، ثم عمل رئيساً لشركة "أوكسفورد ديفيلوبمنت فنتشرز" في كندا، إحدى أكبر شركات التطوير العقاري الكندية، وأصبح بعدها نائباً أول لرئيس شركة "إي إف هاتون" في نيويورك. وفي عام 1986 أصبح شريكاً رئيساً في مجموعة "روبرت إم باس" الاستثمارية المملوكة للملياردير الأميركي روبرت باس، وظل فيها حتى أسس عام 1991 شركة "كولوني كابيتال" ومقرها لوس أنجليس، وهي واحدة من أكبر شركات الاستثمار العقاري الخاصة في العالم، وتُعرف باسم "ديجيتال بريدج". وقد توسع براك في استثمارات عالمية عدة فاستثمر مئات ملايين الدولارات في عقارات الشرق الأوسط وأوروبا، واشترى أصولاً كبرى مثل فندق "بلازا" في نيويورك، ومنتجع "نيفرلاند" الشهير الذي كان يملكه المغني مايكل جاكسون، كما دخل مجال الاستثمار الرياضي والإعلامي فاشترى نادي "باريس سان جيرمان" الفرنسي ثم باعه لـ "شركة قطر للاستثمار الرياضي" في مارس (آذار) 2012، كما استحوذ على "شركة ميراماكس" للإنتاج السينمائي ولاحقاً أصبح عضوا في مجالس إدارة عدد من المؤسسات الكبرى، مثل بنك "فيرست ريبابليك" الأميركي ومجموعة "أكور" الفندقية الأكبر في أوروبا، ومجموعة "فيرمونت" الفندقية، إضافة إلى شركة "كيرزنر إنترناشونال هولدينغز" المتخصصة في الضيافة، وبصفته قائداً لشركة عالمية الانتشار فإن براك يتمتع بخبرة واسعة في التعامل مع القضايا التجارية والحكومية والقانونية والثقافية في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا، وقد حاز كثيراً من الجوائز بما في ذلك "وسام جوقة الشرف" من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ودكتوراه فخرية في القانون من "جامعة بيبرداين".


حضرموت نت
منذ ساعة واحدة
- حضرموت نت
الارياني: ضبط المقاومة الوطنية شحنة أسلحة إيرانية يكشف الدور التخريبي الإيراني
أكد وزير الإعلام، معمر الإرياني، أن ضبط قوات المقاومة الوطنية شحنة أسلحة إيرانية هي الأكبر من نوعها كانت في طريقها لمليشيا الحوثي، مع دليل تشغيل تلك المنظومات باللغة الفارسية، يعيد تسليط الضوء مجدداً على التورط المباشر للنظام الإيراني في زعزعة الأمن الإقليمي والدولي. كما اعتبر أن ضبط الشحنة يؤكد أن مليشيا الحوثي ليست سوى واجهة محلية يستخدمها الحرس الثوري لتنفيذ أجندته التوسعية في عمق الأراضي اليمنية. وذكر الإرياني على منصة 'إكس'، أن هذه الأسلحة ليست جديدة على مسرح العمليات في اليمن والمنطقة، مؤكداً أن استخدمت في استهداف المدن والقرى لقتل اليمنيين وشن هجمات على المنشآت النفطية ومحطات الطاقة في دول الجوار واستهداف السفن التجارية بالبحر الأحمر وخليج عدن. وأشار إلى أن هذه العملية تؤكد صحة التحذيرات المتكررة بشأن إختيار النظام الإيراني اليمن كساحة رئيسية للتصعيد وتصعيد عمليات نقل الأسلحة والمنظومات الهجومية وخبراء الحرس الثوري إلى مناطق سيطرة الحوثيين، بعد تلقي المشروع الإيراني ضربات موجعة في برنامجه النووي وفقدان نفوذه في لبنان وسوريا. وأوضح أن استمرار تجاهل مليشيا الحوثي كذراع أساسي لإيران في المنطقة سيوفر لطهران متنفساً استراتيجيا لزعزعة أمن واستقرار المنطقة وابتزاز العالم، واستغلال اليمن كمنصة متقدمة لإدارة الحروب بالوكالة، محذرا من خطورة التهاون الدولي أمام هذه التطورات. وطالب الارياني بموقف دولي حازم وعاجل يضمن وقف الدعم الايراني لمليشيا الحوثي، من خلال تشديد الرقابة على عمليات تهريب الأسلحة والخبراء وفرض عقوبات فعالة على الشبكات المتورطة، إلى جانب دعم الحكومة الشرعية لاستعادة الدولة على كامل ترابها الوطني.


