
"الساماريوم" في قلب محادثات واشنطن وبكين.. عنصر نادر يهدد توريد F-35
تسببت قيود صارمة تفرضها الصين على تصدير "مغناطيسات مقاومة للحرارة" في "أزمة إمدادات" تهدد القدرات العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها، فيما تعد المعادن الأرضية النادرة "قضية محورية " في محادثات التجارة الجارية حالياً في لندن بين واشنطن وبكين، حسبما أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
وأوضحت الصحيفة، في تقرير نشرته، الاثنين، أنه بدون هذه المغناطيسات المقاومة للحرارة المصنوعة من معادن أرضية نادرة، ستواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا صعوبة في تعويض النقص الحاد في مخزون المعدات العسكرية التي استُنفدت مؤخراً، ما يسلط الضوء على "هشاشة سلاسل التوريد الغربية في ظل الهيمنة الصينية".
وعلى مدى أكثر من عقد، فشلت الولايات المتحدة في تطوير بديل لإمدادات الصين من معدن أرضي نادر وغامض، يُعدّ ضرورياً لصناعة مغناطيسات تُستخدم في الصواريخ والطائرات المقاتلة والقنابل الذكية، وغيرها من المعدات العسكرية الأخرى، إذ تنتج بكين كامل إمدادات العالم من "الساماريوم" الذي يُستخدم بشكل شبه كامل في التطبيقات العسكرية.
"لوكهيد مارتن" مستورد رئيس
وتتميز مغناطيسات "الساماريوم" بقدرتها على تحمل درجات حرارة عالية تكفي لإذابة الرصاص دون أن تفقد قوتها المغناطيسية، ما يجعلها ضرورية لتحمل حرارة المحركات الكهربائية سريعة الحركة في الأماكن الضيقة، مثل مخاريط مقدمة الصواريخ.
وأوضحت الصحيفة أن شركة "لوكهيد مارتن"، المتخصصة في الصناعات الجوية والعسكرية، تعد المستهلك الأميركي الرئيسي لهذا المعدن النادر، حيث تضع نحو 50 رطلاً من مغناطيسات "الساماريوم" في كل طائرة مقاتلة من طراز F-35.
وصرّحت الشركة الأميركية في بيان مقتضب: "نجري تقييماً باستمرار لسلسلة توريد المعادن الأرضية النادرة على مستوى العالم لضمان الحصول على المواد الأساسية اللازمة التي تدعم مهام عملائنا".
وفي 4 أبريل الماضي، أوقفت الصين تصدير سبعة أنواع من المعادن الأرضية النادرة، إلى جانب المغناطيسات المصنوعة منها، كما أنها تسيطر على معظم إمدادات العالم من هذه المعادن والمغناطيسات.
"حماية الأمن القومي"
وأعلنت وزارة التجارة الصينية أن هذه المواد ذات استخدام مزدوج، مدني وعسكري، وأنه لن يُسمح بتصديرها إلا عبر تراخيص خاصة تصدرها الحكومة. ووفقاً للوزارة، فإن هذه الخطوة تهدف إلى "حماية الأمن القومي" و"الوفاء بالالتزامات الدولية مثل منع الانتشار".
وأضافت الصحيفة أن الوزارة منحت بالفعل بعض التراخيص لتصدير مغناطيسات تحتوي على عنصرين من هذه المعادن الأرضية النادرة المحظورة، وهما "الديسبروسيوم" و"التيربيوم"، إلى شركات صناعة السيارات في أوروبا والولايات المتحدة.
وتُستخدم المغناطيسات التي تحتوي على هذين العنصرين الأرضيين النادرين في أنظمة الفرامل والتوجيه، حيث يمكنها تحمل حرارة محركات البنزين، لكنها لا تتحمل بشكل موثوق الحرارة العالية التي تتطلبها التطبيقات العسكرية، ومع ذلك، لم تُظهر بكين أي مؤشرات حتى الآن بشأن السماح بتصدير "الساماريوم"، الذي لا يُستخدم إلا في تطبيقات مدنية قليلة.
وبحسب الصحيفة، فقد بدأ المسؤولون الصينيون والأميركيون يوم الاثنين محادثات تجارية تستمر ليومين في لندن، إذ تعد إعادة تدفق المعادن الأرضية النادرة أولوية للمسؤولين الأميركيين، لكن القليل منهم يتوقع أن تلغي بكين نظام تراخيص التصدير الجديد بشكل كامل.
