logo
تناقضات في المشهد السوري بين دمشق وقسد

تناقضات في المشهد السوري بين دمشق وقسد

عمونمنذ 3 أيام
ما بين السابع والتاسع من مارس الماضي من عام 2025م وبعد أحداث الساحل السوري الدموية بحق المكون العلوي من مجازر دامية والتي كانت مأساوية، تعهدت الحكومة السورية بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم ، والتي تلاها أيضاً أحداث تفجير كنيسة مار الياس في دمشق ( منطقة الدويلعة ) وتحديداً بتاريخ العاشر من أغسطس من عام 2025م، حيث دخل انتحاري يتبع لتنظيم داعش وأطلق النار على المصلين ثم فجر نفسه بسترة ناسفة، الأمر الذي أسفر عنه مقتل عدد من المصلين والجرحى من المكون المسيحي، كما شهدت أيضاً محافظة السويداء إشتباكات دامية بين العشائر البدوية مع مجموعات مسلحة من الطائفة الدرزية ، كذلك خطف متبادل بين الطرفين ، الأمر الذي نتج عنه تهجير المكون البدوي من السويداء باتجاه ريف دمشق، ثم بعدها جاءت الدعوات الدورزية بضرورة إنشاء تحقيق دولي في مجلس الأمن وبرعاية دنماركية بخصوص عمليات القتل الطائفي في سوريا، وبشكل خاص ما يجري في السويداء ضد المكون الدورزي والمسيحي القاطنين هناك ، الى جانب ذلك جاءت دعوات من شيوخ طائفة الدروز بلجنة دولية ، حيث وصفت الأحداث بأنها تطهير عرقي ممنهج ، وبعدها تمّ انسحاب القوات الحكومية من محافظة السويداء.
وبعد سقوط نظام بشار الأسد البائد واستلام السلطة المؤقتة الانتقالية من قبل السيد أحمد الشرع، والتي أعقبها ازالة العقوبات من قبل ادارة ترامب، فقد كانت من ضمن الشروط الأساسية هي حماية الاقليات، ومشاركتهم في مؤسسات الدولة ، ولكن المشكلة الأساسية بدأت تتضح خصوصاً بعد أحداث السويداء وما رافقها من الانتهاكات التي ارتكبت بحق الاقليات في سوريا، وقد أُتهمت الحكومة المؤقتة بعدم قدرتها على النجاح في ضبط الميليشيات الخارجة عن القانون في الدولة، وفي وقت أخذ فيه العالم يراقب المشهد السوري عن كثب ، إلى جانب ما يمكن القول بأنه وجود نيّة لتمديد قانون قيصر ولمدة خمسة سنوات قادمة أي حتى العام 2029م ، وهذا القانون يفرض عقوبات على سوريا بهدف حماية المدنيين ، والسعي لمحاسبة المسؤولين عن جرائم حرب، وهذا التمديد يضع الإدارة السورية المؤقتة في موقف صعب ، كما أن هذا القانون الذي ينتظر حتى استكماله والموافقة عليه من قبل الخزانة الامريكية ، ليصبح جاهزاً للتصويت عليه في الكونجرس.
وتتزامن كل هذه الاحداث والمجريات والتطورات في الملف السوري المليء بالأحداث المتسارعة ، مع زيارة وزير خارجية تركيا ( حقان فيدان ) الى سوريا واللقاء مع السيد أحمد الشرع ، وهذه الزيارة كانت قبل يوم من إجراء اجتماع الحسكة والذي كان تحت عنوان ( وحدة الموقف لمكونات شمال شرق سوريا )، حيث عُقد في مدينة الحسكة بتنظيم من قوات سوريا الديمقراطية ، وبمشاركة واسعة من عشائر الجزيرة