
الاقتصاد الأمريكي في مهب السياسات المتقلبة
تُهدر الأسواق الكثير من الوقت في محاولة معرفة إلى أين تتجه السياسات الاقتصادية لدونالد ترامب، لدرجة أنها تفشل في رؤية حجم المخاطر التي قد تنشأ عن حقيقة بسيطة مفادها بأن لا أحد يعرف ما سيحدث بعد ذلك.
ويبدو أن الغموض المتعمد الذي تفرضه الإدارة الجديدة بشأن سياسات التعريفات التجارية والتحالفات الجيوسياسية مصمم لإبقاء المفاوضين المتنافسين في حيرة لتقديم مزيد من التنازلات، لكن قد يكون لذلك تأثير سلبي في الاقتصاد الأمريكي نفسه إذا كانت الشركات الأمريكية لا تعرف بالضبط ما تخطط له.
وقد يشكل التأخير في اتخاذ القرارات على مستوى الأعمال والأسر أكبر تهديد للتوسع الاقتصادي طويل الأمد في البلاد ولتقييمات وول ستريت التي لا تزال باهظة الثمن.
في غضون ذلك، تشير استطلاعات الرأي التي أجرتها الشركات والمستهلكون في الولايات المتحدة إلى أنه أصبح من الصعب فهم الأسعار أو السياسات التي ستسود في المستقبل. وهذا يعني أن المشاريع والتوظيف والصفقات والاستثمارات من المرجح أن تؤجل حتى تتضح الأمور. والسؤال المهم الآن، هل سيتضح هذا الأمر حقاً في عهد الإدارة الحالية؟
وأظهر مسح «معهد إدارة التوريد» لشركات التصنيع في فبراير/شباط، أن كلاً من الطلبات الجديدة وقراءات التوظيف قد انزلقت إلى منطقة الانكماش بعد بعض الانتعاش الذي تلا فترة الانتخابات، في حين عادت توقعات التضخم التي أزعجتها الرسوم الجمركية إلى الارتفاع. كما أظهر استطلاع «إس آند بي غلوبال» للشركات في قطاع الخدمات المهيمن في الولايات المتحدة أن النشاط الإجمالي تحول إلى سلبي الشهر الماضي لأول مرة منذ 16 شهراً.
في بعض الحالات، يعمل عدم اليقين على تحريف السلوك إلى درجة أنه يثقل كاهل المكونات الرئيسية لحسابات الناتج المحلي الإجمالي. وعلى سبيل المثال، تعد التجارة الدولية الصافية مدخلاً رئيسياً في حسابات هذا الناتج. ولكن مع اندفاع الشركات الأمريكية إلى تحميل الواردات مقدماً لتجنب التعريفات التجارية الوشيكة على السلع من الخارج، قفز العجز التجاري نتيجة لذلك، ما أدى إلى انهيار تقديرات الناتج المحلي الإجمالي.
وبحسب نموذج «جي دي بي ناو» الصادر عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، والذي يحظى بمتابعة وثيقة، يفترض متغير صافي الصادرات أول انكماش ربع سنوي في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وهو الأعمق منذ إغلاق كورونا عام 2020.
وفي الوقت الذي يرفض البعض النتيجة بوصفها خللاً إحصائياً، فإنها لا تزال مثيرة للقلق في عالم الاستثمار، حيث أقنع الكثيرون أنفسهم بأن دورة الأعمال قد ماتت، وسعّروا معظم الأوراق المالية الأمريكية وفقاً لذلك.
والمشكلة بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أن تشوهات التعريفات الجمركية ستختفي قريباً هي نية ترامب الواضحة في إبقاء احتمال فرض تعريفات جمركية أعلى وأوسع نطاقاً معلقة إلى أجل غير مسمى.
ووصف الخبير الاقتصادي الأمريكي بريان روز من إدارة الثروات العالمية في «يو بي إس» هبوط الناتج المحلي الإجمالي الآن بأنه «ضوضاء وليس إشارة»– مضيفاً أن زيادات التعريفات الجمركية التي فُرضت هذا الأسبوع على كندا والمكسيك والصين هي سبب حقيقي للقلق. وقال: «ستؤدي هذه التعريفات إلى صدمة كبيرة قد تكون أكثر مما يمكن للاقتصاد أن يتحمله في الوقت الحالي».
