
الصاروخ الفرط صوتي كفيل بتدميرها.. هل انتهى عصر حاملات الطائرات العملاقة؟
دخلت هذه الحاملة الخدمة رسميًا عام 2017 خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي وقف على متنها مفتخرًا بزهو يرتدي سترة البحرية الأميركية أثناء إلقائه خطابا حماسيا قال فيه إن حاملة الطائرات الأميركية الأحدث هي رسالة للعالم "تزن 100 ألف طن".
ينظر كثيرون إلى حاملات الطائرات باعتبارها جوهرة التاج في البحرية الأميركية، فهي سفن كبيرة مسطحة تعمل كمطارٍ متنقل قادر على حمل وإطلاق عشرات الطائرات المقاتلة، ولهذا السبب أصبحت رمز قوة وهيمنة الولايات المتحدة، التي تمكنها من نشر قواتها إلى أي مكان في العالم وضد أي عدو.
إلا أنه مع تقدم تكنولوجيا الأسلحة الهجومية بعيدة المدى، صارت مدن الحرب العائمة التي يتكلف تصنيعها مليارات الدولارات مهددة من قبل الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ المضادة للسفن والمسيّرات رخيصة الثمن، وهي أسلحة أصبحت الآن في متناول يد أعداء واشنطن.
هذا الأمر دفع وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إلى التساؤل عن قيمة حاملات الطائرات، قائلًا في مقابلة أجريت معه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن 15 صاروخًا فرط صوتي بإمكانها إغراق 10 حاملات طائرات أميركية في غضون 20 دقيقة.
كانت تصريحات هيغسيث تشير إلى التهديدات التي تحيق بحاملات الطائرات العملاقة التي تعتبر رمزًا للفخر الوطني الأميركي، وبالتالي فإن فقدان واحدة منها في أي صراع قد يؤثر سلبًا على الفخر الوطني والمعنويات العسكرية ويعد ضربة قاصمة لأميركا، وهي مخاوف يشاركه فيها العديد من الخبراء العسكريين الذين جادلوا بأن عصر "حاملات الطائرات العملاقة" الذي كانت فيه الولايات المتحدة قادرة على بث الرعب في قلوب خصومها؛ قد أوشك على الانتهاء.
مدن الحرب العائمة هددتها إيران وصواريخ الحوثيين
تمتلك الولايات المتحدة أكبر أسطول من حاملات الطائرات في العالم، قوامه 11 حاملة عملاقة تعمل بالطاقة النووية، وذلك مقارنةً بعدد 20 حاملة طائرات تمتلكها سائر دول العالم، ورغم ذلك لا يمكن لأي دولة مضاهاة قدرات البحرية الأميركية في النفوذ والسيطرة، فأغلب حاملات الطائرات تتركز في دول أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا أو دول حليفة مثل اليابان.
في حين نجد أن قدرات حاملات الطائرات لدى خصوم الولايات المتحدة التقليديين مثل روسيا والصين لا يمكنها بأي شكلٍ من الأشكال منافسة البحرية الأميركية، حيث لا تمتلك روسيا إلا حاملة طائرات وحيدة معطوبة ما زالت تعمل بالمازوت، وهي الحاملة "كوزنيتسوف"، في حين أن لدى الصين حاملتين للطائرات هما "لياونينغ" و"شاندونغ".
وعلى الرغم من أن موسكو تخطط حاليًا لبناء أكبر سفينة مسطحة في العالم تعمل بالطاقة النووية ويطلقون عليها اسم "شتورم" أو "العاصفة"، وبالمثل تعمل الصين على تحديث قواتها البحرية وتستعد حاليًا لإطلاق الحاملة الثالثة "تايب 003" (Type 003) والتي يُتوقع أن تكون أكبر حجمًا وأكثر تطورًا، فإن هذه المشاريع قيد التطوير وبعضها ما زال أمامه سنوات ليكتمل، وبالتالي تظل الريادة والقدرة على بسط النفوذ والسيطرة في البحار والمحيطات البعيدة من نصيب البحرية الأميركية.
يضم أسطول الولايات المتحدة فئتين من حاملات الطائرات في الخدمة الفعلية، 10 حاملات من فئة "نيميتز"، وحاملة طائرات وحيدة من طراز "جيرالد فورد" الأحدث في العالم، وهي موزعة بالكامل على الأساطيل الأميركية الستة المتمركزة في المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي والبحر المتوسط والخليج العربي، وتتولى البحرية الأميركية من خلال هذه الأساطيل مسؤولية أساسية هي حماية النظام العالمي القائم على حرية الملاحة والتجارة الحرة، والتي -للمفارقة- تعمل على حماية المصالح التجارية للقوى الرئيسية المنافسة للولايات المتحدة وعلى رأسها الصين.
دخلت مجموعة حاملات نيميتز الخدمة الفعلية في سبعينيات القرن الماضي، وتزيد سرعة إبحارها عن 55 كلم/ساعة، وتعد من الحاملات رخيصة الثمن نسبيًا، إذ تبلغ تكلفة الواحدة منها حوالي 4.5 مليارات دولار، هذا بالإضافة إلى التكاليف التشغيلية، وتسعى البحرية الأميركية حاليًا لاستبدال مجموعة نيميتز بحاملات الجيل الجديد من فئة "جيرالد فورد"، التي تبلغ تكلفة الواحدة منها أكثر من 13 مليار دولار، بخلاف 4.7 مليارات دولار تكلفة البحث العلمي والتطوير، بالإضافة إلى مصروفات التشغيل السنوية.
ينظر إلى "جيرالد فورد" باعتبارها فخر البحرية الأميركية، فقد استغرق بناء النسخة الأولى منها أكثر من 10 سنوات، وتعمل الحاملة بمفاعلين نوويين من طراز "أي 1 بي"، بما يمكنها من الإبحار مدة تزيد عن 20 عامًا دون الحاجة إلى التزود بالوقود، وهي سفينة مسطحة ضخمة تتكون من 25 طابقًا ويبلغ طولها 335م ويصل وزنها إلى 100 ألف طن، وبإمكانها حمل ما يصل إلى 80 طائرة. كما أنها مزودة برادار ثنائي الموجة، ونظام إطلاق كهرومغناطيسي للطائرات، في حين تزيد سرعتها عن 30 عقدة، ويصل عدد أفراد طاقمها قرابة 5000 من جنود البحرية والمشاة.
لكن، رغم هذه القدرات الكبيرة التي جعلت البحرية الأميركية متفوقة على منافسيها بمعدلات كبيرة، فإن تكلفة الحاملات الباهظة التي تقدر بمليارات الدولارات جعلت الصحفي العسكري المتخصص في العمليات الخاصة ستافروس أتلاماز أوغلو يناقش جدوى الاستثمار في حاملات الطائرات مستقبلًا، خاصة بعدما انهمك خصوم الولايات المتحدة في تطوير برامج صواريخ رخيصة الثمن وقادرة على استهداف الأصول البحرية وإغراق الحاملات، في خطوة يرى البعض أنها قد تغير مفاهيم الحروب البحرية مستقبلًا.
يطلق على هذا المفهوم اسم " سياسة المناطق المحظورة" (Anti access – Area denial)، وهي استراتيجية جديدة للحرب البحرية تتبعها بعض الدول بهدف جعل حاملات الطائرات العملاقة عديمة الجدوى، وذلك عبر تطوير قدرات الصواريخ الهجومية إلى درجة تمنع حاملات الطائرات من تنفيذ عمليات هجومية قرب سواحل الدول الأعداء، كما هو الحال عند السواحل الصينية، الأمر الذي يفقد حاملات الطائرات جزءا كبيرًا من قدراتها.
إلا أن هذه التهديدات لم تعد تتوقف عند حدود الدول الكبرى مثل روسيا والصين، بل تعدت ذلك لتشمل إيران والجماعات الصغيرة الناشئة مثل جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن.
