logo
فرح فاوست: مأساة موهبة درامية لم تنل حقها في هوليوود

فرح فاوست: مأساة موهبة درامية لم تنل حقها في هوليوود

Independent عربية٠٢-٠٤-٢٠٢٥

قالت المخرجة جيا كوبولا العام الماضي إن "باميلا أندرسون هي مارلين مونرو عصرنا"، وذلك بعد أن اختارتها لأول أدوارها الدرامية في فيلم "آخر فتاة استعراض" The Last Showgirl، وهو عمل يحتفي بسحر هوليوود القديم بأسلوب رقيق.
وحازت أندرسون إشادات واسعة عن أدائها في الفيلم، بل وترشحت لجائزة "غولدن غلوب"، الذي تؤدي فيه دور راقصة استعراض في طريقها إلى التلاشي على مسارح لاس فيغاس، مقدمة أداءً دافئاً يحمل مسحة من الألم، لكنه يستمد قوته أيضاً من رمزيته، فشخصية شيلي في الفيلم ليست سوى انعكاس لحياة أندرسون ذاتها، امرأة جميلة لم يؤخذ طموحها الفني على محمل الجد كما يجب.
ليس من الصعب رؤية أوجه التشابه مع الواقع أو السبب الذي دفع كوبولا للمقارنة بين مونرو وأندرسون، ففي رأي كوبولا كانت أندرسون، مثلها مثل مونرو، لأعوام طويلة امرأة "تتوق حقاً للتعبير عن نفسها كممثلة بصورة إبداعية [وكانت] متلهفة فعلاً لإظهار مواهبها"، لكن مونرو ليست أفضل مثال للمقارنة، بل إن ما يتناسب بصورة أكبر مع أندرسون هو مسيرة النجمة الراحلة فرح فاوست، بطلة مسلسل "ملائكة تشارلي" Charlie's Angels، التي امتلكت مسيرة مهنية تحمل أوجه تشابه أكثر وضوحاً مع ما مرت به أندرسون وما قد تسعى إلى تحقيقه في المستقبل.
وبعد النجاح الهائل لمسلسلها الخفيف الذي أطلق شهرتها، حوصرت فاوست لأعوام في أدوار "الشقراء الساذجة" (في حال كنتم تفكرون في مشاهدة بعض هذه الأدوار تجنبوا تماماً فيلم "إحداهن قتلت زوجها" Someone Killed her Husband الذي كان تعاوناً غير موفق لها مع الممثل جيف بريدجز عام 1978). مثلها مثل باميلا أندرسون، جرى تخليد فاوست في ذاكرة الثقافة الشعبية عبر لباس البحر الأحمر (أندرسون في "باي ووتش" Baywatch، وفاوست على الملصقات الجدارية الأكثر مبيعاً في التاريخ).
وعلى رغم أن فيلم "آخر فتاة استعراض" يعاني بعض العيوب لكنه يقدم أداء من أندرسون يوحي بوجود طاقة درامية في طور التشكل، تماماً مثلما كان الحال مع فاوست التي برعت في مجموعة من الأدوار الدرامية المبهرة خلال الثمانينيات والتسعينيات، من فيلم الإثارة حول الانتقام "أطراف قصوى" Extremities إلى الدراما الاجتماعية عن العنف الأسري "السرير المحترق" The Burning Bed.
توفيت فاوست من سرطان القولون عام 2009 عن عمر 62 سنة، ولم تحظ وفاتها بتغطية مطولة أو عميقة بسبب تزامنها مع خبر رحيل مايكل جاكسون بعد ساعات من إعلان وفاتها.
وفي نعيها جرى التركيز كثيراً على أعوامها الأخيرة الحزينة التي عاشتها في علاقة سامة متقلبة مع الممثل المضطرب رايان أونيل، فضلاً عن سلوكها العام غريب الأطوار، وكان دورها السينمائي الأخير عام 2004 في الفيلم الكوميدي "حفل الشواء" The Cookout من بطولة كوين لطيفة، إذ لعبت دور زوجة عنصرية تستخدم على لسانها كلمة "زنجي" كإحدى النكات، أما آخر ظهور لها أمام الكاميرات فقد كان في عدد من برامج تلفزيون الواقع والوثائقيات التي شاركت فيها خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، وهي برامج كانت، وفقاً لمتطلبات التلفزيون التجاري في ذلك العصر، تركز على الفضول غير المريح بدلاً من التعاطف، وغالباً ما جرى تخليد ذكرى فاوست بتوصيفات مجازية مثل "رمز للجنس" أو "نجمة الصحف الشعبية".
