logo
الكيمياء… إصلاحها بات ضروريا

الكيمياء… إصلاحها بات ضروريا

الشروقمنذ 4 أيام

تنكبّ هذه الأيام المدارس العليا على إصلاح مناهجها التعليمية. وقد وقَعَت هذه المدارس قبل سنة في خطأ جسيم يتمثل في تقزيم دور الكيمياء أكثر مما كان مقزّما. وذلك بإزالة قسم الكيمياء وضمه إلى قسم الفيزياء تحت مسمى 'العلوم الفيزيائية'… رغم أنف وصرخات الكيميائيين. وتحجج القوم عند الإقدام على هذا القرار بكون مرحلة التعليم الثانوي تعرف هذا التوجه حيث أن هناك مادة يدرّسها أستاذ واحد تشمل مادتي الفيزياء والكيمياء تحمل اسم 'العلوم الفيزيائية'. وفي ذلك ظلم كبير للكيمياء وأهلها ولمستقبل البلاد. فمن المعلوم أم الفيزياء متغلبة عن الكيمياء في هذا المسمى المشترك. والتوجه العام عندنا في الجزائر منذ الاستقلال -ونحن نقلّد في ذلك فرنسا- هو تغليب الفيزياء على الكيمياء في التعليم الثانوي.
لماذا نتبع ضلال النموذج الفرنسي؟
أدى هذا الخيار الذي أكل عليه الدهر خلال العقود الماضية إلى ميول الطلبة في المدارس العليا للأساتذة إلى اختيار نيل شهادة من قسم الفيزياء وليس من قسم الكيمياء. وصار أغلبهم يحملون هذه الشهادة مقارنة بحملة شهادة الليسانس في الكيمياء. وبطبيعة الحال، فتداعيات ذلك خطيرة إذ نجم عنه إهمال لمادة الكيمياء ضمن تدريس مادة 'العلوم الفيزيائية' فضلا عن التوجه الأعرج للمناهج السارية المفعول.
في فرنسا -كما هو الحال عندنا- يقوم أستاذ واحد بتدريس مادتي الفيزياء والكيمياء في المرحلة الثانوية. لكن هذا النموذج ليس شائعًا عالميًا، بل العكس هو الصحيح، حيث تعتمد معظمالدول -خصوصًا في العالم الأنكلوساكسوني، وأوروبا الشرقية، وآسيا وأمريكا اللاتينية- نظاما يفصل بوضوح بين تدريس الفيزياء والكيمياء يقضي بتدريس كل تخصص من قِبل أستاذ متخصص. من هذه الدول نذكر كندا، الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، هولندا، السويد، النمسا، سويسرا، إيطاليا، بولندا، رومانيا، روسيا، البرازيل، الأرجنتين، المكسيك، الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، سنغفورة… بل كثير منها يفصل بين المادتين ويعيّن أستاذا لكل مادة منذ المرحلة المتوسطة.
من المفيد أن نشير إلى أن 'برنامج التقييم الدولي للتلاميذ' (PISA) اختبار عالمي ترعاه منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) مرة كل 3 سنوات، ويهدف إلى تقييم كفاءات التلاميذ البالغين من العمر 15 سنة في ثلاثة مجالات رئيسية (القراءة، الرياضيات، العلوم) وقياس مدى قدرة التلميذ على تطبيق ما تعلمه في المدرسة. كما تتم مقارنة المنظومات التعليمية عالميًا من حيث الفاعلية والجودة، مع تقديم إرشادات وبيانات تساعد صانعي القرار في إصلاح السياسات التعليمية في كل دولة. وتشارك في هذا الاختبار أكثر من 80 دولة، منها بعض البلدان العربية. ولا يقيس هذا الاختبار مستوى الحفظ أو التلقين، بل يركز على التفكير النقدي، وما يعرف في التعليمية بحل المشكلات، والفهم والتطبيق.