وتشعر بيوت الاستثمار الأخرى المتفائلة نسبياً في وول ستريت بالخوف إزاء التحول الأخير في المشاعر. حيث قال خبراء الاقتصاد في «مورغان ستانلي» إن بعض الكآبة المفاجئة ربما تكون مبالغ فيها، لكن التسلسل غير المؤكد للسياسات الأمريكية يظل مصدر قلق.
ويجادل بعض المحللين كذلك بأن السياسات التي من المرجح أن تعيق النمو وتحفز التضخم، مثل التعريفات التجارية وقيود الهجرة، تبدو وكأنها ستأتي أولاً. في حين أن السياسات التي يمكن أن تعزز النمو، مثل تخفيف القيود التنظيمية، من المرجح أن تكون ضمن المرحلة القادمة، أو ربما لا تأتي على الإطلاق في حالة التخفيضات الضريبية. ولاحظوا أن عمليات التسريح المعلنة قد تقلل من العمالة الفيدرالية بمقدار 31 ألف وظيفة شهرياً حتى سبتمبر/أيلول، وربما يؤدي تجميد التوظيف المقترح إلى خفض العمالة بمقدار مماثل.
مع وجود وول ستريت في موقف حرج تلونت فيه معظم مؤشراتها الرئيسية للأسهم باللون الأحمر هذا العام حتى الآن، هناك خطر يتمثل في أن يؤدي اضطراب السوق إلى استنزاف ثقة الأسر والشركات بشكل أكبر.
وحتى أولئك الذين يعتقدون أن الاقتصاد الأمريكي يمكن أن يظل فائزاً نسبياً على الرغم من كل التوترات التجارية والاضطرابات السياسية، عليهم أن يتذكروا أن ما يقرب من 40% من إجمالي الإيرادات من شركات «إس آند بي» تأتي من الخارج. لذا فإن أي ضرر اقتصادي عالمي ناجم عن سياسات الولايات المتحدة من المرجح أن ينعكس سلباً على البلاد.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ 19 دقائق
- العين الإخبارية
شراء الطاقة الآن في الولايات المتحدة أرخص من بنائها
بما لا يدع مجالا للشك، أصبحت محطات توليد الطاقة التي تعمل بالغاز، هي الأهداف الأكثر رواجًا في نظام الطاقة الأمريكي. وأكد على ذلك التوجه، موجة الصفقات التي أبرمت في قطاع طاقة الغاز داخل الولايات المتحدة لتلبية الاحتياج المتزايد بحسب ما أفادت وكالة بلومبرغ. ولفتت شركة NRG Energy Inc. الأنظار في 12 مايو/أيار لهذا الاقبال، بموافقتها على دفع 12 مليار دولار، مقابل 13 غيغاواط من الطاقة - أي ما يعادل 13 مفاعلًا نوويًا. وبعد ثلاثة أيام، قامت شركة Vistra Corp. بخطوة حاسمة باستحواذها على محطات غاز بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل 2.6 غيغاواط. وهذا الأسبوع، وافقت شركة Blackstone Infrastructure Partners على الاستحواذ على شركة TXNM Energy Inc، مالكة أكبر شركة مرافق ضمن قطاع الغاز في نيو مكسيكو، مقابل حوالي 5.7 مليار دولار. والأمر كان واضحا منذ بداية هذا العام، لما شهده من ازدهارًا ملحوظًا في عمليات الدمج والاستحواذ في قطاع الطاقة الأمريكي، وفي يناير/كانون الثاني، وافقت شركة Constellation Energy Corp. على دفع 16.4 مليار دولار لشركة Calpine Corp. لإنشاء أكبر أسطول من وسائل النقل والمعدات في قطاع الغاز بالبلاد. ويكمن وراء كل هذا، الازدهار في الطلب على الكهرباء مدفوعًا بالتطور السريع للذكاء الاصطناعي. ويوفر الغاز موثوقية أكبر من مصادر الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى توفره على مدار