logo
فلسطين بين الحنين والعودة

فلسطين بين الحنين والعودة

الميادين٢١-٠٤-٢٠٢٥

لا تكاد تمر ساعة منذ استئناف المجزرة الصهيونية في غزّة من دون أن نسمع مبادرة أو خبراً أو تسريب معلومات عن تهجير الفلسطينيين أو جزء منهم إلى خارج فلسطين، وحرمانهم من حق العودة إلى بلادهم التي يمكن أن تضم إلى الكيان الصهيوني أو تحوّل إلى منتجع للأثرياء على طريقة الريفيرا الفرنسية. هذا المطلب الاستعماري – الصهيوني تحوّل إلى مطلب رسمي عربي مشفوعاً بعبارات سياسية تجميلية مثل تحويل المقاومة إلى حزب سياسي، أو تحويل الفلسطينيين إلى تجمعات سكانية معزولة. يتبنى بعض المثقفين العرب هذا الطرح مشفوعاً باعتبارات إنسانية شعارها الرئيس إيقاف المجزرة.
على النقيض تماماً اعتمدت فكرة قيام الكيان الصهيوني المفهوم التوراتي "عاليا أو العودة إلى صهيون"، ويرتبط هذا المفهوم بأسطورة عودة اليهود من بابل إلى فلسطين بعد سقوط الدولة البابلية، وسماح الملك الفارسي كورش بهذه العودة.
وجدت القوى الاستعمارية الطامعة في توسيع أسواقها في هذه الفكرة حصان طروادة الذي يمكن من خلاله الدخول إلى جسد الإمبراطورية العثمانية (الرجل المريض) بهدف بسط سيطرتها تحت شعار حماية الأقليات الدينية. خلال السنوات العشر التي سبقت المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 أقام المستوطنون اليهود القادمون من أوروبا الشرقية تسع عشرة مستوطنة، كانت أولها مستوطنة "بتاح تكفا" التي أقيمت على موقع قرية ملبي الفلسطينية عام 1887.
كانت الرأسمالية الناشئة قد وصلت إلى مرحلة من التطور لا بد معها من تدمير جميع الإمبراطوريات القائمة بصفتها آخر مظاهر النظام الإقطاعي، والانطلاق نحو مفهوم الدولة القومية الأوروبية التي كانت حاجة ضرورية لاستكمال بناء النظام الرأسمالي.
لم تحتل فكرة إقامة دولة يهودية في فلسطين أولوية في المشروع الرأسمالي إلا بعد الحرب العالمية الأولى، واكتشاف النفط في المنطقة والذي أصبح المادة الرئيسة لإدارة مصانع المركز الرأسمالي، وإمكانية بروز تراكم للثروة في المنطقة ما يحوّلها إلى سوق مستقبلية مهمة.
كان لا بد من دعم "العاليا" اليهودية بحدث معاصر يطلق الشرارة لتحويل الوعد بالدولة الذي أطلقة بلفور عام 1916 إلى دولة حقيقية بشروط العصر الاستعماري الرأسمالي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، فكانت الهولوكوست بكل ما رافقها من مبالغات وتضخيم. يكفي أن تعتنق الديانة اليهودية لتصبح جزءاً من التاريخ اليهودي من "العاليا" البابلية وحتى الهولوكوست وتمتلك حقاً في العودة بناء على الوعد الإلهي التوراتي، ووعد بلفور الاستعماري.
ترافق إنشاء الكيان في فلسطين مع إنشاء مجموعة من الأنظمة المرتبطة بالمشروع الاستعماري في الدول المحيطة. هذه الأنظمة التابعة والمرتبطة عضوياً بالمشروع الاستعماري وجدت نفسها مضطرة للتنازل عن جميع الثوابت الوطنية مقابل الحفاظ على عروشها ومصالحها. اليوم 09:04
اليوم 08:11
هذا الاستسلام منح الكيان الطارئ فرصة التحرك بحرية ضمن جغرافيا المنطقة، حارب جميع الدول المحيطة به وهزمها واحتل أجزاء من أراضيها، اعتدى جوياً على الدول الأبعد عن جواره فقصف العراق وتونس، من دون أن يجرؤ نظام عربي على التصدي له بشكل جدي.
