
100$ للفرد 400$ للأسرة: حوافز لعودة اللاجئين إلى سوريا
التحوّل في الخطاب الرسميّ والأمميّ
ترافق التحوّل في الخطاب الرسميّ اللبنانيّ مع تحوّلٍ موازٍ في توصيف المفوّضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين لواقع سوريا بعد الإطاحة بنظام بشّار الأسد في الثامن من كانون الأوّل 2024. فعلى مدى سنواتٍ رأت المفوّضيّة أنّ الوضع الأمنيّ الضبابيّ والملاحقات والتقارير عن التعذيب تحول دون توصيف البلاد "مكانًا آمنًا للعودة الطوعيّة"، لكنّ الحكومة السوريّة الجديدة بادرت، فور تسلّمها السلطة، إلى إطلاق تعهّدٍ علنيّ بأنّ "كلّ السوريّين مُرحَّبٌ بعودتهم من دون استثناء". نتائجُ استطلاعٍ أمميّ أُجري في مطلع عام 2025 أظهرت انقلابًا لافتًا في المزاج: نحو ثلاثين في المئة من اللاجئين في دول الشرق الأوسط عبّروا عن رغبةٍ حقيقيّة في العودة، مقارنةً بنسبة اثنين في المئة إبّان حكم الأسد. ممثّل المفوّضيّة في لبنان إيفو فريسن وصف التطوّرات بأنّها "فرصة إيجابيّة"، لافتًا إلى أنّ "الموقف يتغيّر بسرعة كبيرة، ما يتيح للاجئين التفكير بواقعيّة في خيار العودة المستدامة".
بحلول نهاية حزيران 2025 أحصت المفوّضيّة عودة أكثر من ستمئةٍ وثمانيةٍ وعشرين ألف سوريّ عبر حدود الدول المجاورة، بينهم مئةٌ وواحدٌ وتسعون ألفًا دخلوا من لبنان وحده. هذه الأرقام، وإن بدت طموحةً للبعض ومتواضعةً لآخرين قياسًا بحجم الشتات، أظهرت مسارًا تصاعديًّا غير مسبوقٍ منذ اندلاع الصراع. في الوقت نفسه، ظلّت ظروف اللاجئين داخل لبنان تتفاقم؛ فالحرب التي اندلعت بين إسرائيل وحزب الله أواخر عام 2024 فرضت على البلاد حصارًا عسكريًّا امتدّ أشهرًا وحوّلت بعض مناطق الجنوب إلى خطوطِ نار، فيما عجز الاقتصاد — المنهك أساسًا منذ 2019 — عن امتصاص الصدمات المتتالية الناتجة من شحّ الدولار وتدهور الليرة وارتفاع البطالة. أمام هذا المشهد بدا عرضُ العودة بالحوافز الماليّة أشبهَ بطوق نجاةٍ لشريحةٍ لا يُستهان بها من اللاجئين.
غير أنّ الصورة في سوريا ما زالت بعيدةً عن الكمال؛ فالمنازل والبنى التحتيّة في محافظات إدلب وحلب وضواحي دمشق تعرّضت لدمارٍ واسع، وشبكات الكهرباء والمياه تكاد تكون معدومةً في مناطق كثيرة، بينما يشير آخر تحديثٍ أمميّ إلى وجود أكثر من سبعة ملايين نازحٍ داخليّ. ويقول فريسن إنّ "العديد من اللاجئين يُعبّرون عن رغبةٍ في العودة لكنّهم متردّدون بسبب ضبابيّة الأفق الأمنيّ والاقتصاديّ". هؤلاء يخشون الثأر أو التشرّد، ويفتقرون إلى الموارد اللازمة لإعادة بناء منازلهم أو إطلاق مشاريع صغيرة تضمن كسب الرزق.