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
مصر "الحائرة" في إقليم مضطرب تبحث عن فاعليتها "الغائبة"
في الثالث من أبريل (نيسان) عام 2017، كانت استضافة الرئيس الأميركي دونالد ترمب المنتخب حديثاً آنذاك في بداية ولايته الأولى نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، في أول زيارة للأخير إلى البيت الأبيض منذ وصوله إلى السلطة عام 2014، بمثابة "نقطة تحول"، اعتقد البعض أن تعيد معها زخم العلاقات المصرية - الأميركية "المتراجعة" منذ سنوات على إثر الأحداث السياسية التي شهدتها القاهرة منذ عام 2011 وموقف الرئيس الديمقراطي باراك أوباما من مسارها وتطوراتها، فضلاً عن استعادة مصر تموضعها في الإقليم بما يتناسب مع موقعها وتاريخها وكثافتها السكانية، استناداً إلى "العلاقة الخاصة والمتميزة" التي تجمع بين ترمب والسيسي، بحسب تعبير الرجلين. خلال ذلك اللقاء الذي مثـّل أول استقبال رسمي لرئيس مصري في واشنطن منذ ثمانية أعوام، تحدث السيسي باستفاضة عن مدى إعجابه "بتفرد شخصية ترمب"، فضلاً عن "رهانه عليه" خلال منافسته للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية، في المقابل أكد الرئيس الأميركي استراتيجية علاقة بلاده بالقاهرة، معتبراً الرئيس المصري "شخصاً مقرباً منه منذ أول لقاء بينهما"، في إشارة إلى استقبال السيسي له بنيويورك في سبتمبر (أيلول) 2016 عندما كان مرشحاً للرئاسة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وعلى مدى أربعة أعوام هي عمر ولاية ترمب الأولى (2017 - 2021)، بدت علاقات القاهرة وواشنطن مستقرة إلى حد بعيد وكذلك أدوارها وحركتها الخارجية، مما عزاه حينها المراقبون إلى "العلاقة الخاصة" التي تجمع الرئيس الأميركي ونظيره المصري وحال "الاستقرار الهش" التي تشهدها الملفات الساخنة في المنطقة، فضلاً عن قدرة القاهرة على موازنة حركتها مع القوى الكبرى على المستوى الدولي. لكن، مع عودة الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) الماضي، أخذت الأمور منحى مغايراً، فالقاهرة التي تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة منذ أعوام باتت أمام حجم متسع من التباينات والخلافات مع الإدارة الأميركية على وقع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 وما تبعها من مواجهة إسرائيلية مباشرة مع "حزب الله" اللبناني والحوثيين في اليمن وحرب مع إيران استمرت 12 يوماً في يونيو (حزيران) الماضي وتأثر حرية الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس أحد أهم مصادر الدخل الأجنبي لمصر، أحداث أضيفت إلى تحديات قائمة منذ فترة تهدد الأمن القومي للدولة العربية الأكثر كثافة سكانية تتمثل في الحرب الأهلية بالسودان والتوترات في جارتها الغربية ليبيا، فضلاً عن أزمة مياه نهر النيل مع إثيوبيا. وأمام هذا المشهد المعقد والمتشابك الذي يزيد من احتمالات إعادة رسم معادلات القوة والنفوذ في الإقليم جراء التغيرات الجيوسياسية المتسارعة وتطور ديناميكيات الأطراف الفاعلة في أزماتها، تبدو القاهرة "حائرة" في محاولة صياغة "أدوارها وحدود حركتها الخارجية"، مما يطرح الأسئلة حول الوجهة التي تمضي نحوها مصر في ظل "تراجع أدوارها" في كثير من الملفات الخارجية لمصلحة أدوار أخرى، ويتزامن مع "توتر مكتوم" يخيم على علاقتها مع واشنطن وبعض الدول الخليجية جراء تباين واختلاف في الرؤى، مقابل محاولات تقارب، تبدو متسارعة مع إيران رغم حال الضعف التي باتت عليها جراء مواجهتها ووكلائها مع إسرائيل منذ السابع من أكتوبر عام 2023. هل لا تزال القاهرة قادرة على الاضطلاع بأدوار فاعلة في المنطقة وسط التغيرات الجيوسياسية وديناميكية الأطراف الفاعلة المتسارعة بها؟ كيف نفهم محاولات القاهرة إعادة تموضعها في الإقليم مع تلك المتغيرات؟ وماذا عن علاقاتها بحلفائها التقليديين في واشنطن والخليج؟ وهل تتجه مصر بثقلها نحو كل من موسكو وبكين وطهران على إثر تباين الرؤى والخلافات المتسعة مع الولايات المتحدة، ومدى تأثير ذلك في الأدوار التقليدية التي كانت تقوم بها في المنطقة؟ أسئلة عدة تحاول "اندبندنت عربية" الإجابة عنها من خلال لقاءات مع 10 مصادر رسمية وغير رسمية، فضلاً عن متخصصين مصريين وأجانب. هل تعيد مصر "تموضعاتها"؟ على مدى الأشهر الأخيرة، لا سيما مع "التوتر المكتوم" الذي خيم على علاقات القاهرة بواشنطن وبعض الدول الخليجية لا تقره المستويات الرسمية بعد، بدا أن مصر من خلال تحركاتها الخارجية تحاول "إعادة صياغة لدورها" بحثاً عن فاعلية "غائبة" لمواجهة التشابك والتعقيد الذي يصبغ الملفات المتفجرة على حدودها الثلاثة الشرقية (الحرب الإسرائيلية في غزة) والغربية (الأزمة الليبية) والجنوبية (الحرب الأهلية في السودان) التي تتقاطع بصورة أو أخرى مع محاولات قوى إقليمية إعادة صياغة علاقات القوة والنفوذ في الإقليم بما يتناسب ومصالحها، لا سيما مع التصعيد الإسرائيلي العسكري ضد الجبهات الفلسطينية واللبنانية واليمنية والسورية وحتى الإيرانية بدعم غير مسبوق من الولايات المتحدة الأميركية. لكن، التحركات المصرية وإن صبغ "الغموض" بعضها والخروج عما هو مألوف تقليدياً بالنسبة إلى سياستها الخارجية، لا سيما في حال توقيت تفعيل التقارب مع إيران الذي جاء بعد عقود من التعطل، عكست إلى حد كبير وفق توصيف بعضهم محاولة استدعاء "ممارسات كلاسيكية" قد لا تتكيف مع ديناميكية التغيرات المتسارعة في الإقليم التي أظهرت "قدراً من التراجع" في مدى فاعلية الدور المصري إزاء أزمات وملفات المنطقة، لا سيما في ظل المصاعب الكبيرة التي يواجهها اقتصادها، فضلاً عن تعدد الأطراف الخارجية المنضوية فيها التي تربط بعضها مع القاهرة علاقات قوية في ملفات بعينها دون أخرى، فكيف نفهم تلك التحركات المصرية؟ وفق أحد المصادر الدبلوماسية المصرية الرفيعة الذي تحدث إلينا، فإن القاهرة "تحاول تفعيل ديناميكية تحركها على مستوى الإقليم ضمن مبدأ الاتزان الاستراتيجي وانتهاج سياسة خارجية مرنة"، موضحاً "التحالفات أو الصداقات لم تعُد جامدة بشكلها السابق، بل أصبحت مرنة إلى حد بعيد، بمعنى أنه مع إحدى الدول قد نتوافق بصورة كاملة في قضية ونختلف في قضية أخرى من دون أن يضرّ ذلك بهذه العلاقة"، مشدداً على أن الملفات الساخنة والمتفجّرة "بدأت تفرض صياغات جديدة على معادلات التفاعل الإقليمي وإن لم ترتسم في صورتها النهائية بعد". وذكر الدبلوماسي ذاته أن الحركة المصرية التي وسمها بـ"الحذرة" في جوانب عدة منها، ترى في التطورات المتسارعة بالمنطقة ضرورة لتجنب "الاستقطاب" والانفتاح على الأطراف الفاعلة كافة ما دام أنها "لم تتعارض مع المبادئ الحاكمة لسياستنا الخارجية". دبلوماسي آخر رفيع المستوى تحدث إلينا شرط عدم ذكر اسمه، حاول توضيح حركة السياسة الخارجية المصرية بالقول "لدى مصر أزمات تهدد أمنها القومي بصورة مباشرة في كل من ليبيا والسودان وغزة وعلى صعيد مياه النيل، ومع كل أزمة من هذه الأزمات تربطك علاقات مختلفة عن الأخرى، في وقت باتت الأطراف المتفاعلة في المنطقة سواء الإقليمية أو الدولية تعيد صياغة أولوياتها". مضيفاً "على صعيد التفاعلات الدولية مع الإقليم أصبح الارتباط العضوي والمطلق بين إسرائيل والولايات المتحدة لا لبس فيه، في وقت باتت تظهر التأثيرات السلبية في روسيا جراء انغماسها الممتد في الحرب مع أوكرانيا المدعومة غربياً، فضلاً عن تأزم حضورها في المنطقة بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ما يعني فقدان موسكو موطئ قدمها المستقر في المنطقة، فيما تراقب الصين عن كثب المشهد من دون أي دخول مباشر في انتظار اتضاح صورة التفاعلات الراهنة". ويتابع "على المستوى الإقليمي لا يزال المشهد معقداً ويحمل كثيراً من التناقضات، الأوضاع غير مستقرة في سوريا التي تنظر في اتجاهين، أحدهما عربي والآخر إسرائيلي وغربي للعودة مجدداً، فيما يخشى الأردن أن يكون أحد ضحايا القضية الفلسطينية وتفاعلات ما بعد الحرب في غزة، ويقف الخليج مترقباً نهاية المواجهة بين إيران من ناحية وإسرائيل والولايات المتحدة من ناحية أخرى، في وقت حققت تركيا تقدماً تكتيكياً على صعيد الساحة السورية وملف الأكراد، أمام تراجع إيراني ملحوظ"، مختتماً "وعليه، من المنطقي وسط هذا المشهد أن نبحث جميعاً عن نوع التحالفات المقبلة في المنطقة، رغم عدم دراية أي طرف بعد بنتيجتها أو صورتها النهائية التي لا تزال قيد التبلور". من جانبه يحاول منسق مجموعة عمل الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية في المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير محمد أنيس سالم تفسير السياسة الخارجية المصرية الراهنة انطلاقاً من شكل التفاعلات في الإقليم، قائلاً "خلال الأعوام الأخيرة، تعرضت منطقة الشرق الأوسط لهزات متوالية انعكست على توازنات القوى وأدوار الأطراف الدولية والإقليمية ذات المصالح"، مشيراً إلى أن "هذه الحركية في الجغرافيا السياسية للمنطقة عقب تلك الهزات تفرض على القوى المتوسطة فيها أن تعيد قراءة الخرائط وتعدل من مساراتها حفاظاً على مصالحها، مع توقع وجود قدر من الاستمرارية في الحفاظ على تحالفاتها السابقة، وقدر من استكشاف آفاق جديدة للتعاون". ويفسّر سالم التحركات المصرية بالقول "يبدو أن السياسة الخارجية المصرية تأخذ طابع الرصانة والهدوء مع طرح بدائل تتوخى التوصل إلى حلول سلمية ومتوازنة (إزاء الموقف في غزة مثلاً). ومن الواضح أن قضايا التنمية وتجاوز التحديات الاقتصادية تأخذ أولوية وتنعكس في مراوحة عريضة من العلاقات سواء تحدثنا عن الاتحاد الأوروبي أو الخليج أو غير ذلك. ونلاحظ أيضاً الاتجاه نحو الانفتاح والتوازن مع قوى دولية وإقليمية بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا". وفي تلك الأجواء "ليس مستغرباً في هذا الإطار أن نشهد لقاءات واتصالات مصرية كثيفة مع قوى إقليمية كتركيا وإيران، كان للقاهرة معها قدر من الخلاف في الماضي"، إلا أن سالم عاد وذكر أنه "رغم ذلك فإنه لا ينبغي تعجل نتائج هذه اللقاءات والاتصالات التي لها سوابق لم تسفر عن كثير (كما في الحال الإيرانية). ولعل النموذج الحاكم في هذه الاتصالات هو التحول البطيء عبر تنمية التبادل التجاري مع كبح جماح الخلافات السياسية". ويشدد سالم على أن الحركة المصرية في الإقليم "تتفاعل مع المتغيرات مع سعي إلى الاحتفاظ بقواعد ثابتة من بينها العلاقة الاستراتيجية مع دول الخليج، والحفاظ على اتفاقات السلام العربي- الإسرائيلي والبناء عليها والدفع نحو حل الدولتين وإيجاد حلول سلمية للنزاعات الداخلية في دول المنطقة"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن المشهد الإقليمي يفرض على القاهرة تحدياً يتمثل في ضرورة "تطوير سياستها الخارجية لتواكب المتغيرات المتلاحقة في موازين القوى وأدوار الأطراف الإقليمية وأدوات العمل الدولي". من جانبه ينطلق مدير برنامج الشرق الأوسط في "مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي" عمرو حمزاوي خلال تفسيره للتحركات المصرية في الإقليم، من حجم التحديات "غير المسبوقة" التي تواجهها القاهرة في كل قضايا سياستها الخارجية وأمنها القومي، موضحاً أنه "لو نظرت إلى كل حدود مصر، تجد أن هناك حال صراع أو حال توتر، ما يعني أن مصر في وضع غير مسبوق من ناحية تعدد التحديات الواردة على مرتكزات سياستها الخارجية وقضايا أمنها القومي". ويتابع حمزاوي أن "الأمر الثاني هو أن مصر تحاول التصرف بتوازن شديد وقراءة قادرة على الاتزان الاستراتيجي طوال الفترة الماضية، وهذه مسألة جيدة للغاية في رأيي، إذ تعاملت مع الحرب في غزة بصورة أوضحت للعالم والإقليم مرتكزات الأمن القومي المصري، وهي عدم قبول تصفية القضية الفلسطينية أو التهجير الجماعي أو القصري لا باتجاه الأراضي المصرية ولا في أي اتجاه آخر، وفي الحال السودانية تحركت القاهرة بإدراك أهمية إعادة بناء الدولة وتقويتها في مواجهة الميليشيات، وفي ليبيا سعت إلى الوصول لحلول سلمية مع الأطراف المختلفة الفاعلة سواء المحلية أو الإقليمية. وفي منطقة القرن الأفريقي، سعت القاهرة إلى منع التمدد الإثيوبي في البحر الأحمر من خلال دور نشط جداً مع الصومال، مع فتح الباب بإعلان استعدادها التفاوض مع إثيوبيا حول ملف المياه، لكن أن يكون تفاوضاً ملزماً وليس لتضييع الوقت". ويقول حمزاوي "على المستوى الدولي تمكنت القاهرة حتى الآن من تنويع وموازنة علاقتها مع القوى الكبرى، إذ لم تعُد علاقتنا قائمة فقط مع الولايات المتحدة، حيث يوازي هذه العلاقة الاستراتيجية تنامي تعاون عسكري وتكنولوجي وفي مجال الاستثمارات مع الصين، وتعاون نووي كبير مع روسيا في الضبعة، وهذا أمر طبيعي في حال دولة مثل مصر لها أهمية وثقل على المستوى الإقليمي"، مشيراً