logo
'ترامب الثّاني' في خليج جديد

'ترامب الثّاني' في خليج جديد

نايف سالم – الكويت
بين أيّار 2017 وأيّار 2025، اختلَفَت دول الخليج جذريّاً بسياساتها واستراتيجياتها. في التاريخ الأوّل زارها 'ترامب الأوّل' لتثبيت الشراكات ونسج الصفقات الدفاعية والتجارية الكلاسيكية، فيما يزورها في التاريخ الثاني بأولويّات مختلفة، ربطاً بالتغيّرات العميقة في السياسات والتوجّهات لكلا الجانبين.
من 'الاقتحام الخليجي' للذكاء الاصطناعي ضمن إرساء منظومة الحداثة، مروراً بسياسة 'إطفاء الحرائق' عبر 'تصفير المشكلات' تقريباً مع إيران وغير إيران والوساطات الكبرى (أوكرانيا والسودان مثلاً)، وصولاً إلى رسوخ الاتّفاقات الإبراهيمية بين بعض الدول الخليجية وإسرائيل، وثبات الموقف السعودي من قيام الدولة الفلسطينية شرطاً للتطبيع، يمكن استخلاص 3 اختلافات كبرى بين 2017 و2025.
تتركّز كلّ أنظار العالم هذه الأيّام على دول الخليج التي اختارها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتكون محطّته الخارجيّة الأولى في ولايته الثانية (2024 – 2028) كما كانت أيضاً في ولايته الأولى (2016 – 2020).
لكنّ الفارق كبيرٌ بين المحطّتَين، إذ يحطّ 'ترامب الثاني' رحاله في أرضٍ وعلى أرضيّة مختلفة. المملكة العربية السعودية، بثقلها العالمي، تحتضن خامس قمّة أميركية- خليجية، بعد الأولى (أيّار 2015) والثانية (نيسان 2016) والثالثة (أيّار 2017) والرابعة (تمّوز 2022).
سترسم هذه القمّة مسار الشراكة الاستراتيجية بين الخليج وأميركا لسنوات طويلة، ومن شأنها تثبيت علاقة الشراكة القائمة على المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة. لا يريد ترامب الحروب، وكذلك دول الخليج. يريد ترامب تدفّق المزيد من الأموال الخليجية إلى الولايات المتّحدة (تحت شعار أميركا أوّلاً)، ولا تُمانع دول الخليج ضخّ استثمارات جديدة في الشرايين الأميركية، مقابل الاستفادة من قدرات الشركات الكبرى، لا سيما ما يرتبط بالذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات واستكشاف الفضاء.
يرغب ترامب بتهدئة الوضع في المنطقة وإبعاد شبح الحروب، ودول الخليج تدفع بقوّة باتّجاه إنهاء حرب غزّة وتعوّل على قدرة أميركا على تهدئة 'الثور الإسرائيلي الهائج'. تؤيّد أيضاً اتّفاقاً شفّافاً مع إيران يمنعها من حيازة السلاح النووي، وترتكز على علاقاتها 'الإيجابيّة بحذر' مع طهران، مقارنة بما كانت عليه في 2017، لمعالجة الملفّات الأخرى (الأنشطة الخبيثة).
السّلاح والذّكاء
وفق ذلك، يندرج إعلان وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عشيّة وصول ترامب، تأسيس شركة 'هيوماين' التي تهدف إلى تطوير الذكاء الاصطناعي وإدارة حلوله وتقنيّاته، مع الاستفادة من الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمملكة بين ثلاث قارّات.
ربّما 'هيوماين' كانت محور الحوار 'الجانبيّ' بين محمّد بن سلمان وترامب وإيلون ماسك، الذي يرافق الرئيس الأميركي مع عدد من كبار الرؤساء التنفيذيّين في الشركات الأميركية الكبرى، مثل 'أمازون' و'بلاك روك' و'آي بي إم' و'بوينغ' و'دلتا إيرلاينز' و'أميركان إيرلاينز' و'يونايتد إيرلاينز' و'أوبر' و'كوكاكولا' و'غوغل'.