ففي أبريل/نيسان الماضي، أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، استهداف حاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان" في شمال البحر الأحمر عبر مجموعة من الصواريخ والطائرات المسيرة، وقد ردت القيادة المركزية الأميركية على ذلك بمنشورٍ عبر صفحتها الرسمية على منصة "إكس" تناول مقطعا مصورا يظهر انطلاق الطائرات من الحاملة "هاري ترومان" بعد تعرضها للهجوم، في إشارة إلى عدم تضررها واستعدادها لمواصلة عملياتها. لكن، رغم نفي البحرية الأميركية فقد أمر البنتاغون بإعادة تموضع حاملة الطائرات بعيدًا عن مرمى نيران الحوثيين.
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تتعرض فيها حاملة طائرات أميركية للتهديد من قبل الصواريخ الحوثية الباليستية المضادة للسفن والتي تتطور بشكلٍ ملحوظ، ففي عام 2024 كاد صاروخ حوثي أن يصطدم بسطح حاملة الطائرات الأميركية "آيزنهاور"، كما تعرضت السفن التجارية والسفن الحربية الأميركية للخطر في مياه البحر الأحمر بعدما واصل الحوثيون إطلاق صواريخهم المضادة للسفن منذ بداية الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فيما عرف باسم "جبهة إسناد غزة".
يقول عن ذلك قائد المدمرة الأميركية "لابون"، إريك بلومبيرغ، إن فترة خدمته ضد الحوثيين كانت من أصعب فترات القتال التي شهدتها البحرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما دفع بعض الخبراء العسكريين للتصريح بأن الضعف في مواجهة القدرات الصاروخية الناشئة لجماعة صغيرة مثل الحوثيين في خليج عدن؛ يُعد مؤشرًا خطيرًا، خاصةً إذا ما واجهت الولايات المتحدة عدوًا أكثر تطورًا مثل إيران أو الصين.
بالفعل هددت طهران مؤخرًا باستهداف القواعد العسكرية الأميركية وألمحت إلى قدرتها على إغراق حاملات الطائرات العملاقة التي تجوب بحار الشرق الأوسط، وذلك بعدما توعّدها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعواقب وخيمة إذا لم تتخل عن برنامجها النووي، حيث صرح قائد القوات الجوية الفضائية في الحرس الثوري الإيراني، أمير علي حاجي زاده، أن وفرة القوات الأميركية في المنطقة نقطة ضعف وليست دليلًا على القوة، مشبهًا القواعد العسكرية الأميركية بالغرف الزجاجية، في إشارة إلى أنها تمثل أهدافًا واضحة في نطاق أسلحة طهران.
هذا الأمر تناوله محرر الشؤون الأمنية براندون ويتشرت في مقال نشرته مجلة "ناشيونال إنترست"، قال فيه إن إيران لا تطلق تهديدات جوفاء، بل باستطاعتها عند اندلاع أي صراع في الشرق الأوسط إغراق إحدى حاملتي الطائرات الأميركيتين في الشرق الأوسط، في إشارة إلى الحاملة " كارل فينسون" التي وصلت مؤخرًا مع مجموعتها القيادية لتنضم إلى الحاملة "هاري ترومان" بهدف تعزيز الأصول البحرية الأميركية في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن.
وألمح ويتشرت في تقريره إلى أن حاملات الطائرات التي طالما اعتبرت رمزًا للهيمنة الأميركية على البحار والمحيطات وسلاحًا استراتيجيًا مكّن واشنطن من إطلاق الطائرات في عرض البحر، أصبح لزاما على البحرية اليوم إبقاؤها على مسافة آمنة بعيدًا عن بؤر القتال، مما يحد من فاعليتها وقدرتها على الهيمنة.
في ديسمبر/كانون الأول 2023، أفادت بعض التقارير أن مختبرًا سريًا في الصين أجرى محاكاة لاستخدام قدرات الأقمار الصناعية والصواريخ الفرط صوتية في شن هجوم مسلح على سفن حربية أميركية، إذ تلقت الصواريخ الفرط صوتية الصينية الدعم من عدد من الأقمار الصناعية منخفضة المدار التي كانت متمركزة فوق السفن الأميركية، بعدما التقطت هذه الأقمار إشارات الرادار القادمة من السفن الأميركية واستخدمتها فيما بعد في إطلاق إشارات مماثلة لخلق ضوضاء خلفية ساعدتهم على إخفاء مواقع الصواريخ. وأشارت الورقة البحثية إلى أن قمرين صناعيين أو ثلاثة كانت كافية لمهاجمة حاملة طائرات أميركية.
كشفت المحاكاة الحاسوبية أنه بمجرد اقتراب الصواريخ بمسافة نحو 50 كلم من الهدف تكتمل مهمة التشويش الخاصة بالأقمار الصناعية، في الوقت ذاته تفعل أجهزة التشويش المحمولة على الصواريخ والتي تتسبب في إرباك رادارات العدو، حينها تبدأ الصواريخ مناوراتها النهائية في الوصول إلى الأهداف وتدميرها.
وبحسب ما نشرته "فوكس نيوز" الأميركية، استندت هذه الورقة البحثية إلى رادارات "إس بي واي- 1 دي" (SPY-1D) التي طورتها شركة لوكهيد مارتن، وهي رادارات شهيرة تستخدمها مدمرات البحرية الأميركية من طراز "آرلي بيرك".
ومع تزايد حدة التوترات بين واشنطن وبكين في الآونة الأخيرة وانخراطهما في صراع محموم لفرض السيطرة على المحيطين الهندي والهادئ، أشارت عدة تقارير إلى أن السيناريو المحتمل لاندلاع حرب بين الدولتين قد يتضمن تحليق قاذفة صينية غرب المحيط الهادئ، وإطلاق صواريخ فرط صوتية مضادة للسفن تغمر أنظمة الدفاع المتواجدة على سطح حاملة الطائرات الأميركية، مما يتسبب في إغراقها أو تعطيلها في أفضل تقدير.
تعمل الصين حاليًا على بناء قدرات صاروخية يمكنها ضرب القواعد العسكرية الأميركية غرب المحيط الهادئ وحتى جزيرة غوام، بما يشمل تطوير الصواريخ الفرط صوتية القادرة على إغراق حاملات الطائرات. هذا الأمر تناولته مجموعة من الباحثين في جامعة شمال الصين ب دراسة نشرت في مايو/أيار 2023، أشاروا فيها إلى أن الصواريخ الصينية الفرط صوتية لا تمثل تهديدًا للأصول البحرية الأميركية فحسب، بل بإمكانها تدمير حاملة الطائرات الأحدث من طراز "جيرالد فورد".
تتميز الصواريخ الفرط صوتية عن الصواريخ الباليستية التقليدية بسرعتها التي تفوق سرعة الصوت بخمسة أضعاف أو أكثر، كما تعرف بقدرتها العالية على المناورة، حيث لا تتخذ هذه الصواريخ مسارًا قوسيًا في رحلة الطيران مثل الصواريخ الباليستية التقليدية، مما يُصعّب على أجهزة الرادار والأقمار الصناعية تتبعها، ويجعلها أكثر قدرة على المراوغة أثناء الطيران واختراق أنظمة الدفاع الجوي للعدو. وحتى اليوم لا تمتلك الولايات المتحدة أنظمة دفاعية قادرة على اعتراض وإسقاط الصواريخ الفرط صوتية المتقدمة.
ونجد على رأس منظومة الصواريخ الصينية التي تهدد الأصول البحرية الأميركية، مجموعة "دونغ فينغ" (Dongfeng) التي تعرف بالعربية باسم "رياح الشرق"، ومن بينها صاروخ (دونغ فينغ-27) المعروف باسم "قاتل حاملات الطائرات"، وكانت وزارة الدفاع الصينية قد كشفت عنه لأول مرة عام 2021، واعتبرته وسائل الإعلام سلاحًا قادرًا على تقليص الهيمنة الأميركية العالمية.
