
الكرملين يعلق على انتقادات ترامب ورفض أوروبي لنزع سلاح أوكرانيا
كما أكد أن لدى الولايات المتحدة رغبة في تسريع تسوية الصراع الأوكراني "لكن ذلك لا يمكن أن يتم فورا".
وقال إن روسيا تنتظر من أوكرانيا مقترحات بشأن الجولة الثالثة للمفاوضات، مشيرا إلى أن هذا الأمر يصب في مصلحتها لتغيير الوضع على الجبهة.
وشدد على أنه رغم قرار واشنطن استئناف إمدادات السلاح لكييف فإن موسكو تتوقع من الرئيس ترامب مواصلة الجهود لحل الصراع مع أوكرانيا، وتواصل الحوار مع واشنطن بشأن إصلاح العلاقات الثنائية "المتدهورة".
وقال ترامب أمس الثلاثاء إنه وافق على إرسال أسلحة دفاعية أميركية إلى أوكرانيا ويدرس فرض عقوبات إضافية على روسيا، في مؤشر واضح على إحباطه من سياسات بوتين.
وتعهد ترامب حينما كان مرشحا للرئاسة بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية في غضون يوم واحد، لكنه لم يتمكن من الوفاء بهذا الوعد، ولم تسفر جهود إدارته للتوسط في السلام عن شيء أيضا.
ونقلت وكالة أسوشيتد برس اليوم عن مصدر -لم تسمه- قوله إن ترامب فوجئ بإعلان وزارة الدفاع (البنتاغون) وقف نقل الأسلحة إلى أوكرانيا، مؤكدا أن وزير الدفاع بيت هيغسيث قدّم للرئيس تقييما لشحنات المساعدات العسكرية والمخزونات الحالية.
خط أحمر
من ناحية أخرى، قال وزير القوات المسلحة الفرنسية سيباستيان لوكورنو اليوم إن نزع سلاح أوكرانيا -وهو من الشروط التي وضعتها روسيا لإنهاء الحرب- يمثل "خطا أحمر مطلقا" بالنسبة إلى الأوروبيين.
وأضاف لوكورنو -في مقابلة مع مجلة "فالور أكتويل" الفرنسية الأسبوعية- عشية اجتماع جديد يعقده "تحالف الراغبين" المؤلف من نحو 30 دولة متحالفة مع أوكرانيا "خطنا الأحمر المطلق هو نزع سلاح أوكرانيا".
وقال "يجب أن تكون منسجمين مع أنفسنا، لا يمكننا رفض انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وفي الوقت نفسه القبول بأن تُحرم من جيشها".
وأضاف "يجب أن يكون بمقدور الأوكرانيين ضمان أمنهم، وهذه مسألة أساسية، لأنه في حال العكس فإنني لا أرى أي ضمان لأمن الدول المجاورة".
هجوم واسع
ميدانيا، أعلنت القوات الجوية الأوكرانية اليوم أن روسيا أطلقت 728 طائرة مسيّرة -وهو عدد غير مسبوق- و13 صاروخا على أوكرانيا، مضيفة أن أنظمة الدفاع الجوي دمرت 718 طائرة مسيّرة و7 صواريخ.
كما قالت وزارة الدفاع الروسية إنها سيطرت على قرية تولستوي في منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا.
وأضافت الوزارة أن القوات الروسية قصفت مطارات عسكرية أوكرانية في هجمات خلال الليل.
كما أشارت إلى أن أنظمة الدفاع الجوي أسقطت 86 مسيّرة أوكرانية كانت تستهدف مناطق روسية، بينها مقاطعة موسكو، ودمرت 4 صواريخ هيمارس و226 مسيّرة أوكرانية خلال الـ24 ساعة الأخيرة.
وقال حاكم مقاطعة كورسك الروسية إن 3 مدنيين قتلوا وجُرح 6 آخرون -بينهم طفل- جراء هجوم بمسيّرة أوكرانية على متنزه في مدينة كورسك.