لم تكن مسيرة فاوست سهلة، ففي عام 1977، وبعد أن انسحبت من ملائكة تشارلي بعد موسم واحد فقط، قرار أدى إلى نزاع قانوني مع شبكة "إيه بي سي"، وجدت نفسها تحت ضغط من وكلاء غير أكفاء دفعوها نحو المشاركة في سلسلة من الأفلام التي لم تحقق نجاحاً، من بينها الكوميديا الفاشلة "حروق الشمس" Sunburn الصادر عام 1979 و "زحل 3" Saturn 3 في عام 1980، وكان الأخير بمثابة نسخة من فيلم "فضائي" Alien ولكن مع مشاهد جنسية جمعتها مع الممثل كيرك دوغلاس البالغ من العمر 64 سنة، بينما كانت هي في الـ 33، وكان الترويج لأفلامها غالباً ما يُعرقل بسبب الاهتمام الزائد بحياتها الخاصة، ففي مقابلة محرجة للغاية أجرتها عام 1979 وكانت مخصصة للترويج لفيلم "حروق الشمس"، طلبت فاوست من الصحافي تغيير الموضوع بعد أن وجه إليها ثلاثة أسئلة مستقلة عن انفصالها الأخير عن الممثل لي ميجرز.
مدفوعة برغبتها الشديدة في إثبات مهاراتها التمثيلية، قررت فاوست التوجه إلى نيويورك حيث حلت محل سوزان ساراندون في مسرحية جريئة تدور حول ناجية من الاغتصاب تنتقم من مهاجمها، ولاحقاً جرى تحويل المسرحية إلى فيلم "أطراف قصوى" عام 1986 لعبت فاوست بطولته أيضاً، وكان أداؤها في الفيلم مدهشاً، فقد ظهرت بشخصية هشة ومعذبة مع نبرة من الجنون الطفيف في نطقها للحوار كلما زاد توتر شخصيتها وتفككها، وكان هذا الدور امتداداً للهشاشة الناعمة التي جسدتها في فيلم "السرير المحترق" الصادر عام 1984، وهو فيلم تلفزيوني لعبت فيه دور زوجة وأم تتعرض للعنف المنزلي على يد زوجها. ترشحت فاوست لجائزة "غولدن غلوب" عن أدائها، وفي عام 2016 وصف الصحافي مات زولر سايتز أداءها بأنه "واحد من أعظم الأداءات في تاريخ الأفلام التلفزيونية".
في عام 1986 قالت فاوست متأملة في مسيرتها المهنية حتى تلك اللحظة، إنه "من المؤكد أن صورتي آذتني، ومع ذلك فهي أيضاً ما جعلني أنجح وأتمكن في النهاية من أداء أدوار أكثر تحدياً، كانت تلك الصورة القديمة قوية جداً لدرجة اعتقادي بأنها لن تختفي بسهولة، وسيجب عليّ تقديم كثير من الأعمال الجيدة، ولكن لا بأس في ذلك، أود تحقيق كامل إمكاناتي".
لكن الفرص كانت نادرة ومتباعدة، فقد وافقت فاوست على عدد قليل من الأدوار السينمائية بعد فيلم "أطراف قصوى"، من بينها تعاون (أفضل هذه المرة) مع جيف بريدجز في الكوميديا الجميلة "أراك في الصباح" See You in the Morning عام 1989، ودور زوجة روبرت دوفال في عمله الدرامي الريفي "الرسول" The Apostle الذي رشح للـ "أوسكار" عام 1997، وقدمت فاوست في هذا الدور أداء غاية في الرقة، إذ كانت تومض بردود فعل خفيفة إزاء تقلبات شخصية دوفال، وهو واعظ خمسيني تخطط للانفصال عنه، أما خارج ظهورها العابر في الكوميديا الفاشلة "دكتور تي والنساء" Dr T & the Women عام 2000 من إخراج روبرت ألتمان والتي جسدت فيها شخصية تعاني انهياراً عصبياً وتدخل إلى إحدى النوافير العامة وهي عارية، فكانت تلك آخر فرصة حقيقية تطلبت أداء مميزاً منها.
قال فريد سيلفرمان، أحد كبار التنفيذيين في الشبكات التلفزيونية الأميركية، في تحليله المحبط لأواخر أعوام فاوست الذي نشرته مجلة "فانيتي فير" عقب وفاتها مباشرة، "لكل شخص لحظته الخاصة، وإذا فاتتك تلك اللحظة فسيصبح من الصعب جداً استعادتها، العدو الأكبر لشخص مثل [فاوست] هو الوقت، يمتلك الناس ذاكرة قصيرة جداً، وعلى الفور تظهر نجمتهم المفضلة الجديدة".
وربما يكمن الفرق بين فاوست وأندرسون في الجمهور، فقد حظي "آخر فتاة استعراض" باهتمام واسع، وإذا كنا صادقين فقد حصل على ترشيح للجوائز بفعل الرغبة الثقافية الصافية في رؤية أندرسون تنجح في التجربة، لأنه من الرائع حقاً أن تتحول واحدة من أكثر أيقونات التسعينيات شهرة، والتي تعرضت كثيراً للاضطهاد بصورة غير منصفة، إلى ممثلة درامية مدهشة في مراحل متأخرة من حياتها، أليس كذلك؟