و"دونغ فينغ-27" هو صاروخ باليستي قادر على حمل مركبة انزلاقية تنفصل عنه وتنطلق نحو هدفها بسرعات تفوق سرعة الصوت، ويتميز هذا الصاروخ بمدى كبير يتراوح بين 5000 و8000 كلم، مع إمكانية التحليق على ارتفاعات منخفضة وتغيير اتجاهه، بما يُصعّب على أنظمة الدفاع الجوي تتبعه أو اعتراضه.
وفي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 وأثناء فعاليات معرض الطيران والفضاء الدولي بمدينة تشوهاي، كشفت الصين لأول مرة عن صاروخ "كي دي-21" ، الذي يعد من أخطر الصواريخ الفرط صوتية المضادة للسفن، وهو صاروخ "جو-أرض" يعرف بقدراته الهجومية المتقدمة، وتزيد سرعته عن 5 ماخ (والماخ وحدة قياس سرعة الصوت ويساوي 1225 كلم/ساعة)، إذ تصل سرعة الصاروخ في مرحلة عودته إلى الغلاف الجوي ما بين 8 و10 ماخ، بينما يتوجه نحو هدفه في المرحلة النهائية من الهجوم بسرعات تتراوح بين 4 و6 ماخ.
يعمل محرك هذا الصاروخ بالوقود الصلب، ويتراوح مداه التشغيلي ما بين 900 و1000 كلم، ويتميز برأس حربي قادر على اختراق الأهداف المحصنة في البر أو البحر. وقد صُمم ليكون قادرًا على تدمير حاملات الطائرات، هذا بالإضافة إلى قدرته على استهداف المقذوفات الهجومية المحمولة على سطح الحاملات.
كما تستخدم الصين في الوقت الحالي صاروخين أساسيين في الخدمة الفعلية لضرب الأهداف البحرية المتحركة مثل السفن، هما " دي إف-21 دي" الباليستي متوسط المدى والذي تصل سرعته إلى 10 ماخ، وصاروخ "دي إف-26″ بعيد المدى.
كل هذه القدرات مجتمعة جعلت بعض الخبراء العسكريين يجادلون بأن صواريخ الصين الفرط صوتية جعلت حاملات الطائرات الأميركية تبدو كتقنيات عسكرية متقادمة "عفا عليها الزمن"، وهو خطر يمتد إلى حد تهديد القواعد الجوية الأميركية، بحسب ضابط الغواصات الأميركي السابق، توماس شوغارت، الذي أشار في تصريح لصحيفة " بزنس إنسايدر" أن الجيش الصيني اختبر رؤوسًا حربية بإمكانها استهداف الطائرات الأميركية في القواعد الجوية.
وبهذه الوتيرة من التطور المتزايد للقدرات العسكرية، قد تنشر الصين في المستقبل القريب مئات الصواريخ الباليستية المضادة للسفن القادرة على وضع السفن الحربية الأصغر حجمًا -مثل المدمرات- على قائمة أهداف بكين.
لكن المخاطر التي تحيق بحاملات الطائرات العملاقة لا تتوقف عند الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ المضادة للسفن، ففي عام 2005، وخلال مناورة بحرية قرب سواحل ولاية كاليفورنيا الأميركية، تمكنت غواصة سويدية رخيصة الثمن من إغراق حاملة الطائرات الأميركية "رونالد ريغان" عدة مرات، وذلك عبر محاكاة افتراضية، حيث تمكنت الغواصة الصغيرة من اختراق شبكة الدفاعات الحصينة التي تحيط بالحاملة الأميركية من المدمرات والمقاتلات والطائرات المروحية، وهو ما اعتبره المسؤولون حينذاك خطرًا فعليًا يحيط بأكثر القطع البحرية تطورًا في الأسطول الأميركي.
هذا الأمر وضع زوارق الهجوم البحرية غير المأهولة والقوارب المسيّرة والمركبات ذاتية القيادة تحت سطح الماء ضمن نطاق هذه التهديدات، ففي أي هجوم محتمل بإمكان قوات العدو -بالتزامن مع الضربات الجوية- استخدام الزوارق المسيرة و إطلاق مجموعة من الطوربيدات من غواصات الديزل الكهربائية التي تعمل بهدوء في أعماق المحيط، وذلك لاختراق المساحات الآمنة التي تتواجد فيها حاملات الطائرات الأميركية واستهدافها.
وبالتوازي مع ذلك، فتحت الطائرات المسيرة الباب أمام نوع جديد من التهديدات لم يكن موجودًا من قبل، إذ ينظر إليها الخبراء العسكريون باعتبارها أحدث ظاهرة عسكرية قادرة على تغيير مستقبل الحروب، وبالفعل قلبت الطائرات المسيرة موازين اللعبة في كثير من الحروب والنزاعات الإقليمية التي اندلعت في السنوات الأخيرة، وعلى رأسها الحرب الأوكرانية وحرب اليمن والحرب السورية، ما نتج عنه اتجاه العديد من دول العالم نحو استثمار مليارات الدولارات في هذه الصناعة، لا سيما وأنها توفر قدرات استطلاعية وإمكانات قتالية من خلال "المسيرات الانتحارية" بأسعارٍ زهيدة، الأمر الذي جعلها سلاحًا رائجًا حتى بين الدول المتواضعة والجماعات المسلحة.
أما الأكثر إثارة للانتباه فكان ما أشارت إليه التقارير من أنه يمكن لضربتين من طائرة مسيرة رخيصة الثمن أن تعطل أو تغراق حاملة طائرات تبلغ كلفة بنائها وتشغيلها وتجهيزها 13 مليار دولار، وهو ما دفع مراسل "بي بي سي" البريطانية في جنوب شرق آسيا، جوناثان هيد، إلى التساؤل في تقريرٍ له، عما إذا كان من الحكمة في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاستثمار بمليارات الدولارات في آلة حرب واحدة يمكن تدميرها في غضون دقائق من بداية الصراع بسلاحٍ لم يتجاوز ثمن تصنيعه بضعة آلاف من الدولارات.
حاملات الطائرات والمستقبل الغامض
في أغسطس/آب 2021، ناقش مدير الأبحاث في برنامج السياسة الخارجية بمؤسسة "بروكينغز"، مايكل أوهانلون، مسألة الإنفاق الدفاعي الأميركي مع رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي، آدم سميث، وأثناء الحوار سأل أوهانلون عن مستقبل حاملات الطائرات العملاقة ومدى قدرتها على الصمود في ظل التهديدات المتزايدة للأسلحة المتطورة الحديثة، خاصة أن القوات البحرية أصبحت أكثر ميلا إلى إبقاء حاملات الطائرات على مسافات آمنة في البحار والمحيطات.
أجاب سميث حينذاك بأنه حتى مع بقاء الحاملات على مسافات آمنة، ستظل تعمل كقاعدة عسكرية متنقلة قادرة على نقل الطائرات المقاتلة إلى أقرب نقطة ممكنة من ميدان المعركة، وهو أمر يضمن بقاءها في الساحة على الأقل في الوقت الحالي، رغم ذلك فإن تكلفتها العالية بحسب سميث- قد تدفع إلى إعادة تقييم فائدتها مستقبلًا، والبحث عن طرق أخرى للاقتراب من ميدان المعركة دون دفع 12 مليار دولار، قيمة بناء الحاملة الواحدة.
يعود الجدل حول جدوى حاملات الطائرات إلى بداية ظهورها قبل قرن من الزمان، إذ يرى مؤيدوها أنها ليست مجرد سفن ضخمة، بل تمثل قواعد عسكرية عائمة تبحر على سطح الماء وقادرة على حشد أسراب الطائرات المقاتلة والإبحار بها إلى أي مكان في العالم، ويقولون إنه حتى تتطور التكنولوجيا إلى درجة تسمح للطائرات المقاتلة بالتحليق لمسافات بعيدة دون الحاجة للتزود بالوقود، ستظل حاملات الطائرات آلة حرب قوية لا غنى عنها لتحقيق الردع في المناطق البعيدة.
