
طاقة الكلمة تنفد
هل يبالغ موراكامي؟
ربما، ولكنّ هناك لحظات في حياة الإنسان يصبح فيها الكلام أشبه بحرب صامتة مع المعنى، فكأن كل كلمة تُسحب من عمقٍ سحيق، وكل جملة تُدفع بثمن من الطاقة الداخلية التي لم تعد متوفرة كما كانت، ليس لأن الأفكار قد نضبت، ولا لأن العالم فقد بريقه، بل لأن النفس نفسها أصبحت أكثر انتقائية، وأكثر حرصًا على صون ما تبقّى من صفائها في وجه ضوضاء الكلمات العاجلة، المعلّبة، المستهلكة.
الحديث مع الآخرين هو عملية معقّدة من الانفتاح، والإفصاح، والقبول وكأن جزءًا منك سيُعرض في سوق مفتوح للمشاعر والأحكام، وكلما ازداد الوعي، ازدادت تكلفة هذه العملية، فالتواصل الصادق، يستهلك الروح كما تستهلك الأجساد بما تلقاه من الحيف والبغي، لذلك يتراجع البعض إلى صمتهم حمايةً لرصيدهم الباطني من الانحدار في مجاري التكرار والتصنع.
في عمق هذا التعب، تكمن مفارقة لافتة: إننا نصمت أحيانًا لأننا نعرف أكثر مما نقول، ونعي أكثر مما يحتمل أن يُفهم. فنختار الصمت كترفٍ روحي لا يستطيع الجميع دفع ثمنه، وهنا فقط يصبح الصمت لغة موازية، بلغة أعمق من الكلام، وإيماءة تُفهم من العيون أكثر مما تُفهم من الشفاه.
لكن، هل الصمت نهاية المطاف؟ أم أنه نقطة تحوّل؟
ربما يكون الحديث مع الآخرين جهدًا لم تعد تملكه اليوم، لكن هذا لا يعني أن التواصل قد مات فيك، بل أنه يحتاج أن يُعاد صياغته، ليتحول من عادة اجتماعية مفروضة، إلى اختيار ناضج، يمر عبر قنوات أكثر صدقًا ويتحول الكلام إلى مشروع صغير، من خلال: جلسة قصيرة مع من يشبهك، رسالة مكتوبة بصدق، نظرة تتلمس ما وراء الوجوه، ضحكة صافية مع شخص واحد بدلًا من مجاملات متعددة، حينها يصبح الصمت مساحة لاستعادة المعنى، ويصبح الكلام حدثًا مبهجًا لا ينهك، بل ينعش.
لم نعد نملك جهد الكلام العابر، لكننا نستطيع أن نملك جهد الكلام الضروري، الذي يضيف إلينا، ولا يستهلكنا. فالصمت إذن ليس فراغًا، بل حديقة مغلقة لا يدخلها إلا من يقدّر جمالها، ولا يتجوّل فيها إلا من يعرف قيمة الصمت قبل الكلام.
ختاماً... حين ينتهي الحديث، وتتلاشى الأصوات، ويبقى داخلك مزيج من الإرهاق والرضا، قد تدرك أن الجملة الأصدق لوصف ذاتك هي كلام مكلف ونفس مرهقة مفلسة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الرياض
منذ 2 أيام
- الرياض
طاقة الكلمة تنفد
