
فورن أفيرز: الضربات العسكرية لن تمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية
وقالت المجلة إن "القنابل قادرة على كسب الوقت؛ لكن الدبلوماسية وحدها هي التي تضمن أمناً دائماً"، ورجحت أنه حتى لو ألحقت حملات القصف أضرارًا جسيمة بالمواقع النووية الإيرانية، فإن التاريخ يُظهر أن تدمير البنية التحتية السطحية نادرًا ما يُحقق أمنًا مستدامًا.
وفي حين قد تعوق الضربات قدرات أي دولة نووية ناشئة، فإنها تميل أيضًا إلى تعزيز طموحاتها النووية.
وفي الساعات الأولى من صباح 22 يونيو/حزيران، أطلقت 7 قاذفات شبح من طراز بي-2 تابعة لسلاح الجو الأمريكي قنابل خارقة للذخائر تزن 30 ألف رطل على أكثر المواقع النووية الإيرانية تحصينًا.
وبينما أعلنت واشنطن أن المهمة، التي أُطلق عليها اسم "عملية مطرقة منتصف الليل"، حققت نجاحًا باهرًا، وصرح الرئيس دونالد ترامب بأن المنشآت "دُمّرت تمامًا"، يبدو الواقع أقل يقينًا بكثير.
والحقيقة الأكثر ترجيحا هي أن عملية "مطرقة منتصف الليل" لم تنجح إلا في شراء الوقت لإدارة ترامب؛ الوقت الذي ينبغي لها أن تستخدمه للتفاوض على الحل الاستراتيجي الطويل الأجل للمسألة النووية الإيرانية، والذي تعتقد خطأ أنها حققته بالفعل.
وأشارت المجلة إلى أن "الهجمات العسكرية المباشرة على البرامج النووية تُصمم للقضاء على قدرة الدولة على بناء سلاح نووي من خلال تدمير البنية التحتية الحيوية، أو قتل أفراد رئيسيين، أو الحد من قدرة الدولة المستهدفة على تجميع سلاح نووي".
لكن القدرة المادية لا تُمثل إلا نصف ما يُدخل في دفع عجلة التسلح النووي، إذ يتطلب بناء رادع نووي إرادة سياسية قوية.
ولفتت المجلة إلى أن "إيران صمدت طويلًا أمام هجمات لم تُلحق ضررًا قاتلًا ببرنامجها النووي، إذ شملت هذه الهجمات هجوم ستوكسنت الإلكتروني على منشأة نطنز، وهو جهد أمريكي إسرائيلي مشترك ألحق أضرارًا بنحو ألف جهاز طرد مركزي عامي 2009 و2010، وموجة اغتيالات إسرائيلية لعلماء نوويين إيرانيين بين عامي 2010 و2012، وأعمال تخريب إسرائيلية أحدث استهدفت منشأة نطنز عامي 2020 و2021".
في المقابل، ردّت إيران على كل هجوم بجعل بنيتها التحتية المادية أكثر متانة، بما في ذلك بناء أجهزة طرد مركزي أكثر تطورًا ونقل منشآت رئيسة مثل فوردو إلى أعماق الأرض.
ولا تزال بعض مزايا إيران بعيدة عن متناول الغارات الجوية، بما في ذلك إتقانها دورة الوقود النووي.
والأهم من ذلك، وفق المجلة، أن محاولات مهاجمة برنامجها النووي عززت عزيمة إيران وعززت قناعات قيادة البلاد بضرورة وجود رادع نووي لمنع أعدائها - وفي مقدمتهم إسرائيل والولايات المتحدة، من تهديد إيران متى شاءوا.
وخلُصت المجلة إلى أن عملية "مطرقة منتصف الليل"، في أحسن الأحوال، ربما تكون أخّرت البرنامج النووي الإيراني لما يقارب 12 إلى 18 شهرًا.
وأشارت تقييمات استخباراتية أمريكية إلى أن التأخير الذي فرضته الضربات قد لا يتجاوز بضعة أشهر، نظرًا إلى قدرة إيران على انتشال المواد، وتوزيع مواقعها، وإعادة بناء منشآتها باستخدام منشآت سرية.