مبادرات وخطط رسميّة
على الضفّة السوريّة بادرت الحكومة الجديدة إلى إعلان سلسلة حوافز وإعفاءات وصفت بأنّها "الأكثر شمولًا منذ عام 2011". مدير العلاقات المحليّة والدوليّة في هيئة الموانئ مازن علوش أفصح عن بنودٍ تُطبَّق حتى الخامس عشر من تمّوز 2025، تسمح لكلّ مَن دخل لبنان بطريقة غير قانونيّة بمغادرته من دون تسديد غرامات أو التعرّض لحظرٍ لاحق، فيما يُعفى مَن انتهت صلاحية إقامته بعد الأول من كانون الأوّل 2024 من الرسوم أيضًا، بينما يُكتفى بتسديد المتأخّرات لمن انتهت إقامته قبل ذلك التاريخ. بالتوازي صدر "قانون استرداد الأملاك" الذي يمنح العائد ستّين يومًا لإثبات الملكيّة واستعادة العقار، وتتعهّد السلطات بحوافزَ ضريبيّةٍ للمشروعات الصغيرة والمتوسّطة، مع إنشاء أربعة مراكز استقبالٍ مجهّزةٍ بعياداتٍ ومولّداتٍ بتمويلٍ مشتركٍ مع الوكالة الألمانيّة للتعاون الدوليّ. رغم ذلك كشف مسحٌ أجرته جمعيّة "سوا للتنمية" في خمسة مخيّماتٍ لبنانيّة أنّ اثنين وأربعين في المئة من المستطلَعين لا يملكون مأوى صالحًا في قراهم، وسبعةً وثلاثين في المئة يخشون التجنيد أو الثأر الأهليّ، ما يضع الكرة في ملعب الجهات المانحة لتأمين مساكن جاهزةٍ وحماية قانونيّة.
داخل بيروت أفضت المداولات الحكوميّة — وهي المرّة الأولى التي تُعقَد فيها من دون مقارباتٍ عنصريّةٍ شعبويّة — إلى خطّةٍ ذات مرحلتين: تمهيديّة بالتعاون مع الأمن العامّ والمفوّضيّة لتحديث قاعدة بيانات اللاجئين وعرض الحوافز، ثمّ تنفيذيّة توكَل إلى وزارة الشؤون الاجتماعيّة مهمّة وضع "إجراءات ملموسة" تربط بين التمويل الدوليّ ومواكبة العودة اللوجستيّة. وبخلاف مبادراتٍ سابقة اكتفت بالشعارات أو رمت المسؤوليّة على المجتمع الدوليّ، يُعَدّ هذا الطرح اختبارًا فعليًّا لقدرة الدولة اللبنانيّة على الالتزام بمعايير القانون الدوليّ لحقوق الإنسان، ولا سيّما مبدأ "عدم الإعادة القسريّة". فالمغادرة تبقى "طوعيّةً حصرًا" وفق النصّ الرسميّ، شرط أن يوقّع اللاجئ استمارةً تؤكّد خانة "القرار الشخصيّ".
من زاويةٍ أوسع يتقاطع المسار اللبنانيّ مع خططٍ تركيّةٍ وأردنيّة؛ إذ تستهدف أنقرة إعادة سبعمئة ألف لاجئٍ حتى نهاية 2026، فيما تتحضّر عمّان لتسهيل مغادرة مئتي ألفٍ من أصل مليونٍ وثلاثمئة ألف. هذا التزامن، وإن اختلفت شروطه وحدّته، يوحي بإمكان بلورة تفاهمٍ إقليميّ برعاية المفوّضيّة يوزّع الأعباء اللوجستيّة ويُنسّق مع العواصم المانحة. في بيروت دعا المفوّض السامي فيليبو غراندي، قبل أسابيع، المجتمع الدوليّ إلى "استثمارٍ جدّيّ" في إعادة الإعمار، قائلًا إنّ سوريا "بلدٌ مُنهَك يحتاج إلى ترميم بناه التحتيّة وخدماته وأمنه واقتصاده". وأشاد بقرار واشنطن رفع جزءٍ من العقوبات الاقتصاديّة باعتباره "خطوة في الاتجاه الصحيح"، محذّرًا من فشلٍ جماعيٍّ إذا تُرِكت دمشق وحيدةً أمام عبء الإعمار.
مسار العودة
يبقى نجاح أيّ مسارٍ لعودة السوريّين مرهونًا بعدّة عوامل مترابطة؛ فبالإضافة إلى حوافز النقد المباشرة والإعفاءات، لا بدّ من ضمانات أمنيّةٍ شاملةٍ تُشعر العائدين بالحماية من الاعتقال التعسّفيّ أو الملاحقات الكيديّة، مع توفير خدمات أساسيّة كالمياه والكهرباء والتعليم. كذلك يتطلّب الأمر شبكةَ مراقبةٍ مشتركةً بين بيروت ودمشق والمفوّضيّة ترصد أيّ خرقٍ محتمل وتفعّل آليّات المساءلة السريعة. من دون ذلك سيظلّ القلق مُبرَّرًا، ويُخشى أن يتحوّل العائدون إلى نازحين داخليّين يضاعفون الضغط على البنى الضعيفة في محافظاتٍ ما زالت تجرّ ذيول الحرب والعقوبات.
