logo
توم فليتشر ودبلوماسية الاستجابة لغزّة

توم فليتشر ودبلوماسية الاستجابة لغزّة

العربي الجديدمنذ 4 ساعات

منذ توليه منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، برز توم فليتشر أحد أبرز الأصوات التي تدافع عن حقوق المدنيين وحماية الكرامة الإنسانية في أوقات النزاع، خصوصاً في الأزمة الإنسانية الحادّة التي تواجهها غزّة ، والحرب الٳسرائيلية التي حوّلتها ٳلى "مقبرة جماعية " لآلاف الأطفال، ولكن أيضاً للذين يحاولون مساعداتهم. ودقّ ناقوس الخطر ٳزاء ما يجري في اليمن وسورية وأوضاع صعبة تؤثر على حياة الأطفال والنساء والمدنيين في بلاد تئن من الحروب والصراعات المستمرّة، حيث يقود مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، خلفاً لمارتن غريفيث.
يمثّل فليتشر جيلاً دبلوماسيّاً جديداً يحترم معنى الإنسان وكرامته وحريته، ويرى أن الدبلوماسية لا تنجح إلا إذا كانت جزءاً من بيئة إنسانية مرئية بوضوح، لا تُخفي الوضع الٳنساني الكارثي في غزّة في ظل الحصار والمجاعة الشاملة والظروف المرعبة.
التقييم العام قاتم. فمنذ 18 مارس/ آذار، خرّب بنيامين نتنياهو الهدنة التي جرى التوصل إليها في غزّة قبل أيام فقط من تنصيب دونالد ترامب رئيساً. ومنذ ذلك الحين، قُتل آلاف المدنيين الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، وتعرّضت حياة المحتجزين الباقين للخطر. جرى تدمير معظم المباني والبنى التحتية، ولم يعد آخر مصنع لتحلية المياه يعمل.
حذّرت الأمم المتحدة من أن الوضع في غزة بلغ أسوأ مراحله منذ بداية الحرب
لقد حذّرت الأمم المتحدة من أن الوضع في غزة بلغ أسوأ مراحله منذ بداية الحرب.. وقد أطلقت 12 من أكبر منظمات الإغاثة الدولية نداءً مشتركاً يائساً، لكن هذه المناشدات لا تلقى آذاناً صاغية، فقد كرّر بتسلئيل سموتريتش أن "لا مساعدات ستدخل غزّة"، وأن هناك ضغطاً أقصى يُمارس لـ"إجلاء السكان إلى الجنوب وتنفيذ خطة الرئيس ترامب للهجرة الطوعية لسكان غزة". وكان وزير الحرب، يسرائيل كاتس، قد قدّم الخطة بالفعل إلى مجلس الاتحاد الأوروبي في أوائل 2024 عندما كان وزيراً للخارجية. وقد استولت القوات الإسرائيلية على أراضي القطاع وأصدرت أوامر إخلاء لثلثي سكانه، ما جعل تلك المناطق فعلياً "مناطق محظورة"، بما فيها مدينة رفح الحدودية. لقد تحوّلت غزّة إلى حرب تُشنّ أساساً ضد الأطفال والنساء والمدنيين.
