
فرصة لا تعوّض للشعب الفلسطيني
هناك تحول عالمي غير مسبوق لدى شعوب العالم لمساندة الشعب الفلسطيني في وجه حرب الإبادة والتطهير العرقي والتجويع التي يتعرض لها. ويؤدّي النهوض الشعبي الجاري إلى فرض ضغوط هائلة على برلمانات وحكومات الدول الغربية التي صمتت 19 شهراً على جرائم إسرائيل، وأغمضت أعينها عنها، بحجّة حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس، وبذريعة ما جرى في 7 أكتوبر (2023). ويعود الفضل في هذا التحول، أولاً وقبل كل عامل آخر، إلى صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته وبسالته، خصوصاً في قطاع غزّة، ورفضه رفع الراية البيضاء أو الاستسلام. لكن شيئاً لا يحدُث، كما قالت فرجينيا وولف، ما لم يتم وصفه. ولهذا كان دور الإعلام الشعبي، والمدني، والشبابي، عاملاً حاسماً في اختراق جدار التعتيم والصمت الذي اعتادت وسائل الإعلام الأجنبية الرسمية أن ترفعه لحجب الحقيقة كلما تعلق الأمر بإسرائيل والحركة الصهيونية وجرائمها. وصارت وسائل الاتصال الاجتماعي سلاحاً جباراً نقل المعاناة وشرح الجرائم، وأحرج العقول حتى أخرجها عن صمتهـا.
لم تتوقع الحكومة الفاشية الإسرائيلية أن ترى مائة ألف متظاهر يجوبون العاصمة الهولندية في أكبر مظاهرة في تاريخ ذلك البلد منذ عام 1982. ولم يستطيعوا تجاهل خروج 600 ألف في مظاهرة هي الأكبر في لندن ضد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ومثلها مظاهرات عديدة في العواصم الأوروبية.
ولم يتوقع حتى المناصرون للشعب الفلسطيني أن يمرّر القادة الأوروبيون قراراً بمراجعة اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية، وتحديداً البند الثاني في الاتفاقية، الخاص بحقوق الإنسان، وقد حظي القرار بتصويت 17 دولة من أصل 27.
وحتى ألمانيا التي دعمت، مثل بريطانيا، حرب الإبادة بالأسلحة والقذائف والسفن والطائرات اضطرت أن تلوح بوقف إمداد إسرائيل بالسلاح، بعد أن كان مجرّد انتقاد إسرائيل من المحرّمات، وبعد أن حاصرت حكوماتها بالقمع مظاهرات التأييد للشعب الفلسطيني. وقد تصدّر رئيس الوزراء والبرلمان الإسبانيان مشهد التضامن الإنساني بقرار قطع العلاقات التجارية مع (إسرائيل)، وتحريم نقل السلاح إلى (إسرائيل) عبر الموانئ والأجواء الإسبانية. وتقود فرنسا حراكاً قد يشمل عشر دول بما فيها بريطانيا وكندا للاعتراف بفلسطين.
وتصر الحركات الطلابية وعدة جامعات أميركية على تحدي ضغوط ترامب وعقوباته التي وصلت إلى حد اصطدامه بجامعة هارفارد التي تعتبر أيقونة الجامعات الأميركية وأكثرها شهرة. وتتعاظم عبر الكرة الأرضية فعاليات التضامن مع غزّة وفلسطين، من أميركا اللاتينية إلى كندا وأوروبا وأستراليا إلى جانب موقف الصين بكل ثقلها الاقتصادي والسياسي.
ولم تتوقع (إسرائيل) أن تبادر 22 دولة، بما فيها اليابان وأستراليا، و16 دولة أوروبية إلى الاحتجاج على الحصار الذي تفرضه إسرائيل على دخول المساعدات الإنسانية، ورفض الترتيبات الأميركية - الإسرائيلية لإنشاء مراكز توزيع تهين الكرامة الإنسانية، وتساعد نتنياهو وحكومته على تنفيذ جريمة ترحيل سكّان شمال غزّة ووسطها إلى الجنوب، لحشرهم في معسكر اعتقال، تمهيداً لتنفيذ التطهير العرقي بطردهم إلى خارج فلسطين.