ورأت أن "اعتبار هذا التوقف انتصارًا استراتيجيًا سيكون خطأً فادحًا".
وبحسب التقرير، لتحويل هذا التوقف التكتيكي إلى مكسب استراتيجي، ينبغي لواشنطن استغلال هذه الفرصة القصيرة للسعي إلى مخرج دبلوماسي، بما في ذلك إلزام إيران بالعودة إلى التزاماتها السابقة بمنع الانتشار النووي، ومنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق الوصول الفوري إلى مواقعها النووية وسلطة التفتيش المفاجئ عليها، ربما مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ 20 ساعات
- معا الاخبارية
فورن أفيرز: الضربات العسكرية لن تمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية
بيت لحم- معا- ذهب تقرير لمجلة "فورن أفيرز" إلى أن القوة تفشل في وقف الانتشار النووي، وأن الدبلوماسية وحدها كفيلة في نهاية المطاف بمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية. وقالت المجلة إن "القنابل قادرة على كسب الوقت؛ لكن الدبلوماسية وحدها هي التي تضمن أمناً دائماً"، ورجحت أنه حتى لو ألحقت حملات القصف أضرارًا جسيمة بالمواقع النووية الإيرانية، فإن التاريخ يُظهر أن تدمير البنية التحتية السطحية نادرًا ما يُحقق أمنًا مستدامًا. وفي حين قد تعوق الضربات قدرات أي دولة نووية ناشئة، فإنها تميل أيضًا إلى تعزيز طموحاتها النووية. وفي الساعات الأولى من صباح 22 يونيو/حزيران، أطلقت 7 قاذفات شبح من طراز بي-2 تابعة لسلاح الجو الأمريكي قنابل خارقة للذخائر تزن 30 ألف رطل على أكثر المواقع النووية الإيرانية تحصينًا. وبينما أعلنت واشنطن أن المهمة، التي أُطلق عليها اسم "عملية مطرقة منتصف الليل"، حققت نجاحًا باهرًا، وصرح الرئيس دونالد ترامب بأن المنشآت "دُمّرت تمامًا"، يبدو الواقع أقل يقينًا بكثير. والحقيقة الأكثر ترجيحا هي أن عملية "مطرقة منتصف الليل" لم تنجح إلا في شراء الوقت لإدارة ترامب؛ الوقت الذي ينبغي لها أن تستخدمه للتفاوض على الحل الاستراتيجي الطويل الأجل للمسألة النووية الإيرانية، والذي تعتقد خطأ أنها حققته بالفعل. وأشارت المجلة إلى أن "الهجمات العسكرية المباشرة على البرامج النووية تُصمم للقضاء على قدرة الدولة على بناء سلاح نووي من خلال تدمير البنية التحتية الحيوية، أو قتل أفراد رئيسيين، أو الحد من قدرة الدولة المستهدفة على تجميع سلاح نووي". لكن القدرة المادية لا تُمثل إلا نصف ما يُدخل في دفع عجلة التسلح النووي، إذ يتطلب بناء رادع نووي إرادة سياسية قوية. ولفتت المجلة إلى أن "إيران صمدت طويلًا أمام هجمات لم تُلحق ضررًا قاتلًا ببرنامجها النووي، إذ شملت هذه الهجمات هجوم ستوكسنت الإلكتروني على منشأة نطنز، وهو جهد أمريكي إسرائيلي مشترك ألحق أضرارًا بنحو ألف جهاز طرد مركزي عامي 2009 و2010، وموجة اغتيالات إسرائيلية لعلماء نوويين إيرانيين بين عامي 2010 و2012، وأعمال تخريب إسرائيلية أحدث استهدفت منشأة نطنز عامي 2020 و2021". في المقابل، ردّت إيران على كل هجوم بجعل بنيتها التحتية المادية أكثر متانة، بما في ذلك بناء أجهزة طرد مركزي أكثر تطورًا ونقل منشآت رئيسة مثل فوردو إلى أعماق الأرض. ولا تزال بعض مزايا إيران بعيدة عن متناول الغارات الجوية، بما في ذلك إتقانها دورة الوقود النووي. والأهم من ذلك، وفق المجلة، أن محاولات