
البروفيسور كَبَا عمران: التراث الإسلامي العربي الأفريقي في خطر كبير في غرب القارة السمراء
والبروفيسور عمران، من جمهورية غينيا غرب أفريقيا، وُلِد عام 1968م، في آبدجان، في كوت ديفورا، يشغل منصب، عميد كلية الآداب وعلوم اللغة، ومدير برامج دكتوراه اللغة والحضارة العربية بجامعة الجنرال لانسانا كونتي، كوناكري، جمهورية غينيا.
نستكشف مع الباحث الغيني البارز في شؤون الهوية الأفريقية والعلاقات الثقافية بين أفريقيا والعالم العربي، بدايات الاستشراق الأوروبي في غرب القارة الأفريقية، وكيف تحوّل من مجرّد فضول أكاديمي إلى أداة سياسية وأيديولوجية استُخدمت في محاربة الإسلام، وتهميش اللغة العربية، التي كانت لقرون لغة علم وتعليم وثقافة في هذه المنطقة.
يرصد البروفيسور عمران، من خلال هذا الحوار، الأدوار التي لعبها المستشرقون في إعادة تشكيل الوعي الأفريقي بما يتماشى مع مصالح القوى الاستعمارية، ويقول: "كانت أهداف تقارير هؤلاء المستشرقين ومخططاتهم بعيدة المدى لتحقيق جميع أهدافهم القريبة والبعيدة، منها: السيطرة الكاملة على غرب القارة، سيطرة عسكرية، تليها سيطرة تعليمية بفتح مدارسها الفرنسية والإنجليزية، ثم يليها تنصير المناطق الوثنية، ثم مواجهة المناطق ذات الغالبية المسلمة".
ويتحدث عن مشاريع المستشرقين البحثية والتعليمية في إقصاء اللغة العربية من المنظومة التعليمية، إذ يؤكد: "تمّ توظيف بعض المستشرقين خصيصا لمواجهة التعليم العربي الإسلامي في غرب القارة السمراء"، وعن محاولة المستشرقين فصل المجتمعات الأفريقية عن تراثها الديني والثقافي المرتبط بالإسلام.
إذ يشير إلى أنهم "لما أخفقوا في قضائهم على الدين الإسلامي نصّروا الجماعات الوثنية، ومن والاهم من المسلمين واغترّوا بثقافتهم الأوروبية"، ويوضح بأن الأوروبيين "شوّهوا إسلامهم وأضلّوهم بالتغريب وسلخوهم من الاعتزاز بالإسلام إلى الاعتزاز بالحداثة الأوروبية".
ويؤكد البروفيسور كَبَا عمران في حديثه، أنّ تركيز المستشرقين على التعليم العربي كان يهدف إلى "عرقلة تقدم التعليم العربي لكي يتقدم التعليم الفرنسي بكل سهولة"، فإلى الحوار:
View this post on Instagram
A post shared by المؤتمر الدولي للاستشراق – الدوحة (@dohaorientalism)
كيف يمكن أن تصف لنا بدايات الاستشراق في غرب أفريقيا؟ ومتى بدأ الاهتمام الأوروبي بهذه المنطقة؟
ظهرت بدايات الاستشراق في منطقة الغرب الأفريقي مع الاستعمار الأوروبي الذي خطّط إلى توظيف بعض المستشرقين المكتشفين لأغراض كثيرة خلال القرن الـ18 والـ19 الميلاديين. لأنّ إدارة الاستعمار بقيت على سواحل المحيط لأطلسي تتعامل مع المحليين بتجارة النخاسة، ولم تتجرّأ أن تتوغل داخل المدن، لذا فضّلت أن ترسل عيونا لها من المستشرقين الذين وقّعوا على اتفاقيات مسبقة قبل القيام برحلات ضحّوا بحياتهم لتحقيقها، لأن كثيرا منهم لقوا منيتهم فيها، واختفوا الآخرون فلم يعثر على آثارهم من شيء.
وبعد أن وقفت إدارة الاستعمار على حقيقة ما في داخل القارة من ثروات ومن خواطر، وما لها من شعوب وديانات، استعدت أن ترسل إليها جنودا لتحقيق سيطرتها الكاملة. وبعد الوقوف على تقارير هؤلاء المستشرقين وضعوا مخططات بعيدة المدى لتحقيق جميع أهدافهم القريبة والبعيدة، منها: السيطرة الكاملة: سيطرة عسكرية، تليها سيطرة تعليمية بفتح مدارسها الفرنسية والإنجليزية، ثم يليها تنصير المناطق الوثنية، ثم مواجهة المناطق ذات الغالبية المسلمة. ويمكن تحديد هذه البدايات بالقرن الـ17، واستمر الوضع على ذلك إلى منتصف القرن الـ19، الذي يعد عصر المقاومة الدموية ضد الاحتلال الأجنبي للمنطقة.
هل برأيكم، وظف الاستعمار الأوروبي، المستشرقين لمواجهة التعليم العربي الإسلامي في غرب القارة؟
نعم، تمّ توظيف بعض المستشرقين خصيصا لمواجهة التعليم العربي الإسلامي في غرب القارة السمراء، منهم البريطاني مونغو بارك، وبول مارتي. وذلك بعد ظهور خطورة المقاومة التعليمية الإسلامية ومقاومة الزعماء المسلمين في المنطقة: إنَّ الجبهة التي تصدّت للثقافة الأوروبية هي جبهة تكون من العلماء المستعربين والزعماء الصوفيين والمتعلمين بخلاف جبهة الملوك الوثنيين الذين كانوا معجبين بهم، في الوقت الذي يكفّرهم المسلمون ويلعنونهم، ويقولون إنهم أصحاب جهنم اعتمادا على أوصافهم السيئة الواردة في القرآن الكريم.
أما مقاومة الزعماء المسلمين فظهرت في جميع أقطار غرب أفريقيا: الشيخ مابا جخو، والملك لاتجو جوب في السنغال، والشيخ محمد الأمين درامي في مالي، والحاج عمر تال والإمام ساموري توري في غينيا، وغيرهم. الأمر الذي جعل المستعمرين يندفعون إلى معرفة هذه الجماعة الإسلامية في أفريقيا، لذا استطاع المستشرق "رينيه كايي" أن يعبر غرب القارة السمراء من شمالها المغربي إلى غربها وراء الصحراء، فعرف خلال ذلك امتداد الإسلام ورسوخه في الجماعات الإسلامية.