ونقلت الصحيفة عن مايكل هارت، رئيس غرفة التجارة الأميركية في الصين، والذي ينسّق جهود القطاع الخاص الأميركي في بكين للحصول على المزيد من هذه المعادن، قوله: "لا أعتقد أن هذا النظام سيُلغى".
اعتماد كلي
ولفتت الصحيفة إلى أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن كانت قلقة للغاية من غياب الإمدادات المحلية من "الساماريوم" لدى الجيش الأميركي، لدرجة أنها أبرمت عقوداً ضخمة لبناء منشأتين لإنتاج هذا المعدن داخل البلاد، لكن لم يُبنَ أي منهما، لأسباب تجارية، مما جعل الولايات المتحدة تعتمد كلياً على الصين.
وتابعت الصحيفة أن انقطاع إمدادات "الساماريوم" خلال الشهرين الماضيين يأتي في وقتٍ تسعى فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا لإعادة بناء مخزوناتهم من الأسلحة المتطورة، التي تراجعت بشكل كبير بسبب الدعم العسكري لأوكرانيا بعد الغزو الروسي، وكذلك الدعم الأميركي لإسرائيل خلال حرب غزة.
كما تحاول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب توريد المزيد من الأسلحة إلى تايوان، التي تدّعي بكين سيادتها عليها.
وبالإضافة إلى وقف صادرات المعادن النادرة للاستخدام العسكري، فرضت الصين مؤخراً عقوبات على بعض شركات الدفاع الأميركية بسبب دورها في تسليح تايوان.
وأوضحت "نيويورك تايمز" أن هذه العقوبات باتت الآن تمنع الشركات والأفراد الصينيين من إقامة أي علاقات مالية مع مقاولي الدفاع الأميركيين.
وحتى وقت قريب، لم يكن لذلك تأثير كبير على صناعة "الساماريوم"، لأن الصين كانت تصدره إلى شركات كيميائية تخلطه مع الكوبالت قبل بيعه لشركات صناعة المغناطيسات، والتي بدورها تبيعه لشركات الأسلحة.
"المستخدم النهائي"
لكن ضوابط التصدير الجديدة التي فرضتها بكين على المعادن النادرة تنُص على أنه لا يمكن إصدار التراخيص إلا بناءً على "المستخدم النهائي" للمعدن في نهاية سلسلة التوريد، وهو ما قد يطال مباشرةً مقاولي الدفاع.
ونقلت الصحيفة عن ستانلي تراوت، وهو خبير معادن في جامعة ولاية متروبوليتان في دنِفر، ومتخصص في مغناطيسات "الساماريوم" منذ سبعينيات القرن الماضي، قوله إن من بين الأنواع السبعة من المعادن الأرضية النادرة التي تفرض الصين قيوداً على تصديرها، يعتبر الطلب على ستة منها ذا طابع مدني إلى حد كبير.
لكن "الساماريوم" يشكل استثناءاً، إذ أوضح تراوت أنه "يُستخدم بشكل حصري تقريباً في الأغراض العسكرية".
وأضاف أنه وفقاً للوائح وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون)، يجب أن تُصنّع مغناطيسات الاستخدام العسكري، بما في ذلك صبها أو صهرها، داخل الولايات المتحدة أو في دولة حليفة، لكن القواعد تسمح باستيراد مكونات المغناطيسات العسكرية من أي مكان، وهو ما مكّن من الاعتماد على "الساماريوم" الصيني منخفض التكلفة لسنوات.
وأوضحت "نيويورك تايمز" أن المخاوف بشأن الاعتماد على بكين في الحصول على "الساماريوم" ليست جديدة، إذ كانت الجيوش الغربية تعتمد منذ سبعينيات القرن الماضي على مصنع كيميائي واحد في مدينة لاروشيل الفرنسية، كان يُكرّر "الساماريوم" المُستخرَج من أستراليا.
لكن المصنع أُغلق في عام 1994، وذلك جزئياً لأسباب تتعلق بالتلوث، ولعدم قدرته على منافسة الإنتاج منخفض التكلفة من مدينة باوتو الصينية في منطقة منغوليا الداخلية، والمعروفة بضعف تطبيق معايير البيئة، حتى وفقاً للمعايير الصينية.
وفي عام 2009، بدأ المشرعون الأميركيون يدقون ناقوس الخطر بشأن اعتماد الولايات المتحدة على مصافي "الساماريوم" في باوتو، وطلب الكونجرس من وزارة الدفاع وضع خطة بحلول العام التالي لمعالجة هذه القضية. وكان ذلك قبل أن تُوقف الصين في أواخر عام 2010 تصدير جميع أنواع المعادن النادرة السبعة عشر إلى اليابان لمدة شهرين، كجزء من نزاع إقليمي.