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وللأسف لم تحظ فاوست بمثل هذه المشاعر الطيبة في أي وقت خلال مسيرتها المهنية اللاحقة، فيما حظيت أندرسون بفرصة الوثائقي السينمائي المتعاطف الذي طرحته شبكة "نتفليكس" عام 2023 "باميلا، قصة حب" Pamela, a Love Story ليؤسس لعودتها التمثيلية، أما فاوست فكان نصيبها في عام 2005 برنامج واقع غريب ومحزن لم يدم طويلاً بعنوان "مطاردة فرح" Chasing Farrah، ركّز على التحديق الفضولي في كآبتها خلال سنواتها الأخيرة، وصوّر زواجها شبه الوهمي من أونيل، كما وصفه أحد النقاد، على طراز مسرحية "من يخاف من فيرجينا وولف؟" Who's Afraid of Virginia Woolf? ولكن من دون الإفراط في الشرب أو رمي الأشياء الثقيلة"، وبعد ترشيحها الأخير لـ "جائزة غولدن غلوب" أصبح العالم بأسره بين يدي أندرسون، وكم هي محظوظة لأن هذا يحدث لها الآن وليس في الماضي.
شهد فيلم "آخر فتاة استعراض" عرضاً مسرحياً لمرة واحدة متبوعاً بجلسة أسئلة وأجوبة مع أندرسون في دور السينما البريطانية خلال "فبراير" شباط الماضي، وعُرض للمشاهدة الجماهيرية في الـ 28 من الشهر نفسه.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

#اخبار الفن جينيفر لوبيز تواجه دعوى قضائية بعد نشرها صورة لنفسها.. وتعويض مادي يصل إلى 300 الف دولار
#اخبار الفن جينيفر لوبيز تواجه دعوى قضائية بعد نشرها صورة لنفسها.. وتعويض مادي يصل إلى 300 الف دولار

الكويت برس

timeمنذ 44 دقائق

  • الكويت برس

#اخبار الفن جينيفر لوبيز تواجه دعوى قضائية بعد نشرها صورة لنفسها.. وتعويض مادي يصل إلى 300 الف دولار

