
البنك الدولي يتوقع نمو اقتصاد سوريا 1% وسط أزمة سيولة حادة
وأضاف البنك في بيان "يوفر تخفيف العقوبات بعض الإمكانات الواعدة، إلا أن التقدم لا يزال محدودا مع استمرار تجميد الأصول وتقييد الوصول إلى الخدمات المصرفية الدولية مما يعيق إمدادات الطاقة والمساعدات الخارجية والدعم الإنساني والتجارة والاستثمار".
وذكر أيضا أن التوقعات بشأن سوريا لا تزال تنطوي على مخاطر كبيرة، مشيرا إلى أن هذه البلاد تواجه أزمة سيولة حادة بسبب نقص أوراق النقد والاضطرابات الأوسع نطاقا في تداول العملة المحلية.
والجمعة الماضية، قال محافظ مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصرية إن بلاده لن تلجأ إلى الديون الخارجية، و"لن تكون هناك استدانة من صندوق النقد أو البنك الدوليين".
وأشار إلى أن سعر صرف الليرة (العملة المحلية) تحسن بـ30% منذ إسقاط نظام بشار الأسد أواخر عام 2024، موضحا أنه لا توجد أي نية لربط سعر الليرة بالدولار أو اليورو.
وتوقع انتهاء التشوهات في سعر صرف الليرة خلال أشهر بحيث يكون هناك سعر موحد، بدلا من سعرين حاليا في السوق الرسمية والسوداء.
وأوضح حصرية أن سوريا بدأت مرحلة جديدة من الانفتاح النقدي والمصرفي، بالتوازي مع بدء تفكيك العزلة التي استمرت لعقود على القطاع المصرفي.
وقال إن الحكومة "تسعى إلى بناء اقتصاد صحي قائم على الإنتاج والصادرات، دون الاعتماد على فوائد مرتفعة أو مغريات استثمارية محفوفة بالمخاطر".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
من "الوحدة 8200" إلى "باراغون".. كيفية صناعة التجسس السيبراني الإسرائيلي
في ظل ازدياد ترابط العالم لم تعد الحروب تخاض بالسلاح التقليدي وحده، بل باتت المعلومات هي الهدف، الأمر الذي مهد الطريق لظهور برامج التجسس المتطورة، حيث تتسابق الحكومات لشرائها وتتنافس الشركات الأمنية الخاصة على تطويرها. وفي قلب الصناعة الأمنية الرقمية الإسرائيلية برزت "الوحدة 8200" بمثابة منظومة استخباراتية تقنية، وهي الحاضنة لعشرات الشركات الناشئة المتخصصة في التجسس السيبراني والهجمات الإلكترونية. في قلب هذا المشهد ظهرت شركة "باراغون سوليوشنز" التي أثار منتجها للتجسس "غرافيت" (Graphite) جدلا واسعا بسبب قدرته على اختراق الهواتف الذكية وسرقة البيانات. وفي هذا التقرير نستعرض العلاقة بين الوحدة والشركات الخاصة، وكيف ولدت شركة "باراغون سوليوشنز"، وآلية عمل "غرافيت"، وأبرز التحديات الأخلاقية والقانونية المرتبطة بهذه الصناعة. من قلب الاستخبارات إلى التكنولوجيا العالمية أُسست هذه الوحدة في خمسينيات القرن الماضي، واكتسبت سمعتها الواسعة بفضل تطويرها أدوات مراقبة واختراق متقدمة. وتعرف "الوحدة 8200" بكونها الذراع الاستخباراتية الإلكترونية الأهم في الجيش الإسرائيلي، وتشتهر بقدرتها على اعتراض الاتصالات وتحليل البيانات واختراق الشبكات وشن الهجمات السيبرانية. وتتميز الوحدة بتوظيف نخبة من ألمع العقول في مجالات الرياضيات والحوسبة والأمن السيبراني واللغات. ويحصل المجندون على تدريب متقدم في القرصنة الأخلاقية وغير الأخلاقية وتحليل المعلومات، الأمر الذي ينتج كوادر تقنية عالية الكفاءة. وبعد انتهاء خدمة التجنيد الإجباري ينطلق العديد من هؤلاء الخريجين إلى عالم ريادة الأعمال، مستفيدين من خبراتهم في تطوير أنظمة مراقبة وتشفير واكتشاف الثغرات. ونتيجة لذلك أصبحت هذه الوحدة بمثابة حاضنة أعمال غير رسمية لشركات التكنولوجيا في إسرائيل. وعلى المستوى الدولي، تبرز العديد من الشركات الي أنشأها خريجو "الوحدة 8200″، مثل "تشك بوينت"، و"بالو ألتو نيتوركس"، و"إن إس