أظهر هذا التقييم في سنة 2022 أن فرنسا حصلت على487 نقطة في العلوم، وهو رقم أعلى بقليل من المتوسط العالمي (الذي يعادل 485)، بل أظهر تراجعًا مقارنة بعام 2018 حيث حصلت فرنسا آنذاك على 493 نقطة. ومقارنة مع دول غربية أخرى، نجد فرنسا بعيدة جدا مثلا عن بريطانيا وألمانيا وفنلندا وبولندا. هذا يعني أن فرنسا متأخرة مقارنة بعدة دول أوروبية وأمريكية في مجال العلوم.
ويؤكد هذا التأخر اختبار 'الاتجاهات الدولية في دراسة الرياضيات والعلوم' (TIMSS) الذي يُجرى كل 4 سنوات لتقييم التحصيل العلمي في الرياضيات والعلوم لتلاميذ السنة الرابعة من المرحلة الابتدائية والثانية أو الثالثة من المرحلة المتوسطة، إذ صنّف فرنسا عام 2023 في المرتبة الأخيرة بين دول الاتحاد الأوروبي، وقبل الأخيرة بين دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، متقدمة فقط على دولة تشيلي. هذه النتائج تُبرز مشاكل هيكلية عميقة في نظام التعليم الفرنسي، خاصة في تدريس العلوم ومنها مادة الكيمياء.
تشير هذه النتائج إلى أن فرنسا تواجه تحديات كبيرة في تدريس العلوم على مستوى التعليم الثانوي. ومن بين أسبابها الظاهرة اعتماد أساليب تدريس تقليدية غير مناسبة. ولتحسين الوضع، تُوصَى فرنسا بتعزيز تكوين الأساتذة المتخصصين في العلوم، وتحديث المناهج لتكون أكثر تفاعلية وتجريبية، والاستثمار في الموارد التعليمية والمختبرات الحديثة.
ولهذا كله نتساءل ما هو مبرر الجزائر في مواصلة الاقتداء في مجال المناهج العلمية بالنمط الفرنسي الذي يشكو فشله أكثر فأكثر؟
إعادة الاعتبار للكيمياء في مناهجنا التعليمية
إن نظرة سريعة على المكانة التي تحظى بها الكيمياء في الدول المتقدمة -إذا استثنينا النمط الفرنسي الشاذ- يؤدي بنا إلى الاقتناع بأن من واجبنا في الجزائر إعادة النظر في تدريس مادتي الفيزياء والكيماياء في المرحلة الثانوية.
ومن التوصيات التي يراها الخبراء -على ضوء مايجري في معظم البلدان المتقدمة- نذكر وجوب أن يكون هناك أستاذان متخصصان لمادة العلوم الفيزيائية، أحدهما في الفيزياء والآخر في الكيمياء. فمن مزايا النموذج الذي يعتمد على أستاذين متخصصين مختلفين تَمكُّن كل أستاذ من متابعة التطورات الخاصة بمجاله وتقديم محتوى أكثر دقة وحداثة. كما يسمح هذا النمط باتاحة فرصة إبراز خصوصية كل مادة: تختلف الفيزياء والكيمياء في منهجياتها التفسيرية والتجريبية، وفي نماذجها التمثيلية.