يشار إلى أن روسيا تشن منذ 24 فبراير/شباط 2022 هجوما عسكريا على جارتها أوكرانيا وتشترط لإنهائه تخلي كييف عن الانضمام إلى كيانات عسكرية غربية، أبرزها حلف الناتو، وهو ما تعتبره كييف تدخلا في شؤونها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
بريطانيا مفلسة والسبب سندات ابتكرتها قبل 40 عاما
أطلقت صحيفة التايمز البريطانية تحذيرًا بالغًا هذا الأسبوع، مفاده أن " بريطانيا مفلسة". هذا الاستنتاج القاتم لم يُعلَن بصريح العبارة من مكتب مسؤولية الميزانية (OBR) -الذي يعتبر العقل المدبر للميزانية- ، لكن تقريره الأخير، الممتد على 65 ألف كلمة، لا يترك مجالًا للشك: البلاد تواجه مأزقًا ماليًا غير مسبوق. والسبب؟ سياسة بدأت قبل أكثر من أربعة عقود، حين قررت الحكومة البريطانية إصدار سندات مرتبطة ب التضخم ، عُرفت باسم لينكرز. هذه السندات كانت تُعتبر حينها خطوة مبتكرة لحماية المستثمرين من التآكل النقدي، لكن ارتفاع التضخم بعد جائحة كورونا جعلها عبئًا كارثيًا على خزينة الدولة. الدين يكلف بريطانيا أكثر من التعليم والدفاع معًا وبحسب التايمز، ارتفعت تكلفة خدمة الدين العام من 25 مليار جنيه إسترليني (32.3 مليار دولار) في عام 2020 إلى 105 مليارات جنيه (135.6 مليار دولار) في السنة المالية الأخيرة. وللمقارنة، فإن الحكومة البريطانية تنفق سنويًا 60 مليار جنيه (77.5 مليار دولار) على التعليم، و55 مليارًا (71 مليار دولار) على الدفاع، و20 مليارًا (25.8 مليار دولار) على الشرطة. ولم يكن هذا الانفجار في الإنفاق عشوائيًا، بل كان من سياسات إصدار "لينكرز" التي تضخمت قيمتها مع ارتفاع مؤشر أسعار التجزئة (RPI) الذي بلغ ذروته في 2022 عند 14.2%. ووفقًا لتحليل أجرته الصحيفة، فإن هذه السندات وحدها تسببت في زيادة مدفوعات الفائدة بـ 62.8 مليار جنيه (81 مليار دولار) خلال عامي 2022 و2023 فقط. كيف بدأت القصة؟ وتعود جذور هذه السياسة إلى عام 1981، حين كان جيفري هاو وزيرًا للمالية في حكومة مارغريت تاتشر. وبحسب التايمز، جاء إصدار هذه السندات في وقت كانت فيه الحكومة البريطانية تعاني صعوبة بالغة في الاقتراض، خاصة بعد الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالبلاد في سبعينيات القرن الماضي. وهدفت الحكومة من هذه الآلية إلى طمأنة الأسواق بأن الأموال التي تقترضها ستحتفظ بقيمتها الحقيقية، ما عزّز من ثقة المستثمرين وساهم لاحقًا في تقليل تكلفة الاقتراض، إذ كان المستثمرون يقبلون عوائد أقل على هذه السندات مقابل الحماية من التضخم. الطلب الكبير على هذه السندات جاء تحديدًا من صناديق التقاعد التي كانت تحتاج أدوات مالية تضمن عوائد حقيقية طويلة الأجل. وفي ذلك الوقت، وصفت التايمز هذا النوع من الديون بأنه "ابتكار ذكي" يخدم احتياجات الأسواق ويوفر على الخزينة. انقلاب في المعادلة لكن المعادلة تغيّرت جذريًا بعد عام 2020، فوفقًا لتقرير التايمز، فإن الحكومة البريطانية -وعلى مدى عقود- أصدرت سندات مرتبطة بالتضخم بوتيرة أعلى بكثير من نظرائها في مجموعة السبع. ففي