لقد استطاعت القوى الاستعمارية خلق كيان "عابر للزمان والمكان"، شكّل الأداة الرئيسة لمشاريعها في المنطقة، وبدأت بعد ربيعها الاستعماري المشؤوم تحويل هذا الكيان إلى مركز استعماري يقود مجموعة الدول الدائرة في الفلك الاستعماري.
لم يجد المخطط الاستعماري مقاومة رسمية تذكر فسرعان ما انخرطت الأنظمة الرسمية العربية في مشاريع السلام التي تصاعدت تدريجياً من اتفاقية "كامب ديفيد"، مروراً باتفاقيات أوسلو ووادي عربة وصولاً إلى السلام الإبراهيمي والناتو العربي، اللذين يمكنان المركز الرأسمالي من تحقيق مصالحه السياسية والاقتصادية بأقل التكاليف وبشكل خاص التكاليف العسكرية.
لم يعكر صفو هذا الاطمئنان الاستعماري سوى ظهور نواة حركات مقاومة، حاولت كسر جليد التواطؤ الرسمي وخلق حالة ثورية في الشارع العربي تنظر إلى المستقبل بعين غير عين النظام الرسمي العربي المستسلم. رغم تحالف النظامين الرسمي العربي والاستعماري ضد هذه المقاومة فإنها استطاعت تحقيق نجاحات مهمة في مواجهة المشروع الاستعماري، فأسقطت اتفاق 17 أيار في لبنان، وحررت الجنوب اللبناني، وأسقطت مشروع الشرق الأوسط الجديد، وبعده صفقة القرن، وعطلت حتى الآن مشروع السلام الإبراهيمي.
اعتقد التحالف العربي – الاستعماري أن الفوضى التي خلفها "الربيع العربي" المشؤوم تمنحه فرصة جديدة لإعادة تفعيل مشروعه، لكن فتية من غزّة قرروا كسر خط التاريخ الرأسمالي، وتجاوز الخطوط التي رسمها قبل 75 عاماً وصنعوا ملحمة السابع من أكتوبر ليعلنوا أن علاقة الفلسطيني بأرضه ليست حنيناً إلى فردوس مفقود يزوره كسائح بعد إنجاز السلام الموعود، بل هي نضال وتضحية في سبيل العودة مهما كان ثمن هذه العودة غالياً.
عودة الفلسطيني إلى أرضه تهدد الجميع، من الجالس في المكتب البيضاوي في واشنطن، إلى الباحث عن نصر نهائي في "تل أبيب"، مروراً بأصحاب العروش المهزوزة في النظام الرأسمالي العربي.
لهذا السبب لم يكن الرد على شكل حرب، بل على شكل مجزرة شارك فيها الجميع بكل ما يقدر عليه. القوى الاستعمارية بسلاحها ونفوذها السياسي، والعدو الصهيوني بآلة القتل المجرمة، والنظام الرسمي العربي بالتخلي عن الفلسطينيين وفتح أبواب بلدانه للتجارة مع العدو. هذا النظام الذي كان يرسل إلى سادته رسالة مفادها "نحن هنا" نعتقل، ونطارد داعمي المقاومة، ونطالب بنزع سلاح المقاومة، ونجرم من يسعى لدعمها، ونحوّل الأبطال إلى مجرمين، ونحمّل المقاومة أوزار الضعف والتخاذل الرسمي العربي عبر تاريخ القضية الفلسطينية.
لقد وضعت عبقرية لحظة السابع من أكتوبر كل هؤلاء وراءها، فهي اللحظة التي قالت إن هذا الكيان طارئ على المنطقة زماناً ومكاناً، وأن الأمة من محيطها إلى خليجها تشاركها النظرة نفسها، وهي مستعدة للانخراط في المعركة من اليمن إلى العراق ولبنان، ومهما كانت نتائج المواجهة الحالية، فهي تمرين على القادم و "أننا سننتصر".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لا حل للمعضلة اللبنانية الا بإعادة تكوين السلطة وفق الأسس الدستورية السليمة
لا حل للمعضلة اللبنانية الا بإعادة تكوين السلطة وفق الأسس الدستورية السليمة