وعلينا ألا ننسى بأن الأستاذ المتخصص والحريص على حسن تدريس مادته (فيزياء كانت أو كيمياء) سيكون أكثر قدرة على تحفيز التلاميذ وتشويقهم إلى المادة المدرسة، خصوصًا في المرحلة الثانوية. ويرى الخبراء أن أبرز المحاور التي ينبغي التركيز عليها في منهاج الكيمياء في المرحلة الثانوية هي: أ) تنمية ثقافة كيميائية أساسية، ب) جعل التجريب في قلب عملية التعلم، جـ) إدماج قضايا العصر. ويتكون هذا المحور من 3 عناصر: 1) الكيمياء والبيئة (التلوث، معالجة المياه، الطاقات المتجددة، الكيمياء الخضراء)، 2) الكيمياء والصحة (الأدوية، الجزيئات النشطة، عمليات التمثيل الحيوي)، 3) الكيمياء والمجتمع (الأخلاقيات، الصناعة، المواد الجديدة). وهذا فضلا عن محور تنمية المهارات الخاصة بقراءة المعادلات الكيميائية وتفسير البيانات والربط بين المشاهدات.
إن ما ينبغي أن يدركه أصحاب القرار الموضوعي في وزارة التربية هو أن مادتي الفيزياء والكيمياء أصبحتا أكثر تعقيدًا، ولكل منهما محتوى ومنهجية وأهداف مختلفة. والأساتذة الذين يتم تكوينهم في 'العلوم الفيزيائية' يكون لديهم غالبًا تخصص مهيمن (في الغالب تخصص الفيزياء) على حساب المادة الأخرى. ولذا فوجود أستاذ متخصص في كل مادة يضمن كفاءة أعلى وتحكمًا أعمق في المحتوى العلمي، خاصة في المسارات العلمية والتقنية.
ومن ثمّ نضمن جودة التعليم العملي لأن الكيمياء تتطلب مهارات تجريبية خاصة. ولا شك أن وجود أستاذ متخصص في الكيمياء سيتيح تقديم تعليم مخبري فعّال وآمن، وفقًا للمعايير الدولية، ويساعد ذلك على تهيئة أفضل للتلميذ عندما ينتقل إلى التعليم العالي. فطلبة الاختصاصات العلمية والطبية يحتاجون إلى إتقان المفاهيم، والمنهجيات الخاصة بكل مادة.
ولا ينبغي أن ننسى بأن الأستاذ مطالب في كل مراحل التعليم بتحديث معلوماته في اختصاصه، والأستاذ المتخصص سيكون أكثر قدرة على تحديث معارفه العلمية والاندماج في التكوين المستمر وتطوير أساليب تدريس ملائمة لمادته. وهذا يؤثر على التحصيل العلمي للتلميذ.
إذا ما تبنت وزارة التربية هذا النمط، وهذا ما ندعو إليه، يمكن أن تطبقه بشكل مرن وتدريجي بعد مراجعة المناهج بالشكل المعمول به عالميا. فمن بين أساتذة مادة العلوم الفيزيائية هناك من يحمل شهادة في الكيمياء (من المدارس العليا أو الجامعات). تستطيع الثانويات أن ترى مدى إمكانية التصرف محليا وتعيين أستاذ للفيزياء وأستاذ آخر للكيمياء حسب مخرجات تكوين كل أستاذ. على أن يتواصل هذا السعي تباعا. وهذا لا يتطلب إعادة هيكلة جذرية، بل هو بمثابة عملية إعادة ضبط في التكوين والتوظيف بناءً على الحاجيات المستقبلية. نتمنى أن يجد هذا النداء آذانا صاغية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الأمم المتحدة تدعو واشنطن لرفع العقوبات عن قضاة المحكمة الجنائية الدولية
الأمم المتحدة تدعو واشنطن لرفع العقوبات عن قضاة المحكمة الجنائية الدولية

