
عيد المرأة بتونس.. نساء في مواجهة الاعتقالات وتبعاتها
وأعقبت هذه التدابير التي مضى عليها أكثر من 4 سنوات موجة اعتقالات ومحاكمات استهدفت قيادات معارضة ونشطاء مجتمع مدني بتهم " التآمر على أمن الدولة" ، وأدت إلى سجن العديد من أزواج وأشقاء هؤلاء النساء، اللاتي أصبحن يتحملن وحدهن مسؤولية دعم أزواجهن وأسرهن في غياب أي دعم نفسي أو اجتماعي.
وفي شهر أبريل/نيسان 2025، أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس أحكاما ابتدائية بالسجن تتراوح بين 4 و66 سنة، في ما يعرف إعلاميا بقضية "التآمر"، وقد شملت ما لا يقل عن 37 متهما، منهم أمناء ورؤساء أحزاب وقيادات بارزة، اعتقلوا في حملة مداهمات لمنازلهم في فبراير/شباط 2023.
كما شنت السلطات التونسية حملة اعتقالات أعقبتها محاكمات ناشطات وإعلاميات على غرار المحامية سنية الدهماني بموجب المرسوم 54 الذي سنه الرئيس سعيد لمكافحة نشر الأخبار الزائفة، وأصبح، وفق المراقبين، سيفا مسلطا على كل منتقدي سياساته، فضلا عن محاكمة ناشطات يدعمن قضايا المهاجرين.
وأدت هذه الاعتقالات إلى سجن العديد من النشطاء، سواء كانوا رجالا أم نساء. ولكن في جميع الحالات، تقف النساء بمفردهن في مواجهة معاناة إنسانية مضاعفة لتحمل مسؤولية مرهقة لرعاية أسرهن.
من هؤلاء النساء تبرز منية إبراهيم زوجة القيادي المستقيل من حركة النهضة الإسلامية عبد الحميد الجلاصي، المحكوم عليه في الطور الابتدائي بالسجن 13 سنة في قضية التآمر على أمن الدولة.
تبلغ منية ستين عاما، وتقضي أيامها الحزينة في إرهاق متواصل يتجاوز حدود التعب النفسي والجسدي.
بالنسبة إليها ليس عيد المرأة مناسبة للاحتفال، بل مناسبة بلا معنى تذكرها بمعاناتها اليومية مع اعتقال زوجها "ظلما" منذ أكثر من عامين ونصف في سجن المرناقية بالعاصمة. تقول للجزيرة نت، "عن أي احتفال تتحدث؟".
يذهب معظم وقتها في إعداد "القفة" أو السلة التي تحتوي على الطعام والملابس لزوجها، والساعات الطويلة من الانتظار خلال زيارات السجن، وهو روتين أسبوعي متكرر يستهلك طاقتها ويتركها منهكة جسديا ونفسيا.
تضيف منية في حديثها للجزيرة نت، أن زيارة سجن المرناقية بالعاصمة رحلة شاقة تبدأ بالتنقل وسط السجن سيرا على الأقدام مسافة طويلة محملة بالأغراض الثقيلة من الطعام والملابس لزوجها سواء تحت الشمس أم المطر.
داخل السجن، تنتظر هذه المرأة طوابير طويلة ساعات مضنية في غرفة ضيقة صاخبة بصراخ الأطفال وتوتر الزوار، وبعد أجواء ثقيلة مشحونة بالضجر والملل والتعب، لتلتقي دقائق معدودة فقط بزوجها.
هذا العبء الكبير تتقاسمه منية إبراهيم مع شعور بالوحدة، إذ إن ابنتها تقيم بالخارج ومنعتها هي من العودة خوفا عليها من أن يصيبها مكروه في ظل النظام الحالي، مما يزيد من شعورها بالعزلة والإنهاك.
