logo
واقع إنساني أليم في أفريقيا بعد وقف ترمب للمساعدات

واقع إنساني أليم في أفريقيا بعد وقف ترمب للمساعدات

Independent عربية٢٠-٠٤-٢٠٢٥

تستند هادجا بألم إلى جدار كوخها ذي الغرفة الواحدة، وتقلق الوالدة لثلاثة أطفال في شأن من سيعتني بأطفالها في حال وفاتها.
أصيبت الشابة ذات الـ27 سنة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسب الذي نقله لها زوجها بلا علم منها، قبل أن تحمل في قريتها في جنوب أوغندا. منذ اتخاذ الولايات المتحدة قرارها المدمر [البالغ السوء] بوقف برامج مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية حول العالم خلال يناير (كانون الثاني) الماضي حين قطعت عنها التمويل، تعاني السيدة صعوبات كبيرة للحصول على الأدوية الكفيلة بإنقاذ حياتها، وهي الأدوية الضرورية لمنع انتقال الفيروس إلى جنينها.
وتقول "عندما تذهب إلى المستشفى الحكومي لا يعطونك الدواء. في بعض الأيام، نقصد المستشفيات ولا يكون فيها أطباء، وأيام أخرى، لا يتوافر فيها أي دواء"، وتشرح أنها تجني 1.5 جنيه [استرليني] يومياً من صناعة وبيع الفطائر، وهذا المبلغ غير كاف أبداً كي تدفع ثمن مضادات الفيروسات القهقرية وحدها.
"حياتنا متوقفة على الدواء، وغيابه يقصر عمرنا. إن توفيت فسيعاني أطفالي".
تحقق هذا السيناريو الأسوأ بالفعل في القرية المجاورة مع جيمس الخمسيني، الأب لأربعة أولاد، والمصاب بدوره بفيروس نقص المناعة البشرية. يستلقي الرجل على فراش مد على الأرض فيما ينهش الألم جسده، وتنظر إليه ابنة أخيه بياتريس نظرة عجز. إن السيدة وابنتها المراهقة مصابتان أيضاً بالفيروس. ولم يتمكن أي منهم من الحصول على الدواء منذ أكثر من شهر ونصف الشهر.
في غياب مضادات الفيروسات القهقرية، بدأ جسم جيمس النحيل بالتوقف عن العمل، فيما يعاني الرجل من التهابات متتالية. وتعرف بياتريس أن دورها ودور ابنتها البالغة من العمر 14 سنة قد يأتي لا محالة بعده.
وتقول هامسة "أقلق لأن الأعراض بدأت تظهر على ابنتي، فهي تشعر بحكة في جسمها وتفقد بصرها أحياناً. أخشى مما قد يحدث وابنتي تشعر بالمثل. وتستمر بسؤالي 'كيف سننجو يا أمي؟'".