عام 2022، بلغت نسبة الديون المرتبطة بالتضخم في بريطانيا 25% من إجمالي الديْن العام، مقارنة بـ12% في إيطاليا، و7% في الولايات المتحدة ، وأقل من 5% في ألمانيا. ولذلك، ارتفعت مدفوعات الفائدة على الديْن البريطاني بين عامي 2019 و2022 بمعدل أسرع من أي دولة أخرى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ووفقًا لمكتب مسؤولية الميزانية، فإن هذه التكاليف ستستمر في الارتفاع حتى تصل إلى 132 مليار جنيه (170.4 مليار دولار) سنويًا بحلول عام 2030. ريفز مكبلة و"حراس السندات" يراقبون وتجد وزيرة المالية رايتشل ريفز نفسها، اليوم، عاجزة عن تنفيذ وعودها، فبينما يراقب المستثمرون السندات الحكومية، ينظرون بعين الشك إلى أي توجه قد يُضعف الانضباط المالي. ولذلك اكتسب هؤلاء المستثمرون لقب "حراس السندات". وتُحذر الصحيفة من أن أي تلميح لتوسيع الإنفاق دون تغطية مالية كافية سيرفع مباشرة الفائدة التي يطلبها المستثمرون لإقراض الحكومة، ما يُعيق خطط الاقتراض التي تتجاوز 250 مليار جنيه (322.5 مليار دولار) هذا العام. وقالت مصادر في الخزانة للتايمز، إن وزراء المالية السابقين انجذبوا إلى العوائد المنخفضة على هذه السندات، رغم التحذيرات من مخاطرها على المدى الطويل. وأضاف المصدر أن الطلب "الساخن" من صناديق التقاعد جعل اتخاذ القرار أكثر صعوبة، قبل أن يعترف: "ذهبنا بعيدًا جدًا في إصدار هذه السندات". على من تقع المسؤولية؟ وفي حين لم يُحمّل أحد رسميًا المسؤولية، تشير التايمز إلى دور جهاز إدارة الدين الحكومي (DMO)، وهو هيئة استشارية أنشئت عام 1998. وكان يديرها آنذاك السير روبرت سثيمان، الذي استقال عام 2024 وكان يتقاضى راتبًا سنويًا قدره 145 ألف جنيه (187 ألف دولار). ورغم أنه لم يدعُ صراحة إلى إصدار المزيد من "لينكرز"، فإنه وصفها مرارًا بأنها "ركيزة أساسية في برنامج التمويل البريطاني". خليفته، جيسيكا بولاي، واصلت تأكيد "الطلب القوي من الأسواق" على هذه السندات، لكن دور الجهاز كان استشاريًا فقط، وتنفيذًا لقرارات الحكومة. وفي منتصف العقد الماضي، أصدرت لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس اللوردات تحذيرًا نظريًا بشأن "تعرض المالية العامة لصدمات تضخمية" بسبب الاعتماد الكبير على هذه السندات، لكن لم يُؤخذ التحذير على محمل الجد، وحده مكتب مسؤولية الميزانية بدأ بقرع الجرس بوضوح عام 2017. إعلان وفي عام 2018، أعلن وزير المالية آنذاك فيليب هاموند عن خطة تدريجية لتقليص نسبة هذه السندات من إجمالي الديْن. وبين 2018 و2023، انخفضت النسبة من 23.5% إلى 12.4%، لكن التايمز تؤكد أن ذلك جاء بعد فوات الأوان. سياسة خفية لكبح إنفاق الوزارات وتشير بعض التسريبات التي نقلتها الصحيفة إلى أن الخزانة -ولأعوام- كانت تستخدم سندات التضخم كأداة غير معلنة لكبح جماح إنفاق الوزارات ورئاسة الوزراء. بينما أن أي توسع مالي يرفع التضخم، فإن تكلفة خدمة الديْن كانت ترتفع تلقائيًا، ما يجعل الإنفاق الإضافي مكلفا سياسيا واقتصاديا. ورغم أن هذه النظرية تبقى غير مثبتة، تقول التايمز، إن ما لا يمكن إنكاره هو أن تجربة بريطانيا مع سندات التضخم ستكون عبئا طويل الأجل على وزراء المالية، وتعيد تشكيل السياسات المالية البريطانية لسنوات قادمة.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
