
تحقيق موثق لـ'لوموند ديبلوماتيك' يعري اللوبي المؤيد لإسرائيل في فرنسا وكيف أخر الاعتراف بالدولة الفلسطينية
نشرت صحيفة "لوموند ديبلوماتيك' الفرنسية تحقيقا مطولا في عددها الأخير لشهر أغسطس/آب الجاري عن على اللوبي المؤيد لإسرائيل في فرنسا، وكيف يؤثر هناك في الأوساط الرسمية والأكاديمية والإعلامية ويسهم في صناعة القرار الفرنسي وفي توجيه جزء من الرأي العام بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
التحقيق الذي أعده سيرج حليمي (رئيس تحرير الصحيفة السابق) وبيير ريمبير بدأ بالتأكيد على أنه "فيما حولت إسرائيل قطاع غزة إلى معسكر اعتقال، ولا تزال تواصل ضم الضفة الغربية، قررت باريس مرة أخرى إعلان الاعتراف بدولة فلسطين، المقرر في سبتمبر/أيلول المقبل'. وفرنسا -وهي دولة كانت ذات نفوذ في منطقة الشرق الأوسط- اتخذت ذلك القرار بشكل متأخر جدا، لتصبح الدولة رقم 149 التي تقدم على تلك الخطوة المتأخرة التي ترجع إلى دور تكتل سياسي وإعلامي قوي يعمل لصالح تل أبيب'.
ولفت التقرير إلى أنه تحت ذلك التأثير ظلت فرنسا خلال العقدين الماضيين تصطف مع المعسكر الغربي في انحيازه التام ودعمه المطلق للحكومة الإسرائيلية التي تثبت ممارساتها اليومية أنها تتعارض مع القيم التي يتبناها الغرب.
وتساءل الكاتبان: لماذا تصرفت قوة نووية كفرنسا وعضوة دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لفترة طويلة كشريك صامت لـ'دولة مارقة؟'.
أسباب التواطؤ
برأيهما يعود ذلك "التواطؤ' مع إسرائيل إلى 3 أسباب رئيسية، أولها انحياز باريس التدريجي إلى ما سمتها المجلة "دبلوماسية القيم' التي تفترض التفوق الحضاري والأخلاقي للغرب الذي تعد إسرائيل رأس حربته في منطقة الشرق الأوسط.
أما السبب الثاني فيكمن في إعادة الهيكلة السياسية الفرنسية التي تكيف خطاب حرب الحضارات في فرنسا بهدف توحيد اليمين وأقصى اليمين وأنصار الرئيس ماكرون في المعركة ضد اليسار الذي يأتي ذكره مرادفا لانعدام الأمن وللنزعة الإسلامية ومعاداة السامية.
اللوبي الإسرائيلي في فرنسا يشكل مجرة متباينة المكونات وتضم منظمات راسخة في المشهد الفرنسي مثل المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (كريف) المتحالف مع حزب الليكود الإسرائيلي
ويتجلى السبب الثالث في فعالية اللوبي المؤيد لإسرائيل في فرنسا الذي يُستخدم غالبا لدعم نظريات المؤامرة، ويحيل ذلك اللوبي إلى القوى والأطراف -وهي ليست بالضرورة كلها يهودية- التي تدعم سياسات إسرائيل في كل لحظة حاسمة.
ويفصل تحقيق "لوموند ديبلوماتيك' في اللوبي الإسرائيلي في فرنسا أنه يشكل مجرة متباينة المكونات وتضم منظمات راسخة في المشهد الفرنسي مثل المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (كريف) المتحالف مع حزب الليكود الإسرائيلي، وجماعات الصداقة البرلمانية و'جمعية فرنسا إسرائيل'.
ويشمل ذلك اللوبي أيضا وسائل إعلام مجتمعية، بينها "راديو جي'، وشخصيات ملتزمة بصدق بالدفاع المستميت عن دولة تراها ملاذا لليهود، إضافة إلى شبكة غير رسمية من وسائل الإعلام والشخصيات البارزة التي تجاهر بمناهضة الإسلام وترى في إسرائيل البوصلة الموجهة لتحركاتها.
مكونات اللوبي
وقالت "لوموند ديبلوماتيك' إن كل مكونات اللوبي المؤيد لإسرائيل في فرنسا -سواء في الشق الدبلوماسي أو السياسي ومجال التأثير- تصبح على قلب رجل واحد في أوقات الأزمات، وتتبنى نفس الخطاب الذي تروجه تل أبيب وينتعش ذلك بشكل جلي في الصحافة الفرنسية المحافظة.
