logo
متى ننهي استباحة إسرائيل الأمن القومي العربي!

متى ننهي استباحة إسرائيل الأمن القومي العربي!

إيطاليا تلغرافمنذ يوم واحد
إيطاليا تلغراف
د. عبد الله خليفة الشايجي
أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت
شكّل تعمد قصف محيط القصر الجمهوري ومبنى وزارة الدفاع وقيادة الأركان العامة للقوات السورية في ساحة الأمويين في قلب دمشق يوم الأربعاء الماضي تطورا خطيرا وغير مسبوق في تصعيد نتنياهو وائتلافه الأكثر تطرفا بتاريخ كيان الاحتلال.
يضاف ذلك ما يفاخر نتنياهو به مستغلا كل مناسبة بادعائه بالقتال على سبع جبهات في غزة، والضفة الغربية، والقدس، ولبنان، وسوريا، اليمن، وحتى في إيران.
بات واضحا أن الهدف استحضار حلم «إسرائيل الكبرى» بالتوسع الإقليمي على حساب الأمن القومي العربي لفرض إسرائيل شرطي المنطقة. يساعد ذلك موقف بايدن ومفاخرته بصهيونيته، وترامب ومفاخرته أنه «أكثر رئيس خدم وقدم لإسرائيل ما لم يقدمه أي رئيس أمريكي آخر» وهو محق!
حروب إسرائيل بعدوانها على سيادة وأمن الدول العربية في جبهات نتنياهو هي حروب اختيار وليست حروب ضرورة. بهدف إثبات التفوق النوعي وهو كما يدعي أن الحضارة تقاتل البربريين والظلام للبقاء. لكن الهدف الحقيقي الذي لا تخطئه العين هو أن نتنياهو حسب تحليل موثق معمق أجرته نيويورك تايمز قبل أسبوع يؤكد أن هدف حروب نتنياهو وجبهاته المفتوحة تتعارض مع توصيات المؤسستين العسكرية والاستخبارات، لخدمة مصلحته الشخصية وتجنب تفكك حكومته وبقائها في السلطة. ولصرف الأنظار عن أزماته الداخلية، ووقف محاكمته على خلفية قضايا جنائية تشمل الفساد وخيانة الأمانة وإساءة استخدام السلطة والتكسب. وذلك بهدف البقاء في السلطة، وهو ما يعشقه نتنياهو على مدى عقود. وحتى يسقط ويشهد نهايته السياسية.
لقناعة نتنياهو أنه رئيس الوزراء المجدد والأهم بتاريخ كيان الاحتلال رغم كونه المسؤول عن أكبر كارثة أمنية لحقت بكيان الاحتلال تمثلت بالفشل العسكري والأمني والاستخباراتي ونتائج طوفان الأقصى وأطول حروب إسرائيل-التي أفقدتها هالة الهيبة وسمعة الجيش الذي لا يُقهر والأكثر تحضرا في العالم، لتعري وتفضح حملات جيش الاحتلال «السيوف الحديدية» و«خطة الجنرالات» و«عربات جدعون» و«المدينة الإنسانية في رفح «والمدينة الإنسانية»-رياء تلك الادعاءات الجوفاء.
أتت رسائل أبو عبيدة المؤلمة والمعبرة عن الغضب والحزن والخذلان. وكانت تحت عنوان: «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون» مستنكراً الصمت العربي والإسلامي على جرائم إسرائيل، مخاطباً «قادة هذه الأمة الإسلامية والعربية ويا نخبها وأحزابها الكبيرة: أنتم خصومنا حتى يوم القيامة أمام الله… وأن هذا العدو المجرم النازي لم يكن ليرتكب هذه الإبادة على مسمعكم إلا وقد أمن العقوبة وضمن الصمت واشترى الخذلان. ولا نُعفي أحداً من مسؤولية هذا الدم النازف. ولا نستثني أحداً ممن يملك التحرك كل حسب قدرته وتأثيره».