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في خطوة صادمة قام بها خلال الأيام الأولى لرئاسته، وقع دونالد ترمب على أمر تنفيذي جمد بموجبه كل المساعدات الخارجية تقريباً لمدة 90 يوماً، بالتوازي مع إطلاق مراجعة للبرامج الإغاثية بغية التأكد من تماشيها مع "المصالح الأميركية".
وقد حتم ذلك وقف التمويل عن خطة الطوارئ المعنية بإغاثة المصابين بالإيدز (PEPFAR) التي كان أول من أطلقها رئيس جمهوري آخر هو جورج بوش الابن عام 2003، وتعد على نطاق واسع إحدى أنجح المبادرات في مجال الاستجابة لأزمة صحية عالمية إذ أنقذت عشرات ملايين الأرواح.
وشملت الخطوات التي اتخذها ترمب قراراً بوقف العمل وتجميداً لتمويل المشاريع الراهنة والمستقبلية، فاختل مسار توزيع الدواء، كما العلاج، مما أثر في حياة 20 مليون شخص حول العالم.
وعلى رغم الإعفاء [الاستثناء] الذي أعلنه لاحقاً وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو على بعض الخدمات المنقذة للأرواح التي سمح بالاستمرار بتقديمها، ليس من الواضح إن كان ذلك القرار قيد التطبيق على أرض الواقع، ولا كيف يطبق.
وتقول نائب المدير التنفيذي في برنامج الأمم المتحدة المعني بالإيدز (UNAIDS) أنجيلي أشريكار إن جزءاً من التحدي هو أن القسم الأكبر من مهمة جمع البيانات والمراقبة وتطبيق البرامج -أو "بيئة تقديم الخدمات" كما تسميها- يمول من هيئة "بيبفار" PEPFAR وبات الآن معلقاً.
بالتالي، أرجعت نحو 35 ألف حالة وفاة حسب التقديرات بالفعل إلى عمليات التعليق الشاملة، وفق حسابات أداة رصد الآثار التابعة لـPEPFAR.
وفي الواقع، تقول أشريكار إن العالم كان متجهاً حقاً نحو وضع حد لوباء إيدز عالمي بحلول عام 2030 لكن ذلك سيصبح "مستحيلاً" إن استمر اقتطاع التمويل والاختلال الحالي.وفقاً لتحليل اندبندنت الخاص لبيانات برنامج الأمم المتحدة المعني بالإيدز، إن لم يستأنف التمويل وبقيت الأمور على حالها، سيرتفع عدد الوفيات جراء الإصابة بالإيدز إلى 4 ملايين شخص بحلول نهاية العقد الحالي، ويبلغ مستويات الوفيات المدمرة خلال تسعينيات القرن الماضي ومطلع القرن الحالي.
في الوقت نفسه، من المتوقع أن تسجل 6 ملايين إصابة جديدة بما فيها مليون إصابة في أوساط الأطفال بسبب انتقال الفيروس من الأم إلى الجنين، وهو أكثر ما تخشاه هادجا.
وتضيف أشريكار عابسة [الاستياء باد عليها] "نتكلم عن 2300 إصابة إضافية كل يوم. ليس من الممكن أبداً أن نتخلص من الإيدز في ظل استمرار هذا الرقم. إزاء هذه الأعداد من الإصابات الجديدة، لا يمكننا أن نوقف التمويل".
حاولت "اندبندنت" الاتصال بوزارة الخارجية الأميركية طلباً لتعليقها، من دون جواب حتى الآن.
وفي زيمبابوي وأوغندا، البلدين الذين تمول فيهما مبادرة "بيبفار" 60 و70 في المئة تباعاً في أقل تقدير من الإنفاق الوطني في مجال مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية، يقول العاملون في القطاع الصحي والمرضى إن الإمدادات تنقص والعيادات نقفل أبوابها والمستشفيات الحكومية ترغم على عدم استقبال المرضى، والناس يتوفون.
وفي الواقع، تفيد تقديرات برنامج الأمم المتحدة المعني بالإيدز بأنه في حال توقف الدعم الذي تقدمه PEPFAR دون وجود بديل عنه، قد يتضاعف عدد الوفيات جراء فيروس نقص المناعة البشرية خمس مرات، فيما تتضاعف أعداد الإصابات الجديدة أربع مرات تقريباً بحلول عام 2030.
وأكثر من يخشى عليهم هم الفئات المعرضة للتأثر والخطر، ومنهم العاملون في مجال الجنس مثل روز، 36 سنة، الأم لخمسة أطفال في جنجا، جنوب أوغندا.
أصيبت روز بفيروس نقص المناعة البشرية الذي التقطته من زوجها المعنِّف الذي كان يغتصبها دورياً. وتوفي الرجل لاحقاً من المرض، وأرغمت الوالدة العزباء المفلسة على العمل بالدعارة لتأمين قوت العائلة.
كانت تعتمد على مضادات الفيروسات القهقرية التي تعطيها إياها العيادات الحكومية والمنظمات الخيرية، وهي لا تحمي حياتها فحسب بل تحول دون نقل الفيروس إلى المرضى. ومنذ قطعت الولايات المتحدة المساعدات الخارجية، تقول إنها تعاني مشكلات كبيرة كي تحصل على الدواء، ورفضت المستشفيات استقبالها.
ولأنها لا تجني أكثر من ستة جنيهات يومياً من العمل في الدعارة، لا يمكنها أن تدفع مبلغ 56 جنيهاً شهرياً مقابل شراء الدواء من الصيدلية، وفق قولها.
وتقول "لا أجني أكثر من 'بضع جنيهات يومياً' أضطر لتخصيصها للأطفال، من نفقات مدرسية وبدل إيجار المنزل والطعام. وبعض الأيام، لا أوفق حتى بزبون واحد، وأضطر إلى سحب قروض"، وتكشف عن ذراعيها اللتين امتلأتا بالتقرحات والكدمات وغيرها من العلامات، وهي مؤشرات لا لبس فيها على وجود التهاب.
"ولذا لا أتناول الدواء، لأنني لا أملك مالاً كافياً من أجل شرائه. وبعض الأيام، نكتفي بطعام الغداء ولا نتعشى. وجبة واحدة يومياً لا غير".
وهي تخشى نقل الفيروس إلى زبائنها الذين يرفض عدد كبير منهم أن يضع واقياً ذكرياً.
