
خبراء يحذرون: "القانون الكبير الجميل" يكشف هشاشة الاقتصاد في عهد ترامب
دونالد ترامب
الصورة
الرئيس الأميركي دونالد ترامب
ولد دونالد ترامب في 14 حزيران/ يونيو 1946 في مدينة نيويورك، لأبوين من أصول ألمانية واسكتلندية، تلقى تعليمه الأولي في مدرسة كيو فورست بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك. التحق بالأكاديمية العسكرية في المدينة نفسها، وحصل عام 1964 على درجة الشرف منها، ثم انضم إلى جامعة فوردهام بنيويورك لمدة عامين، ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد 1968
أول انتصار حقيقي في ولايته، انتقدت تقارير اقتصادية هذا القانون، مؤكّدة أنه سينسف الاقتصاد الأميركي ويكشف عن خواء ترامب الاقتصادي وفشله.
بداية، أطلقت مجلة "إيكونوميست البريطانية" تحذيراً مهماً حول هذا القانون في تحليل نشرته في 2 يوليو/تموز 2025، مؤكّدة أنه لا يُبشر بأي ازدهار كما يزعم ترامب، بل يهدّد بنسف القواعد التي بُني عليها الاقتصاد الأميركي الحديث، وأوضحت المجلة أن اقتصاد أميركا كان قد تنفّس لتوّه الصعداء بعد موجة ذعر أعقبت فرض ترامب الرسوم الجمركية، فجاء قانون ترامب "الكبير الجميل" ليُعرض اقتصاد أميركا مجدداً لصدمة خطيرة.
وشدّدت على أن الاقتصاد الأميركي في طريقه إلى أزمة انفجار صامتة، إذ تُخفي الإيجابيات الظاهرة هشاشة عميقة في السياسات والبنى المالية، وأكدت المجلة أنه رغم الإيرادات الناتجة عن الرسوم الجمركية، فإنها لا تكفي لوقف تصاعد الدين، ما يعني أن الانزلاق نحو أزمة مالية سيستمر بلا كوابح. وتُشير تقديرات بنك "غولدمان ساكس" إلى أنه في حال تأخرت أميركا في الإصلاح المالي 10 سنوات أخرى، فإنها ستضطر حينها إلى تقليص الإنفاق أو زيادة الضرائب بمعدل 5.5% من
الناتج المحلي
سنوياً، وهو مستوى تقشف يفوق ما شهده الاتحاد الأوروبي في أزمته السيادية خلال عقد 2010.
ونفت المجلة صحة توقعات إدارة ترامب بشأن نسبة نمو 5% خلال السنوات الأربع المقبلة، مؤكّدة أن هذه التوقعات "متفائلة على نحوٍ مضلّل"، فمع ارتفاع أسعار الفائدة إلى 3 أضعاف ما كانت عليه عند التخفيضات السابقة، لن تؤدي الحوافز الضريبية المحدودة الحالية لأي نمو يُذكر، خصوصاً أن كثيراً من الإعفاءات الجديدة مجرد "حيل انتخابية"، مثل إعفاءات على الإكراميات والعمل الإضافي.
وتُشير الأرقام الرسمية إلى أن العجز في
الميزانية الأميركية
بلغ 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر الـ12 الماضية، ومع تطبيق القانون الجديد، من المتوقع أن تستمر هذه النسبة المرتفعة، ليتجاوز الدين الأميركي نسبة 106% من الناتج خلال عامين فقط، وهو ما يعادل أعلى مستوى سُجل بعد الحرب العالمية الثانية، وفق "إيكونوميست". وحذّرت المجلة من أن هجمات ترامب المتكرّرة على الاحتياطي الفيدرالي، وتقليصه لتمويل البحث العلمي، وتهديده لسيادة القانون، كلها عوامل تجعل مناخ الاستثمار في أميركا أكثر تقلباً وخطورة.
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
كيف تؤثر تخفيضات ترامب على قطاع الأعمال الأميركي: الرابحون والخاسرون
كما حذّرت "إيكونوميست" من أنّ إلغاء "القانون الكبير الجميل" للحوافز الضريبية التي أقرها الرئيس السابق جو بايدن لصالح مشاريع الطاقة النظيفة، تحت ذريعة أن هذه الحوافز كانت مشروطة بسياسات حمائية مثل "صُنع في أميركا"، يعني عملياً غياب أي سياسة اتحادية واضحة لتقليل انبعاثات الكربون. وهذا سيزيد من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة ويضرّ بقدرة أميركا على خوض سباق الذكاء الاصطناعي، الذي يعتمد جزئياً على وفرة الكهرباء، وكتبت المجلة: "العودة إلى الوقود الأحفوري ليست فقط قصيرة النظر، بل تُضعف مكانة أميركا المستقبلية في مجالات التقنية والطاقة".