وهو محق مع ما يشهده شعب غزة المنكوب من معاناة ومأساة أسطورية. واستخدام التجويع المتعمد على يد الاحتلال سلاح فتاك، وقتل المئات الجوعى أمام مراكز توزيع المساعدات، والفتك بالعشرات يوميا، وأكثرهم أطفال. مع تأكيد وزارة الصحة أن سكان غزة: «يواجهون مجاعة كارثية ومجازر دامية قرب مراكز المساعدات تهدد حياة آلاف المواطنين في القطاع. ويمر القطاع بحالة مجاعة فعلية تتجلى في النقص الحاد بالمواد الغذائية الأساسية وتفشي سوء التغذية الحاد. مع ارتفاع ملحوظ بمعدلات الوفيات الناتجة عن الجوع وسوء التغذية…
لكن الخطر الاستراتيجي فيما نشهده في خضم جبهات حروب نتنياهو المفتوحة بضوء أخضر ودعم من ترامب وإدارته-بعد زياراته الثلاث- ليبقى المسؤول الأجنبي الوحيد الذي سُمح له زيارة البيت الأبيض ثلاث مرات في 5 أشهر!! ليمنح الضوء الأخضر للاستمرار باستباحة أمن دولنا ومنطقتنا.
لكن الأكثر تهديدا وإيلاما وغير المفهوم، كيف ولماذا جميع تلك التهديدات الوجودية لأمن الشعوب والدول العربية، لم تحفز وتحرض ذلك الخلل الواضح في موازين القوى التي تشكل تهديدا وجوديا حقيقيا لسيادة وأمن دولنا على المستويين الفردي والجماعي، لبلورة مشروع عربي رادع.
وفي المقلب الآخر، تثبت قدرة وجرأة إسرائيل بعدوانها واستباحتها الأمن القومي العربي وحتى الإيراني بحرب «الأسد الناهض»-بشن حروبها وفتح جبهات قتال بعدوانها الدائم، هشاشة وضعف قدرات الردع العربي على المستويين الفردي والجماعي!! والعجز العربي عن تشكيل قدرات ردعية توازن وتردع عربدة واستباحة إسرائيل للنظام الوطني والقومي العربي. ولا أدل على ذلك استفراد إسرائيل بالدول العربية دولة-دولة. وتفاخر قادة الاحتلال أن يد إسرائيل الطويلة قادرة على أن تصل إلى أي مكان في المنطقة. وهذه قمة العربدة والاستخفاف بالنظام العربي ونصف مليار عربي في 22 دولة، هو ما يشجع إسرائيل على عدوانها!
متى تستنهض القدرات العربية الجماعية للدفع بالتنسيق والتعاون العسكري والأمني ليملأ الفراغ الاستراتيجي، ويضع حداً لنهج عربدة إسرائيل. وذلك بفرض واقع جديد ينهي التهديد الوجودي للمشروع الصهيوني. وذلك بمشروع عربي جامع ورادع يتصدى بقدرات عسكرية واستراتيجية ويعاقب إسرائيل على عدوانها. ويوقف استباحة عدوان إسرائيل. ويعيد تصحيح البوصلة نحو إنهاء حروب إسرائيل وخاصة حرب غزة والضغط مع المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية. والذي لن يتوقف ويُردع بدون توازن قوى حقيقي. ينهي الضياع والشتات والأزمات العربية المتنقلة.
وذلك يتطلب جهدا عربيا-دوليا-أمميا مشتركا. والخطورة في حالة فشلت الجهود العربية، سيصبح الوضع القائم مستداما، يكرس الصراع الدائم والتهور والفوضى. ويعمق إصرار الصهاينة على استباحة النظام العربي في طريقهم لتشكيل «إسرائيل الكبرى» على حساب أمننا وسيادتنا.. وحتى لا نصرخ ونردد بحسرة أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض؟!!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف
السابق
ترامب يهدد بوتين.. ماذا حدث بينهما؟
التالي
الأمم المتحدة في عامها الـ80: الإصلاح أو التهميش
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب يهدّد بضرب المنشآت النووية الإيرانية مجددًا.. وخامنئي يغرد من أجل غزة
ترامب يهدّد بضرب المنشآت النووية الإيرانية مجددًا.. وخامنئي يغرد من أجل غزة