وبالاخص عشيرة شمر التي تمثل قوات الصناديد ضمن قوات سوريا الديمقراطية، كذلك الى جانب مشاركة عدد من رجال الدين من المسلمين السنة والمسيحيين وشيخ عقل طائفة الدروز حكمت الهجري من محافظة السويداء ، الى جانب رئيس المجلس الاسلامي العلوي الاعلى في سوريا ( غزال غزال ) ، كذلك مكونات أخرى من منطقة الجزيرة من سريان وأرمن وعرب وأكراد وأزيديين وغيرهم من مكونات المنطقة ، ويبدو أن هناك انقسام تركي مقابل مؤتمر باريس المدعوم من فرنسا وبريطانيا وأمريكا ، حيث يبدو أن أنقرة لا ترغب بأي تقارب بين الشام وشرق الفرات ، في وقت أعلنت فيه من جانبها الحكومة السورية المؤقتة عدم نيتها لقاء مجلس سوريا الديمقراطية في باريس خاصة بعد عقد اجتماع الحسكة، والذي اتهمته بأنه اجتماع أساسه طائفي وعرقي ويُعيد تصدير رموز نظام الأسد البائد، وبالرغم من ( أن مبادىء سوريا الديمقراطية كانت معارضة لنظام البعث السوري الحاكم ).
الواضح أن الأمور تغيرت خاصة بعد اجتماع الحسكة، فهل سيعرقل هذا الاجتماع الاتفاق المبرم بين مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية وأحمد الشرع ؟، وبالمحصلة هل سينتج عنه تباعد في المواقف بين الطرفين ؟، وهل يمكن القول أنه انتهت أي فرصة للتفاهم بين دمشق وقسد ؟، وفي وقت جاء فيه اجتماع باريس بهدف التقارب بين الطرفين والسعي الى تطبيق الاتفاق المبرم بين قسد والشام .
إن منطقة شرق الفرات ومنذ تأسيس الادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ، نجد أن جميع المكونات المختلفة فيها يشاركون في تقرير مصير منطقتهم ، ويوجد تلبية لمطالب هذه المكونات ، هذه الادارة الذاتية نجحت في خلق نموذج من العيش المشترك ليجتمع الكل في عقد اجتماعي مشترك وفي ادارة مشتركة للمنطقة ، و وحدة هذه المكونات أساسية من أجل الدفاع عن إقليم الشمال الشرقي وشعوبها المختلفة، خاصة في ظل التوتر الأمني الذي استمر في سوريا منذ الثورة في عام 2011م وحتى اليوم، وخاصة بعد النجاح في القضاء على الارهاب ومحاربة داعش في مناطقهم بدعم من التحالف الدولي ، وهذا النموذج في العيش المشترك والمساواة والاعتراف بالآخر المختلف في الدين والعرق والقومية ، هذا النموذج يعتمد على نموذج اللامركزية الادارية الذي تكرّس وطُبق على أرض الواقع في منطقة شمال وشرق سوريا ، اللامركزية الادارية هي توسيع الصلاحيات المحلية في المنطقة البعيدة عن مركز العاصمة للحكم ، حيث تستطيع شعوب هذه المناطق أن تُدير شؤونها في الادارة المحلية ، خاصة أن هذه المناطق وفي بعض الاختصاصات والجوانب تكون مؤسسات مركزية تابعة لمركز الحكم أي العاصمة ، ومبدأ اللامركزية حتماً هو ليس تقسيم لجغرافية الدولة السورية .