وتتعاظم كل يوم لائحة الفنانين والكتاب والمفكّرين العالميين الذين يعلنون إدانتهم للجرائم الإسرائيلية وتضامنهم مع الشعب الفلسطيني. وأيرلندا على وشك إصدار قانون يحرّم التعاطي ليس فقط مع منتجات المستعمرات الاستيطانية الإسرائيلية، بل مع كل الشركات التي تتعامل معها.
ولعل أهم ما يميز تسونامي التضامن الذي انفجر في العالم أنه يتحول إلى طوفان حقيقي من العقوبات على الكيان الإسرائيلي. وربما يمكن القول بثقة، إن طوفان التضامن العالمي، الذي تقوده الشعوب، يشابه ما جرى ضد نظام الأبارتهايد (التمييز العنصري) في جنوب أفريقيا، والثورة العالمية ضد الحرب العدوانية على فيتنام في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وإنْ ما زال في حاجة إلى مزيد من الانتشار والتوسع.
وعندما يخرج وزير جيش الاحتلال، العنصري كاتس ليقول إن اعترافات فرنسا وغيرها بدولة فلسطين ستكون أوراقاً هشة مصيرها سلة المهملات، في حين ترسّخ إسرائيل على أرض الواقع الاستعمار الإحلالي الاستيطاني للضفة الغربية، فإنه كمن يصبّ الزيت على نار عزلة إسرائيل المتعاظمة. وعندما يعلن وزير المالية الإسرائيلي، المستوطن الفاشي سموتريتش، ووزير خارجية الاحتلال، ساعر، نيتهم الرد على الاعتراف بفلسطين بارتكاب جريمة حرب جديدة، بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، أي ضمّها، فإنهم يسحبون البساط من تحت أقدام المدافعين عن إسرائيل والداعين إلى تجنّب فرض العقوبات عليها. ولذلك يخرج رئيس حزب الديمقراطيين الإسرائيلي الذي كان يوماً نائباً لرئيس أركان جيش الاحتلال، ومشاركاً في جرائم الحرب على غزّة عام 2014، ليقول إن نتنياهو يجعل من إسرائيل كياناً منبوذاً، ليرد عليه قادة الحكومة وأحزاب المعارضة بوسمه باللاسامية، في ما يمثل انحطاطاً غير مسبوق للمنطق والعقل الإسرائيلي.
يمثّل كل هذا النهوض العالمي غير المسبوق فرصة لا تعوّض للشعب الفلسطيني يجب اغتنامها. ولكن ذلك مشروط بثلاثة أمور: أولاً توحيد الجهود الفلسطينية وتخلي السلطة الفلسطينية عن أوهام الحل الوسط مع الحركة الصهيونية، والقبول ليس فقط بتنفيذ إعلان بكين، بل بتشكيل قيادة وطنية فلسطينية موحّدة على استراتيجية كفاحية مقاومة للمشروع الصهيوني والاستعمار الإحلالي الاستيطاني. وثانياً، تعزيز تنظيم الطاقات والقوى الفلسطينية وتطويرهما على امتداد المعمورة بالتعاون الوثيق مع حركات التضامن ونشطاء المقاطعة. وثالثاً، التعاون مع قوى التضامن واحترام خصوصيتها ومواقفها في كل بلد، وتجنب محاولة الإملاء عليها أو التحكم فيها.
ويبقى السؤال الأكبر، ماذا ستكون عليه مواقف الدول العربية والإسلامية مما يجري؟ وقد تحدّت إسرائيل هذه الدول ثلاث مرات في أقل من أسبوع. أولاً، بالاعتداء والتطاول على المسجد الأقصى وأداء الصلوات اليهودية فيه بقيادة الوزراء وأعضاء الكنيست الإسرائيليين، والتلويح ببناء الهيكل المزعوم على أرضه. وثانياً، إعلان إنشاء 22 مستعمرة استيطانية جديدة ونيّات ضم وتهويد الضفة الغربية، وتحطيم كل ما تبقى من صلاحيات للسلطة الفلسطينية. وثالثاً، محاولة إسرائيل إهانة الدول العربية ومنع وزراء الخارجية العرب من القدوم إلى رام الله والتقاء قيادة السلطة الفلسطينية، إذا صدقت الأنباء في هذا الشأن.