الشروق

timeمنذ 3 ساعات

  • الشروق

ترامب يهدّد بضرب المنشآت النووية الإيرانية مجددًا.. وخامنئي يغرد من أجل غزة

جدّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهديداته بضرب المنشآت النووية الإيرانية، رغم تصريحاته السابقة التي أكد فيها القضاء التام على البرنامج النووي الإيراني، في حين غرد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي داعمًا لقضية غزة. وقال ترامب في منشور عبر شبكته 'تروث سوشيال' إن 'بلاده ستعيد ضرب المنشآت النووية الإيرانية إذا كان ذلك ضروريا'. جاء ذلك تعقيبا على تصريحات لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال فيها إن بلاده لن تتخلي عن تخصيب اليورانيوم رغم الأضرار الكبيرة التي تعرض لها برنامجها النووي جراء الضربات الأميركية التي استهدفته في جوان الماضي. وأضاف عراقجي في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية أن برنامج بلاده النووي يستعصي على التدمير، وأن طهران مستعدة لانخراط دبلوماسي غير مباشر مع واشنطن. يذكر أن ترامب أكد مرارا القضاء التام على المنشآت النووية الإيرانية، غير أن هذه التصريحات تتعارض مع تقديرات أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي تشير إلى أن الضربات ربما أبطأت تقدم البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر، لكنها لم تُلْغِه بالكامل. وكانت وسائل إعلام أمريكية، من بينها 'سي إن إن' و'نيويورك تايمز'، قد ذكرت أن مسألة التدمير الكامل للمنشآت النووية الإيرانية غير صحيح، مشيرة أن الضربات قد تكون أثرت في تأخير الأنشطة النووية الإيرانية عدة أشهر فقط. من جانب آخر، وجّه المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، رسالة حازمة إلى الحكومات الإسلامية، مؤكّدًا أن الصمت إزاء ما يجري في غزة لم يعد مقبولًا، وأن على الدول الإسلامية أن تتحمّل مسؤولياتها التاريخية والدينية باتخاذ موقف واضح وصارم تجاه معاناة الشعب الفلسطيني. وقال خامنئي: 'اليوم ليس وقت السكوت أو التخاذل تجاه غزة، فالحكومات الإسلامية مسؤولة، وعليها أن تعلم أن العار الأبدي سيلاحق من يدعم الكيان الصهيوني أو يمنع تقديم المساعدة لفلسطين بأي ذريعة'. اليوم ليس يوم التزام الصمت تجاه غزّة، فالحكومات الإسلاميّة تتحمّل المسؤولية. يجب أن تُوقن أن العار الأبدي سيبقى وصمة على جباهها إن هي قدّمت الدعم للكيان الصهيوني بأيّ نحو أو ذريعة، أو منعت تقديم العون لفلسطين. — الإمام الخامنئي (@ar_khamenei) July 21, 2025 وجاءت تصريحات المرشد الإيراني في ظل تصاعد حاد للوضع الإنساني في قطاع غزة، ووسط سيل المشاهد القاسية والصادمة، وعبارات الغزيين البريئة من صمت العرب والمشتكية إلى الله ضعف الأمة الإسلامية وهوانها. وتشهد المستشفيات في القطاع تزايدا في حالات فقدان الوعي بين المدنيين خاصة الأطفال والنساء، وذلك جراء الجوع المتفشي في مختلف المناطق المحاصرة، إذ تم تسجيل 18 وفاة بسبب المجاعة في القطاع خلال 24 ساعة. كما حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن الوضع الإنساني في غزة بلغ 'مرحلة غير مسبوقة من التدهور'، مشيرا إلى أن المدنيين باتوا يموتون جوعا، مؤكدا أن ثلث السكان مجبرون على البقاء بدون طعام لعدة أيام، في مؤشر خطير على تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر.

