
نهاية الرأسمالية الكلاسيكية
نحن نشهد ولادة مرحلة اقتصادية جديدة ستعاد فيها صياغة ماهية القيمة، والعمل، والملكية والعملة، ولربما نستيقظ ذات يوم ونحن نتعامل مع الخدمة كعملة، وأن تكون لتعاملات الأفراد اليومية عملات، وللتعاملات التجارية بين المؤسسات الحكومية عملات أخرى وجميعها رقمية ومشفّرة، حيث إن الأزمة القادمة ليست كسابقاتها لأنها ليست مجرد انهيار أسواق، بل انهيار مفاهيم وهو الأهم هنا، لكونه لا يدرّس في كليات الاقتصاد ولا في الأطروحات التقليدية للاقتصاد ومكوناته الرئيسية.
وفي تقرير أصدرته شركات «بلاك روك» و«غولدمان ساكس» في 2024 تشير الحقائق إلى أن 37% من الأصول المالية العالمية أصبحت تعتمد على تقييمات مبالغ فيها، لا تستند إلى أي إنتاج مادي حقيقي، وفي الوقت نفسه ذكرت شركة «ماكينزي الاستشارية العالمية» أن الاقتصاد العالمي قد خلق ديوناً تتجاوز 315 تريليون دولار، أي ما يعادل 336% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (IMF، 2024)، ولكن الأخطر ليس الأرقام، بل إن النظام بأكمله، يستند إلى فرضية خاطئة، وهي أن النمو غير المحدود ممكن على نطاق محدود.
إذاً الزيف الكبير أنه اقتصاد بلا قيمة، والاقتصاد الحالي قائم على ما يُسمى بـ«القيمة الافتراضية»، وهي قيمة لا تنتج من عمل أو مادة، بل من توقعات متبادلة بين أطراف في أسواق معقدة تحكمها خوارزميات، وتشير بيانات «وورلد إكونوميك فوروم» (2024) إلى أن 80% من تداولات الأسهم تتم اليوم عبر أنظمة ذكاء اصطناعي تتخذ قرارات في أجزاء من الثانية، مما يجعل الإنسان خارج دائرة القرار، فهل يمكن لمنظومة لا يفهمها أحد أن تستمر؟ هل يمكن للذكاء الاصطناعي الذي لا يملك وعياً أخلاقياً أن يحافظ على عدالة السوق؟!
ومن زاوية مختلفة، يشير علم البيانات ويتنبأ بالانهيار الكبير، وذلك من خلال تحليل بيانات 74 مليون معاملة مالية باستخدام خوارزميات التعلم العميق قام بها مركز MIT للأنظمة المعقدة (2025)، والذي كشف عن أن نمط التكرار الزمني المتسارع للتقلبات المالية العالمية يشبه النمط ذاته الذي سبق الانهيار الكبير في 1929، وانهيار 2008، ولكن مع تردد أعلى وزمن تفاعل أقصر بنسبة 700%، والنتيجة: الانهيار القادم سيكون أسرع وأعمق وأطول مدىً، وذلك ما تظهره كذلك بيانات «ستاندرد آند بورز» (2025)، وهي تشير إلى أن 62% من شركات المؤشر تمول أنشطتها بالدين لا بالإيرادات، مما يجعلها عرضةً للسقوط بمجرد ارتفاع الفائدة، وأيضاً بسبب وصول الدين الأميركي العام إلى 36 تريليون دولار، وارتفاع نسبة الفائدة إلى 6.5% وفق الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في الربع الأول لعام 2025 ونحن أمام قنبلة زمنية مالية إذا ما دمجنا ذلك بمفارقة الذكاء الاصطناعي ونهاية الوظيفة كبنية اجتماعية وفق تقرير PwC Global AI Impact(2025)، والاستغناء عن 300 مليون وظيفة بحلول 2030، ومعظمها وظائف متوسطة الكفاءة، فما يحدث ليس إعادة توزيع للثروة، بل تحوّل جذري في تعريف الإنسان الاقتصادي.
وفي الحقيقة، العمل البشري لم يعد ضرورياً لإنتاج القيمة، فالرأسمالية نظام يخلق قيمته من التوسع لكن في عالم محدود، هذا التوسع يصبح انتحاراً، فالاحتباس الحراري، وندرة المياه، وتصحر الأراضي الزراعية، كلها ليست«مشاكل بيئية»، بل نتائج مباشرة لاقتصاد يستهلك أكثر مما ينتج!
وأكد تقرير الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (2024) أن الموارد الطبيعية يتم استهلاكها اليوم بمعدل 1.75 ضعف قدرة الأرض على التجدد، إذاً، نحن نأكل من مستقبل لم يعد موجوداً! ولا تكمن الأزمة في الأرقام وحدها، بل في الفلسفة التي بني عليها الاقتصاد العالمي: الفردية، والربح الأقصى، والاستهلاك، والمِلْكية المطلقة.
لقد أكل النظام أبناءه، وبالتالي نحن نحتاج إلى ولادة فلسفة اقتصادية جديدة يكون فيها الإنسان منتجاً للقيمة المعنوية لا المادية، ويكون الذكاء الاصطناعي أداةً لا حاكماً، وتعاد فيها صياغة مفاهيم مثل العمل، والغنى، والنجاح، وتباعاً ستتغير كل المفاهيم والأطر المتعلقة بتجهيز موظف من الروضة إلى الجامعة، وهو ما أراه شهادة وفاة لنظام انتهى، فهل يكون التفوق للأقوى، أم للأكثر وعياً؟!