كان الذكاء الاصطناعي أيضاً محور 'زيارة العمل' التي قام بها مستشار الأمن الوطني في الإمارات الشيخ طحنون بن زايد لواشنطن، في آذار الماضي، والتقى خلالها ترامب وكبار المسؤولين ورؤساء شركات عالمية، مع التركيز على آفاق الاستثمار في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدّمة.
ستبقى صفقات السلاح الأميركية لدول الخليج قائمة وتتعزّز، لكنّ 'الذكاء الاصطناعي' سيتقدّم عليها. لم يعد يهمّ دول الخليج ترسانات الأسلحة بقدر ما يهمّها الاستثمار في المستقبل واحتضان 'بنوك البيانات' والبنية التحتيّة للذكاء الاصطناعي، تطبيقاً لرؤاها الاقتصادية والتنموية الطموحة (السعودية 2030، الكويت 2035، قطر 2030، البحرين 2030، عُمان 2040، الإمارات 2040).
إطفاء النّيران
المشهد في السياسة أيضاً مُختلف جذريّاً. لم تعد إيران الخطر الأساس والتهديد الأوّل في 2025. التفاهمات الثنائية بينها وبين بعض دول الخليج فعلت فِعلها. انكسار 'المحور' أجبَرَ الرؤوس الحامية في طهران على الانكفاء.
بات ترامب يفاوضها ويريد 'صفقة التريليونات' التي فرشتها له علناً بأيدي وزير خارجيتها عباس عراقتشي ومستشار مرشدها علي لاريجاني.
مع اتّخاذ العلاقات مع إيران منحى التهدئة والاستيعاب، تلتقي السياسة السعودية والخليجية مع الأميركية في الرغبة بإطفاء النيران المشتعلة في أكثر من مكان، مثل اليمن والسودان. وبات الوسيط الخليجي لا غنى عنه في الملفّات الكبرى، وبدا ذلك واضحاً في صفقات تبادل الأسرى المتلاحقة التي رعتها السعودية والإمارات، وفي الوساطة السعودية بين أميركا وروسيا لإنهاء حرب أوكرانيا، و'منبر جدّة' الذي لا بديل عنه لإنهاء حرب السودان مهما طالت.
تريد دول الخليج 'وأد' الحروب من أجل إطلاق 'عملاق التنمية'، بما ينعكس إيجاباً على اقتصاداتها وازدهاراً على جيرانها من دول المنطقة. وتولي أهميّة خاصّة لدعم سوريا ولبنان 'الجديدَيْن'، وإن لا يزالا تحت الاختبار، وتلعب دوراً إيجابياً كبيراً في دفع الولايات المتّحدة لمنحهما فرصة لالتقاط الأنفاس وإقران الأقوال بالأفعال، من خلال رفع أو تخفيف العقوبات والإجراءات المشدّدة، التي فُرضت عليهما إبّان حُكمَي بشّار الأسد و'الحزب'.
الثّور الإسرائيليّ
في العلاقات مع إسرائيل الوضع مختلف أيضاً. أكبر إنجازات ترامب في ولايته الأولى كان 'الاتّفاقات الإبراهيمية' التي أدّت إلى تطبيع العلاقات بين الدولة العبريّة وبعض الدول العربية، بينها دولتان خليجيّتان: الإمارات والبحرين.
على الرغم من 'البهلوانيّات' الأميركية المتنوّعة، إبّان إدارة جو بايدن، لم تنجح واشنطن في 'حرف' الرؤية السعودية الثابتة عن مسارها: لا تطبيع قبل قيام دولة فلسطينية. والآن فهمت إدارة ترامب مدى صلابة هذه الرؤية فأقرّت بالمعادلة الجديدة: مساعدة المملكة في طموحاتها النووية شيء والتطبيع شيء آخر.
هنا لا تبتعد أيضاً الرؤية الخليجية عن الرؤية الأميركية. كلتاهما، لأسباب مختلفة، تريد وقف حرب الإبادة في غزّة. لكنّ الطرف الأميركي هو القادر حصراً على تهدئة 'الثور الهائج' المتمثّل بحكومة بنيامين نتنياهو الأكثر تطرّفاً في تاريخ الكيان، وإفهامه أنّ السلام يقوم على أسس واضحة، عنوانها 'الدولة الفلسطينية' التي تتشبّث السعودية بدعمها والدفع نحو إقامتها، مهما بلغت أعداد 'السموتريتشيّين' و'البن غفيريّين' في حكومات الدولة العبريّة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامبلاند: كيف اندفعت أميركا نحو التجريف والانهيار
ترامبلاند: كيف اندفعت أميركا نحو التجريف والانهيار