إلى أنه في "لحظة الاتزان الاستراتيجي لا تعول مصر على طرف واحد، بل تعزز علاقتها مع جميع الأطراف من دون التساهل أو التسامح في ما يتعلق بتهديد أمنها القومي". وكلاسيكياً للسياسة الخارجية المصرية دوائر انتظام مرتبطة بصورة أساسية بجوارها العربي والأفريقي والإسلامي، التي تتقاطع جميعها مع أمنها القومي بصورة مباشرة، إضافة إلى دوائر الاهتمام الدولية والعلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين القاهرة والقوى الكبرى. ومع التسليم بأهمية ومحورية هذه الدوائر في صياغة أولويات السياسة الخارجية المصرية، فإن تطورات المشهدين الإقليمي والدولي والتطورات في الأولويات الداخلية، فرضت على السياسة الخارجية المصرية استحداث "دوائر جديدة" للسياسة الخارجية المصرية، إضافة إلى انتهاج "سياسة التوازن الاستراتيجي" في إدارة علاقاتها مع مختلف اللاعبين الدوليين لدعم المصالح المصرية، وفق ما تقول وزارة الخارجية المصرية على موقعها الإلكتروني. "مأزق" توتر العلاقات مع واشنطن وأمام انتهاج القاهرة سياسة "التوازن الاستراتيجي"، يخيم ما يبدو وفق كثر "توتراً مكتوماً" في علاقاتها مع واشنطن، على التحرك المصري خارجياً، على خلفية تباين الرؤى والأولويات بين البلدين في ما يتعلق بالتعاطي مع قضايا وأزمات المنطقة، لا سيما في ملف الحرب الإسرائيلية في غزة والملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس. وعلى رغم ما بدا من "رهان" مصري على المستويين الرسمي وغير الرسمي طوال العام الماضي على عودة الرئيس الجمهوري للبيت الأبيض بعد انتخابات الرئاسة التي نافس خلالها المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، نائبة الرئيس السابق جو بايدن الذي لم تشهد فترة ولايته (2021 - 2025) تحسناً ملحوظاً في العلاقات مع القاهرة، جاءت عودة ترمب بخلاف ما هو متوقع من القاهرة، إذ نشب "توتر" من نوع مغاير ليس على وقع التباين في ملفات ثنائية، كما كان خلال فترات سابقة، مثل الضغوط الأميركية على مصر في قضايا متعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات وغيرها، بل كان التعاطي مع الاضطرابات الإقليمية واختلاف الرؤى والتصورات ما قاد إلى "فتور" في العلاقة، لا سيما بعدما تبنّى ترمب في بداية حكمه مخططاً لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وتراجع قليلاً عنه لاحقاً، مما رأت فيه القاهرة تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وكذلك في ما يتعلق بملف الملاحة في البحر الأحمر، إلى جانب القلق الأميركي من التقارب المصري مع كل من بكين وموسكو. وعلى رغم ذلك "التوتر المكتوم" الذي تداوله كثير من المراقبين والمتخصصين، يتمسك البلدان على المستوى الرسمي بوصف العلاقة في ما بينهما بأنها "استراتيجية ولا غنى عنها"، وسط الإدراك المتبادل بأهمية كل منهما للآخر، وأن الحفاظ عليها يخدم المصالح المشتركة للجانبين. وفي وقت سابق نفى المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية سامويل وربيرغ في حديث إلى "اندبندنت عربية" أي تبدل في الأولويات الأميركية في ما يتعلق بنظرتها إلى القاهرة والعلاقة معها، قائلاً إن "واشنطن تثمن بصورة كبيرة شراكتها الراسخة مع مصر، وتدرك تماماً أهمية الدور المصري المحوري في دعم الأمن والاستقرار الإقليميين"، موضحاً أن "العلاقة بين البلدين تمتد لعقود من التعاون الاستراتيجي في مجالات متعددة تشمل الأمن ومكافحة الإرهاب والوساطة الإقليمية والتنمية الاقتصادية". وبحسب وربيرغ، فإن ترمب "يكن احتراماً كبيراً للقيادة المصرية، والتنسيق بين الجانبين مستمر على أعلى المستويات، سواء من خلال التواصل المباشر بين المسؤولين أو عبر السفارة الأميركية لدى القاهرة التي تمثل إحدى أكثر بعثاتنا نشاطاً في المنطقة"، وأشار إلى أن مصر تواصل القيام بدور حيوي في القضايا الإقليمية الكبرى، ونقدر إسهاماتها البناءة في كثير من الملفات، ولا سيما دعم جهود التهدئة في غزة وتعزيز الحوار الإقليمي. في المقابل تتمسّك المصادر الدبلوماسية المصرية التي تحدثت إلينا بـ"استراتيجية" العلاقة مع واشنطن، مؤكدة أن "القاهرة حليف استراتيجي تدرك الإدارة الأميركية أهميته في تحقيق الاستقرار الإقليمي، بخاصة