ترفيه، جينيفر لوبيز تواجه دعوى قضائية بعد نشرها صورة لنفسها وتعويض مادي يصل إلى 300 الف دولار، حيث تاريخ النشر 22 مايو 2025 07 13 GMT مصدر الصورة حساب انستغرام .،وهنالك الكثير ممن يهتم ويتابع ويبحثون بشكل مكثف على محركات البحث والسوشيال ميديا عن جينيفر لوبيز تواجه دعوى قضائية بعد نشرها صورة لنفسها.. وتعويض مادي يصل إلى 300 الف دولار، من كويت برس نتابع معكم تفاصيل ومعلوماته كما وردت الينا والان إلى التفاصيل. جينيفر لوبيز تواجه دعوى قضائية بعد نشرها صورة لنفسها.. وتعويض... تاريخ النشر: 22 مايو 2025 - 07:13 GMT مصدر الصورة حساب انستغرام تزاجه النجمة العالمية جينيفر لوبيز دعوى قضائية قد تكلفها مبلغا ضخمًا ، بعد أن قام أحد المصورين ووكالته برفع دعوى قضائية ضدها، متهمين إياها بإعادة نشر صوره لها التقطها دون الحصول على إذن مسبق. جينيفر لوبيز تواجه دعوى قضائئية وبهذا الخصوص شاركت المغنية والممثلة البالغة من العمر 55 عامًا، في وقت سابق متابعيها صورًا من حضورها حفلة ما قبل توزيع جوائز الـ'غولدن غلوب'، التي أقيمت في لوس أنجلوس بتنظيم من Amazon MGM Studios وVanity Fair في يناير الماضي. وفي المنشور ظهرت لوبيز بإطلالة أنيقة بفستان أبيض من تصميم سيلفيا تشرّاسي يتميز بياقة على شكل V وتصميم زهري، نسقته مع معطف فرو فاخر، حذاء من Gianvito Rossi وحقيبة من Chanel. وأرفقت لوبيز المنشور بتعليق بسيط جاء فيه: 'GG Weekend Glamour'، ولم تتوقع أن يكلفها هذا المنشور آلالاف الدولارت، حيث تقدم المصور إدوين بلانكو ووكالة Backgrid المالكة للحقوق، بدعوتين منفصلتين يطالبان فيها بتعويض قد يصل إلى 150 ألف دولار عن كل صورة وبالمجموع 300 الف دولار، مشيرين إلى أن استخدام الصور كان لأغراض تجارية. وجاء في المستندات القانونية أن لوبيز استخدمت الصور بهدف تعزيز ظهورها الإعلامي والترويج لشراكاتها مع مصممي الأزياء والعلامات التجارية. وأضاف المصور ووكالته إلا انهما تواصلا مع ممثلي جينيفر بشأن التوصل إلى اتفاق مالي، غير أن الاتفاق لم يُوقع حتى اللحظة. وهذه ليست المرة الأولى التي تُقاضى فيها لوبيز بسبب نشر صور لها على وسائل التواصل. فقد واجهت دعاوى مشابهة في عامي 2019 و2020، وانتهت كلتاهما بتسويات خارج المحكمة لم يُكشف عن تفاصيلها. ويبدو أن هذه الظاهرة أصبحت شائعة في عالم المشاهير، إذ سبق أن واجهت أسماء بارزة مثل جيجي حديد، كلوي كارداشيان ودوا ليبا قضايا مشابهة. يشار إلى انه رغم أن الصور كانت لجينيفر نفسها، إلا أن القانون ينص على حقوق النشر تعود للمصور، لا للشخص الموجود في الصورة. كلمات دالة:جينفير لوبيز © 2000 - 2025 البوابة ( )

الأميركي ويس اندرسون يرسم بالكاميرا ويستنطق اللاوعي
الأميركي ويس اندرسون يرسم بالكاميرا ويستنطق اللاوعي