الميادين

timeمنذ 16 دقائق

  • الميادين

ترامبلاند: كيف اندفعت أميركا نحو التجريف والانهيار

من السمات المتتابعة المتوالية لانهيار الولايات المتحدة، بخاصة تدهور الدولة القومية وصول المصفوفة الدينية إلى"نقطة الصفر" والإفلاس، تراجع التصنيع والإنتاج، زيادة حادة في معدلات الوفيات تتجاوز بكثير معدلات روسيا، تفاقم حالات الانتحار وجرائم القتل، وسيادة العدمية الإمبراطورية التي يُعبّر عنها أميركياً هوس مزمن بالحروب الأبدية. وجاء عهد دونالد ترامب ليفاقم هذه الظواهر، ويبرز تمظهرها في سياسات إدارته الراهنة وتشريعاتها. تتعدد التفسيرات والتأويلات، لكن الكاتب الأميركي كريس هيدجز يعتقد أن انقلاب الشركات الكبرى وانهيار الديمقراطية الأميركية قد بدأ قبل ترامب بزمن طويل. إنه ببساطة يُخمد ما تبقى منها. فالفاشيون من اليمين الديني والأوليغاركيين، الذين يُناولون دونالد ترامب قلمه ويُعدّون أوامره التنفيذية، لا يُحاربون الدولة العميقة، أو اليسار الراديكالي، أو يحموننا من "أعداء السامية". إنهم يُحاربون الحقائق المُثبتة، وسيادة القانون، والشفافية والمساءلة التي لا تتحقق إلا بصحافة حرة، والحق في الاختلاف، وثقافة نابضة بالحياة، والفصل بين السلطات، والقضاء المستقل. فالركائز الأساسية للمجتمع المفتوح، كما فصّلها هيدجز في كتابه "موت الطبقة الليبرالية" (2010)، قد تدهورت قبل ترامب بوقت طويل. فالصحافة والبث العام، والأوساط الأكاديمية، والحزب الديمقراطي، وثقافة شركات مُبتذلة، وقضاء يخدم المليارديرات، وكونغرس اشترته جماعات الضغط، فُرِغت من محتواها ويسهل استهدافها. وقلة تريد النهوض دفاعاً عنها. لقد باعونا. "فقدان الطبقة الليبرالية يخلق فراغاً في السلطة يملؤه المضاربون، والمتربحون من الحروب، وعصابات الإجرام، والقتلة، وغالباً ما يقودهم ديماغوجيون كاريزميون"، ويفتح "فقدان الطبقة الليبرالية الباب لحركات شمولية تتصدر السخرية والاستهزاء بالطبقة الليبرالية والقيم التي تزعم الدفاع عنها. فوعود هذه الحركات خيالية وغير واقعية، لكن انتقاداتها للطبقة الليبرالية ترتكز على الحقيقة". وُلدت الفاشية من ليبرالية مُفلسة تخلت عن دورها التقليدي في الديمقراطية الرأسمالية. فلم تعد تُخفف وطأة أسوأ تجاوزات الطبقة الحاكمة والإمبراطورية بإدخال إصلاحات تدريجية مجزأة. بل تُؤنّب وتحبط عمالاً محرومين خانتهم. تُعطي وسائل الإعلام أولوية الوصول إلى الأقوياء قبل الحقيقة. فضخّمت الأكاذيب والدعاية للدفع نحو غزو العراق. وأشادت بأسواق المال، وأكدت أنه من الحكمة أن نعهد بمدخرات حياتنا إلى نظام مالي يديره مضاربون ولصوص، فأُهدرت مدخراتنا. وغذّت الجمهور بأكاذيب حول تدخل روسيا بالانتخابات، وخضعت تماماً للوبي الإسرائيلي، فشوّهت تغطية الإبادة الجماعية واحتجاجات الجامعات لشيطنة الفلسطينيين والمسلمين والمتظاهرين. ترقص على أنغام الشركات المعلنة والراعية. تحجب قطاعات سكانية كاملة، يجب أن يكون بؤسها ومظالمها محور تركيز رئيسي للصحافة. تحولت الجامعات إلى شركات! كبار الإداريين، ذوو ماجستير إدارة