وفضلا عن كل هذا الجهد تشارك منية في جميع الوقفات الاحتجاجية لعائلات المساجين السياسيين لإيصال صوت زوجها إلى درجة أنها أصبحت لا تشعر بأنها امرأة إذ يغلب على شعورها الغبن والتضحية المستمرة.
ورغم هذه الأعباء، تواصل منية صمودها في صمت. تقول "لقد تحولت المعركة من معركة شخصية إلى معركة وطنية تهدف إلى استعادة الديمقراطية والدفاع عن الحقوق والحريات، واسترجاع قيمة المواطنة في تونس".
وترى منية أن السلطة الحالية اختارت طريق القمع بسجن المعارضين بتهم ملفقة بلا أدلة ملموسة، وتجد نفسها أمام خيارين صعبين إما تكريس حياتها كلها لهذه القضية متخلية عن ذاتها كامرأة وإنسانة، أم أن ترك القضية وعيش حياتها الخاصة بحرية، لكنها اختارت التضحية من أجل الحرية والعدالة، وفق تعبيرها.
وتتساءل منية بمرارة عن واقع المرأة في تونس اليوم، معتبرة أن الدولة التي تحترم المرأة يجب أن تكرمها، بينما الواقع يؤكد أن كثيرات منهن إما داخل السجون أم منهكات في حمل "القفة" وزيارات السجون.
حرب أعصاب
وعلى غرار منية إبراهيم تواجه المحامية دليلة بن مبارك مصدق، شقيقة السجين والقيادي بجبهة الخلاص المعارضة واستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، واقعا مريرا في ظل الأزمة السياسية الراهنة.
تقول دليلة للجزيرة نت، إن الاحتفال بعيد المرأة التونسية في 13 أغسطس/آب كان في السابق يوما للاحتفاء بتطور المرأة ومكتسباتها، لكنه اليوم يأتي محملا بالحزن والمرارة، مع وجود سيدات من خيرة نساء تونس في السجون بسبب آرائهن ودفاعهن عن الحريات والديمقراطية، بحسب تعبيرها.
كمحامية، اضطرت دليلة إلى إغلاق مكتبها لتتمكن من زيارة شقيقها وبقية المساجين السياسيين الذين نُقلوا إلى سجون نائية بعيدة عن العاصمة تونس، مما يتطلب منها تخصيص خمسة أيام في الأسبوع لتلك الزيارات، وهو ما يشكل ضغطا نفسياً وجسديا هائلا وحرب أعصاب متواصلة.
وتشارك دليلة في تحضير "القفة" التي تحتاج إلى يومين من الكد على الأقل أسبوعيا لتحضير الطعام لشقيقها، قبل أن تواجه عدة ساعات من الانتظار في طوابير السجون، وسط معاناة لا مبرر لها، كما تقول.
وتتحدث دليلة عن نقمة وخيبة أمل بالغة تشعر بها عند رؤية أشخاص مسجونين لم يرتبكوا أي ذنب سوى دفاعهم عن الحقوق والمواطنة، في حين "تستخدم السلطات التهم الملفقة بلا أدلة أداةً لقمع المعارضة".
