
حرب اقتصادية حقيقية
د. محمد الصياد*
نقل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحروب التجارية التي يشنها على المنافسين، من دون تفريق بين «الأعداء» والأصدقاء، إلى مستوى الحرب الاقتصادية الشرسة. فبعد أن هدد بنما بغزوها واحتلال قناتها المائية (أحد أهم الممرات المائية للتجارة العالمية)، إن هي لم تنقل ملكية وإدارة موائها البحرية من الشركات الصينية إلى كونسرتيوم أمريكي بقيادة شركة بلاك روك، وهو ما حدث بالفعل، حيث دُفعت الحكومة البنمية والشركة الصينية المالكة والمشغلة لموانئ قناة بنما (شركة سي كي هاتشيسون
CK Hutchison Holdings)، للموافقة على صفقة البيع – ها هو رئيس أمريكا في ولايته الثانية، لا يعود فقط إلى ممارسات الحمائية والميركنتيلية التي دشن بها ولايته الأولى، وإنما ينقل العلاقات الاقتصادية الدولية إلى مستوى الحرب الاقتصادية الحقيقية، ظناً منه أنه إنما يعيد بهذا التهور لأمريكا عظمتها ومجدها الذي يعتقد أنه صار غابراً ولابد من استعادته بالقوة القاهرة.
الحكومة الأمريكية بدأت بالبحث عن إجراءات عقابية لوقف سيطرة الصين على صناعة بناء السفن في العالم، حيث تُصنّع ما يصل إلى 75%-80% من الأساطيل العالمية. ترامب يخطط لإصدار أمر تنفيذي يفرض بموجبه رسوماً على السفن المرتبطة بالصين في الموانئ الأمريكية، في محاولة لإنعاش صناعة بناء السفن الأمريكية وتعطيل سلاسل التوريد الصينية. تتضمن الخطة معاقبة شركات النقل البحري التي تستخدم سفناً صينية الصنع لنقل البضائع، بفرض رسوم خدمة على السفن الصينية الصنع الواصلة إلى الموانئ الأمريكية تصل إلى 1.5 مليون دولار أمريكي لكل ميناء وصول في الولايات المتحدة، ورسوم خدمة تصل إلى مليون دولار أمريكي على كل سفينة نقل بحري مملوكة للصين (مثل كوسكو 'COSCO'). أوساط صناعة النقل البحري في العالم، تحذر من أن الغرامات ستكون لها عواقب «بالغة الخطورة» على كيفية خدمة الصناعة البحرية للولايات المتحدة.
في ظرف بضع سنوات، وبصورة سريعة، أزاحت الصين كوريا الجنوبية من عرش بناء السفن. ووفقاً لبيانات فيسون نوتيكال، فقد استحوذت سفن الحاويات الصينية الصنع على 81% من حصة السوق، ونسبة 75% من أسطول ناقلات البضائع السائبة من الأسطول العالمي في عام 2024. كما زادت الصين حصتها في سوق ناقلات غاز البترول المسال إلى 48%، متفوقة على حصة كوريا الجنوبية البالغة 46%. وبحسب 'VesselBot' (شركة متخصصة في بيانات الشحن البحري)، فقد بلغت نسبة ما وصل إلى موانئ أمريكا من السلع في 2024 على متن سفن صينية الصنع، 21%. فالسفن الصينية الصنع تُشكل 24% من الأسطول العالمي لشركة 'MSC'، أكبر شركة نقل بحري في العالم، بينما يُظهر سجل هذه الشركة لطلبات السفن الجديدة، أن 92% من سفنها المستقبلية ستُصنع في الصين، بحسب بيانات جمعتها شركة
'Lloyd›s List'. أيضاً، فإن شركة ميرسك، ثاني أكبر شركة نقل بحري في العالم، تمتلك أسطولاً، 20% من سفنه صينية الصنع، فضلاً عن استحواذ الصين على 79% من طلباتها. أما أسطول شركة سي إم إيه سي جي إم (CMA CGM)، فيتكون بنسبة 41% من السفن الصينية الصنع، وتستحوذ الصين على 54% من طلباتها المستقبلية، بينما تبلغ نسبة السفن الصينية الصنع في شركة هاباج لويد (Hapag Lloyd)، 21%، وتستحوذ الصين على 89% من طلباتها المستقبلية. السيناتور الأمريكي مارك كيلي لفت إلى أن الصين تشغل 5500 سفينة عابرة للمحيطات حول العالم، بينما تمتلك الولايات المتحدة أقل من 100 سفينة. وإذا علمنا بأن الموانئ الأمريكية تعمل فعلياً