واستكمالاً للاجتماع الذي عُقد في الحسكة ، فقد عُقد أمس اجتماع معزز لنفس المبدأ في مدينة بروكسل ، وهذا المؤتمر ليس مؤتمر رسمي لبحث مبدأ تطبيق اللامركزية الادارية ، بل هو اجتماع تحضيري يهدف إلى تبادل الرؤية وبحث سُبل تعزيز العيش المشترك وتعزيز مخرجات اجتماع الحسكة، والذي يضم شخصيات سورية تقيم في الخارج من اكاديميين في اوروبا والولايات المتحدة الامريكية .
ان مضامين إجتماع الحسكة تظهر المطالبة بدستور جديد للدولة السورية ، اي دستور ديمقراطي تعددي يخدم ويعزز مبدأ التنوع الديني والثقافي والقومي والعرقي ( للمكونات السورية )، ويؤسس لدولة لا مركزية ادارية داخل سوريا ، وبشكل خاص في هذه المرحلة المهمة للحكومة السورية الانتقالية المؤقتة .
والحكومة السورية المؤقتة قررت الانسحاب من مفاوضات باريس مع قسد ، خاصة بعد اجتماع الحسكة وتتهم مجلس سوريا الديمقراطية بعدم الجدية في تنفيذ بنود الإتفاق المبرم بين قسد ودمشق في العاشر من مارس الماضي ، ودعت الحكومة السورية المؤقتة للانخراط الجاد بهدف تنفيذ الاتفاق وتطالب بنقل المفاوضات بين قسد والشام الى العاصمة دمشق ، باعتبارها العنوان الشرعي الوطني للحوار بين جميع الاطراف السورية .
ومن المتوقع انعقاد اجتماع عمّان يوم الثلاثاء بتاريخ الثاني عشر من اغسطس لعام 2025م من أجل السويداء ، للمفاوضات بين جميع الأطراف ، ويجري المبعوث الأمريكي الخاص لسوريا توماس باراك ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ووزراء خارجية عرب ووزير خارجية تركيا الجهود المكثفة بهذا الشأن، وذلك بهدف عقد المفاوضات مع الحكومة السورية ممثلة بوزير خارجية سوريا أسعد الشيباني وممثلين عن الطائفة الدرزية .
أعتقد أنه وفي المرحلة المقبلة سوف نشهد تطورات متسارعة ومفصلية في المشهد السياسي السوري ، والسؤال هُنا ، هل سيتفق الفرقاء أي قسد والشام في حل الملف والاتفاق المبرم بينهم ؟، وبالأخذ بالإعتبار التأثيرات الخارجية أي من الدول المعنية بحل الملف السوري المُعقد . وهل سيتوصلوا عملياً الى حل بين قسد ودمشق وبالاخص أن الحكومة السورية المؤقتة ترى أن مبدأ اللامركزية ، هو تقسيم سوريا وتصر على مبدأ الحكم المركزي ، وهذا أساس الخلاف بين الطرفين .
مستقبل سوريا الجديدة مرهون بالتطورات المستقبلية للملف السوري ، ولكن يبدو في الافق بوادر انشاء اقاليم في الجغرافية السورية ، على سبيل المثال إقليم الساحل ، واقليم الجنوب ، واقليم الشمال ، وتوجد أيضاً اشاعات لضم مدينة طرابلس اللبنانية الى اقليم الوسط السوري ، إن الأيام المقبلة سوف نرى خلالها الأمور تتبلور وهي أيام مليئة بالتطورات السياسية والعسكرية ، وأتمنى أن تكون سوريا المستقبل الجديدة موحدة بنظام حكم لامركزي ديمقراطي تعددي ، لتبقى سوريا المستقبل حرة أبية .
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مشروع ضم غزة وتآكل النظام الدولي .. من هيمنة القانون إلى القوة
مشروع ضم غزة وتآكل النظام الدولي .. من هيمنة القانون إلى القوة