لماذا اتجه المستشرقون لدراسة الزوايا الصوفية، في غرب القارة الأفريقية؟
لأنّ أكثر الزعماء المقاومين للاحتلال الأجنبي من الشيوخ الصوفيين، لذا وجّهوا بعض المستشرقين لدراسة الزوايا الصوفية لمعرفة الأسباب العقدية لكراهية الاحتلال ولمعرفة نوايا بعض الشيوخ الصوفيين الذين اشتهروا بشعبيتهم وجماعتهم.
والجدير بالذكر أنّ هؤلاء الشيوخ كانوا محل ارتياب شديد، يتهمهم المستعمرون أنهم يبثون كراهية "الرجل الأبيض" في نفوس المواطنين، ويذكرون في مواعظهم أنّ "توباب الأوروبيين" (توباب Toubabou: لفظة محلية ومعناها الرجل الأبيض)، أسباب جميع الانحرافات الخلقية وتفشّي انحلال الأخلاق: خمر، ورقص، ودعارة، ونخاسة…، بل هم حزب الشيطان الرجيم.
هل كان الاهتمام الاستشراقي بغرب القارة الأفريقية نتيجة دوافع دينية، استعمارية، أم بحثية بحتة؟
الدوافع الاستعمارية هي أهمّ دوافع المستشرقين لمعرفة الثروات المعدنية والزراعية والحيوانية، ولمعرفة مدى تجذّر الإسلام في المناطق المحتلة، لكي يعرفوا مدى إمكانيات تنصير المناطق الوثنية ومراقبة المناطق الإسلامية. كما بيّنت سابقا أنّ أهداف المستعمرين مخططة بإستراتيجية متوالية: الاستعمار العسكري السياسي، ثم الاستعمار الاقتصادي، ثم الاستعمار الثقافي التعليمي، ثم الاستعمار الديني، وينتهي كل ذلك إلى "استعمار سياسي كامل" كي يتحقق مشروع "جمهورية فرنسا ما وراء البحار" وقد تحقّق هذا المشروع مع "مايوت" (Mayotte) ومارتينك وغويانا الفرنسية.
لذا جاء الجنرال الفرنسي، شارل ديغول (1890-1970م)، بمشروع الاستفتاء خلال أواخر الخمسينيات من القرن الـ20، لتختار الدول الأفريقية الانضمام إلى مشروع جمهورية فرنسا ما وراء البحار أو الاستقلال التام، فاختارت غينيا الاستقلال التام في استفتاء 28 أغسطس/آب 1958 خلال انتخابات وطنية، فخرجت فرنسا من غينيا بجميع أدواتها وإداراتها ورجالها الإداريين وأساتذتها فبقيت غينيا يتيمة أو أرملة بدون أي معونة فقال الرئيس أحمد سيكو توري: "نفضل الحرية في الفقر على العبودية في الغنى".
ما الموضوعات التي ركز عليها المستشرقون الأوائل في دراساتهم عن غرب أفريقيا؟
الموضوعات التي ركّز عليها المستشرقون هي معرفة الجماعات القبلية العرقية ولهجاتها اللغوية، ومواطن الثروات المعدنية (كالذهب مثلا)، ومعرفة أديانهم الوثنية أو الإسلامية. وتدفعهم نتيجة ذلك كله إلى وضع مخطّطات إستراتيجية للاستفادة من أحوال تلكم المناطق.
ويمكن تصنيف هؤلاء المستشرقين إلى أصناف: من اهتموا بجميع ما يتعلق بالمنطقة من ثروات معدنية وحيوانية وزراعية، ومن أخبار عن الممالك والجماعات، ومن مجموعات لغوية ودينية، ومن مناطق سلمية وذات خطورة على الاحتلال الأجنبي. لذا خلّف كل مستشرق دراسات إخبارية عن مشاهداته ولقاءاته الميدانية، وما جمع من تراث عربي إسلامي.
هل كان تركيزهم منصبا على التاريخ المحلي، أو على البيئة الاجتماعية والسياسية، أم على الدين والثقافة؟
أوّل ما يركزون عليه هو أخبار السلطة المحلية السياسية للقضاء عليها، ثم البيئة الاجتماعية لإثبات وجودهم المحلي. وبعد ذلك يولون اهتمامهم بالدين فينصّرون الجماعات الوثنية ويتعاملون بسكان المناطق الإسلامية بالمبادلات التجارية: الرقيق والقطن والذهب والمحصولات الزراعية.
لا اهتمام لهم بالتاريخ الأفريقي القديم، ولكن عنايتهم بوضعية الأفارقة في مناطقهم أكبر، ثم يصفون بمشاهداتهم كل ما تقع عليه عيونهم من أخبار بيئية، وهي ما زالت موجودة في "الأراشيف الوطنية" لمعظم بلدان غرب أفريقيا.
فلما أخفقوا في قضائهم على الدين الإسلامي نصّروا الجماعات الوثنية، وأما من والاهم من المسلمين واغترّوا بثقافتهم الأوروبية فإن الأوروبيين شوّهوا إسلامهم وأضلّوهم بالتغريب وسلخوهم من الاعتزاز بالإسلام إلى الاعتزاز بالحداثة الأوروبية.
بعد تمكّن المستعمرين من الغلبة العسكرية اتّجهوا إلى الاستعمار الثقافي، فوجدوه في ذلك صعوبة منكرة في المناطق ذات الأغلبية الإسلامية، لذا اتّخذوا قرارات صارمة لوضع عراقيل أمام المؤسسات التعليمية العربية، ومن هنا تم توظيف بعض المستشرقين لدراسة المراكز العلمية والزوايا الصوفية.
لم يكن هناك اهتمام بالغ؛ فرأوا أن التركيز على التعليم الغربي سيجعلهم يعرقلون تقدم التعليم العربي لكي يتقدم التعليم الفرنسي بكل سهولة. ثم اهتموا بمخرجات المدارس الفرنسية أو الإنجليزية لتوظيفهم في إداراتهم الاستعمارية، وهم الذين خلّفوهم في إدارات الحكومات الأفريقية، فانقلب فضل المجتمع الأفريقي رأسا على عقب، فصار الفضل لخريجي التعليم الأوروبي أكبر وأعظم من مكانة المتعلمين المستعربين في المجتمعات الأفريقية. وما زال الوضع على ذلك مستمرا إلى يومنا هذا.