ورداً على ذلك، أطلقت الولايات المتحدة مشروعاً بقيمة مليار دولار لإصلاح وتوسيع وإعادة تشغيل منجمها الوحيد لهذه المعادن الأرضية النادرة، في منطقة ماونتن باس بولاية كاليفورنيا، والذي كان قد أوقف عملياته عام 1998 بسبب تسرب في خط أنابيب.
الجدوى الاقتصادية
وتوجد المعادن الأرضية النادرة في جميع أنحاء العالم، ولكن نادراً ما تتوفر بتركيزات عالية تسمح باستخراجها بشكل مجدٍ اقتصادياً، فضلاً عن كون هذه المعادن مترابطة بإحكام، ولذا فإن استخلاصها يتطلب كسر هذه الروابط عبر سلسلة من 100 عملية كيميائية أو أكثر باستخدام أحماض شديدة القوة، بحسب الصحيفة.
ولم يحاول منجم "ماونتن باس" سابقاً فصل عنصر "الساماريوم" أو استخلاصه من الخامات التي يستخرجها، ولم يدرج هذه الخطوة حتى ضمن خطط التوسعة التي أجراها لاحقاً، فقد أُعيد فتح المنجم عام 2014، وتم التركيز على معادن أرضية نادرة أخرى، قبل أن يُغلق مجدداً ويفلس بعد عام واحد، لعدم قدرته على منافسة الإنتاج الصيني.
وأشارت الصحيفة إلى أن شركة MP Materials، التي استحوذت على منجم ماونتن باس وأعادت تشغيله عام 2018، كانت في البداية ترسل الخامات إلى الصين لمعالجتها.
وفي أوائل عام 2022، منحت وزارة الدفاع الأميركية الشركة مبلغ 35 مليون دولار لبدء إنتاج "الساماريوم" ومعادن نادرة أخرى تخضع لقيود التصدير الصينية.
وصرّح جيمس ليتينسكي، الرئيس التنفيذي للشركة، أن MP Materials استثمرت نحو 100 مليون دولار من أموالها الخاصة لشراء المعدات اللازمة لتكرير هذه المعادن.
لاحقاً، قدمت إدارة بايدن تمويلاً إضافياً بقيمة 351 مليون دولار لشركة Lynas Rare Earths الأسترالية لبناء منشأة لإنتاج "الساماريوم" في ولاية تكساس.
لكن ليتينسكي أوضح أن سوق "الساماريوم" ضيق للغاية، بحيث لا يكون وجود منتجين اثنين له في الولايات المتحدة مجدياً اقتصادياً، لذا لم تقم MP Materials بتشغيل معداتها لمعالجة الساماريوم حتى الآن، ولا تزال هذه المعدات مُخزنة.
أما Lynas Rare Earths فلم تنشئ مصنعها في تكساس، بعد أن تم تجديد تصريحها لتعدين المعادن الأرضية النادرة في ماليزيا، وهو التصريح الذي كان موقوفاً في وقت سابق.
واختتم ليتينسكي بالقول: "MP Materials لن تكون مستعدة لتركيب معدات معالجة الساماريوم ما لم نحصل على شروط مالية أفضل من العملاء..لقد شعرنا بخيبة أمل كبيرة من مجمل هذه التجربة".
ونقلت الصحيفة عن جاي تروسديل، وهو دبلوماسي أميركي سابق لعب دوراً بارزاً في ملف المعادن الاستراتيجية في وزارة الخارجية في الفترة بين عامي 2014 و2015، قوله إن إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما كانت تركز على استخدام قواعد منظمة التجارة العالمية لإلزام الصين ببيع معادنها الأرضية النادرة. وأضاف: "لم يكن هناك شعور بالخطر في ذلك الوقت، لأن منظمة التجارة كانت تُعتبر الوسيلة المُثلى لحل مثل هذه النزاعات".
وخلال فترة ولايته الأولى، قلّص الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشكل كبير مشاركة الولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية، وتدهورت العلاقات مع الصين. وعند تولّي جو بايدن الرئاسة، بدأت إدارته بإظهار اهتمام متزايد بقضية "الساماريوم".