مع ذلك ، يواصل فليتشر في الأمم المتحدة تطبيق الميثاق الٳنساني بشجاعةٍ ومسؤولية لمواجهة تدهور الأوضاع، فيسعى إلى تحويل العمل الإنساني من مجرّد استجابة للأزمات إلى قوة فاعلة لبناء السلام والعدالة، ما يمثل نداءً مشتركاً ونواة لتحالف أكبر دولي أخلاقي و قانوني وسياسي وٳعلامي، يؤسّس لذاكرة حيّة تدافع عن الٳنسانية في انهيارها الأخلاقي الكامل، لكن هذه المناشدات لا تلقى آذاناً صاغية.
ويبدو أن الهدف إيجاد ظروف تتيح تنفيذ أكبر عملية تطهير عرقي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. إن القول إنه "لن تدخل حبة قمح واحدة غزّة" يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي. ومن المستحيل عدم رؤية هذا نية للإبادة، وهي نية أخذتها المحكمة الجنائية الدولية بالفعل بالاعتبار عندما أصدرت مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق، غالانت. ولا يقلّ ذلك عما خلصت إليه العدالة الدولية في سريبرينيتسا ورواندا.
لا يكتفي فليتشر برؤيته الحالية في الأمم المتحدة بإدارة الأزمات، بل يسعى إلى إعادة تعريف العمل الإغاثي ليكون أكثر شفافية، شمولاً، وتطويراً لخطة الاستجابة الٳنسانية 2025. وبالفعل، قدّمت الأمم المتحدة خططاً لتوزيع المساعدات الٳنسانية ومراقبتها، منعاً للفوضى في رفح وما هو أسوأ.
يسعى المسؤولون الاسرائيليون إلى ٳغلاق نظام المساعدات الحالي الذي تديره 15 وكالة تابعة للأمم المتحدة، ومائتي منصّة حكومية وشركاء
تعود معرفة توم فليتشر إلى العام 2016، دبلوماسياً شغل منصب سفير المملكة المتحدة في لبنان بين عامي 2011 و2015 وتميز بأسلوب دبلوماسي مبتكر. وكان أصدر قبل مغادرته لبنان كتابه "الدبلوماسي العاري: القوة والسياسة في العصر الرقمي"، (حرص رئيس الحكومة اللبناينة الأسبق تمام سلام من موقعه الرسمي على التعريف به)، وهو عمل يجمع بين التجربة الشخصية والرؤية المستقبلية، ويقدّم نقداً وتحليلاً جريئاً للدبلوماسية التقليدية في مواجهة عالم سريع التغيّرات بفعل التكنولوجيا، وينتقد فيه البيروقراطيات الدبلوماسية. فيما يدعو إلى "إعادة تصميم مؤسسات السياسة الخارجية لتكون أكثر مرونة، تفاعلية، متصلة بالمجتمع بصدق، بسرعة، وبصوت بشري".
ترمز العبارة إلى الصدق. فـ"العري" هنا هو مواجهة الحقيقة في انكشاف الٳبادة الجماعية القائمة في غزّة، في وقتٍ يزعم فيه البربري والمحتل الٳسرائيلي وقف ٳطلاق النار، ويسعى ٳلى تقديم المساعدات للمدنيين الفلسطينيين، وفتح مرفق جديد خلف جيب من الرمال في رفح لمن يريدون الطعام.