الساعة، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في تلبية احتياجات مراكز البيانات الجديدة. على الجانب الآخر، فإن النظر لقطاع الغاز من زاوية الإنشاءات، يعاني من مشكلات تشمل تأخيرات طويلة الأمد، كما تتراوح تكلفة إنشاء المحطات الجديدة بين 1.5 مليار دولار و3 مليارات دولار لكل غيغاواط، وفقًا لبلومبرغ إنتليجنس. هذا يجعل المبلغ الذي تدفعه NRG وVistra وConstellation، والذي يتراوح بين 700 مليون دولار و1.1 مليار دولار لكل غيغاواط، يبدو ذا قيمة رائعة. وكتبت نيكي هسو وغابرييلا بريفيتيرا، محللتا بلومبرغ إنتليجنس، في مذكرة الأسبوع الماضي، "الشراء أسرع وأرخص من البناء"، بالنسبة لقطاع طاقة الغاز في أمريكا. ويؤيد المستثمرون هذه الاستراتيجية حتى الآن، حيث ارتفعت أسهم Constellation بنسبة 25% يوم إعلانها عن استحواذها على Calpine. وسجل سهم NRG ارتفاعًا بنسبة 26% بعد الإعلان. وفي مثل هذه الصفقات الضخمة - وخاصة في قطاع الطاقة المحافظ، الذي لم يحظَ حتى وقت قريب باهتمام كبير من وول ستريت - فإن هذا النوع من النشوة بالأسعار والإقبال يكاد يكون غير مسبوق. ومع تعزيز الذكاء الاصطناعي للأسواق، أصبح تأثير الذكاء الاصطناعي قويًا، وبسبب هذا التأثير، أصبح أداء شركات الطاقة الأمريكية يشبه أداء شركات التكنولوجيا الكبرى من حيث الارتباط بالتقنيات الحديثة. aXA6IDgyLjIxLjIxMi4yMiA= جزيرة ام اند امز CH


العين الإخبارية
منذ يوم واحد
- العين الإخبارية
ترامب وضريبة المستقبل.. تجربة قديمة في ظل اقتصاد حديث (تحليل)
طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فكرة استبدال ضرائب الدخل بالتعريفات الجمركية كآلية جديدة لتمويل الحكومة الفيدرالية، في خطوة تعيد إحياء نموذج ضريبي قديم. في أوائل القرن العشرين، كانت الرسوم الجمركية على الواردات تمثل المصدر الأساسي لإيرادات الحكومة الفيدرالية، كان ذلك قبل أن تفرض الولايات المتحدة ضريبة الدخل. واليوم، يسعى الرئيس دونالد ترامب إلى إعادة إحياء هذا النموذج، مقترحًا تحولًا جذريًا من ضرائب الدخل إلى ما سماه "هيئة الإيرادات الخارجية". ووفقًا لرؤيته، سيتم إلغاء ضرائب الدخل – لا سيما لمن يكسبون أقل من 200 ألف دولار سنويًا – ليتم استبدالها بالتعريفات الجمركية المفروضة على الواردات. وقد وصف ترامب هذا المقترح على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه "طفرة مالية"، مدعيًا أن هذه الرسوم يمكنها تمويل الحكومة بالكامل دون الحاجة لضرائب الدخل على المواطنين ذوي الدخل المتوسط والمنخفض. رغم وعود ترامب بـ"طفرة مالية"، تشير الدراسات والتحليلات إلى أن الرسوم الجمركية قد لا تكون بديلاً فعالاً أو مستداماً لضرائب الدخل، بل قد تؤدي إلى تشوهات اقتصادية وتأثيرات سلبية على المستهلكين والشركات الأمريكية. لكن هذا المقترح يثير تساؤلات اقتصادية جوهرية حول مدى ملاءمته لواقع الاقتصاد الحديث، الذي يتسم بتعقيدات التجارة العالمية والتطورات في سلاسل التوريد. ووفقا لتقرير لمجلة الإيكونوميست، فإن هذه الوصفة الاقتصادية تتجاهل واقع الاقتصاد الحديث والسياق التاريخي. إذ لطالما