أو". وحولت هذه الشركات إسرائيل إلى قوة في الأمن السيبراني، حيث تصدّر منتجاتها إلى حكومات وشركات حول العالم، أحيانا وسط جدل أخلاقي بشأن استخدامها في انتهاك الخصوصية. وجه جديد في عالم التجسس السيبراني في خضم هذا المشهد التكنولوجي المعقد تبرز شركات جديدة مثل "باراغون سوليوشنز" التي أُسست عام 2019 على يد قادة ومجندين سابقين في تلك الوحدة، لتصبح لاعبة رئيسية في سوق أدوات التجسس والقرصنة المتقدمة. ومن بين مؤسسيها إيهود شنيورسون القائد السابق في "الوحدة 8200". وتركز "باراغون سوليوشنز" على بيع أدوات اختراق ومراقبة سيبرانية متطورة لحكومات ووكالات أمنية حول العالم، مستفيدة من خبرات مؤسسيها في "الوحدة 8200". ومن بين أبرز المنتجات التي تقدمها "باراغون سوليوشنز" برنامج "غرافيت" الذي أثار جدلا واسعا بسبب قدرته على التجسس رغم أن الشركة تدعي أنه مخصص لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. وتحاول "باراغون سوليوشنز" التمايز عن سمعة "إن إس أو" السيئة من خلال ادعاء احترامها القوانين المحلية والدولية، ومع ذلك يتبع "غرافيت" النمط نفسه الذي رأيناه مع أدوات، مثل "بيغاسوس". ويظهر التاريخ صعوبة منع إساءة الاستخدام، حيث إن قدرة "غرافيت" على الاختراق الصامت تجعله أداة مثالية للقمع والمراقبة غير المشروعة. الابتكار في خدمة المراقبة ينتمي "غرافيت" إلى سلالة جديدة من برامج التجسس القادرة على العمل دون كشف، وهو إحدى أكثر أدوات الاختراق تطورا، حيث يتميز بالهجوم الصامت وتجاوز التشفير والتنصت الشامل. ويستطيع "غرافيت" اختراق جهاز الهدف دون أن يتطلب أي تفاعل من الضحية، مثل النقر على رابط أو فتح ملف، وهذه النوعية من الهجمات هي ذروة التطور في عالم التجسس. ويستغل البرنامج ثغرات غير معروفة في أنظمة التشغيل أو في التطبيقات الشائعة لتنفيذ الاختراق تلقائيا عند استلام رسالة أو بيانات معينة. ويهدف "غرافيت" إلى البقاء مختبئا ضمن الجهاز لمدة طويلة من خلال إنشاء حسابات خفية غير مرئية للمستخدم تستخدم لتلقي الأوامر وإرسال البيانات المسروقة. وصمم "غرافيت" ليعمل بشكل أساسي في ذاكرة الجهاز، مما يقلل فرص ترك آثار دائمة تسمح باكتشافه من خلال الفحوصات التقليدية. وبمجرد الاختراق يستطيع "غرافيت" الوصول إلى الرسائل النصية ورسائل التطبيقات المشفرة والبريد الإلكتروني والصور والملفات وسجل المكالمات وجهات الاتصال وسجل التصفح. كما يتتبع الموقع الجغرافي، ويستخدم الميكروفون والكاميرا سرا، ويتحكم عن بعد بالجهاز المستهدف دون كشف الأثر محولا الهاتف إلى جهاز مراقبة. ولأن البرنامج قادر على الوصول إلى المحادثات المشفرة فإن أي شخص يتواصل مع جهاز مستهدف قد تعترض رسائله أيضا، مما يجعله ضحية غير مباشرة للهجوم. ويستهدف "غرافيت" الهواتف العاملة بنظامي "آي أو إس"، و"أندرويد". ومن الناحية التقنية، يتألف برنامج التجسس من المكونات التالية: وحدة التوصيل: تستغل الثغرات غير المكتشفة أو تستخدم الهندسة الاجتماعية للهجوم الأولي. وحدة الاستمرارية: تتيح الوصول إلى صلاحيات المستخدم الجذر أو كسر الحماية للتحكم الطويل الأمد في الجهاز. وحدة استخراج البيانات: تسرق الرسائل وجهات الاتصال وسجلات المكالمات وبيانات الموقع وملفات الوسائط. وحدة المراقبة: تفعّل الميكروفونات والكاميرات سرا للمراقبة الفورية. وحدة الاتصالات: تسرب البيانات المسروقة عبر قنوات القيادة والتحكم المشفرة. وحدة الدفاع الذاتي: تكتشف محاولات التحليل وتتفادى الكشف، ويمكنها التدمير الذاتي لتجنب التحليل الجنائي. السوق العالمية الرمادية تسلط قصة "باراغون سوليوشنز" الضوء