
محادثات إسطنبول: هل تكسر أوروبا الجمود النووي مع إيران؟
فهل تمثل هذه الجولة بداية مسار دبلوماسي جديد يمكن أن يكسر الجمود؟ أم أن إيران، كما يرى الأوروبيون، تناور لكسب الوقت وتفادي العقوبات دون تقديم تنازلات جوهرية؟
الرؤية الإيرانية: العودة للدبلوماسية دون إملاءات
خلال حديثه إلى برنامج " التاسعة" على سكاي نيوز عربية، اعتبر أحمد مهدي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قم، أن هذه الجولة تمثل "منطلقًا جديدًا" لا بد أن يُبنى على منطق الدبلوماسية الصريحة، وليس على التهديدات والضغوط العسكرية.
وأكد أن طهران "تريد التوصل إلى اتفاق"، لأن العقوبات أثّرت بعمق في اقتصاد البلاد، معتبرًا أن الإصرار الأوروبي على استخدام آلية الزناد يمثل امتدادًا للرؤية الأميركية وليس تعبيرًا عن حياد أوروبي.
وقال مهدي إن الأوروبيين "ينبغي أن يتخلوا عن سياسة الإملاءات الأميركية" وأن يتخذوا موقفًا مستقلًا، منتقدًا بشدة المواقف التي تلمّح إلى إعطاء مهلة زمنية محددة لإيران وإلا فالعقوبات ستعود، معتبراً ذلك ابتزازًا دبلوماسيًا لا يخدم أي مسار تفاوضي.
كما أكد أن إيران ملتزمة بما أسماه "الخط الاستراتيجي" في الاستخدام السلمي للطاقة النووية ، مستندًا إلى أكثر من 14 تقريرًا من الو كالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد أن إيران "لم تنحرف" عن التزاماتها، وأن الادعاءات الغربية بشأن سوء النوايا "لا تستند إلى أي دليل حقيقي".
سياق ما بعد الحرب: أوراق جديدة ومناخ متغير
يرى مهدي أن مرحلة ما بعد الحرب غيّرت المشهد تمامًا، مشيرًا إلى أن الهجمات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة دمّرت جزءًا كبيرًا من المنشآت النووية الإيرانية.
واعتبر أن الأسئلة الغربية حول مصير اليورانيوم المخصب أو أجهزة الطرد المركزي"تجاهلت عمداً التقارير والتفتيشات الدولية التي سبقت الحرب"، متهمًا واشنطن بأنها تسعى الآن للتفاوض على برنامج "قُصف ودُمّر بالفعل".
ورأى أن على الترويكا الأوروبية أن تلتزم بوعودها السابقة، متذكراً تعهدات قادة أوروبيين مثل ماكرون وميركل وبوريس جونسون بإنشاء قنوات بديلة لتبادل مالي مع إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق، وهي وعود لم تُنفذ، مما زاد من أزمة الثقة بين طهران والغرب.
في المقابل، جاءت المقاربة الأوروبية شديدة التحفظ والحذر، حيث اعتبر رامي خليفة العلي، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة باريس، أن الأوروبيين لا يلمسون إرادة حقيقية من إيران للوصول إلى اتفاق، رغم حرصهم على البقاء في موقع "الوسيط النزيه" بين طهران وواشنطن.
وأشار العلي إلى عدة عوامل تثير الشكوك الأوروبية، أبرزها:
1. غياب الشفافية: إذ لا تزال إيران ترفض التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
2. المخزون النووي المقلق: حيث بلغت كمية اليورانيوم المخصب نحو 400 كغم، وبعضها بنسبة 60%، وهو ما يقترب من النسبة المطلوبة لصناعة قنبلة نووية.
3. أجهزة الطرد المركزي المتقدمة: إيران طورت نماذج حتى الجيل الثامن، مما يشير إلى تسارع تقني يثير الريبة.
4. الخطاب المزدوج: حيث تقول طهران شيئًا في المفاوضات، وتمارس سياسة مغايرة في الداخل والإقليم.
كما اتهم العلي طهران باستخدام أسلوب الابتزاز السياسي عبر التهديد بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي في حال أعيد فرض العقوبات، ورفضها النقاش حول ملفات حساسة كبرنامجها الصاروخي أو دعم الميليشيات المسلحة، والتي تُصنف في أوروبا كمنظمات إرهابية.
مفاوضات مهددة بالفشل: من الميدان إلى الطاولة.. والعكس وارد
من جهة أخرى، أوضح العلي أن الأوروبيين يشعرون بقلق بالغ من احتمال عودة المواجهة العسكرية سواء من الجانب الإسرائيلي أو الأميركي، وهو ما تحاول المفاوضات الحالية تفاديه. إلا أن غياب المؤشرات الإيجابية من الطرف الإيراني قد يؤدي إلى نتيجة معاكسة، لا سيما أن بعض الأطراف داخل الغرب ترى أن طهران تشتري الوقت بهدف تعزيز مكاسبها التقنية على الأرض.