خبر للأنباء

timeمنذ يوم واحد

  • خبر للأنباء

الأمم المتحدة تدعو واشنطن لرفع العقوبات عن قضاة المحكمة الجنائية الدولية

ودعا تورك، في بيان أرسل إلى وسائل الإعلام، "إلى إعادة النظر في هذه الإجراءات الأخيرة ورفعها فوراً". وأضاف أن "الهجمات على القضاة بسبب أدائهم لمهامهم القضائية، على المستويين الوطني والدولي، تتعارض مع احترام سيادة القانون". وأعلن الاتحاد الأوروبي، الجمعة، دعمه للمحكمة، بعد إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض عقوبات على 4 من قضاة المحكمة التي اعتبرت ذلك محاولة لتقويض استقلاليتها. وقال رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا إن الاتحاد الأوروبي يدعم المحكمة الجنائية الدولية بقوة، مؤكداً أنها "حجر زاوية بالنسبة للعدالة الدولية". وأضاف كوستا في منشور عبر منصة "إكس: "المحكمة الجنائية الدولية لا تقف ضد الدول، بل ضد الإفلات من العقاب.. علينا حماية استقلالها ونزاهتها، ويجب أن يسود حكم القانون على حكم القوة". وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن "المفوضية الأوروبية تدعم المحكمة الجنائية الدولية ومسؤوليها بشكل كامل". وأضافت عبر منصة إكس: "تحاسب المحكمة الجنائية الدولية مرتكبي أخطر الجرائم في العالم، وتعطي الضحايا صوتاً.. يجب أن تكون حرة في التصرف دون ضغوط.. وسندافع دائماً عن العدالة العالمية واحترام القانون الدولي". واعتبرت المحكمة الجنائية الدولية أن العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب على 4 من قضاتها محاولة لتقويض استقلاليتها. وذكرت في بيان: "هذه الإجراءات محاولة واضحة لتقويض استقلال مؤسسة قضائية دولية.. تدعم المحكمة الجنائية الدولية أفرادها دعماً كاملاً، وستواصل عملها بلا توقف". وتأتي تعليقات المسؤولين الأوروبيين بعد يوم من فرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب عقوبات على 4 قضاة في المحكمة الجنائية الدولية، في رد غير مسبوق على إصدار المحكمة مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقرار سابق بفتح تحقيق في مزاعم ارتكاب القوات الأميركية "جرائم حرب" في أفغانستان. وجاء في بيان صادر عن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الخميس، أن واشنطن أدرجت على قائمة العقوبات قاضيتين شاركتا في إصدار مذكرة توقيف ضد نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، هما: بيتي هولر من سلوفينيا ورين ألابيني-جانسو من بنين، على خلفية اتهامات باستخدام التجويع كسلاح في الحرب الإسرائيلية على غزة. أما القاضيتان الأخريان، وهما البيروفية لوز ديل كارمن إيبانيث كارانثا والأوغندية وسولومي بالونجي بوسا، فقد ساهمتا في إصدار إذن بفتح تحقيق بشأن مزاعم ارتكاب القوات الأميركية جرائم حرب في أفغانستان. وقال روبيو: "بصفتهم قضاة في المحكمة الجنائية الدولية، شارك هؤلاء الأربعة على نحو فعال في أعمال غير مشروعة ولا أساس لها، وتستهدف أميركا أو حليفتنا الوثيقة إسرائيل". وأضاف: "المحكمة الجنائية الدولية مسيسة وتدعي زوراً أنها تتمتع بسلطة مطلقة للتحقيق مع مواطني الولايات المتحدة وحلفائنا وتوجيه الاتهامات إليهم ومحاكمتهم". عقوبات ضد نتنياهو وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت في نوفمبر العام 2024، أوامر اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت. وأصدرت المحكمة مذكرتين باعتقال نتنياهو وجالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب من 8 أكتوبر 2023 على الأقل حتى 20 مايو 2024 على الأقل، وهو اليوم الذي قدم فيه الادعاء طلبات مذكرتي توقيف. وبحسب بيان المحكمة على موقعها الإلكتروني، تصنف مذكرات الاعتقال على أنها "سرية" من أجل حماية الشهود وضمان سير التحقيقات، "بيد أن المحكمة قررت نشر المعلومات الواردة أدناه لأن سلوكاً مماثلاً للسلوك الذي يتناوله أمر الاعتقال يبدو مستمراً، وعلاوة على ذلك، ترى المحكمة أن من مصلحة الضحايا وأسرهم أن يعلموا بوجود أوامر الاعتقال". واعتبرت المحكمة أن "السلوك المنسوب" لنتنياهو وجالانت يقع ضمن اختصاص المحكمة، مشيرة إلى قرار سابق لها بأن اختصاص المحكمة يمتد إلى غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وأكدت المحكمة الجنائية الدولية أنها وجدت "أسباباً معقولة" للاعتقاد بأن نتنياهو، المولود في 21 أكتوبر 1949، وجالانت، المولود في 8 نوفمبر 1958، "يتحملان المسؤولية الجنائية عن الجرائم التالية بوصفهما شريكين في ارتكاب الأفعال بالاشتراك مع آخرين: جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كوسيلة من وسائل الحرب؛ والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية". وتصاعد تدخُّل المحكمة الجنائية الدولية في الملف الفلسطيني بعد هجمات السابع من أكتوبر الماضي، وحرب إسرائيل على غزة، ما أودى بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وتشريد مئات الآلاف، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية المدنية في القطاع الفلسطيني بشكل كبير، وفقاً لما ورد في ملف الادعاء.