وسط الأزمات المتعددة التي تعصف بالمنطقة، ومن بينها الدور الحيوي الذي تقوم به القاهرة في النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، إذ تعمل مع الولايات المتحدة وشركاء إقليميين آخرين لدفع جهود الوساطة في الحرب الراهنة، إلى جانب ملفات مكافحة الإرهاب والتطرف والتعاون الأمني والعسكري الذي تحتل فيه مصر موقعاً محورياً في حسابات الإدارة الأميركية، نظراً إلى دورها الإقليمي الحيوي وتاريخها الطويل حليفاً استراتيجياً في الشرق الأوسط"، إلا أن هذه المصادر ذكرت أن هذا الدور "يواجه تحديات وضغوطاً متزايدة مع التغيرات الجيوسياسية والملفات الساخنة في المنطقة". وأمام تلك الرواية الرسمية "المتحفظة"، تبدو قراءة المراقبين مختلفة، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة "لم يكُن أحد يتصور أن يطرح الرئيس الأميركي ترمب فكرة تهجير الفلسطينيين ويصبح هذا أمراً مطروحاً على الساحة الدولية"، موضحاً في حديثه إلينا أن "هذه أكثر القضايا التي تخيف مصر من الولايات المتحدة ومن نوايا ترمب الذي كان يفترض أن يكون صديقاً للسيسي وحليفاً محتملاً له، ولذلك لا يجب أن ننخدع بظواهر الأمور الحالية". ويضيف نافعة "عودة ترمب للسلطة جاءت في وقت فقدت مصر كثيراً من وزنها وقدرتها وثقلها في قيادة النظام العربي منذ فترة طويلة لمصلحة أدوار إقليمية أخرى منافسة تطرح نفسها قائداً للنظام الإقليمي العربي"، مضيفاً "رغم تعدد ملفات الخلاف، فإن علاقتنا بواشنطن سيحسمها في النهاية الموضوع الفلسطيني وما إذا كانت الولايات المتحدة ستصر على موضوع التهجير، وفي حال عدم إصرارها عليه أن تتبنى خطة الإعمار المصرية في غزة وهنا يمكن أن تعود الأمور لمسارها الطبيعي". في المقابل يقلل مساعد وزير الخارجية المصري السابق والمدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية السفير عزت سعد من حجم التوتر الراهن مع واشنطن، قائلاً "في ما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة، فإن التوتر القائم حالياً ليس جديداً، والتوتر موجود دائماً ارتباطاً بأمرين، الأول الموقف الأميركي من الملف الفلسطيني سواء كان من الإدارة الحالية أو السابقة، والموضوع الثاني المتعلق بالتدخل في الشؤون الداخلية ارتباطاً بملف حقوق الإنسان والحريات"، مضيفاً "على هذا الأساس فإن الوضع الراهن والتوتر المكتوم ليسا جديدين على العلاقات بين البلدين"، مشيراً إلى أن الملفات الثنائية الأخرى تسير على طبيعتها، لا سيما في ما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والأمني والعسكري، وهو الأمر ذاته الذي اتفق معه عليه عمرو حمزاوي، قائلاً "لا أرى أن هناك توتراً في العلاقات مع واشنطن، بل بعض الخلافات واختلاف الرؤى تجاه بعض القضايا، لا سيما في ما يتعلق بغزة"، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن رؤية الإدارة الأميركية تجاه هذا الملف "لم تتضح أو تثبت بعد"، وأنه "إلى أي مدى سنختلف أو نتفق مع الإدارة الأميركية، هو أمر غير واضح، لكن لا أعتقد أن هناك شداً في العلاقات بين البلدين، لأن هناك ملفات أخرى حيوية للتنسيق، سواء في ما يتعلق بالأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط ككل، أو القرن الأفريقي". من جانبه نوّه سعد إلى تمكن القاهرة من تعزيز علاقتها مع القوى الكبرى الأخرى، لا سيما مع الصين وروسيا، قائلاً "نمتلك علاقات متميزة في تطور مستمر مع البلدين، وعليه فإن سياسة تنويع الخيارات التي تنتهجها مصر منذ أعوام مع القوى الكبرى تؤتي أكلها". وتعود العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر إلى أعقاب حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، حين انتقلت القاهرة من المعسكر السوفياتي إلى الغربي، مقابل صور متعددة من الدعم خلفها رعاية واشنطن لاتفاق السلام بين القاهرة وإسرائيل عام 1979، ومنحها معونة عسكرية سنوية بقيمة نحو 1.3 مليار دولار أميركي، ومنذ ذلك الحين تعززت العلاقات بين البلدين طوال سنوات الحرب الباردة وتحولت معها مصر لتكون شريكاً استراتيجياً للرؤية الأميركية للسلام والاستقرار ومحاربة الإرهاب في المنطقة. "تقارب" مع إيران و"توتر" في الخليج وسط التطورات الجيوسياسية