
هل يستطيع ترمب إنهاء العولمة؟
أثار ترمب زوبعه عالمية من المبكر معرفة المحطة النهائية لها، بل أن حتى التوقعات القصيرة الأجل محفوفة بالمخاطر، لأن ترمب يتحدث دائما مرات بالتهديد والوعيد، ومرات بالتراجع من ناحية، وبسبب القانون التاريخي الأزلي: النتائج التراكمية غير المتوقعة من خطوات قد تبدو صغيره من ناحية أخرى. تقدير المرحلة يتطلب رجوعا للتاريخ، ومن ثم محاولة استقراء المستقبل. التاريخ مهم في التحولات لأن التجربة البشرية الحالية هي تاريخ المستقبل، من السهل القول بأن عمر العولمة بدأ من قدرة الإنسان على الهجرة منذ الخليقة ولكن في العصر الحديث هناك موجتين من العولمة الاقتصادية، الأولى بدأت في 1870واستمرت حتى الحرب الأولى، والثانية بدأت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وحتى 2025 (حسب ما تؤول له سياسات ترمب). دعنا نقارن بين الموجتين.
الموجة الأولى صاحبها حقبة استعمارية وهيمنة بريطانية. تميّزت بارتفاع ملحوظ في حصة الفرد من الدخل القومي الإجمالي الحقيقي في الدول الغربية وإلى حد أقل اليابان. حققت أمريكا أعلى ارتفاع بالضعف مقابل 35% في بريطانيا، مقابل ارتفاع 16% في الهند، وانخفاض 4% في الصين. صاحب هذا الانقسام انخفاض في المساواة في داخل الدولة الغنية. في الموجة الثانية حدث نمو في أمريكا وأوروبا واليابان، في الفترة 1990-2020 فمثلا حققت أمريكا 1.4% وبريطانيا 1% لكن نسبة النمو انخفضت خاصة بالمقارنة مع الدول الآسيوية. فمثلا حققت الصين والهند وتايلند وفيتنام 8.5% و4.2 و3.5 و5.5 على التوالي.
فالبتالي تحرك مركز الجاذبية اقتصاديا و جيوسياسيا من الغرب نحو شرق آسيا خاصة أن تبعات النمو المنخفض في الدول الغربية حدثت على حساب الطبقات الوسطى فيها. بل أن ارتفاع الدخل في الدول الآسيوية ومقارنة حالة انحدار الطبقة الوسطى في الغرب مقابل طبقة ثرية محدودة أصبح عاملا ضاغطا سياسيا ما خلق حالة جديدة من الشعبوية وتنامي كره المهاجرين و العنصريه. الجزء من العالم الذي خسر في الموجة الثانية إفريقيا وبعض دول غرب آسيا.
أيضا صاحب الموجة الثانية سياسة إجماع واشنطن التي نادت بتخفيف القيود التنظيمية والتخصيص والتوسع في الإقراض ونمو سلاسل الإمداد وانتقال التصنيع للدول الأقل تكلفة في الأجور- مجموعة سياسات في مجملها خلقت حالة تعاون غير منظمه بين الطبقات الغنية في الغرب والدول النامية التي شهدت تحسن مؤثر في حساب الطبقات الوسطى في الغرب. هذه الظاهرة فاتت على بعض السياسيين والمراقبين في الغرب. تطورات في مجملها خلقت تجاذبا وشدًّا بين النظام الليبرالي محليا ودوليا.
السبب الرئيسي يعود إلى النظام الليبرالي الجديد الذي سمح بحرية حركة رأس المال والمرونة في أنظمة الضرائب والتخصيص وتخفيف الأنظمة عدى حرية حركة الأايدي العاملة، لذلك لم تتكيف منظومة الأجور. في نظري أن الموجة الثانية تميزت بمركزية صناعة مالية ودور الدولار، وهذه بدأت منذ منتصف أغسطس 1971 حين كسر نكسون العلاقة بين الدولار والذهب، لذلك أحيانا أظنها نقطة بداية الموجة الثانية من العولمة. نقطة التحول الأخرى حدثت بتميز الصين بالسيطرة على نموذج جماعي ناجح ما أثار ذعر الدول الغربية.