كما انتقدت ميل قانون ترامب إلى تخفيضات ضريبية لفئة المتقاعدين، مقابل خفض تمويل برنامج "ميديكيد"، وهو برنامج التأمين الصحي للفقراء، مؤكّدة أنه يسير في اتجاه معاكس لما تتجه إليه معظم الدول المتقدمة من رفع سن التقاعد لمواجهة شيخوخة السكان. وتوقعت، بحسب التقديرات الرسمية، أن يؤدي ذلك إلى حرمان نحو 12 مليون أميركي من التأمين الصحي، في بلد يُفترض أنه الأغنى عالمياً.
واعتبرت أن شروط العمل المعقدة للحصول على بعض المساعدات، ووصفتها بأنها شروط تمثل متاهة بيروقراطية ولا تحقق نتائج فعلية في رفع نسبة التشغيل. ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته جامعة "كوينيبياك" أواخر يونيو/حزيران الماضي، يعارض 55% من الناخبين الأميركيين مشروع القانون، بينما يؤيده 29%، أما البقية فلم يُدلوا برأيهم.
هل يكون بداية لنهضة اقتصادية؟
في المقابل، زعم الرئيس ترامب أن تمرير القانون يمثل "بداية لنهضة اقتصادية أميركية جديدة"، متعهداً بأن تكون هذه الموازنة بداية لعصر مختلف، إذ يُكافأ العمل، ويُحمى الأمن، وتُستعاد السيادة الاقتصادية لأميركا. وفي خطوة وُصفت بـ"الانتصار التاريخي" لأجندة الحزب الجمهوري، أقرّ الكونغرس الأميركي في 2 يوليو/تموز مشروع قانون "الميزانية الكبرى"، الذي يمثل حجر الأساس في الرؤية الاقتصادية للرئيس دونالد ترامب، والذي وصف بـ "القانون الكبير الجميل"، ووقعه ترامب في 3 يوليو/تموز.
ويتضمن القانون، الذي أُطلق عليه إعلامياً لقب "القانون الكبير الجميل"، حزمة ضخمة من التخفيضات الضريبية، وتقليصات في الإنفاق غير العسكري، إلى جانب زيادات ضخمة في ميزانية الدفاع، وتعديلات جوهرية في سياسات الطاقة والهجرة، ما يعكس بوضوح التحول الجذري في الأولويات الأميركية تحت قيادة ترامب. وجرى تمرير مشروع القانون بأغلبية صوت واحد في مجلس الشيوخ، ثم في مجلس النواب بأغلبية 218 صوتاً مقابل 214 صوتاً، بعدما انضم النائبان الجمهوريان توماس ماسي وبريان فيتزباتريك إلى الديمقراطيين.
34% من الأميركيين سيتضرّرون.
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
الكونغرس يقر مشروع ترامب للضرائب والإنفاق
بدورها، تقول صحيفة ذا غارديان البريطانية إنّ هذا التشريع يحقق ما طالب به المحافظون اليمينيون من تيار ترامب منذ عقود، لكنّها أكدت وجود حالة من القلق بين الجمهوريين من التأثير المحتمل لهذا القانون على انتخابات الكونغرس 2026، واحتمال عدم قدرتهم على الاحتفاظ بأغلبيتهم في مجلسَي الشيوخ والنواب. ونقلت عن ليلين بيغلو، المديرة التنفيذية لمركز جورج تاون للفقر وعدم المساواة، قولها: "سيكون لهذا القانون تأثير هائل على الكثير من الناس في جميع أنحاء هذا البلد"، مؤكدة أن الخبراء يرون أن تداعيات هذه الخطوة ستطاول جميع أنحاء البلاد، وليس الفقراء فحسب.
وحذّرت من أن الأبحاث التي قام بها مركزها أظهرت أن 34% من سكان أميركا سيتأثرون سلباً بمشروع القانون، خاصةً من خلال تخفيضات برنامجي "سناب" و"ميديكيد"، في حين أن أقل من 2% من دافعي الضرائب ينتمون إلى شريحة الدخل التي ستستفيد من معظم الإعفاءات الضريبية، ورغم أن مشروع القانون يخفض الضرائب على الإكراميات والعمل الإضافي وفوائد قروض السيارات، فإنّ هذه الضرائب لن تستمر إلّا حتى عام 2028.