الأعمال، بخبرة ضئيلة أو معدومة في التعليم العالي، بجانب مدربين رياضيين لديهم القدرة على كسب أموال للجامعات، ينالون رواتب عالية بمئات آلاف الدولارات، ويتقاضى المدربون المتميزون ورؤساء الجامعات ملايين الدولارات. لا تتجاوز الوظائف الثابتة لأعضاء هيئة التدريس حالياً نسبة 10%، ونحو نصفهم موظفون مؤقتون بدوام جزئي أو مساعدون. وخُمسهم يعمل بدوام كامل، من دون تثبيت وظيفي. أصبحت الجامعات، بتقليصها الجذري للوظائف الثابتة والأجور المناسبة، امتداداً لاقتصاد العمل الحر. ويُضطر الأساتذة من خارج هيئة التدريس والخريجون إلى طلب رعاية صحية حكومية مخصصة للفقراء، أو العمل بوظائف تدريس إضافية في كليات أخرى، أو قيادة سيارات أجرة، أو العمل صرافين، أو توصيل الطعام، أو تمشية الكلاب، أو رعاية المنازل، أو خدمة الطاولات وتقديم المشروبات، أو العيش مع أربعة أو ستة أشخاص في شقة، أو اللجوء إلى أريكة صديق. أعضاء هيئة التدريس بأجور متدنية يفتقدون الأمن الوظيفي، فلا يثيرون قضايا تتحدى السردية السائدة لعدم المساواة الاجتماعية، والشركات المفترسة، وجرائم الإمبراطورية، والإبادة الجماعية الإسرائيلية، وحالة الحرب الدائمة. وإذا فعلوا ذلك يفصلون، بينما يُمنح كبار مسؤولي الجامعات مكافآت "لخفض النفقات" برفع الرسوم الدراسية وخفض أعداد الموظفين وخسف الأجور. يُطمئن عدم الاستقرار هذا المانحين الأثرياء أن النيوليبرالية التي تُخرب البلاد، وتمكين الإبادة الجماعية في غزة، لن يعترضها أكاديميون يخشون فقدان وظائفهم. ويُشاد بالأغنياء والأقوياء، بينما يُنسى العمال الفقراء، ومنهم العاملون في الجامعة. يستدعي هيدجز إشارة إيرفينغ هاو في مقال بعنوان "عصر التوافق هذا"، 1954، فإن "فكرة المهنة الفكرية – حياة مُكرسة لقيم لا تُحققها حضارة تجارية – فقدت جاذبيتها تدريجياً. وهذا، وليس التخلي عن برنامج مُعين، يُشكل هزيمتنا". يكتب هاو أن الاعتقاد بأن الرأسمالية هي المحرك المُحصّن للتقدم البشري "يُروّج له عبر جميع وسائل الاتصال: الدعاية الرسمية، والإعلانات المؤسسية، والكتابات الأكاديمية لأشخاص كانوا، قبل سنوات، من أبرز مُعارضيها". اليوم 13:35 اليوم 12:29 أبرز هاو أن "الضعفاء حقاً هم أولئك المثقفون – الواقعيون الجدد – الذين يلتصقون بمقاعد السلطة، فيتخلون عن حرية التعبير من دون اكتساب أي أهمية سياسية". وأضاف: "لأنه من الأمور الحاسمة في تاريخ المثقفين الأميركيين في العقود القليلة الماضية – وفي علاقة "الثروة" بـ"الفكر" – أنهم كلما امتصتهم مؤسسات المجتمع المعتمدة، فإنهم لا يفقدون تمردهم التقليدي فحسب، بل يتوقفون عن العمل كمثقفين". روّج الحزبان الحاكمان لخدعة النيوليبرالية لتفكيك الصناعة الأميركية، وفرض تقشف قاس، واستئصال حريات التنظيم، وإلغاء حماية الجمهور من الاستغلال. ومكّنا الشركات من النهب وترسيخ ثرواتها وسلطتها، وصعود الرأسمالية الاحتكارية وأعلى مستويات عدم المساواة بالدخل والثروة في التاريخ الأميركي. تضمن البنوك، وقطاعات الاتصالات، والنفط، والأسلحة، والزراعة، والصناعات الغذائية، أرباحها