
صفاء أبو خضرة: قصائدي خيول تحفر المسافات وأكتب الرواية لأكون حرة
رغم أن الشاعرة والروائية صفاء أبو خضرة تنتمي إلى جيل الشباب، فإن تجربتها الإبداعية تفوق العشرات من نظيراتها اللواتي ولجن هذا الميدان، فقد نظمت أولى قصائدها وهي في التاسعة من عمرها بعنوان "أحب وطني"، واشتعلت الأسئلة الباحثة عن إجابات بعدما صفعتها معلمة الرياضيات لأنها استبدلت مسألة رياضية بقصيدة، وأصبحت ترى الأشياء على نحو مغاير لما يراه الآخرون.
فنتاجها الإبداعي، الشعري والروائي، ثري بالمعاني، جمعت فيه خلاصة رحلتها أو تبحّرها في كتاب الله، وشغفها بالقراءة؛ فهي من المبدعين الذين أضناهم الوجد نحو ولوج مواقع المعرفة المتنوعة، لتكون ذخيرة مستقبلية.. حواراتها وشخصياتها لا تتشح بالسواد، بل تعكس مخزونها الثقافي الواسع، ولغتها المطواع تقدم وجبات معرفية تعلي من شأن العقل، وتفتح بوابة التأويل، وترفع الكلمة إلى أصدق المشاعر.
وفي حديثها لـ"الجزيرة نت" وصفت دماغها بأنه "بئر نفطية قابلة للاشتعال عند أي شعلة"، وقالت "أعاني من لدغة الكتابة، ولعنة الأساطير.. وأحلم بخطف أبطال الروايات إلى زنزانة واحدة، أجمعهم مع الفلاسفة لأرى من يفوز"، مشيرة إلى أنها أتقنت القرآن الكريم في سن مبكرة، وتعلقت بالشعر الصوفي للخلاص من طوفان الأسئلة.
ووصفت قصائدها بأنها خيول تحفر المسافات، وقصيدة النثر بأنها امرأة مشاغبة، لينة وعصية على الكسر، تشبهها، فيما تكتب الرواية لتمارس حريتها وتفتح الأبواب لشخوصها.
"اليركون" وحكاية الجدات
أما رواية "اليركون"، فالشخصية المتخيلة فيها هي "الروائي"، فيما الشخصيات الأخرى حقيقيون، تحدثتُ بلسانهم، وتألمت بألمهم، وعانيت كوابيسهم، ورحلت معهم في البعيد، لكني تمكنت من العودة -ولو مجازا- إلى المكان الذي شممت رائحة ترابه، وتذوقت زيته، أمام مرآة الكتابة التي عكست من خلالها ذكريات جدتَي (مريم ورشيدة)، لأنهما عاصرتا البلاد قبل النكبة، والنكبة ذاتها.
فجدتي رشيدة، ابنة قرية "إجريشة"، لم تتوقف لحظة رجفة يديها، ولا رنة صوتها، وهي تحدثني عن نهر "العوجا" (اليركون) -وهو الاسم الكنعاني لنهر العوجا، وليس كما يدعي الكيان الصهيوني بأنه اسم توراتي- وصفت لي النهر حتى لفحت نسمات الهواء ماءه وبللت وجنتي. إنه التماهي في الكتابة، بل والتقمص الروحي للأشياء.
هكذا، عندما أكتب، ألبس جلد شخصياتي، وأشبههم في مواقفهم وتصرفاتهم، حتى إن صوتي يصبح صوتهم، وإلا سأكون قد كررت نفسي وسلبت نصيبهم من الوجود. فلكل شخصية طريقتها وصورتها ووجهة نظرها المختلفة.
ومن هنا، جاءت لغة الرواية متعددة الأصوات؛ فيها المد والجزر، والكر والفر، والعودة والهروب والرجوع، والحضور والغياب، والصخب والهدوء، وكثير من العاطفة الجياشة، ما بين الحنين إلى بلاد لم أرها إلا في صوت جدتي الحزين، وإصرار جدي الصاخب على العودة، وحرصه على مفاتيح بيته في يافا، وتنهيدة والدي وشوقه لزيارتها. ولدي مصادري الأخرى المسموعة من أشخاص عاصروا البلاد، سواء من عائلتي أو ممن يعيشون في فلسطين، وعاصروا المدن التي تم تهجير أهلها وهدمها.
كما استفدت من ذاكرة التاريخ الشفوي الفلسطيني، وهي شهادات حية، واستمتعت لعشرات، وقرأت كتبا كثيرة، وبحثت طويلا دون توقف. حتى بعد انتهائي من كتابة الرواية، حاولت أن أكون صادقة وجازمة فيما كتبت، لأن التاريخ، وإن كان كاذبا في كثير من تفاصيله، إلا أنني أعرف من أين أصطاد سمكة حقيقية غير ملوثة.
وتقول صفاء أبو خضرة "أما المكان، فكان بطله مدينة يافا وقرية إجريشة فيها، وأيضا مخيم إربد شمال الأردن، فهو المكان الذي ولدت ونشأت فيه، وجل أحداث الرواية تدور فيه".