وتوقع روبرت ماندوكا، أستاذ علم الاجتماع في جامعة ميشيغان، أن تُلحق تخفيضات المزايا الاجتماعية ضرراً بقيمة 120 مليار دولار سنوياً بالاقتصادات المحلية. وحذّر من أن الموظفين وأصحاب الأعمال قد يشهدون تراجعاً في استقرار وظائفهم بسبب انخفاض الطلب في اقتصادهم المحلي. من جانبه، يقول الخبير الاستراتيجي الجمهوري كارل روف إنّ حزمة الإنفاق التي أقرها الكونغرس ستؤثر كثيراً على دورة انتخابات التجديد النصفي العام المقبل.
يرفع سقف الدين
وتتضمن بنود القانون السماح بزيادة سقف الدين الوطني بين 4 إلى 5 تريليونات دولار، بهدف تمويل بنود القانون دون تعطيل حكومي، وتخفيف القيود على التنقيب واستخراج النفط والغاز، في مسعى لإعادة هيكلة سوق الطاقة الأميركية. وتقول شبكة "سي بي إس نيوز" إن من شأن هذا التشريع أن يرفع سقف الدين بمقدار 5 تريليونات دولار، متجاوزاً بذلك سقف الـ4 تريليونات دولار المحدد في مشروع القانون الأصلي الذي أقره مجلس النواب، مشيرة إلى أن الكونغرس سيواجه مشكلة تحديد موعد نهائي لمعالجة مسألة سقف الدين في وقت لاحق من هذا الصيف.
وقال المحلل السياسي بجامعة جورج واشنطن "بيتر لوج" لشبكة التلفزيون الألماني (DW) في 4 يوليو/تموز الجاري: "بعض الناس لا يحبون مشروع القانون بسبب التخفيضات في جزء من نظام الرعاية الصحية وشبكة الأمان في الولايات المتحدة، وبعضهم لا يُحبذون هذا التشريع لأنه يُضيف مبلغاً هائلاً إلى الدين الأميركي، ومن ثم فهو مُكلف للغاية".
اقتصاد دولي
التحديثات الحية
سباق على إعفاءات ترامب: دول تسعى إلى خفض الرسوم قبل 9 يوليو
أبرز بنود القانون
أبرز بنود القانون هي؛ تخفيضات ضريبية واسعة، وخفض ضرائب الدخل الفردي بنسب متفاوتة، ورفع الإعفاء الضريبي للأطفال إلى 2500 دولار، ومنح إعفاءات بقيمة 1000 دولار لكل مولود جديد، وإلغاء الضرائب على الإكراميات وأجور العمل الإضافي، وتقديم خصومات ضريبية لشراء السيارات أميركية الصنع، وتطبيق خصم مؤقت لكبار السن (من 2025 حتى 2028) يصل إلى 4000 دولار للفرد بعمر 65 عاماً أو أكثر.
وعلى مستوى الإنفاق غير العسكري، يتضمن القانون تخفيض الإنفاق الفيدرالي بمقدار يصل إلى 1.5 تريليون دولار خلال السنوات القادمة، وتقليص تمويل برامج الرعاية الاجتماعية، بما في ذلك برنامج المساعدات الغذائية (SNAP) وبرنامج "ميديكيد"، وزيادة الإنفاق العسكري عبر تخصيص 150 مليار دولار إضافية لتعزيز ميزانية وزارة الدفاع، وإلغاء حوافز الطاقة النظيفة والإعفاءات الضريبية للسيارات الكهربائية، ما سيضر بحليف ترامب السابق إيلون ماسك، وتقليص أو إلغاء جميع الحوافز المرتبطة بالطاقة المتجدّدة ضمن خطة التحرّر من القيود الخضراء، وتعزيز أمن الحدود والهجرة عبر تخصيص 175 مليار دولار لدعم أمن الحدود، وتمويل الجدار الحدودي، وزيادة موارد الهجرة وترحيل المقيمين غير الشرعيين.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


القدس العربي
منذ 2 ساعات
- القدس العربي
ترامب: الانحياز لسياسات بريكس المناهضة لأمريكا يستدعي فرض رسوم إضافية بنسبة 10%
واشنطن: قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الأحد إن الدول التي تنحاز إلى 'السياسات المعادية للولايات المتحدة' لدول مجموعة البريكس ستفرض عليها رسوم جمركية إضافية بنسبة 10 بالمئة. وأضاف في منشور على موقع تروث سوشيال 'أي دولة تنحاز إلى السياسات المعادية للولايات المتحدة الأمريكية لمجموعة بريكس ستفرض عليها رسوم جمركية إضافية بنسبة 10 بالمئة. لن يكون هناك أي استثناءات لهذه السياسة. شكرا لكم على اهتمامكم بهذا الأمر!'. ولم يوضح ترامب أو يتوسع في الإشارة إلى 'السياسات المعادية للولايات المتحدة' في منشوره. كانت مجموعة بريكس تضم في بدايتها البرازيل وروسيا والهند والصين في أول قمة لها في عام 2009. ثم أضاف التكتل جنوب أفريقيا في وقت لاحق. وفي العام الماضي ضمت المجموعة لعضويتها كل من مصر وإثيوبيا وإندونيسيا وإيران والسعودية والإمارات وإندونيسيا. (رويترز)