عمون

timeمنذ يوم واحد

  • عمون

مشروع ضم غزة وتآكل النظام الدولي .. من هيمنة القانون إلى القوة

غزة هاشم تكشف عن هشاشة القانون الدولي والدخول الى مرحلة "قانون القوة " بدل "قوة القانون " يشهد العالم في الأعوام الأخيرة تحوّلًا خطيرًا في بنية العلاقات الدولية ، حيث تتراجع فعالية القانون الدولي وتتآكل قدرة المنظمات الأممية على ضبط سلوك الدول ، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقوى الكبرى وحلفائها ، ففي قلب هذا التحوّل يبرز مشروع ضم غزة الذي طرحه اليمين الإسرائيلي خلال عامي 2024–2025 ، ليس فقط كخطوة سياسية وأمنية ، بل كدليل عملي على دخول النظام الدولي مرحلة جديدة تُحكم فيها العلاقات الدولية بـ"قانون القوة" بدل "قوة القانون". مشروع ضم غزة: الأهداف والسياق يقوم المشروع على رؤية إسرائيلية لتصفية حكم حركة حماس في غزة عبر ضم مناطق تدريجيًا وتحويلها إلى مناطق أمنية أو إعادة الاستيطان فيها. لكن اللافت أن هذا المشروع نُفذ في ظل عمليات عسكرية وُصفت من قبل منظمات حقوقية دولية بأنها ترقى إلى الإبادة الجماعية ، شملت استهداف المدنيين ، قتل النساء والأطفال ، والتجويع المتعمد عبر الحصار. الأهداف المعلنة تدور حول حماية "الأمن القومي" الإسرائيلي ، بينما الأهداف الضمنية تشمل السيطرة على الموارد ، وخاصة حقول الغاز قبالة سواحل غزة ، وتثبيت واقع جيوسياسي جديد يجعل القطاع جزءًا فعليًا من "إسرائيل الكبرى". دور الصهيونية العالمية والولايات المتحدة لم يكن لهذا المشروع أن يتقدم دون غطاء سياسي ودبلوماسي وعسكري وفّرته الولايات المتحدة ، في إطار ما يمكن وصفه بدور "شبكات الضغط المؤيدة لإسرائيل" أو ما يُسمى اصطلاحًا بـ"الصهيونية العالمية". 1. الغطاء السياسي: استخدام الفيتو في مجلس الأمن لحماية إسرائيل من القرارات الملزمة، وتبني خطاب يركز على "حق الدفاع عن النفس" مع تجاهل شبه كامل للانتهاكات الموثقة. 2. الدعم العسكري واللوجستي: إمداد إسرائيل بالأسلحة المتطورة والمساعدات المالية الطارئة ، وتقديم دعم استخباراتي مباشر. 3. التأثير الإعلامي : تسويق الرواية الإسرائيلية في الإعلام الغربي ، والتشكيك في التقارير الحقوقية التي توثق المجازر والحصار. هذه الأدوار تُترجم إلى واقع عملي يجعل من تنفيذ الضم أمرًا ممكنًا رغم المعارضة الواسعة في الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. تآكل النظام الدولي مشروع ضم غزة يسلط الضوء على ثلاث ظواهر مترابطة: • شلل المنظمات الدولية : الأمم المتحدة عاجزة عن تنفيذ قراراتها بسبب الفيتو وصراعات القوى الكبرى. • ازدواجية المعايير: القانون الدولي يُطبق على دول ضعيفة ويُتجاهل عندما يتعلق الأمر بحلفاء القوى الكبرى. • عودة منطق "القوة تصنع الحق": فرض وقائع ميدانية على الأرض قبل أي تفاوض ، ما يضعف أي إمكانية لتسوية عادلة. ما يجري في غزة ليس مجرد صراع محلي ، بل علامة على تحوّل تاريخي في النظام العالمي. إذا كان القرن العشرون قد شهد تأسيس مؤسسات دولية على أمل أن تمنع تكرار مآسي الحربين العالميتين الاولى و الثانية ، فإن العقود القادمة قد تُعرف بأنها حقبة انحسار تلك المؤسسات أمام سطوة القوة والمصالح. في هذا السياق، يصبح مشروع ضم غزة ليس فقط اختبارًا لحقوق الشعب الفلسطيني ، بل اختبارًا لمصداقية النظام الدولي بأسره — اختبارًا قد يُظهر أننا بالفعل نعيش بداية عصر بلا قانون دولي فعّال. اللهم انك ترانا و تسمعنا فغير احوالنا فانها لا تخفى عليك.

بسام محمد ابو رمان : غزة بين "الاحتلال" و"السيطرة"!
بسام محمد ابو رمان : غزة بين "الاحتلال" و"السيطرة"!

أخبارنا

timeمنذ 2 أيام

  • أخبارنا

بسام محمد ابو رمان : غزة بين "الاحتلال" و"السيطرة"!