مهاجمة برنامجها النووي عززت عزيمة إيران وعززت قناعات قيادة البلاد بضرورة وجود رادع نووي لمنع أعدائها - وفي مقدمتهم إسرائيل والولايات المتحدة، من تهديد إيران متى شاءوا. وخلُصت المجلة إلى أن عملية "مطرقة منتصف الليل"، في أحسن الأحوال، ربما تكون أخّرت البرنامج النووي الإيراني لما يقارب 12 إلى 18 شهرًا. وأشارت تقييمات استخباراتية أمريكية إلى أن التأخير الذي فرضته الضربات قد لا يتجاوز بضعة أشهر، نظرًا إلى قدرة إيران على انتشال المواد، وتوزيع مواقعها، وإعادة بناء منشآتها باستخدام منشآت سرية. ورأت أن "اعتبار هذا التوقف انتصارًا استراتيجيًا سيكون خطأً فادحًا". وبحسب التقرير، لتحويل هذا التوقف التكتيكي إلى مكسب استراتيجي، ينبغي لواشنطن استغلال هذه الفرصة القصيرة للسعي إلى مخرج دبلوماسي، بما في ذلك إلزام إيران بالعودة إلى التزاماتها السابقة بمنع الانتشار النووي، ومنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق الوصول الفوري إلى مواقعها النووية وسلطة التفتيش المفاجئ عليها، ربما مقابل تخفيف تدريجي للعقوبات.

جريدة الايام
منذ 21 ساعات
- جريدة الايام
«أميركا أولاً» تتنمّر على العالم
قد يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رئيساً يعمل بشكل فردي، وأنه يقود الدولة شخصياً، أي دون ما يوصف بمؤسسات الدولة العميقة، أي الكونغرس، وكالة المخابرات المركزية، القضاء، حكام الولايات، وحتى الحكومة بوزرائها الذين عينهم بنفسه، وإذا ما حاولنا استعراض الطاقم المحيط به، بالكاد نتذكر أسماء نائب الرئيس، وزير الخارجية، ووزير الدفاع، ولكان أهم اسم متداول في شرقنا الأوسطي هو ستيف ويتكوف، نظراً لتوسطه في ملفَي الحرب على غزة والتفاوض مع إيران، ويعود ذلك للهالة التي يحيط ترامب بها نفسه، خاصة من خلال إعلاناته وتصريحاته المتتابعة، إن كان عبر اللقاءات الصحافية، أو عبر «السوشيال ميديا»، حيث يحرص على مواصلة تصريحاته المثيرة للجدل في كل الاتجاهات، بما يجعله أكثر الرؤساء الأميركيين على هذه الصورة، منذ عهد رونالد ريغان، قبل عقود مضت. ومقابل ما ظهر على سلفه الديمقراطي جو بايدن، يحاول ترامب الظهور كرئيس قوي، لكن تسرعه، وإلى حد ما «اضطرابه» في بعض الأحيان، حين يعرب عن الشيء ونقيضه، في نفس الوقت، أو بعض وقت قصير، يكشف عن نقطة ضعفه هو الآخر، والحقيقة، أنه رغم أن البعض يعتبر ترامب رجلاً مزاجياً، أو حتى غير متزن، إلا أن كونه رئيس أكبر وأقوى دولة عسكرياً واقتصادياً حتى الآن، لا يعني أنه قد وصل للبيت الأبيض صدفة ولا اعتباطاً، خاصة أنه قد سبق له إشغال منصب الرئيس قبل ولاية بايدن الرئاسية الوحيدة، أي أن «الدولة العميقة» تعرفه جيداً، كما كانت تعرف سلفه بايدن، الذي بدوره وقف على خشبة المسرح السياسي عقوداً طويلة، وشغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما خلال ولايتين متتابعتين، بذلك نقول بثقة، إن صورة الولايات المتحدة، وحتى طبيعتها تظهر في صورة رؤسائها، وبالتحديد تظهر منذ نحو عشر سنوات في صورة شخصيتي دونالد ترامب وجو بايدن. وهذه الصورة تشكلت وتتضح معالمها هذه الأيام شيئاً فشيئاً، على وقع «تضعضع» مكانة الولايات المتحدة التي صارت إليها كزعيم وحيد للنظام العالمي، منذ انتهاء الحرب