استدعاء الذاكرة السياسيّة المغربيّة: الحسن الثاني والتحديّات الراهنة
استدعاء الذاكرة السياسيّة المغربيّة: الحسن الثاني والتحديّات الراهنة

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 4 ساعات

  • إيطاليا تلغراف

استدعاء الذاكرة السياسيّة المغربيّة: الحسن الثاني والتحديّات الراهنة

إيطاليا تلغراف * الدكتور شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ (*) في دراسة وتحليل هذا الموضوع الهام والراهن، ننطلق من سؤال منهجي تمهيدي تركيبي: هل الماضي مرآة كافية لفهم الحاضر؟ إلى أيّ حد يمكن لاستدعاء تجربة الحسن الثاني، بكل ما حفلت به من توترات ومواجهات مع أطراف إقليمية، أن يوفّر لنا عدّة تفسيرية لفهم تعقيدات اللحظة الراهنة؟ أم أنّ الحاضر، بما يعتريه من تحولات سريعة في طبيعة الدولة الوطنية والفاعلين الإقليميين، يتطلب مقاربات جديدة أكثر تحررا من الذاكرة الانتقائية؟ هذا السؤال الإشكالي المركزي هو ما يوجّه هذه الورقة البحثيّة، بوصفها مفتتحا لجدليّة الذاكرة والواقع، والتاريخ والراهن، وهو أفق لتحليل نقدي لتجربة مغربيّة في قلب التناقضات العربية. إن استحضار تجربة الأب الروحي وملهم المغاربة، جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، في مواجهته لما يُعرف بـ«محور الممانعة والرافضة» ممثلاً في أنظمة الجزائر واليمن والسودان وسوريا؛ يفتح الباب أمام تساؤل عميق حول طبيعة هذا الصراع: هل كان حقاً تجلياً لصراع بنيوي في النظام العربي؟ أم أنه، في جوهره، تعبير عن رهانات ظرفية فرضتها اعتبارات إيديولوجية وسياسية محدودة الأفق؟ وهل يمكن لقراءة نقدية لهذه التجربة أن تعيد مساءلة المفاهيم السائدة عن «الممانعة» و«التضامن» و«السيادة»، بما يسمح بتجاوز القراءة الانفعالية إلى مقاربة تركيبية ترى في الدولة الوطنية مشروعاً متجدداً وليس مجرد آلية دفاعية؟ إن مثل هذه الأسئلة لا تُطرح بدافع إعادة إنتاج الاصطفافات أو تصفية الحسابات الرمزية، بل استجابة لحاجة أكاديمية إلى مساءلة عميقة لما أنتجه الخطاب العربي من عنتريات خطابية لا تنسجم بالضرورة مع الوقائع التاريخية ولا مع متطلبات دولة وطنية معاصرة. * أولاً: الدولة الوطنية المغربيّة بين جدلية التأطير الداخلي وحدود الفعل الإقليمي تاريخ الدولة الوطنيّة المغربية، كما جسّده الحسن الثاني، يكشف عن نموذج جد معقد في إدارة وتدبير قضايا المجتمع وتأطيره داخلياً مقابل محدوديّة واضحة في التأثير على المحيط الإقليمي، خصوصاً في مواجهة ما عُرف حينها بمحور «الممانعة». هنا تبرز إشكالية مركزيّة: إلى أي مدى يمكن تحميل الدولة الوطنية أعباء الصراع الإيديولوجي العربي من دون أن تتآكل قدرتها على إدارة التماسك الداخلي؟ وهل كان من المجدي للدولة المغربية الانخراط في مواجهات ذات طابع رمزي أكثر مما هي إستراتيجية؟ إن تجربة الحسن الثاني بهذا المعنى درس مزدوج: نجاح نسبي في تحييد المجتمع الداخلي عن تداعيات المحاور المتنازعة، لكنه أيضاً واجه كلفة سياسية وأمنية واجتماعية باهظة، ظلت ماثلة لعقود لاحقة. أليس من المفيد إعادة قراءة هذه التجربة كنموذج للتوازن الحذر بين المحافظة على مشروع الدولة الوطنية في مواجهة الاستنزاف الإقليمي؟ * ثانياً: خطاب الممانعة بين الوهم والواقع: إستراتيجية مقاومة أم عنتريات خطابية؟ هنا يثور سؤال جذري: هل كان محور الممانعة، كما صُوّر، تجسيداً لممانعة حقيقية ضد الهيمنة الغربية وإسرائيل، أم كان في جوهره توظيفاً سياسياً للانقسام العربي بهدف إعادة إنتاج شرعيات محلية مأزومة؟ في هذا السياق العام يبدو خطاب الممانعة أشبه بتكرار لموروث العنتريات، حيث استُحضر بيت عمرو بن كلثوم: «ملأنا البر حتى ضاق عنا، ونحن البحر نملؤه سفينا…». إلا أن الواقع التاريخي أظهر أن هذه النزعة التصعيدية لم تؤدِ إلى نتائج ملموسة، بل ربما ساهمت في تكريس الانقسامات واستدامة النزاعات. هنا يحق التساؤل: أي وظيفة أدتها هذه النزعة في العلاقات العربية–العربية؟ وهل كان المغرب ضحية خطاب عاطفي شعاراتي لم يأخذ بعين الاعتبار مصالحه الوطنية وحدود قدراته الفعلية؟ * ثالثاً: قراءة سوسيو-فانونية: الدولة الوطنية أمام استعمار باطني جديد؟ في ضوء أطروحات فرانز فانون، يمكن تأويل التجربة المغربية كصراع مزدوج: ضد ضغوط استعمار رمزي خارجي وضد أنماط استعمار داخلي بيروقراطي محافظ. هل نجحت الدولة الوطنية المغربية فعلاً في تجاوز طابعها الدفاعي لتصبح مشروعاً تحررياً يضمن حق مواطنيها في تقرير مصيرهم بحرية؟ أم أنها انزلقت، تحت وطأة التهديدات الإقليمية، إلى أولويات دفاعية عطّلت إمكانياتها الإبداعية؟ إن التوازن بين الداخل والخارج ظل هشاً دائماً. وهو ما يجعل من الضروري التفكير في مقاربة جديدة تحرر الدولة من الاستنزاف الرمزي والمادي على الجبهات الخارجية لصالح إعادة بناء مشروع اجتماعي داخلي أكثر عدلاً وحيوية. * رابعاً: من الدفاع إلى الابتكار: هل آن أوان القطيعة مع النموذج التقليدي؟ هل يكفي المغرب أن يواصل استلهام مقاربة الحسن الثاني، القائمة على الصمود والدفاع والمناورة؟ أم أن تعقيدات اللحظة الراهنة، بصعود الفاعلين ما دون الدولة وتحول طبيعة النزاعات إلى حروب هجينة، تتطلب تجاوز منطق «رد الفعل» إلى منطق «ابتكار الفعل»؟ يمكن في هذا الصدد اقتراح ثلاثية جديدة: 1. إعادة تعريف الأمن القومي ليشمل الأبعاد الاجتماعية والثقافية والرقمية إلى جانب العسكرية. 2. إنتاج سردية وطنية جديدة قادرة على حشد المجتمع حول مشروع داخلي تحرري يضع الإنسان في صلب السياسات العامة. 3. الانخراط الإيجابي مع الفضاءين الإقليمي والدولي من موقع فاعل مبادر، لا تابع أو متلقٍّ. لكن يبقى السؤال مفتوحاً: هل تسمح البنية الراهنة للدولة المغربية بمثل هذا التحول الجذري؟ أم أن منطق النظام الإقليمي والعالمي يعيد إنتاج نفس الشروط التي كبلت الدولة الوطنية منذ عقود؟ * خامساً: نحو مشروع تضامني أكثر نضجاً؟ يبقى سؤال الدولة الوطنية المغربية معلقاً بين خيارين: أن تبقى أسيرة لماضيها كحالة دفاعية محكومة بهاجس البقاء، أو أن تتجاوز نفسها لتصبح مشروعاً تحررياً فعلياً يعيد تعريف ذاته في مواجهة عالم لا يعترف إلا بالمبادرين. هنا بالتحديد تظهر الحاجة إلى مقاربة نقدية مركبة، ترى في استحضار تجربة الحسن الثاني ليس فقط رمزاً لصمود الدولة، بل أيضاً مناسبة لمساءلة نقدية عن جدوى بعض الاختيارات، وكلفة الرهان على منطق الدفاع وحده، والفرص الضائعة لبناء تحالفات أكثر فاعلية. * هوامش للتأمل: • إلى أي مدى ما زالت الدولة الوطنية قادرة على ضبط المجال الاجتماعي والثقافي في مواجهة الضغوط العابرة للحدود؟ • هل الممانعة خطاب سياسي أم إستراتيجية تنموية متكاملة؟ وهل يمكن الجمع بينهما؟ • ما الذي يحتاجه المغرب ليتحول من «حالة دفاعية» إلى «حالة مبادرة» على المستويين الداخلي والخارجي؟ • كيف يمكن إعادة تعريف مفهوم «التحرر الوطني» في زمن أصبحت فيه الهيمنة ذات طابع رقمي ورمزي أكثر منه عسكري مباشر؟ • ألا تستدعي التجربة التاريخية إعادة التفكير في جدوى «القدرية السياسية» التي حكمت العلاقات العربية–العربية؟ * خلاصة تأملية: إن استدعاء تجربة الحسن الثاني ومواجهة المغرب لمحور الممانعة ينبغي أن يتحول من مجرد استذكار عاطفي إلى لحظة تحليلية نقدية تتجاوز الانفعال الأخلاقي والاصطفافات المسبقة. فالمواقف السياسيّة ليست انعكاساً لبنية ثابتة، بل حصيلة خيارات رهنتها سياقات عامة اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة وجيوسياسيّة، قابلة دائماً لإعادة التأويل. هكذا تظل الدولة الوطنيّة مشروعاً مفتوحاً، رهن بإرادة سياسيّة جديدة تجرؤ على أن تطرح سؤال المستقبل: أي مغرب نريد؟ دولة تكتفي بالصمود أم أمة تصنع المبادرة في ظل التحديات والتناقضات الدوليّة والإقليميّة؟ ______ (*) – د. شَنْفَار عَبْدُ اللَّهِ؛ المُفكِّرُ والباحثُ المغربيُّ، المُتخصِّصُ في العلومِ القانونيَّةِ والاقتصاديَّةِ والاجتماعيَّةِ، والناشِطُ في الرَّصْدِ والتحليلِ السياسيِّ والاجتماعيِّ والاقتصاديِّ والثقافيِّ والبيئيِّ. له عِدَّةُ مساهماتٍ فكريَّةٍ ومقالاتٍ تحليليَّةٍ تَرْصُدُ التَّحوُّلاتِ المجتمعيَّةِ وتُقَدِّمُ قراءاتٍ نقديَّةً للتَّحدياتِ الراهنةِ في المغربِ والعالمِ العربيِّ والإسلاميِّ. أَثْرَى المكتبةَ المغربيَّةَ والعربيَّةَ بعددٍ من الدراساتِ العلميَّةِ والكُتُبِ التي تناولت قضايا الإدارةِ والفاعلينَ والسياساتِ العموميَّةِ من منظورٍ سوسيو-قانونيٍّ-أنثروبولوجيٍّ وتحليليٍّ أكاديميٍّ. من أبرزِ إسهاماتهِ الفكريَّةِ: - الإدارةُ المغربيَّةُ ومُتطلَّباتُ التنميةِ؛ دراسةٌ سوسيو قانونيَّةٌ وتحليليَّةٌ، منشوراتُ المجلةِ المغربيَّةِ للإدارةِ المحليَّةِ والتنميةِ، الرِّباط، العدد 19، سلسلة مؤلَّفاتٍ وأعمالٍ جامعيَّةٍ، سنة 2000. - الفاعلونَ المحلِّيُّون والسياساتُ العموميَّةُ المحليَّةُ: دراسةٌ في القرارِ المحليِّ، منشوراتُ المطبعةِ الوطنيَّةِ، مراكش، سنة 2015. - الفاعلونَ في السياساتِ العموميَّةِ الترابيَّةِ، منشوراتُ المجلةِ المغربيَّةِ للإدارةِ المحليَّةِ والتنميةِ، الرِّباط، العدد 130، سلسلة مؤلَّفاتٍ وأعمالٍ جامعيَّةٍ، سنة 2020. يَجْمَعُ الدكتورُ شَنْفَار في مقاربتِهِ البحثيَّةِ بين العُمْقِ الأكاديميِّ والالتزامِ النقديِّ تجاهَ قضايا التنميةِ والحَكَامةِ والمشاركةِ المجتمعيَّةِ، مما يجعلُ أعمالَهُ مرجعًا مُهِمًّا للباحثينَ والمُهتمِّينَ بالشأنِ العامِّ. إيطاليا تلغراف التالي الحقيقة المروّعة لـ'مشروع القانون الكبير الجميل' في أميركا