النثر امرأة مشاغبة
وترى أبو خضرة أن "قصيدة النثر امرأة مشاغبة، وهي لينة وعصية على الكسر. إنها تشبهني فعلا، أو هكذا أدعي"؛ فديواني البكر "ليس بعد" أبصر النور في عام 2002، وترنحت القصائد فيه بالحب بكل تجلياته، تنظر إلى البعيد بلا ثقوب سوداء، وطرق مشرعة صوب الحياة، كأنها خيول تحفر جلد المسافات، وتطلق شرارات حفرها، وتحرق كل ما هو بشع في الحياة. إنه الحب، أسمى آيات الكون.
وجاء ديواني الثاني "كأنه هو"، فولادته كانت عسيرة في عام 2008، وقد شكل نقلة مختلفة تماما عن تجربتي السابقة. كان للقصائد طعم مر، والكلمات تعوي وتنبح وتصرخ وتصدح… لم يكن الوجع فيها وديعا، ولا الحب فيها صافيا من غير خدوش، لأن الحياة مثل سلم درجاته غير متطابقة، ولذلك تكون الصعوبة بمكان في تسلقها. فكان ديوانا مزدحما بالوجع والحنين، ولهذا تصدرت الديوان جملتي: "هل يتسعني البحر بكل عنائي أم سيطفو على سطحي؟".
وفي مقطع من الديوان:
أردتُ أن أسيلَ كلحنٍ على صدر غيمة
وأصطاد نجومًا بضوء القلب
وأجمع أطيافًا بسلال الروح
أردتُ أن أشتهي ما أشتهي
لكني عدتُ كوكبًا سارَ دهرًا ونام
أنهضُ كأنّي أصبع الريحِ تعلنُ ثورتها
أغمضُ الحجرَ متصدّعةً من خشية صوت
أحب الفن بكل تجلياته، لكني وجدت -والحديث لصفاء أبو خضرة- في رقصة "الفلامنكو" تعبيرا صارخا عن الحرية؛ حرا بلا قيود، فيه من التحدي والكبرياء والشموخ. فعندما تدق الراقصة بكعبها العالي الأرض، وترفع رأسها إلى السماء، لا نعرف حينها ماذا ترى.. المهم كيف نراها؛ لكأنها تقول للسماء "أفرغي زرقتك كلها، فلم تعد تتسعني الأرض".
إعلان
ويتخلل المجموعة قصة عنونتها بـ"فلامنكو"، متخيلة فيها الراقصة الإسبانية الشهيرة "ماريا باخوس"، التي تميزت رقصاتها بطابع فلسفي عميق؛ فالرقصة ليست مجرد حركات، بل أعمق.
فالمجموعة القصصية "فلامنكو" تضم 19 قصة، متنوعة بين العاطفية والوطنية والاجتماعية، وأبطالها أحرار دون تدخلي؛ فقد أدخلتهم بيت القصص، وتركت النوافذ مشرعة لهم.
أنيموس.. رواية قتلتني
وحول رواية "أنيموس"، قالت صفاء أبو خضرة إنها ليست الأولى، لكنها الأولى التي قامت بطباعتها، فقد سبقتها روايتان مخطوطتان لم تجرؤ على نشرهما.
"إنها ظاهرة الحلم الذكوري.. حكاية التشظي، والخط الرفيع بين الموت والحياة، والعقل والجنون، والكفر والإيمان، والأنوثة والذكورة".
"هذه الرواية قتلتني وأحيتني في آن واحد"، فطبيعة عملي تخرطني في المجتمع صوتا وصورة؛ أدخل معاناة الآخرين بصوتهم إلى جهاز الحاسوب، لكني في الداخل أشم رائحة تتعلق بروحي، ولا أستطيع التخلص منها إلا بالكتابة.
فقصة طفل في الرابعة من عمره، فقد ذكورته بسبب مشرط الجراح، فكان لمصيره طرق وعرة جدا، وكان لمخيلتي نصيب كبير في تعبيدها. إنه التهشم في الذات، عندما تتحول الحياة إلى مشرط.
المخيم والأسئلة الأولى
وتقول أبو خضرة "تعرفت على حاضري من خلال الماضي الذي حدثتني عنه جدتي ووالدي، فكان ارتباطي به ارتباطا متخيلا منذ البدء، وله معنى آخر غير الذي تعنيه الأمكنة".
ولدت في المخيم، فنبتت منه أسئلتي الأولى، فكنت أرهق كل من حولي بها؛ فثمة أسئلة تستعصي عليها الإجابة، وأخرى تجعل من البكاء حقلا رطبا. فتبنيت ذكريات مؤلمة من تلك الحكايات، ومن تلك الأسئلة بدأت مشواري، وحملت على عاتقي مسؤولية كبيرة، حملت وطنا أشتاقه دون توقف".
القرآن أثرى لغتي
وتستطرد "عندما كنت أسمع والدي في الفجر يرتل القرآن، كنت أشعر بقلبي يتكسر وينشج. فسر والدي الأمر بالإيمان، وفسرته والدتي كذلك، لكن اللغة كانت تشق صدري فتفتتني. ومن هناك اكتشفت انجذابي للغة العربية، وعشقي وافتتاني بها. أثّرت لغته في لغتي، فكثير من قصائدي يتضح فيها التناص مع الآيات. كنت أتوقف كثيرا أثناء قراءته أمام الصور المدهشة، الإعجازية، التي لا يمكن لكائن بشري أن يكتبها.