على السوق الرمادية للتجسس الرقمي، وهي سوق غير خاضعة للرقابة. ومن خلال هذه السوق توفر شركات يقودها خبراء عسكريون سابقون أدوات اختراق عالية التعقيد لحكومات قد تسيء استخدامها. وبالاعتماد على "الوحدة 8200" أصبحت إسرائيل واحدة من أكبر مصدري برامج التجسس في العالم، وتحولت إلى مركز عالمي لهذه الصناعة التي توسعت بسرعة وسط طلب عالمي متزايد. ومن خلال هذه السوق تباع تقنيات هجومية متقدمة لعملاء قد يستخدمونها لقمع المعارضين، كما تنقل الخبرات العسكرية إلى القطاع التجاري، حيث تتفوق القدرات الهجومية على القدرات الدفاعية. وتتعاقد الحكومات مع الشركات الإسرائيلية من أجل الحصول على تقنيات يصعب تطويرها داخليا، الأمر الذي جعل تلك الشركات تتنافس على تزويد السوق بأدوات مراقبة متطورة جدا. وحفزت هذه المنافسة الابتكار، ولكنها أيضا أججت الجدل بشأن أخلاقيات بيع أدوات التجسس، حيث اضطرت إسرائيل إلى فرض قيود إضافية على صادرات هذه البرامج بعد فضائح شركة "إن إس أو". وتشترط وزارة الدفاع الإسرائيلية حصول الشركات على موافقة رسمية على صفقات البيع، والتدقيق في هويات الزبائن، والالتزام بالحفاظ على العلاقات الدبلوماسية. لكن الخبراء يشيرون إلى أن هذه القيود تبقى نسبية، حيث تستمر صادرات التجسس الإسرائيلية إلى عشرات الدول، بما في ذلك دول غربية حليفة، وهو ما يجعل الحديث عن ضوابط صارمة موضع شك. وتحذر المنظمات من أن ادعاءات البيع الأخلاقي مجرد تسويق، إذ إن التقنية نفسها خطيرة بطبيعتها، وقد تستخدم ضد المعارضة والصحفيين حتى في الدول الديمقراطية. ختاما، فإن "باراغون سوليوشنز" وبرنامجها "غرافيت" ليسا مجرد قصة شركة أمنية ناجحة، بل انعكاس لسوق تجسس عالمي بدون ضوابط، حيث تتحول الخبرات العسكرية إلى سلع تباع وتشترى تحت ستار محاربة الإرهاب، ولكنها قد تصبح أداة للقمع والاستبداد.


الجزيرة
منذ 21 ساعات
- الجزيرة
رويترز: شركات أميركية تعد خطة للطاقة في سوريا بعد رفع العقوبات
قال الرئيس التنفيذي لشركة أرجنت للغاز الطبيعي المسال جوناثان باس الجمعة إن شركات بيكر هيوز وهانت إنرجي وأرجنت ستعدّ خطة شاملة لقطاع النفط والغاز وتوليد الكهرباء في سوريا ، في شراكة تهدف لإعادة تأسيس البنية التحتية للطاقة التي تضررت من حرب استمرت 14 عاما. وتمثل الخطوة تحولا سريعا إذ ستشهد دخول شركات أميركية إلى بلد كان يخضع من قبل لأحد أشد أنظمة العقوبات في العالم. وقرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلغاء العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا في نهاية يونيو/حزيران الماضي. وتعتزم تلك الشركات -ومقرها الولايات المتحدة الأميركية- المساعدة في عمليات التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما وإنتاج الكهرباء لمنح الاقتصاد دفعة في وقت تسعى فيه الحكومة إلى إعادة إعمار سوريا ودعم عودتها للساحة العالمية. وتأتي الخطة بعد مسارعة شركات أخرى -العديد منها من دول خليجية عربية- لتوقيع اتفاقيات لتعزيز البنية التحتية لتوليد الطاقة وللموانئ في سوريا. إنعاش قطاع الطاقة وقال باس لرويترز عبر الهاتف "نبادر بتطوير خطة أساسية وشاملة للطاقة ولتوليد الكهرباء في سوريا بناء على تقييم مبدئي للفرص المتاحة لتحسين قدرة التوليد وإيصال الخدمة في المدى القريب". وأضاف "تهدف جهودنا إلى دعم إنعاش قطاع الطاقة بالتنسيق مع الجهات المعنية". وتابع "يشمل ذلك أنشطة محتملة في كل مراحل سلسلة القيمة، من التنقيب والإنتاج إلى توليد الكهرباء، بما في ذلك محطات توليد الطاقة ذات الدورة المركبة". وتقول رويترز إنها لم تتلقّ أي رد بعد