الباردة، مطلع تسعينيات القرن الماضي، مع انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي، أي بعد عقود من النمو الاقتصادي الصيني الذي جعل من الصين الدولة العظمى أيام الحرب الباردة، بقوتها العسكرية وبتعدادها السكاني ومساحتها الجغرافية، منافساً اقتصادياً حقيقياً للولايات المتحدة، استناداً إلى ما تنتجه من سلع، رغم أن الولايات المتحدة، تستند في قوتها الاقتصادية لكونها «المتحكم المستبد» بالنظام العالمي، ويتجلّى ذلك في عدة أمور منها: اعتماد عملتها، الدولار الأميركي كعملة تداول دولي، تقوم الخزانة الأميركية بتحصيل العمولات مقابل التحويلات المصرفية بين دول وشعوب وحتى الأفراد في العالم، بما يدخل لتلك الخزانة عشرات التريليونات سنوياً، ومن تلك الأمور أيضاً حجم الاستثمارات والادخارات الدولية في البنوك والمصارف الأميركية، وأميركا كثيراً ما قامت بتجميد أرصدة بمليارات الدولارات للدول والأفراد لأسباب سياسية غير قانونية. وكما سبق لنا أن أشرنا في أكثر من مقال سابق، إلى أن ولاية بايدن الوحيدة وولايتي ترامب، شهدت المحاولة الأميركية لاحتواء أو قطع الطريق على ما تشكله كل من الصين وروسيا من تحدٍ لمكانة أميركا العالمية، أو من خروج عن طوع نظامها العالمي «المستبد»، وكان الفارق البين بين سياستَي بايدن وترامب، هو أن الأول أولى معالجة التحدي الروسي الأولوية، فيما الثاني يولي التحدي الصيني الأولوية، ولهذا أو بسبب هذا أعتبر أن بايدن قد لجأ للخيار العسكري في محاولة إعادة العالم لحظيرة النظام الأميركي قبل خروجه عنها رسمياً، فيما يلجأ ترامب للخيار الاقتصادي للوصول إلى نفس النتيجة. وبالطبع ترامب في ولايته الثانية أكثر نضجاً وخبرة وتجربة، ليس هو فقط، بل «الدولة العميقة» أيضاً التي ارتضته أو قبلته أو حتى اختارته رئيساً بشعاره «أميركا أولاً» وهو شعار صريح، يعني الحفاظ على النظام العالمي الأميركي، ومنع سقوطه وإقامة نظام عالمي آخر، تظهر إرهاصاته في القوة المتصاعدة لكل من الصين وروسيا، على الصعيدين السياسي العسكري، والسياسي الاقتصادي، وبعد أن كانت ولاية ترامب الأولى أقل وضوحاً في سيرها على هذا الطريق، حيث أمضاها مكتفياً بما حصل عليه حينها من استثمارات خليجية ومن «اتفاقيات أبراهام» ومن الخروج من الاتفاق النووي مع إيران، أي في المجال الاقتصادي وفي المجال السياسي، بما منحه لإسرائيل من هدايا خاصة بالقدس والجولان والتطبيع. فيما أمضى بايدن ولايته، في إشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا، بقصد استنزافها عسكرياً، وكان يتوقع سقوط نظامها سريعاً، وإعادتها لبيت الطاعة الأميركي، لكنه وجد نفسه مستنزفاً اقتصادياً في أوكرانيا، من خلال أكثر من 250 ملياراً قدمها كمعدات عسكرية، وهذا ما قوبل بالمعارضة الجمهورية، حيث تكمن أهمية ذلك في كون الحزبين الجمهوري والديمقراطي ركيزتي الدولة العميقة، كذلك اضطر بايدن لتقديم الكثير من الأموال لإسرائيل، والكثير من الرصيد السياسي الأميركي على الصعيد العالمي، بسبب اضطراره للاصطفاف لجانب مجرمي الحرب الإسرائيليين. المهم أن ترامب في ولايته الثانية، يحاول الجمع بين الخيارين، فهو يخلص من جهة لإرثه كرجل اقتصاد، لكنه يقول بسلام القوة، أي أنه لم يعد يستبعد تماماً اللجوء للخيار