logo
معدلات الفائدة عادت إلى طبيعتها.. لكن العالم لم يفعل

معدلات الفائدة عادت إلى طبيعتها.. لكن العالم لم يفعل

البيانمنذ يوم واحد

مارتن وولف
قد تكون معدلات الفائدة، الحقيقية والاسمية، على الأصول الآمنة طويلة الأجل من بين الأسعار الأهم على الإطلاق في الاقتصاد الرأسمالي، إذ تعكس مستوى الثقة في الحكومات وفي الأداء العام للاقتصاد.
وفي السنوات الأخيرة، شهدت هذه المعدلات عودة تدريجية إلى مستويات يُنظر إليها على أنها «طبيعية»، ما يوحي بانتهاء الحقبة التي بدأت بالأزمة المالية في 2007 - 2009، والتي اتسمت بانخفاض شديد في أسعار الفائدة. حينها، بدا أن العالم يتهيأ للعودة إلى «الوضع الطبيعي». لكن، هل يبدو العالم طبيعياً فعلاً؟ أم أننا على أعتاب صدمات اقتصادية كبرى جديدة؟
منذ ثمانينات القرن الماضي، دأبت الحكومة البريطانية على إصدار سندات مرتبطة بالتضخم، وتُظهر عوائد هذه السندات الحقيقية ثلاث مراحل رئيسية في تطور أسعار الفائدة الحقيقية على مدى أربعة عقود:
الأولى هي قصة انخفاض طويل الأمد هائل: في الثمانينات من القرن الماضي، بلغت عوائد الاستحقاق على السندات المرتبطة بالتضخم لأجل 10 سنوات نحو 4%. لكنها تراجعت خلال جائحة «كوفيد 19» وما تلاها مباشرة إلى -3%، أي بانخفاض إجمالي بلغ 7 نقاط مئوية.
الثانية تتعلق بكيفية تسبب الركود الاقتصادي الذي أعقب الأزمة المالية في فترة ركود طويلة تميزت بمعدلات فائدة حقيقية تحت الصفر.
والثالثة هي الارتفاع السريع في هذه العوائد إلى نحو 1.5%، منذ أوائل عام 2022. ويبدو أن الفترة الطويلة من أسعار الفائدة الحقيقية المتراجعة التي بلغت ذروتها في تلك الأسعار الحقيقية السلبية قد انتهت الآن. ونحن في عالم جديد وأقل غرابة بكثير.
تشير البيانات الخاصة بعوائد سندات الخزانة الأمريكية المحمية من التضخم لأجل 10 سنوات إلى صورة مشابهة، غير أن هذه البيانات متاحة فقط منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي. ومنذ عام 2013، بدأت السلسلتان في التباعد، حيث سجلت العوائد على النسخة الأمريكية عموماً مستويات أعلى. وقد يُعزى هذا الاختلاف جزئياً إلى تنظيمات المعاشات التقاعدية في المملكة المتحدة، التي فرضت فعلياً نوعاً من القمع المالي القاسي على خطط المعاشات التقاعدية ذات المزايا المحددة.
وقد ارتفعت معدلات الفائدة الحقيقية على سندات الخزانة الأمريكية المحمية من التضخم بشكل حاد من أدنى مستوياتها خلال الجائحة، لكن ليس بالقدر نفسه الذي شهدته السندات البريطانية المرتبطة بالتضخم. ونتيجة لذلك، تقاربت العوائد بين النوعين؛ إذ بلغت العوائد على سندات الخزانة الأمريكية المحمية من التضخم مؤخراً نحو 2%، في حين استقرت عوائد السندات البريطانية المرتبطة بالتضخم عند نحو 1.5%. وهذه المستويات قريبة أيضاً من نظيراتها قبل الأزمة المالية. وبهذه المعايير، فإننا «عدنا إلى الوضع الطبيعي».
لكن إذا رجعنا إلى فترة أبعد في الماضي، نجد أن العوائد الحالية على السندات البريطانية المرتبطة بالتضخم لا تزال منخفضة نسبياً؛ ففي ثمانينات القرن الماضي، كانت المعدلات أعلى بأكثر من نقطتين مئويتين مقارنة بمستوياتها اليوم.
ولا تُظهر البيانات وجود أزمة وشيكة، فأسواق الأصول الآمنة لا تُطلق صيحات «التعثر بات وشيكاً»، ولا هي كذلك تُنذر بـ«تضخم مفرط» أو حتى «تضخم مرتفع». ويمكن تبسيط فهم هذا الأخير من خلال ما يُعرف بـ«معدلات التعادل» وهي الفجوة بين عوائد السندات المرتبطة بالتضخم وتلك التقليدية بأجل الاستحقاق نفسه.