هل كان هذا الاهتمام بالأساس لفهم طبيعة المجتمعات، أم لفهم دور الإسلام كقوة ثقافية فاعلة؟
كان هذا الاهتمام مؤسَّسا على هذين الغرضين: لمعرفة طبيعة المجتمعات لأغراض اقتصادية وسياسية، ولفهم مدى رسوخ الإسلام في المناطق التي يحتمل منها اندلاع الثورات الشعبية ضدّ الوجود الأجنبي. وساعدهم على فهم طبيعة المجتمعات هؤلاء الأفارقة الذين استعبدوهم وكانوا عملاء لهم.
أضف إلى ذلك بعض الأمراء الأفارقة الذين يتاجرون في النخاسة مع المستعمرين، وكان المستشرقون يجعلون هؤلاء الأمراء وأولئك الأفارقة المستعبدين وساطة لهم لمعرفة طبيعة المجتمعات الأفريقية.
أَمَّا الغرض الثاني لفهم دور الإسلام في رسوخ الكراهية المحلية لدى السكان المسلمين، فهو أنهم كانوا بحاجة ماسة إلى معرفة الأسباب العقدية والأحوال الدينية التي تدفع هؤلاء المسلمين إلى التصدي أمام الثقافة الأوروبية.
كيف واجهت المجتمعات الإسلامية في غرب أفريقيا هذه النظرة الاستشراقية؟
استسلمت المجتمعات الإسلامية لهذه النظرة الاستشراقية تحت الرقابة الاستعمارية العسكرية، بل يمكن أن نعدّ هؤلاء المستشرقين جواسيس وعيون المستعمرين المحتلين. والجدير بالذكر أنّ كثيرا من سواد المجتمع لم يفقهوا خطورة هؤلاء المستشرقين، بل لم يعرفوا إذا كانوا يقومون بدراسات حول مناطقهم، غير أن بعض العلماء تنبّهوا إلى أعمالهم الاستشراقية، واستشرفوا مخاطر جمة منهم، لذا تخوّفوا منهم فحذّروا ذويهم من اقترابهم، ولكنهم اضطروا لاستقبالهم تحت رقابة الإدارة الاستعمارية.
لذا واجهتهم جبهات المقاومة المسلّحة كما ذكرنا آنفا، وتصدّت جبهات سلمية أخرى لعناية بالغة بالتعليم العربي الإسلامي مضادا للتعليم العلماني الأوروبي، وقد أخفق أولئك الزعماء المسلحون فقبض عليهم أو قتلوا أو نفوا، ولكن جبهات التعليم العربي الإسلامي نجح جلّ زعمائها في إنشاء المدارس والزوايا، التي تحوّلت إلى مدارس نظامية حديثة، فتطور التعليم العربي في بعض البلدان إلى دراسات جامعية فتخطى مرحلة الليسانس إلى مرحلتي الماجستير والدكتوراه.
برأيكم، هل قدَّم المستشرقون إسهامات علمية ذات قيمة لدراسة تاريخ وثقافة غرب أفريقيا؟ أم أن كتاباتهم كانت مشوبة بالتحيزات الاستعمارية؟
رغم ما وراء كتاباتهم من نوايا سيئة إلا أنّ بعضها تعدّ مؤلفات رائدة عن تاريخ المنطقة، لأنها وصفت بأوصاف مشاهدة العيون، وعُرفت جغرافية الجماعات اللغوية وتحركاتها في المنطقة، ومختلف الممالك المحلية.
واستطاع هؤلاء المستشرقون أن يصوّروا هؤلاء الشيوخ بالصور الشمسية التي يستفيد منها الباحثون الأفارقة الآن: فصور الحاج مالك سي في السنغال، وكران سنكن في غينيا، من أعمال بول مارتي الذي أفرد لمعظم دول أفريقيا الغربية دراسة الإسلام فيها. أضف إلى ذلك أنّ كتاباتهم تعدّ باكورة دراسات حديثة عن المنطقة إبان عصر عويص، كما يستفيد الباحثون من منهجياتهم في كتابة التاريخ الأفريقي والحديث عن المجموعات اللغوية.
هل هناك مستشرقون تميزوا بالموضوعية في تناولهم للثقافة الإسلامية في غرب أفريقيا؟
نعم، يمكن أن نقول إن موضوعيتهم لم تبلغ درجتها 100%، ولكنها تتراوح ما بين 70% و80% إلى حدّ بعيد. وخاصة عند "موريس ديلافوس" (Maurice Delafosse) الذي عُني باللغات الأفريقية وجذورها ولهجاتها، وفيسان مونتيل الذي له كتاب "الإسلام الأسود".
ومهما يكن من أمر، فإنّ أي كتاب يقرؤه الباحث ينبغي أن يتأمل فيه بقراءة نقدية: إذا أصاب المؤلف فيأخذ منه مزيدا من الحق، وإذا وقف على انحرافات فكرية فيعلن عنها ليتخوّف منهم القراء اللاحقون.
كيف تنظرون اليوم إلى الدراسات الغربية الحديثة حول الإسلام في أفريقيا؟ وهل تطورت عن النظرة الاستشراقية الكلاسيكية؟
هناك دراسات غربية حديثة حول الإسلام في أفريقيا وحول اللغات المحلية وحول التقاليد البيئية في أفريقيا، وذلك في الأطاريح الجامعية، أو في مقالاتهم العلمية المنشورة في الدوريات العلمية الجامعية أو في أبحاث المراكز الدراسية.
ونجد اتجاها جديدا من الموضوعية لدى الباحثين الأفريقيين الأوروبيين، الذين ظلوا متخصصين بدراسات أفريقيّة، منهم سياسيون توظفهم الحكومات الأوروبية، ومنهم صحافيون توظفهم القنوات الدولية، ومنهم اقتصاديون توظفهم مؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومنهم رياضيون توظفهم وكالات النوادي الرياضية الدولية، ومنهم جامعيون توظفهم المراكز البحثية الجامعية بأوروبا.
هناك حوار علمي حقيقي على صعيد المؤتمرات والندوات العلمية، وبين الطلبة الأفارقة وبين بعض المستشرقين الذين يشرفون عليهم في أطروحاتهم الجامعية.
وفي كل شهر يتم تنظيم لقاءات علمية كثيرة في أفريقيا وفي أوروبا: ندوات علمية في الجامعات، ومؤتمرات دولية تنظمها مختلف الوزارات، وطاولات ثقافية تشرف عليها منظمات ثقافية دولية، ودورات تدريبية تقوم بها مؤسسات إقليمية وعالمية.