لم يكن كتابه مجرّد نقدٍ نظري أو مذكرات مهنية، بل كان مانيفستو مستقبليّاً. واليوم ، يمكن تلمّس كيف ترجم أفكاره إلى ممارسة في عالمٍ تتآكل فيه الثقة بين الشعوب والحكومات، وتتفكّك فيه القواعد القديمة للدبلوماسية. ويتجلى ذلك في التزامه العميق بمبادئ الحياد والاستقلال في العمل الإنساني، حيث يؤكّد باستمرار على أن المساعدات يجب أن تصل إلى جميع المحتاجين في غزّة، وٳلى حركة حماس، بغض النظر عن الانتماءات السياسية أو الدينية، مع الحفاظ على كرامة الفلسطيني في قلب هذه الاستجابة الدولية، و"المساعدات الإنسانية يجب أن تبقى مستقلة وحيادية، وأن تصل إلى جميع المحتاجين من دون تمييز أو تسييس".
وفي مواقف حاسمة، يصف الخطة المدعومة من الولايات المتحدة بأنها "غطاء زائف" يهدف إلى تهميش دور الأمم المتحدة في توزيع المساعدات، وسيكون لها مستقبل رصيف غزّة 2024، وتنطوي على مخاطر ومشكلات قانونية وتشغيلية كثيرة تشكلها شركات الأمن الخاصة، المفترض أن تؤمن النقل. وعلى هذا الأساس، تقوّض الدولة العبرية، باعتبارها المتعاقد والمسؤول العملي عن ٳدارة غزّة، بمهام عالية المخاطر.
من تصريحاته ومواقفه في أزماتٍ كثيرة، خصوصاً في مناطق النزاعات، يظهر فليتشر التزاماً قويّاً بمبادئ الأمم المتحدة
يسعى المسؤولون الاسرائيليون إلى ٳغلاق نظام المساعدات الحالي الذي تديره 15 وكالة تابعة للأمم المتحدة، ومائتي منصّة حكومية وشركاء، ولا يقول المشروع الذي قدّمته "مؤسّسة غزّة"، شيئاً عما سيحدُث خارج "المناطق الٳنسانية"، حيث يبلغ عدد السكان نحو مليوني شخص، وٳعادة توجيه المساعدات ٳلى ممرّات ضيقة من الصعب التحكّم بها أو مراقبتها. ويحذّر العاملون في المجال من أن هذه الآلية قد تؤدّي ٳلى ٳثارة العنف وتفاقم الأوضاع وتفاوتات في التوزيع، مع تحذير المراقبين من سابقة شركة بلاك ووتر في العراق، كما أن خططاً خارج إطار الأمم المتحدة تكلف أكثر من الآليات المعتادة، وتقود الجيش الٳسرائيلي ٳلى احتلال جديد، في ظل عدم وجود خطة للخروج، وما يفاقم الحصار المالي على غزّة، وتهميش دور الأمم المتحدة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الشرق الأوسط.
من تصريحاته ومواقفه في أزماتٍ كثيرة، خصوصاً في مناطق النزاعات، يظهر فليتشر التزاماً قويّاً بمبادئ الأمم المتحدة، متحدّياً التحدّيات السياسية واللوجستية والٳدارية. وتبرز حقيقة الحاجة ماسّة إلى هذا الجيل من الدبلوماسيين. لا أولئك الذين يجمّدون الدماء في النصوص، بل الذين ينفخُون الروح في السياسة، ويجعلون من الكرامة البشرية معياراً للنجاح، لا مجرّد شعارات.
مثل هذا الجيل قد لا يوقف الحروب، ولكنه وحده القادر على أن يوقف مبرّراتها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قراءة في خطاب الدبلوماسية المصرية بشأن العدوان على إيران وغزة
قراءة في خطاب الدبلوماسية المصرية بشأن العدوان على إيران وغزة