Independent عربية

timeمنذ 6 أيام

  • Independent عربية

الأميركي ويس اندرسون يرسم بالكاميرا ويستنطق اللاوعي

من فضائل سينما أويس ندرسون، صاحب ال 13 فيلماً، أنها أعادت الاعتبار للحنين على نحو خلاق من خلال الهندسة اللونية في بناء اللقطات والأزياء والموسيقى، والانحياز إلى إشباع الجانب البصري في رسم المشاعر. هنا نحن أمام مصطلح مستقى من المسرح هو "الفرجة"، لكنه يمنح هذا الفضاء دفئاً وعفوية، كأنه يستعيد طفولة غابرة، ويتطلع إلى إنشاء لغة رمزية عبر الألوان. لذا يكثر في أفلام أندرسون اللون الأحمر، لأنه يعادل الحزن الكثيف. في فيلم "الحياة المائية مع ستيف زيسو" (2004) تعكس قبعة زيسو الحمراء حزنه الشديد على فقدان صديقه ورفيقه إستيبان دو بلانتييه. وفي فيلم "العائلة الملكية تينينباوم" (2001)، نرى تشارلز (بن ستيلر) يرتدي بدلة رياضية حمراء حداداً على وفاة زوجته، وشعور الهجر الذي أحسّ به في طفولته. وفي فيلم "دارجيلنغ المحدودة" (2007)، نرى الأخوين يقودان سيارة حمراء بعد وفاة والدهما، كما لاحظ ذلك مقال نشرته منصة (Curzon) الإنجليزية، الأسبوع الماضي. وُصف فيلم "المخطط الفينيقي" بأنه كوميدي، مع أنّ هذا التعبير مخلّ ومختزل، فهو أقرب إلى السوريالية المحملة بأنفاس الماضي وعذاباته، ومن شخصياته التي عمّرت ذكريات أندرسون، شخصية "ززا كوردا" المستوحاة جزئياً من والد زوجته اللبناني الراحل، فؤاد معلوف، الذي وصفه، في تصريح لصحيفة "هوليوود ريبورتر" بأنه "شخصية كاريزمية مهيبة". من جو فيلم "المخطط الفينيقي" (ملف الفيلم) خرج أندرسون من عباءة المخرج التقليدي، وسلك الدرب الوعر للمخرج المحوِّل، الذي ما زال يلهم السينمائيين، وشركات التسويق، ودور الأزياء، والمؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي. وصار الجمهور يعرف سينما أندرسون قبل أن يرى توقيعه عليها. شغف المغامرة الانشقاق الإبداعي يحركه ويغذيه قلق مستعر، وشغف في المغامرة، ما يحيلنا إلى كتاب "كيفما فكرت... فكر العكس" للإنجليزي بول آردن، الذي صدر عن دار الساقي، وترجمته رشا الأطرش. يروي المؤلف حكاية من الألعاب الأولمبية التي نظمت في المكسيك سنة 1968، حيث اعتاد أبطال القفز العالي الطيران فوق العارضة، جاعلين أجسادهم موازية لها، وسمّيت هذه التقنية "الدحرجة الغريبة". لكنّ ذلك كان على وشك أن يتغير، حيث قاربَ رياضي غير معروف العارضة المنصوبة على ارتفاع قياسي هو2,24م، بطريقة مغايرة تماماً. انطلق، وبدل أن ينحني بصدره في اتجاه العارضة، أولاها ظهره. رفع ساقيه وانقلب فوق العارضة التي وضعها خلفه. كان اسمه ديك فوسبيري، وعُرف أسلوبه في القفز بـ"قلبة فوسبيري" التي ما زالت تستخدم حتى اليوم. قفز أعلى من أي رجل، لأنه فكّر بعكس كل من سبقوه. ويس أندرسون في أفلامه جلها يفكر على نحو يعاكس المألوف، ويفجر الطاقة الرمزية في الصورة واللون والتراتبية البصرية والحركة البطيئة. إنه يرسم بالكاميرا، لذلك يتم استقباله باعتباره نبعاً من الدهشة. وكنا قد تناولنا أسلوباً سينمائياً ينتسب إلى الفضاء نفسه يجسده تشارلي