النهار

timeمنذ 12 ساعات

  • النهار

لا حل للمعضلة اللبنانية الا بإعادة تكوين السلطة وفق الأسس الدستورية السليمة

النائب السابق منيف الخطيب إن تردي الحالة الاقتصادية السائد اليوم حيث الجوع والفقر والغلاء وتفلّت سعر صرف الدولار وانهيار العملة الوطنية وفقدان العدالة وانسداد سبل العبش وفلتان الامن والبطالة، إضافة الى تفشي وباء كورونا، لم يسبق له مثيل الا إبان الحرب العالمية الأولى جراء الحصار الذي فرض على لبنان في حينه و جور السفاح جمال باشا وبطشه. اما اليوم، فان الانهيار الحاصل على الصعد المختلفة، هو النتيجة الحتمية للفساد السياسي ومخالفة القوانين والافعال في تجاهل الدستور واستعداء الاشقاء العرب والتنكر لدورهم الذي كان دائماً مسانداً للبنان وشعبه وتعطيل الحياة السياسية بمفهومها الديموقراطي الصحيح، بحيث لم يبق من النظام الديموقراطي البرلماني الا الاسم . وحرم الشعب اللبناني حقه في اختيار ممثليه بحرية، خلافاً لنص الدستور الذي يعتبر الشعب مصدر السلطات. وبذلك لم يستطيع لبنان المحافظة على نظامه البرلماني الديموقراطي الحر منذ إقرار اتفاق الطائف، إذ جرى التنكر لهذه الوثيقة وللدستور الذي انبثق عنها وعدم التزام مندرجاته التي حددت الأسس الصحيحة لبناء دولة عصرية. واستمر العبث بالدستور والقوانين تحت شعارات براقة، مما سهل للقوى النافذة أن توصل أشخاصاً من المتملقين في مقابل ارتهانهم لمصالح و مخططات خارجية على حساب مصلحة الشعب والمصلحة الوطنية والسيادة . ان السلطة فقدت شرعيتها مذ عمدت الحكومة الى تعيين اربعين نائباً في 7-6-1991، ثم تتابعت المخالفات الدستورية في كل القوانين الانتخابية التي أقرت بعد ذلك. كما ان تشكيل ما تسمى "حكومات الوحدة الوطنية " كان السبب في انهاء المفهوم الديموقراطي إذ لا معارضة من سلطة تحكم على هواها بلا رقيب أو حسيب كأنها شركة محاصصة تتقاسم النفوذ والمصالح المادية والمعنوية"، كما يقول المثل "القوي بقواه" فانهار البلد وأفقر الشعب وجاع بسبب تغييب دوره وتعطيل الدستور والقوانين. ان النداءات المخلصة للانقاذ التي يطلقها المخلصون وفي الطليعة غبطة البطريرك الراعي هي في محلها وتعبر عن الواقع المأسوي، ولا يجوز استمرار هذه الحالة بل يجب العمل بجهد وإخلاص لإنقاذ لبنان وشعبه ووضع حد لهذه المحنة القاتلة، وذلك يتطلب جهداً محلياً وعربياً ودولياً للنهوض بلبنان من جديد، ولا يتم الا في ظل سلطة جديدة يجري تكوينها على أسس ومبادئ سليمة منبثقة عن ارادة الشعب اللبناني تبدأ بانتخبات نيابية في ظل قانون انتخاب منسجم مع أحكام الدستور، بحرية وعدالة بين جميع فئات الشعب وفق ما يأتي: 1-الشعب اللبناني هو مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية أي مجلس النواب. 2-إعادة النظر في التقسيمات الادارية إنسجاماً مع أحكام الدستور وإنشاء محافظات جديدة بدل الأقضية الحالية التي تفوقها عدداً بعد تقسيم الاقضية الكبرى، بحيث تكون المحافظة الجديدة في حجم القضاء أو أصغر وهي التي تشكل الدائرة الانتخابية، وليس كما حصل في السابق عندما اعتمدت دوائر متفاوتة الاتساع والحجم وعدد المقاعد كأنها عملية فرز وضم . 3-لا يقل عدد المقاعد في الدائرة الواحدة عن اثنين ولا يزيد عن أربعة، ويراوح عدد الدوائر بين 33 و36 دائرة وعدد النواب 108. وفي حال إبقاء عدد المقاعد 128 يمكن زيادة عدد الدوائر لتبقى منسمجة مع بعضها. 4-ان المجلس النيابي المنتخب وفق هذه الاحكام الدستورية هو المؤهل لإنتاج سلطة دستورية جديدة وفق إرادة الشعب، تعيد الثقة بالدولة و تحقق العدالة بين الجميع وللجميع وتشكل خشبة الخلاص الوحيدة . 5-لا بد من التزام ميثاق جامعة الدول العربية والاعلان العالمي لحقوق الانسان، وتجسيد هذه المبادىء في كل الحقول والمجالات من دون استثناء كما ورد في مقدمة الدستور .