"تواجهنا أخطار كبيرة في هذا العمل. ونحن نتوسل عودة التمويل الأميركي".
وتنعكس هذه الفوضى في العيادات. في عيادة مركز الأمل للأسرة في جنجا المجاورة، يقول العاملون في الرعاية الصحية إن تمويلهم كاملاً -الذي يشمل حتى بدلات الإيجار وفواتير المياه والكهرباء- يسدد من التمويل الحكومي الأميركي. وخلال يناير الماضي، اضطر المركز إلى إغلاق أبوابه لمدة شهر أو أكثر، ورفض استقبال ما يزيد على 5 آلاف مريض.
ونظراً إلى الحاجة العارمة له، أعاد فتح أبوابه، فيما تقلص عدد العاملين فيه من 37 شخصاً إلى تسعة فحسب، جميعهم من المتطوعين من دون مقابل. لا يزال المستقبل غير واضح المعالم، كان من المفترض أن ينتهي إيجار مبنى العيادة في يوم زيارة "اندبندنت"، فيما كان مخزون الأدوية في المركز لا يكفي سوى شهرين.
ويقول مدير العيادة الدكتور دانييل وامبوزي الذي يتبرع اليوم بخدماته كمتطوع، إن دواعي القلق المباشرة تشمل تطور سلالات جديدة من فيروس نقص المناعة البشرية، مقاومة للمضادات الحيوية بسبب الفجوة في تقديم العلاج.
ويحذر الدكتور وامبوزي "إن لم يتغير هذا الوضع، ستظهر سلالات مقاومة للأدوية. وستعود الحال إلى ما كانت عليه منذ 10 أعوام. وسترتفع معدلات انتقال الفيروس. وسترتفع معدلات الوفيات. وسيطاح كل التقدم الذي أحرزناه".
ويخشى متخصصو الأوبئة من احتمال تضاعف عدد مرضى فيروس نقص المناعة الذي يطورون مقاومة على مضادات الفيروسات القهقرية خلال الأعوام المقبلة، في حال استمرار هذه الاختلالات وارتفاع أعداد الإصابات.
وهذا من الأمور التي تقض مضجع لورانس، وعمره 19 سنة، المصاب بالفيروس منذ الولادة، والذي انتابه الذعر عندما وصل إلى العيادة في يناير ووجد الأبواب موصدة.
ويقول المراهق الذي أمل في أن يصبح طبيباً خلال يوم من الأيام ويعالج شخصياً مرضى فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز إنه"أردت أن أغرق نفسي. شعرت أنني لن أتمكن من الحصول على دوائي من أي مكان آخر".
يخشى الشاب أن يؤدي أي انقطاع آخر في علاجه إلى مقاومة المرض للدواء، مما يعني أنه قد يحتاج إلى بدائل أغلى ثمناً.
وهو يعالج حالياً بمضادات فيروسات قهقرية من المستوى الأول، تكلف وفقاً لبرنامج برنامج الأمم المتحدة المعني بالإيدز UNAIDS، 64 دولاراً بالمعدل (نحو 48 جنيهاً استرلينياً) سنوياً للشخص الواحد في الدول ذات الدخل المنخفض. لكن قد يحتاج أي شخص يصاب بسلالات من الفيروس مقاومة لعدد من الأدوية إلى علاجات من المستوى الثاني أو الثالث، تكلف 405 دولارات سنوياً في الأقل، أي بزيادة ستة أضعاف تقريباً.
ويضيف لورانس "إن نقص التمويل يعني نقص الدواء، مما يعني انعدام المستقبل".
ومن الأخطار الأخرى للموضوع، العودة إلى الأيام المظلمة التي شهدت وفيات بالجملة وارتفاعاً كبيراً في أعداد الأطفال الذين يتمهم وباء سدد أشد ضرباته مجدداً إلى أفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى.
ويفيد برنامج UNAIDS أنه في حال عدم الاستمرار ببرامج PEPFAR، سيفقد 3.4 مليون طفل إضافي أحد آبائهم لأسباب متعلقة بالإيدز.
وفي شرق زيمبابوي، حل هذا الواقع بالفعل. وتقوم بروميس ماساوي البالغة من العمر 36 سنة، وهي متطوعة في القطاع الصحي تهتم بالأسر في أوساط مزارعين، برعاية طفلين توفي والداهما من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز خلال الأشهر الماضية.
وتقول فيما تواسي هاردلايف البالغ من العمر 15 سنة، الذي توفي والداه خلال فبراير (شباط) الماضي بعد أن عجزا عن الحصول على الدواء، "إن الأمر لا يطاق لأننا لا نملك الإمكانات المادية المناسبة لضمان نجاة هؤلاء الأطفال".
وتضيف أن معظم الأشخاص في هذا المجتمع الزراعي مصابون بالفيروس، لكن فرص العلاج نادرة.
وتتابع بقولها "مع الأسف، لا تتوافر المنشآت التي تساعد في السيطرة على عدد الإصابات أو الحد منها، ومع ذلك لا يتوافر الدواء".
ومن جهته، يخبرنا هاردلايف أن والده توفي أولاً، وحينها أخذت والدته تستميت في البحث عن أدوية مع تدهور حالتها الصحية وظهور التقرحات على جسدها وتساقط شعرها.
ويقول بصوت هادئ "كانت تجد كمية ضئيلة من الدواء، أو لا تجده أبداً أحياناً".
"آلمني واقع الحال جداً، فأنا ولدها الوحيد الذي كان بجوارها عندما مرضت، ولذلك كان علي أن أساعدها كي تبقى على قيد الحياة. لكن ذلك لم يحصل".
ويقول هاردلايف -الذي يتكلم بنضج يفوق سنواته الـ15- إنه يريد أن يصبح طياراً و"يسافر إلى أوروبا" حيث الفرص والرعاية الصحية الأفضل.
وهو يعيش اليوم مع جدته، حيث تواظب بروميس على تفقد أحواله. ويضيف "إنه أمر مؤلم. لكن علينا أن نتقبل أنه أصبح جزءاً من الحياة الآن".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مشاعر الندم التي باح بها مرضاي خلال أيامهم الأخيرة ستفاجئكم
مشاعر الندم التي باح بها مرضاي خلال أيامهم الأخيرة ستفاجئكم