أخبارنا : يأتي التصعيد الإسرائيلي باحتلال غزة متزامنا مع انتهاء الجزء الأول من أعمال مؤتمر حل الدولتين، والإعداد لاجتماع القادة بخصوصه في أيلول المقبل بالجمعية العامة. وقد نجح البيان الختامي للمؤتمر بالتأكيد على الرأي الاستشاري للعدل الدولية في 19 تموز 2024 لصالح فلسطين، والاعتراف بفلسطين ضمن حدود ال67، وضرورة وقف الاستيطان، واحترام القانون الدولي والإنساني، وحق العودة وحقوق المدنيين، وإعادة حوكمة القيادة الفلسطينية واجراء الانتخابات الديمقراطية، والتأكيد على مركزية السلطة ضمن دولة مدنية منزوعة السلاح. وقد تم اعتماد البيان الختامي من قبل جميع الرؤساء الـ27 المشاركين مع استعداد غالبية دول العالم لتبنيه باجتماع الجمعية العامة أيلول القادم- مما يشكل دعما تاريخيا غير مسبوق. وقد استند البيان بشكل أساسي على تعهدات السلطة الفلسطينية بالعمل على ما سبق مع الحفاظ على الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية والاستفادة من الدعم اللوجستي والبعثة الدولية لحفظ السلام بتكليف مباشر من مجلس الأمن. أما على الصعيد المقابل، فبالإضافة الى المنغصات الشكلية التقنية المتمثلة بالصيغة الفضفاضة والحزم بالإرادة دون قدرة على الحسم بالتنفيذ؛ تأتي مقاطعة المؤتمر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة الضوء الأخضر لإسرائيل بالمتابعة! كما صرح السفير الأمريكي لإسرائيل "بان تفاصيل حل الدولتين غير متاحة وغير قابلة للتوافق حاليا"؛ بينما اضاف وزير الخارجية الأمريكي "بان حل الدولتين ومحادثات حماس انهارت بسبب التصريحات الأحادية الأوروبية بنية الاعتراف بفلسطين" مع اتهام إسرائيل لكل من ماكرون وستارمر بمعادات السامية! إذن هل نجح المؤتمر في تحقيق ما عجزت عنه ثماني عقود مضت؟ أم أنه إضافة نوعية لكافة ما سبق من خيبات الأمل؟ أؤكد بالنيابة عن نفسي أن من يضيئ شمعة خير ممن يلعن الظلام. وأؤكد أيضا على ضرورة تطبيق الواقعية البحتة في ظل موازين القوى التي نعيش ضمنها. وأنادي بتسليط الضوء على الظروف السياسية والمتغيرات المتناقضة التي تجتاح اليوم كافة ما قامت عليه الحضارة الغربية من مزاعم حقوق الإنسان منذ الحرب العالمية الثانية. وبين هذا وذاك، أحاول التشبث بما هو يسير من بصيص الأمل! كنت قد ختمت مقالتي الأخيرة بأن "فلسطين لم تعد قضية قاصرة على عرق أو دين،،، وأن لغيرنا فيها من أحرار العالم والمؤثرين الثائرين ما يتعدى القيود الكلاسيكية؛ وأن لكل فرد من هذا العالم دورا لا بد يدركه؛ فهلموا بنا للبناء إلا أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. وليلحق بالركب من يلحق،،،". ولا أعني مما سبق أي مدعاة للتخاذل، بل أؤكد على ضرورة استخلاص العبر والبناء على أي مقومات متاحة للنجاح وإن صغرت مع ضبط التوقعات، فنجاح الفعل لا يقاس إلا بغاياته. ومن وجهة نظري فقد حقق هذا المؤتمر نقطة تحول تعبر بصراحة عن ضمير شعوب العالم الحر ناهيك عن القيادات. وهي نقطة بداية تجاه الصحوة العالمية مدعومة ب"تسونامي" المجاهرة المتنامي ضمن أروقة الشارع الغربي ضد جرائم إسرائيل؛ وامتحان حقيقي لنوايا وحقيقة الغرب تجاه حقوق الانسان. لن أنكر دلالة ظهور الخلاف بين الموقف الأمريكي وحليفه الأوروبي بقيادة بريطانيا وفرنسا في تطور تاريخي للاعتراف بدولة فلسطين. بل وقيادتهما جلسة لمجلس الامن يوم الاحد 10/8 مع الدنمارك واليونان وسلوفانيا وتأييد الصين وروسيا وتصريح وزراء خارجية أستراليا وإيطاليا وألمانيا ونيوزيلندا لتنديد باحتلال غزة والتأكيد على مخالفته لكافة قوانين الشرعية الدولية. ناهيك عن تضعضع البيت الداخلي بين الشباب الأمريكي الداعم للوجود الإسرائيلي في ضوء كشف الحقائق وارتفاع نسبة الرافضين للإبادة الجماعية بينهم الى 47%. لذا، علينا أن نرفض التقليل من شأن الشارع العالمي وقدرته على إحداث الفارق عند "اكتمال نموه" بإذن الله عما قريب. فلو لم تكن إسرائيل آبهة به، ولو بالنذر اليسير، لما حرصت على استبدال مصطلح "احتلال" بمصطلح "السيطرة" في محاولة زائفة للتلاعب بالقانون الدولي ومشاعر الشارع الغربي- من حيث أن مصطلح "الاحتلال" يرتب مسؤولية سلامة المدنيين على عاتق سلطة الاحتلال، في حين تُلقى تلك المسؤولية على كاهل حماس في حال مجرد "السيطرة"- التي تنفيها كافة وقائع الميدان. الرأي العام العالمي هو بركان متصاعد، والقول بعجزة منقوص، كالحكم على حديث الولادة. وإن من طشأن هذا البركان عند ثورانه أن يسارع المستقبل لا محالة، فإما يساهم باجتثاث الظلم أو بخلع الأقنعة دون رجعة؛ ومن كلا النقيضين مصلحة تقتصها فلسطين! ــ الراي

أطفال تحت الركام وصوت ضمير يختنق – غزة خلف جدار الصمت الدولي
أطفال تحت الركام وصوت ضمير يختنق – غزة خلف جدار الصمت الدولي