على أسئلة أرسلتها عبر البريد الإلكتروني إلى شركة بيكر هيوز، كما أحجمت شركة هانت إنرجي عن التعليق. وتضع الخطة تصورا للبدء بمناطق خاضعة لسيطرة الحكومة السورية إلى الغرب من نهر الفرات. ولا يزال شرق سوريا -حيث أغلب إنتاج النفط- خاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية ، التي تدعمها الولايات المتحدة ويقودها الأكراد. وحثت واشنطن قوات سوريا الديمقراطية على الاندماج في السلطات الجديدة في دمشق بعد الإطاحة ب بشار الأسد. وبسبب الحرب التي استمرت 14 عاما، لحقت أضرار جسيمة بقطاع الكهرباء في سوريا، ولا ينتج حاليا سوى 1.6 غيغاوات من الكهرباء، نزولا من 9.5 غيغاواتات قبل 2011. وفي مايو/أيار الماضي وقعت سوريا مذكرة تفاهم مع شركة أورباكون القابضة القطرية لتطوير مشاريع لتوليد طاقة كهربائية بقيمة 7 مليارات دولار، تشمل 4 محطات بتوربينات غاز تعمل بالدورة المركبة ومحطة طاقة شمسية بقدرة ألف ميغاوات في جنوب سوريا. اهتمام متزايد في منشور على موقع لينكدإن أمس الأول الخميس، قال محمد يسر برنية وزير المالية السوري إن الشركات الثلاث تشكل تحالفا للاستثمار في سوريا وتطوير قطاع الطاقة في البلاد. ووصل باس، والرئيس التنفيذي لشركة هانت إنرجي، هانتر إل.هانت، ومسؤول تنفيذي كبير في شركة بيكر هيوز، إلى سوريا على متن طائرة خاصة صباح الأربعاء. وقال برنية إن هذه الزيارة "تشير إلى اهتمام متزايد بين الشركات والمستثمرين الأميركيين بالتعامل مع سوريا". وأفاد الرئيس التنفيذي لشركة أرجنت بأنهم كانوا في اجتماع مع برنية عندما شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية على دمشق هزت المدينة، ووصف الأمر بأنه كان "كبيرا". ويعمل باس على مشروع الطاقة منذ زيارة دمشق ولقاء الرئيس السوري أحمد الشرع في أبريل/نيسان الماضي.


الجزيرة
منذ 21 ساعات
- الجزيرة
أفول الهيمنة الأميركية.. صعود الصين والمأزق في الشرق العربي والإسلامي
أصبحت المنافسة بين الولايات المتحدة والصين السمة الأبرز في الجغرافيا السياسية للقرن 21. فبينما تتآكل الهيمنة الأميركية العالمية بعد 3 عقود من التفرد والأحادية الأميركية للهيمنة العالمية، يشير صعود الصين المتواصل كقوة اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية ناعمة؛ إلى تحول زلزالي في النظام العالمي. في الوقت ذاته، تواصل الولايات المتحدة التورط في صراعات إقليمية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، حيث لم تعد تحقق مكاسب استراتيجية لإمبراطوريتها، بل تعمق الانطباع العالمي بتراجعها. وهذا يتجلى بوضوح في الدعم الأميركي المطلق للكيان الصهيوني، لا سيما طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي قد يشكل نقطة تحول في نظرة الرأي العام العالمي لشرعية لهيمنة الأميركية والمشروع الصهيوني. الصبر الاستراتيجي وصعود الصين منذ نهاية الحرب الباردة ، اتبعت الصين استراتيجية طويلة الأمد تُعرف باسم "الصبر الاستراتيجي"، وهي مقاربة متعددة الأبعاد تركز على النمو الاقتصادي، وتحديث القدرات العسكرية، والانخراط العالمي المتعدد الأطراف. ويُعد مشروع "الحزام والطريق" أبرز معالم هذه الاستراتيجية، إذ يهدف إلى نسج شبكة من البنى التحتية والتجارة والاستثمارات عبر أوراسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. وبهذا المشروع تمكنت الصين من تأمين الموارد الحيوية والتأثير على طرق التجارة العالمية، كما سمح لها بتصدير نموذجها التنموي، متجاوزةً المؤسسات الدولية التقليدية التي تهيمن عليها القوى الغربية. لقد كان النمو الاقتصادي الصيني في العقود الثلاثة