وفي الولايات المتحدة، يبلغ هذا الفارق نحو 2.3%، وهو بالكاد أعلى من المتوسط البالغ 2.1% منذ يناير 2003. أما في المملكة المتحدة، فيبلغ 3.3%، وهو أيضاً بالكاد أعلى من متوسط ما بعد عام 2000 البالغ 3%. وبالنظر إلى الصدمة التضخمية التي شهدتها السنوات الأخيرة، وبالتالي تزايد أهمية مخاطر التضخم، فإن هذه الزيادة الطفيفة في الفارق تبدو ضئيلة.
إذ تبدو الأسواق واثقة بدرجة لافتة من أن أهداف التضخم ستتحقق على مدى عقد من الزمن.
وتتماشى قصة عوائد السندات التقليدية في الدول ذات الدخل المرتفع الأخرى مع هذا النمط في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بل وتبدو أفضل في أغلب الحالات.
فمنذ الأول من يناير 2021 وحتى 28 مايو 2025، ارتفعت عوائد السندات الاسمية لأجل 10 سنوات بمقدار 4.5 نقاط مئوية لتصل إلى 4.7% في المملكة المتحدة، وبمقدار 3.6 نقاط إلى 3.2% في فرنسا، و3.6 نقاط إلى 4.5% في الولايات المتحدة، و3.1 نقاط إلى 2.5% في ألمانيا، و3 نقاط إلى 3.6% في إيطاليا، و1.5 نقطة إلى 1.5% في اليابان.
وتُعد هذه المستويات متواضعة مقارنة بما قبل أزمة 2008، ما يجعل حدوث انعكاس حاد في الاتجاه أمراً غير مرجح ما لم تقع صدمة اقتصادية سلبية كبيرة أخرى. وعلى الأقل في الوقت الراهن، يبدو أن عصر معدلات الفائدة المنخفضة جداً الذي استمر من 2008 إلى 2021 قد ولى.
لكن هل يمكن تصور صدمة كبيرة أخرى؟ نعم. فقد تُحدث السياسات الفوضوية بشكل استثنائي التي تتسم بها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صدمة في الأسواق، وبالتالي تؤثر على الاستثمار. واللافت في هذا السياق هو سرعة تراجع التوقعات الإجماعية لنمو الاقتصاد الأمريكي في عام 2025. وربما تدفعه الإهانة إلى دحض ما وصف بـ«التاكو»، فترامب دائماً ما يتراجع.
مرة أخرى، تُعتبر مستويات الدين الإجمالية مرتفعة وفقاً للمعايير التاريخية، حيث تقترب نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الدول ذات الدخل المرتفع من المستويات التي سُجلت عام 1945. كما أن الولايات المتحدة تمضي قدماً في اتجاه تخفيف القيود التنظيمية المالية في وقت يشهد معدلات عالية من المديونية والمخاطر المالية. وهي كذلك تواصل تسجيل عجز مالي كبير، فيما تهاجم دائنيها عبر سياسات تجارية ومالية.
وقد يكون حتى مجرد «عودة معدلات الفائدة إلى طبيعتها» بعد فترة طويلة من الفائدة المنخفضة جداً أمراً لا تحتمله الأسواق. ومن الأمثلة البارزة هنا ما يُعرف بـ«علاوة مخاطر الأسهم». ويمكن قياسها من خلال الفارق بين العائد المعدل دورياً على أرباح الأسهم الأمريكية (المعكوس النسبي لمضاعف الربحية المعدل دورياً) وسعر الفائدة الحقيقي.
وآخر مرة وصل فيها هذا الفارق –الذي يشير إلى العائد الزائد المتوقع على المدى الطويل من الأسهم مقارنة بسندات الخزانة المحمية من التضخم– إلى هذا المستوى المنخفض، كانت في يونيو 2007. وهي إشارة لا تبعث كثيراً على الاطمئنان.
ولا يقل أهمية عن ذلك ما أشار إليه بول كروغمان: بأن العملية السياسية في أمريكا المعاصرة أصبحت سطحية وغير جدية. وقد يأتي وقت يقرر فيه الفاعلون المؤثرون أن الولايات المتحدة لم تعد موضع ثقة، وقد يكون هؤلاء من الأمريكيين أنفسهم. حينها قد نشهد أزمة كبيرة، لكن هذه المرة لن يكون اتجاه رأس المال إلى أمريكا، بل هروبا منها.
وبالنظر إلى هذا الهشاشة العامة، فإن حدوث صدمات ركودية أو تضخمية –أو الاثنتين معاً– أمر ممكن. صحيح أن العوائد على أهم الأدوات المالية قد عادت إلى ما يُعتبر «طبيعياً»، لكن الزمن الذي نعيشه ليس طبيعياً على الإطلاق من نواحٍ عديدة. وقد تؤكد الوقائع لاحقاً أن هذه الأسعار صحيحة.. أو قد تنسفها كلياً. وفي كلتا الحالتين، لا بد أن تتكيف الأسعار مع الواقع أو العكس.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