بنسبة 60% فقط من طاقتها التشغيلية، لأنها لا تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وإن استهلاك الكهرباء في الصناعة في الصين يفوق بثلاثة أضعاف مثيله في أمريكا، وإن إنتاج الصلب في الصين يفوق مثيله في أمريكا بحوالي 16 ضعفاً، ويفوق بناء السفن في الصين بحوالي 400 ضعف ما تبنيه أمريكا. فضلاً عن استحواذ الصين على 75% من إنتاج العالم من الإسمنت، وعلى 70% من الألياف الكيميائية التي ينتجها العالم أجمع، واستحواذها على 90% من إنتاج العالم من الطائرات بدون طيار - فلنا أن نتساءل عن جدوى مثل هذه الحرب الاقتصادية في ظل انعدام أهم مقومات المنافسة، وهو التكافؤ في الموارد والطاقات؟
يبقى أن شن الحروب الاقتصادية ضد الآخرين ليس بلا أثمان. فجراء هذه السياسة الاقتصادية الأمريكية الكابسة على مسار تنفس الاقتصاد العالمي، عانت الأسواق من فترة عصيبة في الأشهر الأولى من الإدارة الثانية للرئيس دونالد ترامب. فقد انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500، بنسبة 7.1% منذ تنصيب ترامب في 20 يناير 2025، وتتوقع البنوك الكبرى بنسبة احتمال تقترب من 60%، حدوث ركود. والأخطر في هذا التوقع، أنه لن يكون سوى مجرد أضرار سطحية!
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الموجز
منذ 42 دقائق
- الموجز
الذهب يلمع من جديد.. أعلى مكاسب أسبوعية منذ شهر ونصف وسط تراجع الدولار
سجّل الذهب العالمي ارتفاعًا ملحوظًا خلال تداولات الجمعة، متجهًا نحو تحقيق أفضل أداء أسبوعي له منذ نحو ستة أسابيع، مدفوعًا بموجة من القلق المالي في الولايات المتحدة وتراجع حاد في قيمة الدولار. وصعد سعر أونصة الذهب بنسبة 1% ليصل إلى 3334 دولارًا، مقارنة بسعر افتتاح اليوم عند 3297 دولارًا، فيما يتجه المعدن الأصفر لتحقيق مكاسب أسبوعية تقارب 3.8%، وفقًا لتقرير جولد بيليون. الضغوط على الدولار الأمريكي تصاعدت بعد أن خفّضت وكالة موديز التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، ما أدى إلى عزوف المستثمرين عن سندات الخزانة وإقبالهم على الذهب كملاذ آمن. وسجل الدولار تراجعًا أسبوعيًا بنسبة 1.5% أمام سلة من العملات. من جانبه، شهدت وزارة الخزانة الأمريكية ضعفًا في الإقبال على بيع سندات بقيمة 16 مليار دولار لأجل 20 عامًا، بالتزامن مع تصويت مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون ضخم للضرائب والإنفاق يهدد بزيادة الدين العام بمليارات الدولارات. كما ساهمت التوترات الجيوسياسية بين إسرائيل وإيران، رغم محادثات نووية مقترحة، في دعم الإقبال على الذهب كملاذ آمن، إلى جانب استمرار المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي. وفي مصر، عاد سعر الذهب المحلي للارتفاع، مستفيدًا من صعود الأسعار العالمية، بالرغم من خفض البنك المركزي المصري لأسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس للاجتماع الثاني على التوالي. وسجّل الذهب عيار 21 – الأكثر تداولًا – 4658 جنيهًا للجرام بعد أن افتتح اليوم عند 4665 جنيهًا، متأثرًا بتراجع الدولار أمام الجنيه. ويرى مراقبون أن تراجع العائد على الشهادات البنكية بعد خفض الفائدة قد يدفع بالمستثمرين إلى التحوّل نحو الذهب كملاذ بديل، على المدى المتوسط. من جهة فنية، يختبر الذهب العالمي مقاومة عند 3340 دولارًا للأونصة، مع ترقب إغلاق الأسبوع لتحديد المسار القادم، بينما لا يزال الذهب المحلي يتراوح قرب مقاومة 4670 جنيهًا، مع إمكانية استهداف مستوى 4700 في حال استمرار الزخم الإيجابي.