في الوقت ذاته، يشكك النقاد في قدرة حاملات الطائرات على الصمود في حرب واسعة النطاق مع عدو متقدم مثل روسيا أو الصين، مشيرين إلى أن الخطر الذي تتعرض له هذه السفن المسطحة العملاقة أصبح أشد وطأة من أي وقت مضى، كما يُفقدها البقاء على مسافات آمنة كثيرًا من قدراتها ويجعل الطائرات المقاتلة بعيدة عن مداها، وبالتالي من الأفضل إنفاق هذه المليارات على تطوير تقنيات عسكرية أحدث.
لهذا السبب دعا الضابط السابق في القوات الخاصة بالجيش الأميركي، ستيف باليستريري، في مقالٍ نشره موقع "1945" في مارس/آذار الفائت، إلى التوقف عن بناء المزيد من حاملات الطائرات، والاكتفاء بالحاملات 11 التي تمتلكها الولايات المتحدة، قائلًا إن عصرها شارف على الانتهاء، وإذا كانت هذه السفن العملاقة ما زالت تحتفظ بهيبتها في منطقة الشرق الأوسط، فلن تستطيع الصمود -بحسبه- في حرب طاحنة بمنطقة المحيط الهادئ.
وفي نهاية مقاله، طرح باليستريري تساؤلًا عن مصير قرابة 80 أو 90 طائرة مقاتلة في حالة غرق إحدى حاملات الطائرات الأميركية التي تعمل بمثابة مطار متنقل.
في هذا السياق، اقترح الباحث في مشروع الصين التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ماثيو فونايول، أنه في ظل التحديات الحالية يمكن اللجوء إلى حلول بديلة، مثل استخدام حاملات أصغر حجمًا وأقل تطورًا ومحدودة التكلفة.
نفس الأمر كان قد أشار إليه الصحفي العسكري ستافروس أتلاماز أوغلو، قائلًا إن بإمكان البحرية الأميركية الاستثمار في سفن أصغر وأقل تكلفة تكون قادرة على حمل عدد محدود من الطائرات المقاتلة، خاصةً أن خسارة واحدة من هذه السفن الصغيرة لن تكون بمثابة خسارة حاملة طائرات عملاقة.
لكن تبقى المعضلة الأساسية أن السفن الصغيرة لن تستطيع أن تحل محل حاملات الطائرات من حيث القوة النارية والتأثير العملياتي، ويرى مراسل البي بي سي، جوناثان هيد، أن تقليص حجم حاملات الطائرات سيحد من إمكانياتها بحيث لن تصبح قادرة إلى على حمل وإطلاق المروحيات والطائرات المؤهلة للهبوط والإقلاع بشكلٍ عمودي، وهو ما سيسفر عنه بناء سفن أصغر أكثر عرضة للخطر.
كما حاجج النائب آدم سميث أصحاب هذه الرؤى قائلًا إن حاملات الطائرات لو كانت بالفعل أمست تقنيات عسكرية قديمة الطراز، لما انهمكت الصين في إنفاق المليارات من أجل تشييد حاملة طائرات متقدمة.
مع ذلك، لا تزال هناك إشكالية قائمة بخصوص كيفية استخدام حاملات الطائرات مستقبلًا، يشير سميث إلى أن آلات الحرب العملاقة هذه بحاجة إلى التكيف مع التهديدات الناشئة للأسلحة الفرط صوتية وغيرها من وسائل الحرب الحديثة، وذلك عن طريق تزويدها بأنظمة غير مأهولة وأنظمة بعيدة المدى، كما اقترح ضرورة العمل على تطوير طائرات مقاتلة بعيدة المدى، والبحث عن طرق لتزويد الطائرات الشبحية الأميركية بوقود كاف يمكنها من التحليق لمسافات طويلة والوصول إلى أهدافها بنجاح، مما يقلل الاعتماد على حاملات الطائرات.
وفي كل الأحوال هناك حاجة ملحة -بحسب سميث- لمراجعة ميزانية التكاليف الخاصة بالفئة الجديدة من حاملات الطائرات "جيرالد فورد"، والعمل على تجنب التكاليف الزائدة في سفن "فورد" المستقبلية التي من المقرر أن تستبدل بها البحرية الأميركية حاملات الطائرات المنتشرة على نطاق واسع من طراز "نيميتز".
وفي إطار العمل على إيجاد حلول بديلة لمواجهة هذه التحديات، تعمل البحرية الأميركية على تطوير دفاعات قادرة على اعتراض الصواريخ الفرط صوتية، وذلك رغم أنها عملية معقدة وتحتاج إلى قدر كبير من التوقع التكتيكي.
من بين هذه الوسائل كان العمل على تطوير صواريخ اعتراضية فائقة السرعة لديها قدرة أكبر على المناورة، وتطوير رادارات بعيدة المدى وقدرات استشعار أكثر قوة، بما يشمل التتبع في الفضاء عبر مجموعة من الأقمار الصناعية، حيث تسعى الولايات المتحدة في الوقت الحالي إلى تصميم طبقة جديدة من أجهزة استشعار الأقمار الصناعية يُتوقع وضعها في مدار أرضي منخفض (LEO)، حتى تكون قادرة على تتبع مسار الطيران الكامل لحركة الصواريخ الفرط صوتية. لكن تبقى الطريقة الأكثر فعالية في التصدي لهذا الخطر هي تدمير منصات أسلحة العدو قبل أن تبدأ بالإطلاق.
في الوقت ذاته، بإمكان أنظمة الحرب الإلكترونية أن تساهم في تشويش اتصالات العدو ومنع وصول تحديثات المواقع إلى منصات الإطلاق الرئيسية على البر.
هذا بالإضافة إلى إمكانية تحسين أنظمة الليزر على متن السفن الأميركية لمواجهة الصواريخ الفرط صوتية، ومنها تكنولوجيا الأسلحة الموجهة بالطاقة (DEW) والتي تشتمل على أشعة الليزر العالية الطاقة إلى جانب الأشعة الصوتية والموجات المليمترية وأشعة الموجات الدقيقة (ميكروويف) العالية الطاقة؛ والتي تشكل معًا أسلحة كهرومغناطيسية هائلة ورخيصة الثمن.
تستخدم القوات البحرية كذلك بعض الوسائل الفعالة لحماية نفسها من هجمات الزوارق المسيرة، مثل الحواجز والشبكات، إلى جانب التمويه الذي يعمل على إخفاء اتجاه السفينة وسرعتها، مما يربك مشغلي المركبات البحرية المسيرة.
ومن أجل التصدي لمخاطر الطائرات المسيرة حديثة العهد، هناك طريقتان رئيسيتان يمكن اتباعهما، الأولى تحييد المسيّرات بالأسلوب المتعارف عليه في إسقاط الطائرات المعادية التقليدية عن طريق الصواريخ الموجهة، وهي الطريقة الأكثر شيوعًا رغم تكلفتها الباهظة، حيث تبلغ تكلفة الصاروخ الواحد مليوني دولار لاعتراض طائرة مسيرة يتراوح ثمنها بين 2000 إلى 20 ألف دولار بحدٍ أقصى.
والثانية تتمثل في استخدام محطات التشويش وأنظمة الحرب الإلكترونية المتقدمة القادرة على اختراق برامج التحكم في المسيّرات وتحديد مواقعها بدقة فائقة، وفي بعض الأحيان تتمكن القوات من إجبار المسيرات على السقوط وتفجير نفسها أو الهبوط والاستيلاء عليها، ومع ذلك تبقى هذه الطريقة ضعيفة نسبيًا.