لجنة حقوق الإنسان الكينية: حصيلة المظاهرات الأخيرة 38 قتيلا و131 مصابا
أعلنت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في كينيا أمس الجمعة، أن الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت يوم الاثنين الماضي، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 38 شخصا، وإصابة 131 بجروح متفاوتة. وكانت هذه اللجنة التي تتمتع بالاستقلالية رغم أنها حكومية قد أفادت في وقت سابق من الأسبوع الماضي، بأن عدد القتلى بلغ 31 شخصا، كما تحدّثت عن قمع عنيف تعرّض له المتظاهرون. وحصدت احتجاجات الاثنين أعلى عدد من القتلى منذ بدء المظاهرات احتجاجا على الرئيس الكيني ويليام روتو قبل أكثر من عام في الدولة الواقعة في شرق أفريقيا، ومن أبرز الأماكن التي وقع فيها القتل والإصابات 3 مدن رئيسية، هي العاصمة نيروبي، وكيامبو، وكاجيادو. وكانت المظاهرات الأخيرة قد اندلعت يوم الاثنين الماضي، بمناسبة ذكرى يوم سابا سابا (سبعة سبعة، باللغة السواحلية، في إشارة إلى انتفاضة 7 يوليو/تموز 1990 المؤيدة للديمقراطية)، وتلقّتها الشرطة بنشر أعداد كبيرة من عناصر الأمن لإغلاق الطرق الرئيسية المؤدية إلى نيروبي التي كانت شوارعها خالية، بينما تركّزت الاشتباكات على مشارف العاصمة. وفي السياق، قالت الأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي، إنها منزعجة للغاية من تقارير أفادت بوقوع قتلى وجرحى أثناء الاحتجاجات المناهضة للنظام السياسي في كينيا. من جانبه، حذّر الرئيس روتو الأربعاء، من السعي إلى إطاحته بالمظاهرات والاحتجاجات، مؤكدا أن قوات الأمن ستطلق النار على أي "لصوص" لإصابتهم. تشويه صورة البلاد وفي نفس الفترة من العام الماضي، شهدت كينيا موجة احتجاجات اندلعت شرارتها في يونيو/حزيران 2024 على خلفية قانون ميزانية يرفع نسبة الضرائب العامة، ووصف بأنه مثير للجدل، ورُفض رفضا واسعا، خاصة من الشباب الذي كان في السابق مناصرا للرئيس روتو ويأمل فيه الإصلاح وتوفير فرص العمل والعيش الكريم. وفي ذات الفترة، قمعت الشرطة بشدة المظاهرات، ما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص، حتى الآن، مع احتساب آخر حصيلة كُشف عنها في أحداث الأسبوع الماضي. وتحمّل المنظمات الحقوقية الشرطة الكينية مسؤولية ما حدث من أعمال العنف، وقتل المتظاهرين، وكذا العديد من حالات الإخفاء القسري. وبعد اندلاع شرارة المظاهرات الأخيرة، أعلنت الحكومة، أنها أحبطت محاولة انقلابية على النظام بطريقة غير شرعية، في حين اتهمها المتظاهرون بتجنيد مسلحين للإساءة إلى تحركهم. ويرى مراقبون، أن العنف الذي تمارسه الشرطة يشوه صورة كينيا التي كانت تعتبر، حتى وقت قريب، إحدى الدول القليلة المستقرة والديمقراطية في منطقة مضطربة سياسيا وأمنيا.


