
سوريا... مشروع «مارشال» العربي
مشروع «مارشال» مشروعٌ أطلقته الدول الغربية بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية لإنقاذ ألمانيا المهزومة، وقد دفعت فيه عشرات الملايين من الدولارات لكي تستعيد ألمانيا قوتَها ولا تنهار انهياراً كاملاً بعد الهزيمة، وذلك خلافاً لما صنعت أميركا في أفغانستان والعراق، اللذين لم يشفيا من هزائمهما بعدُ، على الرغم من مرور ربع قرنٍ، وعاثت فيهما الأصولية والإرهاب والطائفية، وسوريا اليوم يجب ألا تسير في هذا الطريق السيئ.
أطلقتِ الدولُ العربية وعلى رأسها السعودية ودول الخليج مشاريعَ عدةً لإنقاذ الدول أو الشعوب العربية على مدى عقودٍ من الزمن، والدولة السورية والشعب السوري اليوم بحاجةٍ ماسةٍ إلى «مشروع إنقاذٍ عربيٍ» أو «مشروع مارشالٍ» عربيٍ حقيقيٍ ومتكاملٍ، يصرّ على وحدة الأراضي السورية وحماية كل مكونات الشعب السوري ويرفض أي اعتداءاتٍ من أي طرفٍ ضد الآخر، سواء من الحكومة أم من أحد المكونات، ويرفض أي تدخلاتٍ خارجيةٍ من إسرائيل أو من غيرها.
سقوط نظام الأسد ليس نهاية التاريخ، بل بداية صفحةٍ جديدةٍ منه، صفحة يجب بناؤها بعقلٍ سياسيٍ حصيف وقراراتٍ دبلوماسيةٍ راقيةٍ تتحسس أدق المخاطر وتتلمس أعمق المخاوف وتعالج المتغيرات، وبكل صدقٍ وأمانةٍ فالإدارة الجديدة للحكم في سوريا بحاجةٍ إلى كثيرٍ من الدعم الفكري والسياسي والدبلوماسي والأمني قبل الاقتصادي، لتستطيع النجاة بسفينة سوريا في خضم عدم الاستقرار الداخلي، والتغيير الواسع في منطقة الشرق الأوسط، حتى تستطيع الوقوف على قدميها مجدداً.
على طول التاريخ وعرض الجغرافيا، تعلمت البشرية أن خطاب الثورة يختلف تماماً عن خطاب الدولة، وأن نجاح الثورات يجعلها بالضرورة تصطدم أول ما تصطدم بجنود الثورات المخلصين، المقاتلين الشرسين، وهم مَن يتصدون بطبيعة البشر لرفض أي حلولٍ وسطية أو توافقاتٍ.
التصرفات التي ارتكبت في «السويداء» من أطراف عدة توضح حكمة كونفوشيوس حين قال: «عندما تقف بعوضة على مناطقك الحساسة، حينها فقط ستدرك أن هناك طريقة لحل المشكلات دون عنف»، وهي حكمةٌ تاريخيةٌ يجب أن يتعلمها الجميع ممن وجدوا أنفسهم فجأةً أحراراً.
التاريخ في أحيانٍ كثيرةٍ أقوى من السياسة، والسياسي المحنك هو من يستطيع تطويعه لخدمة أهدافه النبيلة، لا معاندته ومصادمته، وفي سوريا ما بعد الأسد كثيرٌ من التاريخ المهمل أو الذي عُدّ جانبياً وهامشياً، ولكنه يعود في كل مرةٍ ليسيطر على المشهد برمته، ويخلط الأوراق ويبعثر المعادلات.
الأقل معرفةً فقط ينظرون لتعقيدات المشهد السوري دينياً وطائفياً ومذهبياً وعرقياً، وثقافياً واجتماعياً وسياسياً، على أنه مشهد بسيط يمكن التعامل معه عبر معادلةٍ بسيطةٍ جداً، وكثيرٌ منهم لا يدرك حقاً حجم التعقيدات والتشابكات والأبعاد التي قد تؤثر بشكلٍ فاعلٍ وقويٍ على المشهد كله.
يستطيع أي مراقبٍ للمشهد أن يقول للدروز استمعوا لـ«وليد جنبلاط» إنه يختصر لـ«بني معروف» قروناً من الزمن في حكمةٍ صافيةٍ ووعيٍ سياسيٍ للنجاة ضمن التعقيدات كما يشهد تاريخه الطويل، كما يجب أن تخلق الدولة السورية الجديدة جهةً استشاريةً تكون ملجأً للرأي والحكمة، وقد علمنا التاريخ أن الثورات الناجحة تأكل أبناءها.
من الواجب على أصدقاء سوريا من الدول العربية أن تضع ضمن «مشروع مارشال» لإنقاذ سوريا توفير العقول والكفاءات التي تعين صانع القرار السوري على اتخاذ القرارات لمصلحته ومصلحة سوريا وشعبها ومصلحة المنطقة ككل، وأن ما يمكن تحصيله من دون القوة هو أجدر وأبقى أثراً مما يمكن تحصيله بالقوة، إذ لا تبنى الدول بعد الثورات إلا على «قوة التواضع» النابعة من كل مكونات الشعب.