محادثات تجارية
واجتمع مسؤولون كبار من الولايات المتحدة والصين في لندن، الاثنين، بهدف نزع فتيل توتر تجاري كبير اتسع نطاقه وتجاوز الرسوم الجمركية المتبادلة، فيما أبدت واشنطن استعدادها لإزالة القيود المفروضة على بعض صادرات التكنولوجيا، مقابل ضمانات بأن بكين ستخفف القيود على شحنات المعادن الأرضية النادرة.
وتستمر محادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين ليوم إضافي في لندن، حيث من المقرر أن يلتقي مسؤولون من الجانبين مجدداً الثلاثاء، بعد يوم أول مكثف، وفقاً لما أفاد به مسؤول أميركي لوكالة "بلومبرغ".
وأنهى ممثلو البلدين يومهم الأول من المفاوضات في لندن بعد أكثر من 6 ساعات في "لانكاستر هاوس"، وهو قصر من القرن التاسع عشر بالقرب من قصر باكنجهام في لندن.
واختتمت المحادثات حوالي الساعة الثامنة مساءً بتوقيت لندن، ومن المقرر أن يلتقي المسؤولون مجدداً، الثلاثاء، الساعة العاشرة صباحاً.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 24 دقائق
- الشرق الأوسط
عن دولارهم ومشكلتنا!
ليست الحرب التجارية وحدها السبب فيما يعانيه العالم اليوم. فالتجارة ما هي إلا أحد المحاور الاقتصادية المتعددة للصراع الدولي الراهن بين القوى التقليدية والقوى البازغة. فلا يمكن تجاهل القيود المتزايدة المفروضة على حركة الاستثمار، ويصعب غض الطرف عن موانع تقام في سبيل حركة البشر من العاملين أو طالبي العلم، أو عوائق تترصد التعاون التكنولوجي في مجالات طالت قوائمها ضد جنسيات بعينها. وفي هذه الأثناء تتجدد دعوات قديمة بأن الامتياز السخي الفياض للدولار، على حد وصف جيسكار ديستان، عندما كان وزيراً في الحكومة الفرنسية في الستينات، آنَ له أن يشهد بدايات طال انتظارها لنهايته. وقد تكررت هذه الدعوات مع إعلان الرئيس الأميركي نيكسون عدم تحويل الدولار إلى ذهب في عام 1971، مما تسبب في نهاية العمل بنظام «بريتون وودز» لعام 1944، الذي دشَّن الدولار عملةَ احتياطيٍّ، فارتبطت به العملات المحلية بأسعار صرف ثابتة، وكان يتم تحويله تلقائياً إلى ذهب بمقدار 35 دولاراً لكل أونصة من الذهب. واستمر الجدل حول نظم سعر الصرف ومدى عدالتها وكفاءتها ومحاولة البحث عن بديل للعملة المتوَّجة. وحتى يومنا هذا تُقوَّم العملات نسبةً إلى الدولار، وترتبط به بدرجات متفاوتة أسعار صرف العملات، فإن اتبعت الدول نظام صرف ثابتاً، كان ذلك بالنسبة إلى الدولار، وإن تبنَّت أسعار صرف مرنة، كان ذلك بالنسبة إليه أيضاً. ربما أُضيفت عملات أخرى في سلة العملات، ولكنه يظل أهمها نسبياً في الأوزان. حتى لو لم يكن الدولار طرفاً مباشراً في المعاملات، مع ازدياد استخدام عملات أخرى محلية ودولية عبر الحدود، فما زال يُستنَد إليه على أنه عملة «معبرية» تقاس بالنسبة إليها قيم العملات الأخرى وأسعار صرفها. وعلى مدار سبعة عقود مضطربة للتمويل الدولي، على حد وصف الاقتصادي المرموق بجامعة هارفارد وكبير الاقتصاديين الأسبق لصندوق النقد الدولي، كينيث روغوف، في كتابه الجديد عن الدولار، يتبيَّن بالتحليل العلمي أن الخلود ليس من صفات العملات الدولية. فمقومات تمتعها بالتميز الذي تستحق به أن تكون عملةَ احتياطيٍّ، ناهيك بانفرادها بالقمة، محل فحص وتمحيص لا يعرف المجاملة أو يستجيب للتهديد أو الوعيد إذا ما بدأت موجات للتخلي عنها. فالعالم في حالة رصد دائمة لحركة