
السنغال: حظر ليلي على حركة الدراجات قرب حدود مالي
وبحسب قرار إداري صادر يوم الخميس 24 يوليو، يُمنع تنقل الدراجات من منتصف الليل حتى السادسة صباحاً، وذلك حتى 24 أغسطس المقبل، ويشمل الحظر جميع مناطق مقاطعة باكل المحاذية للحدود المالية.
وبرر محافظ المنطقة القرار بدواعٍ أمنية، مع استثناء العاملين في القطاع الصحي وقوات الدفاع والأمن، فيما لم تصدر السلطات المحلية توضيحات إضافية حتى الآن بشأن خلفيات القرار.
ويأتي هذا الإجراء بعد سلسلة من الهجمات التي نُسبت إلى جماعة 'نصرة الإسلام والمسلمين' المرتبطة بتنظيم القاعدة، حيث استهدفت بلدات مالية قريبة من بلدة كيديرا السنغالية، مطلع يوليو الجاري.
ومن أبرز المناطق التي تعرضت للهجمات بلدة ديبولي، الواقعة على بعد مئات الأمتار فقط من الأراضي السنغالية، ما أثار موجة من القلق بين السكان المحليين، ودفع نقابة النقل البري إلى مطالبة منتسبيها بتجنب السفر إلى الأراضي المالية في الوقت الراهن.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ 18 دقائق
- العين الإخبارية
سلاح حزب الله.. ليس المشكلة بل أحد أعراضها
في لبنان، يُعاد اليوم طرح السؤال الذي يبدو ظاهريًا أمنيًا، لكنه في جوهره وجودي: هل يمكن نزع سلاح "حزب الله"؟ سؤالٌ تتضخم حوله التحليلات، وتتكاثر فيه الوصفات الدولية، ويتحوّل على ألسنة السياسيين إلى لازمة شعبية، بينما الحقيقة التي لا يريد أحد التحديق فيها أن السلاح ليس هو المشكلة.. بل هو أحد أعراضها. لقد سبق أن جرّب العرب، هذا النموذج من "النزع الناعم" في التسعينيات خلال معالجة معضلة العائدين من أفغانستان، عبر مشروع ضخم للمناصحة، أُنفق عليه المليارات، وتم تجنيد له علماء وعسكريين وخبراء نفس، وتقديم السكن والراتب والسيارة وخطبة الجمعة المدروسة... ثم ماذا؟ ها نحن اليوم نعيش واقع "الذئاب المنفردة"، ونحصي عمليات الطعن والدهس، ونراقب الخلايا النائمة، التي لم تنم، بل تحوّرت، لا أحد يقولها بصراحة، لكن المشروع فشل، ليس لأنه خالٍ من النيّة، بل لأنه خالٍ من الجرأة. لم يكن الفشل بسبب قسوة البرنامج، بل لأنه بدأ من منتصف الطريق، عالج السلوك، وتغافل عن الفكرة، استبدل السلاح بالحوار، لكن أبقى جذور العقيدة دون مساس، لم يدخل إلى نواة الإسلام السياسي، حيث تتربّع مفاهيم "الحاكمية"، و"الولاء والبراء"، و"الإمامة"، و"دولة الجماعة لا دولة الوطن"، وها هي النتائج اليوم تنطق. يقول علي عبد الرازق منذ قرن مضى: "لم يعرف الإسلام منصب الخليفة إلا بعد أن عرف السيف"، وها نحن إلى اليوم، لا نعرف كيف نُفرّق بين الدين والإمارة، بين العقيدة والمليشيات، بين الحق الإلهي والدستور الوضعي، فكيف نتوهّم أننا قادرون على سحب سلاح مَن يظنّ نفسه في ثغور آخر الزمان؟ "حزب الله" ليس استثناءً، بل هو النموذج الأشد تعقيدًا، لا لأنه يملك ترسانة عسكرية عابرة للدولة، بل لأنه يحمل سردية دينية شاملة، يرى من خلالها نفسه "امتدادًا لولاية الفقيه"، و"جنديًا في جيش الإمام الغائب"، و"وصيًّا على الطائفة"، و"البديل عن الدولة"، فكيف تسحب سلاحًا من رجل يعتقد أن هذا السلاح "تكليف شرعي" لا يجوز تعطيله حتى في زمن الهدنة؟ اليوم يُطرح في بيروت سيناريو "دمج عناصر الحزب" في الجيش اللبناني، والقول إن المعضلة تحلّ متى ما دخلت الصواريخ تحت إمرة الضباط، يا لهذا الوهم، هل نسيتم أن جيوشًا عربية بكامل عتادها تهاوت، لأن أفكارًا من هذا النوع كانت تنخرها من الداخل؟، هل نسيتم الجيش العراقي، حين اخترقته الولاءات المذهبية؟، هل نسيتم الجيش السوري، حين أصبح أداة في يد المليشيات؟، هل نسيتم كيف تحوّل الحرس الثوري في إيران إلى دولة داخل الدولة، بل فوق الدولة؟ الجيش ليس مؤسسة تقنية فقط، بل هو الوعاء السيادي الأول، فإن دخلته عناصر تؤمن بأن الطائفة فوق الوطن، وأن الإمام فوق القائد الأعلى للقوات المسلحة، فقد زرعتَ في صميم الدولة بذرة زوالها. لم تجرؤ أغلب الأنظمة على تسمية المشكلة باسمها الحقيقي: إن تجديد الخطاب الديني ليس ترفًا فكريًا، بل أمنا قوميا، كل دولة لا تملك نسخة واضحة من الدين تتسق مع دستورها، ستجد نفسها في لحظة ما في مواجهة "دين آخر" يُدار من خارج الحدود، الدين هنا ليس شعائر، بل مشروع سلطة، وحين لا تُحدّد له سقفًا، يصير سقف الوطن كله مهدّدًا بالسقوط. "حزب الله" هو أحد فروع هذا الدين البديل، سلاحه ليس فقط ما يُطلق من الجنوب نحو إسرائيل، بل ما يُحقن في العقول داخل الضاحية، عناصره ليسوا فقط من يحملون الكلاشينكوف، بل أولئك الذين يؤمنون بأن لبنان محطة في طريق القدس، لا وطنًا نهائيًا، وكل مشروع لا يبدأ من تفكيك هذه العقيدة، هو مشروع يُجمل الكارثة، لا يعالجها، لكن الأزمة لا تتوقف عند حزب أو مليشيات أو ترسانة، بل تعود جذورها إلى "الخطأ التأسيسي" الذي ارتُكب منذ عقود. فلبنان لم يسقط فقط تحت وطأة السلاح، بل بدأ سقوطه منذ أن تمّ التوقيع على اتفاق الطائف عام 1989، ذلك الاتفاق الذي قدّم نفسه كمصالحة وكعلاج للحرب الأهلية، لكنه في جوهره كان "تنازلًا جماعيًا" عن فكرة الدولة الوطنية لصالح "نظام المحاصصة"، سُمّيت الطوائف مكونات، وأُلبست الزعامات رداء السيادة، وفُكّكت الدولة باسم التوازن، حتى غدت أجهزة الحكم تُدار كمصرف طائفي، لا كجهاز وطني جامع. وهكذا، في ظلّ الطائف، لم تعد السيادة موحدة، بل موزعة على طوائف. لم يعد الولاء للدستور، بل للزعيم، يقول الراحل غسان تويني: "لبنان ليس وطناً بل مجموعة مشاريع دول صغيرة تتعايش على ورقة نعوة"، تلك النعوة بدأت في الطائف، واستُكملت برصاص حزب الله. وها هو المشهد يُراد تكراره، ولكن هذه المرة... في اليمن، ما يُحضّر اليوم في مطابخ التسوية اليمنية، من مشاريع تقسيم وتدوير للنفوذ تحت شعار "تمثيل المكونات"، ليس سوى إعادة إنتاج للطائف اللبناني، يريدون أن يُنشئوا دولة اتحادية لا تقوم على السيادة، بل على الحصص، لا على الهوية الوطنية، بل على هوية الجماعة، سواء كانت مذهبية أو قبلية أو مناطقية. وفي القلب من هذا المخطط، تقع محاولة إجهاض الدولة الوطنية الجنوبية التي قدّمت نفسها شريكًا واضحًا للتحالف العربي، ومشروعًا للدولة المدنية التي سقطت مرتين: مرة عام 1990 حين تمّ ابتلاعها باسم الوحدة، ومرة عام 1994 حين تمّ اجتياحها باسم الشرعية. هناك نزعة واضحة لإخضاع الجنوب لإرادة الإسلام السياسي، عبر منطق المحاصصة، و"تذويبه" في تركيبة هلامية تشبه النظام اللبناني، الهدف ليس فقط تفكيك الجنوب، بل إضعافه سياسيًا، حتى يبقى تحت سقف الغير، لا تحت رايته. وإذا لم يُدرك صناع القرار أن منع تكرار النموذج اللبناني في اليمن هو أولوية سيادية، فإننا سنجد أنفسنا بعد سنوات أمام "حزب الله يمني"، و"ضاحية جنوبية في تعز"، و"طائف جديد على ضفاف عدن. الجنوب لا يطلب امتيازًا، بل يطلب ألا يُعاد إقحامه في معادلات فاشلة، يريد أن يكون شريكًا في التنمية ومنافساً ضمن الإقليم العربي، لا ضحية في "الدويلة"، يريد أن يكون حليفًا للمشروع العربي، لا رهينةً في المشروع الطائفي، والخلاصة؟، لا تبنوا مشروع نزع سلاح دون نزع العقيدة التي صنعت السلاح. ولا تقيموا دولة في اليمن على أنقاض الجنوب، لأن الجنوب الذي صمد وحده، سيبقى وحده إذا لزم الأمر، فهو سيبقى مصرّاً على أن يلتصق بالتجربة الإماراتية الحالمة لعله معها يصل إلى المريخ، والتاريخ، إن لم يُفهم من تجربة بيروت، سيُكتب من جديد.. على طريقة صنعاء.


