
«البيتزا».. والأزمات الدولية
ربما لم تسمع من قبل عن «مؤشر البيتزا»، لكن في العاصمة الأمريكية واشنطن، وبالتحديد قرب مبنى البنتاغون، أصبحت حركة الطلبات الخارجية من وجبات البيتزا مؤخراً شيئاً أكبر من مجرد وجبة طعام ليلية. لقد تحوّلت إلى ظاهرة سياسية لافتة، يتوقف عندها الصحفيون والمحللون بفضولٍ جاد.
تعود قصة هذا المؤشر إلى حقبة الحرب الباردة، تلك الفترة التي كان العالم فيها منقسماً بين معسكرين. حينها، لاحظ بعض المراقبين، ومن بينهم بعض الأجانب، أن موظفي المؤسسات الأمريكية الحيوية يميلون إلى طلب كميات أكبر من البيتزا في الساعات التي تسبق أحداثاً أو قرارات دولية حاسمة. وهكذا، ومن دون سابق إنذار، تحوّلت وجبة البيتزا من طبق سريع إلى مؤشر غير رسمي، يمكن أن ينبه إلى تحركات كبرى مقبلة.
قد تبدو القصة خيالية قليلاً، لكن الواقع يؤكد أن مثل هذه المؤشرات غير التقليدية موجودة حقاً في كواليس السياسة العالمية، فلنعدْ قليلاً إلى ليلة الثاني عشر من يونيو/ حزيران الجاري، حين رُصدت زيادة ملحوظة في طلبات البيتزا المتوجهة نحو محيط البنتاغون. هذا الحدث الذي قد يمر بشكل عابر في الأيام العادية اكتسب أهمية خاصة هذه المرة، إذ تزامن مع إعلان إسرائيل عن عملية عسكرية كبيرة استهدفت منشآت داخل إيران، ما أثار نقاشاً وتحليلات واسعة في الإعلام الأمريكي حول العلاقة بين تلك الطلبات الغذائية العادية وبين القرارات السياسية والعسكرية الحساسة.
في تفاصيل تلك الليلة، أظهرت خرائط جوجل نشاطاً مكثفاً وغير اعتيادي في منطقة أرلينغتون القريبة من البنتاغون. وتحديداً نحو الساعة السابعة مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، لاحظ المراقبون أن هناك ازدياداً كبيراً في حركة توصيل طلبات البيتزا من المطاعم القريبة نحو مبنى وزارة الدفاع الأمريكية. وبينما سارع مسؤولو البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية إلى إصدار بيانات رسمية تنفي أي علاقة أو تورط للولايات المتحدة في الضربات التي استهدفت إيران، إلا أن حالة الاستنفار التي عكستها زيادة الطلب على البيتزا خلقت جدلاً واسعاً بين المحللين والصحفيين وحتى الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وبالطبع، فإن وزارة الدفاع الأمريكية أكدت بشكل واضح أنها لم تكن جزءاً من هذه العمليات، وأن الأمر كله مجرد صدفة، مشيرةً إلى توفر خيارات طعام متعددة داخل مقرها. مع ذلك، يبقى هذا الارتباط الغريب شيئاً مثيراً للاهتمامات وللتكهنات الصحفية والتحليلية حول العالم.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يرتبط فيها ارتفاع طلبات البيتزا بأزمة دولية. في أغسطس/ آب من العام 1990، سجلت واشنطن رقماً قياسياً في عدد طلبات البيتزا التي وصلت إلى مقرات حكومية أمريكية، قبل ساعات قليلة من غزو العراق للكويت. منذ ذلك التاريخ، بات هذا المؤشر يتكرر بين حين وآخر، وكأنه يذكرنا باستمرار بأن التفاصيل الصغيرة قد تعكس أحداثاً أكبر بكثير مما نظن.
في هذا السياق، يقول الدكتور جوزيف ناي، الأستاذ بجامعة هارفارد وأحد أبرز المفكرين في السياسة الدولية: «في كثير من الأحيان، تكشف التفاصيل الصغيرة التي لا نلتفت إليها عادةً جوانب مهمة من الصورة الأكبر للأحداث السياسية». كما يؤكد الكاتب والصحفي الأمريكي توماس فريدمان: «قد تكون أبسط الأشياء في حياتنا اليومية أحياناً هي المؤشرات الأكثر صدقاً على ما يجري في كواليس السياسة العالمية».
العالم اليوم يعيش مرحلة من التوتر الجيوسياسي المتصاعد، من أوكرانيا إلى آسيا، ومن الشرق الأوسط إلى أمريكا اللاتينية، لا تمر لحظة دون حدث مهم. ومع هذه الأجواء، باتت أعين المراقبين تبحث عن أي إشارة قد تنبئ بما يحدث في الغرف المغلقة. قد لا تكون البيتزا أفضل مؤشر علمي موثوق، لكنها بلا شك مؤشر طريف يضيف لمسة من التشويق على المشهد السياسي الدولي.