اتفاق 17 أيار 1983 يدغدغ أوهام الحالمين بالتطبيع مع الاحتلال
اتفاق 17 أيار 1983 يدغدغ أوهام الحالمين بالتطبيع مع الاحتلال

المنار

timeمنذ 4 أيام

  • المنار

اتفاق 17 أيار 1983 يدغدغ أوهام الحالمين بالتطبيع مع الاحتلال

في مثل هذا اليوم من عام 1983، وقّع بعض المسؤولين اللبنانيين اتفاق 17 أيار مع العدو الإسرائيلي، في لحظة سياسية حرجة اعتقد فيها النظام الحاكم حينها أنه قادر على فرض اتفاقية وصفت بالذل والاستسلام، مستنداً إلى الاحتلال الإسرائيلي لجزء كبير من الأراضي اللبنانية، والدعم الأميركي السياسي والعسكري المطلق لتل أبيب. غير أن هذا الاتفاق لم يصمد طويلاً. فسرعان ما قالت المقاومة، الشعبية والعسكرية، كلمتها الفصل: لا للاحتلال، لا للتطبيع، ولا لأي تسوية تُفرض بالإكراه وتُمرّر بالإملاء. وبفعل هذه الإرادة، سقط الاتفاق المشؤوم، وسُجّل في التاريخ كمحطة هزيمة للمشروع الإسرائيلي في لبنان. ورغم مرور أكثر من أربعة عقود، لا تزال بعض الأصوات في لبنان تروّج لنهج الاستسلام، محاولةً إحياء أوهام الالتحاق بركب التطبيع، وتقديم الولايات المتحدة وإسرائيل كقدر لا مفرّ منه، متناسيةً أن تجارب الماضي القريب أثبتت عكس ذلك. لقد أسقطت الإرادة المقاومة والموقف الوطني الصلب اتفاق الذل مع العدو الصهيوني، وكانت شوارع بيروت وأحياؤها، ولا سيما في الضاحية الجنوبية، شاهدةً على المواجهة البطولية التي خاضها أبناء الشعب اللبناني بلحمهم الحيّ وبإمكاناتهم المحدودة، ما أجبر الاحتلال على الانسحاب من العاصمة نحو الجنوب، لتتواصل بعدها مسيرة المقاومة حتى التحرير، ولا تزال مستمرة حتى اليوم. 'اتفاقية 17 أيار'… لا مكان للعملاء في 17 أيار/مايو 1983، كان من المقرّر أن يكون لبنان الدولة العربية الثانية، بعد مصر (التي وقّعت اتفاقية كامب ديفيد في 17 أيلول/سبتمبر 1978)، التي تُبرم اتفاقية تطبيع مع كيان العدو الإسرائيلي. يا للمفارقة! إنه لبنان نفسه، وبعد سبعة عشر عاماً فقط، بات الدولة العربية الوحيدة التي حققت انتصاراً غير مشروط على الاحتلال الإسرائيلي في عام 2000. فماذا جرى بين التاريخين؟ لا شك أن أحداثاً وتحولات كبرى دفعت بلبنان من مرحلة الخنوع والاستسلام، التي عُرفت آنذاك بـ'الزمن الإسرائيلي'، إلى مرحلة الانتصار و'زمن المقاومة'. وبحسب مطّلعين على تلك المرحلة، فإن 'اتفاق 17 أيار كان بمثابة إعادة رسم للميثاق الوطني والدستور اللبناني، إذ شكّل خروجًا شبه رسمي للبنان من الجامعة العربية، وتجاوز في مضمونه اتفاق السلام المصري-الإسرائيلي بكثير'. ورغم أن أركان الدولة حينها، أي رؤساء الجمهورية (أمين الجميل)، والحكومة (شفيق الوزان)، ومجلس النواب (كامل الأسعد)، أقرّوا الاتفاقية وفتحوا الباب أمام مرحلة سياسية واجتماعية وثقافية جديدة للبنان، إلا أن جزءًا واسعًا من البيئة الشعبية أدرك مبكرًا خطورة المسار الذي يُراد فرضه، فأسقط المشروع برمّته. وهي البيئة نفسها التي لم تكتفِ بإسقاط الاتفاق، بل واصلت طريق المقاومة حتى هذه اللحظة، ليصبح لبنان اليوم مصدر التهديد الأكبر لأمن 'إسرائيل' ووجودها. هذا الرفض الشعبي لاتفاق التطبيع عكسه النائب السابق نجاح واكيم، أحد النواب الذين صوّتوا ضد الاتفاق، حين قال إن 'المفاوضات لم تجرِ بين لبنان و(إسرائيل)، بل بين الوفد الإسرائيلي والوفد الأميركي. أما الوفد اللبناني، فكان بعض أعضائه موظفين لدى المخابرات الأميركية، ولم يُعتمد في تشكيله أي تمثيل وطني'. ما يعني أن الوفد لم يكن شرعيًا ولا معبّرًا عن الأطياف اللبنانية كافة، وبالتالي لم يكن يفاوض باسم الشعب اللبناني. وبالفعل، لم ينتظر جزء كبير من اللبنانيين أن يُستفتوا على تغيير هوية وطنهم وموقعه من الصراع العربي الإسرائيلي. فهؤلاء، الذين كانوا يشكّلون نواة المقاومة في وجه الاحتلال الذي وصل في حزيران/يونيو 1982 إلى بيروت، رأوا أن اللحظة لا تحتمل التريث أو التراجع. نزلوا إلى الشارع وصرخوا بـ'لا' مدوية من أجل هوية الوطن وأبنائهم والأجيال المقبلة. فكان ردّ الرئيس أمين الجميل، الذي جاء إلى الحكم خلفًا لشقيقه بشير الجميل (المنتخب بدعم وضغط إسرائيلي وأميركي واغتيل بعد انتخابه بشهر تقريبًا)، أن حاول سحق الاعتراض الشعبي، فحرّك وحدات من الجيش اللبناني لتطويق جامع بئر العبد في الضاحية الجنوبية حيث كانت تخرج المظاهرات، وخلال الاشتباك سقط الشهيد محمد نجدي. لاحقًا، تصاعد الغضب الشعبي واتسعت رقعة المقاومة، خصوصًا بعد تدخل ميليشيات الكتائب واعتدائها على قوى المقاومة، ما فجّر انتفاضة 6 شباط/فبراير التي أدّت إلى إسقاط 'اتفاقية 17 أيار' وإسقاط طموحات الجميل السياسية. كانت تلك الانتفاضة بداية 'الزمن الجميل' الذي أوصل لبنان إلى يوم الخامس والعشرين من أيار/مايو 2000، ثم إلى تموز/يوليو 2006، وسلسلة من المحطات الوطنية المشرّفة. وفي ذكرى توقيع 'اتفاق الاستسلام'، لا يزال هناك من يحلم بالعودة إلى تلك المرحلة السوداء، لكنّه حلم خبيث لا مكان له في لبنان. فـ'لا مكان للعملاء'.