«خطوة مهمة».. الهند تشيد باتفاق التجارة مع بريطانيا
«خطوة مهمة».. الهند تشيد باتفاق التجارة مع بريطانيا

صحيفة الخليج

timeمنذ 5 ساعات

  • صحيفة الخليج

«خطوة مهمة».. الهند تشيد باتفاق التجارة مع بريطانيا

نيودلهي - أ ف ب قال وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار، السبت، خلال لقاء مع نظيره البريطاني ديفيد لامي في نيودلهي، إن الاتفاق التجاري مع بريطانيا كان «خطوة مهمة» من شأنها تعزيز العلاقات الثنائية. والشهر الماضي، أبرمت نيودلهي ولندن اتفاقاً للتجارة الحرة بعد استئناف المفاوضات بشأنه نهاية شباط/فبراير، إثر توقفها في ظل الإدارات المحافظة السابقة في بريطانيا. ومنذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، سعت لندن إلى تعزيز علاقاتها التجارية في كل أنحاء العالم، وأصبحت إقامة شراكات تجارية حاجة أكثر إلحاحاً بعدما أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حملة تعرفات جمركية عالمية قد تؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي. وقال جايشانكار، بعد اجتماعه مع لامي الذي يقوم بزيارة للهند تستمر يومين، إن «إبرام اتفاق التجارة الحرة بين الهند والمملكة المتحدة أخيراً هو خطوة مهمة من شأنها تعزيز التجارة والاستثمار بين البلدين، كما سيكون له تأثير إيجابي في الجوانب الاستراتيجية الأخرى لعلاقاتنا الثنائية». ويتضمن الاتفاق خفض الرسوم الجمركية على واردات المنتجات البريطانية إلى الهند، بما فيها مستحضرات التجميل والأجهزة الطبية. في المقابل، ستخفض بريطانيا الرسوم الجمركية على واردات الملابس والأحذية والمنتجات الغذائية من الهند. وتبلغ قيمة التبادل التجاري بين البلدين 41 مليار جنيه إسترليني (54,8 مليار دولار) سنوياً، وفقاً للحكومة البريطانية. ويأمل الجانبان أن يُسهم الاتفاق في زيادة حجم التجارة بينهما بنحو 25,5 مليار جنيه إسترليني، فضلاً عن تعزيز الاقتصاد البريطاني والأجور.

«وول ستريت» ترقص على أمل صفقة تجارية... والأنظار تتجه إلى لندن
«وول ستريت» ترقص على أمل صفقة تجارية... والأنظار تتجه إلى لندن