الدولار وقيمته ومدى استقراره وصموده أمام موجات التضخم في بلاده وديونها المتراكمة، والتزامها بقواعد القانون، واستمرارها بمصداقيةٍ في الوفاء بالتزاماتها، واستدامة تمتعها بعمق أسواقها وسيولتها وتنوع أوعيتها المالية واعتبارها ملاذاً آمناً. وفي حالتنا الراهنة فإنه مع انفلات الديون مع زيادة في أسعار الفائدة ومعها تكلفة الاقتراض، وتحجيم دور البنك الفيدرالي في كبح التضخم في ظل أجواء الصراع الجيوسياسي والحروب الاقتصادية... يكون العالم بصدد مشكلة تمس كل أطرافه. وقد رأينا في سجل الأزمات العالمية السابقة أن تبعاتها لا تصيب بالأذى مَن تسببوا فيها وحدهم، ولهذا جاء التحذير المتكرر في المقالات السابقة من شرور تمكُّن «حمقى السياسة وسفهاء الاقتصاد». يُذكِّرنا روغوف بمقولة وزير الخزانة الأميركية جون كونولي، في عهد نيكسون، عندما واجه نظراءه الممتعضين من آثار السياسة الأميركية المنفردة على اقتصاداتهم بقولته الشهيرة: «هو دولارنا، وتلك مشكلاتكم». فما زالت السياسات الأميركية الساعية لمصلحتها المنفردة غير المكترثة بنتائج غير مقصودة على الشركاء، أو مقصودة على الغرماء، تُلقي بأعبائها على عموم الناس حول العالم. والولايات المتحدة في تاريخها المعاصر، بغضِّ النظر عن أسلوب الإدارة الحاكمة، سواء تحلَّت بمظهر المتعاون الودود أو تلبَّست دور الكاوبوي الأرعن، تترك سائر العالم ليحتوي تداعيات إجراءاتها بين صمودٍ وانهيارٍ، حسبَ أحوال متانة الاقتصادات الأخرى ومرونتها في تلقي الصدمات والتعامل معها. ألم يكن تضخم السبعينات في الولايات المتحدة وبالاً على الاقتصاد العالمي في بلدان شتى عانت من ارتفاع أسعار الفائدة وتكلفة التمويل، وتسببت في موجة من موجات أزمات المديونية، ثم سرعان ما تعافت الولايات المتحدة من تضخم أسعارها تاركةً بلداناً نامية في اضطراب محتدم في أزمة سبَّبَتها بارتفاع تكلفة مديونياتها الدولارية؟ ألم تكن أزمة الرهون العقارية الأميركية هي التي أشعلت الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وكانت الولايات المتحدة أول المتعافين منها تاركةً أوروبا في اضطراب مالي ثم اقتصادي بتداعيات اجتماعية وسياسية مستمرة إلى يومنا هذا، مع تأثيرات متفاوتة على بلدان نامية وذات أسواق ناشئة تراجعت تجارتها واستثماراتها ومعدلات نموها وفرص العمل فيها؟ هذا ما صار، لكن في عالم شديد التغير هناك ما يقض مضجع مَن يتصور دوام الهيمنة، رغم تآكل مقوماتها. فما يهدد تفوق الدولار حقاً من مخاطر يأتي من الداخل، وليس من الخارج. ومن أشد هذه المخاطر أثراً زيادة عجز الموازنة الفيدرالية، والتصاعد المستشري في المديونية بما يدفع التضخم إلى الزيادة ومعه ترتفع أسعار الفائدة. ويزيد معها تعرض الاقتصاد الأميركي لتقلبات مالية حادة بتداعيات على الاقتصاد العالمي، وزيادة احتمالات أزمات مالية عنيفة مدفوعةً بالمديونية الدولية. وتستشري المخاطر إذا ما تعرض البنك الفيدرالي لمهددات تنال من استقلاله وتعوقه عن أداء وظيفته الرئيسية في الحفاظ على الاستقرار النقدي والسلامة المالية. ويذكِّر روغوف من يرى في نتائج تحليله مبالغة في آثار عدم الانضباط المالي بقوله: «لو لم نتعلم إلا شيئاً واحداً من تحليل تطور النظام النقدي العالمي خلال السنوات السبعين الماضية، فهو أن التغيرات المفاجئة ليست قابلة للحدوث فحسب، بل هي تحدث بالفعل».