العربي الجديد

timeمنذ 2 ساعات

  • العربي الجديد

قراءة في خطاب الدبلوماسية المصرية بشأن العدوان على إيران وغزة

دانت القاهرة عبر سفيرها الدائم في الأمم المتحدة أسامة عبد الخالق، في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، مساء أول من أمس الثلاثاء، علناً الحلف الأميركي الإسرائيلي، وشككت في شرعية نظام الفيتو ذاته، في خطاب غير معتاد من الدبلوماسية المصرية مع تحميلها إسرائيل المسؤولية عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقال عبد الخالق إن "الفيتو (الأميركي ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة) الأخير والمتكرر جاء ليسمح لإسرائيل باستمرار عدوانها الغاشم على المدنيين العزل في غزة"، مضيفاً أن "مصر تشدد على أن هذا الفيتو لا يغير من حقيقتين واضحتين؛ أولاهما أن إسرائيل ترتكب جرائم ممنهجة في غزة، والثانية أن هناك إجماعاً دولياً على ضرورة وقف هذه الحرب فوراً". وعلى نحو غير معتاد، طالب السفير المصري بإلغاء حق النقض نهائياً من نظام مجلس الأمن، باعتباره أداة تعطل العدالة الدولية، بل دعا إلى تطوير خطاب القانون الدولي الإنساني نفسه ليواكب حجم الجرائم الإسرائيلية في غزة. محمد حجازي: من حق إيران أن تمتلك برنامجاً نووياً سلمياً يتضمن دورة تخصيب كاملة للوقود النووي الجهود الدبلوماسية المصرية هذا الخطاب لم يكن الحدث الوحيد اللافت في مواقف القاهرة خلال الأيام الأخيرة، إذ تبنّت مصر أيضاً تحركاً دبلوماسياً قاد إلى صدور بيان مشترك عن 25 دولة إسلامية، يرفض العدوان الإسرائيلي على إيران، ويطالب بوقف التصعيد العسكري والعودة إلى طاولة المفاوضات. لكن هذا الموقف اللفظي المصري الواضح تناقضه سياسة مصرية عملية تُترجم مثلاً بمنع دخول قافلة "مسيرة الصمود" المغاربية إلى مصر في طريقها إلى غزة، إذ تم توقيف عشرات النشطاء العرب والأجانب المشاركين في قافلة التضامن مع غزة، والتي كانت تعتزم الوصول إلى معبر رفح، وتعرض بعضهم للاعتقال أو الترحيل، في حين نُظر إلى منع القافلة باعتباره مؤشراً على الفجوة العميقة بين الخطاب السياسي وممارسات الأمن على الأرض. وتدير الدبلوماسية المصرية معركتها الخاصة بين الضغوط الأميركية والتنسيق الأمني مع إسرائيل، والاعتبارات الشعبية التي تزداد احتقاناً، حيث وجدت الدولة المصرية نفسها في مواجهة اتهامات مزدوجة: من جهة "المزايدين"، كما تصفهم بعض أبواق السلطة، الذين يتهمون القاهرة بالتخاذل أو التواطؤ، ومن جهة أخرى جمهور عربي ودولي يرى في خطاب السفير المصري خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها تحتاج إلى ترجمة عملية لا تتوقف عند حدود الكلمات. في سياق الرد على ذلك، اعتبر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد حجازي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن مصر دولة ذات