شبكة النبأ
منذ ساعة واحدة
- شبكة النبأ
الحرية الاقتصادية بين الرأسمالية والإسلام
أقامت الرأسمالية الحديثة صرحها على أساس الحرية المطلقة التي تحوّلت إلى ما يشبه "دينًا جديدًا"، تُمجّد فيه آلهة السوق، وتُقدّس فيه الملكية، ويُعبد فيه الربح. أفضى إلى انحرافات خطيرة، ليس على مستوى العدالة الاجتماعية فحسب، بل على مستوى الإنسان ذاته قيمه، كرامته. وفي المقابل، يقدّم الإسلام تصورًا مغايرًا... المقدمة في عالمٍ تُرفَع فيه رايات "الحرية" على أنها ذروة التقدّم البشري، تغدو "الحرية الاقتصادية" واحدة من أكثر المفاهيم رواجًا وتأثيرًا في تشكيل حياة الإنسان المعاصر. لكنها، عند التأمّل العميق، ليست ذلك المفهوم البريء المحايد الذي يُسوَّق له في أدبيات النظام الرأسمالي، بل هي نتاج بنية فكرية تُقدّس الفرد، وتُعلّي من شأن السوق، وتُخضع كل القيم لمنطق الربح والخسارة. لقد أقامت الرأسمالية الحديثة صرحها على أساس هذه الحرية المطلقة التي تحوّلت –بمرور الزمن– إلى ما يشبه "دينًا جديدًا"، تُمجّد فيه آلهة السوق، وتُقدّس فيه الملكية، ويُعبد فيه الربح. غير أن هذا التقديس أفضى إلى انحرافات خطيرة، ليس على مستوى العدالة الاجتماعية فحسب، بل على مستوى الإنسان ذاته قيمه، كرامته، علاقته بالطبيعة، ومكانته في العالم. وفي المقابل، يقدّم الإسلام تصورًا مغايرًا – لا يقلّ حرصًا على حرية الإنسان، لكنه يُعيد ضبطها ضمن أُطر أخلاقية وتكافلية توازن بين الفرد والمجتمع، بين الحرية والعدل، وبين الرغبة والمسؤولية. هذا المقال يروم قراءة نقدية للحرية الاقتصادية في ظل الرأسمالية، من زاويتين: أيديولوجية وواقعية، ثم يقدم البديل الإسلامي بوصفه نموذجًا أخلاقيًا وإنسانيًا قادرًا على إعادة الاعتبار للإنسان في عالم طغى عليه منطق المال وتغوّل فيه السوق. ١. الحرية الاقتصادية: الفرد مركز الكون تُعدّ الحرية الاقتصادية حجر الزاوية في بناء النظام الرأسمالي، وهي تعني – وفق المنظور الليبرالي –حق الفرد المطلق في التملك والعمل والبيع والشراء والإنتاج والاستهلاك دون تدخل الدولة. لقد قدّس النظام الرأسمالي الفرد ورفعه إلى مصاف الإله الصغير الذي يُشرّع لنفسه وفق ما تمليه عليه "يد السوق الخفية"، وهو تعبير شهير استخدمه آدم سميث في كتابه ثروة الأمم حين قال: "ليس من إحسان الجزار أو الخباز نحصل على طعامنا، بل من اهتمامهم بمصالحهم الخاصة". هذه العبارة تختصر فلسفة السوق الرأسمالية: المصلحة الفردية هي المحرّك الأكبر لكل نشاط اقتصادي، والحرية المطلقة في السلوك الاقتصادي تؤدي، عفوًا، إلى التوازن العام والخير المشترك! ٢. الملكية الخاصة: التقديس الجديد للأرض إن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج هي إحدى أقدس "المحرّمات" في المعبد الرأسمالي، بل تكاد تكون وثنًا لا يجوز المساس به. ففي هذا النظام، يتحوّل رأس المال من أداة إلى سيّد، ومن وسيلة إلى غاية، ويتحوّل الإنسان من كائن له كرامة أصيلة إلى عامل في آلة ضخمة يديرها المستثمر أو مالك رأس المال. وقد عبّر الفيلسوف السياسي جون لوك – من منظّري الليبرالية الكلاسيكية – عن قداسة الملكية حين اعتبر أن: "الملكية هي امتداد طبيعي لحرية الإنسان، والحق فيها سابق على نشوء الدولة ذاتها". وفي هذا الجوهر تُختزل العلاقة بين الإنسان والعالم: مَن يملك أكثر، يقرر أكثر، ويحيا أكثر. ٣. قانون العرض والطلب: "الناموس" المقدّس في غياب التخطيط المركزي، وفي ظل تقليص دور الدولة إلى أدنى حد، يحتكم النظام الرأسمالي إلى قانون العرض والطلب باعتباره الآلية الطبيعية لتنظيم السوق وتحديد الأسعار وتوجيه الموارد. ولقد شبه بعض مفكري الرأسمالية هذه الآلية بــ "الناموس الكوني"، حيث يتحقق التوازن الاقتصادي كما تتوازن الكواكب في مداراتها. وفي ذلك نوع من التأليه الخفي للمنظومة، حيث تُختزل العدالة في "السعر العادل" الناتج عن التقاء العرض بالطلب دون تدخل خارجي. ٤. المنافسة: البقاء للأقوى ترى الرأسمالية أن المنافسة الحرّة هي المحرك الأكبر للتقدّم والابتكار والفعالية الاقتصادية، وهي تجسيد عملي لما يسميه داروين بـ"الانتخاب الطبيعي" ولكن في ميدان المال لا في ميدان الأحياء. من يتقن فن السوق، ويستغل الفرص، ويخفض