ومع استمرار حرب الإبادة ونيات التطهير العرقي، وتعاظم الاستيطان اليهودي ليس أمام الدول العربية، التي لا يطالبها أحد بإرسال جيوشها لمحاربة إسرائيل، إلا فرض المقاطعة الشاملة والعقوبات على إسرائيل، وأن يلغي من أقدموا على التطبيع مع إسرائيل ذلك التطبيع، وإلا فسيتهمون بالتواطؤ مع جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني.
احتراماً للتضحيات العظيمة التي قدمها الشعب الفلسطيني خاصة سكان غزة الباسلة، ومخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، يجب العمل على حماية حركات التضامن الدولية وتطويرها، والتقاط هذه الفرصة التي لا تعوّض لعزل الفاشية الإسرائيلية ومجرمي الحرب، وإفشال مخططاتهم، لأن تغيير موازين القوى يعتمد أساساً على عاملين: صمود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، وتعاظم حركة المقاطعة وفرض العقوبات على الاحتلال.
المصدر / العربي الجديد

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ 5 ساعات
- معا الاخبارية
هل انطلقت الحرب العالمية الثالثة؟
ما جرى ويجري في روسيا هذه الأيام لا يدق ناقوس حرب عالمية ثالثة فحسب، بل يفتح باب جهنم على تفاصيل الواقع الميداني العالمي. فقصف القاذفات النووية في مرابضها، وفي مواقع عدة في روسيا باستخدام طائرات أوكرانية مسيرة قبل أيام، وضرب جسر جزيرة القرم الاستراتيجي مع كتابة هذه الكلمات وعبر التفخيخ المباشر، لا يوفران الشرارة لرد روسي موازٍ فحسب، بل يؤججان غضب روسيا التي كانت منشغلة منذ ضرب القاذفات المذكورة بإعداد ردها على الضربة الأولى، لتتلقى الضربة الثانية. هذان الفعلان كفيلان بتعظيم استشاطة موسكو وإشعال نيران حرب عالمية جديدة. الضرب المتكرر تحت الحزام هو سيد الموقف حسبما يبدو، إذ أن سياق الأمور يبدو وكأنه يقوم على عوامل المباغتة في الهجوم، والصدمة من طبيعة الهجوم، وفقدان التوازن مع توالي ذلك الهجوم. هذا التكتيك وما يوازيه من ضربات نوعية ليس وليد الساعة، ولا هو من بنات أفكار الرئيس الأوكراني الغائب عن علوم العسكريتارية، ولا حتى تم ويتم بقراره. قرار الرئيس الأوكراني المذكور، انحصر فقط بالقبول بأن تخوض بلاده حرباً بالإنابة عن أوروبا وأمريكا، فهو لا يحمل عداوة تاريخية تجاه موسكو فحسب، إنما هو من يمتلك حدوداً مع أكثر من ثلث أوروبا، وهو ما يمكنه من فتح جبهات عدة ليس فقط بجيشه، بل أيضا من خلال قوات دول أخرى ومرت وقتها. ضربات روسيا وبصراحة، تحمل بصمات يعتقد البعض من خلالها أنها من فعل أمريكا وإسرائيل وعدد من دول أوروبا، التي لم يجرحها الدب الروسي فحسب، بل بات يتحكم بملفات حساسة تمس اقتصاداتها، من موارد طبيعية كالغاز وغيره، وقدرات عسكرية فاقت قدرات أمريكا، وكفاءة تقنية قادرة على التحكم بتلك الدول. وبين هذا وذاك يأتي التحالف الروسي الصيني، وقدرته الخارقة على فرض مشروعه القاضي بإنعاش طريق الحرير الصيني، الذي يعود إلى الحياة من جديد، والسيطرة على افريقيا ومواردها، والإجهاز على بقايا الاستعمار في القارة السمراء، وتهديد المشروع الهندي