لذا، ربما يكون من الحكمة أن نعيد النظر في نوعية المؤشرات التي نوليها اهتمامنا عند متابعة الأحداث الدولية. فالعالم اليوم أصبح أكثر ترابطاً وتداخلاً من أي وقت مضى، والسياسة الدولية لم تعدْ تقتصر على المؤتمرات الصحفية والتصريحات الرسمية وحدها، بل باتت تتطلب منا أن نقرأ ما بين السطور، وأن ننتبه إلى تفاصيل صغيرة قد تبدو للوهلة الأولى عابرة أو اعتيادية.
وبالتالي، ربما في المرة القادمة التي تسمع فيها عن تغير في عادات طلب الطعام أو ارتفاع مفاجئ في استهلاك البيتزا أو القهوة في بعض العواصم الدولية المهمة مثل واشنطن وبكين وموسكو أو لندن وباريس أو حتى روما، قد يكون من الجيد متابعة الأخبار بهدوء وانفتاح وتفاؤل. فمثل هذه التفاصيل قد تكون مجرد انعكاسٍ لجهود حثيثة ونشاط إيجابي يهدف إلى مواجهة تحديات دولية أو تحقيق إنجازات مهمة في مجال التعاون الدبلوماسي والعلاقات بين الدول.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البيان
منذ 25 دقائق
- البيان
ترامب: لدي "خياران أو ثلاثة" لاستبدال جيروم باول
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم "الثلاثاء" إن لديه خيارين أو ثلاثة من أفضل الخيارات ليحلوا محل جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي).


سكاي نيوز عربية
منذ ساعة واحدة
- سكاي نيوز عربية
هاكابي بعد صاروخ الحوثي: ربما تحتاج قاذفة بي-2 لزيارة اليمن
وأضاف هاكابي: "كنا نظن أننا انتهينا من الصواريخ التي تستهدف إسرائيل، لكن الحوثيين أطلقوا واحدا فوقنا. لحسن الحظ، نظام الدفاع الإسرائيلي المتطور اعترض الصاروخ. وتابع السفير الأميركي: "لجأنا إلى الملاجئ بانتظار إشارة الأمان". ومساء الثلاثاء، أعلن الجيش الإسرائيلي ، أنه رصد صاروخا أطلق من اليمن، مؤكدا أن أنظمة الدفاع الجوي تمكنت من اعتراضه. وأوضح الجيش أن صفارات الإنذار دوت في مناطق عدة داخل إسرائيل ، في أعقاب رصد الصاروخ، دون الإبلاغ عن وقوع إصابات أو أضرار مادية حتى الآن. وكانت واشنطن قد استخدمت قاذفات الشبح الأميركية من طراز "بي-2" في الهجوم على منشأة فوردو الإيرانية لتخصيب اليورانيوم. وتستطيع قاذفات بي-2 أن تحمل قنبلة خارقة للتحصينات تزن طنين، وهي سلاح تمتلكه الولايات المتحدة حصريا.


البيان
منذ ساعة واحدة
- البيان
ترامب: سأكون حازماً مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه سيناقش الأوضاع في غزة وإيران عندما يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض الأسبوع المقبل، معبراً عن أمله في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة قريباً. ويعتزم ترامب لقاء نتنياهو "الاثنين". وقال للصحفيين خلال زيارة لفلوريدا إنه سيكون "حازما جدا" معه بشأن الحاجة إلى وقف سريع لإطلاق النار في غزة، مشيرا إلى أن نتنياهو أيضا يريد وقف إطلاق النار. ويزور وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر واشنطن هذا الأسبوع لإجراء محادثات قبل الاجتماع. وقال مسؤول إسرائيلي إنه من المقرر أن يجتمع اليوم "الثلاثاء" مع المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف ووزير الخارجية ماركو روبيو ونائب الرئيس جيه.دي فانس. تعاون ترامب ونتنياهو في عملية عسكرية لاستهداف مواقع نووية إيرانية في يونيو، بلغت ذروتها بقصف أمريكي بقاذفات من طراز بي-2. وقال ترامب إن هذه الضربات "محت" قدرة طهران النووية، غير أن الجدل ما زال مستمرا بشأن مدى الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي الإيراني. وعبر ترامب عن أمله في التوصل الأسبوع المقبل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة حماس في غزة لوقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن. وقال لصحفيين لدى مغادرته البيت الأبيض في رحلة ليوم واحد إلى فلوريدا "نأمل أن يحدث ذلك. ونتطلع إلى حدوثه في وقت ما من الأسبوع المقبل. نريد تحرير الرهائن". وأعلنت حماس استعدادها لإطلاق سراح الرهائن المتبقين في غزة بموجب أي اتفاق ينهي الحرب، فيما تقول إسرائيل إنها لا يمكن أن تنتهي إلا بنزع سلاح حماس وتفكيك الحركة.