العسكري، حيث يمكنه ذلك، وقد فعل فعلاً، ليس من خلال مواصلة تزويد إسرائيل بالسلاح والذخائر لتواصل حربها على غزة، ولكن وحتى مع عقده لاتفاق وقف الحرب العسكرية بينه وبين اليمن، وفي ظل إجرائه التفاوض مع إيران، لم يمنح إسرائيل الضوء الأخضر، الذي لم يمنحه لها بايدن من قبل، في مهاجمة المواقع النووية والنفطية الإيرانية وحسب، بل شاركها في توجيه الضربة العسكرية التي كانت تحتاجها لقصف موقع «فوردو» النووي المحصن، والذي تعجز القوة العسكرية الإسرائيلية عن إلحاق الضرر به عبر قصفه. ومن الواضح تماماً، أن كلا الرجلين اتخذ نفس الموقف، أي أن هناك إجماعاً أميركياً، لكل مؤسسات الدولة العميقة، حيث إن الأمر يتجاوز الاجتهادات والتقديرات السياسية، على عدم القدرة على مواجهة لا الصين ولا روسيا عسكرياً، بسبب الرادع النووي بالطبع، الذي تمتلكه الدولتان مجتمعتين أو منفردتين، بل إن القدرة النووية الروسية تفوق ما لدى أميركا نفسها من قوة نووية، لذلك فإن ترامب في ولايته التي ما زالت بأولها، وإن كان سيظل مشغولاً بمعالجة هذه المسألة، أي أمر النظام العالمي الأميركي الذي صار مهدداً جدياً بالسقوط، فإنه سيجرب كل الوسائل والطرق، ولن يتورع عن فعل أي سيئ ممكن من أجل تحقيق هذه الغاية، والشيء الممكن بالطبع دون تكسير أدوات اللعبة السياسية الدولية، أو دون حرق العالم، هي فرض «الأتوات» على دول العالم، فأميركا بدلاً من الدخول في تنافس اقتصادي شريف مع الصين، يتمثل في الدخول لحقل الإنتاج الاقتصادي، تدخل من الباب السهل، وهو الحصول على الاستثمارات والعمولات وما إلى ذلك، وفي هذا السياق جاءت التعرفة الجمركية التي فرضها ترامب على معظم دول العالم، بفعل مرتجل أولاً، ثم سرعان ما قام بمراجعته، وتعديله لكن دون إلغائه أو التراجع عنه كطريق للمواجهة الاقتصادية مع الصين. ثم وبعد أن حاول أن يخرج تماماً من طريق بايدن العسكري، أي من وحل الحرب مع روسيا في أوكرانيا، من خلال «عصا دونكيشوت» التي لوح بها أو ظنها كافية لتحقيق ذلك الهدف، بإعلانه عن تفاوض مع روسيا لوقف الحرب، ما لم يحدث، تراجع قليلاً بتصدير الأوروبيين ليقوموا بمهمة مواجهة روسيا بالوقوف وراء أوكرانيا، وأنه من خلال «الناتو» الذي تقوده أميركا، ولكن بعد أن دعت الاتحاد الأوروبي إلى أن يزيد من مساهمته المالية بتمويل الحلف العسكري المشترك بينهما، بما يزيد على 5% من مساهمتها المالية السابقة، أي أن ترامب اضطر للتوقف عن حديث وقف الحرب مع روسيا على حساب الحقوق الأوكرانية، مقابل ما فرضه على الاتحاد الأوروبي من «أتاوة» مالية لحلف الناتو. الشيء نفسه يقوم ترامب بإعداده في الشرق، حيث لا ينسى أحد أن تركيزه على الصين أولاً، فبعد أن اضطر لتعديل طريقه الذي كان منفرداً بمواجهة الصين، مقابل مواجهة بايدن لروسيا، وتمثل ذلك بشن هجوم لا يجمع الصين وروسيا معاً وحسب، ولكن كل «بريكس» أي إحدى عشرة دولة رسمياً، تتضمن إضافة للصين وروسيا كلاً من الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وكلاً من ومصر وإيران وإندونيسيا وإثيوبيا، لكن أحدث خبر بهذا الشأن هو ما ذكرته صحيفة «الفايننشال تايمز» من أن «البنتاغون» سأل اليابان وأستراليا عما ستقومان به في حال دخلت أميركا في حرب مع الصين بسبب تايوان ؟!.