الإسرائيلي الأمريكي الذي طرحه نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر عام 2023، والقاضي بربط الهند بالبحر الأبيض المتوسط، عبر دول التطبيع وصولاً إلى المتوسط عبر غزة. هذا المشروع لن يأتي بالإطاحة ببوتين وتقليم أظافر الدب الروسي فحسب، بل أيضاً عبر تغيير الشرق الأوسط، بتركيبته السياسية وتحالفاته العسكرية، وجعله أقرب لإسرائيل عبر غلاف ديني مستحدث اخترعته امريكا بمسمى اتفاقات إبراهيم التطبيعية، وعبر الإطاحة بالفلسطينيين وتهجيرهم وإغرائهم بالإقامة في دول العالم، ومنحهم منازل يسميها ترامب منازل الرخاء ليروج لما سماها ريفيرا غزة، التي لن تقام على عظام الفلسطينيين فحسب، بل أيضا فوق حقول غازهم الذي تسرقه إسرائيل كل يوم. الفارق بين حرب ترامب، أو الحرب العالمية الثالثة وما سبقها من حروب بأن من أطلق الحروب السالفة، امتلك المعرفة بالتاريخ والجغرافيا، بينما لا يمتلك ترامب سوى الاعتداد بالقوة والنرجسية والأحلام والقناعة، بأنه وبالدولار وحده يحيا الإنسان. لقد أثبتت الأيام الأخيرة أن ضربات كييف المسمومة، أو ضربات واشنطن المحققة، جاءت لتركيع روسيا وجرها إلى طاولة التفاوض حول إنهاء الحرب والإذعان للعم سام ووكلائه الصهاينة. الأيام هي أيضاً من أثبتت أن الترابط واضح بين غزة وموسكو، ليس فقط عبر السعي للتركيع وتطبيق نرجسية الإدارة الأمريكية فحسب، بل أيضاً عبر شطب إرادات الشعوب وتطبيق رؤى ترامب المستشرسة. من ضرب الدب الروسي يريد استفزازه، ومن عاد لضربه من جديد، يريد إفقاده التوازن، ومن اخترع الضربات المنتقاة أراد أن يكسر شأفة بوتين ويقوده إلى طاولة الإذعان. لذلك لا نستغرب أن يكون هناك المزيد من الضربات حتى تبدو موسكو وقد خارت، وضعفت، وأوشكت على الاستسلام! حلم بعيد المنال يريده نتنياهو لإحكام سيطرته على العالم، وحجب الأضواء عما يرتكبه من فظائع في فلسطين! فهل يستمر الضرب تحت الحزام فيصبح العالم على عتبات الحرب العالمية الثالثة؟ ننتظر ونرى.

جريدة الايام
منذ 17 ساعات
- جريدة الايام
هل يتخلى ترامب عن نتنياهو؟
يوم الأربعاء قبل الماضي كتب شموئيل روزنر مقالاً في صحيفة معاريف الإسرائيلية يقول فيه إن بريداً إلكترونياً وصل يوم الثلاثاء قبل الماضي من شركة بريطانية إلى إحدى الجامعات التقنية الإسرائيلية يخطرها فيه بإلغاء اتفاقية بينهما لتوريد معدات فنية إلى مختبرات الجامعة. يضيف الكاتب: إن كثيرين سوف يرون أن هذا القرار لن يوقف البحث العلمي في إسرائيل، وقد تحدث تأثيرات وتأخيرات لكن الدنيا لن تتوقف. وهو يشاركهم الرأي بأن هذا الإجراء لن يشكل تسونامي سريعاً، لكن على الجميع الانتباه بأنه قد يكون مثل الأفعى السامة التي تلدغ في هدوء ولكن بصورة قاتلة، خصوصاً بعد تصريحات رئيس حزب الديمقراطيين يائير جولان، والتي قال فيها إن إسرائيل تقتل أطفال غزة كهواية. النقطة المهمة التي يلفت الكاتب النظر إليها هي أن العديد من دول العالم بما فيها دول أوروبية تنتظر الفرصة لتوجيه ضربات إلى إسرائيل باستخدام أدوات غير مسبوقة مثل العقوبات، واذا