هذه هي الأصعدة التي تتم فيها محاورات علمية حقيقية بين المثقفين الأفارقة والباحثين الأوروبيين المتخصصين في الشؤون الأفريقية.
لماذا استمر اهتمام المستشرقين الأوروبيين، بعد استقلال الدول الأفريقية، والبحث عن الإسلام وحضارته في جامعاتهم ومراكزهم البحثية؟
ما زال اهتمام المستشرقين بالبحث عن الإسلام مستمرا، لأنهم يريدون أن يحققوا العولمة الثقافية في المجتمعات الأفريقية، والثقافة الإسلامية هي التي تتصدى لهم.
فنجد منظمات دولية في أفريقيا، بعضها من فروع أجهزة الأمم المتحدة: كـ"اليونيسيف" (UNICEF)، و"يونسكو" (UNESCO)، و"بنود" (PNUD)، و"أوئم" (OIM)، وبعضها منظمات علمانية أو يهودية كمنظمة "بلان" (PLAN)، وكلها تستعين بالباحثين الأوروبيين المتخصصين في الشؤون الأفريقية لتحقيق أهدافهم التربوية والتثقيفية والبحثية.
قضية "تعليم اللغة العربية وسوق العمل" من أهم المعضلات والتحديات الاجتماعية في أفريقيا. وكون اللغات الأوروبية لغات رسمية لمعظم البلدان الأفريقية يعدّ من التحديات التي تواجه تطوّر اللغة العربية في القارة السمراء. أضف إلى ذلك أنّ التراث الإسلامي العربي الأفريقي في خطر كبير إذا لم تنقذها أيدي المنظمات الإسلامية الدولية.
وهناك تحديات أخرى للبحث العلمي في أفريقيا: إذ إن معظم المشاريع العلمية والبحثية في العالم العربي لا يهتمون بإحياء التراث الإسلامي الأفريقي ولا بإنتاج علماء المنطقة، ولا بنشر أطاريح الباحثين الأفارقة بخلاف إنتاجات الباحثين الأفارقة في اللغات الأوروبية ولهم جوائز تشجيعية قيمة.
وكذلك الإعلام العربي لا يعنى بأفريقيا ولا بالتراث الإسلامي فيها ولا بالمثقفين الأفارقة المستعربين بخلاف وسائل الإعلام الغربي الذي يتّخذ من الأفارقة الصحافيين من يمثلهم، ومن يستجوبونه في قضايا أفريقية.
كان هذا المؤتمر مبادرة طيبة من المنظمين، ويعد منصة جديدة لدى الباحثين، وفرصة طيبة للمشاهدين. ويمكن القول إنه كان فرصة لنتحدث عن الاستشراق الأفريقي أمام جمهور لم يكن له سابق العلم به، وأن تنشر نتيجة هذا البحث على صعيد دولي لأول مرة.
ولا شك أنّ العالم العربي سيعرف أنّ لهم إخوة في أفريقيا حريصين على لغة الضاد، وقد ضحّوا بحياتهم لنشر هذه اللغة التي تشدُّ أواصر الوحدة والتضامن بين إخوة هذه الأمة الإسلامية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
مغامرة الدعم السريع.. حكومة على فوهة البندقية
في تحول دراماتيكي يراهن على المستقبل، أعلنت قوات الدعم السريع، التي يقودها محمد حمدان دقلو "حميدتي"، عن تشكيل حكومة مدنية في المناطق التي تسيطر عليها، وتعيين حكام للمناطق التي لا تسيطر عليها! فجرت هذه الخطوة موجة من الجدل بين مؤيدين ومعارضين، خصوصا أنها تمت في وقت تتقاذف فيه الأمواج العاتية قوات الدعم السريع. وقد اعتبر كثيرون الخطوة بأنها محاولة انفصالية تمهد لتقسيم السودان، وتمثل "مغامرة سياسية"، توازي خطورتها كل ما يحدث على الأرض.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أهي إستراتيجية حقيقية لإعادة البناء، أم مجرد قفزة في الفراغ؟ رغم أن الوضع الإنساني الكارثي لا يزال هو السمة الغالبة على المناطق المتأثرة، فإن ما أعلنه "حميدتي" من حكومة جديدة أشعل سجالات بين مؤيدين ومعارضين داخل السودان منذ اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في أبريل/ نيسان 2023، دخل السودان مرحلة من الفوضى العارمة، وتم تدمير الهيكل الإداري والاقتصادي والبنية التحتية للدولة، وبدأت الانقسامات تنمو بسرعة بين القوى السياسية المختلفة، التي وجدت نفسها عاجزة أمام الموقف المتأزم. في خضم هذا الدمار، سعت قوات الدعم السريع إلى توسيع رقعة سيطرتها، وفيما كانت تخسرالنفوذ العسكري والسياسي أطلق "حميدتي" مشروعه لتشكيل حكومة انتقالية في المناطق التي يسيطر عليها، بهدف شرعنة سلطته العسكرية وتوسيع قاعدة الدعم الشعبي له. وبينما زعم أنه يهدف لتقديم نموذج إداري محلي يخفف من معاناة الناس، كانت هذه الخطوة تمثل في حقيقتها محاولة لتوسيع نفوذه على حساب الجيش والدولة. ورغم أن الوضع الإنساني الكارثي لا يزال هو السمة الغالبة على المناطق المتأثرة، فإن ما أعلنه "حميدتي" من حكومة جديدة أشعل سجالات بين مؤيدين ومعارضين داخل السودان؛ ففي حين يرى مؤيدو الدعم السريع أنها خطوة مفصلية لاستعادة الدولة من براثن النزاع العسكري، يراها آخرون محاولة لفرض السيطرة على السودان بقوة السلاح. محاور مشتعلة ومطامع إقليمية على الصعيد الإقليمي والدولي، هناك دول إقليمية تساند قوات الدعم السريع، وترى في "حميدتي" لاعبا رئيسيا يمكنه تحقيق التوازن في منطقة البحر الأحمر، التي تشهد صراعات متجددة، ورأت في تحركاته فرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة، لا سيما أن السودان يمثل نقطة وصل مهمة في الجغرافيا السياسية (الجيوبوليتيك) للمنطقة العربية والأفريقية، ولكن هذه الدول لم تؤيد بشكل واضح خطوة الحكومة البديلة. في المقابل، يرى الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد أن هذه الخطوة