Independent عربية

timeمنذ يوم واحد

  • Independent عربية

مشاعر الندم التي باح بها مرضاي خلال أيامهم الأخيرة ستفاجئكم

يغمرني شغف عميق تجاه الرعاية الصحية التلطيفية ومساعدة المرضى في غمرة أيامهم الأخيرة على الرحيل عن هذه الدنيا "بسلام وسكينة"، في عبور هادئ وكريم يليق بكرامة الإنسان. ولكن من المهم أن نفهم أن الرعاية التلطيفية لا تتمحور حول الموت نفسه فحسب. جزء رئيس من عملي يتركز على أناس في نهاية مشوارهم الأرضي، واستقيت منهم على مدى الأعوام الستة الماضية، دروساً ثمينة حول الحياة، وكل ما يستحق أن نعيش أيامنا من أجله. أعمل مع أشخاص من مختلف الأعمار، من سن الـ18 فما فوق، يكابدون أمراضاً متنوعة، من بينها السرطان وقصور القلب و"باركنسون" وداء "العصبون الحركي" [يصيب الخلايا العصبية المسؤولة عن التحكم في العضلات]. وعلى رغم تفاوت حالاتهم وأعمارهم وتجاربهم الحياتية، يتشارك كثير منهم الرؤى العميقة عينها التي تتكشف في أعماقهم مع اقتراب لحظات الوداع. في غالب الأحيان، يتحسر هؤلاء على وقت ضاع هباء وأيام انسلت من بين أيديهم بلا معنى. ويستعيدون شريط الماضي ويعتصرهم الندم لأنهم لم يمنحوا الأولويات الحقيقية ما تستحق، ولم يحتضنوا اللحظات بعفويتها وقيمتها العابرة. نحيا في مجتمع يركض فيه الجميع بلا هوادة، ونثقل كاهلنا بضغوط كبيرة طامحين إلى تحقيق إنجازات عظيمة، فيما يضيع منا بهدوء المعنى الحقيقي للحياة. وحينما تقترب الرحلة من خواتيمها، يتأمل الناس غالباً حياتهم التي مضت ليكتشفوا أن ما يستحق التوقف من أجله ليس الإنجازات الكبيرة، بل تلك اللحظات الصغيرة التي مرت بهدوء، كنزهة في الهواء الطلق، أو تمشية مع الكلب، أو حديث دافئ مع صديق. وفي هذه المرحلة، يدركون كم كانت تلك الأوقات عظيمة بتفاصيلها. وأنا بدوري، أيقنت كم ثمين أن أكون حاضرة في حياة أطفالي فيما يكبرون. لذا، لا تفوتوا يوم الرياضة، ولا عرض المسرحية المدرسية، إن استطعتم. مرضاي يذكرونني دائماً بأن الزمن لا يعود، وأن اللحظة التي تضيع، تضيع إلى الأبد. وعلى فراش الموت، يندمون أشد الندم أيضاً على الانشغال بالخلافات. على حين غرة، تبدو تلك المشاحنات التافهة أو الضغائن التي حملوها طوال أعوام بلا معنى، وكأنها لم تكُن تستحق ذلك العناء كله. وعموماً، يتوق الناس إلى المصالحة عندما تقترب النهاية. ويتكرر المشهد أمامي مراراً. أفراد من العائلة وأصدقاء غابوا دهراً، يستجيبون ويعودون لزيارة المريض، قبل أن يخونهم الوقت. في المحطة الأخيرة، ترى الحياة من منظور مختلف، فتكتشف لماذا تصدعت العلاقات وأين غابت الكلمات الطيبة. ويتأمل المرضى جراحهم القديمة ويتساءلون بصدق "هل كان يسعني أن أتصرف بصورة مختلفة"، أو "لماذا تفوهت بذلك الكلام حينها؟". أحد لا يريد أن يودع الحياة مثقلاً بالندم. تجتاحك مشاعر كثيرة عندما ترى أشخاصاً عادوا أخيراً بعد طول قطيعة، وغالباً ما تكون تلك اللقاءات مشحونة بالحنين لكل من حضرها وشارك فيها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) والمثير للاهتمام أنني لم أرَ إلا قلة من الناس شعروا بالندم على قرارات تضر بصحتهم، إنما استمتعوا بها، مثل شرب الكحول أو التدخين. ومع ذلك، سمعت كثراً منهم يتمنون لو أنهم ذهبوا إلى طبيبهم عندما ظهرت عليهم الأعراض الأولى للمرض. ويقولون غالباً: "ليتني استشرت طبيبي العام"، أو "ليتني أجريت فحص مسحة عنق الرحم عندما طُلب مني". من السهل جداً إرجاء الأمور. ويرغب المرضى غالباً في الحديث عن حياتهم العاطفية. زواجهم وأطفالهم وعائلاتهم وأصدقاؤهم... ففي لحظات النهاية، يكون هؤلاء محور الاهتمام، وكل ما سواهم يبدو بلا قيمة. من الرائع حقاً أن تسمع قصص حيوات الناس بكل تفاصيلها. أحياناً، يعودون بالذاكرة لأحداث مضت قبل أكثر من 70 عاماً، مثل تلك اللحظات السحرية التي جمعتهم بأزواجهم أو زوجاتهم. ودائماً ما ترسم هذه القصص البسمة على وجوههم لأنها تعيدهم لأوقات فاضت فرحاً وحباً. وفي المقابل، يقول بعضهم: "لقد انفصلت. ليتني تزوجت حبيبة طفولتي، لكان كل شيء مختلفاً...". وكثيراً ما نسمع أشخاصاً يتمنون لو أنهم تزوجوا حبهم الأول. لم يقُل لي أحد قط أنه يتمنى لو أمضى وقتاً أطول في المكتب أو العمل. ولحسن الحظ، لم يعترف أحد أبداً بارتكاب جريمة. صراحة، لست متأكدة إن كنت أرغب في معرفة ذلك. أن تكوني ممرضة في الرعاية التلطيفية يعني أن تتحلي بصبر كبير. فكثير من المواقف تتسم بالصعوبة أو