مسؤولية إقليمية تتحرك دائماً من منطلق الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها، وحماية الشعوب من الفتن والصراعات التي تغذيها السياسات اليمينية المتطرفة في إسرائيل. وأضاف أن الدبلوماسية المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، نشطة منذ اللحظة الأولى لأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقد حذّر الرئيس مبكراً من اتساع رقعة المواجهة وامتدادها لتشمل أطرافاً إقليمية متعددة، وهو ما نراه يتجلى اليوم في المواجهة الخطرة بين إسرائيل وإيران. ولفت حجازي إلى أن ما قدمته مصر لغزة من مساعدات إنسانية ، والتي تُقدّر بنحو 80% من إجمالي المساعدات الواصلة للقطاع، يعكس حجم التزامها الأخلاقي والإنساني، فضلاً عن التحركات السياسية والدبلوماسية المستمرة على كافة المستويات سعياً لوقف إطلاق النار. وأكد أن من حق إيران، شأنها شأن باقي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، أن تمتلك برنامجاً نووياً سلمياً يتضمن دورة تخصيب كاملة للوقود النووي، طالما التزمت بنسب تخصيب لا تتجاوز 3 إلى 3.5%، ولا تشمل أي مكون عسكري، مشدداً على أن إيران أعلنت مراراً أنها لا تسعى لامتلاك القنبلة النووية. عصام عبد الشافي: البيانات مثل البيان العربي الإسلامي غالباً ما تكون للاستهلاك الإعلامي البيان العربي الإسلامي في المقابل، تعليقاً على الموقف المصري وجهود الدبلوماسية المصرية في إصدار البيان العربي الإسلامي، قال أستاذ العلوم السياسية، عصام عبد الشافي، إن البيان الجماعي الذي يندد بالقصف الإسرائيلي الذي استهدف إيران، يجب التعامل معه بحدود واقعية، بعيداً عن المبالغة أو التهويل. وأشار في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن مثل هذه البيانات غالباً ما تكون للاستهلاك الإعلامي، ولا تقدّم أو تؤخر في ميزان التحركات السياسية الحقيقية. وأضاف عبد الشافي أن هناك عشرات السوابق لبيانات مشابهة صدرت عن قمم عربية أو خليجية أو حتى إسلامية، لم تترتب عليها أي تحركات ملموسة، مما يجعل هذه التصريحات أقرب إلى "ذرّ الرماد في العيون"، لا تعكس تغيراً حقيقياً في السياسات أو التحالفات. بدوره، اعتبر مساعد وزير الخارجية المصري السابق حسين هريدي، أن البيان الصادر عن عدد من الدول العربية والإسلامية بشأن إدانة العدوان الإسرائيلي على إيران يُعد بياناً مهماً وقويّاً في مضمونه، لكنه شدّد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، على أن البيانات وحدها لا تكفي في مثل هذه اللحظات الفاصلة. وأضاف أن المطلوب اليوم هو الوقوف العملي إلى جانب إيران، ودعم صمودها في مواجهة غطرسة القوة الإسرائيلية ، التي لا يستبعد أن تتوسع في اعتداءاتها لتشمل ساحات إقليمية أخرى. أخبار التحديثات الحية موسكو تحذر واشنطن من "مساعدة عسكرية مباشرة" لإسرائيل ضد إيران