التكاليف، ويسوّق بذكاء ينجو ويتفوّق، أما الضعفاء، فلا مكان لهم في عالم الربح والخسارة. وهكذا تتحول المنافسة من وسيلة للنهوض إلى معركة للبقاء، حيث يتكدس رأس المال في يد القادرين على "اللعب بذكاء"، بينما يُقصى الآخرون إلى هامش الحياة. الربح –في عرف الرأسمالية– ليس مجرد هدف اقتصادي، بل هو مبرّر وجود الشركات والمؤسسات والأسواق، بل هو معيار النجاح ومعنى الإنجاز. فكل نشاط اقتصادي لا يدرّ ربحًا يُعدّ عبثًا، بل خيانة لمنطق السوق. ومن هنا، تنتشر روح "البراغماتية" التي تعبّر عنها المقولة الشهيرة المنسوبة لرجال الأعمال: "الربح هو أقدس الفضائل، والخسارة هي الخطيئة الوحيدة". بهذا المعنى يتحول الربح إلى صنم معاصر، تُقدّم على مذبحه البيئة، والأخلاق، والعدالة الاجتماعية، ومشاعر الإنسان. ٦. الحد الأدنى من تدخل الدولة: الدولة الحارسة لا الراعية لا تؤمن الرأسمالية الكلاسيكية إلا بدولة "حارسة"، تؤمّن الأمن وتحفظ النظام وتحمي العقود، لكنها لا تتدخل في تفاصيل الاقتصاد. وهذا ما عبّر عنه الاقتصادي الفرنسي جان باتيست ساي بمقولته الشهيرة: "دَعوا الأشياء تجري في طريقها ". هذا المبدأ جعل من الدولة كيانًا تابعًا للأسواق لا حاكمًا لها، وهو ما أدّى، في فترات كثيرة، إلى اختلالات هائلة، وانتشار الفقر، وترك الطبقات الدنيا لمصيرها. ومضة نقدية: حين يتحول السوق إلى دين لقد تحوّلت الرأسمالية –في ضوء هذه الركائز– إلى نظام شمولي ناعم، يفرض سطوته لا بالقهر العسكري، بل بإغراء الاستهلاك وسحر الإعلان، ويعيد تشكيل الوجدان الإنساني على صورة السلعة. فكما قال المفكر الفرنسيبودريار: "نحن لا نعيش في اقتصاد الإنتاج، بل في اقتصاد العلامات، حيث تُشترى الأشياء لا لحاجتها، بل لدلالتها الاجتماعية". الإنسان في ظل الرأسمالية أمام هذا المشهد، يحق لنا أن نسأل: هل الإنسان في ظل الرأسمالية سيّد المال، أم عبد له؟ هل السوق وُجدت لخدمة الإنسان، أم أن الإنسان أعيدت صياغته ليخدم السوق؟ وهل يمكن التوفيق بين الكرامة الإنسانية وعبادة الربح، بين القيم العليا ومنطق الصفقات؟ هذه الأسئلة تبقى معلّقة في الهواء، ما لم يُعاد تأصيل العلاقة بين الإنسان والقيمة، وبين الاقتصاد والأخلاق. نقد الحرية الاقتصادية في النظام الرأسمالي: قراءة أيديولوجية وواقعية بعد ان استعرضنا حقيقة الحرية الاقتصادية في النظام الرأسمالي، نريد الان تقييم هذه الحرية المزيفة من عدة جوانب، فنقول: في عالم يرفع شعار "الحرية" بكل أطيافها، تبرز الحرية الاقتصادية بوصفها إحدى الركائز المحورية للنظام الرأسمالي الحديث. لكنها –كما يكشف النظر الفاحص– ليست حرية نزيهة محايدة، بل تنتمي إلى بنية فكرية تحكمها أيديولوجيا معينة، وتُمارس ضمن شروط واقعية تشوبها التفاوتات والاستغلال. هذه السطور تتناول الحرية الاقتصادية من منظورين متكاملين: 1.المنظور الإيديولوجي الذي يكشف الأسس الفلسفية التي قامت عليها. 2. المنظور الواقعي الذي يفضح التناقض بين النظرية والممارسة. الحرية الاقتصادية في التصور الرأسمالي ليست مفهومًا عابرًا، بل هي ناتج لمزيج فلسفي ممتد من عصر التنوير إلى الليبرالية الحديثة. ويُمكن تناول الإشكالات الإيديولوجية فيها ضمن المحاور الآتية: 1. الحرية المزعومة والتفاوت البنيوي الرأسمالية تفترض أن الأفراد متساوون في فرص السوق، لكن هذا افتراض مضلل، لأن البنية الاقتصادية والاجتماعية التي ينتج عنها التملك غير عادلة من الأصل. فالفرد يدخل السوق وهو محمّل بإرث طبقي، وتفاوت تعليمي، وإرث ثقافي واجتماعي قد يضعه في موقع ضعف، ومع ذلك تُطالبه الرأسمالية بالمنافسة على قدم المساواة. يقول جون رولز، أبرز فلاسفة العدالة في القرن العشرين: "العدالة تقتضي ألا تُحكم النتائج بحكم المصادفة، ولا تُترك الحقوق رهينة التفاوتات الطبيعية والاجتماعية". لكن الحرية الاقتصادية، كما تمارسها الرأسمالية، تُقنن التفاوت لا تُعالجه، وتُسبغ الشرعية على الاستغلال، بدعوى "الاستحقاق الفردي". 