«يحتاج الحديث مع الآخرين جهدًا لم أعد أملكه» هل يبالغ موراكامي؟ ربما، ولكنّ هناك لحظات في حياة الإنسان يصبح فيها الكلام أشبه بحرب صامتة مع المعنى، فكأن كل كلمة تُسحب من عمقٍ سحيق، وكل جملة تُدفع بثمن من الطاقة الداخلية التي لم تعد متوفرة كما كانت، ليس لأن الأفكار قد نضبت، ولا لأن العالم فقد بريقه، بل لأن النفس نفسها أصبحت أكثر انتقائية، وأكثر حرصًا على صون ما تبقّى من صفائها في وجه ضوضاء الكلمات العاجلة، المعلّبة، المستهلكة. الحديث مع الآخرين هو عملية معقّدة من الانفتاح، والإفصاح، والقبول وكأن جزءًا منك سيُعرض في سوق مفتوح للمشاعر والأحكام، وكلما ازداد الوعي، ازدادت تكلفة هذه العملية، فالتواصل الصادق، يستهلك الروح كما تستهلك الأجساد بما تلقاه من الحيف والبغي، لذلك يتراجع البعض إلى صمتهم حمايةً لرصيدهم الباطني من الانحدار في مجاري التكرار والتصنع. في عمق هذا التعب، تكمن مفارقة لافتة: إننا نصمت أحيانًا لأننا نعرف أكثر مما نقول، ونعي أكثر مما يحتمل أن يُفهم. فنختار الصمت كترفٍ روحي لا يستطيع الجميع دفع ثمنه، وهنا فقط يصبح الصمت لغة موازية، بلغة أعمق من الكلام، وإيماءة تُفهم من العيون أكثر مما تُفهم من الشفاه. لكن، هل الصمت نهاية المطاف؟ أم أنه نقطة تحوّل؟ ربما يكون الحديث مع الآخرين جهدًا لم تعد تملكه اليوم، لكن هذا لا يعني أن التواصل قد مات فيك، بل أنه يحتاج أن يُعاد صياغته، ليتحول من عادة اجتماعية مفروضة، إلى اختيار ناضج، يمر عبر قنوات أكثر صدقًا ويتحول الكلام إلى مشروع صغير، من خلال: جلسة قصيرة مع من يشبهك، رسالة مكتوبة بصدق، نظرة تتلمس ما وراء الوجوه، ضحكة صافية مع شخص واحد بدلًا من مجاملات متعددة، حينها يصبح الصمت مساحة لاستعادة المعنى، ويصبح الكلام حدثًا مبهجًا لا ينهك، بل ينعش. لم نعد نملك جهد الكلام العابر، لكننا نستطيع أن نملك جهد الكلام الضروري، الذي يضيف إلينا، ولا يستهلكنا. فالصمت إذن ليس فراغًا، بل حديقة مغلقة لا يدخلها إلا من يقدّر جمالها، ولا يتجوّل فيها إلا من يعرف قيمة الصمت قبل الكلام. ختاماً... حين ينتهي الحديث، وتتلاشى الأصوات، ويبقى داخلك مزيج من الإرهاق والرضا، قد تدرك أن الجملة الأصدق لوصف ذاتك هي كلام مكلف ونفس مرهقة مفلسة.


الرياض
منذ 2 أيام
- الرياض
أَأَهْجُرُ حُبَّكِ أَمْ تَهْجُرِينْ..؟
أَأَهْجُرُ حُبَّكِ أَمْ تَهْجُرِينْ..؟ سُـؤَالٌ يُـرَاوِدُنِيْ كُـلَّ حِينْ..! فَأُمْسِكُ قَلْبِيْ بِصَمْتٍ مُرِيْبٍ وَأَخْشَى عَلَيْـهِ الَّذِيْ تَـحْسَبِينْ تُرَاهُ يَكُوْنُ وَقَدْ عِشْتُ دَهْرَاً بِقُرْبِكِ، لَا مُكْرَهَاً أَوْ سَــجِينْ وَإِنْ فَتُـرَ الْـحُبُّ يَـوْمَـاً لِنَـأْيٍ فَهَلْ يُذْبِلُ الْـحُبَّ طُوْلُ السِّنِينْ؟ وَمَا أَذْبَلَ الْـحُبَّ بَيْنَ الْـمُحِبِّيْـ ـــنَ ظَنٌّ، وَإِنْ رَانَ شَـكٌّ مُبِينْ فَـإنْ كُنْتُ مُنْكِـرَ وِدٍّ بِيَـوْمٍ فَمِـنْ تَعَبٍ وَاِنْكِسَـارٍ مُهِيـنْ وَظُلْمِ أُنَاسٍ يُرَاؤُوْنَ عَمْـدَاً يُــعَادُوْنَ كُـلَّ نَـجَـاحٍ ثَمـِينْ فَقَدْ كُنْتِ نِعْمَ الْـمُجِيْرُ بِحُبٍّ تُـزِيْلِيْـنَ هَمَّـاً بَلَمْسِ الْـجَبِـينْ بِهَمْسٍ مَشُوْبٍٍ بِعِشْقٍ وَشَوْقٍ أَعُـــوْدُ نَقَيَّــاً إِذَا تَهـْمِسِـينْ فَقَدْ صِرْتُ بَيْنَ يَدَيْـكِ أَسِـيـْرَاً وَبِـتُّ رَهِيْنَـاً كَمَـا تَشْـتَهِيـنْ فَـأَنْتِ الــدَّوَاءُ إِذَا حُـمَّ دَاءٌ وَأَنْـتِ الْهَــوَاءُ إِذَا تَـرْغَبِـيـنْ وَأَنْتِ الْـخِنَـاقُ إِذَا تَقْطـَعِيْـنَ وَأَنْتِ الرَّجَـاءُ إِذَا تُــوْصِلِيـنْ وَإِذْ تَبْسُمِيْنَ كَنَهْرٍ فُــرَاتٍ يَـضُجُّ بِقَلْبِي السُّرُوْرُ السَّجِينْ فَمَـا بَيْنَنَـا رَحْمَـةٌ وَتَـــلاقٍ بِفِكْـرٍ، وَرُوْحٍ، وَعَقْـلٍ رَزِيــنْ وَأُطْرَبُ إِنْ مَرَّ ذِكْرُكِ هَمْسَاً فَـإِيْـقَـاعُ حَـرْفِــهِ لَـحْـنٌ رَنِيـنْ فَفِي (الشِّيْنِ) شَدْوٌ يَطُوْلُ وَشِعْرٌ وَفِي (الْيَاءِ) صَوْتُ الْيَمَامِ الْـحَزِينْ وَفِـي (الـرَّاءِ) رَأْفَـةُ أُمٍّ حَنُـوْنٍ وَفِـي (الأَلْـفِ) أُلْفَةُ شَـوْقٍ دَفِيـنْ وَزَانَكِ فِي (الزَّايِ) زِيْنَةُ عَقْلٍ فَكَنْـزُ الْـمَعَــارِفِ مَـا تَـكْنُزِيـنْ فَلا ذَهَـبٌ قَـدْ يَـزِيْـدُكِ عِلْمَـاً وَلا الْـمَاسُ غَيْـرَ الَّذِيْ تَقْـرَئِيـنْ فَفِـي الْعَقْلِ مَعْرِفَـةٌ وَاِكْتِمَـالٌ وَمَعْرِفَــةُ الْعِلْـمِ فِـي الْعَارِفِيـنْ فَـزَادَ الْعُقُوْلِ عُلُـوْمُ الْكِتَابِ وَمَـنْ نَـالَـهَا فَــازَ دُنْيَــاً وَدِيـنْ غَـدَوْنَا مِثَـالاً وَنِعْـمَ الْـمِثَالُ وَفَـــاءً وَقُــدْوَةَ حُــبٍّ رَصِيـنْ فَسَبْعٌ وَعِشْـرُوْنَ مَرَّتْ سِرَاعاً فـَـلا كَــدَرٌ أَوْ جَفَــاءٌ لَـعِيـْن وَلا حَاسِـدٌ شَـانَهَا أَوْ عَـذُوْلٌ حَمَانَـا الْإلَـُه مِنَ الْـحَاسِـدِينْ وَكُنَّا إِذَا بَاغَتَ الْـحُلْمَ صَحْوٌ وَحَاصَـرَنَا فِيْ مَسَـاءٍ مُشِيـنْ نُسَامِرُ نَـجْمَاتِ لَيْـلٍ طَوِيْـلٍ وَنَرْسُـمُ حُلْمَـاً لِطِفْـلٍ فَـطِيـنْ وَذُرِّيَّــةٍ لا تَــذَرْنَـا تَـكُـوْنُ مِنَ الصَّالِـحَاتِ أَوِ الصَّالِْـحِيـنْ إِذَا مَسَّـنَا كِبَـرٌ أَوُ نُحُـوْلٌ فَكَنْـزُ الْـحَيَاةِ صَــلاحُ الْبَنِيـنْ رُزِقْنَا بِبِكْـرٍ وَنِعْـمَ الْوَلِيْـدُ فَـ (مِهْيَـارُ) حِصْـنٌ قَــوِيٌّ أَمِـيـنْ وَ(عِشْـتَارُ) أُمُّ أَبِيْهـَا حَنَـانَـاً بِلَهْفَـةِ أُمٍّ تُــدَارِي الْعَـرِيـنْ وَمِنْ بَعْدِهَا (جُلَّنَارُ) الْـخَجُوْلُ بِغَيْـرَتِهـَا تَسْـبِقُ النَّـاجِـحِـينْ (أَلِيْسَـارُ) شُـعْلَةُ حُبٍّ عَجِيْبٍ ذَكَــاءٌ وَحَدْسٌ بَأَعْلَــىْ يَقِـينْ وَ(نِيْنَارُ) صُغْرَى الْبَنَاتِ بِحُبٍّ تُـرَاعِيْ أَبَـاهَــا بِـرِفْقٍ وَلِيـنْ هُمُ الْعَوْنُ إِنْ جَارَ دَهْرٌ وَظُـلْمٌ وَهُمْ زِيْنَـةُ الْعَقْـلِ فِي الأَرْبَعِينْ دُعَـاءُ الْبَنِيـْنَ بُعَيْـدَ الْـمَمَاتِ مِنَ الْبِـرِّ يَبْقَى