أما الشعر الصوفي، فكان مرحلة "من ضمن مراحل كثيرة؛ فمنه إلى الأساطير، فالروايات، فالفلسفة، حتى أصبحت لدي في كل زاوية من غرفتي كتب متنوعة، وتحول الأمر من الشغف إلى الهوس".
الكتابة مؤلمة
وتصف الكتابة بـ"المؤلمة"، إلا أنها تكتب لتكون حرة. فقبل اكتشاف الفكرة، تطارد فراشات الليل، وأصوات القطط، وزقزقة الضوء حال بزوغه، ونشيج الغروب حال هروبه من نهار متعب. تبحث عن ملامحها في المرايا، تمزق أوراقا بيضاء فارغة، وتمشي في الشوارع مترنحة… "حتى تأتيني الفكرة، أقبض عليها، أضمها، أعصرها، وأبدأ طقوسي وأقدم نذوري.. حينذاك، أغيب عن الوجود، وأبدل وجهي وملامحي وثيابي وزمني ومكاني".
وتقول: ما أفعله أنني أنصت.. أترك شخصياتي تختار طريقها، معاناتها، حبها، شغفها، لا أقودها إلى شيء بل تقودني. أعزف على وتر الحزن والتمرد والحدس، ولدي وتر غريب، أرى ما يسبق، وربما هذا ما يجعلني متعبة دائما بأفكاري وهواجسي، وحالمة فوق أي تصور.
وحول ما يجري في غزة، ترى أبو خضرة كأننا ابتلعنا جميعا سما خدر أفواهنا وأخرسها أمام كل هذه المجازر والإبادة والبشاعة والإجرام.. "تزيد أسئلتي: ماذا ننتظر؟ وهل هناك موت أكثر من هذا الموت؟ متى ستتوقف قافلة الموت…؟ هل ستتوقف فعلا؟ وتمنيت لو أن الأطراف المبتورة تنبت مجددا، والأرواح التي سبقتنا إلى السماء لها خيار العودة".
من يشتري مني روحي
فالأرضُ اليومَ مقفلةٌ!
من يشتري مني مقلتي
فأرضي اليوم مقفرةٌ
من يشتري مني قلبي
فمقلتي اليوم لا تبصر
الرواية وثيقة تاريخية
ومن جانبه، يرى الناقد مهدي نصير أن رواية "اليركون" توثق سرقة نهر العوجا الفلسطيني، عبر سرد تهجير عائلة "لميس"، الراوية الرئيسة، عن عائلتها الكبيرة التي هُجرت من أرضها ومزارعها وبياراتها في يافا والجريشة وبيار عدس، كنموذج للتهجير والتدمير والإبادة.
ووصف في حديثه لـ"الجزيرة نت" الرواية بأنها عالية ومتقنة في لغتها، التي تمزج بين اللغة الفصيحة السلسة والمفردات واللهجة المحكية، والتراويد، والأهازيج، والأمثال، والصيغ الشعبية المتداولة وتوثيقها، وكذلك في شخصياتها ورواتها وحبكتها، واستنادها إلى وثائق تجعل من السرد الروائي وثيقة للتاريخ والمستقبل الفلسطيني.
وبسؤالنا عن شخصية "لميس"، أوضح نصير: "إنها الشخصية الرئيسة، وقد أطلقت عليها هذا الاسم إحدى عماتها، تيمنا بالفلسطينية لميس التي استشهدت بتفجير سيارة خالها، الروائي الشهيد غسان كنفاني، عام 1972 في بيروت. وهي حفيدة العائلة الفلسطينية التي اقتلعت من ضفاف نهر العوجا، وولدت في مخيم إربد شمال الأردن، ودرست الصحافة، وهاجرت إلى أميركا بأمل أن تتيح لها الجنسية فرصة لزيارة فلسطين.. زارتها فعلا، ولكن كأسيرة، إذ سلمتها أميركا للكيان الصهيوني بعد اغتيال زوجها غسان، عالم وأستاذ الآثار الفلسطيني وابن يافا، لتقضي عشر سنوات في الأسر".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
صفاء أبو خضرة: قصائدي خيول تحفر المسافات وأكتب الرواية لأكون حرة
رغم أن الشاعرة والروائية صفاء أبو خضرة تنتمي إلى جيل الشباب، فإن تجربتها الإبداعية تفوق العشرات من نظيراتها اللواتي ولجن هذا الميدان، فقد نظمت أولى قصائدها وهي في التاسعة من عمرها بعنوان "أحب وطني"، واشتعلت الأسئلة الباحثة عن إجابات بعدما صفعتها معلمة الرياضيات لأنها استبدلت مسألة رياضية بقصيدة، وأصبحت ترى الأشياء على نحو مغاير لما يراه الآخرون. فنتاجها الإبداعي، الشعري والروائي، ثري بالمعاني، جمعت فيه خلاصة رحلتها أو تبحّرها في كتاب الله، وشغفها بالقراءة؛ فهي من المبدعين الذين أضناهم الوجد نحو ولوج مواقع المعرفة المتنوعة، لتكون ذخيرة مستقبلية.. حواراتها وشخصياتها لا تتشح بالسواد، بل تعكس مخزونها