حدث ذلك فقد يشعر بها كل إسرائيلي سريعا في محفظته، وفي خطط سفره وقدرته على ممارسة الأعمال. والنقطة الأكثر أهمية التي يكشف عنها هذا المقال المهم هي أن هناك دولة واحدة في العالم هي أميركا تعطل حتى الآن الهجوم الدبلوماسي والسياسي العالمي ضد إسرائيل. وما دام الحاجز الأميركي موجوداً فإن إسرائيل يمكنها الاستمرار في سياسة التجاهل والتحدي الجزئي القادم من أوروبا وكندا. تقدير الكاتب أنه خلافاً للصورة الشائعة فإن الحاجز الأميركي في عهد ترامب أقل استقراراً مما كان عليه في السابق، فالبيت الأبيض يلمح إلى أن نهاية الحرب يجب أن تكون قريبة، ويمكن لترامب أن يبدأ في رفع الحاجز بجملة واحدة مثل: «من حق فرنسا أو غيرها أن تقرر ما إذا كانت ستتاجر مع إسرائيل أم لا». وبعدها ستتغير أشياء كثيرة خصوصاً أن عملية «عربات جدعون» في غزة لن تتمكن من المضي بعيداً وفتيل الصبر يزداد قصراً. يختم الكاتب مقاله بالقول: في إمكان إسرائيل التحرك بسرعة وفي إمكانها مواصلة المماطلة حتى يرغمها العالم على التوقف أو ينقذها مما تفعله». في رأيي أن ما ورد في هذا المقال كلام مهم جدا، لكنه يحتاج إلى بعض المناقشة والتفنيد، لأنه يعتمد على ما يراه بديهية أساسية وهي أن أميركا قادرة على أن تأمر إسرائيل فتطيع الأخيرة. صحيح أن لأميركا مصالح استراتيجية تصادمت في بعض الأحيان مع المصالح الإسرائيلية، وصحيح أن أميركا هي القوة العظمى والدولة الأقوى والأغنى عالمياً، وأن إسرائيل مجرد أداة وظيفية، لكن الصحيح أيضا من وجهة نظري أن تجربة ودروس العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ يضعنا أمام خيارين أساسيين: وهما إما أن أميركا غير قادرة على لجم إسرائيل ووقف عدوانها الذي يؤثر على المصالح الأميركية في المنطقة في المستقبل، وإما أنها ضالعة بشكل كامل في هذا العدوان، وتريد أن يحقق كل أهدافه الجوهرية حتى لو كان الثمن قتل أكبر عدد من الفلسطينيين، وتدمير أرضهم وطردهم منها. ترامب الذي يبدو كأنه «عنتر» ضد كل العالم من أول الصين ونهاية ببنما مروراً بكندا وجنوب إفريقيا ــ لم يمارس أي ضغط جدي على إسرائيل لوقف عدوانها حتى الآن. ثم إن الرئيس الأسبق باراك أوباما لم يستطع أن يفعل شيئاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تحداه وذهب إلى الكونغرس من وراء ظهره، وخطب فيه ونال تصفيقاً هائلاً، وهو الأمر الذي كرره مع جو بايدن الذي حاول فرملة وتيرة العدوان لكنه لم يتمكن. هذا الجدل يعيدنا الى سؤال يتكرر كثيرا في لحظات اختلاف وجهات النظر بين أميركا وإسرائيل، وهو: من يقود من؟! مهارة تل أبيب أنها تحصل على كل ما تريده من الولايات المتحدة، وتعمل دائماً على ربط مصالحها وأهدافها بمصالح واشنطن. وظني الشخصي أن نقطة القوة العربية الأساسية الآن هي ورقة الاقتصاد مع أميركا، وبإمكان العرب أن يقولوا لترامب جملة بسيطة وهي: «أموالنا واستثماراتنا سوف تزيد عندكم، لكن بشرط واحد بسيط وهو فرملة الثور الإسرائيلي الهائج»!! لكن للأسف فإن هذه الورقة معطلة تماما حتى هذه اللحظة!!!..