2. الفردانية المطلقة وتمزيق الجماعة الحرية الاقتصادية تمجّد الفرد بوصفه الفاعل الوحيد في المعادلة الاقتصادية، بينما تتجاهل قيم التعاون والتكافل. بهذا تُنتج "إنسان السوق" الذي يقيس كل شيء بمعيار النفع، ويُسقط من حسابه القيم الجمعية والمقاصد العليا. وقد حذّر الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور من هذه النزعة قائلاً: "الليبرالية الحديثة تُنبت أفرادًا بلا جذور، تحرّرهم من كل شيء، لكنها لا تمنحهم شيئًا". وبذلك، تصبح الحرية الاقتصادية بوابة إلى الاغتراب الجماعي، والوحدة الثقافية، والانفصام الاجتماعي. 3. قلب مفهوم العدالة رأسًا على عقب الرأسمالية تضع الحرية الفردية فوق العدالة الاجتماعية. فطالما أن الفرد حُرّ في البيع والشراء، فإن السوق عادل – بحسب منطقهم. لكن الإسلام وغيره من الأنظمة الأخلاقية يعتبر أن العدالة مقدّمة على الحرية إذا تعارضتا، وأن الحرية ليست مطلقة، بل تُمارس ضمن ضوابط أخلاقية. وصدق من قال: "العدل أساس يُقوَّم به الناس، وتُسدّ به الثغور، ويُستصلح به السلطان، وتُعمر به البلدان". فالعدل –لا الحرية المجردة– هو المحور الذي تُقاس عليه شرعية النشاط الاقتصادي. إذا تجاوزنا الأطر النظرية، ونظرنا في الواقع العالمي منذ انبثاق الرأسمالية إلى اليوم، نُفاجأ بعدد من الاختلالات البنيوية، تؤكد أن الحرية الاقتصادية قد تحوّلت إلى عبودية مقنّعة لطبقة المالكين. 1. الاحتكار المقنّع والتضخم الرأسمالي رغم أن الرأسمالية تدّعي أنها تتيح المنافسة للجميع، إلا أن الواقع يُظهر عكس ذلك. فمعظم الأسواق الكبرى اليوم تهيمن عليها شركات عملاقة تفرض أسعارها، وتُقصي منافسيها، وتتحكم في سلاسل التوريد والإنتاج والإعلام. "إن ما نراه اليوم ليس سوقًا حرة، بل إمبراطوريات تحت قناع المنافسة"، هكذا عبّر الاقتصادي ها-جون تشانغ في نقده للرأسمالية النيوليبرالية. فالحرية هنا هي حرية العملاق في سحق الصغير. ملاحظة: يشير تعبير «النيوليبرالية» إلى تبني سياسة اقتصادية تقلل من دور الدولة وتزيد من دور القطاع الخاص قدر المستطاع، وتسعى النيوليبرالية لتحويل السيطرة على الاقتصاد من الحكومة إلى القطاع الخاص بدعوى أن ذلك يزيد من كفاءة الحكومة ويحسن الحالة الاقتصادية للبلد. 2. إعادة إنتاج الفقر بدل تقليصه الرأسمالية تَعِدُ بالرخاء الشامل من خلال "تساقط الثروة من الأعلى" لكنها في الواقع ترفع الطبقات العليا وترمي بالفتات إلى السفلى. ووفق تقرير Oxfam لسنة 2023، فإن: "1٪ من أغنى سكان العالم يملكون أكثر من 50٪ من ثروات الأرض، في حين يكافح أكثر من 3 مليارات شخص من أجل البقاء اليومي". فأين هي العدالة في سوق حرّ "يفتح الأبواب للجميع" لكن لا يدخل منها إلا من يملك الثمن؟ 3. أزمات مالية متكررة منذ الكساد الكبير (1929) إلى الأزمة المالية العالمية (2008)، مرورًا بأزمات العملات والديون والسيولة، تشير التجربة الواقعية إلى أن السوق الرأسمالي غير مستقر بطبيعته. بل إن كثيرًا من هذه الأزمات نتاج مباشر للحرية الاقتصادية غير المنضبطة، وغياب الرقابة على المضاربات والتوسع الائتماني الجشع. وفي هذا السياق قال المفكر الاقتصادي ستيجليتز الحائز على نوبل: "الأسواق لا تصلح نفسها بنفسها، ومن يظن ذلك يُنكر كل دروس التاريخ". 4. الاستلاب البيئي وتدمير الطبيعة تحت وهم الحرية الاقتصادية تستنزف الموارد الطبيعية، وتُشوّه الأنظمة البيئية، وتُلوث الأنهار والهواء والتربة، لأن الشركات لا ترى في الطبيعة إلا أرقامًا في جدول الأرباح. وقد نبّه تقرير الأمم المتحدة عام 2022 إلى أن: "الاقتصاد الحر يُسهم بنسبة تزيد على 70٪ من الانبعاثات الكربونية عبر الصناعات الثقيلة والنقل والتسويق". وهنا يظهر وجه جديد من الاستبداد الاقتصادي الذي لا يقهر الإنسان فحسب، بل يقهر الكوكب ذاته. 5. تحوّل الحرية إلى أداة سياسية للهيمنة لم تَسلم "الحرية الاقتصادية" من التوظيف السياسي، إذ كثيرًا ما تُستخدم كغطاء للتدخلات الخارجية، وفرض السياسات النيوليبرالية على الدول النامية عبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. فتُجبر تلك الدول على "تحرير أسواقها"، وخصخصة مرافقها العامة، ما يؤدي إلى تفكك الدولة الاجتماعية، وبيع ثروات الشعوب بأبخس الأثمان. قال الخبير الاقتصادي الهنديأرجون أبادوراي: "الحرية الاقتصادية، حين تُفرض من الخارج، ليست حرية، بل استعمار جديد بقفازات ناعمة". الحاجة إلى نموذج بديل الحرية الاقتصادية –بمفهومها