التعقيد، وتتطلب مرونة وحذراً في التعامل معها، إذ تكون مجبولة بالمشاعر المرهفة والحزن العميق، وعلينا أيضاً أن نمتلك مهارات استماع ممتازة، فقد يروي لنا المرضى أو عائلاتهم قصصاً لم يرغبوا في التحدث عنها سابقاً. ويفتح لنا هؤلاء أبواب مشاعرهم على مصراعيها، وهو شرف عظيم لنا. أحياناً، يشعر المرضى بغضب شديد، لعلمهم أنهم سيغادرون هذه الدنيا قريباً، ويشعرون بأن الأيام حرمتهم من إنجازات حياتية مهمة كإنجاب الأطفال، أو الاستمتاع بأمور كانوا يتخيلون أنها ستكون جزءاً من حياتهم في مرحلة الشيخوخة. ولكن من واقع خبرتي، من المهم جداً منحهم الوقت والمساحة الكافيين لاستكشاف هذه المشاعر بصورة كاملة، وتذكيرهم بأنه لا بأس من الغضب أو الشعور بالحزن العميق أو الاستياء الشديد. في هذه الحالة، نجتمع كفريق واحد ونتحدث إليهم وإلى عائلاتهم، ونحاول إيجاد منافذ للمساعدة، سواء عن طريق قضاء وقت في الهواء الطلق، أو الاستماع إلى الموسيقى التي يحبونها، أو حتى مجرد الاستماع إلى شخص ما من دون إصدار أية أحكام. أحياناً، يصعب علينا فصل مشاعرنا عن طبيعة عملنا. العناية التلطيفية لا تشبه مثلاً بيئة المستشفيات المخصصة للحالات الطارئة حيث الإيقاع السريع للأحداث لا يسمح بالتقاط الأنفاس. هنا، نخصص الوقت والمساحة لبناء علاقة إنسانية حقيقية مع مرضانا. نتعرف إليهم وإلى عائلاتهم عن كثب، حتى نكاد نصبح جزءاً من نسيجهم الأسري. وعلى رغم أن فقدان مريض بنينا معه علاقة وثيقة يبقى تجربة مؤلمة، أجدني أستمد العزاء من التأثير الإيجابي الذي تركته لدى هذه العائلة أو تلك. أضف إلى ذلك أن بيئة العمل الداعمة تشكل سنداً حقيقياً في مثل تلك اللحظات. صرت أعرف الآن أيضاً أهمية التحدث عن رغبات نهاية الحياة قبل وقت طويل من انطفاء شمعة العمر. فاعتاد أفراد عائلتي على المزاح في شأن إصراري الدائم على إثارة هذا الموضوع، ولكني سأبقى أطرحه دائماً. الحديث عن الموت ليس مخيفاً خلافاً لما يظنه بعضهم. وعندما لا تتناول العائلات هذه المسائل مسبقاً، أرى بأم العين حجم الضغط النفسي الذي يثقل كاهل الأقارب، ممن يُتركون في مواجهة أسئلة صعبة ومؤلمة من قبيل: هل كان أحباؤهم يفضلون الدفن أو الحرق، أو ما هي حاجاتهم الروحية خلال أيامهم الأخيرة. وإذا سارت الأمور كما ينبغي، نكون نحن هنا لمساعدة العائلات في تسهيل هذه القرارات والدفاع عن رغبات المريض وتهدئة التوترات في المواقف الصعبة والوصول في نهاية المطاف إلى حل توافقي يراعي الجميع. في الحقيقة، ليس الموت بسلام رهناً بالإيمان وحده. لقد استقبلنا مرضى من الأديان كافة، ومرضى لا يتبعون أية ديانة. يسألنا بعضهم أن نفتح النافذة بعد وفاتهم لإطلاق الروح بعد مغادرتها الجسد، أو يطلبون منا اتباع طقوس خاصة. في المقابل، لا يرغب آخرون في الخوض في أية ترتيبات قد نتبعها بعد أن تغمض عيونهم إلى الأبد، ولا التفكير في الجنازة، وليست الروحانيات من أولوياتهم. يفضلون التحدث عن كرة القدم مثلاً. وجل ما يطمحون إليه موت هادئ وكريم يتماشى مع رغباتهم. في لحظات الحزن العميق، يعزيك أن تعلم أن من تحب غادر الدنيا بسلام. وتشعر العائلة بالمواساة، إذ تتذكر التفاصيل البسيطة والملامح التي طبعت لحظات فقيدهم الأخيرة، وتبث في قلوبهم الراحة في أنه عبر إلى الضفة الأخرى بسلام وسكينة. في نهاية الحياة، تبقى الكرامة هي المسألة الأهم. عندما نستقبل المريض، نحرص على أن نسأله: "ما الذي يهمك؟"، ويختلف الجواب باختلاف الأشخاص. يرغب أحدهم مثلاً في ارتداء "بيجامته" المفضلة، وربما يطلب آخر احتساء كوب من الشاي كل صباح. ولكن الحاجة التي تجمع بينهم، الاعتراف بهم كأفراد لكل منهم خصوصيته وقيمته الفريدة، وعدم معاملتهم كمجرد أرقام في خضم روتين الإجراءات وسلسلة الحالات. من لم يشهدوا وفاة في دار للرعاية التلطيفية، يتصورون الموت غالباً كما يبدو في المسلسلات التلفزيونية: مشهد فوضوي مرعب، يعج بالتوتر والذعر. ولكني أطمئنهم إلى أنه قد يكون أيضاً رحيلاً هادئاً يحفظ للإنسان كرامته وقيمته، ولا سيما في بيئة يسودها الأمان وتغمرها المحبة. أما أنا، فستبقى مشاركتي المتواضعة في هذه الرحلة السامية امتيازاً أعتز به. دار "سو رايدر" موجودة كي لا يواجه أحد الموت أو الحزن وحيداً. لمزيد من المعلومات حول خدمات الرعاية التلطيفية، زوروا الموقع الإلكتروني ، أو ابحثوا عن عبارة "الحزن يستحق الأفضل" Grief Deserves Better للحصول على دعم مجاني في حالات الفقد.