ولتفسير ذلك الدعم المطلق، تستشهد الصحيفة بنموذج ببرنارد هنري ليفي الذي تصفه بالمؤثر الرئيسي والمقرب جدا من الرئيس ماكرون، إضافة إلى أنه كاتب عمود في مجلة لوبوان ذات التوجه اليميني المحافظ ومحرر في دار النشر الشهيرة غراسي المملوكة لمجموعة بولوري الداعمة لليمين المتطرف ورئيس مجلس إدارة قناة "آر تي'.
وتذكر بما قاله ليفي "كلود لانزمان أنتج (عام 1973) فيلما بعنوان "لماذا إسرائيل؟'، وكان جواب كلود لانزمان لأن مصير الغرب يعتمد على ذلك (..)، لو لم تولد إسرائيل أو تختفي لكان ذلك بمثابة انهيار رمزي وأخلاقي للغرب لن يتعافى منه أبدا'.
وترى "لوموند ديبلوماتيك' أن اللوبي المؤيد لإسرائيل ساهم في إعادة توجيه الدبلوماسية الفرنسية على مدى الـ20 عاما الماضية، وذلك ضمن نفوذه المتزايد على اليمين السياسي في أوروبا برمتها.
وتجلى ذلك التأثير في الساحة الفرنسية بتلاشي ما كانت تعرف بـ'سياسة فرنسا في العالم العربي'، ومن أبرز محطاتها دعم الجنرال شارل ديغول المبدئي عام 1967 للمقاومة في الأراضي المحتلة، وزيارة الرئيس جاك شيراك إلى القدس عام 1996، ومرافعة وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دوفيلبان عام 2003 ضد مشاركة بلاده في غزو العراق.
وتؤكد الصحيفة أنه بعد ذلك التاريخ تراجع صوت فرنسا بعد إعادة اندماجها الكامل في حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي أعلنه الرئيس نيكولا ساركوزي في واشنطن في نوفمبر/تشرين الثاني 2007، وكان من آثاره أن القرار الفرنسي أصبح جزءا من الكتلة الغربية، ولم تعد لباريس سياسة شرق أوسطية أصيلة ومحترمة.
وذكر بأنه بينما كان اليمين الديغولي يقيم علاقات جيدة مع كبرى العواصم العربية المعنية مباشرة بالقضية الفلسطينية ووفر الرعاية للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات حتى وفاته في المستشفى العسكري بكلامار في باريس عام 2004 فإن بعض الأحزاب التي تدّعي النسب لديغول وشيراك مثل حزب "الجمهوريون' تغالي في تبني مواقف مؤيدة لإسرائيل.
اللوبي المؤيد لإسرائيل ساهم في إعادة توجيه الدبلوماسية الفرنسية على مدى الـ20 عاما الماضية، وذلك ضمن نفوذه المتزايد على اليمين السياسي في أوروبا برمتها.
وتروج تلك الأوساط السياسية لخطاب مفعم بمفردات الإرهاب ومعاداة السامية، وتحاول إقناع جمهورها بأن الفرنسيين والإسرائيليين يواجهون العدو نفسه، وكل من لا يصف عناصر حركة حماس بـ'الإرهابيين' مدان بمعاداة السامية.
وترى "لوموند ديبلوماتيك' أن هذه الأفكار تحمل توقيع السلطات الإسرائيلية وتنتشر بكل سلاسة في الصحافة اليمينية وفي قنوات الأخبار التي يتسيد فيها اللوبي المؤيد لإسرائيل مثل القنوات التلفزيونية "سي نيوز'، و'إل سي إي'، و'بي إف إم تي في'.
ومن أبرز الوجوه الإعلامية في تلك الأوساط المذيعة لورنس فيراري (إل سي إي) وفرانز أوليفييه جيزبار كاتب افتتاحيات مجلة لوبوان اللذان دُعيا في 27 مايو/أيار الماضي إلى حفل دعم للجيش الإسرائيلي، وحصلا على جائزة تقديرية لـ'دعمهما المتحمس لإسرائيل والشتات'.
وإضافة إلى وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة يلفت تقرير "لوموند ديبلوماتيك'، إلى أن اللوبي المؤيد لإسرائيل يضم أيضا قطاعا من الشخصيات المحسوبة على الوسط واليسار، والتي تتمسك بفكرة "الحرب المشتركة' وتدافع عن إسرائيل باعتبارها -في نظر تلك الشخصيات- حليفا وإحدى قلاع التنوير المهددة من محيطها الجغرافي.