الشرق السعودية
منذ 43 دقائق
- الشرق السعودية
واشنطن: محادثات التجارة مع الصين تسير بشكل جيد وقد تستمر ليوم ثالث
قال مفاوضون أميركيون إن محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين في لندن تسير بشكل جيد وقد تستمر لليوم الثالث، الأربعاء، بالعاصمة البريطانية حيث يسعى البلدان إلى تحقيق تقدم بخصوص ضوابط التصدير المتنازع عليها والتي هددت بانهيار اتفاق هش بشأن الرسوم الجمركية. وعبر وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك عن أمله في أن تنتهي المحادثات مساء الثلاثاء، لكنه أشار إلى أنها قد تستمر الأربعاء. وأبلغ الصحافيين أن "المحادثات تسير على ما يرام. نبذل الكثير من الوقت والجهد والطاقة. الجميع يبذلون قصارى جهدهم في العمل بشكل وثيق". وأضاف لدى وصول الوفد الأميركي لإجراء محادثات مسائية مع المسؤولين الصينيين: "آمل أن تنتهي هذا المساء، ولكن إذا لزم الأمر، فسنكون هنا غداً". وتوقفت المحادثات مؤقتاً قبل استئنافها في حوالي الساعة الثامنة مساء بالتوقيت المحلي (19:00 بتوقيت جرينتش). ولم تعلن أي تفاصيل بعد عن الاجتماعات التي امتدت لأكثر من 5 ساعات بعد يوم كامل الاثنين. وقال مسؤول بالبيت الأبيض إن محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين تسير "على نحو جيد"، لكنه أحجم عن الخوض في تفاصيل. وبعد الاتفاق الأولي الذي تم التوصل له في جنيف الشهر الماضي، يسعى الجانبان إلى التوصل لاتفاق جديد بعد أن تبادلا الاتهامات بمحاولة عرقلة سلاسل التوريد من خلال مجموعة من قيود التصدير. وقال المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض كيفن هاسيت، الاثنين، إن من المرجح أن توافق واشنطن على رفع ضوابط التصدير على بعض أشباه الموصلات مقابل قيام الصين بتسريع وتيرة تسليم المعادن النادرة. وأدت سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتقلبة بشأن الرسوم الجمركية في كثير من الأحيان إلى إرباك الأسواق العالمية، وإثارة الازدحام والارتباك في الموانئ الكبرى، وتكبد الشركات عشرات المليارات من الدولارات بسبب تراجع المبيعات وزيادة التكاليف. وخفض البنك الدولي، الثلاثاء، توقعاته للنمو العالمي خلال العام الجاري بما يعادل 0.4 نقطة مئوية إلى 2.3% قائلاً إن ارتفاع الرسوم الجمركية وتزايد الضبابية يشكلان "عقبة كبيرة" أمام جميع الاقتصادات تقريباً. وتأتي الجولة الثانية من المحادثات بين الولايات المتحدة والصين في وقت حاسم لكلا الاقتصادين وفي أعقاب مكالمة هاتفية نادرة بين ترمب والرئيس الصيني شي جين بينج الأسبوع الماضي. وأظهرت بيانات الجمارك الصادرة، الاثنين، أن صادرات الصين إلى الولايات المتحدة تراجعت 34.5% خلال مايو الماضي، في أكبر انخفاض منذ تفشي جائحة (كوفيد-19). ورغم ضعف تأثير التضخم وسوق العمل على الولايات المتحدة حتى الآن، إلا أن الرسوم الجمركية أثرت سلباً على ثقة الشركات والأسر في واشنطن، وفيما لا يزال الدولار تحت الضغط. مناقشة الخلافات يجتمع الجانبان، بقيادة وزير الخزانة سكوت بيسنت ووزير التجارة هوارد لوتنيك والممثل التجاري الأميركي جيميسون جرير في قصر لانكستر هاوس في العاصمة البريطانية، بينما يرأس الوفد الصيني نائب رئيس مجلس الدولة الصيني خه لي فنج. واستمرت المحادثات قرابة 7 ساعات، الاثنين. تعد مشاركة لوتنيك، الذي تشرف وكالته على ضوابط التصدير للولايات المتحدة، مؤشراً على مدى أهمية المعادن النادرة. ولم يشارك في محادثات جنيف، عندما أبرمت الدولتان اتفاقاً مدته 90 يوماً لإلغاء بعض الرسوم الجمركية المتبادلة ذات الأرقام الثلاثية (الباهظة). وتحتكر الصين بشكل شبه كامل مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة، وهي مكون أساسي في صناعة محركات السيارات الكهربائية، وقد أثار قرارها في أبريل الماضي، بتعليق صادرات مجموعة واسعة من المعادن والمغناطيسات الأساسية اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية. وكانت الولايات المتحدة أصدرت أمراً في مايو الماضي بوقف شحنات برمجيات تصميم أشباه الموصلات والمواد الكيميائية ومعدات الطيران، وألغت تراخيص التصدير التي صدرت في وقت سابق.