اتفاق 17 أيار 1983 يدغدغ أوهام الحالمين بالتطبيع مع الاحتلال
اتفاق 17 أيار 1983 يدغدغ أوهام الحالمين بالتطبيع مع الاحتلال

المنار

timeمنذ 4 أيام

  • المنار

اتفاق 17 أيار 1983 يدغدغ أوهام الحالمين بالتطبيع مع الاحتلال

في مثل هذا اليوم من عام 1983، وقّع بعض المسؤولين اللبنانيين اتفاق 17 أيار مع العدو الإسرائيلي، في لحظة سياسية حرجة اعتقد فيها النظام الحاكم حينها أنه قادر على فرض اتفاقية وصفت بالذل والاستسلام، مستنداً إلى الاحتلال الإسرائيلي لجزء كبير من الأراضي اللبنانية، والدعم الأميركي السياسي والعسكري المطلق لتل أبيب. غير أن هذا الاتفاق لم يصمد طويلاً. فسرعان ما قالت المقاومة، الشعبية والعسكرية، كلمتها الفصل: لا للاحتلال، لا للتطبيع، ولا لأي تسوية تُفرض بالإكراه وتُمرّر بالإملاء. وبفعل هذه الإرادة، سقط الاتفاق المشؤوم، وسُجّل في التاريخ كمحطة هزيمة للمشروع الإسرائيلي في لبنان. ورغم مرور أكثر من أربعة عقود، لا تزال بعض الأصوات في لبنان تروّج لنهج الاستسلام، محاولةً إحياء أوهام الالتحاق بركب التطبيع، وتقديم الولايات المتحدة وإسرائيل كقدر لا مفرّ منه، متناسيةً أن تجارب الماضي القريب أثبتت عكس ذلك. لقد أسقطت الإرادة المقاومة والموقف الوطني الصلب اتفاق الذل مع العدو الصهيوني، وكانت شوارع بيروت وأحياؤها، ولا سيما في الضاحية الجنوبية، شاهدةً على المواجهة البطولية التي خاضها أبناء الشعب اللبناني بلحمهم الحيّ وبإمكاناتهم المحدودة، ما أجبر الاحتلال على الانسحاب من العاصمة نحو الجنوب، لتتواصل بعدها مسيرة المقاومة حتى التحرير، ولا تزال مستمرة حتى اليوم. 'اتفاقية 17 أيار'… لا مكان للعملاء في 17 أيار/مايو 1983، كان من المقرّر أن يكون لبنان الدولة العربية الثانية، بعد مصر (التي وقّعت اتفاقية كامب ديفيد في 17 أيلول/سبتمبر 1978)، التي تُبرم اتفاقية تطبيع مع كيان العدو الإسرائيلي. يا للمفارقة! إنه لبنان نفسه، وبعد سبعة عشر عاماً فقط، بات الدولة العربية الوحيدة التي حققت انتصاراً غير مشروط على الاحتلال الإسرائيلي في عام 2000. فماذا جرى بين التاريخين؟ لا شك أن أحداثاً وتحولات كبرى دفعت بلبنان من مرحلة الخنوع والاستسلام، التي عُرفت آنذاك بـ'الزمن الإسرائيلي'، إلى مرحلة الانتصار و'زمن المقاومة'. وبحسب مطّلعين على تلك المرحلة، فإن 'اتفاق 17 أيار كان بمثابة إعادة رسم للميثاق الوطني والدستور اللبناني، إذ شكّل خروجًا شبه رسمي للبنان من الجامعة العربية، وتجاوز في مضمونه اتفاق