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
التطهير الروسي.. كيف تغير بوتين بعد تمرد فاغنر؟
في صباحٍ ثقيل من صباحات الحرب الروسية الأوكرانية، وبينما العالم مشغول بعدّ أيام المعارك وخرائط التقدم والانسحاب، استيقظت روسيا على مشهد لا يشبه ما قبله، في 24 يونيو/حزيران 2023، تمردت مجموعة " فاغنر" شبه العسكرية التابعة لروسيا بقيادة زعيمها يفغيني بريغوجين ، في تحدٍّ مباشر للسلطة العسكرية والسياسية المركزية في موسكو. سيطرت فاغنر أولا على مدينة روستوف، كبرى مدن الجنوب الروسي، حيث تتمركز قيادة العمليات العسكرية في أوكرانيا، ثم تمدد التمرد إلى مدينة فورونيج، ولم تعد تفصل قوات بريغوجين عن العاصمة موسكو سوى ساعات قليلة. وبينما تتقدم المدرعات على طرق البلاد، بدا كأنّ روسيا تنتظر انقلابا شاملا أو حربا داخلية طاحنة. بحسب رواية فاغنر اللاحقة، لم يكن التمرد طمعا في الحكم، بل كان غضبا من قادة الجيش الذين حرموا مقاتليها من العتاد، وعرقلوا تحركاتها بتعقيدات بيروقراطية، وقصفوا مواقعها في أوكرانيا كما تقول. بيْد أن صدمة العالم لم تدم طويلا؛ فما كاد الخبر ينتشر حتى جاءت أنباء تراجع المتمردين، وسرعان ما ظهر رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو ، ليكون وسيطا في اتفاق غامض مفادُه إسقاط التهم عن بريغوجين، ومنحه اللجوء إلى بيلاروسيا، وكأن التمرد قد أُطفئ في مهده. وفي يوم 26 من الشهر نفسه، أطل بريغوجين في تسجيل صوتي أكد فيه أن ما حدث لم يكن انقلابا، بل "مسيرة احتجاجية" لحماية فاغنر، ولمحاسبة القادة العسكريين الذين تسببوا في كوارث ميدانية بأوكرانيا، بحسب وصفه. بعدها بيومين فقط، كتب المؤرخ العسكري ألكسندر بيرنز، أستاذ التاريخ بجامعة فرانسيسكان الأميركية، مقالة مطولة على منصة "War on the Rocks"، سعى فيها لقراءة تمرد فاغنر من منظور تاريخي مختلف، إذ رأى بيرنز أن ما فعله بريغوجين كان مشابها لاحتجاجات العصور الوسطى، حين كان الغضب الشعبي يُوجَّه دوما إلى الحاشية الفاسدة لا إلى الملك. فمطالب بريغوجين لم تمس بوتين، بل اقتصرت على إقالة وزير الدفاع، سيرغي شويغو ، ورئيس الأركان، فاليري غيراسيموف. وفي هذا السياق، استحضر بيرنز مقارنة لافتة مع مشهد من تاريخ إنجلترا القديم، حين ثار الفلاحون الكاثوليك عام 1536 ضد إصلاحات هنري الثامن. لم يتهموا الملك، بل ألقوا اللوم على مستشاريه. يومها، وعدهم الملك بالعفو والحوار، ثم بعد أن انفض التمرد، أمر بإعدام نحو 200 من قادته. تلك المفارقة، كما ختم بيرنز مقاله، كانت بمنزلة نبوءة سوداء. فبعد شهرين فقط، وفي أغسطس/آب 2023، سقطت طائرة كانت تقل يفغيني بريغوجين وعددا من قادة فاغنر، لتُطوى صفحة تمرده بطريقة شديدة الشبه بذلك التاريخ البعيد. فاغنر بعد بريغوجين لم تمر سوى أسابيع على سقوط الطائرة التي كانت تقل بريغوجين حتى بدأت تتشكّل ملامح ما بعد فاغنر. لم يكن موت قائدها نهاية فصل طارئ فحسب، بل بداية إعادة ترتيب دقيقة للنفوذ الذي خلّفه. تحركت الدولة الروسية بسرعة لسحب الخيوط، واحتواء الكيان الذي خرج عن