العربي الجديد
منذ 3 ساعات
- العربي الجديد
خسراننا في هزيمة إيران
ليس الوقت للكتابة في السياسة، فالظاهر أنه سيحين بعد ما لا نعرفُ من أيامٍ وأسابيع، فقنابل حارقة وأكثر من 125 طائرة حربية، ضرب بها الرئيس ترامب، فجر أمس، ثلاثة مفاعلاتٍ نوويةٍ في الأراضي الإيرانية أعادتنا، جميعاً، إلى عطالةٍ للسياسة مُضافة، سيما أن لقاء جنيف الأوروبي الإيراني يوم الجمعة الماضي لم يكن فيه من السياسة شيء، فقد دلّ على ما لم يكُن في حاجةٍ إلى دليل، اصطفافِهم في باريس ولندن وبرلين (وغيرها) وراء نتنياهو. وسيّما أيضاً أن المنطق الأميركي، وقبل الإسرائيلي ومعه وبعده، اختصر القضيّة كلها، أن المطلوب أمرٌ وحيد، توقيع إيران على اتفاقٍ مكتوبٍ سلفاً، تستسلم فيه لمطلب واشنطن وتل أبيب، "صفر تخصيب يورانيوم". ما يعني، أنه لن يُكتفى بهزيمة الجمهورية الإسلامية، وإنما أيضاً استسلامها تماماً. وكان الاجتهاد في التحليل السياسي أنها أمام هذيْن الخيارين، ولكن المؤشّرات في الأيام العشرة الماضية أفادت بأنها ليست في هذا الوارد، أو ربما تُؤثِر الهزيمة على الاستسلام. ومع تحسّن أدائها عسكريّاً، ونجاحات مسيّراتها في إيذاء إسرائيل جيّداً، وإحداثها مزاجاً في دولة الاحتلال لا يتحمّس للمضي أكثر في الحرب، فإن هزيمة إيران المُرتجاة في واشنطن وتل أبيب قد لا تكون مختتم الحرب غير المعلوم متى ستنتهي، فثمّة وجاهةٌ في القول إنها بدأت فجر أمس، 22 يونيو/ حزيران الجاري، مع القنابل الحرارية الأميركية على مواقع نووية في نطنز وأصفهان وفوردو، وليس فجر يوم الجمعة قبل الماضي، لمّا صحوْنا على الأنباء إياها، والتي جعلتنا نتطيّر من هزيمة إيرانية تقترب. الوقتُ لخبراء في الأسلحة والمقذوفات والصواريخ، لنسمعهم بشأن ما نرى، ولخبراء البيئة والإشعاعات وشؤون اليورانيوم، مخصّباً وغير مخصّب، ليفيدونا بما يُطمئن أو لا يطمئن، وبسبل الوقاية والحيْطة. وقت العارفين، عن حقّ، في السياسة مُرجأ. وليس من اللائق أن تُعطى المساحاتُ في فضاء النقاش والتداول العام لمن يتحدّثون في السياسة كالمنجّمين، أو مثل عادل إمام في إجابته عمّا إذا كان قد شاهد سابقاً المتّهم في القفص أمامه في المحكمة إنه ربما شاهدَه وربما لم يشاهده. ... ولمّا كان هذا هو الحال، أو هو التشخيصُ الممكن، يصبح الأجدى أن ننشغل بالأخلاقيّ الجوهري، أو بالوطنيِّ في مسمّىً أنسب ربما، في ممارستنا نحن العرب السياسة، بمعنى تفتيشنا عن مصالحنا، عن النافع لنا، عن خساراتنا إذا ذهبت خواتيم الحرب إلى هذه النتيجة أو تلك. هنا بالضبط، وبلا لفٍّ ولا دوران، إذا خسرت إيران الحرب، بالمعنى الذي يريده صقور البيت الأبيض ودولة الاحتلال، فذلك يعني أن الجموح الإسرائيلي الذي تُعايَن وحشيته البالغة السفور لن يتوقّف عند أي سقوف، فالعالم العربي مجرّد ملعب مستباح لصاحب القرار الأمني والعسكري والسياسي في تل أبيب. لقد انكشفنا، نحن العرب، في أثناء نكبة الإبادة اليومية الحادثة في ناس غزّة، إلى مدىً أظنّه فاجأ نتنياهو نفسه، ما جعل هذا المجرم يمضي في مُراده بلا حدود، فقد قرّر