الرأسمالي– قد وصلت إلى مأزق أخلاقي وواقعي، فهي تُنتج الاستغلال بدل العدالة، والاحتكار بدل التنافس، والانفجار البيئي بدل الاستدامة. والمطلوب اليوم ليس رفض مبدأ الحرية الاقتصادية من حيث هو، بل إعادة صياغته ضمن منظومة أخلاقية تحفظ للإنسان كرامته، وتقدّم العدالة على الجشع، وتُخضع الاقتصاد للمقاصد الكبرى. وقد عبّر عن ذلك السيد محمد باقر الصدر بقوله: "إن الإسلام لا يرفض الحوافز الذاتية، لكنه يوجّهها وجهة اجتماعية، ويضعها تحت سقف الأخلاق، فلا تتحول إلى أداة قهر أو استعلاء". الاسلام هو البديل: الحرية الاقتصادية في الإسلام ليست انعكاسًا لليبرالية الغربية، ولا امتدادًا للهيمنة الرأسمالية، بل هي منظومة قيمية متكاملة تجعل من الإنسان خليفة في المال لا مالكًا مطلقًا، وتربط الاقتصاد بالأخلاق، والحرية بالعدالة، والربح بالمسؤولية. وإليك هذا البيان المفصل: الحرية الاقتصادية في الإسلام: حرية مقيدة بالعدل ومنضبطة بالقيم تمهيد إنّ الحديث عن الحرية الاقتصادية في الإسلام لا ينطلق من فرضية "السوق الحر" ولا من مبدأ "المصلحة الفردية المطلقة"، بل ينبع من التصور التوحيدي للإنسان والكون والمال؛ حيث المال ليس ملكًا ذاتيًا، بل هو أمانة ووسيلة للعمارة والإعمار والتكافل. فالحرية الاقتصادية –في الرؤية الإسلامية– ليست حريةً مطلقة، بل هي حرية حقيقية بضوابط شرعية، تحفظ للفرد حقه، وتحمي المجتمع من طغيان رأس المال، وتُقوّم النشاط الاقتصادي على أساس العدالة والرحمة. 1.المال لله والإنسان مستخلف فيه الركيزة الأساسية في التصور الإسلامي للاقتصاد هي أن المال ملك لله تعالى، والإنسان مجرد مستخلف فيه. قال تعالى: (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) [النور: 33] وقال أيضًا: (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) [الحديد: 7] فالفرد لا يملك المال على نحو الاستقلال التام، بل هو وكيل مأذون، تُقيد حريته الاقتصادية بما يحقق مقاصد الشريعة في حفظ النفس والنسل والعقل والمال والدين. 2. التوازن بين الفرد والمجتمع الإسلام لا يُقصي الفرد كما تفعل الاشتراكية، ولا يُطلقه بلا ضابط كما تفعل الرأسمالية، بل يمنحه الحرية بضوابط تحقق التوازن بين مصلحته الخاصة والمصلحة العامة. وقد بيّن الإمام علي (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر هذه القاعدة الذهبية بقوله: «فإنهم – أي الرعية – صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق». وهذا يعني أن العمل الاقتصادي لا يُحكم بمنطق الربح المجرد، بل بمنطق الأخوة والمسؤولية والتكافل. 3. تحريم كل أداة تؤدي إلى الاستغلال الإسلام حارب بصرامة كل السبل المؤدية إلى استغلال الإنسان لأخيه الإنسان تحت عنوان المعاملة أو التجارة أو العقد، فحرّم: الربا: لأنه يُنتج المال من المال دون جهد، ويُضاعف الفقر. الاحتكار: لأنه يمنع تداول السلع، ويرفع الأسعار ظلمًا. الغش والخداع: لأنه يفرغ المعاملة من بعدها الأخلاقي. التطفيف والمكيال الناقص: كما في قوله تعالى: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين: 1]. هذه كلها قيود شرعية أخلاقية لا تُقيد الحرية، بل تحرّرها من الانزلاق إلى الظلم. 1. حرية التملك والعمل أقرّ الإسلام حق التملك الخاص والحق في العمل الحرّ، واعتبرهما من الحقوق الفطرية. قال النبي صلى واله عليه واله: «الناس شركاء في ثلاث: الماء، والكلأ، والنار». لكن الإسلام قيد هذه الحرية: بمنع مصادر الكسب المحرمة (الربا، الرشوة، القمار، الغرر). بمنع التعدّي على حقوق الآخرين أو الإضرار بالمجتمع. وبالتأكيد على أداء الزكاة والإنفاق في سبيل الله. فلا وجود لحرية مطلقة في التملك ولا الاستثمار في الإسلام، بل هناك قيد دائم: ألا يكون المال سببًا للفتنة أو الطغيان، كما في قوله: (إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ. أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ) [العلق: 6–7]. 2. حرية السوق بضوابط الشفافية والعدالة الإسلام لا يمنع السوق، ولا يرفض البيع والشراء، بل حث عليه. لكنّه يمنع أن يتحوّل السوق إلى غابة بلا أخلاق. نهى النبي صلى واله عليه واله عن التناجش والتدليس والاحتكار. وفرض الرقابة على الأسعار إذا وقع ظلم أو فساد. وكان يمرّ بنفسه على الأسواق ويقول: «من غشّنا فليس منّا». وهكذا، فإن السوق في الإسلام فضاء حرّ، ولكن مُؤطّر بالأمانة والتقوى والرقابة المجتمعية. 