فلسطين أون لاين
منذ 2 أيام
- فلسطين أون لاين
فرصة لا تعوّض للشعب الفلسطيني
هناك تحول عالمي غير مسبوق لدى شعوب العالم لمساندة الشعب الفلسطيني في وجه حرب الإبادة والتطهير العرقي والتجويع التي يتعرض لها. ويؤدّي النهوض الشعبي الجاري إلى فرض ضغوط هائلة على برلمانات وحكومات الدول الغربية التي صمتت 19 شهراً على جرائم إسرائيل، وأغمضت أعينها عنها، بحجّة حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس، وبذريعة ما جرى في 7 أكتوبر (2023). ويعود الفضل في هذا التحول، أولاً وقبل كل عامل آخر، إلى صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته وبسالته، خصوصاً في قطاع غزّة، ورفضه رفع الراية البيضاء أو الاستسلام. لكن شيئاً لا يحدُث، كما قالت فرجينيا وولف، ما لم يتم وصفه. ولهذا كان دور الإعلام الشعبي، والمدني، والشبابي، عاملاً حاسماً في اختراق جدار التعتيم والصمت الذي اعتادت وسائل الإعلام الأجنبية الرسمية أن ترفعه لحجب الحقيقة كلما تعلق الأمر بإسرائيل والحركة الصهيونية وجرائمها. وصارت وسائل الاتصال الاجتماعي سلاحاً جباراً نقل المعاناة وشرح الجرائم، وأحرج العقول حتى أخرجها عن صمتهـا. لم تتوقع الحكومة الفاشية الإسرائيلية أن ترى مائة ألف متظاهر يجوبون العاصمة الهولندية في أكبر مظاهرة في تاريخ ذلك البلد منذ عام 1982. ولم يستطيعوا تجاهل خروج 600 ألف في مظاهرة هي الأكبر في لندن ضد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ومثلها مظاهرات عديدة في العواصم الأوروبية. ولم يتوقع حتى المناصرون للشعب الفلسطيني أن يمرّر القادة الأوروبيون قراراً بمراجعة اتفاقية الشراكة الأوروبية الإسرائيلية، وتحديداً البند الثاني في الاتفاقية، الخاص بحقوق الإنسان، وقد حظي القرار بتصويت 17 دولة من أصل 27. وحتى ألمانيا التي دعمت، مثل بريطانيا، حرب الإبادة بالأسلحة والقذائف والسفن والطائرات اضطرت أن تلوح بوقف إمداد إسرائيل بالسلاح، بعد أن كان مجرّد انتقاد إسرائيل من المحرّمات، وبعد أن حاصرت حكوماتها بالقمع مظاهرات التأييد للشعب الفلسطيني. وقد تصدّر رئيس الوزراء والبرلمان الإسبانيان مشهد التضامن الإنساني بقرار قطع العلاقات التجارية مع (إسرائيل)، وتحريم نقل السلاح إلى (إسرائيل) عبر الموانئ والأجواء الإسبانية. وتقود فرنسا حراكاً قد يشمل عشر دول بما فيها بريطانيا وكندا للاعتراف بفلسطين. وتصر الحركات الطلابية وعدة جامعات أميركية على تحدي ضغوط ترامب وعقوباته التي وصلت إلى حد اصطدامه بجامعة هارفارد التي تعتبر أيقونة الجامعات الأميركية وأكثرها شهرة. وتتعاظم عبر الكرة الأرضية فعاليات التضامن مع غزّة وفلسطين، من أميركا اللاتينية إلى كندا وأوروبا وأستراليا إلى جانب موقف الصين بكل ثقلها الاقتصادي والسياسي. ولم تتوقع (إسرائيل) أن تبادر 22 دولة، بما فيها اليابان وأستراليا، و16 دولة أوروبية إلى الاحتجاج على الحصار الذي تفرضه إسرائيل على دخول المساعدات الإنسانية، ورفض الترتيبات الأميركية - الإسرائيلية لإنشاء مراكز توزيع تهين الكرامة الإنسانية، وتساعد نتنياهو وحكومته على تنفيذ جريمة ترحيل سكّان شمال غزّة ووسطها إلى الجنوب، لحشرهم في معسكر اعتقال، تمهيداً لتنفيذ التطهير العرقي بطردهم إلى خارج فلسطين. وتتعاظم كل يوم لائحة الفنانين والكتاب والمفكّرين العالميين الذين يعلنون إدانتهم للجرائم الإسرائيلية وتضامنهم مع الشعب الفلسطيني. وأيرلندا على وشك إصدار قانون يحرّم التعاطي ليس فقط مع منتجات المستعمرات الاستيطانية الإسرائيلية، بل مع كل الشركات التي تتعامل معها. ولعل أهم ما يميز تسونامي التضامن الذي انفجر في العالم أنه يتحول إلى طوفان حقيقي من العقوبات على الكيان الإسرائيلي. وربما يمكن القول