وقدّم التحقيق قائمة بشخصيات من هذا القطاع المؤيد لإسرائيل، بينها صوفيا آرام الممثلة الكوميدية في إذاعة فرانس إنتر، وفيليب فال المدير السابق لمجلة شارلي إيبدو وإذاعة فرانس إنتر، والكاتب رافائيل إنثوفن المؤسس المشارك مع الإعلامية كارولين فوريست لمجلة "فران-تيرور'، والإمام المثير للجدل حسن شلغومي، وأمين الخاتمي العضو السابق في الحزب الاشتراكي والمؤسس المشارك لحركة "الربيع الجمهوري'، وهي حركة متطرفة تدافع عن العلمانية.
وينقل التحقيق عن المديرة السابقة لمجلة ماريان اليمينية ناتاشا بولوني حديثها مطلع العام الجاري عن انحراف هذه المجموعة الغامضة التي كانت مقربة منها، قائلة "لقد تحولت الحركة التابعة للربيع الجمهوري (الذي أنشئ في مارس/آذار 2016 في أعقاب الهجمات التي وقعت في باريس) إلى الدفاع، ليس فقط عن إسرائيل، بل أيضا عن سياسات بنيامين نتنياهو'.
وإلى جانب هؤلاء، يوجد في معسكر الداعمين لإسرائيل أكاديميون متخصصون، بينهم الكاتب فريديريك إنسيل الذي يناقش من منظور إسرائيلي صرف ملفات الشرق الأوسط في مجلة لوفيغارو وفي الكثير من المنابر الإعلامية الأخرى.
ويشير التحقيق كذلك إلى نموذج المؤرخ جورج بن سوسان الذي تتهافت عليه نفس وسائل الإعلام اليمينية وهو يردد أفكار ونظريات بنيامين نتنياهو التي يدافع فيها عن سلوك الجنود الإسرائيليين الذين "أعادوا الحياة والبقاء' إلى غزة، وفق تعبيره.
في المقابل، تحجم تلك المنابر الإعلامية عن استضافة خبراء مثل باسكال بونيفاس أو آلان غريش القادرين على الرد على أطروحات وأفكار أولئك الخبراء الداعمين بشكل أعمى لإسرائيل.
وإضافة إلى وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة فإن اللوبي المؤيد لإسرائيل يضم أيضا قطاعا من الشخصيات المحسوبة على الوسط واليسار التي تتمسك بفكرة "الحرب المشتركة' وتدافع عن إسرائيل باعتبارها -في نظر تلك الشخصيات- حليفا وإحدى قلاع التنوير المهددة من محيطها الجغرافي
تصنيع معاداة السامية
ويلفت تقرير "لوموند ديبلوماتيك' إلى أن تأثير جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل لا يقتصر على توجيه السياسة الخارجية الفرنسية وسياسات معظم وسائل الإعلام، بل يمتد إلى تشويه سمعة الشهود -سواء كانوا صحافيين أم لا- الذين ينقلون ببساطة ما يرونه في غزة.
وفي هذا الصدد، ساقت عينة من عمل صحيفة لوفيغارو التي خصصت في 17 ديسمبر/كانون الأول 2024 تحقيقا عن تغطية صحيفة "لوموند' الفرنسية ما يجري في قطاع غزة، وانتقدت ما سمته "القلق المتزايد' و'الخوف' و'الصمت' الناجم عن التحيز (المزعوم) المؤيد للفلسطينيين من طرف جزء من هيئة تحرير تلك الصحيفة.
تأثير جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل لا يقتصر على توجيه السياسة الخارجية الفرنسية ومعظم وسائل الإعلام، بل يمتد إلى تشويه سمعة الشهود -سواء كانوا صحافيين أم لا- الذين ينقلون ببساطة ما يرونه في غزة.
وخلصت "لوموند ديبلوماتيك' إلى أن الدعم الأعمى الذي تتلقاه إسرائيل من القوى الغربية -بما فيها فرنسا- لا يصب في مصلحتها، وعادت إلى شق آخر من إجابة المخرج الفرنسي كلود لانزمان (1925-2018) عن سؤال "لماذا إسرائيل؟' عندما قال "هناك حاجة إلى بلد يمكن لليهود من جميع أنحاء العالم العيش فيه بأمان بعيدا عن الاضطهاد'.