3. حرية الاستثمار المنتج لا المضارب الاستثمار في الإسلام ممدوح، لكن بشرط أن يكون حقيقيًا ومنتجًا لا مجرد مضاربة وهمية. فالإسلام يحبّ الكسب من العمل لا من المراهنة. يقول النبي صلى واله عليه واله: «خير الكسب كسب الرجل من يده». يُمنع بيع الدين بالدين. ويُمنع بيع ما لا تملك. ويُمنع بيع الغرر (المجهول والعشوائي). كل هذا لأجل جعل الحرية الاقتصادية أداة للبناء لا للمقامرة. 4. تكافل اجتماعي إجباري لا اختياري من أروع ما في النظام الاقتصادي الإسلامي أن الفقراء ليسوا عالة بل شركاء في المال العام، إذ شرّع الإسلام: الزكاة الواجبة، والخمس، والصدقات المستحبة، وبيت المال، ومنع تراكم المال في أيدي قلة: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ) [الحشر: 7] فالحريّة هنا ليست فردية فقط، بل حرية مشروطة بإعادة توزيع الثروة وتحقيق الحد الأدنى من الكفاية والكرامة للجميع. 5. الرقابة الإلهية والضمير الديني ما يُميّز النظام الاقتصادي الإسلامي عن غيره هو أن الرقابة فيه ذاتية قبل أن تكون قانونية. فالمؤمن يعلم أنه مسؤول أمام الله عن كل درهم أنفقه أو كسبه. قال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر: 92-93] فلا يمكن أن تكون الحرية الاقتصادية في الإسلام ذريعة للطغيان، لأن التاجر التقي يرى في كل صفقة امتحانًا أخلاقيًا قبل أن تكون فرصة ربحية. الحرية المقيدة هي الحرية الحقيقية إن الحرية الاقتصادية في الإسلام ليست شعارات براقة تبرر الاستغلال والاحتكار، بل هي نظام متكامل يوازن بين الفرد والمجتمع، بين الحق والواجب، بين السوق والأخلاق. إنها حرية منضبطة لا مُطلقة، مشروطة لا عبثية، تلتزم بالعدل لا الجشع، وتحمل في جوهرها أسمى معاني الإنسانية والتكافل. وكما افاد السيد الصدر في اقتصادنا: "إن الحرية الاقتصادية في الإسلام ليست شبيهة بالحرية الرأسمالية، بل هي حرية الإنسان المسؤول، الذي يعلم أن المال ليس له وحده، وأن الآخرين شركاء في نعم الله، لا عبيدًا في سوق المال".


26 سبتمبر نيت
منذ 4 ساعات
- 26 سبتمبر نيت
تجار الأزمات إلى أين ..؟!
لقد تحول الحقد الذي تأصل في نفوس البعض وخاصة أولئك المرتبطين بأعداء الوطن اليمني وأعداء تقدمه وبناء دولته ذات السيادة إلى عداوة وبغضاء أعمت أبصارهم وبصيرتهم وحرفتهم عن السير في الطريق الصحيح وعليه نقول لهؤلاء الذين تحولوا إلى تجار أزمات إن المواقف التاريخية دوما تتوحد من خلالها القلوب وتصطف القوى الوطنية وتنزوي كل خصومة وفي المصائب تشف النفوس وتتنظف وفي معترك التحديات تعرف معادن الرجال والمواقف والتوجهات، هذه هي أخلاقيات آمنت بها كل الشعوب الحرة وعملت والتزمت بأسسها إلا لدينا في اليمن السعيد حيث تبدو مناكر المواقف وموبقاتها وحلزونية ساستها هي السائدة. أبناء اليمن فلذات الأكباد ورجال القوات المسلحة والأمن المدعومين شعبياً يؤدون واجبهم في خدمة الوطن والدفاع عنه وفي خدمة الإسلام والعروبة دون منٍّ أو توظيف لمواقفهم وأعمالهم البطولية وتضحياتهم الكبيرة خاصة بعد أن أعترف العالم كله بأن اليمن في ظل راية ثورته الشعبية وقيادته الحكيمة أصبح رقماً صعباً لا يمكن تجاهله وأن ما يقوم به من دعم وإسناد لأشقائه أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ومواجهته المباشرة مع أمريكا وإسرائيل يُعد موقفاً فريداً من نوعه لم تقم بمثله أكثرمن خمسين دولة عربية وإسلامية كلها معنية بقضية فلسطين ومطلوب منها تحرير المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وتطهيره من براثن ودنس الاحتلال الصهيوني، فيما هناك من يشحذون نصالهم وألسنتهم الحداد في محاولات يائسة منهم للانتقاص من دور الجيش اليمني وأبطاله والأمن ورجاله، وكأن معركة إسناد القضية الفلسطينية والدفاع عن الوطن ومواجهة العدوان للعام الحادي عشر على التوالي لا تمثل بالنسبة لهؤلاء أي أهمية وإلا فما تفسير هذه (الغنوجة) لقد ظهر هؤلاء بمظهر مزرٍ يُثير الشفقة أكثر مما يثير الازدراء ولا ندري هل لهم رغبة دفينة بأن يستمر