وفي سبيل حماية حاملة طائراتها الأحدث "جيرالد فورد"، نشرت البحرية الأميركية في أبريل/نيسان 6 مدمرات صواريخ موجهة من طراز "آرلي بيرك" وزودتها بأنظمة مصممة خصيصًا لاعتراض الطائرات المسيرة، وهي أنظمة "كويوت" و"رود رانر" التي تستخدم مسيّرات اعتراضية لاستهداف مسيّرات العدو وإسقاطها. وتعد هذه الأنظمة منخفضة التكلفة مقارنة بالصواريخ الموجهة المضادة للطائرات والتي تستخدمها سفن البحرية الأميركية وحلف الناتو في مياه البحر الأحمر لمواجهة المسيرات الحوثية.
وفي ضوء كل هذه الاعتبارات، يبدو أن حاملات الطائرات العملاقة ستظل باقية على الساحة لسنوات قادمة، رغم تصريحات وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث بشأن توجيه الأولوية في المستقبل نحو بناء السفن، وما أثارته تلك التصريحات من تساؤلات عما إذا كانت وزارة الدفاع الأميركية ستقلص الميزانية الخاصة بصناعة وتطوير حاملات الطائرات، إذ يرى جوناثان هيد أن الرئيس دونالد ترامب المعروف عنه ولعه بالمظاهر والمشاريع الباذخة؛ لن يتخلى بهذه السهولة عن أحد رموز الهيمنة العسكرية الأميركية، وذلك بغض النظر عن الجدل الاقتصادي الدائر حولها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 7 دقائق
- الجزيرة
ترامب يفرض رسوما جمركية جديدة ويهز الأسواق ويربك الحلفاء
أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا يفرض من خلاله رسوما جمركية جديدة على عشرات من شركاء الولايات المتحدة التجاريين، في خطوة أعادت إشعال حرب تجارية عالمية تلوّح بتداعيات اقتصادية واسعة. وشملت الإجراءات الجديدة فرض رسوم بنسبة 35% على واردات من كندا، و20% على تايوان، و25% على الهند، و39% على سويسرا، في حين حافظت بعض الدول مثل المملكة المتحدة والبرازيل على مستوياتها السابقة البالغة 10%. وجاء هذا القرار بعد أسابيع من الرسائل المتناقضة والمفاوضات المحمومة التي أجرتها واشنطن مع عواصم عدّة لتجنّب صدام تجاري شامل. وقد أعلنت الإدارة الأميركية أن هذه الرسوم تهدف إلى تقليص العجز التجاري، الذي وصفته بـ"التهديد غير العادي للأمن القومي والاقتصاد الأميركي"، بالإضافة إلى زيادة إيرادات الخزينة لتمويل تخفيضات ضريبية داخلية. ويأتي هذا التعديل الجمركي ليخفف من حدة الرسوم التي أعلنها ترامب سابقا في "يوم التحرير" في الثاني من أبريل/نيسان، إلا أن متوسط معدل التعرفة الجمركية الأميركية بات عند أعلى مستوياته منذ عقود، في مؤشر على توجه ترامب لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي وفق قواعد مغايرة. كندا وتايوان في مرمى النار ورغم الجهود المكثفة التي بذلتها الحكومة الكندية في اللحظات الأخيرة، أخفقت أوتاوا في التوصل إلى تسوية مع واشنطن قبل حلول الموعد النهائي في الأول من أغسطس/آب الجاري. وعبّر رئيس الوزراء الكندي مارك كارني عن "خيبة أمل" بلاده إزاء القرار الأميركي، محذرا من أن قطاعات اقتصادية ستتأثر "بشكل كبير"، إلا أنه أكد استمرار المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة. في المقابل، وجّه وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك انتقادات لاذعة لكارني، واصفا إياه بـ"فاقد الحس"، على خلفية إعلان كندا هذا الأسبوع نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، وهي خطوة أثارت حفيظة الرئيس الأميركي. أما تايوان، التي تُعد المنتج الأهم في العالم لأشباه الموصلات، فوصفت الرسوم الأميركية البالغة 20% بأنها "مؤقتة"، إذ عبّر رئيسها لاي تشينغ تي عن أمله في التوصل إلى خفضها عبر المفاوضات، معتبرا أن بلاده لا تزال شريكا إستراتيجيا لواشنطن في سلاسل التوريد التكنولوجية. منطق الرسوم.. الفائض التجاري يحدد النسبة وأوضحت الإدارة الأميركية أن الرسوم الجديدة جرى تصميمها وفق مبدأ الميزان التجاري. الدول التي تشتري من الولايات المتحدة أكثر مما تصدّر إليها ستخضع لرسوم بنسبة 10%، بينما تُفرض 15% على الدول ذات الفائض المحدود. أما الدول التي لم تبرم اتفاقات تجارية أو تمتلك فوائض تجارية كبيرة فستخضع لتعريفات أعلى. وتُظهر البيانات الرسمية أن الهند تواجه رسما بنسبة 25%، بينما بلغت النسبة على سويسرا 39%. في حين جرى خفض الرسوم على الاتحاد الأوروبي من 20% إلى 15%، وعلى اليابان من 24% إلى 15%، وكذلك كوريا الجنوبية من 25% إلى 15%. أما المملكة المتحدة والبرازيل فقد احتفظتا بنسبة 10%، مع ملاحظة أن بعض سلع البرازيل ستخضع لتعريفة إضافية تصل إلى 40%. وفي سياق منفصل، استثنى الأمر التنفيذي الصين من هذه الإجراءات الجديدة، حيث لا تزال المفاوضات بين بكين وواشنطن جارية حتى الموعد النهائي المحدد في 12 أغسطس/آب الجاري. أما الرسوم المفروضة على الدول الأخرى فستدخل حيز التنفيذ بعد 7 أيام، لإتاحة الوقت لإدارات الجمارك الأميركية لتطبيقها. تداعيات اقتصادية مباشرة ورد فعل الأسواق وبالتزامن مع الإعلان، شهدت الأسواق العالمية حالة من الارتباك. فقد تراجع مؤشر "ستوكس 600" بنسبة 1.2% في تداولات الجمعة المبكرة، وانخفضت العقود الآجلة لمؤشري "ستاندرد آند بورز 500″ و"ناسداك" بنسبة 1% و0.9% على التوالي. في المقابل، بقي الدولار وسندات الخزانة الأميركية مستقرين إلى حد كبير. وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية: "نحن بصدد إنشاء نظام تجاري جديد لا يقوم على الكفاءة المطلقة، بل على مبدأ العدالة والتوازن"، في إشارة إلى التحول في فلسفة السياسة التجارية الأميركية. وتشير فايننشال تايمز إلى أن هذا التوجه يُعدّ محاولة واضحة من ترامب لإعادة صياغة النظام التجاري العالمي على أساس مصالح أميركية محضة، ولو جاء ذلك على حساب عقود من الليبرالية الاقتصادية، الأمر الذي يُنذر بمزيد من الاحتكاكات الاقتصادية والسياسية خلال المرحلة المقبلة.