الثقافي الواسع، ولغتها المطواع تقدم وجبات معرفية تعلي من شأن العقل، وتفتح بوابة التأويل، وترفع الكلمة إلى أصدق المشاعر. وفي حديثها لـ"الجزيرة نت" وصفت دماغها بأنه "بئر نفطية قابلة للاشتعال عند أي شعلة"، وقالت "أعاني من لدغة الكتابة، ولعنة الأساطير.. وأحلم بخطف أبطال الروايات إلى زنزانة واحدة، أجمعهم مع الفلاسفة لأرى من يفوز"، مشيرة إلى أنها أتقنت القرآن الكريم في سن مبكرة، وتعلقت بالشعر الصوفي للخلاص من طوفان الأسئلة. ووصفت قصائدها بأنها خيول تحفر المسافات، وقصيدة النثر بأنها امرأة مشاغبة، لينة وعصية على الكسر، تشبهها، فيما تكتب الرواية لتمارس حريتها وتفتح الأبواب لشخوصها. "اليركون" وحكاية الجدات أما رواية "اليركون"، فالشخصية المتخيلة فيها هي "الروائي"، فيما الشخصيات الأخرى حقيقيون، تحدثتُ بلسانهم، وتألمت بألمهم، وعانيت كوابيسهم، ورحلت معهم في البعيد، لكني تمكنت من العودة -ولو مجازا- إلى المكان الذي شممت رائحة ترابه، وتذوقت زيته، أمام مرآة الكتابة التي عكست من خلالها ذكريات جدتَي (مريم ورشيدة)، لأنهما عاصرتا البلاد قبل النكبة، والنكبة ذاتها. فجدتي رشيدة، ابنة قرية "إجريشة"، لم تتوقف لحظة رجفة يديها، ولا رنة صوتها، وهي تحدثني عن نهر "العوجا" (اليركون) -وهو الاسم الكنعاني لنهر العوجا، وليس كما يدعي الكيان الصهيوني بأنه اسم توراتي- وصفت لي النهر حتى لفحت نسمات الهواء ماءه وبللت وجنتي. إنه التماهي في الكتابة، بل والتقمص الروحي للأشياء. هكذا، عندما أكتب، ألبس جلد شخصياتي، وأشبههم في مواقفهم وتصرفاتهم، حتى إن صوتي يصبح صوتهم، وإلا سأكون قد كررت نفسي وسلبت نصيبهم من الوجود. فلكل شخصية طريقتها وصورتها ووجهة نظرها المختلفة. ومن هنا، جاءت لغة الرواية متعددة الأصوات؛ فيها المد والجزر، والكر والفر، والعودة والهروب والرجوع، والحضور والغياب، والصخب والهدوء، وكثير من العاطفة الجياشة، ما بين الحنين إلى بلاد لم أرها إلا في صوت جدتي الحزين، وإصرار جدي الصاخب على العودة، وحرصه على مفاتيح بيته في يافا، وتنهيدة والدي وشوقه لزيارتها. ولدي مصادري الأخرى المسموعة من أشخاص عاصروا البلاد، سواء من عائلتي أو ممن يعيشون في فلسطين، وعاصروا المدن التي تم تهجير أهلها وهدمها. كما استفدت من ذاكرة التاريخ الشفوي الفلسطيني، وهي شهادات حية، واستمتعت لعشرات، وقرأت كتبا كثيرة، وبحثت طويلا دون توقف. حتى بعد انتهائي من كتابة الرواية، حاولت أن أكون صادقة وجازمة فيما كتبت، لأن التاريخ، وإن كان كاذبا في كثير من تفاصيله، إلا أنني أعرف من أين أصطاد سمكة حقيقية غير ملوثة. وتقول صفاء أبو خضرة "أما المكان، فكان بطله مدينة يافا وقرية إجريشة فيها، وأيضا مخيم إربد شمال الأردن، فهو المكان الذي ولدت ونشأت فيه، وجل أحداث الرواية تدور فيه". النثر امرأة مشاغبة وترى أبو خضرة أن "قصيدة النثر امرأة مشاغبة، وهي لينة وعصية على الكسر. إنها تشبهني فعلا، أو هكذا أدعي"؛ فديواني البكر "ليس بعد" أبصر النور في عام 2002، وترنحت القصائد فيه بالحب بكل تجلياته، تنظر إلى البعيد بلا ثقوب سوداء، وطرق مشرعة صوب الحياة، كأنها خيول تحفر جلد المسافات، وتطلق شرارات حفرها، وتحرق كل ما هو بشع في الحياة. إنه الحب، أسمى آيات الكون. وجاء ديواني الثاني "كأنه هو"، فولادته كانت عسيرة في عام 2008، وقد شكل نقلة مختلفة تماما عن تجربتي السابقة. كان للقصائد طعم مر، والكلمات تعوي وتنبح وتصرخ وتصدح… لم يكن الوجع فيها وديعا، ولا الحب فيها صافيا من غير خدوش، لأن الحياة مثل سلم درجاته غير متطابقة، ولذلك تكون الصعوبة بمكان في تسلقها. فكان ديوانا مزدحما بالوجع والحنين، ولهذا تصدرت الديوان جملتي: "هل يتسعني