وتعبر هذه المرأة عن شعور بالغضب تجاه النظام، إذ ترى أن الوضع يخلق مشاعر النقمة والغضب، ويجعل من الاحتفال بعيد المرأة مناسبة مكرسة للحزن لا للفرح، خاصة في ظل التضييق والملاحقات التي تتعرض لها المحاميات والنشطاء.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
أردوغان يكتب للجزيرة نت معلقا على حرب الإبادة في غزة
قال الرئيس التركي رجب طيب أرودغان إن موقف العالم المتردد تجاه قطاع غزة يقوض مصداقية النظام الدولي، "الذي يزعم أنه يقوم على المبادئ وقواعد العدالة". وأضاف أردوغان -في مقال خص به موقع الجزيرة نت ويُنشر في وقت لاحق اليوم الخميس- أنه "في الحقيقة لو تم إعطاء الاهتمام السريع والشامل الذي حظيت به أزمة أوكرانيا إلى غزة، لكنا اليوم أمام مشهد مختلف تماما". وشدد الرئيس التركي على أن "تصرفات إسرائيل دون توجيه أية عقوبات إليها تؤدي إلى انهيار القانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان". وتناول المقال فظاعة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكذا اغتيالها الصحفيين، وتحديات وأولويات إعادة الإعمار، إلى جانب العديد من القضايا.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
مهمة نتنياهو الروحية تثير غضبا ومغردون يحذرون من مغبة السكوت
شبكات لا يزال تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية- عن 'إسرائيل الكبرى' يثير تفاعلا كبيرا ويتردد صداه بقوة في المنصات الرقمية العربية. اقرأ المزيد


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
التربية: إعداد الإنسان لمهمة
التربية ليست مجرد تلقين معلومات، ولا هي مجرد تهذيب سلوكي أو تزيين ظاهري للأخلاق، بل هي أعمق من ذلك بكثير. إن التربية الحقيقية تُبنى على أساس أن للإنسان مهمة في الحياة، وأن وجوده ليس عبثا، بل تكليفا واختبارا، يتطلب إعدادا متكاملا لينهض بدوره. والتربية ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لإنتاج إنسان مؤثر، فاعل، صاحب رسالة. وفي ظل كثرة المشاريع والكيانات التربوية، يجب أن نتوقف عند سؤال جوهري: كم جهة اليوم تقيس نجاحها بعدد الأفراد؟ لكن، من يقيس التأثير؟ من يحسب كم شابا تغير حقا؟ فالعدد لا يعني الأثر، بل أحيانا يخفي فشلا ناعما؛ لذا من الواجب أن نقيس الأثر لا زحام الافراد. ومن هنا، يمكننا أن نعرّف التربية بأنها: "إعداد الإنسان للقيام بمهمة". منهج الإسلام في اختيار القادة لم يترك الإسلام أمر اختيار القادة خاضعا للأهواء أو الوراثة أو الزعامة التقليدية، بل وضع معايير دقيقة تجمع بين الاستعداد الفطري والتمكين العملي، ويظهر ذلك في قول الله، تعالى، عن اختيار طالوت ملكا: ﴿إنّ الله اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم﴾؛ فالمعيار هنا لم يكن المال ولا الحسب، بل العلم والقوة، أي الكفاءة العقلية والبدنية. ويوسف (عليه السلام) قال للملك: ﴿اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظٌ عليمٌ﴾؛ فطلب الولاية بناء على الخبرة والأمانة، لا النسب أو الجاه. وفي قصة اختيار سيدنا موسى قالت ابنة شعيب (عليه السلام): ﴿إنّ خير من استأجرت القويُّ الأمين﴾، جامعا بين الكفاءة والإخلاص. وقد ترسخ هذا المنهج في سيرة النبي ﷺ؛ فكان يولي المهام بحسب الطبع والموهبة والمهارة، لا بالأسبقية أو القرب فقط. ويتمثل ذلك في: أسند القيادة العسكرية لأسامة بن زيد لصلاحيته، رغم صغر سنه، ورفض تولية أبي ذر الغفاري لأنه لا يصلح لطبيعة العمل القيادي. النبي ﷺ وعتاب ابن اللتبية (عامل الصدقة): حين خان الأمانة في التفريق بين المال العام والخاص، عزله وقال: "أفلا جلس في بيت أبيه أو أمه فينظر أيُهدى إليه أم لا؟"