logo
مع ازدياد موجات الحر في أوروبا... لماذا يندر استخدام مكيفات الهواء؟

مع ازدياد موجات الحر في أوروبا... لماذا يندر استخدام مكيفات الهواء؟

الشرق الأوسطمنذ 5 أيام
تجتاح موجة حرّ قاسية أجزاءً كثيرة من أوروبا، تاركةً ملايين الناس يكافحون للتكيّف مع درجات حرارة مرتفعة ومُحطِّمة للأرقام القياسية. يستمر الحرّ حتى في الليل، حيث لا تنخفض درجات الحرارة في بعض الأماكن كثيراً عن 90 درجة فهرنهايت (32 درجة مئوية)، وفقاً لشبكة «سي إن إن».
لا يوجد سوى قليل من الراحة. يُعدّ تكييف الهواء نادراً جداً في المنازل الأوروبية. يُجبَر كثيرٌ من السكان على تحمّل الحرّ الشديد بمساعدة المراوح الكهربائية، وأكياس الثلج، والاستحمام بالماء البارد.
امرأة تقف بجوار نافورة ترش الماء في يوم حار وسط دريسدن بألمانيا (إ.ب.أ)
لكن أوروبا لم تتعامل مع الحرّ بالطريقة نفسها للولايات المتحدة الأكثر حرارةً تاريخياً. فبينما تحتوي نحو 90 في المائة من المنازل الأميركية على تكييف هواء، فإن النسبة في أوروبا تبلغ نحو 20 في المائة، وبعض الدول لديها معدلات أقل بكثير. في المملكة المتحدة، تحتوي نحو 5 في المائة فقط من المنازل على أنظمة تبريد، وكثير منها وحدات تكييف محمولة. في ألمانيا، تبلغ النسبة 3 في المائة.
مع ازدياد موجات الحرّ الشديدة والممتدة بفعل تغيّر المناخ، يتساءل البعض عن سبب تردد الدول الأوروبية الغنية في اعتماد تكييف الهواء، لا سيما مع ازدياد الوفيات بسبب الحرّ.
يعود جزء كبير من السبب إلى أن كثيراً من الدول الأوروبية لم تكن تاريخياً بحاجة كبيرة للتبريد، خصوصاً في الشمال. لطالما حدثت موجات حر، لكنها نادراً ما وصلت إلى درجات الحرارة المرتفعة المطولة التي تشهدها أوروبا حالياً بانتظام.
قال برايان ماذرواي، رئيس مكتب كفاءة الطاقة والتحولات الشاملة في وكالة الطاقة الدولية: «في أوروبا... ببساطة، ليست لدينا تقاليد تكييف الهواء؛ لأنه حتى وقت قريب نسبياً، لم تكن هناك حاجة ماسة إليه».
عامل يرش الماء لتبريد الطريق بسبب الطقس الحار في أمستردام بهولندا (إ.ب.أ)
هذا يعني أن تكييف الهواء كان يُنظَر إليه تقليدياً على أنه ترف وليس ضرورة، خصوصاً أن تركيبه وتشغيله قد يكونان مكلفَين. تكاليف الطاقة في كثير من الدول الأوروبية أعلى منها في الولايات المتحدة.
ارتفعت أسعار الطاقة بشكل أكبر منذ غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، حيث يتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات للتخلص التدريجي من اعتماده على النفط والغاز الروسيَّين. وعلى الرغم من استقرار الأسعار منذ أزمة الطاقة الأولية عام 2022، فإن تكلفة تشغيل وحدة تكييف الهواء قد لا تزال بعيدة المنال بالنسبة لكثير من الأوروبيين.
ثم هناك الهندسة المعمارية.
بُنيت بعض المباني في دول جنوب أوروبا الأكثر حرارةً بطريقة مدروسة. تتميز بجدران سميكة ونوافذ صغيرة تمنع أشعة الشمس من الدخول، وهي مصممة لزيادة تدفق الهواء إلى أقصى حد. وقد ساعد ذلك في الحفاظ على برودة المباني، وتقليل الحاجة للتبريد الاصطناعي.
في أجزاء أخرى من أوروبا، لم تُصمَّم المنازل مع مراعاة الحرّ.
قال ماذرواي: «لم نكن معتادين على التفكير في كيفية الحفاظ على برودة الجو في الصيف. إنها ظاهرة حديثة نسبياً».
تميل المباني في القارة الأوروبية إلى أن تكون أقدم، حيث بُنيت قبل انتشار تقنية تكييف الهواء. في إنجلترا، التي شهدت أخيراً أشد درجات حرارة بشهر يونيو (حزيران) على الإطلاق، بُني 1 من 6 منازل قبل عام 1900.