الجزيرة
منذ 39 دقائق
- الجزيرة
ما هي خريطة المسيحية الأميركية التي تؤمن بعودة الرسل والأنبياء؟
في ساعةٍ متأخرة تحت الأضواءٍ الكاشفة في قاعة الكونغرس الأميركي، وفي أحد خطاباته بعد أسابيع قليلة من بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، وقف مايك جونسون ، رئيس مجلس النواب مضموم الشفتين، مرتّلًا كلماته كما لو كانت مقاطع من وحي مُنزّل: "دعم إسرائيل واجب مقدس". قالها جونسون دون أن يرمش، وسط تصفيق بعض الحاضرين، وصمت آخرين. ظهر المشهد كقداس ديني، لا كخطاب رسميّ، وكأن المنبر الذي صعد عليه لم يعد جزءًا من جمهورية تعرّف كدولة علمانية، بل مذبحًا في كنيسة يعلوها علم الولايات المتحدة وبجانبه الصليب. لم تكن هذه الجملة مجرد رأي سياسي في لحظة توتر، فقد كررها غير جونسون، وهو نفسه مرات كان آخرها قبل عدة أيام حين قال إن حبه لإسرائيل "أمر يتعلق بالإيمان" لا بالسياسة. تأتي كل هذه التصريحات لتعكس أزمة خطيرة، تدهور أيديولوجي تقود فيه عقيدة قومية متطرفة التشريع السياسي والقانوني في دولة تقول عن نفسها إنها قائدة العالم الحر، وتكتب فيه النبوءات القديمة فصولًا جديدة من السياسة الحديثة. فـ'القومية المسيحية' في الولايات المتحدة لم تعد فكرة هامشية يتداولها متطرفون على أطراف المجتمع، بل باتت مشروعًا متكاملًا في قلب المؤسسات، يحكم البيت الأبيض والكونغرس كما يحكم الكنيسة، ويعيد تشكيل الخطاب السياسي، ومعه الجهاز البيروقراطي للدولة بأكملها. ليصبح الجدل في أميركا اليوم، لا حول دور الدين في الحياة العامة، بل حول معنى الأمة التي يجب أن تكونها الولايات المتحدة: هل هي جمهورية تعددية كما كُتب في الدستور؟ أم مملكة تُحكم باسم الرب كما ورد في الإنجيل؟ ليست القومية المسيحية مصطلحًا جديدًا، لكنها أصبحت في السنوات الأخيرة قوة متزايدة التأثير، خصوصًا في أعقاب صعود الرئيس دونالد ترامب، حيث لم يعد غريبًا أن نرى شعارات دينية على قبعات أنصاره وقمصانهم، وكتبًا مقدسة تُرفع في التجمعات الانتخابية. غير أن قياس ومعرفة هذه الظاهرة يظل تحديًا بحثيًّا حقيقيًّا، نظرًا إلى طبيعتها المطاطة والمائعة وغير المؤسسية. تشير القومية المسيحية إلى رؤية سياسية ترى أن الولايات المتحدة دولة مسيحية في أصلها وتكوينها، ويجب أن تُحكم بقيم الكتاب المقدس. لكن هذه الرؤية تتفاوت في تفاصيلها بين من يدعون إلى دولة ثيوقراطية تُلغى فيها الحدود بين الكنيسة والدولة، وبين من يرون أن المسيحية ينبغي أن تكون مجرد إطار أخلاقي عام للحكم والسياسة. أصبحت القومية المسيحية ظاهرة تطل برأسها بقوة على السياسة والمجتمع في الولايات المتحدة الأميركية، ومع ذلك كان من العسير ضبط مصطلح شامل وجامع لها يحددها بغية تفسيرها، والمشكلة تكمن في أنها ظاهرة حاضرة بقوة لكنها ليست منظمة في إطار واضح، فبعكس تيارات الإحياء الديني الإسلامي مثلًا التي يمكن رصدها من خلال حركات منظمة ورموز واضحة، ورؤى أيديولوجية راسخة تصارع منذ عقود طويلة السرديات الرسمية، حيث لا تظهر ولا تتجلى القومية المسيحية بنفس الصيغة، فلا توجد جماعة واحدة أو أطر كبرى متماسكة واضحة ينضوي تحتها كتل متجانسة ترفع شعار تحكيم "الكتاب المقدس" في الحياة. ومن هنا تأتي صعوبة القياس وتحديد الظاهرة فمن هم القوميون المسيحيون في الولايات المتحدة؟ هل هم الذين يتمنون إلغاء الفصل بين الكنيسة والدولة مثل الكاتب المحافظ ديفيد بارتون الذي يوصف عادة من قبل الأكاديميين بأنه "مؤرخ زائف"؟ القومية المسيحية على الخريطة الأميركية يروج بارتون دائمًا لفكرة أن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة لم يقصدوا مطلقًا الفصل بين الكنيسة والدولة وإنما كانوا يقصدون حماية الدين من الحكومة لا فصل الدين عن السياسة، لكن المؤسسات العليا القضائية الأميركية -حسبما يرى- أساءت فهم ما قصده الآباء المؤسسون، ويقول دائمًا إنه غير معني بالقانون الوضعي الذي يحلل الحرام ويسوغ "الفجور الجنسي" بتعبيره، وأنه لا يعنيه ما قاله وما فعله الساسة الأميركيون فليس للناس أن يضعوا قانونًا يتناقض مع ما أقره الله من الصواب والخطأ. هل وحدهم القوميون المسيحيون من يريدون ذلك، أم يشاركهم ذلك التوجه شرائح من غير المتدينين ممن لا يحبذون دمج الدين بالدولة، وفي الوقت نفسه يريدون استعادة المسيحية بوصفها البناء الأخلاقي الرئيسي للسياسة والمجتمع في الولايات المتحدة لاستلهام قيمها وتوجهاتها؟ حاول الباحثان أندرو وايتهايد وصامويل بيري الإجابة عن ذلك من خلال استبيان ميداني اعتمد على مجموعة من الأسئلة لتحديد مواقع الأفراد على طيف القومية المسيحية. وشملت الأسئلة استفسارات مثل: هل يجب إعلان الولايات المتحدة أمة مسيحية؟ هل يجب أن تستند القوانين الأميركية إلى أوامر الكتاب المقدس؟ وهل المسيحية جزء من الهوية الأميركية؟ حاول الباحثان من خلال هذا الاستجواب أن يصلا إلى مدى تغلغل أفكار المسيحية في الولايات المتحدة لمعرفة النسبة المحتملة لمعتنقي أفكار القومية المسيحية في أميركا، بحيث يكون المجيبون بنعم عن أغلب الأسئلة مؤيدين للقومية المسيحية، والمجيبون بها عن نصف الأسئلة متعاطفين أكثر من كونهم مؤيدين، ثم يكون المجيبون بلا هم الرافضين لهذه الأيديولوجيا. بهذه المعايير المبنية على الأسئلة أجرى "المعهد العام لأبحاث الدين الأميركي" وهو منظمة غير ربحية ولا حزبية متخصصة في الدراسات الكمية والنوعية ذات الصلة بالمواضيع الدينية، بحثه لعام 2024 لدراسة القومية المسيحية في الولايات الأميركية الخمسين، وذلك من خلال إجراء مقابلات مع 22 ألف مواطن أميركي بالغ. وبحسب نتائج هذا البحث، فإن ثلاثة من كل 10 أميركيين إما مؤيدون للقومية المسيحية وإما متعاطفون معها، و10% من الأميركيين مؤيدون وأتباع لتلك الأيديولوجيا، و20% منهم متعاطفون معها، و37% منهم متشككون فيها و29% رافضون لها، وهذه النسب مستقرة منذ عام 2022. وقد أظهر البحث أن 20% من الجمهوريين من أتباع تلك الأيديولوجيا و33% من منتسبي الحزب متعاطفون معها، في حين أن 5% فقط من الديمقراطيين من أتباعها و11% منهم فقط متعاطفون معها. وجدير بالذكر بحسب البحث أنه كلما انخفض المستوى التعليمي للفرد وزاد عمره يكون أميل إلى الارتباط بأفكار القومية المسيحية. كذلك فإن أغلبية الأميركيين المسيحيين البيض بنسبة 54% منهم تابعون لتلك الأيديولوجيا أو متعاطفون معها على الأقل، في حين تقل النسبة لتصبح 46% فقط بين الأميركيين السود. وتتجلى