كوفمان، لاسيما في فيلمه (i'm thinking of ending things)، فكلا المخرجين أندرسون وكوفمان، يركز على الطاقة الرمزية في المعاني؛ الأول لا تقول شخصياته إنها حزينة، لكنّ سياقاً رُسم لها بأناقة ودقة يؤكد أنها تعيش الحزن، بل الكَبَد. أما الثاني فيوغل أكثر في الرمزية والتجريد، ويلجأ إلى الاستنطاق النفسي للذات، من خلال قراءة اللاوعي، وتسليط الضوء على المشاعر المكبوتة التي أفاض في تجليتها فرويد. قيل إنّ أفلام أندرسون تشبه "القراءة على ضوء مصباح يدوي تحت أغطية اللحاف ليلاً"، لأنها تبعث حنيناً يتصدع أمام ثقل الحاضر، وهذه رسالة يلتقطها كوفمان محولاً الأفكار الهاجعة في القيعان المنبوذة في التجربة الشخصية، إلى حركة مجسَدة على الشاشة، حتى لو اختلط الحلم بالكابوس والراهن بالفانتازيا. إنّ الخيال في سينما بهذه الحساسية هو جنة المطرودين من جحيم الواقع. أفلام تفكر في الافكار كوفمان ينسف هراء هوليوود، ويقدم أفلاماً تفكر في الأفكار. لذلك يراها بعضهم صعبة ومعقدة وغير مفهومة. لعل المخرج لا يتوخى الإفهام بمقدار ما ينشد الدهشة الآتية، من خلال مزج الواقع والفن والخيال بالطبيعة المعقدة للحياة والبشر. أندرسون ينسف التصورات على طريقته. إنه يسعى إلى سكب شيء من الفكاهة في قلب الألم. لذا تذهب الأحكام المتسرعة إلى تصنيف بعض أفلامه بأنها "كوميدية". لعل الإضحاك في بعض الأفلام نابع من السخرية أكثر من الفكاهة، لأنّ أعماله مؤثرة عاطفياً، وتثير الكثير من الشجن، خصوصاً حينما يمتزج الحزن مع الهجر، وتفكك الأسرة، والتنافس بين الأشقاء، وفقدان البراءة. أو حين يحل الزمن الحديدي بقبضته غير الرحيمة، ويضرب كل شيء، ويهدم متاحف الخزف الرقيقة في دواخلنا. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومن الصعب تصنيف أفلام أندرسون بأنها شعبية أكثر من أفلام كوفمان النخبوية والمعقدة. هذا حكم سريع ومتغطرس. السؤال: هل ما يصنعانه يصب في إطار السينما الخلاقة في جانبها الإبداعي الذي يبتكر عالماً يحترم الحواس، ويوقر الذائقة؟ في لقطة لا تنسى في فيلم (i'm thinking of ending things)، وندر أن تتكرر في السينما لصعوبة تنفيذها بصرية، ولأنها أيضاً تتحدى فكرة الزمن والحركة في الوقت ذاته، ما عبر عنه كوفمان بتاريخ النبذ والنسيان والتجاهل الذي عانى منه بطل فيلمه "جيك" الذي عاش حياته مع إحساس عميق بانعدام الثقة بالنفس وفقدان التقدير. ذهب كوفمان في آخر لقطات فيلمه ليصنع معادلاً رمزياً مجسَداً لهواجس "جيك" وتمزقاته، فأظهره (وربما هذا ما يعتقد أنه يستحقه) على هيئة رجل عجوز، يتسلم جائزة عن أدائه الدرامي، وحالماً بجائزة نوبل، فيتم تصميم مشهد مستقى من فيلم عقل جميل (A Beautiful Mind) للمخرج رون هوارد (2001). كاميرا كوفمان اخترقت عقل "جيك" وقلّبت انفصاماته وشكوكه، كأنها تقول ربما يكون "جيك" في نظر الآخرين لا شيء، لكنه في نظر نفسه كل شيء. المغامرة التي يسلكها كوفمان وأندرسون في أفلامهما تنطلق من مفهوم "كيفما فكرت... فكر العكس"، لذا يقفزان على طريقة "ديك فوسبيري" فيبهران ويكسبان الرهان.