الطاعة ولو ليوم واحد. وبحسب ما قاله مسؤول سابق في مجموعة فاغنر لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فقد جرى دمج عناصر فاغنر الناشطين في أوكرانيا داخل وزارة الدفاع الروسية بعد مقتل قائدهم. أما سورشا ماكوليد، عضوة مجموعة العمل الأممية المعنية بالمرتزقة، والمحاضرة في جامعة كوبنهاغن، فقد صرحت لـ"بي بي سي" بأن فاغنر لم تعد قائمة بالصيغة التي كانت عليها، وإن كانت نسخٌ مشتتةٌ منها لا تزال تواصل العمل، لكن دون تركُّز القرار في يد رجل واحد كما كان الحال في عهد بريغوجين. ويشير مسؤولون في الاستخبارات البريطانية إلى أن بعض وحدات المشاة التابعة لفاغنر قد أُدمجت لاحقا في الحرس الوطني الروسي. أما في أفريقيا فيبدو أن الصورة تختلف قليلا، فواحدة من النقاط القليلة التي حُسمت بين بوتين وبريغوجين عقب التمرد هي الاتفاق على تركيز نشاط فاغنر في القارة السمراء. وقد تشكل هذا النشاط في شقين مترابطين في أغلب الأحيان؛ أولهما تأمين الموارد لموسكو، وثانيهما دعم الأنظمة الحليفة. ويبدو أن هذا التفاهم تحديدا هو من الاتفاقات القليلة التي ظلت قائمة بعد مقتل بريغوجين في حادثة الطائرة. وتنقل "بي بي سي" عن مصادرها أن نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، الذي يُعد اليوم أحد أبرز أذرع الكرملين في أفريقيا، أجرى جولات دبلوماسية في عدد من العواصم الأفريقية بعد وفاة بريغوجين، لتأكيد التزام موسكو بالاستمرار في تقديم الخدمات نفسها التي كانت توفرها فاغنر دون انقطاع. وقد لاحظ المعهد البولندي للشؤون الدولية أن النشاط الروسي في أفريقيا لم يتراجع بعد التمرد، بل ازداد قوة وانتشارا. أما صحيفة "ذي إيكونوميست" البريطانية فقد أشارت إلى أنه رغم خضوع نشاط فاغنر في الداخل الروسي لسيطرة الدولة بشكل شبه كامل بعد تمرد بريغوجين ووفاته، فإن الوضع في أفريقيا مختلف، إذ لا تزال فاغنر تحتفظ بهيكلها وأسلوبها القديم هناك. ورغم أن روسيا أعلنت رسميا أنها استبدلت بها ما يسمى "فيلق أفريقيا"، التابع للجيش المركزي مباشرة، فإن الصحيفة ترى أن هذا التغيير كان شكليا ومحدودا، وأنه لم تحدث إعادة هيكلة فعلية، فما زالت فاغنر حاضرة باسمها ونفوذها في الميدان. وتتفق "بي بي سي" و"ذي إيكونوميست" على أن الوجود الأبرز لفاغنر في القارة يتمركز اليوم في جمهورية أفريقيا الوسطى. ونقلت مصادر بريطانية عن مسؤولين في وزارة الدفاع البريطانية أن فاغنر هناك ما زالت تعمل بهياكلها التقليدية، وتحت إشراف نجل بريغوجين ذاته. وتضيف "ذي إيكونوميست" أن المجموعة وسّعت من حضورها هناك، وتعمل حاليا على تطوير قاعدة عسكرية يُنتظر أن تستوعب 10 آلاف جندي بحلول عام 2030، لتكون بمنزلة المركز الرئيسي للعمليات العسكرية الروسية في القارة. كما تلفت الصحيفة النظر أيضا إلى أن ثمة تحولا نوعيا قد طرأ على فاغنر الأفريقية؛ فلم تعد ذات طابعٍ عسكري بحت كما كانت أيام بريغوجين، ولم تعد على مسافة بعيدة من الدولة الروسية، بل باتت تُوكل لها مهمات دبلوماسية في القارة نيابة عن الدولة. وبينما كان لبريغوجين سابقا حرية