أخيراً، فساحل العلويين وسويداء الدروز ومناطق «قسد» الكردية كلها مناطق سوريةٌ أصيلةٌ، ولكن التعامل معها جميعاً يجب أن يكون واعياً بالهويات القديمة وتشابكاتها المعقدة ومخاوفها العميقة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جو 24
منذ 44 دقائق
- جو 24
جدعون ليفي: إنكار تجويع غزة لا يقل خسة عن إنكار المحرقة #عاجل
جو 24 : في عموده بصحيفة هآرتس، قارن الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي بين إنكار محرقة اليهود إبان الحرب العالمية الثانية على يد النازيين، وإنكار إسرائيل المتواصل تجويع الفلسطينيين في قطاع غزة، معتبرا أن الإنكار في كلتا الحالتين ينبع من جذر واحد، هو التنصل من الجريمة واحتقار الضحية. وتحدث ليفي عن محرقة اليهود (الهولوكوست)، وأشار إلى أن منكريها، إما ادعوا أنها لم تحدث أصلا، أو أنها حدثت لكن عدد الضحايا كان ضئيلا، أو أنه لم تكن هناك غرف غاز إطلاقا. ويرى أن ما يحدث اليوم من محاولات منظمة لنفي المجاعة في غزة ليس مجرد إنكار لحقيقة موثّقة عالميا، بل هو تطبيع لخطاب دعائي قائم على الكذب والتشكيك والوقاحة المؤسسية. فمن الصحف إلى التلفزيونات، ومن الأكاديميين إلى باعة الصحف، هناك جوقة إسرائيلية متكاملة تصرّ على أن صور الأطفال الهَزلى مفبركة، وأن موتهم ليس من "تجويع متعمد"، بل "مشكلة تتحملها حركة حماس"، وفق المقال. عمى أخلاقي وأشار ليفي إلى أنه في الوقت الذي تُبث فيه مشاهد الجوع في قطاع غزة على شاشات التلفزة في العالم، تُصر إسرائيل على العمى الأخلاقي، مدّعية أن هناك 80 شاحنة تدخل يوميا إلى غزة، وأن هناك فيديو يظهر "إرهابيين من حماس يأكلون الموز في الأنفاق". وألمح الكاتب إلى أن الصور المعنية كانت قد التُقطت قبل 6 أشهر، لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي -الذي يصفه بكبير مروجي الأكاذيب- يعيد نشرها الآن. وقال إن مثل هذا الإنكار بات مشروعا في إسرائيل، بل ويتسق مع اللباقة السياسية المحلية التي تزعم أنه لا وجود للجوع، وأن لا أحد سيُدان أو يُعاقب على التسبب به. نمط سائد وأضاف أن هذا الإنكار أصبح نمطا سائدا في جميع مناحي الحياة داخل إسرائيل، فوصف تجويع غزة المتعمد، يُصنّف الآن على أنه "مؤامرة معادية للسامية"، و"إذا كان هناك جوع؟ فاسألوا حماس". وأوضح أن هناك 50 وجها للإنكار الإسرائيلي، وكلها بنفس القدر من الاحتقار، حيث تتراوح من غضّ الطرف، إلى رفع الحاجبين، إلى التمويه، والإخفاء، والكذب على الذات. إنكار ومضى ليفي إلى القول، إنه ظل سنوات على يقين بأنه حتى لو قُدِّمت للإسرائيليين كل الأدلة المروعة، فإنهم سيرفضونها. "وها هو الدليل الآن: صور التجويع تغمر الشاشات والصحف في أنحاء العالم، ومع ذلك يُنكرها الإسرائيليون". ويحذر ليفي من أن أخطر ما في هذا الإنكار ليس الكذب فقط، بل السخرية القاسية من الضحايا الأحياء، وإنكار الألم في لحظة وقوعه. وتابع إن هذا النهج ليس جديدا، بل يمتد من رواية النكبة التي "لم تحدث" حسب الرواية الرسمية، وصولا إلى عقود الاحتلال ونظام الفصل العنصري الذي تدعي إسرائيل أنها ليست طرفا فيه. (هآرتس) تابعو الأردن 24 على

سرايا الإخبارية
منذ 9 ساعات
- سرايا الإخبارية
وزير إسرائيلي يشن هجومًا لاذعا على الرئيس ماكرون ويُشعل أزمة مع فرنسا
سرايا - شن وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، هجوما لاذعا على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، متهما إياه باتباع سياسات نازية انتهجتها فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. وقال كوهين، في مقابلة مع قناة 'كان' العبرية: 'الرئيس ماكرون، ما الذي يفعله هنا بالضبط؟ إنه يعزز الإرهاب ويمنح دفعة للمنظمات الإرهابية'، على حد تعبيره. وقال كوهين إنه ليس لماكرون الحق في إملاء أي شيء على "إسرائيل". كما أيد كوهين اقتراحا بأن تخصص أرض في فرنسا للفلسطينيين، معتبرا أن ماكرون يطالب فقط بدولة فلسطينية بينما على إسرائيل أن تمضي بإعلان السيادة على الضفة الغربية. يأتي هذا الهجوم في رد فعل على إعلان ماكرون عزمه اعتراف فرنسا رسميا بدولة فلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، بهدف المساهمة في تحقيق السلام في الشرق الأوسط. وقد أثارت هذه الخطوة غضب الولايات المتحدة و"إسرائيل"، مما ينذر بأزمة سياسية بين باريس و "تل أبيب".