تمثل تهديدا لتماسك الدولة السودانية، يفتح الباب أمام سيناريوهات تشظ تشبه ما جرى في الصومال وليبيا. هذا بينما تعتبر دول أخرى، مثل مصر والجزائر، أن الإعلان عن الحكومة الجديدة يمثل تهديدا لسلامة السودان ووحدته، خصوصا مع قلقها من أن يؤدي الانقسام في السودان إلى تأثيرات سلبية على الأمن الإقليمي، خاصة في ملف الهجرة والنزاعات الحدودية، وهناك خشية كبيرة من أن يفتح هذا التوجه الباب أمام تداعيات شديدة الخطورة على باقي دول القرن الأفريقي. أما على الساحة الدولية، فقد كانت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في حالة ترقب شديد؛ ففي الوقت الذي أبدت فيه بعض القوى الغربية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، قلقا من التوسع العسكري لقوات الدعم السريع، فإنها تُحجم عن اتخاذ خطوات فعالة لوقف هذه المغامرة؛ خشية أن يؤدي التدخل المباشر إلى مزيد من التصعيد، خصوصا في ظل حالة الانقسام السياسي التي يعاني منها المجتمع السوداني. فالأمم المتحدة والجامعة العربية ومجلس حقوق الإنسان والاتحاد الأفريقي والإيغاد، جميع هذه الأطراف شددت على الرفض القاطع لفرض قوات الدعم السريع كسلطة أمر واقع، أما الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي فقد أكدا في تصريحات متزامنة على أن أي حكومة تدعمها مليشيا متهمة بجرائم حرب لن تحظى بالاعتراف، ولوحا بفرض عقوبات على من يسهلون استمرار سيطرة الدعم السريع في مناطق معينة. وهذا الرفض الواسع لفكرة الحكومة البديلة، ستنتج عنه عزلة سياسية متزايدة للدعم السريع، ومعه سيتعذر عليه إقامة أي علاقات دبلوماسية، أو الحصول على أي تمويل لحكومته الجديدة. كما أنه سيعرقل خطط تقسيم السودان، ويُضعف أي طموح لانفصال فعلي لمناطق غربي السودان، وسيساهم في تعزيز موقف الجيش في المحافل الإقليمية، وتحسين موقفه في أي مفاوضات مستقبلية. القشة التي قصمت ظهر البعير في الداخل، كانت خطوة تشكيل الحكومة بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير" بالنسبة للكثير من الأحزاب السياسية السودانية، فقد وجدت الأحزاب التي شاركت في "قوى الحرية والتغيير" نفسها في موقف محرج؛ بين مؤيد للتفاوض مع الدعم السريع حفاظا على ما تبقى من الدولة، ومعارض لخطوة تشكيل الحكومة الموازية، التي اعتبرتها تجاوزا للثوابت الوطنية. حتى الأحزاب في صفوف المعارضة شهدت انقسامات حادة، ففي حين رأى البعض في خطوة الدعم السريع محاولة للمساومة على السلطة، حذر آخرون من تبعات هذه الخطوة في حال استمرار الوضع على هذا النحو. وحركات الكفاح المسلح، التي شاركت في اتفاق جوبا للسلام، كانت هي الأخرى في موقف صعب… بعض من هذه الحركات المتحالفة مع الدعم السريع اعتبرت الحكومة المعلنة من قبل الدعم السريع خطوة إيجابية في إطار الحفاظ على الأمن الداخلي، لكن أغلب الحركات الكبرى رفضت المشروع بشكل قاطع، مؤكدة أنه يعكس نية لتوسيع النفوذ العسكري على حساب أي عملية محتملة للسلام. وبالنسبة لمعظم الشعب السوداني، فإنه يعيش في بيئة شديدة التعقيد، وتحت ضغط ظروف حياتية قاسية؛ حيث الخدمات مفقودة والاقتصاد الكلي والمدخول الفردي في تراجع.. لكن مع ذلك، فإن إعلان حكومة الدعم السريع الموازية لم يكن بالنسبة له سوى إعلان آخر من سلسلة طويلة من التحركات السياسية الفاشلة، التي لم تكن تأخذ احتياجات الشعب الحقيقية في الاعتبار، وتمثل امتدادا للفوضى العسكرية التي تسببت في قتل المئات وتهجير الآلاف. لا بد من الإشارة إلى أن رفض المؤسسات الدولية والإقليمية لتشكيل حكومة الدعم السريع (وهو رفض مزدوج)، ولرمزية الانتهاكات التي ارتكبتها هذه القوة في حق السودانين، هو رفض يعكس تمسكا بالمبادئ لا بالمصالح فقط، ويؤسس لمسار طويل من الضغط والعزل السياسي تعميق الانقسام من منظور علم الاجتماع، أي حكومة تستمد شرعيتها من قبول المجتمع لها عبر التعاقد الاجتماعي، أو عبر الرضا العام والتمثيل الشعبي. وفي حالة حكومة الدعم السريع الموازية، فإن شرعيتها هي "شرعية القوة" لا "شرعية العقد الاجتماعي"؛ حيث جاءت نتيجة لاستخدام السلاح وفرض السيطرة على مناطق معينة، لا نتيجة انتخاب أو توافق سياسي مجتمعي، مما يضعف قبولها اجتماعيا. فالمجتمعات التي تنهار فيها مؤسسات الدولة المركزية تميل إلى خلق سلطات بديلة (ميليشيات، قادة تقليديين، جماعات إثنية)؛ وهو ما ينطبق على حالة الدعم السريع، حيث تحول من قوة شبه نظامية إلى كيان يسعى لبناء حكومة مستقلة، مستفيدا من الفراغ السياسي. تشكيل الحكومة على أسس إثنية أو جغرافية أو عسكرية يعمق الانقسام الاجتماعي، ما يؤدي إلى تفتيت النسيج الوطني، ويزيد من احتمالات الصراع، ويصعِّب التعايش في المدى البعيد. ووجود حكومة تنبع من كيان عسكري متمرد يعزز ما يسميه علماء الاجتماع "مأسسة العنف"، أي تحويل القوة المسلحة إلى أداة حكم يومي، وهذا يؤدي إلى تطبيع العنف وغياب القانون، واستمرار النزاع كوسيلة لحسم الصراع، بدلا من الحوار أو المؤسسات الديمقراطية. وغالبا ما تلجأ مثل هذه الحكومات إلى تحالفات محلية ضيقة، تقوم على أساس الولاء لا الكفاءة، مما يعيد إنتاج نفس البُنى الاجتماعية والسياسية القديمة، وبالتالي لا تخلق تغييرا حقيقيا، بل قد تزيد حدة الاستقطاب، الذي يؤدي إلى فقدان الثقة الاجتماعية بين المكونات الاجتماعية، وتفكك الهوية الوطنية الجامعة. وفي الختام، لا بد من الإشارة إلى أن رفض المؤسسات الدولية والإقليمية لتشكيل حكومة الدعم السريع (وهو رفض مزدوج)، ولرمزية الانتهاكات التي ارتكبتها هذه القوة في حق الشعب السوداني، هو رفض يعكس تمسكا بالمبادئ لا بالمصالح فقط، ويؤسس لمسار طويل من الضغط والعزل السياسي.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