معا الاخبارية
منذ يوم واحد
- معا الاخبارية
الخارجية الأمريكية على علم بمقتل المواطن الأمريكي
هكذا، بلغة باردة ومحايدة وخالية حتى من التعاطف أو التفهم أو الإدانة، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً إثر استشهاد الشاب الأمريكي فلسطيني الأصل، سيف الدين مصلط، البالغ من العمر عشرين عاماً، على يد مستوطنين حاولوا الاستيلاء على أرضه في سنجل، وذلك في الثالث عشر من الشهر الجاري. البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لم يدن عملية القتل ولم يشر إلى منفذيها وإلى أسبابها أو طبيعتها، البيان تجاهل الزمان والمكان والخلفيات والدوافع، وبدا وكأنه يتحدث عن حالة الجو أو أسعار العملة، ويبدو أن من كتب البيان انتبه إلى أن المواطن أمريكي ولابد من إبداء موقف، فألقى جملة تحتمل كل المعاني وتعفي أمريكا وإسرائيل من مسؤوليتهما، فأشار كاتب البيان إلى "توجيه الأسئلة المتعلقة بأي تحقيق إلى حكومة إسرائيل"، فهو لم يطالب بتحقيق، لا عاجل ولا بطيء، ولم يدعُ إلى اتخاذ خطوات لحماية المواطنين الأمريكيين، خلا البيان من أهم النقاط التي يجب أن تتوافر فيه، ألا وهي: الاستنكار والإدانة وتشكيل لجنة تحقيق، وتكرار قتل المواطنين الأمريكيين على أيدي إسرائيليين، جنوداً كانوا أم مدنيين. هذا البيان البارد والحيادي يعكس تماماً الاتجاه العام للإدارة الأمريكية الحالية مع قضية الاستيطان والمستوطنين، إذ إن دونالد ترامب دعا قادة المستوطنين إلى حفل تنصيبه ووجه إليهم التحية، كما كان من أولى قراراته عند دخوله البيت الأبيض رفع العقوبات التي فرضها بايدن على عدد من المستوطنين، كما تم دعوة بن غفير وسموتريتش إلى واشنطن، وتم الاحتفاء والاحتفال بهما، فضلاً عن تعيين سفير متعصب دينياً في إسرائيل زار مستوطنة شيلو وشاهد البقرات الحمراء المعدة لتطهير الجمهور اليهودي استعداداً لبناء الهيكل بزعمهم، وتحدث هذا السفير بلغة أبعد ما تكون عن الدبلوماسية أو حتى احترام المواقف العلنية للإدارات الأمريكية السابقة، إضافة إلى ذلك فإن الإدارة الأمريكية الحالية لم تدن عمليات الاستيطان الواسعة التي تجري حالياً في الضفة الغربية المحتلة ولم تدن الأعمال الإجرامية التي ينفذها المستوطنون بحق المواطنين الفلسطينيين. كما التقى ممثل عن الإدارة بقادة المستوطنين وهنأهم وتفهم مواقفهم، ودفع آخرين إلى اللقاء بهم أيضاً، وكأن هناك رغبة في دمجهم وتأهيلهم لمراحل قادمة، من لا يملك عينين فقط لا يرى أن المستوطنين الآن هم ذراع غير رسمية لتحقيق سياسة رسمية تهدف إلى الضم والتهجير وفرض حل سياسي وأمني على الضفة الغربية، وكانت ترجمة هذا الكلام ما طالبت به أوساط من حزب الليكود وأحزاب الاستيطان بفرض السيادة على كامل الضفة الغربية استغلالاً للحظة السياسية المواتية. وما يشاهد الآن من تعميق عمليات الاستيطان بكل أنواعه ومسمياته ومن زيادة وتيرة الاعتداءات على