الشرق السعودية
منذ 43 دقائق
- الشرق السعودية
ترمب: سنستخدم كل موارد الولايات المتحدة لقمع العنف وفرض القانون والنظام فوراً
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الثلاثاء، عزمه استخدام كل الموارد المتاحة لدى الولايات المتحدة، لقمع العنف، وفرض القانون والنظام فوراً، معتبراً أن العالم بأسره يرى الآن أن الهجرة غير المضبوطة تؤدي إلى الفوضى، والخلل، والاضطراب. وقال ترمب، في خطاب بمناسبة ذكرى ذكرى مرور 250 عاماً على تأسيس الجيش الأميركي: "لن ننتظر 7 أو 8 أيام، ولن ننتظر حاكماً لن يتصل أبداً بينما مدنه تحترق (في إشارة إلى حاكم ولاية كاليفورنيا)، لو لم نفعل ما فعلناه، لكانت لوس أنجلوس الآن تحترق بالكامل، كما احترقت منازلها قبل بضعة أشهر فقط. والعلم الوحيد الذي سيرفرف منتصراً فوق شوارع لوس أنجلوس هو العلم الأميركي". واتهم ترمب حاكم كاليفورنيا، وعمدة لوس أنجلوس بتمويل المخربين، والمحرّضين، والمتمرّدين، موضحاً: "إنهم متورطون في محاولة متعمّدة لإبطال القانون الفيدرالي، ومساعدة الغزاة المجرمين في احتلال المدينة، وهذا هو الواقع.. إنهم غزاة، لا فرق بينهم وبين أي غزو خارجي"، متعهداً بتحرير لوس أنجلوس وجعلها حرة ونظيفة وآمنة من جديد، وبسرعة. وأضاف: "موقفهم هو أن أعمال الشغب لن تتوقف ما لم تنسحب إدارة الهجرة من لوس أنجلوس وتتوقف عن تطبيق قانون الهجرة الفيدرالي.. هل رأيتم عدد الأعلام التي جرى حرقها؟ من حرقوها من أبناء بلدنا أو من أشخاص يحبون هذا البلد.. الأشخاص الذين يحرقون العلم الأميركي يجب أن يُسجنوا لمدة عام واحد.. هذا ما ينبغي أن يحدث، وسنرى إن كان بإمكاننا تنفيذ ذلك، سنحاول تحقيق ذلك، نحن نعمل مع بعض أعضاء مجلس الشيوخ". وتابع ترمب: "المحرّضون يرمون القنابل الحارقة وزجاجات المولوتوف، ويشعلون السيارات، كما رأيتم تلك السيارات المحترقة، إنهم يهجمون على ضباط الشرطة وعلى ضباط إدارة الهجرة (ICE)، وهم من أقسى الناس الذين يمكن أن تقابلوهم، إنهم يحبون بلدنا، وقد حاول أولئك المخرّبون فعلياً سحقهم، لكنهم كانوا أقوى من أن يُهزموا.. لم يسمحوا بذلك". وأشار إلى أن من سماهم المخربين، يحاولون التسلل واحتلال المباني الفيدرالية وهم يرتدون دروعاً وخوذاً واقية باهظة الثمن من أفضل ما يمكن للمال شراؤه، معتبراً أن هناك "شخص ما يقوم بتمويلهم، وسنكتشف من هو، بام بوندي (وزيرة العدل) والوزارة يعملان بالفعل لمعرفة من يموّل كل هذه المعدات.. هؤلاء محترفون". وشدد ترمب، على أنه في ظل إدارته "لن يُسمح لهذا النوع من الفوضى بالاستمرار.. لن نسمح بالاعتداء على عملاء فيدراليين، ولن نسمح لمدينة أميركية بأن تُغزَى وتُحتل من قبل عدو أجنبي، وهذا ما هم عليه في الواقع". واعتبر، أن "كثير من هؤلاء الأشخاص يعيشون هنا بسبب إدارة (الرئيس السابق جو) بايدن.. لقد دُفع بهم إلى داخل البلاد.. جاءوا من السجون، من المعتقلات، من كل أنحاء العالم.. جاءوا من مستشفيات الأمراض العقلية، كانوا زعماء عصابات ومهربي مخدرات، وسُمح لهم بدخول بلدنا". ولفت ترمب، إلى أنه أرسل الآلاف من قوات الحرس الوطني ومئات