شبه مطلقة في التحرك والاستثمار -من تجارة الألماس إلى صناعة الجعّة- باتت المجموعةُ اليوم خاضعةً بشكل مركزي ومباشرٍ لسلطة الكرملين، وبمساحة حرية أضيق بكثير من تلك التي تمتّع بها قائدها السابق. من جهتها، نقلت وكالة الأنباء الأوكرانية "آر بي سي" عما قالت إنها تقارير استخباراتية بريطانية أن فاغنر ما زالت تحتفظ بانتشارات عسكرية مستقلة في كلٍّ من بيلاروسيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى. وفي قراءة تحليلية لمركز كارنيغي لروسيا وأوراسيا (مقره في برلين)، كان تمرد فاغنر إشارةً إلى خلل عميق في طريقة حكم بوتين. فرغم الصورة النمطية للزعيم الروسي بوصفه حاكما قويا بقبضة حديدية، كان بوتين، بحسب الدراسة، منشغلا بالتفاصيل الصغيرة والمناورات التكتيكية، على حساب القرارات الكبرى والاهتمام بالتوجهات الإستراتيجية والصورة الكلية. فقبل وقوع التمرد بعام، كان الصراع بين وزارة الدفاع وبريغوجين في تصاعد مستمر، ومع ذلك لم يتخذ بوتين قرارا حاسما لإنهائه، بل فضَّل المراوحة بين طرفي النزاع، حيث اعتمد من ناحية على إيمانه بولاء بريغوجين الشخصي له، وعلى إظهار الدعم لوزارة الدفاع من ناحية أخرى، تاركا الصراع يتمدد وتستفحل آثاره. لكن رغم هذا التوصيف الناقد، فإن نظرة متأنية على ما جرى بعد عامين من التمرد تكشف أن بوتين قد تمكَّن من احتواء الأزمة دون أن تلحق به خسائر كبيرة، بل ربما يكون التمرد قد دفعه إلى إعادة صياغة السياسات الحاكمة للنخبة الأمنية الروسية بشكل أعمق وأكثر انضباطا. كيف غيّر التمرد في روسيا؟ لا شك أن قصة يفغيني بريغوجين كانت فريدة في سياق المركزية الأمنية الروسية، واستثناءً نادرا من فلاديمير بوتين. لم يحدث من قبلُ أن امتلك رجل واحد هذا القدر من النفوذ العسكري والإعلامي والمالي والسياسي في موسكو، وقد مُنح كل ذلك بثقة مطلقة من بوتين، الذي كان يرى في ولاء بريغوجين الشخصي ضمانا كافيا، إلى جانب الحاجة الماسة إلى قوات فاغنر في الحرب البرية ضد أوكرانيا. يتفق مع هذه الخلاصة الباحث نيكولاي بتروف، المتخصص في الشؤون الروسية بمركز تشاتام هاوس. لكن بوتين، وفقا لبتروف، تعلّم من هذا الخطأ، فبدأ منذ ذلك الحين بفرض سيطرة مباشرة ودائمة على جميع اللاعبين داخل أركان النظام، وبدا أكثر حرصا على توزيع الموارد والمناصب استنادا إلى معيار الولاء، دون أن يُترك لأي فرد هامشٌ واسع من النفوذ. كما أجرى تغييرات واسعة في البنية العسكرية، ففي عام 2024، أقال بوتين وزير دفاعه سيرغي شويغو، وعيّن مكانه أندريه بيلوسوف ، وهو تكنوقراطي وخبير اقتصادي، في خطوة بدا فيها حذِرا من تعيين شخصيات ذات كاريزما قوية في مواقع حساسة. وتشير صحيفة "ذا جيروزاليم بوست" إلى أن بوتين، الذي بدا مهددا بشكل غير مسبوق خلال تمرد فاغنر، خرج منه أكثر استقرارا وأمانا من أي وقت مضى. أما مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، فقد رأت في تحليلها أن تمرد بريغوجين كشف لبوتين مصدر الخطر الحقيقي على نظامه؛ ليس الشارع، بل النخبة ذاتها. ومنذ تلك اللحظة، أصبح جزء كبير من تركيز