الاتحاد الأوروبي يقدم استراتيجية لحماية المحيطات قبل قمة للأمم المتحدة
الاتحاد الأوروبي يقدم استراتيجية لحماية المحيطات قبل قمة للأمم المتحدة

حدث كم

timeمنذ يوم واحد

  • حدث كم

الاتحاد الأوروبي يقدم استراتيجية لحماية المحيطات قبل قمة للأمم المتحدة

قد م الاتحاد الأوروبي أمس الخميس استراتيجيته لتحسين حماية المحيطات، قبل قمة رئيسية تنظمها الأمم المتحدة في مدينة نيس الفرنسية الأسبوع المقبل. وأكد المفوض الأوروبي كوستاس كاديس أن 'المحيط يشهد ارتفاعا في درجات الحرارة، ومنسوبه آخذ في الارتفاع، وحمضيته تزداد. ويؤثر التلوث الناتج عن البلاستيك والمواد الكيميائية والضوضاء سلبا على النظم البيئية البحرية (…) هناك حاجة إلى إجراءات عاجلة'. وينص هذا 'الميثاق' الأوروبي بشأن المحيطات على تعزيز القواعد الرامية لحماية هذه الأنظمة البيئية في السنوات المقبلة. وكانت المنظمات غير الحكومية قد أبدت مخاوف من عدم اتخاذ إجراءات 'فورية' في هذا المجال. وسيقترح الاتحاد الأوروبي بحلول سنة 2027 قانونا بشأن المحيطات سي عرض على أعضاء البرلمان الأوروبي. ولحماية التنوع البيولوجي بشكل أفضل، تنوي المفوضية الأوروبية مراجعة قانونين بشأن البيئة البحرية وتخطيط الحيز البحري. وتعهدت المفوضية أيضا إنشاء 'احتياطيات أوروبية للكربون الأزرق'. ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى القيام بمسح للنظم البيئية البحرية القادرة على احتجاز المزيد من ثاني أكسيد الكربون وتوسيع نطاقها. ولمكافحة التلوث، تعتزم المفوضية تعزيز نظام 'كلين سي نت' للرصد عبر الأقمار الاصطناعية، الذي يمسح البحار لرصد أي تسربات نفطية محتملة. وفي السياق نفسه، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز مكافحة الصيد غير القانوني. وكما أ علن سابقا، سيصبح نظام شهادات الصيد الرقمي (آي تي كاتش IT Catch) إلزاميا لواردات الأسماك إلى الاتحاد الأوروبي في يناير 2026. وتعتزم المفوضية أيضا تقديم 'رؤية طويلة المدى' لمصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية في 2026.