ورغم ضخامة التحدّيات، فإنّ السّياق الإقليميّ الراهن، قد يفسح مجالًا لالتقاط اللحظة. بالنسبة إلى بيروت، التي رُهنت استحقاقاتها الماليّة والتنموّية بعبء اللجوء طيلة اثني عشر عامًا، يُمثّل تحريك ملفّ العودة فرصةً لإعادة ترتيب أولويّاتها الداخليّة وفكّ اشتباكٍ مزمنٍ بين القضايا الاجتماعيّة والهواجس السياديّة. أمّا لدمشق، فيُمثّل نجاح عودةٍ منظَّمةٍ ومدعومةٍ إنسانيًّا رصيدًا سياسيًّا يُعيد دمجها تدريجيًّا في النظام الدوليّ، شرط أن تُترجَم الوعود على الأرض عبر مؤسّسات دولةٍ شفّافةٍ تُحارب الفساد وتحمي حقوق الملكيّة الفرديّة والجماعيّة.
في الخلاصة تبدو المعادلة واضحة: "إذا التقت الإرادة السياسيّة الصادقة بالتمويل الرشيد والرقابة الصارمة، يمكن تحويل مأساة اللجوء إلى رافعةٍ لبناء مستقبلٍ أكثر عدالةً وأمانًا على ضفّتَي الحدود". الخطّة اللبنانيّة، بمنحها النقد المباشر والإعفاء من الرسوم، والخطّة السوريّة بمسارها القانونيّ حتى منتصف تمّوز، ليستا سوى حجرِ الزاوية. أمّا البنيان، فلن يكتمل إلّا إذا استُثمرت اللحظة الإقليميّة بعقلانيّة، فتقاطعت مصالح الدول مع كرامة البشر، وتسارعت قوافل العودة من دون أن تتعثّر في ممرّات الحرب أو دهاليز البيروقراطيّة. بهذه الشروط وحدها يمكن قياس هذا المسار — لا بعدد الحافلات التي تعبر الحدود فحسب — بل بقدرة العائدين على فتح أبواب بيوتهم المغلقة منذ أعوام.
بتول يزبك - المدن

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


ليبانون 24
منذ 23 دقائق
- ليبانون 24
نتنياهو يُلين مواقفه: صفقة الأسرى أولًا و"المدينة الإنسانية" إلى الخلف
كشف مصادر في الحكومة الإسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو"مستعد لتقديم تنازلات ويبدي مرونة غير مسبوقة" لإنجاز صفقة تبادل الأسرى. وأفاد مشاركون في جلسة المجلس الوزاري المصغر التي عقدت مساء الأحد بأن نتنياهو يبدو مصمما على التوصل إلى صفقة تبادل أسرى مع حركة " حماس"، وأبدى استعدادا لإظهار مرونة فيما يتعلق بالانسحاب من "محور موراج" بين رفح وخان يونس، وهي مرونة لم يظهرها في السابق. وقال بعض الحاضرين: "تجرى محادثات في الدوحة ، والعمل جار بكثافة. نناقش خرائط محدثة، وحتى إن لم تنجز الصفقة خلال يوم أو يومين، فالاتجاه واضح نحو الاتفاق، وقد يستغرق الأمر بضعة أيام إضافية. وفي حال إبرام الصفقة، فلن تقام المدينة الإنسانية في رفح ببساطة لأن المنطقة لن تصنف كممر إنساني. ونتنياهو مستعد الآن للتنازل عن أمور لم يكن مستعدا للتنازل عنها سابقا". وقدر ممثلو الجيش خلال الجلسة أن إقامة "المدينة الإنسانية" في رفح قد تستغرق أكثر من عام، بكلفة تتراوح بين 10 و15 مليار دولار، على عكس تقديرات سابقة أشارت إلى إمكانية بناء مخيم ضخم يضم مئات آلاف الفلسطينيين خلال ستة أشهر فقط. وعبر نتنياهو عن غضبه من تقديرات الجيش، وطالبهم بتقديم جدول زمني "أكثر واقعية"، وأمرهم في ختام الجلسة بعرض "خطة محسنة"، قائلا: "يجب أن تكون أقصر، وأقل تكلفة، وأكثر عملية". وقال مشاركون إن "الانطباع السائد" هو أن الجيش يحاول إفشال خطة إقامة المدينة الإنسانية