تصعيد ميداني واتهامات متبادلة بين الجيش الكونغولي وحركة "إم 23"
اتهم الجيش الكونغولي، يوم الثلاثاء، المتمردين المدعومين من رواندا بشنّ هجمات متكررة في شرق الكونغو، معتبرًا أن هذه الهجمات تمثل انتهاكًا للاتفاقيات الموقعة في واشنطن والدوحة، محذرًا من أنه يحتفظ بحق الرد على الاستفزازات. وقال بيان للجيش، صدر أمس الثلاثاء، إن حركة "إم 23" تنفذ هجمات شبه يومية على مواقعه العسكرية. ومنذ يوم الجمعة اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجيش ومسلحي حركة "إم23" في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وسط تحذيرات من تفاقم النزاع وتداعياته الإنسانية. وجاء بيان الجيش بعد يوم واحد من اتهام الحركة القوات الكونغولية بحشد مزيد من الجنود، وانتهاك بنود إعلان المبادئ الموقع في 19 يوليو/تموز الماضي بالدوحة، والذي يدعو إلى دعم وقف دائم لإطلاق النار. وقال المتمردون إنهم تصدوا لمليشيات محلية مدعومة من الجيش الكونغولي، في وقت لم تُعلن فيه أي جهة عن حصيلة رسمية للضحايا. وكانت الجماعة قد ذكرت في بيان سابق، أن الجيش الكونغولي نفذ تحركات كبيرة لقواته ونشر معدات عسكرية في ست مناطق مختلفة. وقال أحد سكان مولامبا، في اتصال هاتفي بوكالة الصحافة الفرنسية، إن "القذائف تتساقط في كل اتجاه"، معربا عن قلقه من توسع رقعة المواجهات، خاصة أن البلدة تقع على بُعد نحو 80 كيلومترا جنوب غربي مدينة بوكافو، عاصمة المحافظة. اتفاقات السلام لم توقف التصعيد يأتي هذا التصعيد بعد أقل من شهر على توقيع إعلان مبادئ في العاصمة القطرية الدوحة بين حكومة كينشاسا وحركة "إم23″، أكد فيه الطرفان التزامهما بوقف دائم لإطلاق النار، عقب اتفاق سلام سابق بين الكونغو الديمقراطية ورواندا أُبرم في واشنطن نهاية حزيران/يونيو الماضي. لكن المتحدث باسم الجيش الكونغولي، سيلفان إيكينغي، وصف الهجمات الأخيرة بأنها "انتهاك متعمد وصريح" للاتفاق، محذرا من نوايا تصعيدية لدى الحركة المسلحة. من جهته، اتهم المتحدث باسم حركة "إم23″، لورانس كانيوكا، السلطات الكونغولية بشن "عمليات عسكرية هجومية تهدف إلى إشعال نزاع واسع النطاق"، بحسب بيان صدر يوم الاثنين. أزمة إنسانية تتفاقم منذ استئناف حركة "إم23" نشاطها عام 2021، سيطرت على مناطق واسعة شرق البلاد الغني بالموارد الطبيعية، خاصة في محيط مدينتي غوما وبوكافو. وتتهم حكومة كينشاسا رواندا بدعم الحركة، وهو ما تنفيه كيغالي. وبحسب تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن أكثر من مليوني شخص نزحوا من مناطقهم في محافظتي شمال كيفو وجنوب كيفو منذ بداية العام الجاري، نتيجة تصاعد أعمال العنف. وتواصل أطراف دولية، منها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، جهودها لاحتواء التصعيد، وسط مخاوف من تحول النزاع إلى أزمة إقليمية أوسع. تصريحات واتهامات وتأتي هذه التصريحات المتضاربة والاتهامات المتبادلة في وقت تأجلت فيه محادثات السلام التي كان من المقرر استئنافها في الدوحة الأسبوع الماضي. وكان الطرفان، الكونغو وحركة "إم 23″، قد تعهدا في إعلان المبادئ ببدء المحادثات بحلول 8 أغسطس/آب، والتوصل إلى اتفاق نهائي بحلول 18 أغسطس/آب، ولكن حتى الآن لا يوجد أي وفد من الطرفين حاليًا في الدوحة. وقال زعيم حركة "إم 23″، برتراند بيسيموا، الأسبوع الماضي، إن الجماعة لم تتلقَ دعوة رسمية للمشاركة في المحادثات. بينما صرّح قيادي آخر في الجماعة، طلب عدم الكشف عن هويته، لرويترز بأنهم لن يشاركوا في محادثات الدوحة "ما لم تبدأ كينشاسا باحترام إعلان المبادئ، الذي ينص على الإفراج عن أعضاء الجماعة المحتجزين". محادثات الدوحة وتُعقد محادثات الدوحة توازيا مع جهود وساطة تقودها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتشمل الكونغو ورواندا. وتأمل واشنطن أن تسفر هذه الجهود الدبلوماسية عن سلام مستدام، يجذب استثمارات غربية بمليارات الدولارات إلى منطقة غنية بالمعادن مثل التنتالوم والذهب والكوبالت والنحاس والليثيوم. وكان متمردو "إم 23" قد سيطروا على مدينة غوما، أكبر مدن شرق الكونغو، في يناير/كانون الثاني الماضي، في تقدم سريع منحهم السيطرة على أراضٍ أكثر من أي وقت مضى. وتنفي رواندا منذ فترة طويلة دعمها "إم 23″، وتقول إن قواتها تتحرك دفاعًا عن النفس ضد الجيش الكونغولي ومليشيات الهوتو المرتبطة بإبادة عام 1994 في رواندا.