انتقد الاقتصاديون الرسوم الجمركية بسبب التشوهات التي تُحدثها في التجارة، حيث لا يدفعها الأجانب كما يُروج لها، بل يتحملها المستهلكون والشركات المحلية الأمريكية. أثار سلبية وفي الواقع، أظهرت دراسة أجرتها ماري أميتي من بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك عام 2020 أن معظم التعريفات التي فرضها ترامب في ولايته الأولى انعكست سلبًا على الشركات الأمريكية من خلال انخفاض هوامش الربح، وكذلك على المستهلكين من خلال ارتفاع الأسعار. والأسوأ من ذلك أن الاتفاقيات التجارية مع دول مثل بريطانيا والصين ساهمت في تقليص متوسط معدلات الرسوم، مما قلل من الإيرادات المتوقعة من هذه السياسات. ومن المرجح أن تستمر هذه التوجهات مع توقيع المزيد من الاتفاقيات. ورغم هذه التحديات، لا تزال الرسوم الجمركية تُدر إيرادات متزايدة. ففي عام 2023، جنت الحكومة حوالي 100 مليار دولار من الرسوم الجمركية من أصل 4.9 تريليون دولار من إجمالي الإيرادات الفيدرالية. وحتى منتصف مايو/أيار الجاري، بلغت إيرادات الرسوم الجمركية 47 مليار دولار، بزيادة قدرها 15 مليارًا عن نفس الفترة من العام الماضي. ومع ذلك، فإن هذه الزيادة قد تعود جزئيًا إلى تسارع الشركات في الاستيراد قبل فرض رسوم جديدة، وليس نتيجة لتغييرات سياسية جوهرية. من جانبه، يزعم بيتر نافارو، مستشار ترامب السابق للتجارة، أن التعريفات الحدودية يمكن أن تدر أكثر من 6 تريليونات دولار خلال العقد المقبل، أي حوالي 600 مليار دولار سنويًا. ويعتمد حسابه على فرض رسوم بنسبة 20% على واردات بقيمة 3.3 تريليون دولار. لكن هذا الحساب يتجاهل الديناميكيات الاقتصادية الأساسية. فزيادة الرسوم تؤدي إلى انخفاض الطلب على الواردات، ما يقلص قاعدة الضرائب. كما أن هذه السياسات تُضعف عائدات ضرائب الدخل والرواتب، مما يلغي ما يصل إلى 25% من مكاسب الرسوم، وفقًا لمعظم التقديرات. وعند إضافة تداعيات الانتقام التجاري، والتهرب الجمركي، وتغيير سلاسل التوريد، تنخفض الإيرادات المتوقعة أكثر. أما التقديرات المستقلة فهي أكثر تحفظًا. إذ يُقدر نموذج الميزانية في جامعة بنسلفانيا (Penn Wharton) أن الحزمة الكاملة من الرسوم المقترحة قد تدر نحو 290 مليار دولار سنويًا على مدى العقد المقبل. وتشمل هذه الحسابات انخفاض الطلب على الواردات وانخفاض إيرادات ضرائب الشركات والرواتب. أما مركز الميزانية في جامعة ييل فيتوقع عائدًا سنويًا يبلغ 180 مليار دولار، بينما تقدر مؤسسة الضرائب (Tax Foundation) الرقم بـ140 مليارًا فقط. دليل عملي ويقدم المثال الصيني مؤشرًا مهمًا: تقليل الرسوم على الواردات الصينية من 145% إلى 30% لن يُحدث فارقًا كبيرًا في الإيرادات، لأن الرسوم المرتفعة كانت تردع الواردات بشدة. ووفقًا لنموذج بنسلفانيا، فإن رسومًا بنسبة 145% كانت ستجلب إيرادات إضافية قدرها 25 مليار دولار فقط مقارنة بالنسبة الحالية البالغة 30%. وبالرغم من كل هذا، فإن الرسوم الجمركية، حتى في أفضل حالاتها، لا يمكن أن تحل محل ضرائب الدخل. ففي عام 2023، جمعت ضرائب الدخل الشخصي نحو 2.4 تريليون دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 