وعلقت على ذلك التبرير بالقول إن المجازر التي تقترفها إسرائيل في حق الفلسطينيين، والحرب التي تشنها باستمرار ضد جيرانها، وما تحظى به من دعم غربي مطلق كلها عوامل تهدد مبرر وجود هذا الدولة التي أنشئت عام 1948.
مستقبل إسرائيل
وفي هذا الصدد، أشارت "لوموند ديبلوماتيك' إلى مخاوف توماس فريدمان الكاتب الأمريكي (اليهودي) البارز في صحيفة نيويورك تايمز، والذي يخشى اليوم الذي "ينظر فيه اليهود إلى إسرائيل، ليس باعتبارها ملاذا لهم من معاداة السامية، ولكن على أنها آلة جديدة لإنتاج معاداة السامية'.
وهو ما دفعه إلى القول في مقال نشر في 11 يونيو/حزيران 2025 إنه يجب على الشتات اليهودي في العالم أن يستعد بالفعل "ليكون يهوديا في عالم تُعتبر فيه الدولة اليهودية دولة منبوذة ومصدر عار لا مصدر فخر'.
وختمت الصحيفة الفرنسية تحقيقها بالتساؤل التالي: هل يعمل اللوبي المؤيد لإسرائيل على التعجيل بتحقيق تلك الغاية من خلال الدفاع عن أمر لا يمكن الدفاع عنه؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العرب اليوم
منذ 4 ساعات
- العرب اليوم
سوريا بين المشكلة والإشكالية
تحرص الأكاديميات العلمية على التفريق بين المشكلة والإشكالية، ذلك أن المشكلة بسيطةٌ في تصورها وتوصيفها وحلولها، بينما الإشكالية ليست سهلةً لا في تصورها ولا توصيفها ولا محاولات إيجاد حلولٍ لها، وظلّ بعض الكتاب يعتقد أنهما مصطلحان يعبران عن نفس المعنى، وهذا أمرٌ غير صحيحٍ على الإطلاق. كتب المفكر الكبير جورج طرابيشي في كتابه «هرطقات» كتابةً تعبر بدقةٍ عن هذا التفريق، فقال: «فالحديث عن إشكاليات الديمقراطية في العالم العربي لا يرادف الحديث عن مشكلاتها، فالمشكلة هي بالتعريف كل مسألة يمكن الإجابة عنها، بعد الدرس والتقصي، بطريقة علمية أو برهانية، ولكن الإشكالية بالمقابل هي كل مسألة أو مجموعة مسائل تكتنف الإجابة عنها صعوبات وتبدو قابلة لأجوبة متعددة، بل متناقضة، هذا إن لم تستوجب أصلاً تعليق الحكم بانتظار توفر شروط أفضل للإجابة، سواء من منظور وضوح الرؤية لمضمون الإشكالية، أم من منظور تقدم وسائل المعرفة، أم من منظور تطور الممارسة التاريخية التي من شأنها أن تسهل ما كان يبدو معقداً أو أن تحل عملياً ما كان يبدو غير قابل للحل نظرياً. باختصار، لنقل إن الإشكالية، بخلاف المشكلة، لا تتحرى عن جواب، وبالأولى عن جواب يقيني، بقدر ما تعنى بصياغة السؤال وبسوقه إلى مجال الوعي وبالتحريض على البحث عن جواب، أو أجوبة عنه». مَن يمتلك إجاباتٍ لكل ما يجري في سوريا اليوم بَنى ذلك على اعتقاده أنها مجرد مجموعة مشكلاتٍ يمكن تصورها وتوصيفها وتقديم إجاباتٍ وحلولٍ لها ويكتب وينظّر على هذا الأساس، في حين أن مَن يقف متسائلاً عن كثيرٍ من المتغيرات القديمة والجديدة، التاريخية والواقعية، الهوياتية والعملياتية، السياسية والاجتماعية، وعن طبيعة العلاقات والتداخلات بينها، وما يمكن أن ينتج عن كل ذلك إنما يعبر عن اعتقاده بأن ما يجري في سوريا اليوم يعبر عن «إشكالياتٍ» معقدةٍ لا «مشكلاتٍ» سهلةٍ. تعبر عن هذه الإشكاليات المعقدة والمتداخلة بعض الأسئلة التي تحتاج للصياغة مراراً وتكراراً قبل الأمل بالظفر بإجابات متكاملة لها، فمثلاً كيف يمكن أن تتعامل الدولة السورية مع «الأقليات» من الشعب السوري؟ وهي أقلياتٌ وجودها في سوريا ضارب الأطناب في التاريخ، وكثيرٌ منها وجد في نفس مكانه منذ ما قبل الإسلام. الاعتراف بوجود الأقليات ليس جواباً سياسياً، بل هو إقرارٌ بمعطى تاريخي وواقعي، بينما جواب الدول يجب أن يكون برسم حدود الحقوق والواجبات بشكلٍ معلنٍ وقانونيٍ ودستوريٍ، حتى تستطيع هذه الأقليات أن تطمئن لمستقبلها، فأحداث الساحل السوري و«الأقلية العلوية» علّقت جرساً كبيراً للدولة السورية الجديدة، ولم يتوقف ذلك الجرس حتى علت أصوات «الأقلية الدرزية» في السويداء، والاعتماد في مواجهتها على «العشائر» السورية، ولمزيدٍ من التعقيد، فالعلويون لهم امتداداتٌ خارج سوريا، في تركيا وغيرها، والدروز كذلك، لهم امتداداتٌ في لبنان وإسرائيل وفلسطين، والعشائر أيضاً لها امتداداتٌ خارج سوريا، وضرب الهويات القديمة بعضها ببعض أخطر بكثيرٍ من أحداثٍ أمنيةٍ أو عسكريةٍ عابرةٍ. هذا في «الطوائف» المنتسبة للإسلام، علويين كانوا أم دروزاً أم عشائر، فكيف بالمنتسبين لأديانٍ مختلفةٍ مثل «المسيحيين» أو لإثنيةٍ غير عربيةٍ مثل «الأكراد»؟ هذا من جهة واقع الشعب السوري، وتنبثق عن هذا أسئلة أخرى عمّن هو المسؤول عن هؤلاء؟ هي الدولة السورية دون شكٍ، ولكن مَن يمثلها اليوم؟ تقرّ كل التقارير الغربية بوجود آلاف المسلحين «غير السوريين»، وهم مقاتلون مؤدلجون جاؤوا من أرجاء العالم في سنوات الحرب، فما دور هؤلاء؟ وهل يمثلون الدولةَ أم هم شيء مختلفٌ عنها؟ أخيراً، فالإشكاليات السورية أعقد بكثيرٍ من أن يتصور البعض أنه قادرٌ بالحماسة الفكرية والعنفوان الكتابي أن يتجاوزها.


وطنا نيوز
منذ 8 ساعات
- وطنا نيوز
رسالة عمان… (منارة الوسطية والاعتدال)
بقلم: لرئيسة قسم الشؤون النسائية الكرك الدكتوره هند جمال الضمور لقد جاءت رسالة عمان لتقول للعالم أجمع: هذا هو ديننا، دين الرحمة والعدل، دين الوسطية والاعتدال. دين لا غلو فيه ولا تشدد، ولا تفريط فيه ولا تسيّب. وجاءت رسالة عمان لتجسّد معاني التسامح التي نادى بها الهاشميون عبر العصور، فقد حملوا راية الدفاع عن صورة الإسلام الحقيقية، دين المحبة والسلام، البعيد عن التطرف والغلو. لقد خاطبت رسالة عمان عقول الناس وقلوبهم، لتوضح لهم أن الإسلام لم يكن يوماً دين عنفٍ ولا إقصاء، بل دين تسامح وإنصاف، يجمع ولا يفرّق، ويهدي ولا يضلّ. هو الدين الذي يدعو إلى مكارم الأخلاق، وإلى احترام الإنسان أيّاً كان لونه أو عرقه أو مذهبه. رسالة عمان لم تكن مجرد كلمات تُكتب، بل ميثاقاً أخلاقياً وحضارياً للأمة كلها. فقد أعادت تصحيح الصورة أمام العالم، وأثبتت أن الأردن بقيادته الهاشمية، وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وسمو ولي عهده الأمين الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، قد حمل أمانة الدفاع عن جوهر الإسلام الصافي، الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين. ومن هنا فإن رسالة عمان لم تكن للأردنيين وحدهم، بل للعالم بأسره، لتعلن أن أمة محمد ﷺ ما زالت تحمل في قلبها النور، وتتمسّك بالعدل والاعتدال، وترفض الغلو والتطرف. هذه هي رسالة الوسطية التي نفتخر بها، ونرفعها عالياً كراية حق، لتبقى هادياً للأجيال القادمة، ودليلاً على أن ديننا دين محبة ورحمة وسلام.