القرى والتجمعات الفلسطينية، إنما تهدف إلى تفجير الضفة الغربية واستدراج الفلسطينيين إلى مربع يستفيد منه المستوطنون ومن ورائهم حكومة الاحتلال لشرعنة الضم وإعلانه رسمياً بعد أن رسّخوه فعلياً على أرض الواقع، المستوطنون الذين لم يعودوا جسماً سياسياً على الهامش لا يخفون أهدافهم الاستعمارية المغلفة جيداً بدعاوي دينية ولاهوتية، وقد استطاعوا أن يسيطروا على الحكومة الحالية في توفير التمويل والحماية والبنية القانونية والتغطية السياسية لعمليات الاستيطان والطرد التي طالت مناطق (ج) وأجزاء أخرى من مناطق (ب) أيضاً، وهذا يعني، ضمن أمور أخرى، أن التسوية كما يراها المستوطنون، ومن ورائهم هذه الحكومة على الأقل، لا تتضمن دولة فلسطينية ولا حتى حكماً ذاتياً متجانساً، وهذا يفترض أو يتطلب تجاوز السلطة الوطنية الفلسطينية وإغفال دورها وعدم التعامل معها وكأنها غير موجودة، هذا الموقف الإسرائيلي وجد آداناً صاغية لدى الإدارة الأمريكية الحالية التي تجاهلت السلطة الوطنية ولم تتعامل أو تتواصل معها، في رسالة واضحة إلى أن هذه الإدارة تخلت عن كل التزامات الإدارات الأمريكية السابقة، حتى خيار الدولتين تخلت عنه هذه الإدارة بالقول إن هذا خيار ضمن خيارات، صحيح أن الإدارة الأمريكية لم تتحدث عن صفقة القرن بصيغتها السابقة، ولكنها أيضاً لم تعمل ولم ترسل أي إشارة تدل على رغبتها في التوصل إلى حلول في الضفة الغربية المحتلة بالذات. إن البيان البارد والحيادي الذي أصدرته الخارجية الأمريكية حول استشهاد مواطن أمريكي من أصل فلسطيني يعكس طبيعة السياسة الأمريكية تجاه الشعب الفلسطيني كله، فهي تطالب بتهجير قطاع غزة وتحويل خرائبها إلى ريفيرا، فيما تدعم المستوطنين في الضفة الغربية وتسكت عن جرائمهم. إن مجمل الصورة كما طرحت، تؤكد ما يقال ويكتب حول سيطرة اللوبيات وجماعات الضغط على القرار الأمريكي فيما يتعلق على الأقل بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ لا يمكن فهم الدوافع الأمريكية وراء تهديد محكمة الجنايات الدولية وفرض عقوبات على السيدة ألبانيز واستخدام حق النقض ضد أي محاولة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتراجع ترامب عن محاولته بالضغط على نتنياهو في زيارته الأخيرة لواشنطن، وبالنسبة لنا، كم بدا البيت الأبيض ضعيفاً ومرتبكاً حين تخلى عن انتهاز الفرصة ليضع حداً للحرب المجنونة التي تشن ضد الشعب الفلسطيني. إن الدفاع عن إسرائيل وتبني مواقفها بهذه الطريقة لا يضر بالولايات المتحدة الأمريكية وصورتها وقيمها وشعبها فحسب، بل يضر بالقانون الدولي والإنساني أيضاً، ندعو الإدارة الأمريكية الحالية إلى مراجعة مواقفها والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني الأصيلة غير القابلة للنقض أو الانتقاص أو الانكار، إن أول خطوة لإنقاذ إسرائيل من ورطتها ومن جنونها هو الاعتراف بأن هناك شعباً اسمه الشعب الفلسطيني.