البحر بكل عنائي أم سيطفو على سطحي؟". وفي مقطع من الديوان: أردتُ أن أسيلَ كلحنٍ على صدر غيمة وأصطاد نجومًا بضوء القلب وأجمع أطيافًا بسلال الروح أردتُ أن أشتهي ما أشتهي لكني عدتُ كوكبًا سارَ دهرًا ونام أنهضُ كأنّي أصبع الريحِ تعلنُ ثورتها أغمضُ الحجرَ متصدّعةً من خشية صوت أحب الفن بكل تجلياته، لكني وجدت -والحديث لصفاء أبو خضرة- في رقصة "الفلامنكو" تعبيرا صارخا عن الحرية؛ حرا بلا قيود، فيه من التحدي والكبرياء والشموخ. فعندما تدق الراقصة بكعبها العالي الأرض، وترفع رأسها إلى السماء، لا نعرف حينها ماذا ترى.. المهم كيف نراها؛ لكأنها تقول للسماء "أفرغي زرقتك كلها، فلم تعد تتسعني الأرض". إعلان ويتخلل المجموعة قصة عنونتها بـ"فلامنكو"، متخيلة فيها الراقصة الإسبانية الشهيرة "ماريا باخوس"، التي تميزت رقصاتها بطابع فلسفي عميق؛ فالرقصة ليست مجرد حركات، بل أعمق. فالمجموعة القصصية "فلامنكو" تضم 19 قصة، متنوعة بين العاطفية والوطنية والاجتماعية، وأبطالها أحرار دون تدخلي؛ فقد أدخلتهم بيت القصص، وتركت النوافذ مشرعة لهم. أنيموس.. رواية قتلتني وحول رواية "أنيموس"، قالت صفاء أبو خضرة إنها ليست الأولى، لكنها الأولى التي قامت بطباعتها، فقد سبقتها روايتان مخطوطتان لم تجرؤ على نشرهما. "إنها ظاهرة الحلم الذكوري.. حكاية التشظي، والخط الرفيع بين الموت والحياة، والعقل والجنون، والكفر والإيمان، والأنوثة والذكورة". "هذه الرواية قتلتني وأحيتني في آن واحد"، فطبيعة عملي تخرطني في المجتمع صوتا وصورة؛ أدخل معاناة الآخرين بصوتهم إلى جهاز الحاسوب، لكني في الداخل أشم رائحة تتعلق بروحي، ولا أستطيع التخلص منها إلا بالكتابة. فقصة طفل في الرابعة من عمره، فقد ذكورته بسبب مشرط الجراح، فكان لمصيره طرق وعرة جدا، وكان لمخيلتي نصيب كبير في تعبيدها. إنه التهشم في الذات، عندما تتحول الحياة إلى مشرط. المخيم والأسئلة الأولى وتقول أبو خضرة "تعرفت على حاضري من خلال الماضي الذي حدثتني عنه جدتي ووالدي، فكان ارتباطي به ارتباطا متخيلا منذ البدء، وله معنى آخر غير الذي تعنيه الأمكنة". ولدت في المخيم، فنبتت منه أسئلتي الأولى، فكنت أرهق كل من حولي بها؛ فثمة أسئلة تستعصي عليها الإجابة، وأخرى تجعل من البكاء حقلا رطبا. فتبنيت ذكريات مؤلمة من تلك الحكايات، ومن تلك الأسئلة بدأت مشواري، وحملت على عاتقي مسؤولية كبيرة، حملت وطنا أشتاقه دون توقف". القرآن أثرى لغتي وتستطرد "عندما كنت أسمع والدي في الفجر يرتل القرآن، كنت أشعر بقلبي يتكسر وينشج. فسر والدي الأمر بالإيمان، وفسرته والدتي كذلك، لكن اللغة كانت تشق صدري فتفتتني. ومن هناك اكتشفت انجذابي للغة العربية، وعشقي وافتتاني بها. أثّرت لغته في لغتي، فكثير من قصائدي يتضح فيها التناص مع الآيات. كنت أتوقف كثيرا أثناء قراءته أمام الصور المدهشة، الإعجازية، التي لا يمكن لكائن بشري أن يكتبها. أما الشعر الصوفي، فكان مرحلة "من ضمن مراحل كثيرة؛ فمنه إلى الأساطير، فالروايات، فالفلسفة، حتى أصبحت لدي في كل زاوية من غرفتي كتب متنوعة، وتحول الأمر من الشغف إلى الهوس". الكتابة مؤلمة وتصف الكتابة بـ"المؤلمة"، إلا أنها تكتب لتكون حرة. فقبل اكتشاف الفكرة، تطارد فراشات الليل، وأصوات القطط، وزقزقة الضوء حال بزوغه، ونشيج الغروب حال هروبه من نهار متعب. تبحث عن ملامحها في المرايا، تمزق أوراقا بيضاء فارغة، وتمشي في الشوارع مترنحة… "حتى تأتيني الفكرة، أقبض عليها، أضمها، أعصرها، وأبدأ طقوسي وأقدم نذوري.. حينذاك، أغيب عن الوجود، وأبدل وجهي وملامحي وثيابي وزمني ومكاني". وتقول: ما أفعله أنني أنصت.. أترك شخصياتي تختار طريقها، معاناتها، حبها، شغفها، لا أقودها إلى شيء بل تقودني. أعزف على وتر الحزن والتمرد والحدس، ولدي وتر غريب، أرى ما يسبق، وربما هذا ما يجعلني متعبة دائما بأفكاري وهواجسي، وحالمة فوق أي تصور. وحول ما يجري في غزة، ترى أبو خضرة كأننا ابتلعنا جميعا سما خدر أفواهنا وأخرسها أمام كل هذه المجازر والإبادة والبشاعة والإجرام.. "تزيد أسئلتي: ماذا ننتظر؟ وهل هناك موت أكثر من هذا الموت؟ متى ستتوقف قافلة الموت…؟ هل ستتوقف فعلا؟ وتمنيت لو أن الأطراف المبتورة تنبت مجددا، والأرواح التي سبقتنا إلى السماء لها خيار العودة". من يشتري مني روحي فالأرضُ اليومَ مقفلةٌ! من يشتري مني مقلتي فأرضي اليوم مقفرةٌ من يشتري مني قلبي فمقلتي اليوم لا تبصر الرواية وثيقة تاريخية ومن جانبه، يرى الناقد مهدي نصير أن رواية "اليركون" توثق سرقة نهر العوجا الفلسطيني، عبر سرد تهجير عائلة "لميس"، الراوية الرئيسة، عن عائلتها الكبيرة التي هُجرت من أرضها ومزارعها وبياراتها في يافا والجريشة وبيار عدس، كنموذج للتهجير والتدمير والإبادة. ووصف في حديثه لـ"الجزيرة نت" الرواية بأنها عالية ومتقنة في لغتها، التي تمزج بين اللغة الفصيحة السلسة والمفردات واللهجة المحكية، والتراويد، والأهازيج، والأمثال، والصيغ الشعبية المتداولة وتوثيقها، وكذلك في شخصياتها ورواتها وحبكتها، واستنادها إلى وثائق تجعل من السرد الروائي وثيقة للتاريخ والمستقبل الفلسطيني. وبسؤالنا عن شخصية "لميس"، أوضح نصير: "إنها الشخصية الرئيسة، وقد أطلقت عليها هذا الاسم إحدى عماتها، تيمنا بالفلسطينية لميس التي استشهدت بتفجير سيارة خالها، الروائي الشهيد غسان كنفاني، عام 1972 في بيروت. وهي حفيدة العائلة الفلسطينية التي اقتلعت من ضفاف نهر العوجا، وولدت في مخيم إربد شمال الأردن، ودرست الصحافة، وهاجرت إلى أميركا بأمل أن تتيح لها الجنسية فرصة لزيارة فلسطين.. زارتها فعلا، ولكن كأسيرة، إذ سلمتها أميركا للكيان الصهيوني بعد اغتيال زوجها غسان، عالم وأستاذ الآثار الفلسطيني وابن يافا، لتقضي عشر سنوات في الأسر".


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
في محراب الضاد: تراتيل هويّة شعب يأبى الانقياد
تعد السلوكيات التي ترثها أي حضارة من أسلافها مصدرًا لنموّها وتعزيز حضورها، إذ إن هذه السلوكيات غالبًا ما تمتزج بعادات وتقاليد إثنية، سواء أكانت عرقية أم دينية أم مذهبية. وتُعد هذه السلوكيات الثقافية الموروثة بمثابة الخطوط العريضة لمعالم هذه الحضارة، ويُشكّل التمسّك بها التشكيل الذي يزيّن هذه الخطوط، ويضفي عليها رونقًا وجمالًا في أعين الآخرين من الثقافات الأخرى، فيرون في هذه الثقافة وسلوكياتها وعاداتها وتقاليدها لوحة فنية مرسومة بعناية، وتمازجًا مدهشًا وساحرًا على جدران الفناء. سحر الثقافة العربية وتنوّعها ولثقافتنا العربية الكثير من الجماليات والسحر الذي لا يزال يأسر عقول كثيرين من شعوب وثقافات وأعراق أخرى. نبدأ من ثقافتنا المعاصرة وتناقضاتها الجميلة، واختلافاتها من بلد إلى آخر؛ فكل بلداننا تمتلك سحرًا خاصًّا يميزها ويُثري موروثنا: من الخليج العربي، مهد العروبة وأساسها وأسمى مبتغاها، إلى العراق بنهريه، وبلاد الشام بقلبيها، ومصر بحارسيها، والمغرب العربي بعمقه التاريخي والثقافي. تحديات العولمة والانفصام الثقافي لكن، في مقابل كل هذا الجمال يجب علينا أن نوسع العدسة أكثر، لنرصد الإشكاليات العميقة التي تهدد وحدتنا الثقافية. وتتمثل هذه التهديدات في الانسياق اللاواعي وراء التيارات الثقافية والعولمية المفروضة علينا، من خلال استهلاكنا اليومي لمواد إعلامية وثقافية تتصادم جذريًّا مع جذورنا الحضارية، تلك التي بذل أسلافنا جهودًا مضنية لحمايتها عبر العقود. نحن نستهلك