بتحديد الأسعار تواطؤاً، والالتفاف على الحماية المالية والصحية والبيئية، بل وحتى إلغائها، وإساءة معاملة عمالها. هذا الهجوم على لوائح "الصفقة الجديدة"، (أسست حقوق العمال في الثلاثينيات)، وستُمحى في عهد ترامب، حرم الطبقة العاملة من حقوقها، فصوّتت يائسةً لزعيم ديماغوجي لإنقاذها. مع جفاف تمويل الفنون، تُرك الفنانون والإذاعة العامة التي صُممت لإعطاء صوت لمن لا يرتبطون بمصالح الشركات، يبحثون عن منح ورعاة من الشركات. وكانت النتيجة ذبول النزاهة الفنية والصحفية. بحسب هيدجز، يرى فريدريك نيتشه في كتابه "ما وراء الخير والشر" أن قلة قليلة من الناس تمتلك الشجاعة الكافية للنظر في "الهاوية المنصهرة" للواقع الإنساني. يتجاهل معظمهم هذه الهاوية عمداً. أما الفنانون والفلاسفة، بالنسبة إلى نيتشه، فيستهلكهم فضول لا يشبع، وسعي حثيثٌ وراء الحقيقة ورغبةٌ في المعنى. يغامرون بالنزول إلى أعماق هذه الهاوية المنصهرة. يقتربون قدر استطاعتهم قبل أن تدفعهم ألسنة اللهب بعيداً. كتب نيتشه أن هذه النزاهة الفكرية والأخلاقية لها ثمن. أولئك الذين تحرقهم نار الواقع يصبحون "أطفالًا محترقين"، أيتاماً أبديين. الثقافة في ديمقراطية فاعلة تكون جذرية وتحوّلية. إنها تُعبّر عما يكمن في أعماقنا. تُضفي كلمات على واقعنا. تُشعرنا كما تُبَصِّرنا. تُمكّننا من التعاطف مع المختلفين أو المضطهَدين. تكشف ما يحدث حولنا. تُكرّم الغموض. كتب جيمس بالدوين: "إن الدور الدقيق للفنان، إذاً، هو إضاءة ذلك الظلام، وتوهج الطرق عبر الغابة الشاسعة، حتى لا نغفل، في كل ما نفعله، عن الهدف، وهو في نهاية المطاف، جعل العالم مسكناً أكثر إنسانية". تُشنّ الحرب على البحث الفكري المستقل والفن والثقافة لمنعنا من النظر في الأعماق، ومن جعل العالم "مسكناً أكثر إنسانية". لقد أُسكت "الأشخاص المحترقون" أو هُمِّشوا. وحُظر نحو 16 ألف كتاب في المدارس والمكتبات قبل تولي ترامب منصبه، والحظر يتسارع بتزايد عدد الكتب المحذوفة. تحتفي الثقافة في الدول الاستبدادية بماضٍ مثالي لم يكن موجوداً قط، وحاضرٍ مُضلّلٍ ذاتياً. يلاحظ هيدجز أن الثقافة الشعبوية تغذي عطش الإنسان للوهم والإثارة والسعادة والأمل، وتُروِّج لوطنية عمياء وأسطورة تقدم مادي الأبدي. وتحث على بناء صورٍ لمشاهير لتقديسها، وخاصةً بوسائل التواصل الاجتماعي. وكانت النتيجة انحطاطاً ثقافياً، ستُجسِّده "حديقة أبطال ترامب" المزمعة ومهرجان عيد الميلاد الباذخ المُخطَّط له في مركز كينيدي بواشنطن. يتموَّل سياسيون في الحزبين الحاكمين من أموالٍ مشبوهة يُقدِّمها مليارديرات وشركات. هؤلاء السياسيون، في نظام يُشرّع الرشوة، يُنفِّذون في الكونغرس أوامر مموّليهم. وقد وصف الفيلسوف السياسي، شيلدون وولين، هذا الشكل من الحكم بـ"الشمولية المقلوبة". لا تزال الشمولية المقلوبة تحتفظ بمؤسسات الديمقراطية الرأسمالية القديمة ورموزها وأيقوناتها ولغتها، لكن الشركات الكبرى استولت داخلياً على رافعات السلطة لتحقيق أرباح وسيطرة سياسية. وتستخدم النظام القانوني الدولي لنهب موارد العالم