توم فليتشر ودبلوماسية الاستجابة لغزّة
توم فليتشر ودبلوماسية الاستجابة لغزّة

العربي الجديد

timeمنذ 4 ساعات

  • العربي الجديد

توم فليتشر ودبلوماسية الاستجابة لغزّة

منذ توليه منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ في أكتوبر/ تشرين الأول 2024، برز توم فليتشر أحد أبرز الأصوات التي تدافع عن حقوق المدنيين وحماية الكرامة الإنسانية في أوقات النزاع، خصوصاً في الأزمة الإنسانية الحادّة التي تواجهها غزّة ، والحرب الٳسرائيلية التي حوّلتها ٳلى "مقبرة جماعية " لآلاف الأطفال، ولكن أيضاً للذين يحاولون مساعداتهم. ودقّ ناقوس الخطر ٳزاء ما يجري في اليمن وسورية وأوضاع صعبة تؤثر على حياة الأطفال والنساء والمدنيين في بلاد تئن من الحروب والصراعات المستمرّة، حيث يقود مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، خلفاً لمارتن غريفيث. يمثّل فليتشر جيلاً دبلوماسيّاً جديداً يحترم معنى الإنسان وكرامته وحريته، ويرى أن الدبلوماسية لا تنجح إلا إذا كانت جزءاً من بيئة إنسانية مرئية بوضوح، لا تُخفي الوضع الٳنساني الكارثي في غزّة في ظل الحصار والمجاعة الشاملة والظروف المرعبة. التقييم العام قاتم. فمنذ 18 مارس/ آذار، خرّب بنيامين نتنياهو الهدنة التي جرى التوصل إليها في غزّة قبل أيام فقط من تنصيب دونالد ترامب رئيساً. ومنذ ذلك الحين، قُتل آلاف المدنيين الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، وتعرّضت حياة المحتجزين الباقين للخطر. جرى تدمير معظم المباني والبنى التحتية، ولم يعد آخر مصنع لتحلية المياه يعمل. حذّرت الأمم المتحدة من أن الوضع في غزة بلغ أسوأ مراحله منذ بداية الحرب لقد حذّرت الأمم المتحدة من أن الوضع في غزة بلغ أسوأ مراحله منذ بداية الحرب.. وقد أطلقت 12 من أكبر منظمات الإغاثة الدولية نداءً مشتركاً يائساً، لكن هذه المناشدات لا تلقى آذاناً صاغية، فقد كرّر بتسلئيل سموتريتش أن "لا مساعدات ستدخل غزّة"، وأن هناك ضغطاً أقصى يُمارس لـ"إجلاء السكان إلى الجنوب وتنفيذ خطة الرئيس ترامب للهجرة الطوعية لسكان غزة". وكان وزير الحرب، يسرائيل كاتس، قد قدّم الخطة بالفعل إلى مجلس الاتحاد الأوروبي في أوائل 2024 عندما كان وزيراً للخارجية. وقد استولت القوات الإسرائيلية على أراضي القطاع وأصدرت أوامر إخلاء لثلثي سكانه، ما جعل تلك المناطق فعلياً "مناطق محظورة"، بما فيها مدينة رفح الحدودية. لقد تحوّلت غزّة إلى حرب تُشنّ أساساً ضد الأطفال والنساء والمدنيين. مع ذلك ، يواصل فليتشر في الأمم المتحدة تطبيق الميثاق الٳنساني بشجاعةٍ ومسؤولية لمواجهة تدهور الأوضاع، فيسعى إلى تحويل العمل الإنساني من مجرّد استجابة للأزمات إلى قوة فاعلة لبناء السلام والعدالة، ما يمثل نداءً مشتركاً ونواة لتحالف أكبر دولي أخلاقي و قانوني وسياسي وٳعلامي، يؤسّس لذاكرة حيّة تدافع عن الٳنسانية في انهيارها الأخلاقي الكامل، لكن هذه المناشدات لا تلقى آذاناً صاغية. ويبدو أن الهدف إيجاد ظروف تتيح تنفيذ أكبر عملية تطهير عرقي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. إن القول إنه "لن تدخل حبة قمح واحدة غزّة" يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي. ومن المستحيل عدم رؤية هذا نية للإبادة، وهي نية أخذتها المحكمة الجنائية الدولية بالفعل بالاعتبار عندما أصدرت مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق، غالانت. ولا يقلّ ذلك عما خلصت إليه العدالة الدولية في سريبرينيتسا ورواندا. لا يكتفي فليتشر برؤيته الحالية في الأمم المتحدة بإدارة الأزمات، بل يسعى إلى إعادة تعريف العمل الإغاثي ليكون أكثر شفافية، شمولاً، وتطويراً لخطة الاستجابة الٳنسانية 2025. وبالفعل، قدّمت الأمم المتحدة خططاً لتوزيع المساعدات الٳنسانية ومراقبتها، منعاً للفوضى في رفح وما هو أسوأ. يسعى المسؤولون الاسرائيليون