القومية المسيحية على الخريطة الأميركية على النحو التالي: هناك ولايات وصلت فيها نسبة القومية المسيحية إلى نحو نصف السكان أو أكثر، وهي ميسيسيبي بنسبة 51% من سكانها، وأوكلاهوما بنفس النسبة، ولويزيانا بنسبة 50% من سكانها وأركنساس بنسبة 49% من سكانها، وفرجينيا الغربية بنسبة 48% من سكانها وداكوتا الشمالية بنسبة 46% من سكانها. وجدير بالذكر أن 67% من أتباع القومية المسيحية في الولايات المتحدة الأميركية و48% من المتعاطفين مع تلك الأيديولوجيا يرون أن فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأخيرة هو قدر إلهي، كذلك يشير البحث المعمق إلى أن أغلب القوميين المسيحيين يميلون أكثر من غيرهم من الأميركيين إلى دعم أفكار العنف السياسي، إذ إن أربعة من كل عشرة من أتباع القومية المسيحية، وثلاثة من كل عشرة من المتعاطفين معها، يرون أن الوطنيين المخلصين قد يضطرون في لحظة من اللحظات إلى استخدام العنف لإنقاذ البلاد على صعيد السياسة الداخلية، في حين كان 15% من المشككين في تلك الأيديولوجيا و7% فقط من الرافضين لها يوافقون على فكرة اللجوء إلى العنف لتصحيح المسار الداخلي. هنا نلقي نظرة على أبرز الجماعات الضاغطة في اتجاه القومية المسيحية، وكما سبق أن أوضحنا فإن مسألة قياس القومية المسيحية مسألة عسيرة بحثيًّا، ولهذا السبب لا يمكن حين نتحدث عن الجماعات الضاغطة في هذا الاتجاه أن ندرج كل رمز سياسي يحاجّ بحجج دينية أو يستهدف إدخال تشريعات في مجالات معينة تتواءم مع قيم الدين، لأنه في تلك الحالة سيشمل الأمر أغلب الجمهوريين عمومًا بل وبعض الديمقراطيين أحيانًا. وكذلك لا يمكن احتساب الجماعات التي تركز على قضايا صغيرة فرعية بعينها لتغيرها في السياسة لصالح الرؤى الدينية، لأنه بهذا المفهوم يمكن إدخال العديد من الجماعات والتيارات في التاريخ الأميركي بشكل يُخرج الظاهرة عن سياقها، فمنظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" التي يبلغ عدد أعضائها 10 ملايين مشهورة جدا بنفوذها وتأثيرها في السياسة الأميركية من أجل دعم دولة الاحتلال لأسباب دينية محضة، ومع ذلك يقع تأثيرها القومي المسيحي بشكل رئيسي في إطار خط فرعي واحد داخل السياسة الخارجية الأميركية. إن كل الجماعات الضاغطة المسيحية وكل الرموز السياسية الذين يجادلون في السياسة بلغة دينية أو يخططون لزيادة نفوذ الدين داخل السياسة الأميركية هم يؤدون دورهم في تشكيل مشهد القومية المسيحية الصاعد بالولايات المتحدة الأميركية، لكن في السطور القادمة سنسلط الضوء على أبرز الجماعات والمؤسسات التي تحاول على نحو منظم تحريك السياسة الأميركية بوضوح لتصبح سياسة مسيحية تزال فيها الحدود الفاصلة بين الكنيسة والدولة بشكل عام وليس في فرع أو مشهد أو لقطة بعينها. حركة الجبال السبعة إذا ما حاولنا رسم خريطة للجماعات الدافعة في سبيل السيادة المسيحية على السياسة والمجتمع، فربما تكون البداية الفضلى هي من حركة "الجبال السبعة"، فمن هذه الحركة يمكن رسم العديد من الخيوط مع الحركات والشخصيات الأخرى المختلفة في السياسة الأميركية ذات الصلة بالقومية المسيحية سواء في الأصول أو في الفروع. بحسب مجلة سبيكتروم للصحافة الاستقصائية وهي منصة ذات توجه مسيحي بروتستانتي فإن حركة الجبال السبعة هي حركة تهدف لسيادة المسيحيين والمسيحية على سبعة مجالات رئيسية من مجالات الحياة الاجتماعية في الولايات المتحدة الأميركية وهي الأسرة والشؤون الدينية والتعليم والإعلام ومجال الفن والترفيه وقطاع الحكومة وقطاع الأعمال التجارية، وتظهر نتائج استطلاع أجراه بول دجوب وهو مدير برنامج بيانات البحث السياسي بجامعة دينيسون أن نحو 41% من المسيحيين الأميركيين عمومًا و55% من المسيحيين الإنجيليين تحديدًا يوافقون على هذه الفكرة الأساسية لحركة الجبال السبعة. وحين يأتي الحديث عن الجبال السبعة، يبرز اسم تشارلي كيرك وهو الصحافي الشاب والناشط الذائع الصيت الذي اشتهر بشكل كبير في الفترة الأخيرة خلال الحملة التي قام بها لدعم الرئيس الحالي دونالد ترامب أثناء الانتخابات الأخيرة، فقد ذاع صيت مقاطعه المرئية التي يناقش فيها الشباب في الجامعات وعلى المنصات الإعلامية لمواجهة حججهم التقدمية بحجج أخرى مسيحية محافظة، خاصة أن كيرك يتمتع بالقدرة على المحاجّة والإقناع باستخدام حجج منطقية لا دينية فقط، وبحسب ماثيو بويدي الأستاذ الأكاديمي بجامعة شمال جورجيا وصاحب كتاب "ولاية الجبال السبعة: فضح الخطة الخطيرة لتنصير أميركا وتدمير الديمقراطية"، فإن كيرك والمنظمة الشبابية المحافظة التي يرأسها والتي تعد أبرز أقرانها -وهي "نقطة تحول الولايات المتحدة"- يحاولان بفاعلية جعل حركة الجبال السبعة هي العنصر التنظيمي المركزي في عهد ترامب، ومن ثم إنهاء الفصل العلماني المفترض في البلاد. يتمتع كيرك بقدرات فكرية ونقاشية واضحة تجعله محطًّا للأنظار وجاذبًا لقطاعات واسعة من الجماهير حتى من خارج الولايات المتحدة، ومن ثم فهو يتمتع بنفوذ بالغ داخل حركة "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا"، وبحسب مجلة سبيكتروم فهو يؤدي دورًا كبيرًا في اختيار المعينين والمديرين داخل الإدارة الأميركية مما جعله يلقب "صانع الملوك". جدير بالذكر أن كيرك قد صرح في عام 2020 بأن ترامب رجل يدرك جيدًا أبعاد التأثير الثقافي للجبال السبعة، مع العلم أيضا بأن واحدة من رموز حركة الجبال السبعة بحسب شبكة "سي بي سي" الكندية هي باولا وايت رئيسة مكتب الإيمان الذي أعلن دونالد ترامب تأسيسه في البيت الأبيض بعد عودته للرئاسة، مما يدل على مدى نفوذ الحركة. هذه الحركة مثلها مثل كل الحركات الشبيهة الدافعة في اتجاه القومية المسيحية سواء في ملفات فرعية أو في التوجيه الكلي للسياسة، تعد مسألة "دولة الاحتلال" و"معركة هرمجدون" مسألة شديدة الأهمية بالنسبة لها، فكل الحركات القومية المسيحية تريد بناء الجنة المسيحية ومملكة الرب على الأرض واعتقادهم الديني يشترط أنه ليتم ذلك ينبغي ترسيخ وضع دولة الاحتلال وسيطرتها على الأراضي العربية الموعودة بها بحسب اعتقادهم الديني، لذلك فإن ضمان الدعم التام لدولة الاحتلال الإسرائيلي من قبل الولايات المتحدة الأميركية هدف أساسي لكل تلك الجماعات. حركة الإصلاح الرسولي الجديد وإذا ما ذُكرت فكرة "ولاية الجبال السبعة" وهي فكرة مؤسسة في القومية المسيحية، فإن حركة الإصلاح الرسولي الجديد المسيحية البروتستانتية ينبغي أن تُذكر، وهي الحركة التي تؤمن بأن