4.4 تريليون دولار بحلول عام 2035. وتُظهر تقديرات مؤسسة الضرائب أن إلغاء ضرائب الدخل لمن يقل دخلهم عن 200 ألف دولار سيكلف 737 مليار دولار في عام 2025 وحده، أي ما بين ضعفين إلى خمسة أضعاف ما يمكن للرسوم أن توفره فعليًا. وعلى أقصى تقدير، يمكن استبدال ضرائب الدخل فقط للأشخاص الذين يقل دخلهم عن 80 ألف دولار، والذين لا يمثلون سوى 10% من إجمالي إيرادات ضرائب الدخل. كما أن إلغاء ضرائب الدخل عن أصحاب الدخل المنخفض يتطلب تخفيض المعدل الضريبي الأولي، الذي ينطبق على جميع دافعي الضرائب، مما يعني أن الفائدة الكبرى ستعود على أصحاب الدخول المرتفعة. والواقع أن الرسوم الجمركية كانت قادرة على تمويل الحكومة الفيدرالية في أوائل القرن العشرين لأن الإنفاق كان لا يتجاوز 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وكان يقتصر على الدفاع، وخدمة الدين، والبنية التحتية. أما اليوم، فإن هذا الرقم يزيد عن 20%. كما أن الواردات تُعد قاعدة ضريبية ضيقة ومتقلبة، مما يجعلها غير مناسبة لتمويل حكومة حديثة تعتمد على برامج ضخمة. والمفارقة الأكبر أن الاعتماد على الرسوم الجمركية سيجعل الإنفاق الأمريكي مرتبطًا أكثر بالإنتاج الصيني، وهو أمر يتعارض مع الخطاب السياسي المعادي للصين الذي يتبناه ترامب. وأكد التقرير على أنه في النهاية، قد تبدو سياسات ترامب الحمائية جذابة من منظور شعبوي، لكنها تستند إلى أوهام اقتصادية. فالأرقام لا تدعمها، وتأثيراتها تميل إلى الإضرار بالفقراء أكثر من الأغنياء، ولا تتماشى مع متطلبات دولة حديثة ذات إنفاق مرتفع. ولهذا السبب، لا يحاول معظم الساسة، حتى الشعبويين منهم، العودة إلى نموذج ما قبل ضريبة الدخل – لأنه ببساطة لا يصلح لعصرنا الحالي. aXA6IDM4LjIyNS4xOC4yMzEg جزيرة ام اند امز SE


العين الإخبارية
منذ يوم واحد
- العين الإخبارية
من الإفلاس إلى قمة وول ستريت.. راي داليو مؤسس «بريدجووتر» وقصة صعود استثنائية
تم تحديثه الثلاثاء 2025/5/20 04:00 م بتوقيت أبوظبي لم تكن رحلة راي داليو إلى القمة مفروشة بالورود. بل مرّ الرجل الذي أصبح أحد أنجح المستثمرين في العالم ومؤسس أكبر صندوق تحوط عالمي "بريدجووتر أسوشيتس"، بلحظات سقوط قاسية كادت أن تنهي مستقبله المهني. ومع ذلك، تحوّلت تلك اللحظات إلى دروس غيّرت مجرى حياته. في هذه القصة، نروي تفاصيل صعوده المذهل من الإفلاس إلى قمة وول ستريت، والدروس التي يمكن لأي رائد أعمال أو مستثمر أن يستفيد منها. حياة راي داليو راي داليو هو أحد أبرز المستثمرين في العالم ومؤسس لشركة بريدجووتر أسوشيتس، ومن مواليد الثامن من أغسطس/آب 1949 بحي جاكسون هايتس في نيويورك ضمن أسرة متوسطة الحال. ونشأ في بيئة بسيطة، واكتسب من والده، الذي كان عازفا موسيقيا، حب الإبداع والالتزام، وهما قيمتان أثّرتا بعمق في تشكيل شخصيته ومسيرته المهنية. ورغم محدودية الإمكانات المادية في طفولته، فقد غرست عائلته فيه مبادئ راسخة مثل الاجتهاد، والتفكير المبدع، والطموح، ما مكّنه من تحويل أحلامه إلى واقع ملموس. وبدأ داليو مسيرته العملية منذ سن صغيرة، حيث عمل