؛ إشارة إلى أن القيادة مسؤولية وأمانة، وليست امتيازا شخصيا. تولية خالد بن الوليد قيادة الجيش رغم حداثة إسلامه، لأنه ذكي، ويدير الأمور بالدهاء العسكري. واختيار النبي لمصعب بن عمير، وإرساله سفيرا ومعلما إلى المدينة قبل الهجرة؛ لأنه كان لبقا، مؤثرا، حسن الخلق، حسن المظهر، ففتح الله به قلوب أهل يثرب. فالرسالة الكبرى في منهج الإسلام في توسيد الأمر لأهله هو أن القيادة لا تُمنح بالمطالبة أو الأقدمية، بل بناء على: الطبع القيادي. الخبرة العملية. الأمانة الشخصية. القدرة على حمل التكاليف. وكل ذلك يُقاس، ويُجرب، ويُتابع. وحتى نستطيع أن نتبع منهجية النبي في اختيار القادة وتوسيد الأمر لأهله، يجب أن نسير وفق منهجية علمية متكاملة، تتضمن: تحديد المهمة وتخطيط الموارد البشرية لا إعداد بلا وجهة؛ لذا فإن أول خطوة في التربية هي تحديد المهمة المطلوبة من الفرد: هو فرد عادي أم موظف؟ قائد أم مفكر، أم مصلح؟ يلي ذلك تخطيط الموارد البشرية: كم نحتاج من كل فئة؟ ما التخصصات المطلوبة؟ ما نوعية الكفاءات التي نؤهلها؟ فإعداد القادة بمختلف تخصصاتهم يختلف كمّا ونوعا عن إعداد المنفذين أو الفنيين. وهنا تبرز قاعدة مهمة: "القادة يُكتشفون، لا يُخترعون"… لا بد من استخدام أدوات انتقاء فعالة لاكتشاف أصحاب الطبع القيادي الحقيقي (الشجاعة، الحسم، الرؤية، التأثير…)، بدلا من محاولة فرض القيادة على من لا يحمل مؤهلاتها. تحليل متطلبات المهمة كل مهمة تحتاج إلى معارف ومهارات وقيم وصفات نفسية. التقييم الواقعي لهذه المتطلبات يسهم في تصميم برنامج تربوي فعال دون إفراط أو تفريط. بناء الجانب المعرفي والفكري تزويد الفرد بالعلم المرتبط بمهمته، والسياق العام الذي يتحرك فيه. تعزيز قدرته على التحليل، والتفكير النقدي، وفهم الواقع. بناء وعيه بقضايا الأمة، وفهمه لموقعه ضمن مشروع أوسع. بناء الجانب المهاري والعملي تحويل المعرفة إلى قدرة تنفيذية: إدارة، تواصل، تنظيم، كتابة، عمل ميداني. التدريب العملي، والمحاكاة، والمهمات الواقعية، عناصر لا غنى عنها في الإعداد الفعلي. بناء الجانب النفسي والروحي تقوية النفس على الصبر، وتحمل الضغوط، والانضباط الداخلي، والثبات في المواقف. غرس الإيمان بالرسالة، وحب البذل، والتجرد لله، والثقة في وعده. الإعداد الأخلاقي والسلوكي والقيمي لا يمكن لصاحب مهمة أن ينجح بلا أخلاق؛ فالمعرفة دون خُلق كالسلاح في يد مختل. يجب غرس القيم الكبرى المؤثرة في المجتمع المستهدف مثل: الصدق، الأمانة، التواضع، ضبط النفس، النزاهة، احترام الناس. لكن لا ينبغي الاستغراق في الإعداد الأخلاقي والسلوكي بمعزل عن الهدف، فليست التربية رحلة مثالية مجردة فقط، بل وسيلة لتحقيق وظيفة ومهمة. فإعداد الفرد لا يساوي إعداد القائد، وإعداد موظف خدمة لا يشبه إعداد صاحب مشروع تغييري؛ فلكل مستوى متطلباته اللازمة من الأخلاق والسلوك والمهارات. المتابعة والتقويم المستمر التربية عملية مستمرة لا تتوقف؛ فالنفوس تتغير، والواقع يتبدل، والمهام تتجدد. لا بد من وجود آليات دورية لتقييم الأفراد والقادة، واكتشاف نقاط القوة والضعف، وتحديث خطط التطوير الفردي لكل شخص؛ فالفرد لا يُعدّ مرة واحدة ثم يُطلق، بل يُعاد بناؤه وتطويره ليتناسب مع متطلبات كل مرحلة. ليست التربية حشوا للمعلومات، ولا تهذيبا شكليا، بل هي بناء رجال، وصناعة رساليين ينهضون بأمتهم، ويقومون بأمانة الاستخلاف كما أرادها الله ثانيا: أهمية اختيار القائمين على العملية التربوية التربية تحتاج إلى رجالها، ونجاحها مرهون بكفاءة من يتصدرون لها. لا يصح أن يقود العملية التربوية من قضى عمره في ماكينات تربية فاشلة، لم تنتج إلا التقليد والانغلاق والضعف.. والواجب اختيار القادة وفق صفات ومعايير واختبارات دقيقة؛ فوظيفتهم بناء وتعديل السلوك لا مجرد ملء استمارات لرفعها للمستويات الأعلى. لذا، لا بد أن يكون القائمون على التربية ممن جمعوا بين: الخبرة العملية الناجحة. الدراسة الأكاديمية والتخصصية في مجال التربية والتنمية. الرؤية الشرعية السليمة التي تضبط الوسائل بميزان الوحي. كما يجب استخدام الأدوات التربوية والنفسية الحديثة، من أدوات تحليل الشخصية إلى مناهج القيادة والتنمية، بشرط: ألا تصادم الشرع. وأن تُستخدم لتحقيق المصلحة العامة للأمة، لا لتكريس الانغلاق التنظيمي أو الهيمنة الفكرية. إعلان والمربي الناجح هو من يجمع بين نور الشرع، وخبرة الواقع، وصفاء النفس، وكفاءة الأداء. بعض النماذج التربوية تحولت إلى دوائر مغلقة، تُكنز فيها الطاقات وتُحتكر الكفاءات لصالح كيانات ضيقة، بينما التربية الرسالية الحقة تفتح الإنسان على الأمة، وترتب له مكانه في مشروع الخلافة، لا في جهاز مغلق ثالثا: الهدف الأعلى للعملية التربوية كل هذه الخطوات، والتخطيط، والتقويم، يجب أن يخدم رؤية كبرى لا تنفصل عن أصل الاستخلاف: الإنسان خُلق ليكون خليفة في الأرض. يعمرها بالحق، وينشر فيها العدل، ويقيم فيها شرع الله. ولذلك، فالتربية ليست مشروعا لصناعة جنود ولا نخب، بل هي: تأهيل لعبادة الله من خلال العمل. إعداد لتحمل مسؤولية التغيير. تمكين للفرد ليكون لبنة في نهضة الأمة. وهنا يجب التحذير من انحراف جوهري: إن الأصل أن يربى الإنسان ليقدَم للأمة، لا ليخزّن داخل تنظيم أو جماعة. فبعض النماذج التربوية تحولت إلى دوائر مغلقة، تُكنز فيها الطاقات وتُحتكر الكفاءات لصالح كيانات ضيقة، بينما التربية الرسالية الحقة تفتح الإنسان على الأمة، وترتب له مكانه في مشروع الخلافة، لا في جهاز مغلق. وبناء على ما تقدم، إذا أردنا نهضة حقيقية فعلينا أن نعيد تعريف التربية بأنها "إعداد الإنسان لمهمة الاستخلاف في الأرض". وهذا الإعداد: متعدد الأبعاد: فكر، مهارة، خلق، وعي، روح. متجدد ومقوّم: يواكب المرحلة، ويعيد بناء الفرد. منضبط الهدف: يخدم الأمة لا التنظيم. مبني على الانتقاء: يميز القادة من غيرهم. مرتبط بالرؤية الشرعية: لا ينفصل عن ميزان الحق. فليست التربية حشوا للمعلومات، ولا تهذيبا شكليا، بل هي بناء رجال، وصناعة رساليين ينهضون بأمتهم، ويقومون بأمانة الاستخلاف كما أرادها الله.