*كاتب وباحث إماراتي في التعايش السلمي وحوار الثقافات
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سكاي نيوز عربية
منذ 19 دقائق
- سكاي نيوز عربية
فولفو تتكبد 1.2 مليار دولار بسبب الرسوم وتأخيرات الإنتاج
وقالت شركة صناعة السيارات في بيان للمستثمرين "بسبب الرسوم الجمركية على الواردات، فإن الشركة غير قادرة حاليا على بيع سيارة فولفو إي-إس-90 بشكل مربح في الولايات المتحدة، في حين تتعرض هوامش إي-إس-90 أيضا لضغوط في أوروبا للسبب نفسه". في الولايات المتحدة، تواجه فولفو رسوما جمركية تبلغ نسبتها 25 بالمئة أقرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أبريل الماضي. كانت شركة فولفو للسيارات المملوكة لمجموعة جيلي الصينية ، تخطط لبيع سيارتها الفاخرة إي-إس-90 في الولايات المتحدة اعتبارا من العام المقبل بسعر يبدأ عند مستوى 75 ألف دولار تقريبا. ويفسر إعلان الشركة أيضا بـ"انخفاض ربحية" سيارتها الرياضية الكهربائية الكبيرة إي-إكس-90 بسبب "تأخيرات كبيرة في الإطلاق وتكاليف التطوير الإضافية". يعني ذلك "أننا قمنا بإعادة تقييم افتراضات حجم المبيعات لهاتين السيارتين" وسيتعين علينا تحمل كلفة انخفاض القيمة غير النقدية، وفق الشركة. سيتم تسجيل انخفاض القيمة غير النقدية لمرة واحدة بقيمة 11.4 مليار كرونة سويدية (1.2 مليار دولار أميركي) في الربع الثاني من العام 2025. تنتج فولفو مركباتها في العديد من المصانع حول العالم، بما في ذلك في ولاية كارولينا الجنوبية في الولايات المتحدة، وكذلك في السويد والصين. وفي أواخر مايو، أعلنت الشركة أنها ستلغي 3000 وظيفة، أي ما يقرب من 15 بالمئة من قوتها العاملة، ونحو نصف تلك الوظائف الملغاة في السويد.


سكاي نيوز عربية
منذ 26 دقائق
- سكاي نيوز عربية
"أوراكل" الأميركية تعتزم استثمار ملياري دولار في ألمانيا
تعتزم شركة أوراكل الأميركية للبرمجيات استثمار ملياري دولار في ألمانيا على مدار الخمسة أعوام المقبلة من أجل تلبية الطلب المتزايد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية السحابية. وسوف يتم توجيه التمويل إلى منطقة الراين-ماين حول مدينة فرانكفورت ، حيث سيتم توسيع البنية التحتية السحابية وإمكانيات تطبيقات الذكاء الاصطناعي لأوراكل بصورة كبيرة. وقال وزير الرقمنة الألماني كارستن فيلدبرغر إن استثمارات أوراكل الاستراتيجية تظهر أن ألمانيا تعد موقعا جاذبا للابتكار الرقمي والاستثمار. وأضاف" الطلب المتزايد على الحلول السحابية يظهر أن التحول الرقمي يتقدم بصورة كبيرة في دولتنا"، مشيرا إلى أن الاستثمار يعزز البنية التحتية الرقمية لألمانيا ويمكن الشركات والسلطات العامة الاستفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا السحابية المتقدمة". وقال ثورستين هيرمان، نائب رئيس فرع شركة أوراكل في ألمانيا إن الشركة تساعد المنظمات في أنحاء العالم على تسريع التحول إلى الذكاء الاصطناعي والتقنيات السحابية.


صحيفة الخليج
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الخليج
«الغباء الاصطناعي» يكلف أسترالية 50 ألف دولار
تسبب خطأ تقني للذكاء الاصطناعي صنف صورة لثلاثة كلاب على «انستغرام»، تمتلكها روشيل ماريناتو، المديرة التنفيذية لشركة «Pilates World Australia»، على أنها تنتهك إرشادات المنصة المتعلقة باستغلال للأطفال، في خسارة 50 ألف دولار، بعد أن عُلقت حسابات المديرة على وسيلة التواصل، ونظراً لأن الصورة لم تحتو على أي تجاوزات، وفق الخبراء والمتابعين، أطلق على نظام التصنيف«الغباء الاصطناعي». ورغم تقديمها 22 استئنافاً إلى شركة «ميتا» المالكة لإنستغرام، لم تتلق روشيل ماريناتو أي رد. وقالت: «إن قرار تعليق الحسابات تزامن مع موسم الذروة لنهاية السنة المالية لشركتي، ما أدى إلى انخفاض إيراداتها بنسبة 75%». وأضافت:«خسارتنا تجاوزت الـ50 ألف دولار، ولم نتمكن حتى من التواصل مع شخص حقيقي لدى ميتا لتوضيح أن الصورة لا تحمل أي تهديد أو إساءة». وأشارت إلى أن المنصات الاجتماعية تمثل ركيزة تسويقية رئيسية للشركات الصغيرة مثل شركتها. روشيل ماريناتو عبرت عن قلقها من القوة المتزايدة للذكاء الاصطناعي، قائلة: «من المخيف أن يتحكم الذكاء الاصطناعي في مصير أعمالنا دون رقابة بشرية كافية».