وأضاف ماذرواي: «قد يكون تجهيز المنازل القديمة بأنظمة تبريد مركزية أصعب، وإن لم يكن مستحيلاً».
من جانبه، أوضح ريتشارد سالمون، مدير شركة لتكييف الهواء في المملكة المتحدة، أن البيروقراطية هي المشكلة الأكبر أحياناً.
وأضاف أن السلطات البريطانية غالباً ما ترفض طلبات تركيب مكيفات الهواء «بناءً على المظهر الخارجي، خصوصاً في المناطق المحمية، أو المباني المدرجة».
وهناك أيضاً جانب سياسي. فقد تعهَّدت أوروبا بأن تصبح «محايدة مناخياً» بحلول عام 2050، وستؤدي الزيادة الحادة في مكيفات الهواء إلى زيادة صعوبة تحقيق الالتزامات المناخية.
لا تستهلك مكيفات الهواء الطاقة فحسب، بل إنها تدفع الحرارة إلى الخارج أيضاً. فقد وجدت دراسة تناولت استخدام مكيفات الهواء في باريس أنها قد تزيد درجة الحرارة الخارجية بما يتراوح بين درجتين و4 درجات مئوية (3.6 إلى 7.2 فهرنهايت). ويزداد هذا التأثير حدةً في المدن الأوروبية ذات الكثافة السكانية العالية عموماً.
وفرضت بعض الدول إجراءات للحد من استخدام مكيفات الهواء. في عام 2022، أصدرت إسبانيا قواعد تنص على ألا تقل درجة حرارة مكيفات الهواء في الأماكن العامة عن 27 درجة مئوية (80 درجة فهرنهايت) لتوفير الطاقة.
الشمس تشرق بجوار برج إيفل في باريس حيث تعدّ المدينة في حالة تأهب قصوى لارتفاع درجات الحرارة (أ.ف.ب)
مع ذلك، تتغير المواقف والمخاوف بشأن تكييف الهواء في أوروبا، إذ أصبحت القارة بؤرةً مناخيةً ساخنةً، حيث ترتفع درجة حرارتها بمعدل ضعف معدل بقية العالم.
تواجه القارة معضلةً: إما تبني تكييف الهواء الذي يستهلك كمياتٍ كبيرةً من الطاقة، مع ما يترتب على ذلك من آثارٍ مناخية سلبية، أو إيجاد طرقٍ بديلةٍ للتعامل مع مستقبلها الذي يزداد حرارةً باستمرار.
قالت يتوند عبدول، مديرة مجلس المباني الخضراء في المملكة المتحدة: «يجب أن تكون منازلنا قادرة على الصمود ليس فقط في وجه البرد، بل في وجه الحرارة الشديدة المتزايدة».
وهناك بالفعل دلائل واضحة على ازدياد الإقبال على تكييف الهواء في أوروبا، كما هي الحال في أجزاء كثيرة من العالم. وقد خلص تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية إلى أن عدد وحدات تكييف الهواء في الاتحاد الأوروبي من المرجح أن يرتفع إلى 275 مليون وحدة بحلول عام 2050، أي أكثر من ضعف عددها عام 2019.
وأكد سالمون، من شركة تكييف الهواء، إنه شهد ارتفاعاً هائلاً في الطلب على تكييف الهواء، وأفاد: «على مدى السنوات الـ5 الماضية، ازدادت الاستفسارات السكنية بأكثر من 3 أضعاف. وقد أدت موجة الحر هذه تحديداً إلى ارتفاع كبير في درجات الحرارة، فالناس لا يستطيعون العمل وهم في حالة غليان».
عامل يقوم بتبريد نفسه بالماء خلال يوم صيفي حار في كولونيا بألمانيا (رويترز)
كما يسعى بعض الساسة إلى تطبيق نظام تكييف الهواء على نطاق واسع.
تعهدت السياسية الفرنسية اليمينية، مارين لوبان، بتنفيذ «خطة شاملة للبنية التحتية لتكييف الهواء»، منتقدةً ما أسمتهم «النخب الفرنسية» الذين يشجعون الآخرين على البحث عن طرق تبريد بديلة، بينما «يستمتعون بالطبع بالسيارات والمكاتب المكيفة».
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بعد إزالة ورم.. أنغام قد تخضع لاستئصال البنكرياس
بعد إزالة ورم.. أنغام قد تخضع لاستئصال البنكرياس

العربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربية

بعد إزالة ورم.. أنغام قد تخضع لاستئصال البنكرياس

مازالت الفنانة المصرية أنغام ترقد بأحد المستشفيات الخاصة بالعاصمة الألمانية برلين، بعدما خضعت لجراحة دقيقة، خلال الأيام القليلة الماضية، لاستئصال ورم صغير بالبنكرياس. وكشف مصدر مقرب من أنغام لـ"العربية.نت"، أن الفريق الطبي المعالج لها، طلب إجراء بعض الفحوصات الطبية الدقيقة، لمعرفة وضعها الصحي بعد الجراحة التي خضعت لها. وأضاف أن تلك الفحوصات هي التي سوف تحدد الإجراء الطبي الجديد الخاص بحالتها، وهل ستتطلب تدخلا جراحيا آخر لاستئصال البنكرياس، أم سيكون هناك خطة علاج دوائية من دون الحاجة إلى جراحة أخرى. وتابع المصدر أن أنغام ستظل بألمانيا عدة أيام ولن تعود إلى القاهرة إلا بعد منتصف أغسطس (آب) المقبل أو حين يسمح لها الفريق الطبي بمغادرة المستشفى والعودة إلى مصر. وكانت الفنانة المصرية قد خضعت، الخميس الماضي، لجراحة دقيقة في مستشفى بالعاصمة الألمانية برلين، حيث جرى استئصال ورم صغير بالبنكرياس. ونشرت أنغام عبر خاصية القصص في حسابها الشخصي بموقع "إنستغرام" صورة لها عند خروجها من غرفة العمليات، خاصة أنه قد انتشرت في الأيام الماضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي أخبار تفيد بإصابة أنغام بسرطان الثدي وبسفرها إلى الخارج لتلقي العلاج، ما أثار حزن جمهورها. وأصدر المكتب الإعلامي للفنانة بياناً لتوضيح تفاصيل الأزمة الصحية التي تعرضت لها، مؤكداً أن أنغام سافرت إلى ألمانيا لإجراء فحوصات طبية للبنكرياس.

الكافيين.. يعزز التمارين في الأجواء الحارة
الكافيين.. يعزز التمارين في الأجواء الحارة

عكاظ

timeمنذ 7 ساعات

  • عكاظ

الكافيين.. يعزز التمارين في الأجواء الحارة

كشفت دراسة جديدة، أن تناول الكافيين قبل ممارسة التمارين الرياضية يمكن أن يحسّن الأداء البدني، خصوصاً في الطقس الحار، حيث يساعد في تقليل الشعور بالإجهاد وتأخير الإرهاق. الدراسة نُشرت في المجلة الأوروبية لعلوم الرياضة، وأجراها باحثون من جامعة ساوث أستراليا بالتعاون مع عدد من المؤسسات البحثية. شملت الدراسة تحليل بيانات من 13 تجربة علمية، ضمت 200 شخص مارسوا التمارين في بيئة حارة (أكثر من 27 درجة مئوية)، وتبيّن أن المشاركين الذين تناولوا الكافيين قبل التمرين أظهروا أداءً أفضل بنسبة 2% مقارنة بمن لم يتناولوه. وأوضح الباحثون، أن الكافيين يعمل على تحفيز الجهاز العصبي المركزي، ما يرفع القدرة على التحمل، ويقلل من الإحساس بدرجات الحرارة العالية، كما أنه يساعد على تحسين التركيز واليقظة الذهنية أثناء التمارين الشاقة، خصوصاً في الأجواء التي تمثل تحدياً للجسم. لكنهم في الوقت ذاته حذّروا من الإفراط في تناول الكافيين، لأن الجرعات الزائدة قد تؤدي إلى تسارع ضربات القلب أو اضطرابات في النوم، مشيرين إلى أهمية توازن الجرعة حسب وزن الجسم وحالة الرياضي. أخبار ذات صلة