مصر والسعودية تبحثان تعزيز التعاون في قطاع الدواء
مصر والسعودية تبحثان تعزيز التعاون في قطاع الدواء

شبكة عيون

timeمنذ 2 أيام

  • شبكة عيون

مصر والسعودية تبحثان تعزيز التعاون في قطاع الدواء

القاهرة- مباشر: استقبل رئيس هيئة الدواء المصرية علي الغمراوي، وفدًا رسميًا من المملكة العربية السعودية برئاسة الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للغذاء والدواء، وذلك بحضور رئيس الهيئة القومية لسلامة الغذاء، في زيارة تهدف إلى توسيع مجالات التعاون الفني والتنظيمي في القطاع الدوائي وتبادل الخبرات بين الجانبين، بما يعزز من التكامل الرقابي والصناعي بين مصر والسعودية، ويدعم الأمن الصحي العربي. وخلال اللقاء، رحّب رئيس هيئة الدواء المصرية بالوفد السعودي، مشيرًا إلى عمق العلاقات بين البلدين، والتي تتجلى في رؤية مشتركة لتحقيق التنمية المستدامة، ولا سيما في القطاع الدوائي الذي يُعد من أكثر القطاعات الاستراتيجية والحيوية. وأكد أن مصر والسعودية تتصدران المشهد في هذا القطاع على مستوى الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط من حيث القيمة السوقية وعدد الوحدات المباعة، ما يعكس أهمية تعزيز التعاون بين الهيئتين لتحقيق التكامل الدوائي. وأوضح أن السوقين المصري والسعودي يُعدان من أكبر مستوردي المواد الخام الدوائية في المنطقة، وهو ما يفتح المجال أمام فرص صناعية ورقابية مشتركة. كما أشار إلى ما تمتلكه مصر من قاعدة صناعية دوائية قوية تضم أكثر من 179 مصنعًا، منها 11 مصنعًا حاصلاً على اعتمادات دولية، إلى جانب 150 مصنعًا للمستلزمات الطبية، و5 مصانع للمواد الخام، و4 مصانع للمستحضرات الحيوية، وأكثر من 986 خط إنتاج، مشيرًا إلى أن نسبة الاكتفاء الذاتي من احتياجات السوق المحلي بلغت 91%، مع تصدير المنتجات الدوائية إلى 147 دولة. واعتبر اللقاء فرصة لرسم خارطة طريق مشتركة بخطط واضحة وإطار زمني محدد، تعكس تطلعات القيادتين وتخدم طموحات الشعبين، مشددًا على أن العلاقات بين مصر والسعودية تتجاوز الأطر الاقتصادية لتُجسد روابط أخوة ورؤية موحدة نحو مستقبل أكثر تكاملًا في المجال الدوائي. من جانبه، أعرب رئيس الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية عن سعادته بهذا اللقاء البنّاء، مؤكدًا أن التعاون مع هيئة الدواء المصرية يشكل نموذجًا رائدًا للتكامل العربي في المجال التنظيمي، مشددًا على أهمية توحيد الجهود لتعزيز كفاءة الهيئات الرقابية ودعم جودة وسلامة المستحضرات الدوائية. وخلال اللقاء، ناقش الجانبان تشكيل فريق عمل مشترك يتولى تنفيذ خارطة الطريق، من خلال آليات تنسيق مرنة ومتابعة منتظمة، بما يضمن تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع. كما تم مناقشة مذكرة تفاهم مقترحة بين الهيئتين، وتشكيل فرق فنية لمتابعة معايير ومواصفات المستحضرات الطبية في البلدين، وتطوير أدوات إنذار مبكر مشتركة، بالإضافة إلى تنظيم ورش تدريبية متبادلة وتعيين نقاط اتصال رسمية لتيسير التنسيق المستمر. حمل تطبيق معلومات مباشر الآن ليصلك كل جديد من خلال آبل ستور أو جوجل بلاي للتداول والاستثمار في البورصة المصرية اضغط هنا تابعوا آخر أخبار البورصة والاقتصاد عبر قناتنا على تليجرام لمتابعة قناتنا الرسمية على يوتيوب اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك السعودية.. تابع مباشر بنوك السعودية.. اضغط هنا لمتابعة آخر أخبار البنوك المصرية.. تابع مباشر بنوك مصر.. اضغط هنا ترشيحات المالية المصرية: 2.6 تريليون جنيه إيرادات ضريبية مستهدفة بموازنة 2025-2026 مصر.. 5.9 مليار جنيه مخصصات دعم التأمين الصحي بموازنة 2025-2026 Page 2 الخميس 01 مايو 2025 07:27 مساءً Page 3

بعد تقليص المفوضية دعمها... معاناة اللاجئين تتفاقم في مصر
بعد تقليص المفوضية دعمها... معاناة اللاجئين تتفاقم في مصر