النامي، فتطيح بحكومات تتحدى هيمنة شركات تعطي الأولوية للربح على العدالة، وتُضعف قوانين العمل، وتنقض حقوق العمال. بحسب هيدجز، سيمثل نسف إدارة ترامب لهذه المؤسسات المتهالكة الفاسدة نهاية التجربة الأميركية، والتحوّل من الشمولية المقلوبة إلى الديكتاتورية. وسيُبشِر بعالم شركات بائس، يُشبه ولكن أشد قسوة، رأسمالية شمولية بمراقبة حكومية شاملة، ورقابة قاسية، وطبقة حاكمة غير منتخبة وغير خاضعة للمساءلة، وسحق الحركات الشعبية، بما فيها اتحادات العمال. أي انحدار لعالم تفكير سحري يُميز أنظمة الاستبداد، عالمٌ لا تمتّ فيه اللغة المستخدمة لوصف الذات والمجتمع بصلة للواقع. يُحيّد مشروع الاستبداد المؤسسات المستقلة، مهما ضعفت أو تدهورت. مؤخراً، أفادت أكسيوس أن ترامب "ينتقد بشدة" استطلاعات رأي "مزيفة" تُظهر تراجع شعبيته، ويدعو إلى وضع "وسائل الإعلام التي تنشرها قيد التحقيق بتهمة تزوير الانتخابات". وهذا هو شعور جميع الديكتاتوريين. احظروا الحقائق المزعجة. وبمجرد إسكات هذه المؤسسات أو الاستيلاء عليها، ستُسد شقوق في الصرح القديم سمحت بمعارضة مكتومة. سيصبح الخوف صمغاً للتماسك الاجتماعي. وسيُجرّم النقد الفاتر. وسيُموَّل الأمن الداخلي وإنفاذ قوانين الهجرة والجيش بسخاء، لخلق نسخة ترامب الخاصة من "الدولة العميقة" غير الخاضعة للمساءلة، وتُقطع تمويلات برامج اجتماعية أو تُغلق. ستكون عبادة "القائد العظيم" محور المشروع. وتجلّى الذل المطلق أمام القائد العظيم في احتفال ترامب بأول مئة يوم لإدارته، فارتدى أعضاؤها اللون الأزرق الداكن وقبعات بيسبول حمراء كُتب عليها "خليج أميركا". وفي تملّق نموذجي، قالت وزيرة العدل بام بوندي: "سيدي الرئيس، لقد فاقت أيام رئاستك المئة الأولى أي رئاسة أخرى في هذا البلد على الإطلاق. لم أرَ شيئاً كهذا من قبل، شكراً لك". سينال ترامب استعراضاً عسكرياً في عيد ميلاده، وعمودين لعَلمين مرتفعين 100 قدم في حديقة البيت الأبيض، وربما، إذا أُقرت مشاريع القوانين المقترحة في الكونغرس، سيُنقش وجهه على جبل راشمور، بجانب جورج واشنطن، وتوماس جيفرسون، وأبراهام لينكولن، وثيودور روزفلت. ويصبح يوم ميلاده عطلة فيدرالية، وتُطبع صورته على أوراق نقدية جديدة من فئة 250 دولاراً، وستعاد تسمية مطار دالاس الدولي في واشنطن، مطار دونالد ترامب الدولي. وسيبني حديقته القومية لأبطال أميركا. ويسعى لإلغاء التعديل الدستوري 22 للسماح له بولاية ثالثة، رئيساً مدى الحياة. "سيُعلّم (ترامب) الأطفال حب أميركا"، هكذا ترنّم ستيفن ميلر. "سيُعلّم الأطفال الوطنية. سيُعلّمون القيم المدنية في المدارس الراغبة في تمويل دافع الضرائب الفيدرالي. هكذا، بينما نُلغى وزارة التعليم ونُقدّم التمويل للولايات، سنحرص على عدم استخدام هذه الأموال لترويج الأيديولوجية الشيوعية". بحسب هيدجز، إنها أفاعي ترامب تُخمد ما تبقى من المجتمع المفتوح، وتضع لمسات نهائية لعمل قذر بدأه مليارديرات وشركات. هذه نهاية العملية، وليست البداية. لقد حظي ترامب بالكثير من العون. هناك كلمة يُوصف بها من فعلوا هذا: الخونة.