في وظائف شاقة لتأمين احتياجاته، إلا أن تلك البدايات المتواضعة لم تكن عائقاً أمام طموحه، بل شكّلت دافعاً لمزيد من الإصرار والمثابرة. وواصل دراسته بتفوق حتى نال شهادتيه من جامعتي برينستون وهارفارد، وهما من أعرق المؤسسات الأكاديمية في العالم. وبفضل تعليمه المتميز وطموحه الذي لا يعرف حدوداً، اقتحم راي داليو عالم الاستثمار، ليؤسس لاحقًا شركة بريدجووتر أسوشيتس، التي أصبحت من كبرى شركات الاستثمار العالمية. وتعد مسيرته مثالًا حيًا على أن العمل الجاد والتعليم النوعي والمثابرة قادرة على تحويل الأحلام إلى إنجازات. وعلى الصعيد الشخصي، يعيش داليو مع زوجته باربرا داليو في غرينويتش بولاية كونيتيكت، ويُعرف بشغفه بالتامل، الذي أسهم في منحه صفاءً ذهنيًا وتوازنًا نفسيًا ساعداه في مسيرته المهنية. وفي عام 2011، التحق داليو وزوجته بمبادرة أطلقها بيل غيتس ووارن بافيت، هي التعهد بالعطاء، حيث تعهّد بالتبرع بأكثر من نصف ثروته للأعمال الخيرية خلال حياته، في خطوة تجسّد التزامه الإنساني ومسؤوليته المجتمعية كرائد في ميدان المال والأعمال. سيرته المهنية لم تكن المسيرة المهنية لراي داليو مجرد سلسلة من النجاحات الاستثمارية، بل شكّلت أيضا رحلة فريدة من نوعها في الابتكار والمساهمة الفاعلة في تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي. بدأ داليو أولى خطواته الاستثمارية في سن مبكرة للغاية، إذ أقدم وهو في الثانية عشرة من عمره على شراء أسهم في شركة نورث إيست إيرلاينز مقابل 300 دولار. وبعد اندماج هذه الشركة مع دلتا إيرلاينز، تضاعفت قيمة استثماره ثلاث مرات، وهو ما كان بمثابة الشرارة الأولى التي ألهبت شغفه بعالم الأسواق المالية. وعلى امتداد مسيرته، لم يقتصر داليو على تحقيق الأرباح لنفسه، بل حرص كذلك على تقديم تحليلات معمّقة ورؤى استراتيجية أسهمت في توجيه المستثمرين وصنّاع القرار حول العالم. ففي عام 2007، نجح في التنبؤ بالأزمة المالية العالمية بدقة، الأمر الذي عزّز مكانته بين كبار خبراء المال والاقتصاد. وفي العام التالي، أصدر دراسة بعنوان "آلية عمل الاقتصاد: فهم ما يحدث الآن"، تناول فيها أسباب الأزمة وأساليب معالجتها، وهي وثيقة لاقت صدى واسعاً في الأوساط الاقتصادية، وأسهمت في إعادة تشكيل طريقة التفكير بشأن الأزمات الاقتصادية. وفي عام 2013، قدّم داليو فيديو توضيحي عبر منصة يوتيوب بعنوان "آلية عمل الاقتصاد"، استعرض فيه أفكاره الاقتصادية ونظرياته الاستثمارية بأسلوب مبسّط يسهل استيعابه. وقد حصد هذا الفيديو نحو 3.2 مليون مشاهدة، كما تُرجم إلى عدة لغات منها اليابانية، الصينية، الروسية، والإسبانية، مما زاد من تأثيره وانتشاره على الساحة الدولية. ولم يتوقف نجاح داليو عند حدود التحليل والاستثمار، ففي عام 2014، تم تصنيفه كأغنى شخصية في ولاية كونيتيكت بثروة قُدرت بنحو 14.3 مليار دولار. ولقد شكّلت إسهاماته المتعددة في مجالات المال والاقتصاد، سواء من خلال شركة بريدجووتر أسوشيتس التي أسسها، أو عبر مؤلفاته وأفكاره، نموذجاً مُلهماً يستحق التأمل والدراسة. aXA6IDgyLjI2LjIyNy4xMjkg جزيرة ام اند امز CA