الإجهاز التام على كل أسباب العيش في غزّة، واختطف أزيد من مليوني فلسطيني هناك رهائن للتمويت والتجويع والتهجير، بلا أي اكتراثٍ بمحكمتي جناياتٍ وعدلٍ دوليتين، وبازدراءٍ لبيانات الغضب في الأمم المتحدة وفي اجتماعاتٍ كلامية بلا عدد، ضَجر من نشطوا فيها في الشهور الأولى، ثم انصرفوا، غير مُحرجين على الأرجح، إلى شؤونهم. ولمّا أفلح في إنهاء قدرات حزب الله، واغتيال زعميه وقياداته وكفاءاته، ولمّا سوند من إدارتي بايدن وترامب بأكثر مما تصوّر، ولمّا انقطع المفاوضون في حركة حماس لانتظار "ضماناتٍ" من اثنيهما، بأن لا تعود الحرب في غزّة إذا توقفت في هدنة، ... لمّا تتالت هذه الوقائع وأخرى غير قليلة، أوضحَت لكل صاحب بصرٍ فداحة البؤس الذي نقيم فيه، نحن العرب، فلن يكون من شأن انتصارٍ تُحرزه الفاشية الإسرائيلية على إيران التي طالما اشتهيْنا أن تكون صديقةً للعرب، عن حقٍّ وحقيق، سوى أن تزيد قيعان هذا البؤس هبوطاً أكثر فأكثر. باختصار، لا نملك في غضون الحرب الإسرائيلية الأميركية، الشرسة والمركبة، على إيران، غير فُرجتنا عليها، ولكننا نملك أيضاً أن نكون مع أنفسنا، أنفسنا وحسب، بأن لا نرجو الهزيمة لإيران، ففي حدوثها، بالكيفيّة التي يشتهونها في واشنطن وتل أبيب، خسرانٌ كثيرٌ لنا، استضعافٌ آخر لنا، من ذئاب جارحةٍ نراها تصنع في غزّة ما نراه.


BBC عربية
منذ 3 ساعات
- BBC عربية
كيف يستخدم ترامب "نظرية الرجل المجنون" لمحاولة تغيير العالم (وينجح بالفعل)؟
عندما سُئل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الشهر الماضي عما إذا كان يخطط للانضمام إلى إسرائيل في مهاجمة إيران، قال: "قد أفعل ذلك. وقد لا أفعل. لا أحد يعلم ما سأفعله". أوحى للعالم بأنه وافق على مهلة لمدة أسبوعين للسماح لإيران باستئناف المفاوضات. ثم قصفها، كما تعلمون. ثمة نمط آخذ في الظهور: أكثر ما يمكن التنبؤ به في ترامب هو عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته، فهو يغير رأيه، ويناقض نفسه، إنه متناقض. يقول بيتر تروبويتز، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد: "لقد بنى ترامب عملية صنع سياسات شديدة المركزية. يمكن القول إنها الأكثر مركزية، على الأقل في مجال السياسة الخارجية، منذ عهد ريتشارد نيكسون". "وهذا يجعل قرارات السياسة أكثر اعتماداً على شخصية ترامب وتفضيلاته ومزاجه". لقد وظّف ترامب هذا الأمر سياسياً؛ لقد جعل من عدم قابليته للتنبؤ رصيداً استراتيجياً وسياسياً أساسياً لنفسه. لقد ارتقى بعدم قابليته للتنبؤ إلى أن باتت مبدأً. والآن، تُوجّه سمات الشخصية التي جلبها إلى البيت الأبيض السياسة الخارجية والأمنية. إنها تُغيّر شكل العالم. يُطلق علماء السياسة على هذه النظرية اسم "نظرية الرجل المجنون"، حيث يسعى زعيم عالمي إلى إقناع خصمه بأنه قادر على فعل أي شيء وفق حالته المزاجية المتقلبة، لانتزاع تنازلات. إذا استُخدمت بنجاح، فقد تُصبح شكلاً من أشكال الإكراه، ويعتقد ترامب أنها تُؤتي ثمارها، إذ تضع حلفاء الولايات المتحدة في المكان الذي يريده. ولكن هل هذا نهج يُمكن أن يُجدي نفعاً ضد الأعداء؟ وهل يمكن أن يكون العيب في هذا الأسلوب أنه ليس مجرد خدعة مصممة لخداع الخصوم، بل هو في الواقع مبني على سمات شخصية راسخة وموثقة بوضوح، مما يجعل من السهل التنبؤ بسلوكه؟ هجمات وإهانات وتفاهمات بدأ ترامب رئاسته الثانية بالانفتاح على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومهاجمة حلفاء أمريكا. أهان كندا بقوله إنها يجب أن تصبح الولاية الحادية والخمسين للولايات المتحدة. وقال إنه مستعد للنظر في استخدام القوة العسكرية لضم غرينلاند، وهو إقليم يتمتع بالحكم الذاتي تابع لحليفة أمريكا، الدنمارك. وأضاف أن على الولايات المتحدة استعادة ملكية قناة بنما والسيطرة عليها. تُلزم المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي (ناتو) كل عضو بالدفاع عن جميع الأعضاء الآخرين. وقد أثار ترامب شكوكاً حول التزام أمريكا بذلك. وصرح بن والاس، وزير الدفاع البريطاني السابق، قائلاً: "أعتقد أن المادة الخامسة على وشك الانهيار". وقال المدعي العام المحافظ دومينيك غريف: "في الوقت الحالي، انتهى التحالف عبر الأطلسي". كشفت سلسلة من الرسائل النصية المسربة عن ثقافة الازدراء السائدة في البيت الأبيض بقيادة ترامب تجاه الحلفاء الأوروبيين. وقال وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، لزملائه (في إدارة ترامب): "أشارككم تماماً كراهيتكم للمستغلين الأوروبيين"، مضيفاً: "هذا مثير للشفقة". في ميونيخ، في وقت سابق من هذا العام، صرّح نائب الرئيس ترامب، جيه دي فانس، بأن الولايات المتحدة لن تكون بعد الآن ضامنة للأمن الأوروبي. بدا أن هذا يُطوي صفحة 80 عاماً من التضامن عبر الأطلسي. يقول البروفيسور تروبويتز: "ما فعله ترامب هو إثارة شكوك وتساؤلات جدية حول مصداقية التزامات أمريكا الدولية". "مهما كانت التفاهمات التي تربط تلك البلدان (في أوروبا) مع الولايات المتحدة، فيما يتعلق بالأمن أو الاقتصاد أو غير ذلك من المسائل، فإنها أصبحت الآن موضع تفاوض في أي لحظة". "أشعر أن معظم من يُحيطون بترامب يعتقدون أن عدم القدرة على التنبؤ (بسلوكه) أمر جيد، لأنه يسمح لدونالد ترامب باستغلال نفوذ أمريكا لتحقيق أقصى مكاسب..." "هذا أحد الدروس التي استخلصها من التفاوض في عالم العقارات". لقد أتى نهج ترامب بثماره. فقبل أربعة أشهر فقط، صرّح رئيس الوزراء البريطاني السير، كير ستارمر، أمام مجلس العموم بأن بريطانيا ستزيد إنفاقها الدفاعي والأمني من 2.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.5 في المئة. في الشهر الماضي، خلال قمة لحلف الناتو، ارتفعت هذه النسبة إلى 5 في المئة، وهي زيادة هائلة، تُضاهيها الآن جميع الدول الأعضاء الأخرى في الحلف. إمكانية التنبؤ بعدم القدرة على التنبؤ ليس ترامب أول رئيس أمريكي يتبنى مبدأ عدم القدرة على التنبؤ. ففي عام 1968، عندما كان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون يحاول إنهاء حرب فيتنام، وجد عدوه (فيتنام الشمالية) عنيداً. يقول مايكل ديش، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة نوتردام: "في مرحلة ما، قال نيكسون لمستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر: 'عليك أن تُخبر المفاوضين الفيتناميين الشماليين بأن نيكسون مجنون، وأنك لا تعرف ما الذي سيفعله، لذا من الأفضل أن يتوصلوا إلى اتفاق قبل أن تتفاقم الأمور'". ويضيف: "هذه هي نظرية الرجل المجنون". تتفق جولي نورمان، أستاذة العلوم السياسية في كلية لندن الجامعية، على وجود مبدأ عدم القدرة على التنبؤ. وتُجادل قائلةً: "من الصعب جداَ معرفة ما سيحدث بين يوم وآخر. وهذا هو نهج ترامب دائماً". نجح ترامب في استغلال سمعته كرجل متقلب المزاج لتغيير العلاقة الدفاعية عبر الأطلسي. ويبدو أن بعض القادة الأوروبيين، للحفاظ على دعم ترامب، قد أثنوا عليه وتملقوه. كانت قمة الناتو الشهر الماضي في لاهاي بمثابة تمرين على التودد المذل. وكان الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، قد