الماضية مذهلاً. ففي عام 1992، لم يتجاوز الناتج المحلي الصيني 6% من نظيره الأميركي (367 مليار دولار مقابل 6.52 تريليونات). أما اليوم، فقد تجاوزت هذه النسبة 65% (20 تريليون دولار مقابل 30 تريليونا). وقد موّل هذا النمو الهائل برنامجاً لا يقل تأثيرا في تحديث القدرات العسكرية. فعلى الرغم من أن الصين لم تتجاوز الولايات المتحدة بعدُ كأقوى قوة عسكرية عالمياً، فإنها بدأت تفرض نفوذها الإقليمي المتزايد، لا سيما في بحريْ الصين الجنوبي والشرقي. ومن خلال تركيز عقيدتها العسكرية على تراكم قدرات منع الوصول أو الحرمان من المنطقة للقوى الخارجية الأجنبية، أو ما تسمى سياسة "Anti-Access/Area Denial" (A2/AD)، تسعى الصين إلى منع أو الحد من التدخل الأميركي قرب حدودها، كخطوة أساسية نحو الهيمنة الإقليمية في شرق آسيا. وفي الوقت ذاته، أسهمت الصين بفاعلية في إنشاء مؤسسات دولية بديلة تتحدى الهيمنة الغربية، مثل مجموعة البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والأنظمة المالية الجديدة كمصرف التنمية الجديد، مما يدل على سعيها نحو بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب يشكك في سيطرة النظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة. الاستراتيجية الكبرى لواشنطن.. الهيمنة العالمية والسيطرة الإقليمية الاتحاد السوفياتي ، ظهرت الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم، وهي لحظة تفرّد أرادت بقاءها واستمرارها. ومنذ عام 1991، تمحورت الاستراتيجية الأميركية حول منع صعود أي قوى منافسة، خصوصاً في أهم المناطق الجيوسياسية في شرق آسيا، وأوروبا، ومنطقة الخليج العربي/الشرق الأوسط. ولقد كان جوهر هذا المنطق أنه إذا لم تستطع أي قوة إقليمية أو كبرى أن تهيمن في منطقتها، فلن تتمكن من تحدي التفوق أو الهيمنة الأميركية على الصعيد العالمي. ولتطبيق هذه الاستراتيجية، اعتمدت الولايات المتحدة في منطقتي أوروبا وشرق آسيا سياستين لإضعاف خصومها المحتملين، غير أنهما فشلتا في النهاية. الأولى في أوروبا، وتتمثل في توسعة حلف الناتو شرقاً من 16 عضواً في العام 1991 إلى 32 عضواً اليوم، في محاولة لاحتواء أو استمالة روسيا أو تغيير نظامها السياسي. وقد شملت هذه السياسة إدخال دول أوروبية كانت تحت النفوذ السوفياتي قبل انهياره، من خلال دعم وتحريك الحركات المؤيدة للغرب في هذه المجتمعات، كالثورات الملونة. إلا أن هذه السياسة أثارت ردة فعل عنيفة من الجانب الروسي، حيث اعتبرت موسكو توسع الناتو تهديداً وجودياً لها، ما دفعها إلى إعادة فرض نفسها. ولقد تُوج ذلك بالحرب على أوكرانيا عام 2022، وهو صراع يميل الآن لصالح موسكو رغم الدعم الغربي الهائل لكييف عسكريا واقتصاديا وسياسيا. أما في شرق آسيا، فقد انتهجت الولايات المتحدة سياسة الانخراط والتواصل مع الصين، على افتراض أن الازدهار الاقتصادي الصيني سيؤدي حتماً في نهاية الأمر إلى "لَبرلة" (من الليبرالية) النظام السياسي الصيني، أي تحريره وربطه بالنظام العالمي الرأسمالي الذي تقوده أميركا. ولذلك تم إدخال الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، لتصبح مركزاً للاستثمار الأميركي والعالمي. لكن الصين لم تتحول إلى ديمقراطية ليبرالية، بل احتفظت بنظامها السلطوي المركزي بينما راكمت قوة اقتصادية وتقنية هائلة، وهذا بدوره سمح بزيادة إنفاقها العسكري وتأكيد قوتها الإقليمية، وهو ما كانت واشنطن تأمل أن تتفاداه. الشرق الأوسط.. السيطرة على الموارد والتوسع الإمبراطوري المنطقة الاستراتيجية الثالثة للهيمنة الأميركية كانت تكمن