هل يمكن أن يعود جهازنا المناعي شاباً من جديد؟
هل يمكن أن يعود جهازنا المناعي شاباً من جديد؟

الشرق الأوسط

timeمنذ 9 ساعات

  • الشرق الأوسط

هل يمكن أن يعود جهازنا المناعي شاباً من جديد؟

لسنواتٍ، ظلّت فكرة «استعادة شباب جهاز المناعة» أقرب إلى أحلام الخيال العلمي منها إلى أرض الواقع. مشهد يُذكّرنا بأفلام المستقبل التي يظهر فيها الإنسان محصّناً من الأمراض، بجهاز مناعي لا يشيخ ولا يضعف. لكن هذه الفكرة - التي طالما اعتُبرت مبالغاً فيها - بدأت تتحوّل إلى حقيقة علمية تُربك قواعد الطب التقليدي. في أبريل (نيسان) 2025، نشر باحثون في جامعة شيفيلد البريطانية في مجلة Cell Reports المرموقة، دراسة وُصفت بأنها «نقطة تحوّل في علم المناعة والشيخوخة». قادت البحث البروفسورة شارلوت موس، أستاذة علم الجينات المناعية، التي أماطت اللثام عن حقيقة صادمة: «جهاز المناعة لا يشيخ مع الجسد... بل يسبقه بعشر سنوات كاملة». وهذا الاكتشاف لا يفتح فقط باباً لفهم جديد لشيخوخة الإنسان، بل يُطلق شرارة ثورة طبية جديدة يُتوقع أن يقودها الذكاء الاصطناعي – ثورة تهدف إلى رصد ووقف شيخوخة المناعة قبل أن تتجسد في شكل مرض بداية الصدمة: جهاز المناعة يشيخ أولاً من بين جميع أجهزة الجسم، لم يكن أحد يتوقع أن يكون جهاز المناعة هو أول من يشيخ. لكنّ نتائج دراسة جامعة شيفيلد البريطانية قلبت هذه الفرضية رأساً على عقب، بعدما كشفت أن التدهور المناعي يبدأ قبل علامات الشيخوخة الظاهرة بعشر سنوات كاملة. بمعنى آخر: قد تبدو شاباً في المرآة... لكن جهازك المناعي يشيخ بصمت في الداخل. وفي عمق هذا التدهور، حدّد الباحثون خللاً تدريجياً يصيب جينين أساسيين MYC وUSF1، وهما المسؤولان عن تنشيط خلايا الماكروفاج - وهي خلايا مناعية تشبه «الحرس الأمامي» الذي يهاجم أي تهديد خارجي، من فيروسات إلى خلايا سرطانية. ومع تقدم العمر، تبدأ هذه الجينات في فقدان كفاءتها، فتصبح خلايا الماكروفاج أقل نشاطاً، أبطأ استجابة، وأضعف قدرة على التدمير. النتيجة؟ جهاز مناعي مترهل، يفشل في احتواء العدوى بسرعة، ويُسهّل تسلل الالتهابات الصامتة التي ترتبط بالعديد من الأمراض المزمنة مثل السكري، وتصلب الشرايين، والخرف. وكما قالت البروفسورة موس: «ما نرصده ليس مجرد إرهاق مناعي... بل انهيار مبرمج يبدأ من الشيفرة الجينية نفسها». من أين تأتي خلايا «الماكروفاج»؟ خلايا الماكروفاج (Macrophages) هي نوع متخصص من خلايا الدم البيضاء، وتحديداً تنحدر من الخلايا الوحيدة (Monocytes) - وهي إحدى خلايا الدم البيضاء كبيرة الحجم التي تنشأ في نخاع العظم. تبدأ الرحلة عندما تُفرز الخلايا الوحيدة من النخاع العظمي إلى مجرى الدم، حيث تدور لبضع ساعات فقط قبل أن تهاجر إلى أنسجة الجسم المختلفة (مثل الكبد، والرئتين، والجلد، والطحال). وبمجرد وصولها إلى تلك الأنسجة، تتحوّل الخلايا الوحيدة إلى ماكروفاج ناضجة، وتبدأ في أداء مهامها الأساسية: - التهام البكتيريا والفيروسات. - تنظيف الخلايا الميتة. - تنشيط باقي عناصر الجهاز المناعي. وتُعتبر الماكروفاج خط الدفاع الأول في المناعة الفطرية (Innate Immunity)، أي ذلك