يوميًّا مواد صيغت لفكر أمة غربية، سعت منذ لحظتها الأولى إلى الإيحاء بتفوّقها الحضاري والثقافي على سائر الأمم، رغم أن جذورها ليست إلا نتاجًا هجينًا لقبائل أنجلو-ساكسونية، لم تكن تُعرَف قبل ألف عام بثقافة يحترمها العالم. إنها ثقافة نشأت من الفراغ، بينما ثقافتنا زادت اللغة العربية عمقًا، وانتشلها فجر الإسلام من التفكك، ليُثري صرفها ويوحد صوتها، ويضيف إلى بلاغتها روعةً فوق روعة. التهديد الحضاري وفقدان الهوية إن رحلة الحفاظ على موروثنا الثقافي ليست بالأمر السهل، فنحن نواجه تهديدًا حضاريًّا حقيقيًّا يستهدف لغتنا وعاداتنا وتقاليدنا، التي لا تضاهيها أي ثقافة في جمالها ورونقها. إن هذا الموروث يحتاج إلى عزيمة حازمة لمواجهة كل من يسعى -بوعي أو بجهالة- إلى استبداله تحت شعارات التحديث والتطور الزائف، الذي لا يعني إلا الذوبان في ثقافات الآخرين. فالتطور الحقيقي يبدأ بتعزيز الذات الثقافية ولونها ونكهتها وجمال أصواتها؛ فنحن أمة الضاد ولسنا أتباعًا تُقاد، ولا ورثة لحضارات كانت لا تعرف من المدنية سوى السطو وعبادة الأوثان.. نحن بجاهليتنا كنّا مضرب المثل، فلما جاء الإسلام، نزل بكلمات ربانية ثقيلة المعنى، زادتنا عزًّا وسموًّا. الانبهار الثقافي وغياب التمييز وفي مشهد اليوم الثقافي، نرى بعض شبابنا يسعون خلف وهْمٍ صُوّر لهم في الإعلام، مفاده أن ثقافة الآخرين أرقى، فصاروا يأخذون القشور ويهملون الجواهر، فنتج عن ذلك مسخ ثقافي لا يحمل هوية واضحة: لا هو عربي خالص، ولا هو غربي أصيل.. نتاج يجمع تناقضات أمتين، لا يجمع بينهما موروث ولا لغة ولا روح. وهذا هو الثمن الباهظ لمن يتخلى عن جمال ثقافته وأصالتها ليكون في ذيل ثقافات الآخرين، متطفلًا على ما لا ينتمي إليه، فاقدًا لمكنونه الداخلي. التجارب الدولية: دروس في المقاومة الثقافية إن اعتزازنا بلغتنا وحضارتنا يجب أن يكون تكليفًا لا تشريفًا؛ نحن مسؤولون عن حمايتها من الضياع، كما فعلت شعوب أخرى واجهت محاولات طمس هويتها، كالإيرلنديين في جمهورية إيرلندا، أو الناطقين بالفرنسية في كندا، أو شعوب جنوب أفريقيا ونيوزيلندا. إعلان لقد سعت الإمبراطورية البريطانية، من خلال استعمارها، إلى استحمار الشعوب لا استعمارها فحسب، فطمست هوياتهم إما بالترهيب أو بالترغيب. ولنا في ما فعله الاحتلال الإنجليزي مع الشعب الإيرلندي مثال صارخ، حين كان يُقتل كل من يتحدث بالإيرلندية، حتى أصبحت إيرلندا اليوم الدولة الوحيدة التي يتعلم فيها الشعب لغته الأم كلغة ثانية. إن ثقافتنا ولغتنا هي هدية من رب الأكوان، ميزنا بها عن سائر الأمم، فصارت لغتنا لسان مليار مسلم، يتلفظ بها خمس مرات في اليوم، ويقرأ بها كتابه المقدّس نحو تشريعات تحمي الموروث العربي إن ما حدث في إيرلندا يجب أن يكون جرس إنذار لنا.. إننا اليوم نُذبح ببطء، ونشارك في هذا الذبح الثقافي بجهلنا وسكوتنا! لن يستطيع موروثنا الصمود أمام هيمنة ثقافية شاملة ما لم نسعَ لحمايته، تمامًا كما فعلت مقاطعات كندا الناطقة بالفرنسية. نحن بحاجة إلى قوانين صارمة تعزز هويتنا، وتحظر كل أشكال التغريب، وتفرض التعريب على كل مقروء ومكتوب. كما نحتاج إلى خطاب إعلامي موحد يرسّخ الاعتزاز باللغة والثقافة، ويمنع كل من يسعى إلى تحقير هذا الموروث العظيم. إن ثقافتنا ولغتنا هي هدية من رب الأكوان، ميزنا بها عن سائر الأمم، فصارت لغتنا لسان مليار مسلم، يتلفظ بها خمس مرات في اليوم، ويقرأ بها كتابه المقدّس.. هي لغة فاضت بجمالها على غيرها، وتعززت محبةً في الدين والهوية، وشكّلت فسيفساءها من أحجار العادات وسلوك الشعوب. نحن خير أمة إن كنا على قدر هذه المسؤولية، وإن سعينا كما يسعى الراعي لرعيته.. فبقدر تمسّكنا، يكون مستقبلنا.