خبرني

timeمنذ 2 أيام

  • خبرني

أطفال تحت الركام وصوت ضمير يختنق – غزة خلف جدار الصمت الدولي

خبرني - يشهد قطاع غزة منذ سنوات طويلة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العصر الحديث، حيث يعيش أكثر من مليوني إنسان تحت حصار خانق وهجمات متكررة تستهدف حياتهم ومصادر عيشهم. ومع تصاعد العدوان في الفترات الأخيرة، باتت الانتهاكات أكثر شمولا ودموية، في انتهاك واضح لكل القوانين والمواثيق الدولية. القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، يفرض حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، ويحظر استهدافهم أو استخدام العقوبات الجماعية. كما يجرم تدمير البنية التحتية الحيوية أو منع الغذاء والدواء عن السكان. لكنه في غزة يبدو وكأنه كلمات على ورق؛ فالاستهداف المباشر للمدنيين، وتدمير البنية التحتية، وحرمان السكان من احتياجاتهم الأساسية، كلها ممارسات تتكرر أمام أنظار العالم، وتشكل وفق المعايير القانونية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. تم تدمير محطات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، ما خلق أزمة إنسانية حادة، في خرق واضح للمادة (33) من اتفاقية جنيف الرابعة؛ أطفال يولدون على أصوات القصف، وأمهات يحتضن أبناءهن في الملاجئ، وشيوخ يودعون بيوتهم التي تحولت إلى ركام. غزة اليوم ليست مجرد اسم على الخريطة، بل جرح نازف في ضمير العالم، يذكرنا كل يوم أن الإنسانية ما زالت تخسر أمام صمت السياسة وتواطؤ المصالح. فعلى مدى أكثر من 17 عاما، يعيش سكان القطاع في ظل حصار حرمهم من الغذاء والدواء والحرية، وحول حياتهم إلى سلسلة من الأزمات المتلاحقة. وفي كل جولة تصعيد عسكري، تتجدد المأساة بوجوه أكثر قسوة: منازل تهدم فوق ساكنيها، مدارس تتحول إلى أنقاض، مستشفيات عاجزة عن استقبال الجرحى، ومشاهد موت تملأ الشاشات دون أن تحرك الضمائر. تقارير الأمم المتحدة، وهيومن رايتس ووتش، والعفو الدولية، وثقت بدقة حجم الدمار وعدد الضحايا، وأكدت أن ما يجري لا يمكن تبريره بأي ذريعة أمنية أو سياسية. ومع ذلك، يظل الموقف الدولي في أغلبه متفرجا، يكتفي بإصدار بيانات "القلق العميق" و"الدعوة لضبط النفس"، بينما تسقط القنابل وتزداد المقابر. إن الفيتو في مجلس الأمن صار درعا يحمي المعتدين من المساءلة، ويمنحهم ضوءا أخضر لمواصلة الجرائم. لكن المساءلة ليست مستحيلة. فالمحكمة الجنائية الدولية تملك صلاحية التحقيق ومحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب، والعديد من الدول تتيح "الولاية القضائية العالمية" لمحاكمة منتهكي القانون الدولي بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان ارتكاب الجريمة، حيث يمكن فرض عقوبات فردية على القادة والجهات المتورطة، ودعم المنظمات التي توثق الانتهاكات لضمان عدم ضياع الأدلة. كل بيت يهدم هناك، وكل طفل يفقد أسرته، وكل مريض يموت بسبب منع العلاج، هو صفعة على وجه الضمير العالمي. إن الإنسانية اليوم أمام اختبار قاس: إما أن تنتصر لحقوق الإنسان والقانون الدولي، أو أن تسقط في هاوية اللامبالاة. فإن الصمت ليس حيادا، بل مشاركة غير مباشرة في استمرار الجريمة. والعالم الذي يترك غزة وحدها أمام الموت، سيفقد حقه في الحديث عن العدالة والسلام. لا بد من تحرك عاجل، لرفع الحصار، ووقف استهداف المدنيين، ومحاسبة كل من تلطخت يداه بدم الأبرياء. فغزة، برغم كل الألم، ما زالت تقاوم، وما زال أهلها يتمسكون بالحياة… لكنهم يستحقون أن يعيشوا بكرامة، لا أن يبقوا رهائن للموت المؤجل، لأن العدالة الحقيقية لا تعرف استثناءات سياسية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store