دونالد ترامب جندي عينه الرب لمحاربة قوى الشيطان والإلحاد داخل الولايات المتحدة وأن الله هو من أنقذه في محاولة اغتياله، وتسعى تلك الحركة لإعادة بناء المجتمع والسياسة الأميركية بحسب اللاهوت والمعتقدات المسيحية لتصير العقيدة المسيحية هي المهيمنة على البلاد، وبحسب منصة ذا كونفيرسيشن الصحافية والبحثية الأميركية فإن ثلاثة ملايين أميركي يرتادون كنائس تلك الحركة وربما يزيد العدد على ذلك. ولدت هذه الحركة في تسعينيات القرن الماضي على أساس عقيدة تقول بأن الله لا يزال يرسل أنبياء وجنودا معاصرين يصححون مسار المجتمع الأميركي، ومن هنا يمكن فهم رمزية دونالد ترامب بالنسبة للحركة، وبحسب ذا كونفيرسيشن فإن هذه الحركة تؤمن بأن السلطة الثقافية والسياسية بالولايات المتحدة ينبغي أن تكون في أيدي القادة الدينيين المسيحيين، ومن ثم يتم حكم الولايات المتحدة من خلال النصوص المقدسة في نظرهم ومن خلال التوجيه الإلهي والوحي الذي يبعث به الله للقادة الدينيين. جدير بالذكر هنا أن مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأميركي الذي ذكرناه في بداية التقرير وصمويل أليتو قاضي المحكمة العليا قد ظهرا وهما يرفعان شعار الحركة "النداء إلى السماء"، وبحسب صحيفة بوليتيكو الأميركية فإن حركة الإصلاح الرسولي مناصرة بشدة بالطبع لأفكار المسيحية الصهيونية. مؤسسة زيكلاغ وربما تكون المجموعة الثالثة التي يمكن الإشارة إليها في إطار رسم خريطة أبرز الحركات القومية المسيحية هي مجموعة زيكلاغ، وهي مؤسسة مسجلة رسميًّا باعتبارها مؤسسة خيرية ومن ثم فهي معفاة من الضرائب ولا تلتزم علنًا بالإفصاح عن مموليها وتعد تبرعاتها معفاة من الضرائب بموجب القانون. ولكن الجهة المانحة لهذه المؤسسة الخيرية تضم أغنى العائلات المسيحية المتدينة في الولايات المتحدة الأميركية بحسب منصة الصحافة الاستقصائية الأميركية "بروبوبليكا"، ومن ضمنهم عائلة أويهلين التي تتاجر في لوازم المكاتب، وعائلة والر التي تملك شركة "جوكي للملابس"، وتضم المجموعة 125 عضوًا كلهم أثرياء مسيحيون من المديرين التنفيذيين والقساوسة والإعلاميين المشهورين، علما بأن المجموعة تقصر الانضمام إليها على المدعوين فقط الذين لا تقل ثروتهم بحال عن 25 مليون دولار. بحسب تحقيق بروبوبليكا الذي حصل على الآلاف من رسائل مجموعة زيكلاغ الإلكترونية والمقاطع المرئية المصنوعة لأغراض داخلية إضافة إلى عروض جمع التبرعات التي تقدم للأعضاء حصرًا، ومجموعة من الوثائق الإستراتيجية للمجموعة، فإن الهدف الطويل المدى لزيكلاغ هو محاولة السيطرة المسيحية على المجالات الرئيسية للنفوذ في المجتمع الأميركي، بمعنى السيطرة على الجبال السبعة، وتنصيب مسيحيين متدينين في مراكز القيادة بالولايات المتحدة الأميركية بحيث يتم إعادة تشكيل كل جبل من الجبال السبعة من جديد على نحو يرضي الرب. جدير بالذكر أن تمويل زيكلاغ تستفيد منه بشكل خاص المنظمة الشبابية السابقة الذكر "نقطة تحول الولايات المتحدة" التي تؤدي دورًا كبيرًا على المستوى الثقافي في الولايات المتحدة من ناحية تهيئة المناخ للسيطرة على الجبال السبعة، كما أنه بالرغم من كون مجموعة زيكلاغ مؤسسة خيرية معفاة من الضرائب لا يُسمح لها قانونًا بأي شكل مباشر أو غير مباشر بأن تلعب في الساحة السياسية، فإنها وفق تحقيق بروبوليكا أدّت دورًا كبيرًا حركيًّا وماليًّا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالح حملة الرئيس الحالي دونالد ترامب. وبحسب تحقيق بروبوبليكا أيضًا فإن القوة الدافعة وراء جهود مجموعة زيكلاغ هي المبشر المسيحي لانس والناو الذي يعيش بولاية تكساس ويعرف نفسه صراحة بأنه "قومي مسيحي"، وهذا الواعظ لا يكاد مقال أو ورقة بحثية عن القومية المسيحية تخلو من الإشارة إليه، لأنه يعد من أكثر الشخصيات تأثيرًا فيما يسمى بتيار القومية المسيحية، وهو بحسب تعبير بروبوبليكا الجسر الرابط بين تيار القومية المسيحية وبين إدارة دونالد ترامب. إن التحولات العميقة التي تشهدها الولايات المتحدة لا يمكن فهمها دون التطرق إلى الدور الذي تؤديه القومية المسيحية. فهي ليست أيديولوجيا دينية فحسب، بل مشروع سياسي واجتماعي متكامل، يسعى إلى فرض نظام قيمي وديني عادة ما حاربت أمثاله الولايات المتحدة ومؤسساتها خارج حدودها. وإذا كان من السهل رصد آثار الإسلام السياسي في العالم العربي من خلال الحركات والأحزاب، فإن القومية المسيحية في أميركا تحتاج إلى أدوات بحثية أكثر حساسية، لأنها تتحرك من داخل مؤسسات المجتمع نفسه، وتستغل الثغرات القانونية والدستورية، وتستند إلى سرديات دينية عميقة الجذور في الوعي الجماعي الأميركي. ومع فشل الليبراليين الأميركيين والعلمانيين في مواجهة الشعب بخطاب جامع، وبسياسات تضمن فصل الدين عن الدولة دون إقصاء ديني، فإن الولايات المتحدة قد تكون على أعتاب تحول لا يهدد فقط الأقليات، أو التعددية الدينية في البلاد التي تفتخر بكونها بوتقة للجميع، بل تحول من شأنه أن يقوض أسس الجمهورية نفسها.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
ألمانيا تعلن تسليم منظومتي باتريوت إضافيتين لأوكرانيا
أعلنت الحكومة الألمانية اليوم الجمعة أنها ستسلّم منظومتي صواريخ باتريوت إضافيتين إلى أوكرانيا، في إطار اتفاق مع الولايات المتحدة يقضي بأن تكون برلين أول من يتسلم النسخ الأحدث من هذه المنظومة الدفاعية مقابل ذلك. وقال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في بيان رسمي إن "الالتزام الأميركي يتيح لألمانيا أن تدعم أوكرانيا في المرحلة الأولى بمنصات إطلاق، تليها مكونات إضافية لمنظومة باتريوت". وأوضح البيان أن الجيش الألماني سيبدأ خلال الأيام المقبلة بتسليم قاذفات صواريخ باتريوت إضافية لأوكرانيا، على أن تُستكمل المنظومة بمكوناتها الأخرى خلال شهرين إلى 3 أشهر. وبموجب الاتفاق، ستحصل برلين على أنظمة باتريوت جديدة من الولايات المتحدة بشكل متسارع، في حين ستتولى ألمانيا تمويل تلك المنظومات. ويأتي هذا الدعم في وقت تواجه فيه أوكرانيا تصعيدا في الهجمات الجوية الروسية، مما يجعل الحاجة إلى تعزيز قدراتها الدفاعية الجوية أكثر إلحاحا. وتُعد منظومة باتريوت من أكثر الأنظمة الدفاعية فاعلية في اعتراض وتدمير الصواريخ الباليستية الروسية. وكانت ألمانيا قد زودت أوكرانيا سابقا بـ3 منظومات باتريوت، وأكدت في بيانها اليوم أن إرسال المزيد لن يؤثر على التزاماتها الدفاعية ضمن حلف شمال الأطلسي (ناتو).