الجزيرة
منذ 8 ساعات
- الجزيرة
كان 2025.. تتويج فلسطيني وتألق عربي وإيراني في قلب السينما العالمية
خاص-الوثائقية 25/5/2025 | 25/5/2025 05:33 PM (توقيت مكة) شهد مهرجان كان السينمائي في دورته الـ78 تحولًا لافتًا في خريطة الحضور العربي والإيراني، من المشاركة الرمزية إلى حصد الجوائز الكبرى والاعتراف العالمي. عدة بلدان عربية قدّمت أعمالًا قوية تحمل رسائل سياسية واجتماعية عميقة، تؤكد أن السينما لم تعد تكتفي بسرد القصة، بل تحولت إلى فعل مقاومة وأداة تعبير إنساني بليغة. فلسطين.. من الألم إلى 'السعفة الذهبية' في واحدة من أبرز لحظات المهرجان، فاز المخرج والممثل الفلسطيني توفيق برهوم بجائزة السعفة الذهبية لأفضل فيلم قصير عن عمله 'أنا سعيد لأنك ميت الآن'، الذي جاء وسط تصاعد التوترات الإقليمية والدولية. الفيلم حمل صوتًا فلسطينيًا جريئًا في أكبر محفل سينمائي عالمي، مجسدًا معاناة بلده وآمال شعبه، ومؤكدًا أن السينما الفلسطينية ليست فقط توثيقًا، بل فعل مقاومة حيّ. العراق.. 'الكاميرا الذهبية' تكتشف صوتًا جديدًا من بغداد، قدّم المخرج حسن هادي فيلمه الروائي الأول 'كعكة الرئيس'، الذي حصد جائزة الكاميرا الذهبية لأفضل عمل أول. الفيلم جمع بين السخرية السياسية والتأمل الوجودي، وقدّم صوتًا سينمائيًا جديدًا ينبض بالألم والواقعية، ليؤكد حضور السينما العراقية على خارطة المواهب العالمية. الجزائر وتونس والمغرب.. تألق نسائي في السرد والتمثيل في المسابقات الموازية، تألقت الجزائرية نادية ميلنتي بأدائها اللافت في فيلم 'الأخت الصغيرة'، للمخرجة التونسية حفصية حرزي، ونالت جائزة التمثيل عن دورها. الفيلم ناقش قضايا الهجرة والهوية النسوية في أوروبا، وقدم نموذجًا لقوة السرد النسائي العربي وقدرته على منافسة الأسماء العالمية. فيما فازت المخرجة المغربية راندا معروفي بجائزة 'اكتشاف لايتز للأفلام القصيرة' ضمن قسم 'أسبوع النقاد' في مهرجان كان السينمائي عن فيلمها القصير 'لمينا'. ويُعد 'أسبوع النقاد' أحد الأقسام الموازية الرسمية في كان، ويُركّز على الأعمال الأولى والثانية للمخرجين الواعدين. غزة.. 'حدث ذات يوم' يروي وجع المدينة المحاصرة في مسابقة 'نظرة ما'، ثاني أبرز أقسام المهرجان، فاز الشقيقان الفلسطينيان عرب وطرزان ناصر بجائزة أفضل إخراج عن فيلمهما 'حدث ذات يوم في غزة'. الفيلم يعكس الذاكرة الجماعية لمدينة تعيش الحصار والموت، مؤكدًا أن السينما القادمة من غزة لا تكتفي بالتوثيق، بل تمثل فعلًا فنيًا يعكس الواقع بقوة وجمال. إيران.. حضور تاريخي بعد فكّ القيود سجّلت السينما الإيرانية إنجازًا نوعيًا، مع فوز المخرج جعفر بناهي بالسعفة الذهبية عن فيلمه 'مجرد حادث'، وهو أول فيلم يصوّره سرًا بعد رفع الحظر عنه. وتدور أحداث الفيلم حول مجموعة من السجناء السابقين الذين يقابلون الرجل الذي يعتقدون أنه عذّبهم في السجن، ويفكرون في الانتقام، ويقومون بخطفه بالفعل، ويختلفون حول طريقة الانتقام. كما قدّم المخرج الشاب سعيد روستائي فيلم 'المرأة والطفل'، الذي أثار جدلًا واسعًا بقصته حول أرملة تواجه تحديات اجتماعية وجندرية في سبيل بناء حياة جديدة. تألقت في البطولة النجمة بريناز إيزديار بأداء مؤثر وحضور قوي. الجوائز الكبرى.. من النرويج إلى الصين فاز النرويجي يواكيم تريير بالجائزة الكبرى عن فيلمه 'قيمة عاطفية'، الذي يتناول علاقة مضطربة بين مخرج وابنته. نال البرازيلي فاغنر مورا جائزة أفضل ممثل عن فيلم 'العميل السري'، من إخراج كليبر مندونسا فيليو، الذي حاز أيضًا جائزة أفضل مخرج. جائزة لجنة التحكيم تقاسمتها أفلام 'صراط' للإسباني أوليفييه لاكس و'صوت السقوط' للألمانية ماشكا شيلينسكي. وحصل الصيني بي غان على جائزة خاصة عن فيلمه 'القيامة'. وثائقيات في لحظة تكريم ضمن التكريمات الخاصة، عُرض الفيلم الوثائقي 'ضع روحك على كفك وسر'، تكريمًا للراحلة فاطمة حسونة من غزة، والمخرجة الإيرانية سبيدة فارسي. الفيلم شكّل ردًا فنيًا على المجازر المرتكبة بحق الفلسطينيين، وعكس عبر لغة الوثائقيات ألم الشعوب وصمودها.