Independent عربية

timeمنذ 2 أيام

  • Independent عربية

بعد تقليص المفوضية دعمها... معاناة اللاجئين تتفاقم في مصر

"أقضي معظم وقتي في غرفة طريح الفراش. ومثل طفل بعمر الشهرين، لا أستطيع التحكم في قضاء حاجتي، وبسبب معاناتي مع الشلل النصفي يبقى العفن من حولي طوال الوقت من دون مرافق يخدمني. الدعم النقدي الذي أتلقاه من مفوضية الأمم المتحدة بالكاد يكفي الإيجار الشهري"، بتلك العبارات روى الشاب اليمني محمد عبدالله فرحان معاناته، التي أجبرته على مغادرة وطنه في رحلة علاجية إلى مصر، قبل أن ينتهي به المطاف طالباً اللجوء تحت مظلة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقاهرة. وفي ظل إعلان المفوضية عبر رسالة نشرتها على صفحتها الرسمية، أنه اعتباراً من مايو (أيار) الحالي ستبدأ تقليص عدد المستفيدين من الدعم النقدي الذي توفره للاجئين من جنسيات متعددة، وقصره على الحالات الأشد احتياجاً، يبدي فرحان وآلاف غيره من الأسر المستضعفة القلق من فقدان المبلغ الشهري الذي يتلقونه. وتستضيف مصر ما يزيد على 914 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ينتمون إلى 61 جنسية مختلفة ويتمتعون بحق الاستفادة من خدمات المفوضية. وتختلف مستويات الدعم المقدم لهم بحسب طبيعة كل حالة، إذ يعتمد كثير منهم على المساعدات التي تقدمها المنظمة الأممية وشركاؤها. وفي المقابل، تشير تقديرات مسؤولين إلى أن العدد الإجمالي للأجانب المقيمين في مصر قد يتجاوز 9 ملايين شخص. عائلات مستفيدة من الدعم تواصلت "اندبندنت عربية" مع لاجئين من جنسيات مختلفة ينتمون جميعاً للفئات الأكثر احتياجاً، إذ أكد غالبيتهم تلقيهم رسائل حديثة على هواتفهم المسجلة لدى المفوضية تفيد بتطبيق قرار سحب الدعم النقدي عنهم، بينما عبر آخرون ممن لا يزالون يستقبلون مساعدات من المنظمة الأممية عن قلقهم من أن يشملهم هذا الإجراء، وبخاصة في ظل ارتفاع كلفة المعيشة في مصر، وعدم قدرتهم على تحمل تلك الضغوط. وبينما تتفاوت قيمة الدعم النقدي الذي تتلقاه الحالات المدرجة ضمن رعاية مفوضية اللاجئين، يؤكد فرحان البالغ من العمر 32 سنة وأصابت التقرحات أحد ساقيه واضطر الأطباء إلى بتر الأخرى، أن توقف هذا الدعم سيكون كارثياً بالنسبة إليه، قائلاً "أنا عاجز تماماً عن القيام بأي شيء، وأجبرني المرض على ارتداء الحفاضات واستخدام القسطرة". ويصف الشاب اليمني المقيم بمفرده داخل منطقة فيصل بالجيزة ويحصل على 2250 جنيهاً (45 دولاراً أميركياً) بصفة شهرية من المنظمة الأممية، المفوضية بأنها "ملجأه الوحيد"، قائلاً "أتلقى منها مبلغاً شهرياً أسحبه من البريد المصري، إلى جانب دعم من شركاء يقدمون لي متطلبات علاجية أساس مثل القسطرة التي أحتاجها كل ثلاثة أشهر". وأضاف فرحان الذي تقدم بطلب اللجوء خلال الـ13 من مارس (آذار) 2023 "الدعم الذي أتلقاه لا يمكن الاستغناء عنه، على رغم أنه لا يغطي أبسط مقومات الحياة من سكن جيد ومأكل ومشرب، أقضي معظم أيامي على الخبز والمياه، وأخصص 2000 جنيه (40 دولاراً أميركياً) من الدعم الشهري لسداد إيجار السكن"، مختتماً حديثه "أضطر إلى استخدام كرسي متحرك عند الحاجة إلى الحركة، والمفوضية هي سندي ومصدر دخلي الوحيد، وأملي كبير في أن تغير وضعي وتنقذ حياتي". ما يخشاه الشاب اليمني محمد فرحان تعيشه بالفعل الإريترية عايدة سليمان، التي تلقت قبل يومين فحسب رسالة من المفوضية الأممية تبلغها بأنها لم تعد ضمن الحالات المستحقة للدعم النقدي. وتشير عايدة التي تعول اثنين من أطفالها إلى أنها كانت تحصل على مبلغ 3800 جنيه (76 دولاراً أميركياً) يصرف كل شهرين، قبل أن تسحب هذه المعونة التي كانت تعتمد عليها في تغطية إيجار مسكنها. ضحايا نقص التمويل تقول السيدة الإريترية صاحبة مبادرة "المرأة المعيلة" لـ"اندبندنت عربية"، "الإجراء طاول نساء كثيرات مثلي يتحملن مسؤولية إعالة أسرهن ويقمن برعاية أطفال دون سند". وتوضح أنها تلقت بحكم نشاطها بالمبادرة رسائل استغاثة من عدد من هؤلاء النسوة "اضطررت إلى تهوين الأمر عليهن، وأخبرتهن بأن القرار ليس نهائياً حتى لا يتأثرن نفسياً من وقع الصدمة". وتتابع عايدة، وهي سيدة في عقدها السادس، أن بعض الشكاوى وردت من سيدات مصابات بسرطان الثدي يقدن بيوتاً بمفردهن ويعانين ظروفاً صحية واجتماعية قاسية، ومع ذلك وصلتهن رسائل بوقف الدعم. وتضيف "شخصياً كنت أعتمد على هذا الدعم في دفع إيجار الشقة. واليوم، لا أعلم كيف سنوفر هذا البند، وأشعر أن المفوضية ذبحتني بهذا الإجراء". وحصلت عايدة التي تقيم في مصر منذ 21 عاماً على "البطاقة الزرقاء" الخاصة باللاجئين بمجرد وصولها القاهرة وتقديم أوراقها للمفوضية، وتؤكد أن القرار قاس على المصابين بأمراض مزمنة ممن يعتمدون على هذا المبلغ لشراء أدويتهم. وتشير إلى أن حالات مماثلة من السودان وإريتريا تواصلت معها ولا تملك قوت يومها، وتتساءل "ماذا نفعل؟ كنا ننتظر زيادة الدعم لا سحبه". وتختم الإريترية حديثها "لم يُقطع عني الدعم نهائياً منذ عام 2019، وأعيد قراءة الرسالة مرات ومرات من وقع الصدمة، وعليهم في الأقل أن يوفروا لنا بدائل، أماكن للعمل أو مصدر دخل نواجه به ظروف المعيشة الصعبة في مصر". ولا تزال الآلية التي ستتبعها مصر في التعامل مع ملف اللاجئين غير واضحة، وبخاصة بعد إصدار القاهرة قانوناً جديداً ينظم لجوء الأجانب داخل البلاد. ويتضمن هذا القانون تشكيل لجنة حكومية معنية بشؤون اللاجئين تتبع مجلس الوزراء، تتولى مهام استقبال وفحص طلبات اللجوء والبت فيها بالقبول أو الرفض، إلى جانب جمع المعلومات والبيانات الإحصائية المتعلقة باللاجئين. ويعزو المحامي المصري المتخصص في قضايا اللاجئين أشرف ميلاد أسباب تراجع الدعم إلى اتجاه عدد من الدول المانحة نحو تقليص مساهماتها المالية للمفوضية، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تبنى رئيسها دونالد ترمب في