صحيفة الخليج

timeمنذ 9 ساعات

  • صحيفة الخليج

«وول ستريت» ترقص على أمل صفقة تجارية... والأنظار تتجه إلى لندن

حقّقت الأسهم الأمريكية مكاسب أسبوعية لافتة، دعمها تقريرٌ أفضل من المتوقع للوظائف هدّأ المخاوف حيال تباطؤ وشيك للاقتصاد، وانتعاش جزئي لسهم «تيسلا»، معوضاً بعض خسائره التي تكبدها في الجلسة السابقة. ورحب المستثمرون بإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اجتماع الاثنين في لندن بين مسؤولين من حكومته ونظراء صينيين لمناقشة صفقة تجارية متوقعة. وقال جيمي كوكس، الشريك الإداري لدى مجموعة «هاريس» المالية: «ستسعى السوق وراء أي فرصة لإبرام اتفاق تجاري في أي وقت تتاح فيه أنباء عن ذلك، لكن ما يهم فعلاً الآن هو ما إذا كان سيحدث ذلك فعلياً أم لا». وخلال الأسبوع، كسب مؤشر «ستاندرد آند بورز» 2.1%، وكذلك «داو جونز» بواقع 1.93%، ومثلهما «ناسداك» بـ2.6%. أما جلسة الجمعة، فقد اختتمها مؤشر «إس آند بي» بنمو 1.03% إلى 6000.36 نقطة، متجاوزاً مستوى الـ6 آلاف نقطة لأول مرة منذ أواخر فبراير/ شباط. كما أضاف «داو» أكثر من 400 نقطة إلى الرصيد، أو ما يعادل 1.05%، لينهي تداولاته عند 42762.87 نقطة. فيما زاد «ناسداك» المركب 1.2%، مسجلاً 19529.95 نقطة. وقال مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، إن الوظائف غير الزراعية زادت 139 ألف وظيفة في مايو/ أيار، بعد أن ارتفعت 147 ألف وظيفة في إبريل/ نيسان. مقابل 130 ألفاً توقعها اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم. في المقابل، صعدت أسهم «تيسلا» بنحو 3.7%، وسط خلاف بين الرئيس التنفيذي للشركة إيلون ماسك وترامب، الذي هدد بإلغاء عقود حكومية مع شركات الملياردير الشاب. الأسواق الأوروبية صعدت أسواق الأسهم الأوروبية هذا الأسبوع بعد أنباء خفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة، في خطوة كانت متوقعة على نطاق واسع، مصحوبة بارتفاع توقعات الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو للربع الأول. وارتفع مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي بنحو 0.32% الجمعة، و1.62 للأسبوع، إلى 553.64 نقطة. وتقدم «فوتسي» البريطاني 0.3%، و0.75% للأسبوع، إلى 8837.91 نقطة مدعوماً بتقدم أسهم النفط والغاز وسط ارتفاع أسعار الخام. كما أضاف «كاك» الفرنسي 0.19%، و1.74% للأسبوع، ليصير إلى 7804.87 نقطة. فيما تراجع «داكس» الألماني 0.07% في ختام التداولات إلى 24304.46 نقطة، مع نمو أسبوعي قدره 2.18%. آسيا والمحيط الهادئ تباين أداء أسواق آسيا والمحيط الهادئ مع تقييم المستثمرين للمكالمة الهاتفية بين الرئيسين الأمريكي والصيني، اللذين اتفقا إثرها على اجتماع مسؤولين من البلدين لمواصلة المفاوضات الرامية إلى إنهاء الحرب التجارية الدائرة. وارتفع مؤشر «نيكاي» القياسي الياباني بنسبة 0.5%، و0.58% للأسبوع، ليغلق عند 37741.61 نقطة، وصعد نظيره «توبكس» بنسبة 0.47% إلى 2769.33 نقطة، مع تراجع أسبوعي 0.37%. وانخفض مؤشر «هانغ سينغ» في هونغ كونغ بنسبة 0.48% الجمعة، مقابل نمو أسبوعي قوامه 3.25%، ليسجل 23792.54 نقطة. في حين استقر مؤشر «سي إس آي 300» في البر الرئيسي عند 3873.98 نقطة، مع تقدم 0.61% خلال الأسبوع. وفي أستراليا، انزلق مؤشر «ستاندرد آند بورز/ أيه إس إكس 200» في نهاية التداولات اليومية بنسبة 0.27% ليغلق عند 8515.7 نقطة، محققاً قفزة أسبوعية بـ1.05%. أما بخصوص أسواق كوريا الجنوبية، فكانت مغلقة بمناسبة عطلة رسمية.

ترامب يعتزم اتخاذ قرار بشأن رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي قريباً
ترامب يعتزم اتخاذ قرار بشأن رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي قريباً

البيان

timeمنذ 13 ساعات

  • البيان

ترامب يعتزم اتخاذ قرار بشأن رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي قريباً

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الجمعة إنه سيجري اتخاذ قرار قريبا بشأن رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي) المقبل. وأضاف أن أي رئيس جيد لمجلس الاحتياطي الاتحادي سيقوم بخفض أسعار الفائدة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store