والإقليمية والدولية الراهنة، كان لافتاً في سياق التحركات المصرية خلال الأشهر الأخيرة، ظهور تحولات ملحوظة في مسار العلاقات المصرية - الإيرانية، متجهة نحو تقارب، إن كان "حذراً وتدريجاً" لكنه قائم ومتطور، وفق تعبير أحد المصادر الدبلوماسية لنا، وخيم توتر على الجانب الآخر بين القاهرة وبعض البلدان الخليجية، على خلفية "تباين الأولويات والرؤى في ملفات بعينها"، بحسب تعبير المصدر ذاته. وتلك المفارقات في السياسة الخارجية المصرية التي تأتي في توقيت حساس تمر به الملفات المتفجرة كافة في الإقليم وتنذر بتبعات قد تعيد معها تشكل معادلات القوة والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط، أثارت تبايناً في قراءتها بالنسبة إلى المراقبين والمتخصصين. من جانبه يقول عمرو حمزاوي إن التحرك المصري على صعيد التنسيق مع القوى الإقليمية على رغم تباين الرؤى في ما بنيها شمل غالبية الأطراف الفاعلة في الإقليم، سواء السعودية أو الإمارات أو تركيا وحتى مع إيران، مشيراً إلى أن الانفتاح المصري تجاه طهران "الذي لم تكن مصر فيه أول دولة تقوم به"، فإنه انفتاح "محمود". وبحسب حمزاوي، فإنه لن تكون هناك "تداعيات سلبية للانفتاح المصري على إيران، غير أنه يشجع الطرف الإيراني على ضبط بوصلة سياسته الخارجية الممثلة بدعم الميليشيات والعسكرة وسباق التسلح التي يعانيها الجميع في المنطقة". وأوضح حمزاوي أنه حتى اللحظة لا يمكن قراءة التحسن أو التوتر الذي يخيم على العلاقات الثنائية بين الدول على أنها تحالفات جديدة، بل هي مزيد من الفاعلية والتحرك للقوى الإقليمية المختلفة، قائلاً "نحن أمام لحظات فراغ بالمعنى الاستراتيجي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهذا الفراغ الاستراتيجي ناتج أولاً من تداعيات الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023 حتى الآن، ولأن أي حرب أو صراع عسكري ينشئ حالاً من الفراغ الاستراتيجي تسعى الأطراف المختلفة إلى ملئه". من جانبه يقول حسن نافعة إن "المنطقة برمتها لا تزال في حال سيولة شديدة على وقع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وتبعاتها، وإن كل التفاعلات التي تجري حالياً هي تفاعلات لم تستقر بعد، بمعنى أنه رغم أن هناك تقارباً مصرياً - إيرانياً، لكننا لا يمكن أن نقول إنه قد يشكل انعطافة جديدة في المنطقة، كذلك بالنسبة إلى التوتر مع بعض الدول الخليجية، فعلى رغم أن هناك كثيراً من المؤشرات عليه، فإننا لا نستطيع أن نقطع بما ستؤول إليه الأمور إلا بعد فترة"، معتبراً أن تفضيل القاهرة وبعض الدول الخليجية عدم الخوض رسمياً في التباين والخلاف في ما بينهما يعكس الحرص المتبادل على العلاقات بينهما واحتمال "تجاوزها في مرحلة ما". وأوضح نافعة أن "كل التفاعلات في المنطقة تبدو على السطح ويمكن أن تستمر أو تتعمق ويمكن أن تتلاشى، إذ إنها لم تأخذ شكل التفاعلات النهائية بعد، فلا تزال هناك أمور مجهولة جداً"، مشيراً إلى أن الأمر نفسه ينطبق على الحال المصرية، وأن كل ما يدور حول توتر أو تحسن في بعض علاقاتها الثنائية "إرهاصات لشيء جديد استعداداً لتفاعلات قد تكون أكثر عمقاً أو يجري تجاوزها"، معتبراً أن هناك قضيتين بارزتين من شأن الوصول إلى نتائج نهائية حيالهما أن يعيد تشكيل المنطقة، الأولى مرتبطة في ما إذا كانت إيران والولايات المتحدة ستصلان إلى علاقة مستقرة وستبرمان اتفاقاً حول البرنامج النووي الإيراني أو لا وعلى أية مرتكزات، مما يعيد تشكيل خريطة المنطقة، والقضية الثانية مستقبل القضية الفلسطينية وما إذا كانت هناك تغيرات كبيرة منتظرة حولها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) من جانبه رأى السفير عزت سعد أنه رغم التقارب المصري مع إيران أو حتى التباعد مع بعض الدول الخليجية، فإن الأمر لم يصل بعد إلى "حد إعادة القاهرة لتموضعها في الإقليم، ارتكازاً على تلك الثنائية"، موضحاً أن "التحركات الخارجية المصرية خلال الأشهر الماضية تدور في فلك من التعقيدات والتشابكات الكثيرة، تملي على علاقاتك الخارجية قدراً كبيراً من الاتزان والحكمة والجمع بين متناقضات"، وأضاف أنه "انطلاقاً من هذه التعقيدات يمكن فهم سياق وإطار التحركات والتطورات في العلاقات بين طهران والقاهرة"، معتبراً أن في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة تبقى إيران "دولة مهمة في الإقليم، ومن المهم جداً لدولة مثل مصر أن تتفاعل معها". هل باتت القاهرة أمام تحالفات جديدة؟ حديث التحالفات وحتى الصداقات والعداوات الذي يخيم على المنطقة، لم تكُن مصر ببعيدة منه، وإن أجمع كثير ممن تحدثوا إلينا بأن التفاعلات الراهنة لا تزال في شكلها المبكر ولا يمكن استنتاج صورتها النهائية بعد حتى إن كانت هناك بعض الاختراقات في العلاقات الثنائية بين دول بعينها وتوتر يخيم على دول أخرى. يقول مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية ريكاردو فابياني في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، رداً على سؤال حول ما إذا كانت التفاعلات الراهنة تنذر بتشكل تحالفات جديدة في الشرق الأوسط مع الأزمات العاصفة التي تضرب المنطقة "أعتقد أنه من السابق لأوانه الحديث عن تحالفات. كما أن التحالفات تعني ضمناً وجود تعاون هيكلي مستقر. تبدو أحداث أخيرة عدة مدفوعة أكثر بالانتهازية والتقارب التكتيكي. فهي على الأرجح قصيرة الأجل وغير مستقرة بطبيعتها، وهي أقرب إلى تحالفات موقتة منها إلى تحالفات مستقرة". وعن فهم التحركات المصرية، أوضح فابياني أن "القاهرة، كغيرها من الدول الكبرى في المنطقة، تتطلع إلى إيجاد مكان لها في هذا الاصطفاف العام، وهي قلقة بصورة خاصة من مستقبل دورها في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ومن السياسة الأميركية الجديدة تجاه المنطقة (وتراجع اهتمامها بمصر)، ومن قدرة القاهرة المحدودة على التأثير في دول الخليج في الملفات التي تهمها (السودان وغزة والقرن الأفريقي). وعلى عكس الدول الأخرى، تمر مصر أيضاً بأزمة اقتصادية كبيرة وتحيط بها الصراعات. ولهذه الأسباب، قامت بالانفتاح على تركيا وإيران واتبعت سياسة خارجية أكثر مرونة وبراغماتية (أقل أيديولوجية)". وحول لعب مصر على التناقضات في ما يتعلق بعلاقتها بدول الخليج وتطوير علاقتها مع إيران، قال فابياني "القاهرة أصبحت أكثر براغماتية ومرونة، فهي تتعامل مع الإسلاميين وتتصالح مع تركيا وتتقارب مع إيران. لكن هذه التحركات محدودة التأثير، لأن موارد مصر في السياسة الخارجية لا تقارن بموارد تركيا العسكرية أو اقتصاد الخليج أو شبكة وكلاء إيران. وتبدو السياسة الخارجية المرنة ضرورة أكثر من أنها خيار له تأثير كبير". ويضيف فابياني حول ما إذا كانت مصر تخلت عن أدوارها التقليدية لمصلحة أدوار منافسة، أو أنها تنتهج سياسة حذرة في ظل استمرار حال السيولة وعدم وضوح الرؤية في المنطقة، "بالفعل، تنتهج مصر سياسة خارجية حذرة، لكنها حتى الآن لم تؤمن أهدافها. ففي ليبيا، لم يعُد (قائد الجيش الليبي خليفة) حفتر قادراً على السيطرة على الوضع في ليبيا وأصبح أقل استقلالية من ذي قبل. وفي السودان، لم تقنع مصر الإمارات العربية المتحدة بتقليص دعمها لقوات (الدعم السريع) أو التوصل إلى اتفاق. وفي القرن الأفريقي، تواصل إثيوبيا المناورة من دون رادع من مصر على النيل والبحر الأحمر. وفي غزة، ترفض إسرائيل أية تسوية. وعليه يبدو أن القاهرة تضطر إلى التكيف مع هذه البيئة، لكنها تكافح من أجل مكان ونفوذ يتناسبان مع حجمها ومصالحها في المنطقة. ويبدو أن مشكلتها الرئيسة تكمن في ضعفها الداخلي، وليس في الظروف الخارجية المتغيرة". من جانبه يقول مدير مركز "توران للأبحاث" في معهد يورك تاون الأميركي جوزيف إبستين خلال حديثه إلينا "الجميع في المنطقة يتحوطون مما هو آتٍ"، موضحاً أن "دول الخليج استمالت ترمب من خلال صفقات تجارية واستثمارية كبيرة. لكن بالنسبة إلى حلفاء واشنطن مثل مصر والأردن فإنهما في وضع أكثر هشاشة، لذا فإن الأخطار كبيرة جداً عليهما". معتقداً بأن لا تشهد المنطقة تحالفات أو تحولات كبيرة في الوقت الحالي، لا سيما مع استمرار حال السيولة التي تشهدها المنطقة وتمسك الأطراف الفاعلة برؤاها ومشاريعها التي قد تبدو متناقضة في ما بينها. بدوره يفسر عمرو حمزاوي التفاعلات في الإقليم انطلاقاً من المصالح الوطنية المحركة لأطرافها، قائلاً إنه "حتى هذه اللحظة لا تشهد المنطقة ظهور تحالفات جديدة لكن تشهد مزيداً من الفاعلية للقوى الإقليمية المختلفة".