حينها سياسة تقشفية، موضحاً أن بعض الدول المانحة لم تلتزم بتعهداتها تجاه المنظمة الأممية، إضافة إلى تضاعف أعداد اللاجئين خلال العامين الأخيرين نتيجة التوترات الإقليمية وتدهور الأوضاع داخل دول الجوار. وأوضح ميلاد أن نحو 30 في المئة فقط من اللاجئين يتلقون دعماً نقدياً، والمفوضية بدأت بالفعل في تقليص هذا الدعم وإعادة تقييم ملفات المستفيدين. وأكد أن مستقبل إدارة ملف اللاجئين داخل مصر لا يزال غامضاً، خصوصاً مع نقل مسؤولية هذا الملف إلى الحكومة المصرية. وأشار مدير مكتب "حق" لتقديم الدعم القانوني والنفسي للاجئين في مصر إلى أن القانون الجديد الخاص باللجوء يمكن أن يشكل خطوة لحل عدد من الأزمات التي يواجهها اللاجئون، مشيراً في الوقت نفسه إلى تأخر صدور اللائحة التنفيذية للقانون، موضحاً أن الأزمة تتفاقم مع الزيادة الكبيرة في أعداد اللاجئين وتراجع التمويلات. ولفت إلى وجود إشكاليات مع بعض المنظمات الشريكة، مما دفع المفوضية إلى التعاقد مع جهات جديدة مثل منظمة "مرسال" التي أصبحت شريكاً في تقديم الخدمات الصحية، على أمل تحسين الأوضاع المعيشية والصحية للاجئين داخل مصر من دون جدوى. على الجانب الآخر من المشهد نفسه، ما زالت الإريترية أفراح إسماعيل تتابع الإجراءات التي تنتهجها مفوضية اللاجئين بالقاهرة، معربة عن خشيتها من اتساع دائرة المطرودين من قوائم الفئات الأكثر هشاشة. وتوضح في حديثها لـ"اندبندنت عربية" أن غالبية معارفها من النساء يعانين اليوم من انقطاع الدعم الذي كان يشكل لهم سنداً رئيساً في مواجهة الغلاء المعيشي. لاجئون على الهامش تقول أفراح التي تحصل على الدعم النقدي بصفة منتظمة كل شهرين، إن أسرتها مكونة من خمسة أفراد إذ تعيل أربعة أطفال وتتسلم مبلغاً شهرياً يصل إلى 5280 جنيهاً، يساعدها على تغطية إيجار السكن الذي ارتفع من 5 آلاف جنيه إلى 7 آلاف و500 جنيه، تتشارك فيه مع عائلتين أخريين. وتضيف "الوضع المعيشي في مصر أصبح لا يطاق، ولا تغيب عن حديثنا اليومي أزمة الدعم النقدي، إذ تلقت نساء كثيرات يتحملن مسؤولية رعاية أطفال من دون دخل ثابت، رسائل قطع الدعم". وتساءلت "هل هؤلاء النساء لسن ضمن الفئات الأشد احتياجاً للدعم؟". وتشير أفراح، التي تعتمد أيضاً على دعم إضافي من برنامج الأغذية العالمي، الذي يزود أسرتها بمبلغ 3700 جنيه يصرف من خلال نظام "فوري"، ودعم آخر يقارب 1200 جنيه لكل طفل لتغطية نفقات التعليم، إلى أنها اضطرت إلى إخراج أحد أبنائها من المدرسة، بسبب عدم قدرتها على تحمل مصاريف الدراسة التي وصلت إلى 9 آلاف جنيه. وأفصحت السيدة الإريترية الحاصلة على البطاقة الزرقاء منذ عام 2020 أنها تضطر للعمل في مجال الأعمال اليدوية بإحدى الشركات، إذ تبدأ عملها خلال الثامنة صباحاً وتعود إلى المنزل عند التاسعة مساءً، مقابل راتب شهري لا يتجاوز 5 آلاف جنيه. وتختم حديثها بمرارة "أخشى أن تتخلى المفوضية عن أسرتي فحياتي معتمدة عليها، من إيجار ومسكن ومدارس وحاجات يومية وعلاج، وبخاصة مع الارتفاع الجنوني في الأسعار داخل مصر. ولم يعد بالإمكان تحمل الحياة هنا، بعد ارتفاع الإيجار من 3 آلاف جنيه إلى 7500 جنيه دفعة واحدة، مع دخول اللاجئين السودانيين قبل عامين. ومصر بالنسبة إليَّ مجرد محطة عبور نحو أوروبا، لكنني انتظرت خمسة أعوام دور إعادة التوطين في أوروبا، لكن دون جدوى". وحتى الـ31 من مارس 2025، بلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر 672930 لاجئاً من السودان، و139384 من سوريا و46975 من جنوب السودان و40848 من إريتريا، و18068 من إثيوبيا و8400 من الصومال و8255 من اليمن و4239 من العراق، إلى جانب لاجئين من أكثر من 53 جنسية أخرى. من نيران الحرب إلى لهيب الغلاء ولم يكن السودانيون، ضحايا الحرب المستعرة بين قوات الجيش وعناصر "الدعم السريع" بمنأى عن قرار تقليص الدعم، إذ شملهم أيضاً وقف المساعدات النقدية. ويقول اللاجئ السوداني نعيم محمد لـ"اندبندنت عربية"، "اضطررت إلى بيع أنبوبة البوتاجاز حتى أتمكن من توفير نفقات أسرتي هذا الشهر، على رغم أنني أعمل في ورشة سيارات وأتقاضى 7 آلاف جنيه شهرياً". وأوضح نعيم أن دخله من العمل لا يغطي متطلبات المعيشة، وكان متوسط ما تتحصل عليه أسرته المكونة من ستة أفراد 4200 جنيه تخفف عني أعباء المصاريف. ويضيف "أولادي الثلاثة في المدارس، وصدمتنا كبيرة جعلتني أفكر جدياً في العودة إلى السودان خوفاً من أن أضطر إلى طلب المساعدة من الآخرين، في ظل الوضع الاقتصادي الصعب داخل مصر وصعوبة الحصول على المال". ويستعرض نعيم الأسباب التي تدفعه إلى التفكير في إغلاق ملفه لدى المفوضية، قائلاً "طرقت أبواب المفوضية أملاً في الحصول على الحماية والرعاية الشاملة، وبخاصة أن مهمتها دعم الأسر المستضعفة، لكنني وجدت نفسي مضطراً للعمل ستة أيام خلال الأسبوع ولساعات طويلة تصل إلى 12 ساعة يومياً، على رغم أنني رجل تجاوزت الـ50 من العمر. ومع مرور الوقت، اكتشفت أن بطاقة المفوضية لم تحقق لي أية فائدة تذكر". بينما تعرب السيدة السودانية داليا محمد موسى عن خيبة أملها، موضحة أنها صدمت بعد توقف الدعم المالي الذي كانت تتلقاه عبر بطاقة "فوري"، وذلك بعد عامين من صرف مساعدات نقدية منتظمة. وتشير إلى أن المفوضية كانت تمنحها 750 جنيهاً لكل فرد من أفراد أسرتها المكونة من أربعة أشخاص. وتقول "نواجه التزامات عديدة، ولم أعد قادرة على تغطية حاجات المنزل من دون هذا الدعم. سأضطر إلى وقف تعليم أطفالي، فزوجي يعمل بالأجر اليومي ولا نملك دخلاً ثابتاً". وتضيف "الظروف المعيشية في مصر أصبحت في غاية الصعوبة، والعمل باليومية لا يغطي حتى الحاجات الأساس. سأضطر إلى تقليص عدد الوجبات إلى واحدة فقط يومياً، والوضع في السودان أكثر قسوة. نحن عالقون بين معاناة المفوضية في مصر ونيران الحرب داخل السودان".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store