في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط الأوسع. فلطالما كانت السيطرة على هذه المنطقة الغنية بالنفط محوراً أساسياً في التخطيط الاستراتيجي الأميركي وضمن مصالحها الحيوية العليا، ليس فقط لأسباب تتعلق بالسيطرة على مصادر الطاقة من خلال خلق التحالفات ومناطق النفوذ، بل أيضاً لضمان استمرار هيمنة الدولار الأميركي. فمنذ فك ارتباط الدولار بالذهب عام 1971، أصبحت مكانته كعملة احتياطية عالمية تعتمد على إعادة تدوير البترودولار. وقد كانت ضمانات بيع النفط بالدولار مع الدول الكبرى المصدرة للنفط، والحفاظ على ولاء الأنظمة الإقليمية وحمايتها تحت المظلة الأميركية، أموراً جوهرية في تحقيق هذه الهيمنة. بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، اتجهت السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة نحو طموحات كبيرة من خلال سياسة إعادة هندسة المجتمعات. فقد غزت الولايات المتحدة أفغانستان والعراق تحت شعارات "الديمقراطية"، و"تغيير الأنظمة"، و"تحقيق الأمن العالمي والاستقرار الإقليمي". وكشف الجنرال ويسلي كلارك في مقابلة عام 2003، أن البنتاغون بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول وضع خطة لإسقاط 7 أنظمة خلال 5 سنوات، وهي: العراق، وسوريا، ولبنان، وليبيا، والصومال، والسودان، وإيران. لكن هذه المخططات الطموحة انهارت في صحارى وجبال الشرق العربي والإسلامي. لقد هُزمت أميركا في العراق وأفغانستان، رغم إنفاقها العسكري الهائل وسقوط آلاف الجنود، كما تحطم حلم "إعادة تشكيل" المنطقة على غرار النموذج الأميركي في ظل انتشار الفوضى والعنف والفشل. الكيان الإسرائيلي.. من حليف استراتيجي إلى عبء استراتيجي يُعد دعم الكيان الصهيوني محورا حاسما في السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، فمنذ انتصار الكيان على 3 دول عربية عام 1967 واحتلاله أراضي شاسعة تشمل كل أراضي فلسطين التاريخية، اعتبرته واشنطن ونخبها الحاكمة حليفاً استراتيجياً مُهماً يخدم أهداف الإمبراطورية الأميركية. ولكن القضية الإسرائيلية ومستقبل الكيان ليسا مجرد شأن خارجي، بل باتا يُعتبران قضية داخلية أميركية بسبب النفوذ الهائل للوبي الصهيوني. ومع صعود المحافظين الجدد في أوائل العقد الأول لهذا القرن، من أمثال بول وولفويتز، ودوغلاس فيث، وسكوتر ليبي، وإليوت أبرامز، وريتشارد بيرل، تزايد التلاقي بين الأهداف الاستراتيجية الأميركية والمصالح الصهيونية في السيطرة والهيمنة على المنطقة. ولقد جسّد خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2023 قبل أسبوعين من طوفان الأقصى؛ طموحات الكيان، حيث روّج للممر الهندي-الشرق الأوسطي-الأوروبي الاقتصادي "India-Middle East-Europe Economic Corridor" (IMEC)، باعتباره مشروعاً يصنع من "إسرائيل" مركزاً إقليمياً للتجارة والبنية التحتية العالمية، متجاهلاً تماماً القضية الفلسطينية ومعاناة شعبها. وقد عكس هذا الخطاب سعي الكيان للهيمنة الإقليمية، ومحاولته ترسيخ التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، خاصة السعودية، وإندونيسيا، وباكستان. ولعل هذا التجاهل كان من أهم العوامل التي أدت إلى عملية 7 أكتوبر التي قامت بها حماس ، وهي عملية قلبت المعادلة وكشفت هشاشة الكيان الصهيوني ونتجت عنها سلسلة من الخسائر الاستراتيجية للمشروع الصهيوني. الانهيار الاستراتيجي للكيان الصهيوني بعد "طوفان الأقصى" شكلت عملية "طوفان الأقصى" نقطة تحول تاريخية في ميزان القوى الإقليمي، فرغم امتلاك الكيان الصهيوني أحد أقوى الجيوش وأكثر أجهزة الاستخبارات تقدماً، فقد فشل فشلاً ذريعاً في