كَـدِرْعٍ حَصِـينْ فَهُـمْ نِعْمَـةُ اللهِ حِيـْنَ تُعَــدُّ تَزِيْـدُ وَتَرْبُـوْ مَعَ الشَّـاكِرِينْ وَهُمْ فَخْرُنَـا فِي الْـحَيَاةِ بِعِـزٍّ وَهُمْ ذِكْرُنَا الْعَطْرُ فِي الْعَالَـمِينْ وَعُكَّازُنَـا حِيْـنَ نَكْبَـرُ يَـوْمَاً وَنَنْـسَى الأَبَـاعِـدَ وَالأَقْـرَبِيـنْ فَيُنْكِرُنَا الأَهْلُ وَالصَّحْبُ عَمْدَاً وَيَنْفَضُّ عَنَّـا الصَّـدِيْقُ الْـمُعِينْ وَيَخْذُلُنَـا الْعُمْرُ مِنْ بَعْـدِ بَأْسٍ وَمِنْ بَعْـدِهِ شَـيْبَـةُ الْقَـاعِدِيـنْ فَمِنْ خَلْقِـهِ قُـوَّةٌ ثُـمَّ ضَعْـفٌ وَمِنْهَـا إِلَىْ أَسْـفَلِ السَّـافِلِيـنْ أَوِ الْـمَوْتُ إِنْ حَانَ يَوْمَاً كِتَابٌ عَسَـانَـا نَكُـوْنُ مِنَ الْـمُؤْمِنِيـنْ فَتِـلْكَ مَشِـيْئَةُ رَبِّ الْعِبَـادِ وَسُــنَّتُـهُ أَبَــــدِ الآبـِــدِيـــنْ


عكاظ
منذ 3 أيام
- عكاظ
«الموعد النهائي».. بين المشروعية والأنانية
بعد أن أصبحت العلاقات وكأنها مشاريع مؤقتة؛ ظهر مفهوم «الموعد النهائي لإنجاز المهمة» (deadline) كأداة حادة في أيدي بعض الشركاء بقرار نهائي وأحادي الجانب لإنهاء العلاقة.. كثيرون باتوا يقررون بصمت أن يمنحوا الشريك «فرصة أخيرة» دون علمه؛ يراقبونه، ينتظرون تغيراً قد لا يأتي، ثم ينسحبون بهدوء وكأن شيئاً لم يكن. فهل اتخاذ قرار مصيري كالانفصال حق مشروع لطرف دون الآخر؟، أم أن الإنصاف والاحترام يفرضان إشراك الطرف الآخر، لا في القرار فقط، بل في مقدماته أيضاً؟. من حق كل إنسان أن يقيِّم علاقته مع الآخرين، والابتعاد حين يشعر بأنها تستهلكه أو تُضعفه، وهذا لا يعني ممارسته ذلك من موقع التخفي والمراقبة، وكأن العلاقة ساحة اختبار سري، فحين تُمنح مهلة دون علم الشريك، تصبح النوايا غير واضحة، ويتحول القرار من كونه تصرفاً ناضجاً إلى موقف يتقاطع مع الأنانية والخذلان. العلاقات الصحية لا تبنى على الانتظار بصمت، بل على المواجهة بشجاعة، فالأقوياء لا ينسحبون دون تفسير، بل يمتلكون الجرأة الكافية لفتح الحوار، للتعبير عن الاحتياج، لتوضيح نقاط الألم، ويمتلكون القدرة على اتخاذ قرار ناضج بعد منح الشريك فرصة حقيقية للتغيير، لا مهلة سرية مجهولة النهاية. أن تشرك أحداً في مخاوفك، أن تخبره بأن هناك حدوداً إن لم تحترم؛ فستضطر للمغادرة هو قمة النضج، أما أن ترحل دون مقدمات، فذلك لا يعبِّر إلا عن هروبك من المواجهة، واستخدامك لسلطة القرار كوسيلة انتقام غير معلن. العلاقات لا تُبنى بطرف واحد، والانسحاب من العلاقة لا يجب أن يكون ثأراً هادئاً أو لعبة انتظار، بل نتيجة حوار واضح، وقرار يتّسم بالصدق والاحترام. لنتذكّر أن الحب شراكة، والنضج في العلاقات لا يظهر في طريقة البقاء فقط، بل في طريقة الرحيل أيضاً. أخبار ذات صلة