إلى ٳغلاق نظام المساعدات الحالي الذي تديره 15 وكالة تابعة للأمم المتحدة، ومائتي منصّة حكومية وشركاء تعود معرفة توم فليتشر إلى العام 2016، دبلوماسياً شغل منصب سفير المملكة المتحدة في لبنان بين عامي 2011 و2015 وتميز بأسلوب دبلوماسي مبتكر. وكان أصدر قبل مغادرته لبنان كتابه "الدبلوماسي العاري: القوة والسياسة في العصر الرقمي"، (حرص رئيس الحكومة اللبناينة الأسبق تمام سلام من موقعه الرسمي على التعريف به)، وهو عمل يجمع بين التجربة الشخصية والرؤية المستقبلية، ويقدّم نقداً وتحليلاً جريئاً للدبلوماسية التقليدية في مواجهة عالم سريع التغيّرات بفعل التكنولوجيا، وينتقد فيه البيروقراطيات الدبلوماسية. فيما يدعو إلى "إعادة تصميم مؤسسات السياسة الخارجية لتكون أكثر مرونة، تفاعلية، متصلة بالمجتمع بصدق، بسرعة، وبصوت بشري". ترمز العبارة إلى الصدق. فـ"العري" هنا هو مواجهة الحقيقة في انكشاف الٳبادة الجماعية القائمة في غزّة، في وقتٍ يزعم فيه البربري والمحتل الٳسرائيلي وقف ٳطلاق النار، ويسعى ٳلى تقديم المساعدات للمدنيين الفلسطينيين، وفتح مرفق جديد خلف جيب من الرمال في رفح لمن يريدون الطعام. لم يكن كتابه مجرّد نقدٍ نظري أو مذكرات مهنية، بل كان مانيفستو مستقبليّاً. واليوم ، يمكن تلمّس كيف ترجم أفكاره إلى ممارسة في عالمٍ تتآكل فيه الثقة بين الشعوب والحكومات، وتتفكّك فيه القواعد القديمة للدبلوماسية. ويتجلى ذلك في التزامه العميق بمبادئ الحياد والاستقلال في العمل الإنساني، حيث يؤكّد باستمرار على أن المساعدات يجب أن تصل إلى جميع المحتاجين في غزّة، وٳلى حركة حماس، بغض النظر عن الانتماءات السياسية أو الدينية، مع الحفاظ على كرامة الفلسطيني في قلب هذه الاستجابة الدولية، و"المساعدات الإنسانية يجب أن تبقى مستقلة وحيادية، وأن تصل إلى جميع المحتاجين من دون تمييز أو تسييس". وفي مواقف حاسمة، يصف الخطة المدعومة من الولايات المتحدة بأنها "غطاء زائف" يهدف إلى تهميش دور الأمم المتحدة في توزيع المساعدات، وسيكون لها مستقبل رصيف غزّة 2024، وتنطوي على مخاطر ومشكلات قانونية وتشغيلية كثيرة تشكلها شركات الأمن الخاصة، المفترض أن تؤمن النقل. وعلى هذا الأساس، تقوّض الدولة العبرية، باعتبارها المتعاقد والمسؤول العملي عن ٳدارة غزّة، بمهام عالية المخاطر. من تصريحاته ومواقفه في أزماتٍ كثيرة، خصوصاً في مناطق النزاعات، يظهر فليتشر التزاماً قويّاً بمبادئ الأمم المتحدة يسعى المسؤولون الاسرائيليون إلى ٳغلاق نظام المساعدات الحالي الذي تديره 15 وكالة تابعة للأمم المتحدة، ومائتي منصّة حكومية وشركاء، ولا يقول المشروع الذي قدّمته "مؤسّسة غزّة"، شيئاً عما سيحدُث خارج "المناطق الٳنسانية"، حيث يبلغ عدد السكان نحو مليوني شخص، وٳعادة توجيه المساعدات ٳلى ممرّات ضيقة من الصعب التحكّم بها أو مراقبتها. ويحذّر العاملون في المجال من أن هذه الآلية قد تؤدّي ٳلى ٳثارة العنف وتفاقم الأوضاع وتفاوتات في التوزيع، مع تحذير المراقبين من سابقة شركة بلاك ووتر في العراق، كما أن خططاً خارج إطار الأمم المتحدة تكلف أكثر من الآليات المعتادة، وتقود الجيش الٳسرائيلي ٳلى احتلال جديد، في ظل عدم وجود خطة للخروج، وما يفاقم الحصار المالي على غزّة، وتهميش دور الأمم المتحدة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الشرق الأوسط. من تصريحاته ومواقفه في أزماتٍ كثيرة، خصوصاً في مناطق النزاعات، يظهر فليتشر التزاماً قويّاً بمبادئ الأمم المتحدة، متحدّياً التحدّيات السياسية واللوجستية والٳدارية. وتبرز حقيقة الحاجة ماسّة إلى هذا الجيل من الدبلوماسيين. لا أولئك الذين يجمّدون الدماء في النصوص، بل الذين ينفخُون الروح في السياسة، ويجعلون من الكرامة البشرية معياراً للنجاح، لا مجرّد شعارات. مثل هذا الجيل قد لا يوقف الحروب، ولكنه وحده القادر على أن يوقف مبرّراتها.