الضغوط الأميركية على إيران: مسارات ثلاثة متوازية
الضغوط الأميركية على إيران: مسارات ثلاثة متوازية

الميادين

timeمنذ 16 دقائق

  • الميادين

الضغوط الأميركية على إيران: مسارات ثلاثة متوازية

أعلن وزير خارجية سلطنة عمان، بدر بن حمد البوسعيدي أن الجولة الخامسة من المحادثات الإيرانية الأميركية ستُعقد في روما يوم الجمعة 23 أيار/ مايو الجاري. وفي الوقت نفسه، أفادت شبكة "سي.إن.إن" الأميركية، نقلاً عن مسؤولين أميركيين مُطلعين، بأن معلومات استخبارية جديدة حصلت عليها الولايات المتحدة تشير إلى أن "إسرائيل" تُجهّز لضرب منشآت نووية إيرانية. وبالرغم من أن الشبكة نقلت عن المسؤولين أن مثل هذه الضربة ستكون خروجًا صارخًا عن سياسة الرئيس دونالد ترامب، إلا أن التطورات المتسارعة في التفاوض حول الملف النووي الإيراني، تشي أن الأميركيين يستخدمون مسارات ثلاثة للضغط على إيران في مفاوضاتها النووية، وذلك عبر ما يلي: أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض، إعادة تفعيل الضغوط القصوى على إيران لدفعها إلى تقديم تنازلات في ملفها النووي وعلى طاولة التفاوض. وبالرغم من تصريحات ترامب المتكررة عن اعتقاده بإمكانية عقد اتفاق جيد مع إيران، إلا أنه هدد بعواقب وخيمة وباستخدام الخيار العسكري في حال لم تمتثل إيران للشروط، أو في حال وصول المفاوضات إلى حائط مسدود. وفي الوقت الذي تجري فيه دورات من التفاوض بين الطرفين، تقوم- بالتوازي- وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات جديدة تستهدف صادرات النفط والقطاع المالي الإيراني، بهدف تجفيف مصادر دخل طهران، كما أعلن ترامب، الذي أدان قيام الإدارة السابقة بالإفراج عن أموال إيرانية مجمدة. اليوم 13:12 اليوم 09:29 بالرغم من أن الرئيس ترامب فاجأ نتنياهو بالتفاوض مع إيران، إلا أن الأميركيين يستفيدون من التهديدات الإسرائيلية بضربة للمنشآت النووية الإيرانية. قال ترامب إنه لا يحبذ العمل العسكري في هذه الفترة، لكنه أشار الى أنه لم يمنع الإسرائيليين كلياً من القيام بعمل عسكري ضد إيران، وأشار إلى أنهم سيقومون بذلك بمفردهم الآن، لكنه هدد في حال انهارت المفاوضات فإن الأميركيين سيشتركون مع الإسرائيليين في تلك الضربات. ظهر مصطلح "Snapback Plus" في سياق التهديدات التي أطلقتها الدول الأوروبية الثلاث، فرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة (E3) والتي أشاروا فيها الى أنهم يريدون التفاوض مع إيران، والتوصل معها إلى اتفاق، وإلا فإنهم لن يقوموا بإعادة فرض العقوبات الأممية على إيران من خلال آلية "الزناد" فحسب، بل أيضًا بفرض عقوبات إضافية على إيران. هي بند في قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي صادق على الاتفاق النووي (JCPOA)، يتيح لأي دولة مشاركة في الاتفاق إعادة فرض العقوبات الأممية السابقة على إيران إذا رأت أنها غير ملتزمة بالاتفاق. بمجرد تفعيل هذه الآلية، تُعاد جميع العقوبات التي رُفعت بموجب الاتفاق، بما في ذلك تلك المتعلقة بالبرنامج النووي، وتطوير الصواريخ البالستية. ومن الجدير بالذكر أن هذه الآلية تنتهي في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2025. وخلال جولة المفاوضات التي عُقدت في 16 أيار/مايو الحالي في إسطنبول، هددت الدول الأوروبية بتفعيل آلية الزناد وتشديد العقوبات، وأنها ستفعّل آلية الزناد "Snapback" ضد إيران، وأنها ستفرض حتى ما هو أبعد من ذلك من عقوبات واسعة النطاق على طهران، وضرورة إدراج بند بعنوان "زناد بلس" ضمن نص الاتفاق الذي يجري التفاوض بشأنه بين إيران والأميركيين. وهكذا، يستفيد الأميركيون من المسارات الثلاثة المتوازية في الضغط على إيران. فـ "إسرائيل" تريد أن تكبّل إيران بشروط صعبة وتجردها من جميع مصادر قوتها، والدول الأوروبية تستخدم التهديد بآلية "الزناد بلاس" من أجل تحقيق أمرين: الضغط على إيران ودفعها إلى تقديم تنازلات كبيرة للأميركيين، وفي الوقت نفسه تثبيت دورها في العملية التفاوضية، خصوصًا مع قيام ترامب بإقصاء الأوروبيين من المفاوضات مع إيران ومن تصوراته للحل في أوكرانيا. وبالنظر إلى ما تقوم به الدول الأوروبية و "إسرائيل"، فإن الأخيرة تلعب دور الداعم و "المكمل" للدور الأميركي وتعزيز موقف واشنطن التفاوضي من خلال التهديد أو إضافة تداعيات قانونية متعددة الأطراف، وبالتالي يعمل الأميركيون والأوروبيون عبر قنوات متوازية، لكن ذات أجندة مشتركة لممارسة الضغوط القصوى على إيران.