الدستور
منذ يوم واحد
- الدستور
بن غفير واقتحام الأقصى... لعب بالنار قد لا يُحمد عقباه
في خطوة همجية استفزازية، أقدم عليها وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، برفقة مجموعة كبيرة من المستوطنين، تم اقتحام المسجد الأقصى، في خرق فاضح وتجاوز خطير لكل القوانين الدولية والشرائع الدينية التي تُعنى بوضعية المسجد الأقصى ومكانته لدى مليارَي عربي ومسلم. يُعدّ هذا التصرف الاستفزازي تطورًا خطيرًا قد يترتب عليه تبعات سياسية وأمنية ودينية، قد تضع دولة الاحتلال في موقف لا تُحمَد عقباه، سواء في الداخل الفلسطيني، أو على المستوى العربي والإقليمي والدولي بشكل عام. هذا الاقتحام قد يُفجّر موجة جديدة من الغضب الشعبي الفلسطيني، وقد يُشعل انتفاضة جديدة في الضفة الغربية تتخللها مواجهات مع المستوطنين، وربما يدفع فصائل المقاومة في غزة إلى الرد بإطلاق الصواريخ بكثافة أكبر. فما حدث في السابع من أكتوبر، فيما سُمّي بـ»طوفان الأقصى»، كان دفاعًا عن حرمة الأقصى، وتأكيدًا على مكانته الدينية لدى العرب والمسلمين. الاستفزازات المستمرة من قبل المستوطنين تُنذر بتأجيج الوضع من جديد في الضفة الغربية وقطاع غزة، فالأقصى والقدس خط أحمر، وقد تدفع هذه الانتهاكات الشباب الفلسطيني إلى تنفيذ عمليات طعن أو دهس أو إطلاق نار، كرد فعل مباشر على تدنيس المسجد الأقصى. أما بالنسبة للأردن، فالوضع مختلف، إذ إنه صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية في القدس، وقد يصعّد موقفه دبلوماسيًا، ومن المؤكد أنه سيتم استدعاء السفير الإسرائيلي للتعبير عن غضب الأردن، قيادةً وحكومةً وشعبًا، من هذا السلوك العدواني الذي ارتكبه بن غفير والمستوطنون، مع توجيه تحذيرات قوية لحكومة نتنياهو. فالمساس بالأقصى يُعدّ مساسًا بمقدسات نحو مليار ونصف مسلم، مما قد يؤدي إلى احتجاجات في عدة دول عربية وإسلامية، ويزيد الضغوط على الحكومات لاتخاذ مواقف أكثر حزمًا تجاه ما يُسمى بدولة الاحتلال. أما داخليًا، فإن تصرفات بن غفير تُضعف موقف حكومة نتنياهو أمام المعارضة، التي تتهمه أصلًا بالخضوع لليمين الإسرائيلي المتطرف، وقد تؤدي هذه التصرفات إلى أزمة سياسية داخل الحكومة الإسرائيلية ذات التوجه اليميني المتطرف. وعلى المستوى الدولي، فإن هذا السلوك الاستفزازي سيُضعف الموقف الإسرائيلي في المحافل الدولية، ويعزز دعوات المقاطعة وفرض العقوبات، ويُظهر إسرائيل كدولة لا تحترم الوضع القائم في الأماكن المقدسة. يضاف إلى ذلك سياسة التجويع التي تنتهجها دولة الاحتلال في قطاع غزة، والتي كانت سببًا في تحرك المواقف الدولية سابقًا، ومطالبة عدد من الدول بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. وختامًا يبقى الدور الأردني الأبرز في توضيح أهمية وخطورة هذه الخطوة غير المحسوبة من قِبل دولة الاحتلال. فقد كثّفت وسائل الإعلام الأردنية الرسمية وشبه الرسمية تغطيتها لتؤكد على دور الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية، ولتسلط الضوء على التحركات التي تقوم بها الحكومة الأردنية، بتوجيهات من جلالة الملك عبدالله الثاني، لكشف ممارسات الاحتلال واعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى، ووضع العالم أمام خطورة ما يجري في الضفة الغربية، وخاصة في الأماكن الإسلامية المقدسة. وسيبقى الأردن يسعى لعقد جلسات طارئة في مجلس الأمن والجامعة العربية، لمتابعة آخر التطورات والمستجدات، بهدف منع تكرار مثل هذه الاقتحامات للمقدسات، محذرًا المجتمع الدولي من أن أي استمرار الانتهاكات في المسجد الأقصى قد يُفجّر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية والمنطقة بأكملها.