العين الإخبارية
منذ ساعة واحدة
- العين الإخبارية
ترامب ينقل الطاقة النووية الأمريكية لعصر جديد.. أوامر تنفيذية لتعزيز الصناعة
تم تحديثه الجمعة 2025/5/23 10:39 م بتوقيت أبوظبي وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمعة سلسلة من الأوامر التنفيذية لتعزيز الطاقة النووية في الولايات المتحدة، تشمل إلغاء الإجراءات التنظيمية المتعلقة بتقنية لا تزال تثير جدلا. وفقا لوكالة "فرانس برس"، قال ترامب للصحفيين أثناء توقيعه الأوامر الأربعة في المكتب البيضوي: "نوقع اليوم أوامر تنفيذيةً هائلة ستجعلنا القوة الفعلية في هذه الصناعة". aXA6IDgyLjIyLjIxMy4xMzQg جزيرة ام اند امز CR


العين الإخبارية
منذ ساعة واحدة
- العين الإخبارية
تهديدات ترامب الجمركية تهز أسواق أوروبا.. تراجع حاد للأسهم
تم تحديثه الجمعة 2025/5/23 10:44 م بتوقيت أبوظبي أغلقت الأسهم الأوروبية على انخفاض حاد اليوم الجمعة بعد أن صعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تهديداته بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي وشركة أبل العملاقة للهواتف الذكية، مما أثار المخاوف من حرب تجارية عالمية مدمرة. وفقا لرويترز، قال ترامب إنه يوصي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على السلع الواردة من الاتحاد الأوروبي اعتبارا من أول يونيو/ حزيران. وهدد أيضا شركة أبل بفرض رسوم جمركية تبلغ 25% على أي جهاز آيفون يباع في الولايات المتحدة لم يتم تصنيعه فيها. وقال لينزي جيمس محلل الاستثمار في شركة كويلتر "هذه الخطوة تهدد بتصعيد واسع النطاق للحرب التجارية العالمية. ستعاني الأسواق الأوروبية مما سيبدد بعض الزخم القوي الذي شهدناه في الفترة الماضية". وأغلق المؤشر ستوكس 600 الأوروبي منخفضا 0.9% وتكبد خسائر أسبوعية هي الأولى في ستة أسابيع. وسجل المؤشر أكبر انخفاض في يوم واحد منذ التاسع من أبريل/ نيسان. كان ستوكس 600 قد تعافى من هبوط سجله في أوائل أبريل/ نيسان بعد أن هدأت الاتفاقات التجارية بين الولايات المتحدة وبعض شركائها التجاريين من المخاوف بشأن التوترات التجارية. وقاد مؤشر السيارات وقطع الغيار الانخفاضات الأوسع نطاقا بتراجعه 3.1%، ومن المتوقع أن يتلقى القطاع أكبر ضربة من التعريفات الجمركية. وهبط مؤشر البنوك 1.8% في حين انخفض مؤشر السلع الفاخرة 2.7% لتأثرها بالسوق الأمريكية. وخسر المؤشر داكس الألماني 1.5% بعد أن كان قريبا من مستوى قياسي مرتفع في وقت سابق من اليوم عندما أظهرت البيانات أن اقتصاد البلاد نما في الربع الأول متجاوزا التوقعات بكثير. وانخفضت المؤشرات في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا بأكثر من 1% لكل منها. وتراجع عائد السندات الحكومية الأوروبية القياسية لأجل 10 سنوات إلى جانب نظيره الأمريكي بسبب المخاوف المتزايدة بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي. فيما قفز سهم منصة الاستثمار البريطانية إيه.جي بيل 8.4% بعد أن سجلت ارتفاعا 12% على أساس سنوي في الأرباح نصف السنوية قبل خصم الضرائب، مستفيدة من زيادة نشاط العملاء. aXA6IDgyLjI1LjI0OS45MyA= جزيرة ام اند امز FI