عون يبلغ لاكروا تمسّك لبنان ببقاء "اليونيفيل" في الجنوب
عون يبلغ لاكروا تمسّك لبنان ببقاء "اليونيفيل" في الجنوب

العربي الجديد

timeمنذ 10 ساعات

  • العربي الجديد

عون يبلغ لاكروا تمسّك لبنان ببقاء "اليونيفيل" في الجنوب

جال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لإدارة عمليات السلام، جان بيار لاكروا، اليوم الأربعاء، على المسؤولين اللبنانيين في بيروت ، حيث جرى عرض للتطورات في لبنان والمنطقة، والأوضاع في الجنوب على وقع استمرار الخروقات الإسرائيلية اتفاق وقف إطلاق النار، إلى جانب دور قوات اليونيفيل، في ظلّ تشديد لبناني على التمسك ببقائها، وذلك مع اقتراب استحقاق التمديد في أغسطس/آب المقبل. وأبلغ الرئيس اللبناني جوزاف عون لاكروا أن "لبنان متمسك ببقاء اليونيفيل في جنوب لبنان لتطبيق القرار 1701 بالتعاون مع الجيش اللبناني الذي سيواصل انتشاره في الجنوب وتنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بكافة مندرجاته". وخلال استقباله لاكروا، قبل ظهر اليوم الأربعاء، في قصر بعبدا، مع وفد ضم قائد "اليونيفيل" في الجنوب الجنرال أرولدو لازارو، قال عون إن "المحافظة على الاستقرار في الجنوب أمر حيوي ليس للبنان فحسب، بل لدول المنطقة كلها، ودور اليونيفيل أساسي في المحافظة على هذا الاستقرار"، لافتاً إلى أن "التعاون بين الجيش اللبناني والقوات الدولية ممتاز". وأعرب عون عن أمله في أن "تتمكن الدول المموّلة لمهمات السلام الدولية من أن توفّر التمويل اللازم لعمل اليونيفيل، كي لا تتأثر سلباً القوات الدولية العاملة في الجنوب"، لافتاً إلى أن "لبنان سيجري اتصالات مع الدول الشقيقة والصديقة في هذا الاتجاه". كذلك شدد عون على أن "لبنان يقوم بكل ما التزم به في ما يخص تطبيق القرار 1701 ومتمماته، لكن استكمال انتشار الجيش حتى الحدود يتطلب انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي تحتلها، وإعادة الأسرى اللبنانيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، إضافة إلى وقف الأعمال العدائية التي تستهدف الأراضي اللبنانية بشكل دائم". تقارير عربية التحديثات الحية لبنان يواكب الحرب الإسرائيلية الإيرانية: اتصالات لتثبيت الحياد من جهته، أكد لاكروا أن "اليونيفيل مستمرة في أداء مهامها على رغم الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة"، مؤكداً أن "طلب الحكومة اللبنانية بالتمديد للقوة الدولية هو موضع درس من الأمم المتحدة والدول الأعضاء في مجلس الأمن، وثمة وجهات نظر مختلفة فيما يخص دور اليونيفيل ومهامها، يجري العمل على التقريب بينها للتوصل إلى اتفاق في هذا الصدد قبل حلول موعد التمديد نهاية شهر أغسطس المقبل". وشدد على أن "الأمم المتحدة تدعم لبنان في المطالبة باستمرار عمل اليونيفيل، لا سيما أن التنسيق بينها وبين الجيش اللبناني يجري بانتظام". وفي سياق جولة لاكروا على المسؤولين اللبنانيين، تناول في لقاء مع رئيس البرلمان نبيه بري تطورات الأوضاع العامة في لبنان، ومهام قوات اليونيفيل والتمديد لها لولاية جديدة. وأكد بري: "تمسك لبنان بالشرعية الدولية، من خلال استمرار قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان وأهمية دورها في مستقبل لبنان وأمنه واستقراره واستقرار المنطقة، ودور هذه القوات في رعاية اتفاق الإطار المتصل بالحدود البحرية، كما اتفاق وقف النار الأخير الذي تواصل إسرائيل خرقه يومياً وتستمر باحتلالها أجزاء من الأراضي اللبنانية في الجنوب". وشدد بري أمام لاكروا، بحسب ما نقل مكتبه الإعلامي، على أنّ "لبنان متمسك بأن يبادر المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى التمديد لهذه القوات لولاية جديدة". من جهته، استقبل وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي، لاكروا، ولازارو، والوفد المرافق، وجرى عرضٌ للأوضاع في جنوب لبنان، وعمل اليونيفيل، ومسألة تمديد ولايتها المرتقب في شهر أغسطس/ آب المقبل. وأكد رجّي تمسك لبنان ببقاء اليونيفيل وبدورها المهم في تحقيق الاستقرار وتثبيت الهدوء في الجنوب، مشدداً على أهمية التمديد لها من دون إدخال أي تعديلات على ولايتها. كما أكد إدانة لبنان أي اعتداء إسرائيلي يستهدف القوات الدولية، ورفضه أي تعرّض لعناصرها من قبل لبنانيين، وهو أمر قيد المتابعة من السلطات اللبنانية لمحاسبة المعتدين وسوقهم إلى العدالة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store