وأشار إلى أن الأوروبيين يدركون أن القرار النهائي إيرانيًا هو سياسي، فامتلاك الإمكانيات التقنية لوحده لا يعني بالضرورة السعي لامتلاك سلاح نووي، لكن غياب جهة رقابية مستقلة وشفافة يمنع تأكيد حسن النوايا الإيرانية.
وبحسب العلي، فإن الجانب الأوروبي لا يرفض بالمطلق رفع العقوبات، بل يرى أن ذلك يجب أن يتم ضمن "سلة متكاملة" تشمل البرنامج النووي ، الصواريخ الباليستية ، ودور إيران في المنطقة. ودون ذلك، فإن أي اتفاق جزئي يبقى هشًا، وعرضة للانهيار في أول مواجهة ميدانية أو سياسية.
مستقبل المفاوضات.. خيارات محدودة ومسارات متضادة
في ضوء المواقف المتضاربة، فإن مستقبل هذه المفاوضات يبدو مهددًا على مستويين:
أوروبيًا، فإن فشل المحادثات يعني العودة إلى مجلس الأمن وتفعيل آلية الزناد، ما يعني إعادة فرض العقوبات تلقائيًا، الأمر الذي يزيد من عزلة إيران ويُصعّب فرص التهدئة.
أميركيًا وإسرائيليًا، فإن تعثّر الحوار قد يُفسر بأنه دليل على وجود "نية خفية" لدى إيران، ما يفتح الباب مجددًا أمام الخيارات العسكرية، خاصة أن الحرب الأخيرة أظهرت تصاعدًا غير مسبوق في مستوى الاشتباك المباشر بين إسرائيل وإيران.
رغم النبرة الدبلوماسية الظاهرة على تصريحات طهران و الترويكا الأوروبية ، فإن الواقع على الأرض لا يعكس ثقة متبادلة. إيران تتمسك بمواقفها، وتتهم الأوروبيين بالتبعية لواشنطن، فيما ترى أوروبا أن طهران تحاول المناورة وكسب الوقت في ظل غياب الشفافية. أما الضامن الوحيد، فهو غياب البديل الآمن عن التفاوض، مما قد يدفع الجانبين مجددًا إلى البحث عن تسوية، وإن جاءت متأخرة.
ويبقى السؤال الأهم مطروحًا: هل تنجح جولة إسطنبول في فتح نافذة جديدة قبل أن يُغلق باب الدبلوماسية تمامًا؟
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ دقيقة واحدة
- البيان
نهيان بن مبارك: صندوق الوطن حريص على تجسيد قيم الهوية عبر مبادرات أبناء الإمارات
من جانبه، قال ياسر القرقاوي، المدير العام لصندوق الوطن: «إن تنظيم برامج رواد الهوية الوطنية لطلبة الجامعات في مختلف أرجاء الدولة يأتي ضمن البرامج الصيفية لصندوق الوطن لتفعيل دور أبناء الإمارات من شباب الجامعات خلال الإجازة الصيفية، مؤكداً أن معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان سيلتقي برواد الهوية الوطنية كافة، من خلال إلقاء المحاضرة الرئيسية في البرنامج التي تتمحور حول موضوعات يرى معاليه أهميتها لتعزيز وترسيخ قيم الهوية، وآلية تجسيد هذه القيم في السلوك والحياة اليومية في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، يلي ذلك تنظيم جلسة حوارية تُديرها المجالس الشبابية، وذلك ضمن التعاون المشترك بين الصندوق ووزارة التسامح ووزارة الشباب، وستُركز هذه النقاشات على دور رواد الهوية الوطنية في المبادرات والأنشطة التي تنفذها أندية ولجان التسامح، واقتراح مجموعة من الأنشطة التي يُمكن أن تُنفذ في المستقبل، كذلك دور الصندوق ووزارة التسامح ووزارة الشباب في دعم هذه الجهود.


البيان
منذ 2 ساعات
- البيان
إسرائيل تكشف «عملية تجسس» وتهدد مجدداً باستهداف خامنئي
ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن كاتس قوله: «إن يدنا الطويلة ستصل إلى طهران مجدداً وحتى بقوة أكبر، وهذه المرة ستصل إليك شخصياً، إذا واصلت تهديد إسرائيل... لا تهدد كي لا تصاب بأذى». ووفق لائحة الاتهام، التي نشرها الموقع العبري، قدم العميل الإيراني معلومات عسكرية خطيرة خلال الحرب الإيرانية والإسرائيلية وقبلها، وكشف لطهران عن جواسيس يعملون لصالح إسرائيل في إيران.