هل سيغدر ترامب بأحمد الشرع؟
هل سيغدر ترامب بأحمد الشرع؟

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 5 ساعات

  • إيطاليا تلغراف

هل سيغدر ترامب بأحمد الشرع؟

إيطاليا تلغراف توفيق رباحي كاتب صحافي جزائري عندما أعلن رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا في خطابه الشهير في الرياض، أعطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانطباع بأنه مع سوريا قلبا وروحا. عدا عن الأبعاد السياسية للقرار وحيثياته، يجب أيضا ربطه بشخصية ترامب ونرجسيته المفرطة، ومن ثمة القول إنه قرر رفع العقوبات خدمة لمصلحته وغروره هو أيضا. في شخصيته المركّبة، يمتلك ترامب جانبا قابلا للأخذ والرد معه طالما في الأمر مصلحة شخصية وإرضاء لغروره الذاتي، ثم مصلحة لإسرائيل أو أن الموضوع لا يضر بأمنها ومصالحها. للوهلة الأولى يبدو قرار رفع العقوبات عن سوريا بلا أيّ صلة مع إسرائيل، وربما متعارض مع مصالحها. لكنه في الأصل هو يقع في صلب مصلحة إسرائيل إذا ما فكرنا بشيء من العمق: هدف ترامب من رفع العقوبات أن ترد سوريا الكرة بإعلان دخولها في مسار التطبيع مع إسرائيل تحت إشرافه ورعايته هو شخصيا وليس أحدا غيره. هكذا يصيب عصفورين بحجر واحد. لكن التطبيع يبدو الآن متعثرا بسبب أحداث السويداء وضلوع إسرائيل المباشر والتخريبي فيها. ورغم ذلك لم يسمع العالم من ترامب تنديدا صريحا بالعربدة الإسرائيلية في سوريا. ولم يسمع منه دعوة صريحة لإسرائيل كي تتوقف عن تهورها وتسحب قواتها. ولم يسمع منه أنه أبلغ رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أن ما يفعل في سوريا قد يحرم إسرائيل من الجائزة الفضية، التطبيع مع سوريا (الجائزة الذهبية موجودة في الرياض). بل لما انتشرت الأخبار ليلة الجمعة إلى السبت عن هدنة في سوريا، صاغها الطرف الأمريكي بعبارة «اتفاق بين نتنياهو والشرع على وقف إطلاق النار»، كأنه كانت هناك حرب ضروس بين الدولتين وجيشيهما! إذا استمرت الاضطرابات في جنوب سوريا ومعها تعثّر التطبيع مع وإسرائيل سيتطور الموقف الأمريكي إلى تحميل الرئيس الشرع المسؤولية كاملة. يجب القول مرة أخرى إنه عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، يصبح ترامب شخصا آخر يدور في فلك آخر بمنطق آخر. منطق لا يتورع عن الغدر من أجل إسرائيل ويرفض مساواتها بأي دولة أخرى، أو مساواة رئيس وزرائها بأيّ رئيس أو ملك آخر. من حيث يدري أو لا يدري، يفعل ترامب كل شيء ليقنع العالم بأن أمريكا فوق الجميع وإسرائيل فوق أمريكا. إسرائيل هي الوحيدة التي لا يثير معها ترامب فواتير ما تأخذ من أمريكا من سلع وخدمات، ولا يتجرأ على إهانة قادتها عندما يزورون البيت الأبيض كما يفعل مع آخرين. الفرق بين بايدن وترامب أن الأول سمح بأن يهينه نتنياهو المرة تلو الأخرى، ويكذب عليه بلا توقف، ثم يتقبل (بايدن) الإهانة ويُصدِّق الأكاذيب. أما ترامب فعلاوة عن أن شخصيته لا تقبل الإهانة العلنية، وفّر