سياسات ترامب بين الراعي والذئب
سياسات ترامب بين الراعي والذئب

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 2 أيام

  • إيطاليا تلغراف

سياسات ترامب بين الراعي والذئب

إيطاليا تلغراف جواد العناني سياسي واقتصادي أردني يوم الأربعاء، الموافق 28 من شهر مايو/ أيار الماضي، نشر الاقتصادي الأردني الدكتور عدلي قندح مقالاً في صحيفة الدستور الأردنية رفع فيه الغطاء عن قضية مهمّة، وتساءل فيه 'هل يَخلُفُ اليورو الدولار؟'، وبمعنى آخر، هل سيتمكن اليورو، ثاني أقوى عملة دولية في العالم، من أن يزحزح الدولار عن المركز الأول ويحلّ مكانه؟ وقد ينطوي السؤال على تفاؤل حيال اليورو، لكن دكتور قندح يقدم شرحاً مباشراً متوازناً يبين فيه نقاط الضعف والقوة. وسوف نأخذ السؤال الذي طُرح من دكتور قندح، ونستفيد من الحقائق الأساسية التي اعتمدها في تحليله ونضيف عليها بعض التوقعات من الخريطة ذات الخطوط المتشابكة (Charade)، التي يخلقها الرئيس دونالد ترامب بتصريحاته وتغييراته المفاجئة لتوجّهاته وقراراته. وهذه الفوضى الاتجاهية في الميول والتحوّلات قد تزيد عدد المحبطين والخاسرين في أسواق المضاربة والمراهنات إلى حدٍ يعوفون عنده الدولار، ويسعون للتحوّل إلى ثاني عملة دولية وهي اليورو، دعونا نستكشف. يقول الدكتور عدلي قندح إنّ الدولار يشكل حالياً نحو 58% من الاحتياطات الرسمية للدول بالعملات الأجنبية مقارنة بنسبة 20% لليورو الذي يقع في هذا المضمار في المركز الثاني، ويخبرنا كذلك أن الدولار ما يزال عملة تسديد المدفوعات العالمية بنسبة 42%، بينما يشكل اليورو نسبة 32% بصفته عملة تسديد وتسويات للمدفوعات في العالم. وتحسّن موقف اليورو كثيراً مقارنة مع 3 أو 4 سنوات سابقة، لكنّه لم يتمكن من أن يسبق الدولار. وساهم استقرار السياسات النقدية التي يقوم بها البنك المركزي الأوروبي في دعم الثقة باليورو على حساب الدولار، غير أنّ الاتحاد الأوروبي ما يزال غير قادر على تطبيق المعايير المالية (Fiscal Standards) على كل الدول الأعضاء فيه، خاصة بعض دول أوروبا الشرقية. وقد فتح هذا الأمر التساؤل الكبير لدى الأوروبيين عمّا إذا كان قرار التوسعة وضمّ أعضاء جدد للاتحاد قراراً صائباً؟ وهناك كثيرون يقولون إنه كان قراراً متسرعاً تحكّمت فيه العواطف والظروف السياسية والجيوسياسية أكثر مما أملته المعايير الهادئة العقلانية. والنقطة الثانية المهمة التي يمرّ عليها الكاتب المجتهد الدكتور عدلي قندح مرور الكرام هي القوة الاقتصادية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ويقول لنا إنّ الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي بلغ 14 تريليون دولار، لكنّ هذا الرقم قديم، ففي عام 2023 بلغ الناتج المحلي الإجمالي له حوالى 18.6 تريليون دولار أو ما نسبته 17.6% من الناتج الإجمالي للعالم كله، لكنّ توقعات النمو في دول الاتحاد ما تزال متفائلة، ويتوقع جمهرة من الاقتصاديين والمراكز الهامة أن يصل الرقم إلى 18.8 تريليون دولار في نهاية عام 2025 الحالي. وبالمقارنة مع الصين، فإن الناتج المحلي الأوروبي يتفوق على الناتج المحلي الصيني، وقُدِّر أن يبلغ عام 2023 ما مقداره 17.8 تريليون دولار، وسوف يرتفع ليصل إلى 19.23 تريليون دولار عام 2025 ما يجعله متفوقاً على أوروبا. ولذلك فإن الصين التي تحتل المركز الثاني بمعايير الأرقام الجارية والمركز الأول متفوقة على الولايات المتحدة بمقياس القوة الشرائية المكافئة (PPP)، وستبقى هي الأقرب لمنافسة أوروبا، وسيكون اليوان الصيني (RPM) منافساً لليورو، ولربما يتفوّق عليه بصفته عملةَ احتياطيّ وعملة تسديد المدفوعات قبل العام 2030. وهذا التحليل يقودنا إلى التساؤل: إذا بقيت الأمور تخضع لمنطق الأرقام ومعاييرها ومعدلات النمو وتفوقها فإنّ العالم يجب أن يجنح بتفكيره تدريجياً نحو ما نادى به الاقتصادي كندي الجنسية والأستاذ في جامعة كولومبيا والمستشار السابق للحكومة الصينية روبرت مَنديل، الذي فاز بجائزة نوبل في الاقتصاد العام 1999 لأبحاثه المتقدمة في مجال السياسة النقدية الديناميكية ونظرية مناطق العملات المثلى أو ما سماه (optimum currency areas)، وقد قال إنّ الاستقرار النقدي العالمي سوف