عشرات النسخ من حكاية فاوست أفضلها بطل غوته المدهش
عشرات النسخ من حكاية فاوست أفضلها بطل غوته المدهش

Independent عربية

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • Independent عربية

عشرات النسخ من حكاية فاوست أفضلها بطل غوته المدهش

هناك بالطبع، وفي المكان الأول في تاريخ الأدب، مسرحية "فاوست" كما كتبها الألماني الكبير وولفغانغ غوته (1749-1832) في عام 1806 ليستكملها في قسم ثان بعد ذلك بأكثر من ربع قرن فتكون خاتمة ما كتب. وتعد "فاوست" غوته واحداً من أعظم النصوص الإبداعية التي كتبت في اللغة الألمانية. وهناك إلى هذا العمل عدد لا يحصى من نصوص فاوستية تواصل صدورها في القرن الـ20 مع توماس مان أو بول فاليري وعديد غيرهم وهي نصوص حازت دائماً شهرة ومكانة كبيرين في تاريخ الفكر والأدب. ولكن هناك أيضاً "فاوست" على شكل مسرحية تعود تاريخياً إلى عام 1588 بمعنى أنها سبقت معظم النصوص المتحدثة عن "فاوست" وربما ليس تاريخياً فقط. ومسرحية "فاوست" التي نشير إليها هنا، هي بالطبع تلك المسرحية التي تتوسط، زمنياً، أعمال الشاعر والكاتب الإنجليزي توماس مارلو الذي نعرف على أية حال أنه لم يعش سوى 29 سنة كان خلالها كاتباً غزير الإنتاج و... منافساً رئيساً لـ...شكسبير بل غريماً له. وربما قبل الدخول في حديثنا عن "فاوست" مارلو، يجدر بنا أن ننتهز المناسبة لمحاولة الإجابة عن سؤال كثيراً ما طرح من قبل الدارسين والمؤرخين: لماذا لم يكرس شكسبير مسرحية لفاوست، هو الذي تنوعت مسرحياته وتوسعت موضوعاته لتشمل ما استعاره من عدد كبير من التواريخ والبلدان؟ ولعل الجواب يكون أن شكسبير حين وجد نفسه مهتماً بفاوست وأراد الكتابة عنه، اكتشف أن مارلو قد سبقه إلى ذلك. فالواقع أن حكاية فاوست الحقيقية التي كانت نشرت في اللغة الألمانية لم تعرف في بريطانيا حيث ترجم ذلك الكتاب الأساس عنها إلا في عام 1592 أي بعد ما لا يقل عن ثلاثة أعوام من اطلاع مارلو على الحكاية في مخطوط مبكر كما يبدو، وكتابته مسرحية عنها ربما تكون من أول ما عرف أوروبياً خارج ألمانيا، من مسرحيات عن تلك الشخصية المدهشة. شخصية أكثر تجوالاً طبعاً لا يمكن لأحد أن يزعم هنا أن فاوست مارلو يمكنه أن يبدو أكثر عمقاً من قرينه لدى غوته، فهذا الأخير تمكن في قسمي مسرحيته الخالدة من أن يبني واحدة من الشخصيات الأكثر هندسة فكرياً في تاريخ الأدب العالمي، بل ربما الشخصية الإنسانية الأكثر جدارة بهذا التوصيف، إذا اقتبسنا ما أجمع عليه باحثون ومؤرخون، استهواهم دائماً بناء غوته وفكره المحكم وتعمقه حتى في التاريخ المدون للقصة الحقيقية التي منها أتت تلك الشخصية في تاريخ الفكر. ومع ذلك يمكن التوقف طويلاً عند الشخصية التي قدمها مارلو في مسرحيته وعنوانها "حكاية الدكتور فاوست الفجائعية". فهي، وربما يبدو هذا غريباً بالنسبة إلى شخصية مسرحية بنيت في العهد الإليزابيثي البريطاني، شخصية تتجاوز ومن بعيد السمات المحلية، ونكاد نقول، الفولكلورية الألمانية، التي تطبع ليس فقط الشخصية كما بناها غوته، بل كل الفاوستات التي صورت على مدى تاريخ الأدب ودائماً استناداً إلى فاوست "الحقيقي" الذي تقول لنا الحكاية إنه قد وجد وعاش حقاً قبل انتشار حكايته بأزمنة طويلة. وهو أمر يمكن بسهولة أن يستشف من خلال تلخيص ما تحمله مسرحية مارلو من أحداث قد تبدو في ظاهرها مماثلة للأحداث الفاوستية المعروفة بصورة عامة. ففي نص الشاعر الإنجليزي الشاب والمكتوب في مزيج من الشعر والنثر، يطالعنا الدكتور فاوست بوصفه أعظم عالم