لنتنياهو كل رغباته وطلباته حتى لم يعد لديه أيّ سبب يضطره للكذب أو تقديم وعود ثم نكثها كما فعل مع بايدن. صحيح أن ترامب لم يشن حروبا مباشرة في منطقة الشرق الأوسط (وغيرها) باستثناء جولة القصف السريعة على إيران الشهر الماضي، وقبلها على اليمن. لكن هذا لن يمنحه صك براءة، ومن الآمن القول إن تواطؤه مع إسرائيل في جرائمها لا يحتاج إلى دليل. فمنذ عودة ترامب إلى الرئاسة لم تمض إسرائيل خطوة واحدة في حروبها الإقليمية من دون موافقة أمريكية ومباركة البيت الأبيض.. من القصف المتكرر على بيروت وتدمير جنوب لبنان واحتلال مواقع معينة فيه، إلى التوغل في سوريا منذ سقوط نظام الأسد وتدمير كل مكونات سلاح الجو لديها، إلى مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية وخطط ضمِّها وقتل أبنائها، إلى انتهاك الهدنة في غزة شهر آذار (مارس) الماضي، إلى ضرب إيران واليمن. لم تسفك إسرائيل قطرة دم واحدة ولم تزهق روحا واحدة من دون مباركة ترامب. أسوأ من التواطؤ الغدر وقد بلغ ذروته مع إيران وغزة. إذ بينما كانت المقاتلات الإسرائيلية تتأهب للإقلاع لقصف إيران، قبل ساعات من جولة مفاوضات مسقط، كان ترامب يتعمّد حرف أنظار العالم والإيرانيين بحديث كاذب عن تفضيله الحلول الدبلوماسية مع إيران وقرب التوصل لاتفاق معها. ويتكرر الغدر مع غزة، فبالتوازي مع الصراخ المستمر وادعاء العمل من أجل هدنة، وحتى تهديد مَن يعرقلونها، كان ترامب يطلق يد نتنياهو لإبادة النساء والأطفال بالتجويع وشتى أنواع الأسلحة الفتاكة، ويوفر له الحماية محليا ودوليا. في مقابل الغدر لا أحد يذكر أن ترامب أبدى لحظة من التعاطف الصادق مع أهالي غزة. يتذكر غزة فقط عندما يُطرح أمامه موضوع الرهائن الإسرائيليين ويتحدث عنها كأنها أرض بلا ناس. كل ما سبق يجب أن يقود إلى الاقتناع بأن سوريا ليست أفضل من الآخرين، ورئيسها ليس في مأمن من وجبة غدر سامّة هو الآخر. أخشى أنه بقليل من وسوسة نتنياهو لن يتردد ترامب في التخلي عن الشرع. هناك أنواع من التخلي، أسوأها أن يقطع التواصل معه ويحوّله إلى خصم فعدو ثم يطلق يد إسرائيل عليه وعلى سوريا، وأخفُّها أن يتجاهله ويتوقف عن دعمه. كل شيء متوقف على المقاربة الإسرائيلية لسوريا ورئيسها. ولسوء حظ الشرع أن إسرائيل غير مطمئنة له حتى الآن ولا يوجد ما يوحي بأنها ستطمئن في المدى المنظور. والدليل أن قائمة مطالبها منه تعجيزية، مثل جعل الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح، وبدليل ما ارتكبت في سوريا خلال الأيام الماضية. بالنسبة لإسرائيل الشرع مجرد جهادي خطير لا يؤتمن جانبه ولا يمكن أن يؤتمن على دولة متاخمة لها ولها معها تداخل في النسيج الجغرافي والاجتماعي. هذا ما قد يفسر أيضا أن إسرائيل لا تبدو في عجلة من أمرها للتطبيع مع سوريا، وإلاَّ لفكرت قليلا قبل أن تفعل بها ما فعلت طيلة الشهور الثمانية الماضية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store