التنبؤ بالعملية أو التصدي لها، كما كشفت العملية عن انهيارات في منظومة الردع والعقيدة العسكرية والتماسك الداخلي. رداً على ذلك، شن الكيان حملة إبادة جماعية وحشية من بين الأشد تدميراً في التاريخ الحديث، حيث دمّر البنية التحتية المدنية لقطاع غزة بالكامل، وقتل عشرات الآلاف من سكانه، ثلثاهم من النساء والأطفال، كما جرح عشرات الآلاف، وشرّد الباقين. إعلان ومع ذلك، ورغم مرور أكثر من 21 شهراً من القصف والحصار والدمار والمجازر، فإن المقاومة الفلسطينية ما زالت صامدة وتخوض حرب استنزاف مريرة، كما تشارك في مفاوضات غير مباشرة مع المعتدي الصهيوني من موقع الصمود والثبات. فحتى الآن لم يتحقق الهدف العسكري الأساسي للكيان والمتمثل في "النصر المطلق" أو القضاء على حماس وتفكيك بنيتها التنظيمية. يرى معظم الخبراء بعد طوفان الأقصى أن الكيان الصهيوني أصبح يعاني من أزمة استراتيجية، فقد فشلت نظرية الردع التي بنيت على فرض العقاب الساحق للأعداء والذي ينتج عنه الاستسلام والإذعان، وتآكلت صورة "إسرائيل" كقوة إقليمية واهتزت مصداقية مؤسساتها الأمنية، كما انهار التماسك الاجتماعي داخل دولة الكيان تحت وطأة الحرب والأزمة الاقتصادية، بالإضافة إلى تقويض المعنويات العسكرية، وهجرة آلاف الإسرائيليين خشية من المستقبل. أما على الصعيد الدولي، فقد انهارت سردية الضحية اليهودية، حيث وثقت وسائل التواصل الاجتماعي المجازر والمجاعة والدمار في غزة، مما أدى إلى تغيير مشهود في الرأي العام العالمي. كما أصدرت مؤسسات دولية -مثل محكمة العدل الدولية- تحذيرات بوقوع الإبادة، وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر توقيف بحق قادة صهاينة كبار مثل رئيس الوزراء ووزير الدفاع باعتبارهما مجرمي حرب. هذا بجانب الدعوات الواسعة إلى المقاطعة والعقوبات، وتراجع السياحة والاقتصاد، وبدء موجة هجرة عكسية تهدد التوازن الديمغرافي المستقبلي للكيان. أهداف متباينة.. أميركا مقابل الكيان ورغم اتفاق واشنطن وتل أبيب على أهداف استراتيجية، مثل سحق وإنهاء المقاومة الفلسطينية، وإضعاف أو احتواء إيران ومحور المقاومة، والحفاظ على التفوق الإقليمي، فإن أهدافهما المرحلية وتكتيكاتهما مختلفة. فالكيان يسعى للهيمنة على المنطقة وفق رؤية "إسرائيل الكبرى"، ويتجلى ذلك في توسيع الاستيطان في الضفة الغربية (بقيادة الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش)، وخطط استفزازية لبناء الهيكل في الحرم القدسي الشريف (بقيادة المتطرف الآخر إيتمار بن غفير الذي يريد فرض التقسيم المكاني والزماني في حرم الأقصى المبارك). بالإضافة إلى ذلك، فإن تدمير غزة وتصاعد الإرهاب الاستيطاني في الضفة يهدفان إلى فرض تهجير جماعي للفلسطينيين لحل "المشكلة الديموغرافية"، وتَجنبِ نظام فصل عنصري دائم يوصم به الكيان. أما الولايات المتحدة، فإن سياستها تهدف إلى تحقيق "استقرار إقليمي يبقى تحت السيطرة" من خلال إضعاف وحصار وردع إيران وحلفائها في محور المقاومة، والتحكم في أسواق الطاقة، واحتواء النفوذ الصيني والروسي في المنطقة، والحفاظ على بنية أمنية موالية لها من خلال تبني استراتيجية "الأعمدة التوأم" (Twin Pillar)، أي تبني سياسة الحفاظ على المصالح الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية الأميركية في المنطقة من خلال حليفين إقليميين قويين هما الكيان الصهيوني والسعودية. ولذلك أصبحت أولوية واشنطن الآن بعد فشل الحل العسكري الإسرائيلي في تحقيق النصر المطلق واستسلام المقاومة وتحرير الأسرى بدون أثمان، تتمثل في إنهاء حرب الإبادة في غزة من خلال عملية التفاوض والضغط