سرايا الإخبارية
منذ 10 ساعات
- سرايا الإخبارية
"مرتين دون قصد" .. تعرضت الفاتيكان للقصف بالحرب العالمية الثانية
يوم 10 يونيو (حزيران) 1940، أعلنت إيطاليا على لسان الدكتاتور بينيتو موسوليني دخولها الحرب العالمية الثانية عقب إعلان الحرب على كل من فرنسا وبريطانيا، فبعد تردد استمر لأشهر، وافق موسوليني على التدخل أملا في الاستيلاء على بعض من أراضي فرنسا التي تلقت خسائر فادحة وتراجعت أمام القوات الألمانية التي أصبحت على مشارف باريس. إلى ذلك، كانت المشاركة الإيطالية في هذه الحرب كارثية. فبفرنسا، لم يحقق الإيطاليون أي إنجاز يذكر كما تلقوا هزائم قاسية على يد البريطانيين أثناء محاولتهم دخول مصر عبر الأراضي الليبية وعجزوا في الآن ذاته عن احتلال اليونان. وبالتزامن مع ذلك، باشر الحلفاء بداية من شهر أيار (مايو) 1943 بقصف العاصمة الإيطالية روما. بداية قصف روما منذ منتصف أيار (مايو) 1943، تحولت العاصمة الإيطالية لهدف لطائرات الحلفاء عقب نجاح الأميركيين والبريطانيين في إقصاء الألمان والإيطاليين من شمال أفريقيا. وفي خضم استعداداهم لغزو الجنوب الإيطالي، كثف الأميركيون والبريطانيون عمليات القصف على المدن الإيطالية متسببين بذلك في انهيار معنويات الجيش والشعب الإيطالي الذي استاء من طريقة إدارة الحرب وإهدار الأرواح. ويوم 19 تموز (يوليو) 1943، تعرضت العاصمة الإيطالية روما لأول عملية قصف مكثف حيث شاركت نحو 690 طائرة تابعة لسلاح الجو الأميركي في عملية إلقاء ما يزيد عن 9 آلاف قنبلة على روما. إلى ذلك، استهدف هذا القصف حينها بالأساس ساحة الشحن ومصنع الصلب بمنطقة سان لورينزو (San Lorenzo) بالعاصمة روما. ومع قدوم فرق الإنقاذ والإسعاف للمنطقة المنكوبة، أحصت السلطات الإيطالية مقتل ما يزيد عن ألفي شخص خلال قصف يوم 19 تموز (يوليو) 1943. ومع رحيل طائرات الحلفاء من سماء روما، حل البابا بيوس الثاني عشر (Pius XII) بمنطقة سان لورينزو لمواساة سكانها ضمن ما وصف بحركة رافضة للحرب بأوروبا. قصف الفاتيكان إلى ذلك، حاول البابا بيوس الثاني عشر في أكثر من مناسبة إعلان العاصمة الإيطالية روما مدينة مفتوحة لتجنب قصفها من قبل الحلفاء. وبجهوده للقيام بذلك، اعتمد البابا على الكاردينال وقس نيويورك فرانسيس سبيلمان (Francis Spellman) للحديث مع الرئيس الأميركي فرانكلن روزفلت. وعلى الرغم من حفاظها على موقف الحياد بالحرب العالمية الثانية، تعرضت الفاتيكان للقصف في مناسبتين. فبالخطأ ألقت إحدى طائرات الحلفاء يوم 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 1943 أربع قنابل على الفاتيكان وتسببت في تدمير مبنى صغير قرب محطة القطار وتهشيم بلور نوافذ القبة العالية لكاتدرائية القديس بطرس وتخريب إذاعة الفاتيكان دون التسبب بأية إصابات بشرية. ويوم 1 آذار (مارس) 1944، تعرضت الفاتيكان لقصف ثاني. فأثناء عملية قصف روما، أقدمت إحدى الطائرات البريطانية، دون قصد، على إلقاء 6 قنابل قرب أسوار الفاتيكان. وعلى الرغم من تسببه بأضرار بأجزاء خارج الفاتيكان، أدى هذا القصف الأخير لمقتل أحد العمال وإصابة راهب أوغوسطيني.