السلام المصري-الإسرائيلي بكثير'. ورغم أن أركان الدولة حينها، أي رؤساء الجمهورية (أمين الجميل)، والحكومة (شفيق الوزان)، ومجلس النواب (كامل الأسعد)، أقرّوا الاتفاقية وفتحوا الباب أمام مرحلة سياسية واجتماعية وثقافية جديدة للبنان، إلا أن جزءًا واسعًا من البيئة الشعبية أدرك مبكرًا خطورة المسار الذي يُراد فرضه، فأسقط المشروع برمّته. وهي البيئة نفسها التي لم تكتفِ بإسقاط الاتفاق، بل واصلت طريق المقاومة حتى هذه اللحظة، ليصبح لبنان اليوم مصدر التهديد الأكبر لأمن 'إسرائيل' ووجودها. هذا الرفض الشعبي لاتفاق التطبيع عكسه النائب السابق نجاح واكيم، أحد النواب الذين صوّتوا ضد الاتفاق، حين قال إن 'المفاوضات لم تجرِ بين لبنان و(إسرائيل)، بل بين الوفد الإسرائيلي والوفد الأميركي. أما الوفد اللبناني، فكان بعض أعضائه موظفين لدى المخابرات الأميركية، ولم يُعتمد في تشكيله أي تمثيل وطني'. ما يعني أن الوفد لم يكن شرعيًا ولا معبّرًا عن الأطياف اللبنانية كافة، وبالتالي لم يكن يفاوض باسم الشعب اللبناني. وبالفعل، لم ينتظر جزء كبير من اللبنانيين أن يُستفتوا على تغيير هوية وطنهم وموقعه من الصراع العربي الإسرائيلي. فهؤلاء، الذين كانوا يشكّلون نواة المقاومة في وجه الاحتلال الذي وصل في حزيران/يونيو 1982 إلى بيروت، رأوا أن اللحظة لا تحتمل التريث أو التراجع. نزلوا إلى الشارع وصرخوا بـ'لا' مدوية من أجل هوية الوطن وأبنائهم والأجيال المقبلة. فكان ردّ الرئيس أمين الجميل، الذي جاء إلى الحكم خلفًا لشقيقه بشير الجميل (المنتخب بدعم وضغط إسرائيلي وأميركي واغتيل بعد انتخابه بشهر تقريبًا)، أن حاول سحق الاعتراض الشعبي، فحرّك وحدات من الجيش اللبناني لتطويق جامع بئر العبد في الضاحية الجنوبية حيث كانت تخرج المظاهرات، وخلال الاشتباك سقط الشهيد محمد نجدي. لاحقًا، تصاعد الغضب الشعبي واتسعت رقعة المقاومة، خصوصًا بعد تدخل ميليشيات الكتائب واعتدائها على قوى المقاومة، ما فجّر انتفاضة 6 شباط/فبراير التي أدّت إلى إسقاط 'اتفاقية 17 أيار' وإسقاط طموحات الجميل السياسية. كانت تلك الانتفاضة بداية 'الزمن الجميل' الذي أوصل لبنان إلى يوم الخامس والعشرين من أيار/مايو 2000، ثم إلى تموز/يوليو 2006، وسلسلة من المحطات الوطنية المشرّفة. وفي ذكرى توقيع 'اتفاق الاستسلام'، لا يزال هناك من يحلم بالعودة إلى تلك المرحلة السوداء، لكنّه حلم خبيث لا مكان له في لبنان. فـ'لا مكان للعملاء'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store