العدوان على اليمن وأن يستفحل التطرف والتشدد وأن يضيع ما تبقى من الدولة ومؤسساتها السيادية، إنها أسئلة مشروعة يجب أن يتم طرحها لكن لا نجد الإجابة الشافية عليها؟. بل ولا نجد تفسيراً لمواقف بعض القوى السياسية والحزبية (المغمغمة) التي لا يُفهم منها إلا الميوعة السياسية والهلامية المضطربة التي ليس لها موقف واضح ومحدد لا من العدوان على اليمن ولا مما يجري في قطاع غزة من جرائم إبادة جماعية حصدت عشرات الآلاف الضحايا إضافة إلى الموت جوعاً نتيجة للحصار الظالم المفروض على غزة أمام مسمع ومرئى من العالم كله ولا من الإرهاب مع أنهم يعرفون أن الوقت لا يحتمل مثل هذه المواقف المتذبذبة والمناورات غير المفهوم مغزاها، وكم هو مؤسف أن نجد من يوظف ما يحدث اليوم لشق وحدة الصف الوطني وإثارة النعرات باسم العدنانية والقحطانية والمناطقية والطائفية والمذهبية وحتى القبلية والانشغال بقضايا جانبية وهو توجّه لا يخدم الشعب اليمني ولا قضاياه الوطنية على الإطلاق، وإنما ينال من وحدته واستقراره ويعكس إصرار هذه القوى على البقاء في مفاصل السلطة خدمة للمتدخلين في الشأن اليمني وللهيمنة الحيلولة دون بناء اليمن الجديد وهذا ما يريده ويهدف إليه أعداء الوطن في الداخل والخارج وعليه نؤكد جازمين بأن القوات المسلحة اليمنية بعد أكثر من عشرة أعوام من العدوان الظالم وهي تواجه اليوم أمريكا وإسرائيل وأذيالهما في المنطقة أصبحت أكثر قوة من أي وقت مضى وتستطيع سرعة الحسم وإنهاء التساهل والتسامح مع أناس لا يعرفون معنى التسامح ولا يقدرون التعامل معهم بالحكمة والتعقل معتقدين أن ذلك يُعبر عن ضعف وهم في هذه الحالة مخطئون وغير مدركين أن الصبر والدفع بالتي هي أحسن هما من عزم الأمور تأكيداً لما جاء في كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم. إن من يستغلون الأحداث اليوم لاسيما الذين يركزون على وقوف اليمن إلى جانب الأشقاء أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والتشكيك فيه بهدف إذكاء نار الفتنة وصبّ الزيت على النار ليتسنى لهم خدمة مصالحهم الخاصة عليهم أن يستفيدوا من دروس وعبر الماضي وسيجدون أن الحق دائماً يقف إلى جانب الشعب وقضاياه الوطنية، وأن ما يقومون به من أعمال قذرة ستتحول دائماً إلى سهام ترتد إلى صدورهم المليئة بالحقد والغل ضد كل ما هو جميل وتكشف زيفهم لشعبنا ليعرفهم على حقيقتهم بعد أن يكونوا قد اصطدموا على صخرة وعي الشعب اليمني الذي شبّ أبناؤه عن الطوق وباتوا يميزون الغث من السمين، لكن مع الأسف الشديد يظل أولئك الذين اعتادوا على الاصطياد في الماء العكر يسبحون ضد التيار حيث تتقاذفهم الأمواج من كل جانب وعندما لا يجدون مرسى يضعون عليه أقدامهم يذهبون مع العواصف كلما تحركت في أي اتجاه فيزدادون حقداً على من ثبّت الله أقدامهم لخدمة وطنهم بإخلاص ولا يطالبون مقابل تضحياتهم العظيمة والمقدرة من قبل الشعب وقيادته الثورية الحكيمة لا جزاءً ولا شكوراً، بل إنهم يضحون بأنفسهم وأرواحهم رخيصة من أجل الدفاع عن وطنهم والدفاع عن قضايا أمتهم بعد أن تخلى عنها العرب والمسلمون وارتموا في الحضن الأمريكي والصهيوني. إن أبناء القوات المسلّحة اليمنية والأمن صانعي الانتصارات العظيمة هم القادررون على مرمغة وجوه هؤلاء في التراب سواءً كانوا أولئك الذين يتعاونون مع العدوان من الداخل أو أولئك النفر وهم الأخطر الذين يعزفون على وتر الطائفية والمذهبية والمناطقية من الخارج معتقدين أنهم بعملهم الجبان سوف يؤثرون على وحدة الصف الوطني ورفع الشعارات الحاقدة التي يحاولون من خلالها إذكاء العداوة والبغضاء بين أبناء الشعب اليمني الواحد وتعميم ما يجري من أحداث على الجميع والذين مازالوا يسيرون في نفس الطريق كتجار أزمات لأنهم لا يستطيعون العيش بدون سلوك هذا الطريق الخاطئ خاصة أن الطبع يغلب التطبع. ولذلك نقول لهم: إن الحقد لا يورّث إلا الغل والكراهية، والكراهية والغل لا يورثان إلا العداوة والبغضاء ولا نريد لمجتمعنا اليمني أن يعود لما كان سائداً من تصرفات في عهود سابقة حيث كانت التفرقة والعنصرية هي التي تحكم المجتمع، فهل يتعظ هؤلاء ويرحمون الشعب اليمني من أفعالهم الشنيعة؟ لعلنا أوصلنا الرسالة إليهم والله من ورائهم محيط.