الجزيرة
منذ 7 ساعات
- الجزيرة
الأبعاد الاقتصادية لصفقة استيراد مصر للغاز من إسرائيل
الحديث عن التنمية، وتحقيق معدلات النمو الاقتصادي الإيجابي، تحكمه عوامل عدة، منها، بل من أهمها توفير الطاقة اللازمة لمشروعات التنمية. وفي بلد مثل مصر، يصل عدد سكانه إلى نحو 110 ملايين نسمة تقريبًا، ويحتاج إلى معدل نمو لا يقل عن 5% سنويًا ولفترات ممتدة، حتى يمكن مواجهة مشكلة البطالة ، واستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، يتطلب توفير الطاقة بشكل مستدام. ولكن واقع الطاقة في مصر حاليًا، ومنذ سنوات، ينبئ بعجز في توفير الاحتياجات، وكانت الأزمات الدولية والإقليمية التي مر بها الاقتصاد العالمي، ذات تأثير سلبي على مصر من حيث تكلفة توفير الطاقة، حدث ذلك إبان أزمة الطاقة في عامي 2006 و2007، وكذلك في الفترة من 2003 إلى منتصف 2014، وبعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022. كان ثمة ملمحان بارزان على عجز الطاقة في مصر، من بعد عام 2013: الأول ما نفذته مصر من تحرر أسعار الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود والكهرباء للمنازل والمصانع والمنشآت التجارية، بمعدلات غير مسبوقة؛ فعلى سبيل المثال ارتفع سعر لتر بنزين 92 من 1.8 جنيه في عام 2013 إلى 12.5 جنيه في عام 2024. الملمح الثاني، عندما توقف تصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر، بسبب حربها على غزة، وتأثرت الصناعة في مصر تأثرا واضحا وأُعلن عن توقف بعض الصناعات، أبرزها صناعة الأسمدة. لكن ما أُعلن أخيرًا عن تمديد اتفاقية استيراد مصر للغاز الطبيعي من إسرائيل ، إلى عام 2040، وبتكلفة مالية قدرها 35 مليار دولار، ترك العديد من الأسئلة عن التداعيات الاقتصادية لهذا الاتفاقية وأثرها على الاقتصاد المصري. ما حقيقة فجوة الطاقة في مصر؟ لا تزال الطاقة الجديدة والمتجددة في مصر محدودة من حيث الأداء والتأثير، وتعتمد مصر بشكل كبير على الطاقة التقليدية من الوقود الأحفوري (النفط، والغاز الطبيعي، والفحم) شأنها شأن غالبية دول العالم، ووفق بيانات النشرة المعلوماتية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن مصر تعاني من عجز وتراجع في إنتاج النفط والغاز مقارنة بحجم الطلب المحلي. في أبريل/نيسان 2024 بلغ إنتاج مصر من النفط والغاز 5.5 ملايين طن، وتراجع هذا الإنتاج في أبريل/نيسان 2025 إلى 4.7 ملايين طن، في حين زاد الاستهلاك في نفس الفترة من 6.2 ملايين طن إلى 6.3 ملايين طن. ونلاحظ أنه في أبريل/نيسان 2024، حينما كان الإنتاج أفضل مما هو عليه في أبريل/نيسان 2025، كانت ثمة فجوة سلبية بين الإنتاج والاستهلاك، فالإنتاج كان 5.5 ملايين طن، بينما الاستهلاك 6.2 ملايين طن، بعجز يقدر بنحو 700 ألف طن. والشاهد أن تراجع الإنتاج لم يكن مصحوبًا بتراجع في الاستهلاك، بل تزايدت فجوة عجز الطاقة خلال العام، وهي مرشحة للزيادة خلال الفترة القادمة في ضوء استمرار الصناعات كثيفة الطاقة في مصر، والتي تعتمد على الغاز الطبيعي بشكل رئيس، مثل الأسمدة والإسمنت والحديد، وكذلك حالة التوسع المنتظرة في مشروعات سياحية وعقارية لدول الخليج في مصر. في بعض الأوقات كانت عوائد تصدير النفط أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر، ولكن مع مرور الوقت ومحدودية الموارد النفطية لمصر، تحولت الدولة إلى مستورد صاف للطاقة. وحسب بيانات ميزان المدفوعات في مصر، يتضح أنه خلال الفترة من العامين الماليين 2019 /2020 – 2023 /2024، سجّل الميزان البترولي عجزا باستثناء عامين، هما 2021 /2022 بفائض قدره نحو 4.4 مليارات دولار، و2022 /2023 بفائض نحو 400 مليون دولار. أما باقي الفترة فكان عجز الميزان البترولي هو الأصل، ففي عام 2023 /2024 بلغ العجز 7.6 مليارات دولار، وفي الفترة من يوليو/تموز 2024 – مارس/آذار 2025 بلغ العجز في الميزان البترولي 10.3 مليارات دولار، وفق بيانات وزارة المالية والبنك المركزي المصري. ومن المهم في هذا الشأن، أن أرقام الصادرات البترولية، على الرغم من تواضعها أخيرًا، إلا أنها تتضمن حصة الشريك الأجنبي، وهو ما يعني أن العجز في الميزان البترولي أكبر مما هو معلن في ميزان المدفوعات. ماذا جنت مصر من اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص؟ بعد عام 2013، تم التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، وبموجبها سُمح لكل من مصر وإسرائيل وقبرص عمليات التنقيب عن الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وكان نصيب مصر في حقل ظهر، الذي دخل مجال الإنتاج في مطلع عام 2018، وساهم بجزء واضح في توفير احتياجات مصر من الطاقة. ولكن الإنتاج تأثر سلبًا بهذا الحقل بشكل كبير، فبعد أن كانت إنتاجية الحقل 2.7 مليار قدم مكعب يوميًا في يناير/كانون الثاني 2024، انخفضت إلى 1.4 مليار قدم مكعب في يناير/كانون الثاني 2025، ويُرجع بعضُهم تراجع الإنتاج إلى عدم انتظام مصر في سداد التزاماتها تجاه شركة إيني الإيطالية، وثمة من يذكر سببًا آخر لتراجع الإنتاجية، لاعتبارات فنية متعلقة بالاحتياطيات المتاحة للحقل. كانت التوقعات تذهب في بداية عمل حقل ظهر أنه يحقق لمصر الاكتفاء الذاتي من الطاقة، لكن واقع البيانات، أن مصر منذ عام 2023 /2024 تعاني من عجز في الطاقة، ترك أثره على ميزان المدفوعات. ما مخاطر المدى الزمني للاتفاق؟ الفترة الزمنية للاتفاقيات الخاصة بالنفط والغاز، لها اعتبارها، بشرط معرفة طبيعة التسعير خلال الفترات الطويلة، ولا بد أن يرتبط التسعير في هذه الاتفاقية بأداء الأسعار في السوق الدولية، ففي حالة تثبيت الأسعار في هذه الاتفاقيات، يكون لصالح طرف على حساب طرف، ففي حالة كون السعر أعلى من السوق الدولية، يكون في صالح البائعين على حساب المشترين، وإذا كان العكس والسعر أقل من السوق الدولية، يكون الأمر لصالح المشترين على حساب البائعين. وللأسف لا تُعلم طبيعة الاتفاق الذي أبرم أخيرًا بين مصر وإسرائيل، وأن المعلن عن الاتفاق فقط قيمته المادية التي تصل إلى 35 مليار دولار، وأنه يمتد إلى عام 2040، ومن المهم أن تكون ثمة شفافية، في سعر المليون وحدة حرارية الذي أبرم على أساسه الاتفاق. وثمة بند مهم تتضمنه الاتفاقيات المشابهة، وتمتد إلى فترات طويلة، وهو وجود هامش للتفاوض بين الطرفين في حالة تحرك السعر في السوق الدولية هبوطًا وصعودًا بشكل كبير. ومصر لها تجربة سابقة سلبية إبان عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك في تصدير الغاز المصري، إذ التزمت بعقد طويل المدى بتصدير الغاز لإسرائيل بسعر 1.2 دولار للمليون وحدة حرارية، في حين كانت أسعار السوق الدولية أعلى من ذلك طوال فترة التعاقد. وبعد ثورة 25 يناير /كانون الثاني واتخاذ قرار بوقف تصدير الغاز الطبيعي من مصر لإسرائيل، لاعتبارات أمنية وكذلك احتياجات مصر من الغاز الطبيعي، هددت إسرائيل باللجوء للتحكيم الدولي والمطالبة بتعويضات باهظة، ولم يُرجع إسرائيل عن اللجوء للتحكيم إلا توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر وقبرص في عام 2013. هل توفير خط الأنابيب يبرر استيراد الغاز من إسرائيل؟ من المبررات التي يسوقها بعضهم لتمرير اتفاقية استيراد مصر للغاز من إسرائيل، وجود خط الأنابيب، الذي يسهل عملية النقل بشكل كبير، ولكن اللافت للنظر أيضًا أن مصر في الفترة الماضية تعاقدت على وحدتي تغويز (تحويل الغاز من الصورة السائلة إلى صورته الأصلية)، ترسيان الآن على الشواطئ المصرية، ولجوء مصر إلى تأجير الوحدتين، ينم عن حالة من عدم الثقة في استمرارية تدفق الغاز من إسرائيل. وقد ترجع حالة عدم الثقة هذه لدى الجانب المصري، إلى ما تعيشه المنطقة من عدم الاستقرار، بسبب ممارسات إسرائيل العدائية على العديد من الدول العربية، وكذلك ممارساتها في غزة منذ عامين من حرب إبادة الشعب هناك. ومن وجهة نظر اقتصادية، وجود وحدتي التغويز لدى مصر، تمكنانها من الإفادة من تعدد مصادر الاستيراد وعدم تركيزها في مصدر واحد وهو إسرائيل، فضلًا عن وجود علاقات جيدة لمصر حاليًا بدول عربية مصدرة للغاز، يمكن أن تكون بديلًا آمنًا من استيراد الغاز من إسرائيل. جدير بالذكر أن خط أنابيب نقل الغاز بين مصر وإسرائيل تعرض غير مرة للتفجير، بعد ثورة 25 يناير 2011، وكذلك إبان عمليات العنف التي شهدتها المنطقة التي يمر بها خط الأنابيب في سيناء. هل استيراد الغاز الإسرائيلي مكّن مصر من تصديره لأوروبا؟ ثمة خطاب مصري ركز عقب العمل في حقل ظهر عام 2018، وكذلك توقيع اتفاقية مع إسرائيل لاستيراد الغاز، بأن مصر سوف تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة، وبخاصة بعد إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، والذي شارك فيه 7 دول، منها إسرائيل، واعتبرت القاهرة مقرًا لهذا المنتدى. ولكن الميزان التجاري للبترول في مصر من عام 2018 وحتى الآن، لا يظهر دلالات إيجابية، أو ثقل مصر في سوق النفط الإقليمية أو العالمية، وهو ما يعني أن حلم تصدير الغاز لأوروبا، أو أن تكون مصر مركزًا إقليميًا للطاقة لم يتحقق. دور القطاع الخاص في الاتفاق منذ عهد مبارك، الذي أبرمت فيه أولى الاتفاقيات الخاصة بتصدير الغاز المصري لإسرائيل، وتم إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز المصري لإسرائيل، تم تمرير الاتفاقية من بوابة القطاع الخاص، مثّل الجانبَ المصري فيها شركةُ غاز شرق المتوسط المملوكة لرجل الأعمال المصري حسين سالم، وفي عام 2018، انعكس الأمر، فأصبحت مصر من تستورد الغاز الطبيعي من إسرائيل، من خلال شركة قابضة باسم (دولفينوس القابضة) والمملوكة لرجل الأعمال المصري علاء عرفة. وجاء توسيط القطاع الخاص لإنهاء هذه الاتفاقيات، لكي يتم البعد بها عن رقابة البرلمان المصري، لأن الدستور المصري -حتى أيام مبارك- ينص على عرض الاتفاقيات الدولية على البرلمان. جدير بالذكر أنه في عام 2005 حين تم تمرير اتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل، وجدت اعتراضًا كبيرًا، عليها من المجتمع المدني، برفع القضايا إلى القضاء المصري لمنع تنفيذ الصفقة، لكن لم يكتب للأمر النجاح. والشاهد هنا، هو الإفصاح عن المعلومات الخاصة بالصفقة، فكون الاتفاقية بين طرفين من القطاع الخاص، يجعل الحصول على المعلومات الخاصة بها أمرا صعبا.