الكرملين منصبا على إدارة النخبة الروسية من الداخل، من خلال إعادة تشكيلها، واستبدال بعض رموزها، وتهميش آخرين. فبدأ بوتين بإقصاء عدد من رجال الأعمال والبيروقراطيين والشخصيات السياسية، واستبدال مُوالين أوفياء بهم. وفي فبراير/شباط 2024، أطلق بوتين، خلافا لرغبة كثير من المسؤولين، برنامجا يستهدف دمج كبار المحاربين القدامى الموالين له في مفاصل الدولة، وتَولّيهم مناصبَ سياسية وأمنية بارزة. كما شملت إجراءاتُه اعتقال سبعة جنرالات، وإقالة شخصيات وازنة داخل المؤسسة العسكرية. وفي موازاة ذلك، ومع تصاعد التحديات الاقتصادية الناتجة عن الحرب، ضاق الخناق أكثر على النخبة المالية والتجارية. فمنذ مارس/آذار 2024، بدأت الدولة في تأميم واسع النطاق طال أكثر من 411 شركة روسية وأجنبية، بقيمة تقدّر بنحو 30 مليار دولار، أي ما يعادل 5% من إجمالي رأس مال بورصة موسكو. ووفقا لـ"فورين أفيرز"، بات التأميم أداة بيد الكرملين لإجبار رواد الأعمال على التخلي عن ممتلكاتهم، من أجل منع تركز الثروة في أيدٍ قليلة، في ظل صعود خطاب "الاشتراكية الوطنية" بين حلفاء بوتين، وتصاعد الهجوم على رجال الأعمال باعتبارهم مصدر تهديد داخلي. وقد شملت هذه الحملة الملياردير فاديم موشكوفيتش، مالك أكبر تكتل زراعي في البلاد، الذي اعتقلته السلطات. كما وضعت الدولة يدها على وكالات وقطاعات إستراتيجية، مثل وكالة "رولف" للسيارات، وأكبر شركة تجزئة إلكترونية، إضافة إلى تأميم مطار دوموديدوفو في موسكو. في الوقت نفسه، وسعت مجموعة "روسكيم" المقربة من الكرملين من سيطرتها على قطاع الصناعات الكيميائية. وترى "فورين أفيرز" أن هذه التحولات، المترافقة مع الحرب وتمرد فاغنر، دفعت الدولة الروسية إلى الاقتراب أكثر من النموذج الكوري الشمالي، حيث باتت القبضة أشد، والرقابة أوسع، والتدخل الأيديولوجي أعمق. وتصف تقارير غربية كثيرة هذه المرحلة من حكم بوتين بأنها "البوتينية المتوحشة"، في إشارة إلى مستوى القمع الذي وصل، بحسبها، إلى معدلات غير مسبوقة منذ الحقبة السوفيتية. وتستشهد بعض هذه التقارير بقضية أوليغ أورلوف، الناشط الحقوقي الذي حُكم عليه بالسجن في فبراير/شباط 2024 بتهمة "كراهية القيم التقليدية"، فيما يبدو أنها تهمة عبثية للغاية. ونقل مركز "كارنيغي" في إحدى ملاحظاته أن "الجميع في روسيا اليوم لا يعرف ما الذي يحمله له الغد، وأن الاعتقال بات احتمالا قائما لأي شخص، بغض النظر عن رتبته أو موقعه". كما تشير مصادر متعددة إلى أن التدخل في القطاع التعليمي والإعلامي قد تصاعد خلال العامين الماضيين، في محاولة لصياغة جيل يتناغم مع رؤية بوتين ونظامه، من خلال المناهج، ومضامين الإعلام، وأدوات التنشئة الثقافية. لكن بصرف النظر عن النظرة الغربية التي تصف التحولات الجارية باعتبارها قمعا مفرطا، فإن المؤكد أن تمرد فاغنر لعب دورا حاسما في إعادة ضبط الدولة الروسية من داخلها. لقد أدرك بوتين بعده خطورة ترك النفوذ يتجمع في يد واحدة، مهما بدا ولاؤها، وخرج من التجربة أكثر وعيا بمكامن الضعف في نظامه، وأكثر تشددا في إحكام سيطرته على مفاصله.