أرسل في وقت سابق رسالة نصية إلى الرئيس ترامب أو "عزيزي دونالد"، كما سربها ترامب. وكتب: "تهانينا، وشكراً لك على عملكم الحاسم في إيران، لقد كان استثنائياً حقاً". حول الإعلان المرتقب عن موافقة جميع أعضاء الناتو على زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، تابع قائلاً: "ستحققون شيئاً لم يستطع أي رئيس (أمريكي) تحقيقه لعقود". وقال أنتوني سكاراموتشي، الذي شغل سابقاً منصب مدير الاتصالات في إدارة ترامب في ولايته الأولى: "السيد روته، إنه يحاول إحراجك يا سيدي. إنه يجلس حرفياً على متن طائرة الرئاسة (الأمريكية) ويضحك عليك". وقد يكون هذا هو نقطة الضعف في جوهر مبدأ ترامب "عدم القدرة على التنبؤ": فقد تكون أفعالهم مبنية على فكرة أن ترامب يتوق إلى الإطراء، أو أنه يسعى إلى تحقيق مكاسب قصيرة الأجل، مفضلاً إياها على العمليات الطويلة والمعقدة. إذا كان هذا هو الحال وكان افتراضهم صحيحاً، فإن ذلك يحد من قدرة ترامب على ممارسة الحيل لخداع خصومه - بل إنه يمتلك سمات شخصية راسخة وموثقة بوضوح أصبحوا على دراية بها. الخصوم لا يتأثرون بالسحر والتهديدات ثم هناك سؤالٌ، حول ما إذا كان مبدأ عدم القدرة على التنبؤ أو نظرية الرجل المجنون سينجحان مع الخصوم. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الحليف الذي تعرض لتوبيخ شديد من ترامب وفانس في المكتب البيضاوي، وافق لاحقاً على منح الولايات المتحدة حقوقاً مربحة لاستغلال الموارد المعدنية الأوكرانية. من ناحية أخرى، يبدو أن فلاديمير بوتين لا يزال غير متأثر بسحر ترامب وتهديداته على حد سواء. يوم الخميس، عقب مكالمة هاتفية، قال ترامب إنه "يشعر بخيبة أمل" لعدم استعداد بوتين لإنهاء الحرب ضد أوكرانيا. وماذا عن إيران؟ وعد ترامب قاعدته الشعبية بأنه سينهي التدخل الأمريكي في "حروب الشرق الأوسط التي لا تنتهي". ولعل قراره بضرب المنشآت النووية الإيرانية كان الخيار السياسي الأكثر تقلباً في ولايته الثانية حتى الآن. والسؤال هو: هل سيحقق هذا القرار التأثير المنشود؟ يرى وزير الخارجية البريطاني الأسبق، ويليام هيغ، أن ذلك سيؤدي إلى عكس المنشود تماماً: "سيزيد، ولا يقلل، من احتمال سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية". ويتفق البروفيسور مايكل ديش، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة نوتردام، مع هذا الرأي. يقول: "أعتقد أنه من المرجح جداً الآن أن تتخذ إيران قراراً بالسعي لامتلاك سلاح نووي. لذا لن أتفاجأ إذا ما التزموا الصمت وبذلوا قصارى جهدهم لإكمال دورة الوقود النووي الكاملة وإجراء تجربة نووية". "أعتقد أن درس صدام حسين ومعمر القذافي لم يغب عن بال الطغاة الآخرين، الذين يواجهون الولايات المتحدة، واحتمال تغيير أنظمتهم..." "لذا سيشعر الإيرانيون بشدة بالحاجة إلى رادع نهائي، وسينظرون إلى صدام والقذافي كمثالين سلبيين، وكيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية، كمثال إيجابي". ومن السيناريوهات المحتملة تماسك الجمهورية الإسلامية، وفقا لـ محسن ميلاني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جنوب فلوريدا ومؤلف كتاب "صعود إيران وتنافسها مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط". ويقول: "في عام 1980، عندما هاجم صدام حسين إيران، كان هدفه انهيار الجمهورية الإسلامية. ما حدث هو العكس تماماً". "كانت هذه هي الحسابات الإسرائيلية والأمريكية أيضاً... إذا تخلصنا من كبار القادة، فستستسلم إيران بسرعة أو سينهار النظام بأكمله". فقدان الثقة في المفاوضات؟ بالنظر إلى المستقبل، قد لا تُجدي عدم القدرة على التنبؤ نفعاً مع الخصوم، ولكن من غير الواضح ما إذا كان من الممكن الحفاظ على التحولات الأخيرة التي أحدثتها بين الحلفاء. وإن كانت هذه العملية ممكنة، إلا أنها مبنية إلى حد كبير على الاندفاع. وقد يكون هناك قلق من أن يُنظر إلى الولايات المتحدة كوسيط غير موثوق. تقول البروفيسور جولي نورمان: "لن يرغب الناس في التعامل مع الولايات المتحدة إذا لم يثقوا بها في المفاوضات، وإذا لم يكونوا متأكدين من أنها ستدعمهم في قضايا الدفاع والأمن". "لذا، أعتقد أن العزلة التي يسعى إليها الكثيرون في عالم ماغا - حركة ماغا (لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً) المؤيدة لترامب - ستأتي بنتائج عكسية". قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس، على سبيل المثال، إن أوروبا بحاجة الآن إلى أن تصبح مستقلة عملياً عن الولايات المتحدة. يقول البروفيسور تروبويتز: "تكمن أهمية تعليق المستشار الألماني في أنه إدراكٌ لتغير الأولويات الاستراتيجية الأمريكية. لن تعود هذه الأولويات إلى ما كانت عليه قبل تولي ترامب منصبه". "لذا، نعم، سيتعين على أوروبا أن تصبح أكثر استقلالية عملياً". يجادل البروفيسور ديش بأن هذا سيتطلب من الدول الأوروبية تطوير صناعة دفاع أوروبية أكبر بكثير، للحصول على معدات وقدرات لا تمتلكها حالياً سوى الولايات المتحدة. على سبيل المثال، يمتلك الأوروبيون بعض القدرات الاستخباراتية العالمية المتطورة، كما يقول، لكن الولايات المتحدة تزودهم بالكثير منها. ويتابع: "إذا اضطرت أوروبا إلى الاعتماد على نفسها، فستحتاج أيضاً إلى زيادة كبيرة في قدرتها على إنتاج الأسلحة بشكل مستقل. ستكون القوى العاملة أيضاً مشكلة. سيتعين على أوروبا الغربية أن تنظر إلى بولندا لمعرفة مستوى القوى العاملة التي ستحتاجها". سيستغرق بناء كل ذلك سنوات. فهل دفع عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب الأوروبيين، حقاً، إلى إجراء أكبر تغيير جذري في البنية الأمنية للعالم الغربي منذ نهاية الحرب الباردة؟ يقول البروفيسور تروبويتز: "لقد ساهم ذلك في الأمر بالفعل. لكن الأهم من ذلك، أن ترامب قد كشف النقاب عن أمرٍ ما... لقد تغيرت السياسة في الولايات المتحدة. تغيرت الأولويات. بالنسبة لتحالف ماغا، تُمثل الصين مشكلة أكبر من روسيا. ربما لا ينطبق هذا على الأوروبيين". ووفقاً للبروفيسور ميلاني، يحاول ترامب ترسيخ النفوذ الأمريكي في النظام العالمي. "من المستبعد جداً أن يُغير النظام الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية. إنه يريد ترسيخ مكانة أمريكا فيه، لأن الصين باتت تُشكل تحدياً لها". لكن كل هذا يعني أن ضرورات الدفاع والأمن التي تواجهها الولايات المتحدة وأوروبا متباينة. قد يكون الحلفاء الأوروبيون راضين عن أنهم، من خلال الإطراء والتحولات السياسية الحقيقية، قد حافظوا على ترامب في صفهم بشكل عام، لقد أعاد، في نهاية المطاف، تأكيد التزامه بالمادة الخامسة في أحدث قمة لحلف الناتو. لكن عدم القدرة على التنبؤ يعني استحالة ضمان ذلك - ويبدو أنهم قد تقبلوا أنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على الولايات المتحدة، للوفاء بالتزامها التاريخي بالدفاع عنهم. وبهذا المعنى، حتى لو كانت عقيدة - عدم القدرة على التنبؤ - نابعة من مزيج من الاختيار الواعي وسمات شخصية ترامب الحقيقية، فإنها تُجدي نفعاً، على الأقل، على الأقل مع البعض.