السياسي، مع الإبقاء على النظام الإقليمي المهيمن عليه أميركيًّا كما هو بلا تغيير جوهري. نحو نظام عالمي جديد.. مسار النهضة للعالم العربي والإسلامي إن فشل الاستراتيجيات الأميركية عالمياً وإقليميا، وفقدان مصداقية النظام الدولي الذي تديره الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، ومع انتشار شوفينية واشنطن وتفردها، مع هيمنة ترامب ذي السياسات العنصرية والمتفردة على القرار السياسي والمؤسسات السياسية في بلاده، ومع صعود الصين وتقدمها الاقتصادي الهائل ونفوذها السياسي الكبير، ومع تآكل قوة الكيان الصهيوني وإنهاك منظومته في حروبه المستمرة، فإن كل هذه الظواهر الكونية تفتح الباب أمام إعادة توجيهٍ تاريخية وبناء منظومة جديدة للنظام الدولي. فالعالم يمر الآن بلحظة مصيرية قد تسفر عن تغييرات جوهرية في بنية النظام الدولي، وذلك يعطي للعالم العربي والإسلامي فرصة تاريخية تفرض أولوية التحرر من السيطرة الأجنبية والهيمنة الصهيونية. لقد أثبت النظام الدولي القائم -بقيادة الولايات المتحدة والمنظومة الغربية- عجزه ورفضه لمحاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه الجسيمة، رغم الأدلة الواضحة على شنه حرب إبادة جماعية ضد شعب أعزل في غزة المحاصرة، وارتكابه جرائم حرب وتطهير عرقي ومجازر. وقد أصرّت هذه المنظومة على تبني سياسة أن القوة هي التي تحدد الشرعية وفرض الأمر الواقع. وبالتالي، فإن المصلحة الجوهرية للشعوب العربية والإسلامية تكمن في رفض وتغيير هذا النظام نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب يعكس قيم العدالة والاستقلال والسيادة والكرامة. ولذلك لا بد من إدراك أن المعركة المركزية لكل الشعوب اليوم، والتي يجب أن تتحد عليها، هي في إنهاء النفوذ والهيمنة الأجنبية والصهيونية. فلا يمكن لمشروع نهضة حضارية، أو نظام ديمقراطي، أو ازدهار اقتصادي، أو تقدم علمي، أو مجتمع إسلامي، أن يتحقق في ظل السيطرة الأجنبية والهيمنة الصهيونية التي تتحقق من خلال الدعم الأميركي العسكري والسياسي والمالي المستمر وغير المحدود، لسبب جوهري وهو أن كل هذه المنجزات التي تسعى إليها الشعوب الحية يعتبرها الكيان تهديداً وجودياً له يجب محاربته وإحباطه، لذلك كان المقصود من هذا النفوذ الأجنبي والهيمنة الصهيونية إحباط أي مسعى للشعوب نحو تحقيق الاستقلال أو الوحدة أو النهضة. هذه الهيمنة الأجنبية أصبحت اليوم جدارا حديديا يعترض مستقبل أي شعب يسعى نحو الاستقلال والتحرر والتقدم. ومن هنا، لا بد من تفكيك هذه البنى الاستعمارية والاستغلالية حتى تنطلق نهضة حقيقية في العالم العربي والإسلامي، فالاستقلال والسيادة وتقرير المصير والتعاون الإقليمي لا يمكن أن تتحقق مع وجود التفكك والضعف والتبعية والاحتلال داخل المنظومة العربية-الإسلامية. باختصار، إن هذه المعركة يجب أن تتصدر كل الأولويات، لا كمجرد شعار، بل كمحددٍ استراتيجي وضرورة وجودية. نهاية لحظة التفرد الأميركي قد لا تسقط الهيمنة الأميركية دفعة واحدة، لكن تراجعها بات واضحاً. إن انحيازها الأعمى إلى الصهيونية الإجرامية والمتطرفة قد يشعل موجة جديدة من الانتفاضات في المنطقة، تكون ربيعاً عربياً جديداً لا يستهدف الأنظمة المستبدة فقط، بل يكون حراكاً جماهيرياً هادراً يستهدف تفكيك النفوذ الصهيوني والهيمنة الأميركية في المنطقة. في هذه اللحظة المفصلية، يجب على الشعوب العربية والإسلامية أن ترسم مساراً جديداً تؤكد فيه إرادتها وتحقق استقلالها وتستعيد سيادتها، وتعيد تعريف دورها وترسم مستقبلها في نظام عالمي جديد، عادل ومتعدد الأقطاب، ولكنه ما زال في طور التشكيل.