التي تتعرض لانتقادات دولية متزايدة، ولذلك قدّم خطة وصفها البعض بـ"غير الواقعية". كما دار خلال الاجتماع نقاش بشأن مصادر تمويل المشروع الذي قد تصل كلفته إلى عشرات مليارات الشواقل. ووفق الخطة الأصلية، فإن "المدينة" وهي عمليا مخيم ضخم من الخيام ستضم ما يصل إلى نصف مليون فلسطيني، ولن يسمح لسكانها بالعودة إلى شمال قطاع غزة. من جانبه، اعتبر وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أن الحديث عن المدينة الإنسانية مجرد "مناورة سياسية"، وقال: "الجدل حول إقامة المدينة الإنسانية هو في جوهره محاولة للتغطية على صفقة الاستسلام التي يتم الإعداد لها مع حماس، والتي ستشهد انسحاب الجيش من أراضٍ احتُلت بدماء جنودنا، وإطلاق سراح مئات القتلة، ومنح حماس وقتًا ومساحة لاستعادة قدراتها. لا مكان للمناورات في معركة النصر الكامل". (روسيا اليوم)


Elsport
منذ 42 دقائق
- Elsport
تشيلسي يجني 115 مليون دولار بعد تتويجه التاريخي بكأس العالم للأندية
حقق تشيلسي مكاسب مالية ضخمة بعد تتويجه بلقب كأس العالم للأندية 2025، عقب فوزه الكبير على باريس سان جيرمان بثلاثية نظيفة في النهائي الذي أقيم بملعب ميتلايف في نيو جيرسي. وضمن النادي اللندني أكثر من 40 مليون دولار من المباراة النهائية فقط، بينما تجاوزت أرباحه الإجمالية 115.6 مليون دولار بعد الأداء القوي في مختلف مراحل البطولة. وأعلن "فيفا" أن الجوائز المالية للنسخة الجديدة بلغت مليار دولار، منها 525 مليونًا للمشاركة، و475 مليونًا حسب النتائج. تفوّق تشيلسي ماليًا حتى على ما حققه من لقب دوري المؤتمر الأوروبي الذي جنى منه نحو 23 مليون يورو فقط. من جهته، نال باريس سان جيرمان 30 مليون دولار بعد الخسارة في النهائي، بجانب أرباح المراحل السابقة من البطولة.


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
ماكرون يعلن عن خطة لتسريع الإنفاق العسكري في فرنسا إلى 64 مليار يورو بحلول 2027
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس عن خطة لتسريع وتيرة الإنفاق الدفاعي للبلاد، متعهداً بزيادة الميزانية العسكرية للمثلين بحلول عام 2027، أي قبل ثلاث سنوات من الموعد المقرر في البداية وذلك استجابة للوضع الجيوسياسي المعقد. وكانت فرنسا تهدف إلى زيادة ميزانيتها الدفاعية من مستويات عام 2017 للمثلين بحلول عام 2030. إلا أن ماكرون تعهد بتحقيق هذا الهدف بحلول عام 2027. وستزيد الميزانية العسكرية التي بلغت 32 مليار يورو، ما يعادل37.40 مليار دولار، في عام 2017 إلى 64 مليار يورو بحلول 2027، مع تخصيص 3.5 مليار يورو إضافية للعام المقبل وثلاثة مليارات يورو أخرى في عام 2027. وقال ماكرون ، إن تسريع الإنفاق سيتم من خلال زيادة النشاط الاقتصادي. ويأتي هذا في الوقت الذي تكافح فيه فرنسا لتوفير 40 مليار يورو في ميزانية 2026. وأضاف: "استقلالنا العسكري لا ينفصل عن استقلالنا المالي... سيتم تمويل ذلك من خلال المزيد من النشاط (الاقتصادي) والمزيد من الإنتاج". وقال إن رئيس الوزراء فرانسوا بايرو سيقدم مزيداً من التفاصيل في خطاب حول خططه لمشروع ميزانية 2026 يوم الثلاثاء.