السؤال المركزي: هل يستطيع ترمب متابعة سطوة التغير وتحمل الاضطرابات والمخاطر الذي يعتمد على مدى المقاومة العالمية خاصة أن التقويم الانتخابي في أمريكا أسرع من محاولة تغيير مؤثر في المنظومة العالمية خاصة في حال ارتفاع مؤشر البؤس (التضخم و البطالة)؟. التجارة أسهمت في نمو الجميع بالرغم من التفاوت بين أداء الدول أو حتى داخل الدولة الواحدة، لكن من المؤكد أن نقص التبادل التجاري سيكون أعلى تكلفة على الجميع وأشد قسوة. البعض يراهن على براقماتية ترمب بحكم أنه رجل أعمال، ولكن المخاطر قائمة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أرقام
منذ 11 دقائق
- أرقام
وكالة: أبل تعتزم فتح مصادر نماذج الذكاء الاصطناعي للمطورين
تعتزم "أبل" فتح مصادر نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بها "أبل إنتلجنس" أمام المطورين، بهدف تحفيزهم على إنشاء تطبيقات جديدة تجعل أجهزتها أكثر جاذبية، وفقاً لما ذكرته وكالة "بلومبرج" نقلاً عن مصادر مطلعة. أوضحت المصادر أن صانعة جوالات "آيفون" تعمل على تطوير مجموعة من الأدوات البرمجية، وأطر العمل ذات الصلة، تتيح للمطورين الخارجيين برمجة تطبيقات ومميزات مدعومة بالنماذج اللغوية الموسعة التي تُشغل نظام "أبل إنتلجنس". وأضافت أنه من المتوقع أن تُعلن الشركة عن هذا المخطط في مؤتمر المطورين العالميين المقرر عقده في التاسع من يونيو القادم.


أرقام
منذ 12 دقائق
- أرقام
ارتفاع سهمي فايزر وموديرنا عقب صدور قواعد أمريكية جديدة بشأن لقاحات كورونا
ارتفع سهما شركتي الأدوية الأمريكية "فايزر" و"موديرنا" خلال تعاملات الثلاثاء، بعدما أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية توجيهات تنظيمية جديدة بشأن لقاحات "كوفيد-19" المستقبلية. وصعد سهم "فايزر" بنسبة 1.4% إلى 23.32 دولار في تمام الساعة 07:55 مساءً بتوقيت مكة المكرمة، ليحد من خسائره منذ مطلع العام الجاري إلى 12.1%. وزاد سهم "موديرنا" بنسبة 6.7% إلى 28.05 دولار، ليقلص خسائره منذ مطلع العام الجاري إلى 32.35%. وضعت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية معايير أكثر صرامة للموافقة على لقاحات "كوفيد-19" المقرر إصدارها مستقبلًا، مع رؤيتها لتجارب سريرية جديدة تُثبت أن اللقاحات لا تزال آمنة وفعالة قبل الموافقة عليها للبالغين والأطفال. في السابق، كانت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تُوافق عادةً على لقاحات كوفيد لعموم الأمريكيين كل عام بناءً على اختبارات بسيطة تُظهر أنها تُحفز استجابة قوية بما يكفي من الأجسام المضادة.