لاهوت عرفته المنطقة، التي يعيش فيها ناهيك بأن أحداً لا يمكنه أن يدانيه في قدرته على الجدل والتعمق في الفكر، وما من أحد يمكنه أن يدنو منه في الفهم واستخدام العقل، غير أنه لا يريد أن يكتفي بذلك، بل يتطلع دائماً إلى اكتساب مزيد من الفنون والمعارف، وصولاً إلى امتلاك قدرات سحرية لم تتح لإنسان من قبله. وهو يجد لزاماً عليه للبدء في السعي حقاً إلى ذلك أن يتخلى عن إيمان جدوده وأسلافه، والانطلاق بالتالي للحصول على عون أكيد من الشيطان مفيستوفيليس، مستعيناً في ذلك بالشيطان الأصغر لوسيفر. وبالفعل يصل مع هذا الأخير إلى اتفاق على شكل رهان يوقع عليه بدمه وسيكون ملزماً له. وينص الاتفاق على أن يحصل فاوست على 24 عاماً إضافياً سيعيشها مهما كانت عليه الأمور، لكنه لن يحصل من بعدها ولو على ثانية إضافية. وخصوصاً أن روحه عند موته ستصبح تلقائياً ملكاً للشيطان. جولات وانتصارات صحيح أن 24 سنة تعد مدة كافية بالنسبة إلى فاوست كي يحقق رغباته المعرفية وأحلام العظمة الخاصة به، لكنه وبالنظر إلى طموحه الذي لا يحد، يبدأ بالسعي راكضاً من فضاء إلى آخر لتحقيق كل ما يتطلع إليه، مروراً بمشاريع فكرية وحياتية تجعل منه الرجل الأقوى والأشهر في العالم. وهنا إذ يتنبه ملاك الخير لما يحدث لفاوست والمجازفات التي يتعرض لها، يشفق عليه ويحاول أن ينقذه من رهانه القاتل، فيخوض من أجله صراعات حادة مع ملاك الشر الذي يحضه على المزيد والمزيد، لكن الملاك الطيب يفشل في مهمته التي يحاول فيها إعادة فاوست إلى الصراط المستقيم. أما هذا الأخير فإنه يبدأ حينها تجوالات أوروبية تقوده إحداها إلى روما حيث يتمكن حتى من التلاعب بالكرادلة وكبار المسؤولين في الفاتيكان، كي يتمكن من إنقاذ بابا مزيف يدعى برونو كان قد قبض عليه. ولسوف نراه إثر ذلك، في ألمانيا، حيث يقدم في القصر الإمبراطورية عروضات تنم عن قدراته السحرية. وهو في خضم ذلك كله، يجد نفسه قادراً على خداع كل من هم حوله في وقت لا يقدر فيه أي من هؤلاء على مجابهته. فبكلمة أو نظرة منه، وبفضل قدراته الخارقة، يمكنه أن يسكت أي صوت بل أن يقتل وبإشارة خفية منه، أي شخص يحاول التصدي له. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ولئن تطلع كثر من خصومه إلى قتله فإن ذلك مستحيل لأنه ضامن أن يعيش طوال السنوات التي ينص عليها رهانه. وفي المقابل إذا كان فاوست الآخر، فاوست غوته وغيره، مغرماً بمرغريت، يبدو فاوست مارلو هنا تواقاً إلى قبلة من هيلينا، تلك المرأة الإغريقية التي من أجلها اندلعت حروب طروادة. وها هو ذات لحظة يغني لها تلك الأغنية التي باتت شهيرة في إنجلترا منذ ذلك الحين ويقول فيها، "أوليس هذا هو الوجه الذي يمكنه عبر البحار أن يطلق ألف سفينة وسفينة؟". ولكن عند تلك اللحظة بالذات وقبل أن يصل فاوست إلى هدفه الأسمى ذاك تكون ساعته قد حلت ووصل إلى نهايته. لقد حلت الساعة التي كان يخافها إنما من دون أن يحسب لها حساباً... صحيح أنه يعتقد الآن أنه في مقدوره أن يؤجل ساعته لكنه الأمر الوحيد الذي يكتشف عنه عاجز عنه. وهكذا تحل نهايته وينتهي معه كل ذلك الجهد الذي بذل في سبيله السنوات الـ24 الأخيرة من حياة عاشها من أجل العلم. ولكن هل حقاً من أجل العلم أم من أجل هدف في التجاوز لا يكف عن أن يموت، لدى غوته كما لدى مارلو ولدى كل من دنا حق من هذه الحكاية الأخاذة. هدف لا يزال الإنسان يضعه نصب عينيه ويعقد من أجله تلك الاتفاقات والرهانات موقعاً عليها بدمه...؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store