بثقة، إن طوفان التضامن العالمي، الذي تقوده الشعوب، يشابه ما جرى ضد نظام الأبارتهايد (التمييز العنصري) في جنوب أفريقيا، والثورة العالمية ضد الحرب العدوانية على فيتنام في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وإنْ ما زال في حاجة إلى مزيد من الانتشار والتوسع. وعندما يخرج وزير جيش الاحتلال، العنصري كاتس ليقول إن اعترافات فرنسا وغيرها بدولة فلسطين ستكون أوراقاً هشة مصيرها سلة المهملات، في حين ترسّخ إسرائيل على أرض الواقع الاستعمار الإحلالي الاستيطاني للضفة الغربية، فإنه كمن يصبّ الزيت على نار عزلة إسرائيل المتعاظمة. وعندما يعلن وزير المالية الإسرائيلي، المستوطن الفاشي سموتريتش، ووزير خارجية الاحتلال، ساعر، نيتهم الرد على الاعتراف بفلسطين بارتكاب جريمة حرب جديدة، بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، أي ضمّها، فإنهم يسحبون البساط من تحت أقدام المدافعين عن إسرائيل والداعين إلى تجنّب فرض العقوبات عليها. ولذلك يخرج رئيس حزب الديمقراطيين الإسرائيلي الذي كان يوماً نائباً لرئيس أركان جيش الاحتلال، ومشاركاً في جرائم الحرب على غزّة عام 2014، ليقول إن نتنياهو يجعل من إسرائيل كياناً منبوذاً، ليرد عليه قادة الحكومة وأحزاب المعارضة بوسمه باللاسامية، في ما يمثل انحطاطاً غير مسبوق للمنطق والعقل الإسرائيلي. يمثّل كل هذا النهوض العالمي غير المسبوق فرصة لا تعوّض للشعب الفلسطيني يجب اغتنامها. ولكن ذلك مشروط بثلاثة أمور: أولاً توحيد الجهود الفلسطينية وتخلي السلطة الفلسطينية عن أوهام الحل الوسط مع الحركة الصهيونية، والقبول ليس فقط بتنفيذ إعلان بكين، بل بتشكيل قيادة وطنية فلسطينية موحّدة على استراتيجية كفاحية مقاومة للمشروع الصهيوني والاستعمار الإحلالي الاستيطاني. وثانياً، تعزيز تنظيم الطاقات والقوى الفلسطينية وتطويرهما على امتداد المعمورة بالتعاون الوثيق مع حركات التضامن ونشطاء المقاطعة. وثالثاً، التعاون مع قوى التضامن واحترام خصوصيتها ومواقفها في كل بلد، وتجنب محاولة الإملاء عليها أو التحكم فيها. ويبقى السؤال الأكبر، ماذا ستكون عليه مواقف الدول العربية والإسلامية مما يجري؟ وقد تحدّت إسرائيل هذه الدول ثلاث مرات في أقل من أسبوع. أولاً، بالاعتداء والتطاول على المسجد الأقصى وأداء الصلوات اليهودية فيه بقيادة الوزراء وأعضاء الكنيست الإسرائيليين، والتلويح ببناء الهيكل المزعوم على أرضه. وثانياً، إعلان إنشاء 22 مستعمرة استيطانية جديدة ونيّات ضم وتهويد الضفة الغربية، وتحطيم كل ما تبقى من صلاحيات للسلطة الفلسطينية. وثالثاً، محاولة إسرائيل إهانة الدول العربية ومنع وزراء الخارجية العرب من القدوم إلى رام الله والتقاء قيادة السلطة الفلسطينية، إذا صدقت الأنباء في هذا الشأن. ومع استمرار حرب الإبادة ونيات التطهير العرقي، وتعاظم الاستيطان اليهودي ليس أمام الدول العربية، التي لا يطالبها أحد بإرسال جيوشها لمحاربة إسرائيل، إلا فرض المقاطعة الشاملة والعقوبات على إسرائيل، وأن يلغي من أقدموا على التطبيع مع إسرائيل ذلك التطبيع، وإلا فسيتهمون بالتواطؤ مع جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني. احتراماً للتضحيات العظيمة التي قدمها الشعب الفلسطيني خاصة سكان غزة الباسلة، ومخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، يجب العمل على حماية حركات التضامن الدولية وتطويرها، والتقاط هذه الفرصة التي لا تعوّض لعزل الفاشية الإسرائيلية ومجرمي الحرب، وإفشال مخططاتهم، لأن تغيير موازين القوى يعتمد أساساً على عاملين: صمود الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، وتعاظم حركة المقاطعة وفرض العقوبات على الاحتلال. المصدر / العربي الجديد