وكيل موازنة النواب يكشف أسباب تراجع أسعار الذهب في السوق
وكيل موازنة النواب يكشف أسباب تراجع أسعار الذهب في السوق

صدى البلد

timeمنذ 20 دقائق

  • صدى البلد

وكيل موازنة النواب يكشف أسباب تراجع أسعار الذهب في السوق

قال النائب ياسر عمر ، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب أن انخفاض سعر الدولار إلى 49.99 جنيه ، يأتي في إطار العرض والطلب. وأشار عمر في تصريحات خاصة لـ"صدى البلد" إلى أنه حينما يكون هناك زيادة في العرض ينخفض الطلب ، ونحن نتقبل ذلك ، ولكنه ليس له أي مؤشر. سوق سعر الدولار وأكد وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب أن خفض سعر الدولار أو زيادته يخضع لسوق سعر الدولار. ومن ناحية آخرى أوضح أن تراجع أسعار الذهب جاء بسبب تراجع الرئيس الأمريكي ترامب عن قراراته بشأن الرسوم الجمركية المفروضة ضد الصين ، ووجود انفراجة في الحرب بين روسيا وأوكرانيا ، قائلا أن الذهب هو الملاذ الآمن للآستثمار في حالة وجود ظروف سيئة. وتابع: لو عاد الرئيس الأمريكي ترامب في قرارته بشأن زيادة الرسوم الجمركية المفروضية ضد الصين ، سيؤدي ذلك إلى زيادة أسعار الذهب مجددا. وسجّل الدولار أعلى سعر للشراء اليوم 49.99 جنيه في بنك مصر. سعر الدولار الأمريكي سعر الدولار في البنك المركزي المصري: 49.83 جنيه للشراء، مقابل 49.96 جنيه للبيع. سعر الدولار في مصرف أبو ظبي الإسلامي: 49.89 جنيه للشراء، مقابل 49.98 جنيه للبيع. سعر الدولار مقابل الجنيه سعر الدولار في البنك التجاري الدولي: 49.86 جنيه للشراء، مقابل 49.96 جنيه للبيع. سعر الدولار في بنك الإسكندرية: 49.86 جنيه للشراء، مقابل 49.96 جنيه للبيع. سعر الدولار في البنك الأهلي الكويتي: 49.86 جنيه للشراء، مقابل 49.96 جنيه للبيع. سعر الدولار في بنك فيصل الإسلامي: 49.83 جنيه للشراء، مقابل 49.93 جنيه للبيع. سعر صرف الدولار الأمريكي سعر الدولار في بنك كريدي أجريكول: 49.82 جنيه للشراء، مقابل 49.92 جنيه للبيع. سعر الدولار في بنك مصر: 49.99 جنيه للشراء، مقابل 50.09 جنيه للبيع. سعر الدولار في البنك الأهلي المصري: 49.86 جنيه للشراء، مقابل 49.96 جنيه للبيع. أسعار صرف الدولار سعر الدولار في المصرف المتحد: 49.86 جنيه للشراء، مقابل 49.96 جنيه للبيع. سعر الدولار في بنك قناة السويس: 49.82 جنيه للشراء، مقابل 49.92 جنيه للبيع. سعر صرف الدولار سعر الدولار في بنك نكست: 49.90 جنيه للشراء، مقابل 50.00 جنيه للبيع. سعر الدولار في البنك المصري لتنمية الصادرات: 49.84 جنيه للشراء، مقابل 49.94 جنيه للبيع. سعر الدولار في البنك العربي الإفريقي الدولي: 49.86 جنيه للشراء، مقابل 49.96 جنيه للبيع. وشهدت الأسعار حالة من الاستقرار النسبي مقارنة بالأيام الماضية، مع استمرار الترقب في الأسواق المحلية والعالمية. وجاءت أسعار الذهب كالتالي: سعر جرام الذهب عيار 18: بلغ نحو 3908 جنيهات. سعر جرام الذهب عيار 21 (وهو الأكثر تداولًا في السوق المصري): سجل حوالي 4560 جنيهًا. سعر جرام الذهب عيار 24 (الأعلى من حيث النقاء): وصل إلى 5211 جنيهًا. سعر الجنيه الذهب (وزن 8 جرامات من عيار 21): بلغ 36480 جنيهًا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store