سكاي نيوز عربية
منذ 3 ساعات
- سكاي نيوز عربية
عراقجي يكشف كواليس الحرب مع إسرائيل و"محاولة اغتياله"
كشف وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، كواليس جديدة بشأن الحرب التي وقعت الشهر الماضي بين إيران وإسرائيل، وكيفية التوصل لوقف إطلاق النار، فضلا عن محاولة اغتياله. ونقلت وكالة تسنيم الإيرانية عن عراقجي قوله إنه "أثناء الحرب، تم زرع قنبلة مقابل منزلي، واستُهدف المنزل المقابل، وقد تم القبض على المنفذين". وتابع: "عدة مرات، حلقت طائرات مسيرة فوقنا خلال رحلاتنا إلى تركيا". وبشأن وقف إطلاق النار مع إسرائيل، أوضح عراقجي: "في اليوم الثامن أو التاسع من الحرب، اتخذ المجلس الأعلى للأمن القومي قرارا استراتيجيا ينص على قبول وقف إطلاق النار غير المشروط في حال تقدم العدو بطلب رسمي بذلك. هذا القرار جاء من موقع قوة". وتابع: "في الساعة الواحدة فجرا، تلقينا اتصالات تفيد بأن إسرائيل مستعدة لوقف إطلاق النار، وبعد تلقي هذا الطلب من عدة دول، أجريت بصفتي وزير الخارجية مشاورات مع سائر المؤسسات المعنية للتأكد من توافق الوضع مع القرار المذكور". وأوضح: "بعد التأكد النهائي، تم الإعلان أن إيران مستعدة لوقف الحرب بشرط أن يوقف الطرف الآخر هجماته". وقف إطلاق النار وسوء الفهم وتطرق عراقجي إلى حادثة سوء الفهم بشأن توقيت وقف إطلاق النار، قائلا: "حدث لبس بيني وبين القوات المسلحة، إذ اعتقد الأصدقاء أن التوقيت المحدد هو الساعة الرابعة بتوقيت غرينتش، لذا استمر الهجوم حتى الساعة 7:30 بتوقيت طهران. وبعد الظهر، تم حل هذا اللبس عبر اتصال هاتفي". وأضاف: "في مساء اليوم الأول من وقف إطلاق النار، زعمت إسرائيل أن إيران أطلقت صواريخ، وخرقت الاتفاق، فأرسلوا طائراتهم لشن غارات، على الفور، أرسلت رسالة إلى ويتكوف (المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف) مفادها أن إسرائيل تختلق الذرائع وتتهم إيران زيفا، ولم يحصل أي خرق، وإذا أقدمت على أي عمل، فسوف نرد فورا وبشدة أكبر من السابق". وأوضح عراقجي: "بعدها رأيتم أن ترامب (الرئيس الأميركي دونالد ترامب) غرد وطلب من الطيارين العودة، وأوقف الهجوم الإسرائيلي، ما أظهر أن كل الأمور منذ البداية كانت منسقة مع الأميركيين". وأضاف: "ظنت إسرائيل أن إيران ستنهار خلال أسبوع، لكن هذا لم يحدث. وفي غضون ساعات تم تعيين قادة ميدانيين". اغتيال هنية وبشأن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، قال عراقجي: "اغتيل هنية في وقت كان الرئيس مسعود بزشكيان قد أدى قسمه للتو، ولم تكن التشكيلة الوزارية قد اكتملت وعقد اجتماع ضم أعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي والرئيس". وتابع: "اتفق الجميع على ضرورة الرد، لكن كان هناك خلاف بين السياسيين والعسكريين بشأن توقيت وطريقة الهجوم. وتقرر في الاجتماع أن يتم الاستعداد للدفاع جيدا قبل تنفيذ أي عملية هجومية". وأشار إلى أنه: "بعد اغتيال هنية، وعملية الوعد الصادق2، وسقوط نظام الحكم في سوريا ، وانتخاب ترامب، اقتربنا 3 مرات من حافة الحرب لكن نجحت الدبلوماسية في منع اندلاع حرب شاملة". وحول خداع إيران من خلال المفاوضات مع أميركا قبل الحرب مع إسرائيل، قال وزير الخارجية الإيراني: "لم نخسر شيئا من المفاوضات، بل ربحنا كثيرا، أهمها إثبات أحقيتنا أمام الشعب والمجتمع الدولي. من يقول إنه لولا التفاوض لما كانت هناك حرب؟ ربما الحرب كانت لتندلع أسرع".