من مشاة البحرية إلى كاليفورنيا لحماية أجهزة إنفاذ القانون الفيدرالية مما سماه "هجمات حشد وحشي وعنيف، وبعض اليساريين المتطرفين.. هذا ليس أمراً جيداً.. لو لم نفعل ذلك، لكانت لوس أنجلوس تحترق اليوم". وتحدث ترمب عن أجيال من أبطال الجيش الأميركي لم تسفك الدماء في أراضٍ بعيدة لكي يشاهدوا الولايات المتحدة تُدمّر من خلال الغزو والفوضى التي تشبه دول العالم الثالث كما يحدث الآن في كاليفورنيا، وشدد: "بصفتي القائد الأعلى، لن أسمح بحدوث ذلك.. لن يحدث ذلك أبداً". ووصف، ما يحدث في كاليفورنيا بأنه "هجوم شامل على السلام، وعلى النظام العام، وعلى السيادة الوطنية.. ينفذه مثيرو شغب يحملون أعلاماً أجنبية، بهدف مواصلة غزو أجنبي لبلادنا.. لن نسمح بذلك". وحمل ترمب الهجرة غير القانونية مسؤولية ما حدث، بقوله: "تذكّروا.. ملايين الأشخاص تم السماح لهم بالدخول إلى بلادنا دون أي تدقيق أو فحص من قِبل أشخاص أغبياء، أو يساريين متطرفين، أو مرضى نفسياً، ولكن بغض النظر عن السبب، فإن سياسة الحدود المفتوحة هي أغبى سياسة على الإطلاق.. أقول لكم إنها أكثر غباءً حتى من السماح للرجال بالمشاركة في الرياضات النسائية.. حتى هذا أقل غباءً من ذلك.. إنهم يقذفون الحجارة وكتل الأسمنت على قوات إنفاذ القانون.. هل شاهدتم؟ إنهم يكسرون الأرصفة والطرق بالحجارة.. يستخدمون مطارق ضخمة.. هؤلاء ليسوا هواة، بل محترفون.. إنهم يكسرون الأرصفة لأننا أخذنا منهم الطوب الأحمر الذي كانوا يستخدمونه لرميه على جنودنا. وكشف الرئيس الأميركي، عن إقرار أكبر ميزانية للعمليات العسكرية تبلغ أكثر من تريليون دولار، وهو رقم لم تقترب منه البلاد من قبل. وأعرب ترمب عن فخره بالجيش، بقوله: "من يونيو 1775 حتى يونيو 2025، كل من تجرأ على تحدي الجيش الأميركي واجه قوة لا تلين، وروحاً لا تنكسر، وقوة لا يمكن إيقافها ولا مقاومتها، قالوا إن القضاء على تنظيم (داعش) سيستغرق 5 سنوات، لكننا أنجزنا المهمة في 4 أسابيع.. 4 أسابيع فقط". وبشأن العرض العسكري المرتقب، السبت، قال ترمب: "يوم السبت سيكون يوماً كبيراً في العاصمة واشنطن، كثير من الناس قالوا لا نريد فعل ذلك، فقلت بلى، نريد أن نظهر قوتنا قليلاً". وأضاف: "مؤخراً احتفلت دول أخرى بالانتصار في الحرب العالمية الأولى، كانت فرنسا تحتفل، في الحقيقة، كان الجميع يحتفل، باستثناء الولايات المتحدة.. نحن الدولة الوحيدة التي لا تحتفل، رغم أننا من ربح الحرب! لولا تدخلنا، لكنتم جميعاً تتحدثون الألمانية الآن، وربما القليل من اليابانية أيضاً، لقد ربحنا الحرب، ومع ذلك لا نحتفل ولكننا سنحتفل يوم السبت، وسنحتفل من الآن فصاعداً". وتابع ترمب: "سوف نحتفل بعظمتنا وإنجازاتنا، هذا الأسبوع نكرّم 250 عاماً من القوة والمجد والانتصار لأعظم قوة قتالية مشت على وجه الأرض.. جيش الولايات المتحدة". وخاطب ترمب، الجنود قائلاً: "كجزء من مشروعنا (القانون الكبير والجميل)، نحن نستثمر أكثر من مليار دولار لتحديث مساكنكم العسكرية، ونبني درع دفاع صاروخي متطور لحماية وطننا يطلق عليه اسم (القبة الذهبية) وسيُصنع بالكامل في الولايات المتحدة".