الجزء من الجهاز المناعي الذي يتحرك فوراً وبشكل غير متخصص عند التعرض لأي تهديد. وتقول البروفسورة موس: «نحن لا نرصد مجرد علامات شيخوخة... بل انهياراً مبرمجاً يبدأ من الجينات ذاتها. إن شيخوخة المناعة ليست نتيجة للتقدم في العمر، بل مفعول بيولوجي يبدأ قبل أوانه». المناعة والدماغ والذكاء الاصطناعي وتبرز أدلة إضافية من العالم، حين تتقاطع المناعة مع الدماغ... ويقود الذكاء الاصطناعي المستقبل. * تراجع المناعة وانحسار الحماية العصبية. لا تتوقف قصة «شيخوخة المناعة» عند حدود جهاز المناعة وحده، بل تتجاوزها إلى الدماغ نفسه. فقد كشفت دراسة صينية نُشرت في مجلة Nature Aging في مارس (آذار) 2025 عن ترابط مذهل بين الجهاز العصبي والجهاز المناعي، حيث تبيّن أن تراجع كفاءة المناعة مع التقدم في السن يؤدي إلى انخفاض الحماية العصبية الطبيعية، مما يُمهّد لظهور أمراض مثل ألزهايمر وباركنسون في وقت أبكر وبوتيرة أسرع. في موازاة ذلك، أجرت جامعة ستانفورد تجربة رائدة نُشرت في يناير(كانون الثاني) 2025، استعانت خلالها بأنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة لتحليل البصمة المناعية (Immune Signature) لدى أكثر من 5 آلاف شخص من فئات عمرية متعددة. * الذكاء الاصطناعي يحدد «العمر المناعي». وكان الاكتشاف المذهل أن الذكاء الاصطناعي استطاع تحديد ما يُعرف بالعمر المناعي (Immune Age) بدقة بالغة – وهو مفهوم جديد يُشير إلى العمر البيولوجي الحقيقي لجهاز المناعة، والذي قد يختلف تماماً عن عمر الإنسان الزمني. بمعنى آخر: قد تكون في الأربعين من عمرك... لكن جهازك المناعي بلغ الستين! وهذا التقييم الجديد يفتح الباب أمام طب استباقي شخصي، يُمكن من خلاله التنبؤ بحالة الجسم قبل ظهور الأعراض، ووضع خطط وقائية مخصصة لكل فرد، بناءً على عمره المناعي لا الورقي. * الذكاء الاصطناعي يعيد رسم مستقبل المناعة. لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة لتحليل الصور الطبية أو إدارة البيانات، بل أصبح اليوم حليفاً استراتيجياً في فهم جهاز المناعة، بقدرة فائقة على تحليل ملايين الخلايا المناعية وتصنيفها بدقة حسب حالتها، استجابتها، وسرعة شيخوختها. وهذا التحليل لا يُمكّن الأطباء من اتخاذ قرارات دقيقة فحسب، بل يفتح الباب أمام الطب الاستباقي المخصص لكل فرد قبل ظهور أي أعراض. في تجربة رائدة نُشرت في مجلة Nature Biomedical Engineering في فبراير(شباط) 2025، استخدم باحثون نماذج تعلم عميق (Deep Learning Models) لتحليل مستويات السيتوكينات - وهي جزيئات التهابية تفرزها الخلايا المناعية عند وجود خلل أو عدوى. ثم قام النظام بربط هذه المؤشرات بمراحل مبكرة من الانحدار المناعي الصامت، وتمكّن من كشف تدهور خفي لم يكن ظاهراً في الفحوص التقليدية. النتائج كانت صادمة: أشخاص يُعتبرون «أصحاء تماماً» على الورق، أظهروا تدهوراً مناعياً صامتاً لم يكتشفه الطب التقليدي، بل كشفه الذكاء الاصطناعي فقط! هذه القدرة على رؤية ما لا يُرى تمنح الذكاء الاصطناعي مكانة جديدة في الطب الحديث: لا كأداة تشخيص، بل كرؤية طبية استباقية، تستبق المرض وتمنح الأطباء فرصة للتدخل المبكر، وتقديم علاجات أو توصيات مصممة بدقة حسب «العمر المناعي» لكل شخص * لماذا يهمنا هذا في العالم العربي؟ لأن الزمن يعمل ضدنا. وحسب منظمة الصحة العالمية، يُتوقّع أن يتضاعف عدد كبار السن في الدول العربية بحلول عام 2050، ليصل إلى أكثر من 125 مليون شخص - أي ما يعادل أكثر من خمس سكان المنطقة. وفي ظل الانتشار المقلق لأمراض العصر مثل السكري (النوع الثاني)، والسمنة المفرطة، وارتفاع ضغط الدم، تصبح الشيخوخة في منطقتنا أكثر هشاشة... وأكثر تكلفة. هنا تبرز الحاجة إلى تغيير جذري في فلسفة الطب الوقائي، لا يعتمد فقط على الفحوص التقليدية، بل على أدوات قادرة على رؤية المرض قبل أن يولد. إن الذكاء الاصطناعي، وعلم الجينات، والتكنولوجيا المناعية، لم تعد ترفاً بحثياً، بل ضرورة استراتيجية لصحة المجتمعات العربية التي تشيخ بسرعة، دون أن تواكبها أنظمة صحية كافية. إعادة شباب جهاز المناعة إن إعادة شباب جهاز المناعة لم تعد حلماً بعيد المنال، بل أجندة علمية عالمية تتشكل بسرعة، والعالم العربي لا يمكنه أن يبقى متفرجاً. فإذا تمكّنا من كشف التدهور المناعي الصامت لدى كبار السن أو حتى الشباب في مراحل مبكرة، فسنكون أمام فرصة ذهبية لتقليل مضاعفات الشيخوخة، وتحسين جودة الحياة، وخفض العبء الصحي والاقتصادي. بكلمات أخرى: إنقاذ المستقبل يبدأ الآن... من خلايا جهاز المناعة. لم تعد المناعة مجرّد خط دفاع صامت، بل أصبحت مؤشراً بيولوجياً بالغ الحساسية يكشف لنا حالة الجسم الداخلية بدقة تفوق أجهزة القياس التقليدية. إنها المرآة التي تعكس ليس فقط ما نأكله، بل كيف نعيش، وكم نتحرّك، ومدى قدرتنا على مواجهة التوتر. في لحظة تأملٍ عصرية، سألتُ إحدى أقوى خوارزميات الذكاء الاصطناعي الطبية في العالم - «واتسون غوغل ميديكال» - سؤالاً بسيطاً لكنه مصيري: كيف نحافظ على شباب جهاز المناعة ونؤخّر شيخوخته؟ وكانت الإجابة على قدر التحدي... وصفة طبية مدعومة بأحدث الأبحاث العالمية: «الغذاء المتوازن، النوم العميق لثماني ساعات، تقليل القلق والإجهاد المزمن، ممارسة تمارين التأمل واليوغا، الحفاظ على مستويات كافية من فيتامين دي، الزنك، وفيتامين سي، وعدم إغفال النشاط البدني المنتظم، والالتزام بنمط حياة يضمن لياقة بدنية جيدة». والرياضة ليست ترفاً للرشاقة، بل دعامة أساسية لتجديد الخلايا المناعية وتعزيز كفاءتها. فقد أظهرت دراسة نُشرت في Frontiers in Immunology (2024) أن الأشخاص الذين يمارسون التمارين الهوائية بانتظام لديهم نسبة أكبر من الخلايا التائية النشطة (T-cells) والتي تتفرع من كريات الدم البيضاء، وهي من الركائز الأساسية للمناعة طويلة المدى. إذن، إذا كنا نرغب في شيخوخة أكثر صحة وكرامة، علينا أن نبدأ من حيث لا نرى: من داخل الخلية... ومن عمق الجين... ومن عمق عاداتنا اليومية. وربما، في المستقبل القريب، سيصبح تحليل «العمر المناعي» جزءاً لا يتجزأ من فحوصنا السنوية، إلى جانب ضغط الدم ونسبة السكر والكوليسترول. إن العمر الحقيقي للإنسان لا يُقاس بالتقويم... بل بجودة ما يدور في دمه وجهازه المناعي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store