الاقتصادية
منذ 16 دقائق
- الاقتصادية
الموسيقى ضحية غير متوقعة لرسوم ترمب الجمركية .. تدفع الثمن بصمت
في زاوية منسية من مشهد السياسات التجارية، تواجه أنغام الجيتارات والكمانات والبيانو تهديدا يحدق بها. بينما انشغل العالم بتأثير الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في السيارات والإلكترونيات، بقيت صناعة الموسيقى تدفع الثمن بصمت. لا مؤتمرات صحافية ولا جيوش من المحامين للدفاع عنها، بل متاجر صغيرة، وحرفيون. وفقا لموقع "بزنس إنسايدر"، تُعد صناعة المنتجات الموسيقية الأمريكية صغيرة نسبيًا، إذ لا تتجاوز مبيعاتها 20 مليار دولار سنويًا. وقد تكون الموسيقى ترفًا، لكنها صناعة تدر مليارات الدولارات من النشاط الاقتصادي سنويًا، فضلا عن تأثيرها الثقافي الواسع. وعلى نحو مفاجئ، تأتي الصين في صدارة مُصدّري الآلات الموسيقية وقطع غيارها إلى الولايات المتحدة، بواردات بلغت نحو 560 مليون دولار في 2024، تليها إندونيسيا واليابان بـ166 مليون دولار، ثم المكسيك وتايوان. هذا الاعتماد الكبير على الدول الأخرى ينعكس مباشرة على السوق المحلية، إذ يُظهر تحليل كولين هندريكس، المحلل في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أن الآلات الوترية الأوركسترالية (مثل الكمان والتشيلو) وآلات النفخ النحاسية (مثل البوق والتوبا)، إضافة إلى لوحات البيانو الإلكترونية والجيتارات الكهربائية والباس، ستكون الأشد تضررا من الرسوم. تعتمد شركة فيرمونت فيولينز على تأجير الآلات الموسيقية، معظمها مستوردة من الصين، وتواجه مشكلات في المخزون وارتفاع الأسعار. ولتفادي رفع التكاليف على العملاء، اشترت الشركة آلات بقيمة 125 ألف دولار لتغطية احتياجات عام كامل. تهدف الرسوم الجمركية إلى إعادة التصنيع للولايات المتحدة، لكن التطبيق العملي شبه مستحيل في صناعة الآلات الموسيقية بسبب ارتفاع التكاليف وصعوبة تأمين المواد محليًا. تعتمد الشركات على مكونات مستوردة من أجل تقديم أسعار معقولة، فيما تتطلب بعض الآلات أخشابًا أو معادن نادرة من دول محددة. وكذلك المعادن النادرة، مثل النيوديميوم، المستخدم في الميكروفونات ويستخرج من الصين. التخصص والدقة في هذه الصناعة يجعلان الاستغناء عن الدول الأخرى شبه مستحيل. فمثلا، تُصنع عديد من جيتارات فيندر الاقتصادية وقطع غيارها في إندونيسيا والصين. وتُجمّع بعض أجود الأنواع عبر الحدود، في المكسيك. وفي محاولة لتوطين الإنتاج، استثمرت شركة فيرمونت فيولينز سنوات لبناء قدرتها التصنيعية، حيث ينتج مصنعها 100 آلة سنويًا بعد تطوير سلاسل التوريد وتدريب العمال. لكن الرسوم الجمركية أجبرتها على تحويل الموارد لإدارة تقلبات السوق بدل التوسع. حتى شركات مثل إلكترو-هارمونيكس، التي تُجمّع منتجاتها في نيويورك، تعتمد على مكونات مستوردة مثل لوحات الدوائر والهياكل من الصين ودول آسيوية، ولا يمكنها تجنب الرسوم. هذه ليست سابقة لشركة إلكترو-هارمونيكس مع الرسوم الجمركية. فقد اضطرت لرفع أسعار الأنابيب المفرغة التي تُستخدم في مكبرات الصوت بعد فرض الولايات المتحدة رسوم 35% على الواردات من روسيا 2022. تكمن المعضلة في أن معظم شركات صناعة الآلات الموسيقية، حتى الشهيرة منها، شركات صغيرة نسبيًا. لا تضم فرقًا لوجستية أو ذوي الخبرة للتعامل مع نظام تجاري بهذه الوتيرة المتقلبة. ويلخص هندريكس من معهد بيترسون الصورة قائلا: "تمثل الآلات الموسيقية نحو عُشر 1% من العجز التجاري الأمريكي مع الصين، لكن التأثير الثقافي للآلات الموسيقية والأيقونات التي ولدت من الصناعة هائل".