يتحقق عندما يتخلى العالم عن نظام العملة الواحدة، ويتحول إلى نظام متعدّد العملات، وقد خصص لهذا الغرض ثلاث مناطق نقدية وهي منطقة الدولار ومنطقة اليورو ومنطقة اليوان الصيني. وكتب اقتصاديون بارزون لاحقون في هذا الموضوع، ومنهم ريتشارد كوبر السياسي وأستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، الذي أيّد فكرة ثلاث مناطق عملات، لكنه دافع عن الين الياباني ليكون العملة الثالثة بدلاً من العملة الصينية. وهناك اقتصاديون كثر كتبوا في هذا الموضوع، مثل كوهين وأوبنهايمر وبالاسا وغيرهم. ولكنّ أحداً منهم لم يكتب عن الوسيلة التي يمكن استخدامها للانتقال من نظام العملة الواحدة إلى نظام العملات الثلاث، ولا ننسى أنّ معظم هذه الأفكار كُتبت في نهاية الستينيّات وبداية السبعينيّات من القرن الماضي، حين كان وضع الدولار ضعيفاً ومتأرجحاً خاصّة عندما أقدمت إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون على تخفيضه مرتين خلال الفترة 1971 إلى 1973، وقد سميت هذه السياسة بهزة نيكسون، التي أنهت عملياً اتفاقية بريتون وودز المعقودة عام 1944 باتباع نظام سعر الصرف الثابت المستقرّ للدولار حيال الذهب. ومن بعدها تبنى صندوق النقد الدولي نظام حقوق السحب الخاص، التي كانت وحدة مساوية لكمية من الذهب، ويدخل في تقييمها سلة من العملات، وبناءً عليها تقاس أسعار صرف العملات للدول الأعضاء في الصندوق. لكنّ هذا النظام لم يدم سوى لعدد من السنوات، حتى استعاد الدولار قوته في مطلع التسعينيّات بعد انفجار أزمة المديونية العالمية أو ما سمي (Debt hangover)، وجرى من خلاله استخدام الدولار عملةً لسداد ديون قابلة للتخفيض إنْ وافق حاملها على استبدالها بأرصدة مقبولة للدائنين (Debt equity swap)، وحصل بعدها استقرار طويل الأمد. كان للدولار من ناحية، وسعي الصين لدخول أسواق التصدير العالمية بأسعار منافسة، الأمرُ الأكبرُ في استقرار الوضع النقدي الدولي وهيمنة الدولار. أما سياسات الرئيس دونالد ترامب في الوقت الحالي فهي ضوضائية، وصعبة القراءة، ومن يسعى لفكّ طلاسمها فهو مهووس أو مشوّش لدرجة كبيرة، ويحتاج إلى قراءة الفنجان ليعلم ما وراء الغيوم. هل يريد الرئيس الأميركي للدولار أن يتراجع سعر صرفه مقابل العملات الرئيسية الأخرى في العالم؟ هذا أمر له مبرّراته الواضحة؛ فاتباع أسلوب رفع التعرفة الجمركية على مستوردات الولايات المتحدة، والسعي لإعادة العمليات الإنتاجية الصناعية إلى داخل الولايات المتحدة، والسعي لتخفيف ثقل المديونية الأميركية، تتطلب دولاراً أضعف، فالدولار الأضعف يجعل أسعار السلع والخدمات الأميركية أقل كلفة على المستوردين لها. وإعادة التصنيع داخل أميركا سترفع كلف الإنتاج الأميركي. ومن أجل الحفاظ على درجة من التنافسية فإن هبوط سعر الدولار يأتي مناسباً لمواجهة هذا الارتفاع. وأخيراً وليس آخراً فإنّ الدولار الرخيص يقلّل من كلفة سداد الديون على الخزينة الأميركية، لذلك كان الرئيس ترامب يضغط على رئيس البنك الاحتياطي الأميركي جيروم باول، بتخفيض أسعار الفوائد على الدولار، حتى يسعى حاملوه للتخلّص منه، ما يزيد من تراجع سعر صرفه. ولكنّ الأسلوب الذي يتبعه الرئيس ترامب هو الذي يخلق التوقعات المتقلبة، التي تنعكس على أسعار الأوراق المالية مثل السندات والأذونات والقبولات وغيرها، وعلى أسعار الأسهم في البورصات، وعلى قيمة موجودات صناديق التقاعد والادّخار والاستثمار، ولذلك فإنّ أي تصريح منه حول أسعار عملات الكريبتو برفعها أو بخفضها يدفع معارضيه إلى النقد والتلميح بالفساد، ولهذا فإن الفوضى ستقود كثيراً من الدول المتضرّرة من هذه التقلبات إلى ظاهرة 'الراعي والذئب'. سنصدّق الرئيس ترامب أول مرة وثاني مرة، خاصّة عندما يصيح بسياسات تبدو كأنه رأى الذئب يهاجم قطيع الغنم أو الراعي، ولكن عندما يكثر صياح الراعي اللّعوب 'احذروا الذئب'، فإنّ الآخرين سيضحكون غير مصدِّقين أو غير مبالين، حتى لا يقدموا للراعي الاكتفاء بأن صياحه قد أثار رعبهم بالاتجاه الذي يريده. إذا حصل هذا فإن الأمور الاقتصادية والنقدية الدولية ستعاني حتى يتمكّن العالم من خلق نُظم عالمية جديدة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store